شرح القراءات
بكر كل خليقة
- “الذي لنا فيه الفداء بدمه غفران الخطايا الذي هو صورة الله غير المنظور بكر كل خليقة” (كو 1: 14، 15).
- “الآن قام المسيح من الأموات وصار باكورة الراقدين” (1كو 15: 20).
- [وارتضي بالجسد أن يعلوا على الصليب
يحتمل الموت وينهض الموتي بقيامته المجيدة] (لحن طون سينا - من ألحان عيد القيامة والخمسين يوم المُقدَّسة ).
- [بسبب محبة الله لخلائقه قد دعا الابن نفسه “بكراً لكل خليقة” (كو١: ١٥)
فهو بكر من أجلنا نحن حتى تصير الخليقة كلها مطعمة فيه كما في أصل جديد خالد فتنبت من جديد من الكائن الأزلي نفسه] (القديس كيرلس الأسكندري)[1]
- [المسيح هو الأصل الثاني للجنس البشري والبداية الجديدة للبشرية التي ترجع بواسطة التقديس إلى كمالها الأول .. لذلك يدعى المسيح آدم الثاني لأنه أستطاع أن يوصل إلى طبيعتنا كل النعم السعادة والخلود والمجد وذلك بالمثل كما استطاع آدم (الأول) أن يوصل إلى طبيعتنا لعنة الفساد والمذلة] (القديس كيرلس الأسكندري)[2]
قام المسيح
- ذهب رئيس الملائكة مع جمهور من الجند السماوي للرعاة (لو ٢: ١٣) ليبشرهم بولادة مُخلِّص هو المسيح الرب، ليحوِّل الأرض إلى سماء، ورافق جمهور من الجند السماوي مجئ الرب إلى الجحيم ليُبشِّر الأرواح التى في السجن فيتحوَّل الجحيم إلى فردوس بحضور يسوع المصلوب (١بط ٣: ١٩) كما رافقت الملائكة أجواء قيامته (يو ٢٠: ١٢).
- وكما كانت ولادته خارج توقعات اليهود في بساطتها ورسالتها وشهودها، هكذا كانت قيامته مُفاجأة سارّة للتلاميذ، وصدمة للفريسيين، وأمراًغريباً عن المألوف للأمم (أع ١٧: ٣٢)
- وكما إضطربت كل أورشليم في ميلاده (مت ٢: ٣) هكذا أيضاً تزلزلت في موته (مت ٢٧: ٥١) وقيامته (مت ٢٨: ٢).
- وكما فحص الشيوخ ورؤساء الشعب وتشاوروا في حقيقة ميلاده (مت ٢: ٤) هكذا أيضاً تشاوروا في إنكار حقيقة قيامته (مت ٢٨: ١٢).
- وكما تعثَّروا في إدراك سرّ ميلاده ونشأته (مر ٦: ٣) تعثَّروا أيضاً في إدراك موته وقيامته (يو ٧: ٣٥).
- ولم يعلموا أنه خارج من الآب - أخلى ذاته - في تجسّده وميلاده (يو ١٦: ٢٨) وذاهب إلى الآب - بجسد البشرية - بعد قيامته (يو ١٦: ٢٨، مر ١٦: ١٩).
- لكن كما شهد إشعياء بكل ما يخُصّ ملء الزمان في ميلاده (إش ٧: ١٤؛ ٩: ٦) هكذا أيضاً شهد بوضوح إلي حقيقة موته وقيامته (إش٥٣: ٩- ١١).
- وكما أشارت المزامير إلى ميلاده ومجيئه في الجسد (مز ٥٠: ٢، ٣، ٢٣) أشارت أيضاً إلى قيامته المُقدَّسة (أع ٢: ٣١).
- وكما كانت ولادته تحت الناموس (غل ٤: ٤) هكذا صارت قيامته حسبما جاء في الناموس (مر ١٢: ٢٦، لو ٢٤: ٤٤).
- وكما كانت ولادته في ملء الزمان وتتميم الأيام (غل ٤: ٤) هكذا كانت قيامته بعد تتميم الأيام لإرتفاعه (لو ٩: ٥١).
- ومن جاءوا في الليل فازوا برؤيته في ميلاده (لو ٢: ٨) ومن ذهبوا إلى قبره في الظلام (يو ٢٠: ١) تمتعوا برؤيته في قيامته.
- ومن جاءوا من بعيد وإحتملوا كل المشقات ليسجدوا له في ميلاده (مت ٢: ١) ومن إخترقوا كل الصعوبات فتقدسوا بلمس رجليه بعد قيامته (مت ٢٨: ٩)
- ومن إشتروا الغالي من هدايا لميلاده (مت ٢: ١١) ومن حملوا الغالي من أطياب دفنه (مر ١٦: ١، يو ١٩: ٣٩).
- وصارت البلاد الصُغرى مُمجَّدة في ميلاده (مت ٢: ٦) والنفوس الصغري مُمجَّدة في قيامته (مر ١٦: ٨).
- وهو الذي لم يكن له مكان ميلاد (لو ٢: ٧) وتبرَّع إنسان بمكان دفنه (مت ٢٧: ٦٠).
- وهو الخارج من شبه مغارة - كما يوجد في الفريسكات القبطية القديمة - في ولادته (لو ٢: ٧) والمُخترق حجر مغارة قبره في قيامته (مر١٦: ٦).
- ورافقت الأقمطة ميلاده (لو ٢: ٧) وأعلنت حقيقة قيامته (يو ٢٠: ٦، ٧).
- وكما رجع الرعاة إلى مكان ميلاده بعد ما أعلمتهم السماء بحقيقة ميلاده (لو ٢: ٢٠) هكذا رجع تلميذي عمواس للتلاميذ بعد ما أعلمهما الرب بحقيقة قيامته (لو ٢٤: ٣٣).
- وكما كانت السرعة والتلَّهُف نصيب من جاءوا إليه في ميلاده (لو ٢: ١٦) هكذا أيضاً من جاءوا إليه بعد قيامته (مت ٢٨: ٨).
- وكما شهد هؤلاء بميلاده (لو ٢: ١٨) هكذا شهد أولئك بقيامته (مت ٢٨: ٧).
- وكيف كان تَعجُّب من أدركوا ميلاده (لو ٢: ١٨) ومن أدركوا قيامته (لو ٢٤: ١٢).
- وذهب الجنود للبحث عن مكان ميلاده ليقتلوه (مت ٢: ١٦) وهرب جنود آخرون من مكان قيامته لينكروه (مت ٢٨: ١١- ١٥).
- وكما كان الإشتياق الكاذب لرؤيته من هيرودس في أجواء ميلاده (مت ٢: ٨) هكذا أيضاً كان الإشتياق الكاذب لرؤيته من هيرودس آخرفي أجواء موته وقيامته (لو ٢٣: ٨- ١١).
- لكن كما ترجم الملك زمان ميلاده للشر (مت ٢: ٧) هكذا أيضاً ترجم قادة اليهود زمان قيامته للشر (مت ٢٧: ٦٣).
- وكما كان النجم دليل مكان ميلاده (مت ٢: ٩) هكذا صار النجم إعلان عن مجد حقيقة قيامته (١كو ١٥: ٤١، ٤٢).
- وقال الملاك ليوسف إذهب من ههنا (مت ٢: ١٣) وقال الملاك للمريمات ليس هو ههنا (مت ٢٨: ٦).
- وكان يوسف النجار حافظاً لكرامة تجسّده في ولادته (مت ١: ٢٤) ويوسف الرامي حافظاً لكرامة جسده في دفنه (مت ٢٧: ٥٩، ٦٠).
- وكما إنشغل التدبير الإلهي بأن يعتني رجل بار وقديس بوالدة الإله بعد ولادة إبنها الحبيب (مت ١: ٢٤) هكذا إنشغل إبن الله على الصليبب أن يعتني رسول بار وقديس بأمه بعد موته وقيامته (يو ١٩: ٢٧).
- وكما كانت مصر ملجأ طفولته بعد ولادته (مت ٢: ١٣- ١٥) هكذا كانت رمز قيامته في خروف الفصح (رؤ ١١: ٨).
- وكما كانت أورشليم موضع مجئ وقدوم الأمم إلى إبن الله في ميلاده (مت ٢: ١) هكذا صارت أورشليم أيضاً مكان وملجأ رجوع اليهود إليه بعد قيامته (لو ٢٤: ٣٣).
- وكما خضع غِنَى العالم له في ميلاده (مت ٢: ١١) هكذا أيضاً إحتضن موته حتي قيامته (يو ١٩: ٣٩، ٤٠).
- وكما كان ملكاً في ولادته (مت ٢: ٢) كان أيضاً ملكاً في موته (يو ١٩: ١٩) وملكاً في قيامته (رو ١٤: ٩، أف ١: ٢٠، ٢١).
- وكما دُعي بكراً في ميلاده (مت ١: ٢٥) هكذا أيضاً دُعي بكراً في قيامته (كو ١: ١٨).
- وكما أخذناه (من خلال أمنا العذراء والدة الإله) إلي هيكل الأرض بعد أربعين يوماً من ولادته لنقدم ذبيحة إفتداء البكر (لو ٢ : ٢٢)، هكذاأيضاً بعد أربعين يوما من قيامته أخذنا هو أيضاً إلي هيكل السماء مُقدِّمنا باكورة طبيعتنا إلي الآب (مر ١٦ : ١٩)
- وقال أنه نازل من السماء في ولادته ومجيئه للعالم (يو ٦: ٤٢) وراجع إلى السماء بعد قيامته (أع ١: ١١).
- وصارت المسرة نصيب البشرية بولادته (لو ٢: ١٠) وغمر الفرح النفوس بقيامته (يو ٢٠: ٢٠).
- وكانت بشارة الملاك للرعاة في ميلاده “لا تخافوا” (لو ٢ : ١٠) في الوقت الذي إضطرب فيه الملك (مت ٢ : ٣)، وأيضاً بشارة الملاك للمرأتين في القيامة “لا تخافا” (مت ٢٨ : ٥) في الوقت الذي إرتعد فيه الحراس ( مت ٢٨ : ٤).
- وكان تَجسُّدَه وميلاده بداية إمتلاء البشرية من الروح القدس (لو ١: ٣٥، ٤١) وصارت قيامته الإعداد والمدخل لملء الروح القدس لكل المؤمنين (يو ٧: ٣٩، أع ٢: ٤، أع ٤: ٣١).
- وأُعْلِنت بشارة الميلاد خلال المرأة ( والدة الإله ) قبل الرجل (لو ١ : ٣١) ، وأُعْلِنت أيضاً بشارة القيامة للمرأة ( مريم المجدلية ) قبل الرسل (يو٢٠ : ١٧)
- ودعا الرب من يرعون الخراف للفرح بميلاده (لو ٢ : ١٠)، ودعا التلميذ لرعاية خرافه في فرح قيامته (يو ٢١ : ١٥).
- وأُستعلن المجد في ميلاده (لو ٢: ١٤) وفِي قيامته (مر ١٦: ١٧- ١٩).
- وصار الخوف المُقدَّس رفيق ميلاده (لو ٢: ٩) كما كان رفيق قيامته (مر ١٦: ٨).
- ورعب العالم من ميلاده (مت ٢: ٣) كما كان من قيامته (مت ٢٨: ٤).
- وأخيراً أعلن بميلاده ومجيئه نوره للعالم (مت ٤: ١٦) وترك بقيامته نوره للعالم (أع ٢٦: ٢٣).
- فهو - له كل المجد - وُلِدَ لكي يموت (يو ١٢: ٢٧) ومات لكي يقوم ويُقيمنا معه وفيه (عب ٥: ٧، أف ٢: ٦) وقام من الأموات لكي يُعطينا الولادة الجديدة ويجعلنا أبناء له (غل ٤: ٥).
قام المسيح ..
- إجتمعت كل المتناقضات معاً من تحالف ولاة متخاصمين (لو ٢٣: ١٢) وخبث رؤساء وقادة الشعب (يو ١٩: ١٢) وهياج قوات الظلمة (لو٢٢: ٥٣) وتوهان شعب عن مخلصه (لو ٢٣: ٢١- ٢٣) فذابت في عجينة التدبير الإلهي لتجد نفسها خادمة لموته وقيامته المُقدَّسة.
- وهكذا إرتفع وإحتوى تدبير الله كل ما يفعله البشر لتصير القيامة إعلان عن اليوم الثالث، وهو يوم الله الذي يظهر فيه مجده وقوّته وسلطانه بعد ما إعتقدت قوات الظلمة أن اليوم الأوَّل والثاني هما مصير البشرية ونهايتها، لذلك جاءت القيامة لتكشف عن اليوم الجديد والإنسان الجديد في المسيح.
- اليوم الأوَّل هو يوم إنتصار الشر (ظاهرياً) واليوم الثاني هو يوم صمت السماء في عيون البشر (تدبيرياً) واليوم الثالث هو يوم إعلان التدبير الإلهي المُخفي عن البشر في اليوم الثاني وإعلان إنتهاء سلطان الظلمة في اليوم الأوَّل.
- بمعني آخر اليوم الأوَّل هو إعتقاد رؤساء اليهود ومن معهم من اليهود والرومان إنتهاء القصة بصلب الرب ويقينهم بأنهم تخلَّصوا منه للأبد، وهذا هو دائما إعتقاد الأشرار عندما تنجح مساعيهم ضد الكنيسة أو ضد أولاد الله (مؤقتاً).
- واليوم الثاني هو الذي ذهب فيه الرب إلى الجحيم (ليلة أبو غالمسيس) وأخذ كل الأبرار ليفتح لهم باب الفردوس وباب النعيم وكانت فرحةعارمة لكل النفوس المأسورة في سجن الجحيم (١بط ٣: ١٩)، ولكن في ذات الوقت كان كل هذا العمل الإلهي العظيم مَخفيِّاً عن عيون الرسل والمؤمنين الذين في الأرض، ولم يدركوا ذلك إلَّا في اليوم الثالث بعد قيامته المُقدَّسة.
- وهكذا صارت القيامة يومنا الثالث الذي نعيشه كل يوم وكل لحظة، والذي من خلاله نرى ما يُقدِّمه العالم لنا في اليوم الأوَّل من آلام ومؤامرات وموت على أنه طريق خلاصنا، ونختبر كيف يُحوَّل القائم من بين الأموات عارنا إلى مجد (غل ٣: ١٣) ويأسنا إلى فرح (لو ٢٤: ١٧، ٢١).
- وصارت القيامة يومنا الثالث الذي نُدْرِك من خلاله التدبير الإلهي في اليوم الثاني حتي ولو كان مَخْفيِّا عن عيون البشر وأعطتنا رجاء العبوراليومي من الإكتئاب والحيرة والإضطهاد والإنطراح بفضل نور قيامته الذي يُشْرِق دائماً في قلوبنا (٢كو ٤: ٦- ١١).
- أي أن يومنا الثالث في المسيح القائم من بين الأموات صار هو العين الروحية التي نرى بها يومنا الأوَّل فنعرف أنه أتى بمشورة الله المحتومة وعلمه السابق (أع ٢: ٢٣) ونرى بها يومنا الثاني ونتيقَّن أن الله فيه سيفعل فوق كل شئ أكثر جدِّاً ممَّا نطلب أو نفتكر (أف ٣: ٢٠).
- صار هذا - اليوم الثالث - هو اليوم الذي صنعه الرب لنفرح ونتهلل فيه وبه، لذلك صار القدَّاس والإفخارستيا هما دخول اليوم الثالث إلى واقعنا اليومي، وكُلَّما قدم العالم لنا اليوم الأوَّل من موت ودفن وتحالف قوات الظلام على أولاد الله فيلجأون إلى موضع الراحة ومصدر الراحة (مت ١١: ٢٨، لو ٢٢: ١١) بحسب الترجمة القبطية “المعلم يقول لك أين موضع راحتي” (عب ٤: ١١) فيخرجون من الكنيسة والقدّاس شهوداً لقيامته [بموتك يا رب نبشر وبقيامتك المُقدَّسة..] ويقدمون للعالم الموجوع يومهم الثالث أي إشعاع فرحهم الدائم بقيامته المُقدَّسة.
- فلنفرح اليوم بمن قام وأقامنا معه وجعل كل أيامنا اليوم الثالث (خر١٩: ١١، هو ٦: ٢) وكل أوقاتنا أوقات خلاص (٢كو ٦: ٢) وسنوات عمرنا هي سنة الرب الجديدة (لو ٤: ١٩).
شرح القراءات
- إذا كانت قراءات الخمسين يوم المقدسة كلها تتكلم عن الحياة الجديدة، والخليقة الجديدة، وأرض الموعد (سكنى الثالوث في الإنسان الجديد)، فإن أحد القيامة يظهر لنا مصدر الحياة الجديدة ربنا يسوع المسيح بكر كل خليقة ولا يقصد بها المسيح له المجد مخلوق كما قال المبتدع أريوس، بل إنه بكر الخليقة الجديدة، أي أنه جدد طبيعة الإنسان التي فسدت بالخطية خلال الجسد الذي أخذه من والدة الإله، وبموته وقيامته جعل هذا الجسد باكورة الخليقة الجديدة وصار المسيح له المجد بقيامته بالجسد باكورة الراقدين وبكراً بين أخوة كثيرين، وصاربقيامته المقدسة أساس ومصدر القيامة لكل نفس في العهد الجديد من موت الخطية ونوالها القيامة الأولى خلال قيامة المسيح..
- لذلك تتتكلم قراءات أحد القيامة عن الأبن القائم من بين الأموات بكر كل خليقة.
مغزى إختيار الكنيسة للنبوَّات الخاصة بعيد القيامة :
إختارت كنيستنا المُقدَّسة مجموعة نبوات من أسفار مختلفة من العهد القديم لتعلن لنا بركات الخلاص التي أخذناها من موت المسيح له المجد وقيامته المُقدَّسة وصعوده بالجسد إلى السموات، لذلك نجد حديث النبوَّات ليلة عيد القيامة عن هذه الأحداث الخلاصية مجتمعة، والتي تؤول في النهاية إلى خلاص الإنسان وتجديد طبيعته ونوال المجد في المسيح، لذلك تتحدَّث نبوَّات هذه الليلة عن الصليب والقيامة والصعود، وخلاص الأمم، ومولد كنيسة العهد الجديد.
- لذلك تبدأ نبوَّات عيد القيامة بسفر التثنية التي تشير إلى تدبير الثالوث للخلاص، وقدرته الإلهية (تث ٣٢: ٣٩- ٤٣).
[“ليس إله معي.” هذه العبارة تشير إلى الله كثالوث.] (هيلاري مِن بواتييه - عن الثالوث – 5-36.37).
[الله يحيي كل مائت.] (APhrahat).[3]
- وتتكلَّم نبوّة إشعياء عن إستعلان مجد الله بالصليب والقيامة، والمجد الذي ناله الإنسان الجديد في المسيح (إش ٦٠: ١- ٨).
[لقد أشرق مجد الله على الأرض؛ وهو قد أشركنا معه في المجد، مرتقيًا بطبيعتنا حتى تصير مثل طبيعته.] (القديس كيرلُّس).
[مجده هذا يفوق في بهائه ما لأعظم الملوك مِن مجد.] (القديس أمبروسيوس).
[يتكلم إشعياء عن الذين سيرتفعون عاليًا مثل السُحُب مقاومين الخطية وقواها الشريرة، تلك التي لا تقوى على المساس بكل مَن يجعلهم إيمانهم مرتفعين فوق تلك القوى] (القديس غريغوريوس النيصي).[4]
٣- وتُؤكِّد أيضا النبوة الثانية من إشعياء على تدبير الثالوث للخلاص، ومجد الأمم في العهد الجديد، وصبر الله في آلامه الذي أعلن عدله وتحننه كقول القديس أغسطينوس (إش ٤٢: ٥- ١٧):
[إن الابن والروح القدس مع الآب، كإله واحد – كلهم يعمل لتدبير خطة خلاصنا] (القديس أمبروسيوس)
[يحق للبداية الروحية الجديدة التغنّي بإنشودة جديدة] (العلامة أوريجانوس)
[والأكثر أهلاً للتغنّي بتلك الأنشودة هم بنو الأمم، حيث إنهم قد ظلّوازمانًا طويلاً في العبودية] (مار إفرام السرياني).
[صبر الله هو عدالته المطوقة بتحنّنه] (القديس أوغسطينوس)
[إذ هو قد شاء فوضع نفسه تحت مذلة التعذيب بلْ وحتى الموت] (القديس الكساندروس).[5]
٤- ويوضِّح الآباء في النبوّة الثالثة لإشعياء ميلاد كنيسة العهد الجديد بعد ما أزال المسيح له المجد قبضة الشيطان بقوة موته وقيامته (إش ٤٩: ١٣- ٢٣).
[تعدّ صهيون للمسيحيين التي هي أورشليم – بمثابة مثال يوحي بأمور عدة: موضع آلام المسيح، وموضع اجتماع جماعة المؤمنين، والعهد الملائكي، والمدينة السمائية] (القديس جيروم).
[دم المسيح قد غسل كل الخطايا لكل الشعوب] (القديس امبروسيوس).
[وجعل الكنيسة طاهرة بيضاء، حتى يلبسها كثوب بهيّ كل مَن يحيا بها] (القديس جيروم).
[لقد أزال المسيح قبضة الشيطان على البشر بقوته الجبارة] (القديس كيرلُّس)[6]
٥- وتحكي نبوّة إرميا كيف تحول حزننا إلى فرح بفداء المسيح له المجد (إر31: ٢٣- ٢٨)
[نحن نتنقَّى ببكائنا على خطايانا. واستجابة لذلك الحزن فإن الله يعطينا الوعد بالرحمة. لقد حزن يسوع؛ لا على خطية قد صنعها إذ هو بلاخطية؛ بلْ كان حزينًا على ما بنا مِن خطايا، هكذا حتى الموت؛ هكذا حتى نحوِّل حزننا إلى فرح.] (القديس امبروسيوس)[7].
٦- وتتكلَّم نبوّة حبقوق عن كيف أطفأ الرب الجحيم بصليبه، وملأ الكنيسة بالتسبيح (حب ٣: ٢- ١٩)
[مجد الرب يشير إلى صعوده المجيد؛ هذا الذي يملأ الكنيسة بالتسبيح.] (القديس أوغسطينوس).
[يُشار للمسيح بالرمز كأنه مثل ثور، وابن الصليب الذي قال عنه النبي أن منه تنبعث أشعة النور. صليب المسيح قد بعث ألهبة نار حارقة، هي تلك التي أطفأت لهب الجحيم.] (القديس جيروم).
[قيام الله ليقيس الأرض هو دلالة على صلب المسيح. ثم أن تشقُّق الجبال والتلال التي كانت تقام عليها مذابح الأوثان، هو نموذج لنصرة المسيح على الشياطين.](THEODORET) [8]
٧- وأوضح القديس كيرلس الأورشليمي في شرحه لهذه النبوّة هدف إرسالية المسيَّا في خلاص الجميع، يهود وأمم، في المسيح له المجد (زك ٢: ١٠- ١٣)
[لقد وعَد الله بإرسال المسيّا لليهود والأمم؛ ولأن قوله حق، فقد أتمه في المسيح.] (القديس كيرلُّس الأورشليمي)[9]
مزمور باكر
ويتكلم مزمور باكر عن نوم البشرية وسكرها بالخطية في العهد القديم، ومشابهة الرب لنا في كل شئ ما خلا الخطية، لذلك قال أنه “كالنائم”، “مثل الجبار المفيق من الخمر” فهو لم يكن نائماً مثل البشر ولم تقترب إليه خمر الخطية، بل إنه أخذ شبه جسد الخطية (رو ٨: ٣)، وقام بهذا الجسد كباكورة للبشرية كلها وبنى بهذه القيامة كنيسته المقدسة (جسده) أي كل المؤمنين به من كل الأمم وأسسهم إلى الأبد” وبنى مثل وحيد القرن موضعه المقدس وأسسه على الأرض إلى الأبد” (مز ٥٧ : ٦٠).
كما يشير المزمور إلى قوَّة القيامة، وهي التي قال عنها المتنيح أبونا بيشوي كامل:
[هى قوة ذاتية في الرب يسوع الذى لا يغلبه الموت.
وهى قوة في حياة هؤلاء الذين ماتوا مع المسيح.
لقد ظنت النسوة أن الحجر الكبير سيكون عقبة أمام القيامة ولكن قوة القيامة في حياة يسوع لا يقف أمامها قوة في الوجود .
القيامة قوة في حياة كل انسان تائب راجع الى الله.
لقد جددت القيامة ايمان توما الذى سقط في الشك، ولقد جددت القيامة محبة بطرس الذي أنكر وسب ولعن].[10]
أنجيل باكر
وفي إنجيل باكر يتكلم عن مصير الإنسان في العهد القديم ونهايته الطبيعية “أتين إلى القبر” وعن إنسان العهد الجديد وقيامته المقدسة “قد قام ليس هو ههنا” ليس هو فقط بل كل الذين في قبور الخطية أنعم عليهم بالحياة الأبدية، وهذه هي البشارة المفرحة لكل الحزانى “وتلك ذهبت وقالت للذين كانوا معه وهم ينوحون ويبكون” (مر ١٦: ٢، ٦،١٠).
البولس
ويتكلم البولس عن المسيح الباكورة وأساس كل قيامة في العهد الجديد “أما كل واحد في رتبته فالمسيح الباكورة ثم الذين للمسيح يقومون في حضوره” (١كو ١٥: ٢٣)..
وأن القيامة أساس الإيمان والحياة والخدمة، فإن لم تكن قيامة للأموات فالإيمان باطل والحياة عبثية “نأكل ونشرب لأننا غداً نموت” (١كو ١٥: ٣٢).. والخدمة بلا معنى لأنها لا ترتكز على فعل القيامة.
لذلك يؤكد البولس على أن آدم الجديد هو مصدر الحياة “إن آدم الإنسان الأول صار ذا نفس حية، وآدم اللأخير صار ذا نفس محيية، الإنسان الأول من الأرض ترابي، والإنسان الثاني الرب من السماء، فمثل الترابي كذلك الترابيون، ومثل السماوي كذلك السماويين” (١كو١٥: ٤٥- ٤٨).
الكاثوليكون
يتكلم عن الأبن النائب عن البشرية والذي فتح لنا الطريق للآب بموته وقيامته “لأن المسيح مات دفعة من أجل الخطاة، الصديق من أجل الظالمين، لكي يقربنا إلى الله” (١بط ٣: ١٨)..
وعن معمودية العهد الجديد فلك الخلاص التي فيها نأخذ فعل موت المسيح وقيامته “الأمر الذي تماثله الآن المعمودية خلصتم بها لا لإزالة وسخ الجسد بل ابتهال البصيرة الصالحة إلى الله بقيامة يسوع المسيح” (١بط ٣: ٢١).
الإبركسيس
ويتكلم عن أن موت المسيح هو في تدبير الآب لأجل خلاص البشر وأن الموت والفساد لا يستطيعان أن يمسكاه بل هو من سيعطي الحياة ويبطل الفساد عن كل من يؤمن به “هذا برأي الله وحل مخاض الموت وبما أنه لم يكن ممكناً أن يمسك منه” (أع ٢: ٢٣، ٢٤) “لأنك لا تترك نفسي في الجحيم ولا تدع صفيك أن يرى فساداً” (أع ٢: ٢٧).
مزمور القداس
يُعْلِن عن أن هذا اليوم يوم الخلاص هو الذي تنتظره البشرية كلها وتترجاه “هذا هو اليوم الذي صنعه الرب. فلنبتهج ونفرح به. يا رب تخلصنا. يارب تسهل طريقنا. الله الرب أضاء علينا (بقيامته المقدسة). هلليلويا” (مز ١١٨: ٢٤، ٢٥، ٢٧).
انجيل القداس
يُعلن عن أن القيامة هي موضوع الكتاب كله وغاية النبوات “فرأى وآمن لأنهما لم يكونا عرفا الكتاب، أنه ينبغي له أن يقوم من الأموات” (يو٢٠: ٨، ٩).
وأن قيامته أيضاً هي باب صعودنا به وفيه إلى الآب ونوال الإنسان في المسيح الشركة الدائمة مع الآب “فاذهبي إلى أخوتي وقولي لهم أني أصعد إلى أبي الذي هو أبيكم، وإلهي الذي هو إلهكم” (يو ٢٠: ١٧).
[ملحوظة عن طقس هذا اليوم: تاريخ تمثيلية القيامة: يقول العلَّامة يسي عبد المسيح: قفل باب الهيكل وما يقوله المرتل ويرد عليه الكهنة من داخل من “المسيح قام. وافتحوا أيها الملوك أبوابكم” ليس له وجود في ك تب الترتيب القديمة وكذا إطفاء الأنوار][11]
ملخص الشرح
(بكر كل خليقة)
- تتكلَّم نبوَّات هذه الليلة عن الصليب والقيامة والصعود، وخلاص الأمم، ومولد كنيسة العهد الجديد.
- أخذ الرب شبه جسد الخطية جاعلاً منه بكر الخليقة الجديدة وبه أسس كنيسته أعضاء جسده. (مزمور باكر).
- أبن الإنسان حرر بقيامته البشرية من موت القبور وبشر كل المؤمنين بفرح القيامة. (انجيل باكر).
- آدم الجديد هو مصدر الحياة. (البولس).
- الأبن فتح لنا الطريق إلى الآب بموته وقيامته، واستعلنت لنا هذه العطية في المعمودية فلك الخلاص. (الكاثوليكون).
- قيامة المسيح في تدبير الآب وبعلمه السابق ولا يستطيع الموت أو الفساد أن يقترب منه. (الكاثوليكون).
- يوم قيامة المسيح هو رجاء البشرية وغاية انتظارها. (مزمور القداس).
- القيامة هي موضوع الكتاب المقدس كله وغاية النبوات. (انجيل القداس).
- القيامة هي باب صعودنا بالمسيح وفيه إلى الآب (إنجيل القدَّاس).
من وحي ظهورات الرب بعد القيامة
المريمات «الإستهانة بالمستحيلات»
- ذهبت المريمات للقبر ومعهن الحنوط.
- ذهبن وهن يدركن أن القبر له حراس.
- ذهبن وهن يسألن أنفسهن من يدحرج لنا القبر؟.
- ذهبن والظلام باقٍ !!.
- ذهبن دون طلب المساعدة من الرسل الرجال.
- السؤال هو لماذا ذهبن رغم كل هذا؟.
- لماذا ذهبن رغم كل المعوقات المستحيلة؟.
- ذهبن لإشتياقهن الشديد له.
- ذهبن لرؤيته وهو ميت دون إستفادة شئ سوي تقديم الحب.
- لذلك كانت المجازاة والمكافأة عظيمة نلنها قبل الآباء الرسل.
عظات مقترحة لأحد القيامة المجيد
(١) حقيقة وبرهان قيامة المسيح له المجد:
١- إمكانية قيامة الأجساد (البولس).
٢- المعمودية موت وقيامة مثل ما حدث في فلك نوح (الكاثوليكون).
٣- حياة المسيحيين برهان القيامة (الكاثوليكون).
٤- نبوّات العهد القديم عن القيامة (الإبركسيس).
٥- إختبار القيامة (إنجيل القدَّاس).
7- دوام فعل القيامة (مزمور القدَّاس).
(٢) كيف نعيش القيامة:
١ -التوبة اليومية
“استيقظ أيها النائم، وقم من الأموات، فيضيء لك المسيح” (أف ٥: ١٤).
٢ -المحبّة
“نحن نعلم أننا قد انتقلنا من الموت إلى الحياة، لأننا نحب الإخوة” (١يو ٣: ١٤).
٣ -الإفخارستيا
“من يأكل جسدي ويشرب دمي فله حياة أبدية، وأنا أقيمه في اليوم الأخير” (يو ٦: ٥٤).
٤ -الحياة السماوية
“فإن كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق، حيث المسيح جالس عن يمين الله” (كو ٣: ١).
٥ -الخدمة
“فليعلم أن من رد خاطئا عن ضلال طريقه، يخلص نفسا من الموت، ويستر كثرة من الخطايا” (يع ٥: ٢٠).
(٣) في الوسط “جاء يسوع ووقف في الوسط” (يو ٢٠: ١٩)
جاء تعبير “في الوسط” أربع مرات تقريباً في العهد الجديد:
1.” أجابهم يوحنا قائلا: أنا أعمد بماء، ولكن في وسطكم قائم الذي لستم تعرفونه” (يو ١: ٢٦).
أي أن المسيح له المجد دائماً في وسط حياتنا اليومية، يسير معنا في الطريق ويكلمنا (تلميذي عمواس)، ينظر إلينا في إحتياجه (جعت فأطعمتموني)، يحاورنا في عطشنا (السامرية)، يجلس على مائدتنا (مرثا ومريم).
لكن الأخطر أن لا نعرفه، فنظنه شخص آخر (تلميذي عمواس)، أو فقير ومحتاج يزعجنا (لا أقدر أن أقوم وأعطيك)، أونفتخر بحضوره في بيوتنا دون نوال سلامه وغفرانه (لو ٧: ٣٦- ٥٠).
- 2. “لأنه حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فهناك أكون في وسطهم” (مت ١٨: ٢٠).
وهنا يمكن أن تأتي بمعاني ثلاثة :
أولاً: العبادة، وشركة الصلاة، مثل بولس وسيلا، وصلاة التلاميذ بعد خروجهم من السجن.
ثانياً: الخدمة (مت 25).
ثالثاً: الأسرة أي الزوجين (إثنين)، أو في وجود الأطفال (أو ثلاثة وضمناً أكثر).
- “حيث صلبوه، وصلبوا اثنين آخرين معه من هنا ومن هنا، ويسوع في الوسط” (يو ١٩: ١٨).
أي وسط آلامنا وأحزاننا مثل ظهوره لمريم المجدلية ليهبها فرح وسلام، وظهوره لبطرس ليعطيه يقين الغفران والشفاءالروحي والنفسي.
- “جاء يسوع ووقف في الوسط، وقال لهم: سلام لكم” (يو ٢٠: ١٩).
أي ظهوره لنا في الكنيسة (١كو ١٥)، وملء روحه في كنيسة الفكر الواحد (أع ٢، ٤).
أو يمكن أن يكون المعنى أيضاً “وسط أفراحنا” أي مباركاً أفراحنا كما كان في عرس قانا الجليل (يو ٢).
(٤) كيف ومتى وأين نرى مسيح القيامة
- الإشتياقات الحارّة (المريمات).
“في أول الأسبوع جاءت مريم المجدلية إلى القبر باكرا، والظلام باق” (يو ٢١: ١).
- التوبة (بطرس).
“فخرج إلى خارج وبكى بكاء مرا” (مت ٢٦: ٧٥).
“وأنه ظهر لصفا” (١كو ١٥: ٥).
- خدمة الغرباء (تلميذي عمواس)
“فألزماه قائلين: امكث معنا، لأنه نحو المساء وقد مال النهار. فدخل ليمكث معهما” (لو٢٤: ٢٩).
- الشركة المُقدَّسة (التلاميذ).
“وبعد ثمانية أيام كان تلاميذه أيضا داخلاً وتوما معهم. فجاء يسوع والأبواب مغلقة، ووقف في الوسط وقال: سلام لكم” (يو٢٠: ٢٦).
- أعمالنا اليومية (السبعة التلاميذ على بحر طبرية).
“فخرجوا ودخلوا السفينة للوقت. وفي تلك الليلة لم يمسكوا شيئا ولما كان الصبح، وقف يسوع على الشاطئ” (يو٢١: ٣، ٤).
عظات آبائية لأحد القيامة المجيد
العظة الأولى: عيد القيامة للقديس أثناسيوس الرسولي[12]
أول المباديء التي نجحت فيها كنيسة الاسكندرية
عيد الفصح ووقت الصوم
إن الكنيسة القبطية من عهد القديس مرقس الانجيلي كاروز الديار المصرية اعتمدت على أن يكون الفصح الجديد أو عيد القيامة المجيد في يوم الأحد التالي لفصح اليهود، وتسلمت هذا المبدأ من الكاروز مرقس نفسه، وقد استدلوا على ذلك من تاريخ استشهاده، إذ كتب ساويروس بن المقفع في تاريخه يقول: [فلما كان في أحد السبوت يوم عيد فصح السيد المسيح اتفق في تلك السنة يوم ٢٩ من برمودة وكان فيه أيضاً عيد الكفار الوثنيين، فطلبوه باجتهاد فوجدوه في الهيكل فهجموا عليه وأخذوه وجعلوه في حلقه حبلًا وجروه على الأرض وكانوا يقولون: جروا التيتل في دار البقر].
وذكر ذلك أيضاً ابن الراهب وقال نقلًا عن الدسقولية: [في الفصل الحادي والثلاثين، يجب عليكم يا أخوتنا الذين اشتريتم بالدم الجليل الذي هو دم المسيح أن تعملوا يوم الفصح بكل استقصاء واهتمام عظيم من بعد طعام الفطير الذي يكون في زمان الإعتدال الذي هو خمسة وعشرون يومًا من برمهات، وأن لا يعمل هذا العيد الذي هو تذكار الألم الواحد دفعتين في السنة بل دفعة واحدة لأجل الذي مات عنا دفعة واحدة، وتحفظوا أن لا تُعَيِّدوا مع اليهود لأنه ليس لكم الآن معهم شركة لأنهم ضلوا وغلطوا وذلوا هؤلاء الذين ظنوا أنهم كاملون وهم ضالون في كل زمان ويفرقون الحق. وأما أنتم فتحفظوا باستقصاء من عيد اليهود الذي فيه طعام الفطير الذي يكون في زمان الربيع في خمسة وعشرون يومًا من برمهات، هذا الذي يحفظ إلى أحد وعشرين يوماً من الهلال في أسبوع آخر غير الأسبوع الذي يعملون فيه الفصح، ولا تصنعوا عيد قيامة ربنا ومخلصنا يسوع المسيح إلا في يوم الأحد لا غير، ومن قوانين الرُّسُل المسيرة على يد اكليمنضس تلميذ بطرس من الكتاب الثاني اخراج القبط من الستة وخمسين قانوناً: إذا صنع أسقف أو قس أو شماس البصخة المقدَّسة مع اليهود قبل اعتدال الليل والنهار فليقطع. وزاد الصفي عن (دسق ٣١: ١١) ثم حلوا صومكم وأنتم مسرورون بأن يسوع المسيح قام من الموتى وهو عربون لقيامتنا ويكون هذا لكم ناموساً أبدياً إلى انقضاء هذا الدهر إلى أن يأتي الرب].
وكانت قوانين الكنيسة مبنية على أن السيد المسيح بعد أن أفصح مع تلاميذه في ليلة الجمعة الفصح الناموسي رسم لهم العشاء السري وفي يوم الجمعة كان مصلوباً وفي السبت كان مقبوراً وقام في يوم الأحد ولذلك لا يحتفلون إلا بعد فصح اليهود في يوم الأحد تذكاراً لقيامته. وقد استمرت الكنيسة القبطية تراعي هذا المبدأ، وكان المسيحيون عامة يصومون الأربعين يوماً بعد عيد الظهور فإذا ما انقضت فطروا ثم يعودون إلى صوم أسبوع الآلام الذي يدعونه بالبصخة (الفصح) ليكون عيد فصحهم الجديد أو قيامة مخلصهم في الأحد التالي لتمام القمر الواقع في أيام الاعتدال الربيعي. لأن اليهود قد خرجوا من مصر في أيام الاعتدال في اليوم الرابع عشر من نيسان (أول السنة الدينية العبرية) وكان فصحهم وقت فكروا في تعليق المخلص على خشبة الصليب وقد قام منتصراً في يوم الأحد، وأسبوع الآلام يصومه المسيحيون تذكاراً لمن تألم عنهم، ولما رأى أساقفة الاسكندرية أن فرقة نصرانية عرفت بالأربعتعشرية كانت تعيد الفصح الجديد في يوم فصح اليهود ، لم يرق في أعينهم استمرار المسيحيين على هذه الطريقة، فرفعت الكنيسة القبطية صوتها عالياً ودعت هذه الفرقة وغيرها إلى نبذ الفوضى وأن يكون العيد في الوقت الذي حدده الانجيلي مرقس كاروزهم وضم الأربعين يوماً (الصوم) إلى أسبوع الآلام حتى يستمروا في صومهم إلى العيد. ثم أخروا الاحتفال برأس سنتهم الفلكية أو يوم الاعتدال الربيعي إلى ما بعد عيد فصحهم الجديد ودعوه بشم النسيم، الذين به يحتفلون الآن بعد عيد الفصح الجديد بيوم أي في يوم الاثنين التالي ليوم عيد القيامة .
وقد كتب ابن الفراش في تاريخه أن القبط محقون في دعواهم فقال: [وفي ذلك العصر كتب ديمتريوس بطريرك الاسكندرية إلى أغابيانوس أسقف بيت المقدس، وإلى مكسيموس بطريرك أنطاكية وإلى بطريرك رومية في سبب حساب الفصح وكيف يستخرج من فصح اليهود، ووضعوا في هذه كتباً كثيرة ورسائل حتي ثبتوا النصارى على ما هم عليه اليوم، وذلك أن المسيحيون كانوا بعد صعود سيدنا يسوع المسيح إلى السماء إذا عيدوا عيد الحميم من الغد يصومون أربعين يوماً ويفطرون كما فعل سيدنا يسوع المسيح لما اعتمد في نهر الأردن خرج إلى البرية وأقام بها أربعين يوماً صائماً، وكان المسيحيون إذا فَصِحَ اليهود عيدوا هم أيضاً الفصح، فوضع هؤلاء البطاركة حساباً للفصح ليصوم المسيحيون أربعين يوماً ويكون فطرهم هو يوم الفصح .
وهذا مصداقاً لما في الكتب القبطية من أن ديمتريوس لم يفته البحث في هذا الموضوع وتقريره ثم ندب الكنائس إلى العمل به حتى يكون المسيحيون في أنحاء المعمورة في يوم عيدهم مسرورين معاً بتذكار قيامة فاديهم، ويذكر التاريخ الكنسي: أن المجمع انعقد في جزيرة بن عمر على الأربعتعشرية الذين كانوا يعيدون مع اليهود في اليَوم الرابع عشر من هلال نيسان. قد قرر (المجمع) منع هؤلاء الناس وضرورة عمل العيد في يوم الأحد وكتب بذلك إلى البطاركة: سرابيون بطريرك أنطاكية، ودمقراطس بطريرك رومية، وديمتريوس بطريرك مدينة الاسكندرية، وسيماخس أسقف بيت المقدس، وأعلمهم ببدعة هؤلاء القوم. فسير كل منهم رسالة يذكر فيها أن لا يُعمل الفصح الجديد إلا في يوم الأحد الذي بعد عيد اليهود. وتقرر عمل الفصح كأوامر الرُّسُل القائلين بأن من يعمل يوم قيامة الرب في يوم غير يوم الأحد فقد شارك اليهود في أعيادهم وافترق من المسيحيين .
ونظراً لوجود هذا الاختلاف عقدت مجامع مكانية، في رومية عقد مجمع رأسه فيكتور أسقفها وقرر أن يكون العيد في الوقت الذي كتب له عنه ديمتريوس،
وكذلك مجمع فرنسا الذي عقده ايريناوس أسقف ليون فإنه أيد هذه الطريقة ذاتها التي أقرها المجمع النيقاوي المسكوني الأول، وهذا بخلاف المجامع التي اجتمعت في آسيا: في أفسس برئاسة بوليكريوس أسقفها فإنه قد تقرر أن يكون العيد في اليوم الرابع عشر من نيسان.
وجاراه مجمع فلسطين المؤلف من أربعة عشر أسقفاً يتقدمهم نرقيصوص أسقف أورشليم وتأوفيلس أسقف قيصرية،
ثم عقدوا مجمعاً آخر في آخر سنة ١٩٧م في قيصرية فلسطين يتقدمه ثاوفيلس أسقف قيصرية ونرقيصوص أسقف أورشليم وكسيوس أسقف صور وكلاروس أسقف عكا وقرروا سريان مبدأ الأربعتعشريين بدعوى أنهم تسلموا هذا تقليداً من الانجيلي يوحنا الحبيب وكان بوليكربوس تلميذه، الذي عاش في النصف الأول من القرن المسيحي الثاني يدافع عن هذا التقليد، فاعتاد تابعوه علي أكل خروف الفصح في اليوم الرابع عشر من نيسان العبري وهو الذي يلي الاعتدال الربيعي دائماً، وله مع أساقفة رومية حديث طويل الشرح،
غير أن المباديء التي سارت عليها الكنيسة القبطية بالاسكندرية وبنت عليها نظريتها في أن يكون الأحد التالي لعيد الفصح الناموسي، قد اقتنع بها الكثير حتى أن الشرقيين انفسهم قد حرموا الذين يعيدون مع اليهود كما ظهر من قرار مجمع جزيرة ابن نصر في الموصل (بين النهرين)، غير أنه رغماً عن اتحاد أكثر كنائس الشرق والغرب على الأخذ بمبدأ الأسكندريين فإن جماعة من الطوائف المسيحية ظلوا محافظين على الفصح الناموسي حتي جب المجمع النيقاوي هذا التقليد واستأصل هذه العادة بالمنشور الذي أصدره قسطنطين القيصر وحض فيه الكنائس عامة علي التعييد في وقت واحد، بعد أن اقتنع بالمبادئ التي قررتها كنيسة الاسكندرية .
وأن تكن هذه المسألة بعيدة عن قواعد الايمان إلا أنها أخذت أهمية كبرى نظراً لأن القيامة تعتبر حجر زاوية في تاريخ النصرانية وهذا العيد الذي يجب أن يفرح فيه كل مسيحي معتبراً أياه كأنه بدأ بحياة جديدة، قد صار مرموقاً بعين الاعتبار، كاعتبار اليهود لعيد فصحهم الناموسي بأنه اسمى أعيادهم، ولذلك فإنهم جعلوا الاحتفال بهذا العيد تذكار قيامة المخلص في غاية الأهمية ليذكروا فيه قيامة فاديهم ومخلصهم.
العظة الثانية: لا تلمسيني - للقديس كيرلس الكبير [13]
(يو ٢٠: ١٧)
“قال لها يسوع لا تلمسيني لأني لم أصعد بعد إلى أبي، ولكن إذهبي إلى إخوتي وقولي لهم: إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم”.
لا يفهم العامة معنى هذا القول بسهولة، لأن فيه سرَّ خفيَّ، ولكن يجب أن نبحث فيه لفائدتنا، وسوف يمنحنا الرب أن نعرف كلماته، فبينما كانت المرأة تجري نحوه، ورغم أنها اشتاقت أن تحتضن قدميه فإن الرب منعها وأوقفها، وذكر سبب منعه إياها بقوله: “لأنني لم أصعد بعد إلى أبي، ويلزمنا أن نبحث عن معنى هذا القول، فماذا يعني أنه لم يصعد بعد إلى أبيه؟ وكيف يمكن أن يكون عدم صعوده سبباً كافيًا لمنع أولئك الذين أحبوه من لمس جسده المقدَّس؟ .
إن كل مَنْ يتصور أن الرب رفض أن تلمسه المرأة لكي لا يتدنس بلمسها، وأنه تكلم بهذه الكلمات لكي يكون نقياً حينما يصعد إلى الآب في السماء، كل من يفكر هكذا يكون مستحقاً لكلَّ لوم ويستحق أن يوصف بالحماقة والجنون، لأن طبيعة الله لا يمكن أن تتدنس مطلقاً، وكما أن شعاع الشمس عندما يسقط على كومة من روث البهائم أو على أي شيء آخر من الأشياء الأرضية النجسة، فإن الشعاع لا يتدنس، بل يظَّل كما هو أي غير ملوث، ولا يشترك في أي رائحة كريهة من القاذورات التي يسقط عليها، فكم بالحري طبيعة الله الكلية القداسة، فإنها لا تسمح لأي عيب أو دنس أن يؤثر فيها.
إذن ما هو السبب في منع مريم من لمسه حينما اقتربت منه واشتاقت أن تلمسه؟ وماذا يمكن أن يكون قصد الرب حينما يقول: “لأني لم أصعد بعد إلى أبي”، ينبغي أن نفتش عن معنى هذه الكلمات بأقصي طاقتنا .
لذلك نقول، إن مجيء المخلَّص إلينا كان له أهداف متعددة، ولكن الهدف الرئيسي بين كل هذه الأهداف هو ما عبّر عنه بكلماته هو نفسه عندما قال: “لم أتِ لكي أدعو أبراراً بل خطاة إلى التوبة” (مت ٩: ١٣) .
فقبل صلب المخلص وقيامته من الأموات، أي حينما لم تكن خطة تدبيره قد وصلت بعد إلى غايتها، فإنه كان يخالط كلاً من الأبرار والخطاة، ويأكل مع العشارين والخطاة، وكان يسمح لكل من يريد، أن يأتي إليه ويلمس جسده المقدس، وذلك لكي يقدَّس كل البشر ويدعوهم إلى معرفة الحق، ولكي يعيد إلى الصحة والشفاء لأولئك الذين كانوا مرضى وضعفاء من كثرة ممارسة الخطية. لذلك يقول أيضاً في موضع آخر: “لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب، بل المرضى” (لو ٥: ٣١). ولذلك فقبل قيامته من الأموات كان يعاشر الأبرار والخطاة بدون تفرقة أو تمييز، ولم يطرد أبداً أحد من الذين أتوا إليه، بل إنه حينما كان متكئ في بيت أحد الفريسيين، جاءت إليه امرأة كانت خاطئة في المدينة، وكانت تبكي (لو٧: ٣٧، ٣٨)، وقد حلَّت ضفائر شعرها وهذا يدل على عدم تحررها التام من خدمة خطاياها السابقة، ومسحت قدميه بشعرها، أما هو فلم يمنعها، وكذلك حينما كان ذاهباً لكي يقيم ابنة رئيس المجمع من الموت، جاءت امرأة بنزف دم ولمست هدب ثوبه” (لو ٨: ٤٣، ٤٤)، ونجد أنه لم يغضب بالمرة، بل أنعم عليها بالثقة المعزَّية بقوله: “ثقي يا ابنة إيمانك قد شفاك، اذهبي بسلام”.
في ذلك الوقت فإن الناس الذين كانوا لا يزالون نجسين، والذين كانوا متدنسين عقلاً وجسداً، هؤلاء حسب تدبيره، كان يسمح لهم أن يلمسوا جسد المسيح مخلصنا نفسه بلا مانع أو عائق، وبذلك يحصلون منه على كل بركة، ولكنه بعد أن أكمل تدبير فدائنا، بعد أن احتمل الصليب والموت عليه، وبعد أن قام حيَّاً وأظهر أن طبيعته أعلى من الموت، فإنه منذ ذلك الحين بدأ يمنع أولئك الذين يأتون إليه من لمس جسده المقدس، وبذلك أعطانا مثالاً تسير عليه الكنائس المقدسة فيما يختص بالسر الخاص به .
فكما أن الناموس الذي أعطي بواسطة موسى الحكيم فيما يخص ذبح الحمل الذي يرمز للمسيح، يقول: “لا يأكل منه أي أغلف” (خر ١٢: ٤٨)، أي غير مختون فهو يعني أن غير المختون هو غير طاهر، وهو مثال للطبيعة البشرية غير الطاهرة، لأن ما هي طبيعة الإنسان بالمقارنة بنقاوة الله الطبيعية، لذلك إذ ظللنا غير مختونين، أي غير طاهرين فعلينا أن نمتنع عن لمس جسده المقدس، ولكن حينما نصير أطهاراً بالختان الحقيقي للروح فإننا يمكن أن نلمسه، لأن “ختان القلب هو بالروح” كما يقول بولس (رو ٢: ٢٩) .
إعطاء الروح القدس يسبق لمس جسد المسيح :
ولا يمكن أن نُختتن روحياً إن لم يسكن فينا الروح القدس بالإيمان والمعمودية المقدسة، لذلك فقد كان لائقاً أن تُمنع مريم مؤقتاً من لمس جسده المقدس، لأنها لم تكن قد نالت الروح القدس، فرغم أن المسيح قام من الأموات، ولكن الروح لم يكن قد أُعطي للبشرية من الآب بواسطة المسيح، ولكنه حينما صعد إلى الآب أرسل الروح إلينا، حسب قوله: “خير لكم أن أنطلق، لأني إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي، ولكن إن ذهبت، سأرسله إليكم” (يو ١٦: ٧). فلأن الروح القدس لم يكن قد نزل إلينا، لأن المسيح لم يكن قد صعد بعد إلى الآب، فهو لهذا السبب منع مريم من لمسه لأنها لم تكن قد أخذت الروح، قائلاً لها: “لا تلمسيني لأني لم أصعد بعد إلى أبي”، أي لم أرسل لك بعد الروح القدس .
التقديس بالروح القدس يسبق التناول من الجسد والدم:
ومن هنا فإن هذا المثال ينطبق على الكنائس، فإننا نمنع الذين آمنوا بألوهية المسيح واعترفوا بالإيمان، أي الذين أصبحوا موعوظين، نمنعهم من الاقتراب من المائدة المقدسة لأنهم لم ينالوا غنى الروح القدس بعد، فإن الروح لا يسكن في الذين لم يقبلوا المعمودية، ولكن حينما يصيرون شركاء الروح القدس، فلا يوجد ما يمنعهم من لمس المسيح مخلصنا، لذلك أيضاً، فكل الذين يرغبون في الاشتراك في الإفخارستَّيا المقدسة يقول لهم خدَّام الأسرار الإلهية: “القدسات للقديسين”، وبذلك يعلّمونهم أن الاشتراك في القدسات هو المكافأة التي يحصل عليها الذين تقدَّسوا بالروح .
(يو ٢٠: ١٧)
“قال لها يسوع لا تلمسيني لأني لم أصعد بعد إلى أبي، ولكن اذهبي إلى إخوتي وقولي لهم: إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم”.
منع المسيح مريم من لمسه للأسباب التي قدمناها، رغم أنها في محبتها لله كانت تشتاق جداً لهذه الهبة، ولكنه يكافئها على عنايتها وسهرها ويضاعف تعويضها على إيمانها الحار ومحبتها له، موضحاً أن الذين يجتهدون في خدمته ينالون مكافأة، ولكن ما هو أكثر مجداً أن مريم حققت خلاص المرأة من الضعفات القديمة، لأن فيها هي أولاً، أي في مريم، كلل جميع جنس النساء بكرامة مضاعفة، فرغم أنها كانت تبكي في البداية على المسيح، ولكنها حوَّلت نوحها إلى فرح عندما أخبرها الرب أن تمتنع عن البكاء، وهو الذي حكم على المرأة في القديم أن تُغلب بسهولة من الأحزان، لأن الله قال لها: “بالحزن تلدين أولاداً” (تك ٣: ١٦). ولكن كما جعلها تحت الحزن، في الفردوس عندما أصغت إلى صوت الحية وخدمت حيل الشيطان، هكذا فإنه الآن في بستان أيضاً يطلب منها أن تمتنع عن البكاء، ولأنه عتقها من اللعنة التي قيدتها بالحزن، فإنه يطلب منها أن تكون أول مبشر بأخبار الفرح العظيم، وتخبر التلاميذ بصعوده إلى السماء .
لقد فاقت محبة مريم المجدلية للمسيح جميع الآخرين، وهذا، ربما ما جعل يوحنا يذكرها هي وحدها من بين النساء الأخريات، فهي أول من رأى القبر، وكانت في البستان، وطافت بجميع المواضع من القبر باحثة عن الجسد لأنها ظنت أن الرب قد أخذ من القبر .
فالمخلص أعطي لمريم كرامة ومجداً وشهرة دائمة بأن منحها القيام بواجب البشارة لأخوته حاملة لهم الأخبار السارة التي يقول فيها: “إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم”.
لنتأمل كيف أن كلمة الله الابن الوحيد جاء بيننا، لكي نصير نحن مثله، بقدر ما تحتمل طبيعتنا أن تبلغ إلى هذا المستوي من جهة خلقتنا الجديدة بالنعمة، لأنه وضع نفسه لكي يرفع ما هو وضيع أصلاً إلى مقامه العالي الخاص به، ولبس صورة عبد، رغم أنه بالطبيعة هو الرب وابن الله، لكي يرفع ذلك الذي كان مُستعبداً بالطبيعة، إلى كرامة البنوَّة، جاعلاً إياه على شبهه الذاتي، وعلى صورته، كيف وبأي معنى؟ إنه عندما صار واحداً منا كإنسان، لكي يجعلنا نحن أيضاً نصير مثله، أي آلهة وأبناء، فإنه يأخذ ضعفاتنا في ذاته، ويعطينا صفاته الخاصة، وربما تكون مهتماً جداً بهذا السؤال وهذا ما سأشرحه على قدر ما أستطيع:
أولاً، رغم أننا عبيد بالرتبة والطبيعة (لأن المخلوقات تحت سلطان خالقها)، فهو الآن يدعونا اخوته، وجعل الله الآب هو الأب المشترك له ولنا، ولأنه جعل البشرية خاصة به باتخاذه شكلنا لنفسه، فإنه يدعو إلهنا إلهاً له بقوله “إلهي”، رغم أنه ابنه بالطبيعة، وذلك لكي نرتفع نحن إلى كرامته الفائقة العظمة بمشابهتنا له “فنحن لسنا أبناء لله بالطبيعة بل هو الابن الذي يصرخ في قلوبنا بروحه يا أبا الآب” (غل ٤: ٦) .
لذلك، لا تعثر عندما تسمعه يدعو الله إلهاً له بقوله “إلهي”، بل بالحري تأمل كلماته بروح مستعدة للتعلّم وتأمل معانيها الحقيقية بانتباه، فهو يقول إن الله أبوه وأنه إلهنا أيضاً وكلا القولين صحيح، لأن إله هذا الكون هو بالحق، أب المسيح، ولكنه ليس أبانا بالطبيعة، بل بالحري هو إلهنا لأنه خالقنا وربنا الذي له كل السيادة، ولكن الابن، إذ وحّد نفسه بنا بتجسدَّه فإنه منح لطبيعتنا الكرامة التي له وحده، ودعا ذاك الذي ولده (أي الله الآب) أباً مشتركاً له ولنا.. ومن الجهة الأخرى، فهو باتخاذه شكلنا، فإنه يقبل في نفسه ما يختص بطبيعتنا، فهو يدعو أباه “إلهي”، لأنه بسبب غنى محبته ورحمته على جنس البشر لم يشأ أن يحتقر صورتنا التي قد اتخذها لنفسه، أما من يريد بجهل أن يعترض على هذا القول “أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم” ولا يقبل أن يقول المخلص عن الله الآب إنه “إلهه” فهو بهذا الانحراف في الفهم يطعن في خطة فدائنا ذاتها، وبدلاً من أن يقدم الشكر الواجب لله صانع الخيرات لنا فإنه يحتقره، ويعترض بغباوة على الطريقة التي أظهر بها محبته لنا .
ولكن إن كان الابن قد وضع ذاته “مستهيناً بالخزي” (عب ١٢: ٢)، وصار إنساناً لأجلك، فإن رفضت تواضعه فإنك ستُدان على ذلك، أمَّا هو الذي اتضع لأجلك، فإن الكرامة الواجبة له هي عظيمة بلا حدود.
لذلك، إذ هو كامل ومكتفِ بذاته كلية كإله، فإنه وضع نفسه لأجلك وصار في شبهك، ورغم أنه مُمجد مجداً عالياً كابن الله ومولود من ذات جوهر الآب، فإنه أنزل نفسه، إذ أخلى ذاته من صفات مجده الإلهي بقدر ما تسمح طبيعته الإلهية بذلك .
والآن، فهو إله وإنسان معاً، إذ هو فائق المجد بسبب أصله الإلهي (لأنه إله من إله والمولود الحقيقي من أبيه)، وهو أيضاً وضع لأجلنا (لأنه صار إنساناً لأجلنا) .
إذن، فلتهدأ نفسك حينما تسمعه يقول: “أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم”، فمن اللائق جداً بل والصواب تماماً أنه وهو بالطبيعة الإله وابن الله أن يقول عن ذلك الذي ولده إنه “أبوه” ولأنه إنسان مثلنا فيحق أن يقول عن الله إنه “إلهه”.
العظة الثالثة: الاحتفال بعيد الفصح - للقديس أثناسيوس الرسولي [14]
العيد لا يعني التمتع بأكل اللحوم والملابس الفاخرة، ولا هو أيام للترف، إنما تكمن بهجته في معرفة الله وتقديم الشكر والحمد له.
هذا الشكر وهذا الحمد، يقدمه القدِّيسون وحدهم الذين يعيشون في المسيح، إذ مكتوب: “ليس الأموات يسبحون الرب، ولا من ينحدر إلى أرض السكوت. أما نحن فنبارك الرب من الآن وإلى الدهر” (مز 115: 17-18).
وهكذا كان الأمر مع حزقيا الذي خلُص من الموت، فسبح الله قائلًا: “لأن الهاوية لا تحمدك. الموت لا يسبحك… الحيّ هو يحمدك كما أنا اليوم“ (إش 38: 18-19).
فتسبيح الله وتمجيده هو من اختصاص الذين يحيون في المسيح وحدهم، هؤلاء يصعدون إلى العيد، لأن الفصح ليس للأمم (الوثنيين عابدي الأصنام)، ولا للذين هم يهود بحسب الجسد، بل للذين يعرفون الحق، وذلك كما يقول ذاك الذي أرسل للإعلان عن مثل هذا العيد، “لأن فصحنا أيضًا المسيح، قد ذُبح لأجلنا”.
لذلك وإن كان الأشرار يقحمون أنفسهم لكي يحفظوا العيد، بينما عمل العيد هو تمجيد الله، لهذا فإنهم كأشرارٍ يقتحمون متطفلين في دخولهم كنيسة القدِّيسين. هؤلاء يوبخهم الله معاتبًا كل واحدٍ منهم قائلًا: “ما لك تتحدث بفرائضي” (مز 50: 16).
ويوبخهم الروح القدس قائلًا بأنه ليس للتسبيح مكان في فم الخاطئ (سي 15: 9)، ولا للخطية وجود في مذبح الله، لأن فم الخاطئ يتكلم في الأمور الجامحة، كقول المثل: “فم الأشرار ينبع شرورًا” (أم 15: 28).
لأنه كيف يمكننا أن نسبح الله بفم دنس، إذ لا يمكن أن يتفق النقيضان معًا؟ لأنه أية خلطة للبرّ والإثم؟ وأية شركة للنور مع الظلمة؟ هذا ما يقوله بولس خادم الإنجيل (2 كو 6: 14).
أما البار، فإنه وإن كان يظهر ميتًا عن العالم، لكنه يتجاسر فيقول: “أنا لا أموت، بل أحيا وأحدث بأعمالك العجيبة” (مز 118: 17)، فإنه حتى الله لا يخجل من أن يُدعى لهم إلهًا، هؤلاء الذين بحق يميتون أعضاءهم التي على الأرض (كو 3: 5)، ويحيون في المسيح الذي هو إله أحياء لا إله أموات، هذا الذي بكلمته ينعش كل البشر، ويعطيهم طعامًا يحيا به القدِّيسون، كما أعلن الرب قائلًا: “أنا هو خبز الحياة” (يو 6: 48).
العظة الرابعة: السلام لكم – للقديس أغسطينوس[15]
تحية المخلص
“وقف يسوع نفسه في وسطهم وقال لهم سلام لكم” (لو٣٦:٢٤) لقد ظهر الرب لتلاميذه بعد قيامته وحياهم قائلا السلام لكم.
هذا هو السلام الحقيقي وتحية الخلاص اذ صارت التحية تأخذ اسمها من الخلاص !
وأي شيء أفضل من أن الخلاص ذاته “المسيح” يحيي البشرية، فالمسيح هو خلاصنا !
من أجلنا جُرح وسُمر بالمسامير على الخشبة وأُنزل من على الصليب ووضع في القبر، ولكنه قد قام من الأموات.
ومع أن جراحاته شُفيت، فإن آثارها بقيت، اذ رأى أن هذا نافع لتلاميذه، أن يستبقي آثار جراحاته لكى يشفي جروح أرواحهم، جراح عدم إيمانهم. فقد ظهر أمام عيونهم وأظهر لهم جسده الحقيقي ومع هذا ظنوه روحًا! وماذا قال لهم الرب؟ :
” ما بالكم مضطربين ولماذا تخطر أفكار في قلوبكم” (لو٣٨:٢٤).
اذا كانت هناك أفكار تخطر في قلوبكم فهى أفكار أرضية والأفضل للانسان ألا ترتفع إلى قلبه الأفكار، بل يرتفع قلبه للأعالي. وبهذا ناشد الرسول المؤمنين أن يرفعوا قلوبهم قائلًا: “فإن كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله. إهتموا بما فوق لا بما على الأرض لأنكم قد متم وحياتكم مستترة مع المسيح في الله. متى أُظهر المسيح حياتنا فحينئذ تظهرون أنتم أيضًا معه في المجد” (كو١:٣-٤)
كانت جراحات التلاميذ الروحية تدمي، فتقدمت آثار جراح الرب لشفائهم! “ما بالكم مضطربين … أنظروا يدي ورجلي”- أي حيث كنت مسمراً بالمسامير – “جسوني وانظروا” - فإنكم تنظرون ولا تبصرون. ابصروا “أن الروح ليس له لحم وعظام كما ترون لي” وكما هو مكتوب فإنه “حين قال هذا أراهم يديه ورجليه” (لو ٤٠:٢٤).
الإيمان للعالم عبر التلاميذ
“وبينما هم غير مصدقين من الفرح ومتعجبون” كانوا فرحين ولكن مترددين، لأن أمرًا غير مصدق قد حدث!.
لم يكونوا مصدقين أولًا ثم آمنوا، ليس مما عاينوه بعيونهم فحسب بل ومما لمسته أيديهم.
وهكذا دخل الإيمان قلوبهم عن طريق الحواس، لكى يكرز بهذا الإيمان فيما بعد للعالم أجمع لجميع الذين لن يروا ولن يلمسوا ومع هذا يؤمنون بغير تردد.
“أ-عندكم ها هنا طعام؟” هكذا سألهم الرب… وكم كان البَنَاءْ الصالح (يسوع) يضيف بهذا بناء لإيمانهم. فإنه لم يكن جائعًا ولكنه طلب طعامًا، تناول منه بهذه المناسبة ولكن ليس عن احتياج. وهكذا آمن التلاميذ أن الرب أمامهم بالجسد حقًا، فآمن العالم بكرازتهم بقيامته.
ايمان كامل بالمسيح والكنيسة
لقد نظر التلاميذ يسوع في آلامه، ورأوه معلقا على الصليب وها هم يرونه الآن في وسطهم حيًا بعد قيامته من الأموات، فما الذى لم يروه اذن؟ إنهم لم يروا الكنيسة.
هم نظروا العريس وأما العروس فكانت لا تزال محتجبة إذ لم يروا الكنيسة في وسط الأمم ابتداءًا من أورشليم هم نظروا الرأس (المسيح) وبناء على هذا الذى نظروه آمنوا بما لم ينظروه أي الكنيسة.
ونحن أيضا كذلك، فاننا نرى ما لم يروه مثلما عاينوا هم ما لم نره نحن. إننا الآن نرى الكنيسة في المسكونة، ولكن لم نرى المسيح بالجسد. وكما أنهم رأوه هو فآمنوا بالكنيسة، كذلك نحن الآن نرى جسده (الكنيسة) فنؤمن بالمسيح رأس الكنيسة.
ليت ما رآه كل منا يُعين إيمانه. المسيح المنظور في الجسد، عون لإيمان التلاميذ بالكنيسة العتيدة. والكنيسة المنظورة أمامنا الآن عون لإيماننا بالمسيح أنه قام من بين الأموات. فقد كمل إيمانهم، ونحن أيضا إيماننا إكتمل. فإيمانهم كمل بمعاينتهم الرأس (المسيح) وأما نحن فقد إكتمل إيماننا بمعاينتنا الآن جسده الذى هو الكنيسة.
لقد أصبح “المسيح بكماله” معروفًا لهم، كما صار أيضا معروفًا لنا. غير أنه لم يكن مرئيا لهم بكماله، ولا لنا أيضًا. هم رأوا الرأس وآمنوا بالجسد أي الكنيسة، ونحن رأينا الكنيسة وآمنا بالمسيح رأس هذا الجسد. وفي جميع الأحوال أشبع المسيح أعواز الجميع.
نار الكرازة المقدسة
آمن التلاميذ بالقيامة وعن طريقهم آمن كثيرون في أورشليم وفي اليهودية والسامرة.
فلينضم المؤمنون، وليرتفع البناء فوق الأساس. “فإنه لا يستطيع أحد أن يضع أساسًا آخر غير الذي وُضع، الذي هو يسوع المسيح” (١كو١١:٣)
وليغضب اليهود ممتلئين حسدًا!
فليُرجم استفانوس ويحرس شاول ثياب الذين رجموه حتى الموت!
لتعانى الكنيسة اضطهادا في أورشليم فمن هناك انتشرت الجمرات المتقدة واشتد لهيبها! وكانت كنيسة أورشليم تلتهب بالروح القدس. حيث كانوا هناك بقلب واحد ونفس واحدة لأجل الله (أع ٣٢:٤) وعندما رُجم استفانوس وعانى جسد الكنيسة الأقدس الاضطهاد، فاذا بجمرات الإيمان تنتشر والعالم يلتهب بنارها.
فلنتوجه للرب الهنا، الآب السماوي، ولنرفع حمداً أفضل ما يكون من كل قلوبنا متضرعين إليه في خلاصه العظيم أن يتراءف علينا بسماع صلواتنا، ويهدي أذهاننا ويهبنا رجاءه المقدس ويأتي بنا إلى الفرح الذى لا نهاية له.. آمين.
العظة الخامسة: عيد القيامة – القديس أثناسيوس الرسولي[16]
ليس كلامي فقط هو الذي يوضح هذه الأمور، بل قد سبق النبي فأنبأ بذلك صارخًا: “هوذا على الجبال قدما مبشر منادِ بالسلام” (نا 1: 15). وما هي رسالته التي بشر بها إلا التي أخذ يعلنها لهم، قائلًا: “عيدي يا يهوذا أعيادك، أوفي للرب نذورك. فإنهم لا يعودوا إلى ما هو قديم. قد انتهى؛ لقد انقرض كله. لقد ارتفع ذاك الذي نفخ على الوجه وخلصك من الغم” (نا 1: 15؛ 1: 2 السبعينية). والآن: من هو هذا الذي ارتفع…؟ إن أردتم معرفة الحقيقة والتخلص من ادعاءات اليهود، تطلعوا إلى مخلصنا الذي ارتفع ونفخ في وجه تلاميذه قائلًا: “اقبلوا الروح القدس” (يو 20: 22). فبمجرد أن كمل هذا (الصلب) انتهت الأمور العتيقة، فانشق حجاب الهيكل (مت 27: 51)، وتحطم المذبح (اليهودي)، ومع أن المدينة لم تكن بعد قد خربت، إلا أن رجسة الخراب (مت 24: 15) كانت تستعد للجلوس في وسط الهيكل، فتتلقى أورشليم وكل تلك الفرائض العتيقة نهايتها.
لقد اقترب منا يوم العيد مرة أخرى، الذي إن صمتنا فيه نجعله غير مقدس، إنما يلزم أن يكون مكرسًا للصلاة أكثر من كل الأيام، وفيه نحفظ الوصايا. لأنه وإن كنا في ضيق من أولئك الذين يحزنوننا، وبسببهم سوف لا نخبركم عن هذا الموسم (إذ لا يكون بين شعبه)، لكن شكرًا لله الذي يعزي الحزانى، حتى لا ننهزم بشرور أولئك الذين يتهموننا فنصمت، ففي طاعتنا لصوت الحق نصرخ معكم عاليًا في يوم العيد، لأن إله الكل قال بأن يتكلما (موسى وهارون) مع الشعب لحفظ الفصح، ويعلن الروح في المزامير قائلًا: “انفخوا في رأس الشهر بالبوق عيد الهلال كيوم عيدنا”. ويصرخ النبي قائلًا: “عيدي يا يهوذا أعيادك” (نا 1: 15).
وأنا لا أرسل إليكم الكلمة كأنكم جاهلون، بل أعلنها للذين يعرفونها، حتى يدركوا بأنه وإن كان بعض البعض يفرقنا، لكن الله يجمعنا، فإننا نعيد بنفس العيد، ونتعبد لنفس الإله على الدوام.
ونحن لسنا نعيد كمتفرجين، عالمين أن الرسول يوبخ أمثال أولئك قائلًا: “أتحفظون أيامًا وشهورًا وأوقاتًا وسنين” (غل 4: 10)، بل بالحري نكرم هذا اليوم العظيم من أجل العيد، حتى نرضي الله -نحن جميعًا الذين نخدم الله في كل مكان- وذلك بصلواتنا الجماعية. وقد أعلن بولس الطوباوي عن قرب سرور كهذا، وهو في هذا لم يعلن عن أيامٍ بل عن الرب الذي من أجله نحفظ العيد، إذ يقول “المسيح قد ذبح لأجلنا” (1 كو 5: 7)، فإذ نتأمل أبدية الكلمة نقترب منه لخدمته.
أحبائي الأعزاء لقد جاء بنا الله مرة أخرى إلى فصل الفصح، وخلال محبته المترفقة جمعنا معًا للتعييد. لأن الله الذي أخرج إسرائيل من مصر لا يزال حتى الآن يدعونا الآن للفصح، قائلًا على لسان موسى: “احفظ شهر الثمار الجديدة، واعمل فصحًا للرب إلهك” (تث 16: 10)، ويقول على لسان النبي: “عيدي يا يهوذا أعيادك أوفي نذورك” (نا 1: 15).
فإن كان الله نفسه يحب العيد ويدعونا إليه، فليس من الصواب يا إخوتي أن نؤجله أو نمارسه بتراخٍ، إنما يلزمنا أن نأتي إليه بغيرةٍ وسرورٍ، حتى إذ نبدأ هنا بالفرح تشتاق نفوسنا إلى العيد السماوي.
إن عيدنا هنا بنشاط، فإننا بلا شك نتقبل الفرح الكامل الذي في السماء، وكما يقول الرب: “شهوة اشتهيت أن آكل هذا الفصح معكم قبل أن أتألم. لأني أقول لكم إني لا آكل منه بعد حتى يكمل في ملكوت الله“(لو 22: 15-16).
فنحن نأكل منه الآن أن كان يفهمنا سبب العيد وبمعرفتنا للمخلص، نسلك حسب نعمته كقول بولس: “إذًا لنعيد ليس بخميرة عتيقة، ولا بخميرة الشر والخبث، بل بفطير الإخلاص والحق” (1 كو 5: 7). لأنه في هذه الأيام مات الرب، كي لا نعود نشتاق إلى أعمال الموت! لقد بذل حياته، حتى نحفظ حياتنا من شباك الشيطان!.
العظة السادسة: القيامة – للقديس يعقوب السروجي [17]
استخفت الحياة بالموت، قائلة: “أين شوكتك يا موت؟ وأين غلبتكِ يا هاوية؟” (١كو ١٥: ٥٤، ٥٥).
في نهار الأحد فُتح لهم باب السماء الذي كان موصدًا يوم الجمعة في وجه الملائكة لئلا ينزلوا إلى الجلجثة، فأسرعوا لينحدروا بثيابهم البيض، ليستقبلوا ملكنا الذي خلص المسبيين وعاد عند أبيه.
صار القبر الجديد بيت العرس، أُنشأ في الحديقة للعريس المذبوح، الذي أعاد العروس من حرب الأعداء.
اجتمع وحضر إلى الباب الحسن الملائكة في ثيابهم البيض، والتلميذات بأطيابهن (لو٢٣: ٥٦).
سمعان ويوحنا يركضان بسبب الأخبار السارة (يو٢٠: ٣- ٨).
كليوباس وأخوه (سمعان) تنفتح أعينهما بخبز البركة لينظرا القيامة علنًا. الأصدقاء يكشفون عن وجوههم،والمبغضون يطأطئون رؤوسهم.
حنان خجل، وقيافا لا يستطيع أن يتكلم.
يهوذا مشنوق، ورؤساء المجمع يلطمون على وجوههم.
أُغلق باب الهاوية، وفُتح باب المعمودية.
نُصب الصليب في مجاري المياه.
جاء القطيع الناطق ليرتوي من المياه التي سالت من الصليب.
نظر إليه وهو لابس النور، وواقف على الينبوع، فحبل وولد على شبه منظر نوره الحسن.
لبس بياضًا ناصعًا كالنور، وجعله أبيض كالثلج…
القطيع كله أبيض، لأن الصليب كله متشح بالنور.
العظة السابعة: قيامة المسيح أحدثت تغيرآ في سلوك الرسل – للقديس يوحنا ذهبي الفم [18]
هل تريد أن تعلم كيف جعل المسيح المسكونة تعيد النظر؟ قبل أن يعرف البشر حقيقة الخشب والحجارة، لم يعتبرونهما مجرد خشب وحجر، بل كانوا يدعون الجوامد آلهة. لقد كانوا عميان، لكن الآن عرفوا ما هو الخشب وما هو الحجر، أمنو بمن هو الله. لأن هذه الطبيعة غير المائتة والطوباوية، فقط تُرى بالإيمان. سوف ترى هذا الأمر من موقف التلاميذ الذي صار أعظماً بعد القيامة .
لأنه اذا كان الجميع قد توافقوا على أن من كان له موقف إيجابي من إنسان حي، قد لا يتذكره – بالرغم من ذلك – عندما يموت، فما بالك بمن تصرف بنكران و جحود تجاه الحي، لا شك أنه سوف ينساه عندما يموت خصوصاً عندما يتعرض هو ذاته لمخاطر لا حصر لها بسبب الاهتمام به.
هذا الذي لم يحدث لأي أحد، صار للمسيح والرسل، فأولئك الذين أنكروه عندما كان حياً، وتركوه، وحين قُبض عليه تركوه وابتعدوا عنه، فبعد تلك الإهانات التي لا تحصى والصلب، أظهروا له ولاءً وإخلاصاً لا نظير له، لدرجة أنهم سلَّموا نفوسهم من أجل الإعتراف والإيمان به. وأيضاً لو لم يكن المسيح قد قام، فكيف يُبرَّر أولئك الذين هربوا وقت أن كان حياً بسبب خطر وشيك، أن تُفرَض عليهم لأجله، أخطارٌ لا حصر لها بعدما مات؟ حسناً ، لقد هرب الجميع وأخرون، بينما بطرس أنكره بِقَسَمٍ ثلاث مرات، وخاف من مجرد خادمة، يريد أن يقنعنا عندما مات المسيح، بأنه رآه قائماً. فجأةً يتغير لدرجة أنه تجرأ أمام كل الشعب وصرخ في وسط اليهود وقال إن ذاك الذي صُلِبَ وقُبِرَ، قام في اليوم الثالث من الأموات، وصعد إلى السموات، دون أن يخاف من أي شر (أنظر أع 2: 14- 36) .
من أين أخذ بطرس هذه الجراة؟ من أين إلَّإ من تأكيده على القيامة؟
إذن، فلأنه رأى المسيح وتحدث معه، وسمع عن الأمور المستقبليه، لأجل هذا، نجده بعد ذلك وكأنه يخاطر لأجل أحياء، هكذا احتقر كثيراً جداً كل المتاعب، طالما أخذ قوة أكثر، وجرأة أعظم، لدرجة أن يموت من أجله، ويسمر على الصليب منكس الرأس.
إذن عندما رأى أن المعجزات تصير أعظم، والتلاميذ الذين هجروه سابقاً، يُظهِرون محبةً أعظم له، ويُظهِرون جرأةً أعظم و بثبات، عَلَّمَ – بمعرفة الأمور ذاتها – أن المسيح لم يُمسَك من الموت، بل أعقب الموت القيامة، وأنه يحيا ويظل دائماً الله غير المتغير الذي صلب. لأنه، إن لم يقم، وإن لم يكن حياً لما استطاع التلاميذ أن يصنعوا معجزات أعظم فيما بعد من تلك التي صارت قبل الصلب .
إذن، وقتذاك تركه تلاميذه أيضاً، لكن الآن تُسرع له أيضاً كل المسكونة، وليس فقط بطرس، بل وأخرون لا حصر لهم، و بالأكثر جداً بعد بطرس، من أولئك الذين لم يروه، سَلِّموا أنفسهم لأجل المسيح، وقُطِعَت رؤوسهم، وتألموا وعانوا من شرور لا حصر لها لدرجة أنهم ماتوا باعترافهم المستقيم والسليم به.
كيف أيها اليهودي، هذا الذي كان ميتاً وبقي في القبر، كما تقول أنت، أظهر قوةً وقدرةً عظيمة جداً للجميع بعد أولئك، مُقنعأ هؤلاء فقط أن يسجدوا له، وأن يفضلوا أن يتحملوا ويتألموا دائماً لكي لا يفقدوا إيمانهم به؟ أرأيت بوضوح برهان القيامة الكُلي بالمعجزات وقتذاك، ومعجزات الآن، بمحبة تلاميذه وقتذاك وتلاميذهم الآن، بالأخطار التي مر بها أولئك الذين آمنوا بالمسيح؟.
هل تريد أن ترى أيضاً أعداءه يخافون من قدرته وقوته ويجاهدون بالأكثر جداً بعد الصلب؟ اسمع أيضاً عن هذه الأمور بانتباه: “فَلَمَّا رَأَوْا مُجَاهَرَةَ بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا، وَوَجَدُوا أَنَّهُمَا إِنْسَانَانِ عَدِيمَا الْعِلْمِ وَعَامِّيَّانِ، تَعَجَّبُوا فَعَرَفُوهُمَا أَنَّهُمَا كَانَا مَعَ يَسُوعَ. وَلكِنْ إِذْ نَظَرُوا الإِنْسَانَ الَّذِي شُفِيَ وَاقِفًا مَعَهُمَا، لَمْ يَكُنْ لَهُمْ شَيْءٌ يُنَاقِضُونَ بِهِ” (أع 4: 13، 14).
و لكن قبل هذا كانوا يعترضون عندما رأوا حدوث معجزات.
إذن كيف وقتذاك لم يُبدوا أي اعتراض؟ أعاقت قوة المصلوب لسانهم، لقد سد أفواههم، أصاب جرأتهم. لأجل هذا أيضا وقعوا دون أن يقدموا أي اعتراض. لكن عندما تحدثوا، انتبه، كيف اعترفوا بجُبنهِم (بخوفهم) يقول: “أَمَا أَوْصَيْنَاكُمْ وَصِيَّةً أَنْ لاَ تُعَلِّمُوا بِهذَا الاسْمِ؟ وَهَا أَنْتُمْ قَدْ مَلأْتُمْ أُورُشَلِيمَ بِتَعْلِيمِكُمْ، وَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْلِبُوا عَلَيْنَا دَمَ هذَا الإِنْسَان” (أع 5: 28).
و أيضآ لو كان هو (المسيح) إنساناً عادياً، فلماذا تخاف من دمه؟ كم من الأنبياء قتلت، كم من أبرار ذبحت، أيها اليهودي، و لم تخف دم أحد هؤلاء؟ لأي سبب تخاف هنا؟ لقد أرعب المصلوب حقاً ضميركم. لم يستطيعوا أن يخفوا حيرتهم، إذ بدون إرادتهم اعترافوا أمام الأعداء بضعفهم. عندما صلبوه صرخوا قائلين: “دَمُهُ عَلَيْنَا وَعَلَى أَوْلاَدِنَا” (مت 27: 25)، لقد احتقروا بشدة دمه لكن عندما رأوا بعد الصلب قوته تلمع، خافوا وانزعجوا ثم قالوا: ” تريدون أن تلقوا علينا ذنباً لأجل دم هذا الانسان؟”.
لكن لو كان مضللآ وفاجراً، كما تزعمون أيها اليهود المخالفون، فلأي سبب تخافون من دمه؟ لأنه كان عليك أن تفتخر لأجل القتل، إن كان مثل هذا مضلاً وفاجراً، لكن، لأنه لم يكن هكذا، ارتعبتم منه.
العظة الثامنة: القيامة – للقديس أمبروسيوس[19]
حقًا كيف نعجب إن كان البشر قد فشلوا بحكمتهم الأرضية أن يدركوا سر الله الآب وربنا يسوع المسيح الذي فيه كل كنوز الحكمة والمعرفة المختفية (كو 3:2)، هذا السرّ الذي ما كان للملائكة أن تعرفه بغير إعلان لهم!
لأنه من يقدر من ذاته - وليس بالإيمان - أن يتصور متتبعًا الرب يسوع، إذ نزل (الكلمة) من أعالي السماوات إلى أسافل الجحيم، وها هو يصعد من الجحيم إلى السماوات، وفي نفس الوقت يسكن بيننا دون أن ينقص شيئًا عما كان عليه…
لقد وقفت الملائكة أيضًا في دهش عجيب أمام السر السماوي، هكذا عندما قام الرب لم تحتمل أعالي السماوات مجد القيامة من الأموات، هذا الذي قد حبس أخيرًا في رباطات القبر الضيقة، حتى صارت الملائكة في حيرة…!
فقد جاء “الغالب” متزينًا بغنائم مدهشة. جاء الرب في هيكله المقدس بينما تتقدمه الملائكة ورؤساء الملائكة متعجبين إزاء تلك الغنائم التي انعتقت من الموت… وبنصرة الصليب - حيث كان الحكم على كتفيه - حُملت الغنائم إلى نصرة أبدية.
جاء وكأن الأبواب قد ضاقت به… إذ لا تقدر أن تدخل عظمته، لذلك بحثوا عن طرق أوسع وممرات أسهل للرب في عودته، وهكذا لم ينقص الرب شيئًا بسبب إخلاء نفسه (إذ عاد إلى مجده السماوي ومعه غنائمه).
على أي الأحوال، لقد وجدوا أنه يلزم أن يُعد أمام وجه هذا “المنتصر” الجديد طريق جديد، لأنه هو دائمًا كما كان أعظم من غيره. ولكن لأن أبواب البر التي هي أبواب العهد القديم والجديد، التي فيها تنفتح السماوات، هي أبواب أبدية، لذلك فهي بالحق لا تتغير، لكنها ارتفعت لأن الداخل ليس إنسانًا بل العالم كله يدخل في شخص مخلص الكل.
العظة التاسعة: الفصح المقدس - للقديس غريغوريوس النزينزي[20]
الفصح من القبر أشرق بالقيامة
اليوم يوم القيامة، وإنه لي لمناسبة موافقة. في هذا العيد المقدس فلنتحد جميعًا قلبيًا ونعطي مجدًا لله. لنخاطب كأخوة لنا حتى أولئك الذين يبغضوننا، كما نخاطب الذين يحبونا وأعانونا وتألموا لأجلنا. لنغفر كل شيء في القيامة.
وإننى أنحصر في الله ليعطينى في هذا اليوم المشرق عونًا لضعفي، وأن ذاك الذي قام من بين الأموات يجدد روحي، ويلبسني الإنسان الجديد (أف٢٣:٤) ويهبني أمام خليقته الجديدة -هؤلاء الذين ولدوا من الله- لكيما أكون لهم معلمًا في المسيح، ومستعدًا أن أموت معه وأن أقوم أيضًا معه.
فصح تكرس بالدم
بالأمس ذُبح حمل الله، ورُشت القوائم بدمه، وبينما كانت مصر “فرعون” تنوح على أبكارها. وهوذا الملاك المهلك وسيف ذبيحته المخيف قد عبرعنا لأننا كنا محفوظين بالدم الثمين.
اليوم قد تم الخروج والخلاص من فرعون الطاغية ورجاله الظالمين وتحررنا من التسخير في الطوب اللبن (خر ٥).
وليس هناك مَن يمنعنا أن نحتفل “ببصخة” العبور فصحنا المجيد “لِنُعَيِّدْ، لَيْسَ بِخَمِيرَةٍ عَتِيقَةٍ، وَلاَ بِخَمِيرَةِ الشَّرِّ وَالْخُبْثِ، بَلْ بِفَطِيرِ الإِخْلاَصِ وَالْحَقِّ” (١ كو٨:٥) غير حاملين معنا شيئًا من الخميرة العتيقة.
أرفعوا قلوبكم لله
بالأمس صلبت مع المسيح، واليوم أنا ممجد معه!
بالأمس مت مع المسيح، واليوم أُعطيت الحياة معه!
بالأمس دفنت مع المسيح، واليوم أقوم ثانيةً معه!
فليتنا نأتى اليه بتقدماتنا لئلا نظهر أمامه فارغين، لأنه تألم عنا وقام. ولعلكم تظنون أني بهذا أتكلم عن ذهب أو فضة أو أحجار كريمة نادرة، التي هى كلها ظل المادة في الأرض، باقية فيها حيث يمتلكها بالأكثر الخطاة أرقاء الأشياء الأرضية وعبيد رئيس هذا العالم .
حاشا!! بل لنُقدِّم إليه أنفسنا التي هي أمام الله أثمن سائر الهدايا اللائقة. لنُقدِّم إلى الذات الإلهية ما عمله على صورته ومثاله، لنعط الكرامة له الذي في صورته قد خلقنا، متأملين في هذا السر لنعرف لماذا مات المسيح.
أخذ مما لنا واعطانا مما له
لنصير مثل المسيح ما دام المسيح قد صار مثلنا.
فلنكن شركاء الطبيعة الإلهية، مادام قد تأنس لأجلنا،
هو أخذ لنفسه رتبة الاتضاع لكى يهبنا رتبة أسمى،
وافتقر لكي نستغني نحن بفقره (٢كو ٩:٨)
أخذ لنفسه صورة عبد (في ٧:٢) كيما يحررنا من العبودية (رو ٢١:٨)
ونزل إلينا حتى يرفعنا.
هو تَجَرَّبَ لكى يعلمنا كيف ننتصر.
أُحتُقِرَ لكي نُعطّى نحن الكرامة،
مات كيما ينقذنا نحن من الموت،
وصعد إلى السماء لكي يُصعِدنا إليه نحن الذين كنا غارقين في الخطية.
فليعطه كل واحد منا كل شيء، ذاك الذى وهبنا نفسه! وبادلنا إياها ثمنًا لخلاصنا (مت20: 28) ولو إستطاع أي إنسان أن يتفهم هذا السر العظيم في المسيح وما صنعه لأجله، فإنه اذا لم يُعطي المسيح نفسه، فهو لم يُعطِه شيئًا.
العظة العاشرة: قيامة الرب – للقديس غريغوريوس النزينزي [21]
العطايا التى لا تستطيع الملائكة تقديمها
“سأقف وأراقب” هكذا قال حبقوق العظيم. واليوم سأقف بجواره لسبب القوة والنظر الممنوحين لي بالروح القدس، سألاحظ وأعلم ما يجب أن يُرى وما يجب أن يُقال، أما وقد أخذت موقفي وراقبت. وأنظر إنسانًا قادمًا جالسًا على السحاب بهيبة وعظمة مدهشتين، وجهه كوجه ملاك ولباسه يلمع كلمعان البرق (قض ٦:٨) وقد مد يده نحو الشرق وصرخ بصرت عظيم كصوت بوق وحوله ربوات من اجناد سماوية. هذا هو يوم خلاص العالم المنظور وغير المنظور.
المسيح قام من الأموات .. قوموا أنتم معه ..
المسيح عاد إلى مجده .. عودوا أنتم مثله ..
انطلق المسيح من القبر .. حرروا أنفسكم من عبودية الخطية ..
إن أبواب الجحيم قد انفتحت، وهزم الموت ..
وإنني إذ أزف لكم بشرى القيامة، كنت أود أن أوهب صوت ملاك حتى يسمعني العالم أجمع، لأننا اليوم نحتفل بالقيامة نفسها. لذا ليتنا نأتي إلى الله في هذه المناسبة ونقدم له تقدمة العيد، ثمرًا من حياتنا، قليلًا أو كثيرًا، مزودًا بعطايا الروح التي تُسر الله، والتي في مقدور كل منا أن يقدمها، لأن العطايا التي تليق بالله لا تستطيع الملائكة نفسها تقديمها، هؤلاء الذين يرون ويعاينون عظمته في السماء.
سر الفصح
لقد وصل ما سمعناه من تعاليم الانجيل عن سر الفصح إلى آذاننا الروحية عن طريق آذاننا الجسدية، حتى أصبح لا يوجد بيننا مَن لم يُكَوِّن في ذهنه صورة واضحة لما حدث. فالإنجيل يرينا بوضوح بأي طريقة غاشة خان العالم رينا يسوع المسيح، وبأي محاكمة أُدين وبأي قسوة صلب، ثم بأي مجد قام من الأموات.
لقد أخذ الكلمة جسدًا من طبيعتنا، حتى يبذله كثمن لخطيتنا
لما كان الجنس البشري كله سقط بسبب آبائنا الأولين، فقد شاءت رحمة الرب أن تساعد البشرية التي خلقها على صورته ومثاله، لكيما تبرأ طبيعتها بمخلص ليس خارجا عن هذه الطبيعة، وحتى ترتفع مكانتها الثانية أسمى من مكانتها الأولي.
لو لم يسقط الانسان لكان سعيدًا حقًا، بل أنه يكون أكثر سعادة لو احتفظ بالحالة التي أعاد الله خلقته عليها.
لقد كان شرفًا عظيمًا للإنسان أن يأخذ السيد المسيح شكله، لكنه أشرف للإنسان أن يأخذ طبيعة المسيح الذى اقتنانا لنفسه، إذ تنازل وأخذ شكل العبد وبذل ذاته عنا دون أن يفقد ما كان له فينا ولا ما كان لنا فيه.
لقد احتمل السيد في نفسه الضعف والموت الذين لم يكونا خطية في ذاتهما، بل عقابًا للخطية، لكيما يكونا كثمن دفعه مخلص العالم. وما كان نتيجة للخطية بالنسبة للعالم كله، صار سر المحبة المضحية للمسيح!.
ولما كان له المجد غير مدين، فقد أعطى نفسه عن المدين واحتمل تعذيب اليهود لجسده الطاهر. كذلك ارتضى السيد المسيح أن يبقى ميتًا حتى القيامة.
لذا يجب على المؤمنين به ألا يرعبهم الموت ولا يغلبهم الإضطهاد. وكما أننا لا نشك في مشاركته طبيعتنا، فإنه يجب ألا نشك في مشاركتنا مجده.
أنت مدعو لأن تملك مع المسيح
اذا كنا نؤمن بقلوبنا بلا تردد بما نعترف به بشفاهنا، لكُنّا قد صلبنا مع المسيح .. ومتنا معه .. وقمنا معه أيضا في اليوم الثالث. من أجل هذا يقول القديس بولس: “فَإِنْ كُنْتُمْ قَدْ قُمْتُمْ مَعَ الْمَسِيحِ فَاطْلُبُوا مَا فَوْقُ، حَيْثُ الْمَسِيحُ جَالِسٌ عَنْ يَمِينِ الله، اهْتَمُّوا بِمَا فَوْقُ لاَ بِمَا عَلَى الأَرْضِ، لأَنَّكُمْ قَدْ مُتُّمْ وَحَيَاتُكُمْ مُسْتَتِرَةٌ مَعَ الْمَسِيحِ فِي اللهِ. مَتَى أُظْهِرَ الْمَسِيحُ حَيَاتُنَا، فَحِينَئِذٍ تُظْهَرُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا مَعَهُ فِي الْمَجْدِ” (كو١:٣).
وسوف يدرك المؤمنون أن لديهم الإمكانيات التى بها يزهدون في الرغبات العالمية ويسمون فوقها، إذ أن الرب يعدنا بحضوره قائلًا: “وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ” (مت ٢٠:٢٨) ولأن الروح القدس قال على لسان إشعياء النبي حسب تدبيره الإلهي “هُوَذَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا، وَيَدْعُونَ اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ”.
وبهذا يتم وعد السيد المسيح الذى صعد إلى السماء بدون أن يترك أولاده الذين اقتناهم إذ أن هذا الذى يجلس عن يمين الآب هو الذى يحيا في كل المؤمنين، وهو الذى يدعونا إلى مجد السماء معه.
قوة الصليب
ليتنا لا نضل بالغرور، ولا نيأس عندما تقابلنا الصعوبات، وإلا تضاعفت هذه الصعوبات، فلقد “…. امْتَلأَتِ الأَرْضُ مِنْ رَحْمَةِ الرَّبِّ” (مز ٥:٣٣). فإن نصرة الرب تلازمنا أينما ذهبنا، لأنه قال “ثِقُوا: أَنَا قَدْ غَلَبْتُ الْعَالَمَ” (يو ٣٣:١٦).
ليتنا نتسلح بصليب المسيح في كل الأوقات، إذا ما كنا نحارب مطالب العالم أو شهوات الجسد أو نبال الهراطقة، وإذا حفظنا أنفسنا من خميرة الأعمال الردية القديمة، فإن وليمة الفصح لن تنته بالنسبة لنا لأنه في كل تقلبات هذه الحياه وآلامها العديدة، يجب أن نتذكر تعاليم القديس بولس “فَلْيَكُنْ فِيكُمْ هذَا الْفِكْرُ الَّذِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ أَيْضًا: الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً ِلله لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ لِذلِكَ رَفَّعَهُ اللهُ أَيْضًا، وَأَعْطَاهُ اسْمًا فَوْقَ كُلِّ اسْم لِكَيْ تَجْثُوَ بِاسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ مِمَّنْ فِي السَّمَاءِ وَمَنْ عَلَى الأَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ الأَرْضِ، وَيَعْتَرِفَ كُلُّ لِسَانٍ أَنَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ هُوَ رَبٌّ لِمَجْدِ اللهِ الآبِ” (في ٥:٢- 11).
كأنه يقول: إذا ادركتم سر الرحمة العظيمة وما عمله ابن الله الوحيد لأجل خلاص البشرية، ليتكم تتذكرون ما كان في فكر المسيح أيضا، الذى بإتضاعه لم يجعل أحدًا من هؤلاء الأغنياء يستهين بغيره، ولا أحدًا من الذين ولدوا عظماء يحتقر الآخرين، لأنه لا يوجد انسان مهما بلغت ثروته أو حظه لا يشعر بالخجل، إذا نظر إلى السيد المسيح الذى اذ كان في صورة الله لم يحسب نفسه خلسة أن يكون معادلًا لله.
لنزدري بالأرضيات ونجاهد لأجل السماويات
ليتنا نقتدي بما عمله الرب فنحب ما أحبه. لأنه كما أنه في إفتقاره لم يفقد غناه، ولا مجده في إتضاعه، ولا خلوده بموته، فأنت أيضا تتبع آثار خطواته، لا تتعلق بالأرضيات لكي تحصل على السماويات. إن في حمل الصليب موتًا للطمع والجشع ووضع حدًا للآثام .
العظة الحادية عشر: أنا أخذت قوة القيامة بعد موت أعضائي الجسدية التي على الأرض – للقديس غريغوريوس النيسي[22]
المُرّ الذى يرمز للتوبة
“قُمْتُ لأَفْتَحَ لِحَبِيبِي وَيَدَايَ تَقْطُرَانِ مُرًّا، وَأَصَابِعِي مُرٌّ قَاطِرٌ عَلَى مَقْبَضِ الْقُفْلِ” (نش5:5) .
بعد أن خطب المسيح الكلمة أرواحنا لنفسه بأن قدسها ونقلها إلى حالة عدم الفساد أصبح من المستحيل أن يدخل المسيح إلينا إلا إذا روضنا أجسادنا وحطمنا سلطان الجسد علينا وعندئذ نستطيع أن نفتح الباب للكلمة فيدخل الينا ولذلك تقول العروس “قُمْتُ لأَفْتَحَ لِحَبِيبِي” وهذا ما فعلته ويداها تقطران مُرّاً وأصابعها عليها أيضاً من ذلك المُرّ، وهذا معناه أنها دُفنت بالمعمودية ثم قامت ثانية، لأن القيامة لا قيمة لها إن لم يسبقها الموت الإرادي، والدليل على أن الموت كان إراديًا هو وجود قطرات المُرّ على يديها. وأصابعها مملوءة بتلك الأطياب، والمُرّ الذي فى يديها لم يأتِ اليها من مصدر خارجي، لأن المُرّ الذي فى اليد يُشير إلى العمل الإرادي للانسان، وهذا يشير إلى ضبط الإنسان لإرادته، والأصابع تشير إلى كل أنواع العمل والنشاط للفضيلة .
والمعنى الكامل للنص هو أن العروس تقول: أنا أخذت قوة القيامة بعد موت أعضائي الجسدية التي على الأرض. وقمع جسدي قد مارسته بإرادتي، والمُرّ لم يضعه لي أي أحد آخر ولكني وضعته بإرادتي، والأصابع تشير إلى السلوك فى الفضائل المختلفة. وإمتلاء كل الأصابع بالمُرّ يشير إلى ممارسة الفضيلة والتغلب على كل الشهوات، لأن كثيرين قد تغلبوا على شهوات الجسد بينما إنهزموا لشهوات أخرى مثل الكبرياء، ومحبة القنية، والغضب، وشهوة ما للغير، ومحبة المديح، ومحبة العالم، فاذا وجدت أي من هذه الشهوات فى الإنسان فإن أصابعه لن تمتلىء بالمُرّ لأن قمع الجسد لم يشمل كل حياة الإنسان بعد. ولكن اذا امتلأت كل أصابعنا بالمُرّ فإننا نستطيع أن نقوم ونفتح للعريس وهذا ما قالة بولس الرسول “الَّذِي تَزْرَعُهُ لاَ يُحْيَا إِنْ لَمْ يَمُتْ” (1كو15: 36) وهو يشير بذلك إلى عمل الكنيسة فى الإنسان أنه يجب أن يذوق الموت أولًا -خلال أسرار الكنيسة- قبل أن تكون له حياة مع المسيح .
إن طبيعتنا مكونة من عنصرين: أولهما روحي مضىء خفيف، والثاني مظلم كثيف ناري. وكل جزء له انفعالاته الخاصة التي تختلف عن الأخرى وحركة العنصر الروحي الفعلي الخفيف تكون دائمًا لأعلى، بينما حركة الجزء المادي الثقيل تكون دائمًا لأسفل ولا يمكن لأي حركة أن تكمُل وتقوى ما لم تَقِل وتضعف حركة الجزء الآخر. وبين هاتين الحركتين تقف امكانياتنا فى ضبط النفس. والإرادة الحرة هى التى تجعل العنصر الضعيف قويًا أو العنصر القوي ضعيفًا. وبإرادتنا أيضًا نستطيع أن نجعل أحد العنصرين ينتصر على الآخر أو العكس، وهكذا فإننا نرى الرب يسوع المسيح فى الأنجيل يمدح الوكيل الأمين على يقظته وإيمانه، لأنه بإرادته الحرة إستعد لمجىء سيده فكان نصيبه هو الطوبى والفرح والدخول للعرس، أما ذلك العبد الشرير الذى أهتم فقط بضرب العبيد رفقائه وبالأكل والشرب فأن نصيبه هو البكاء وصرير الأسنان (مت24: 45-51) والفضيلة دائما تقف لتمنع إزدهار الرذيلة لذلك يجب أن نمارس قول داود النبي “بَاكِرًا أُبِيدُ جَمِيعَ أَشْرَارِ الأَرْضِ، لأَقْطَعَ مِنْ مَدِينَةِ الرَّبِّ كُلَّ فَاعِلِي الإِثْمِ” (مز101: 8) والمدينة هى النفس، والمعنى هو أن نطرد من نفوسنا كل الأفكار الشريرة وعندئذ تحيا فينا الميول الطيبة. وبولس الرسول أيضا كان يحمل فى الجسد إماتة الرب يسوع، وكان يتقوى فى الضعف، وكان غنيًا فى فقره، ويحيا حين يموت، ويقوى حين يضعف (2كو4: 10).
ولكن نعود إلى موضوعنا الرئيسى هو أن الروح سوف تحيا خلال موتها، وإذا لم تمت فهى سوف تبقى منفصلة عن الحياة، لأنه بالموت تدوس الموت وتحيا، وهذا هو معنى النص: أنها قامت لتفتح ويداها وأصابعها مملوءتان بالمُرّ. لأن المُرّ يرمز الى الموت، ولكن ما هو معنى أن الموت يقيمنا من الموت، وتفسير ذلك بأن ما خلقه الله فى سفر التكوين كان حسنًا (تك1: 11) وبين هذه المخلوقات كان الإنسان أكثر جمالًا من كل المخلوقات، قيل عنه أنه كان حسنًا جدًا. وكان الإنسان متسلطًا على كل الخليقة، ولم يكن للموت مكان فى الإنسان، لأنه كان يتمتع بالخلود والأبدية (صورة الله) وكان جميلاً حقًا ومشرقًا بنور الحياة. وعاش الإنسان فى فردوس الله متمتعًا بالأشجار الوفيرة. وكانت وصية الله هي قانون الحياة، وإذا نفذها آدم فهو لن يموت. وكان فى وسط الفردوس شجرة الحياة وكانت ثمارها حياة لمن يأكلها. وكانت توجد شجرة أخرى هى شجرة الموت أو شجرة معرفة الخير والشر، وكانت ثمارها تحمل الخير والشر والحلو والردىء، وكان من المستحيل أن تكون الشجرتان فى الوسط، ولما كانت شجرة الحياة هي التي في الوسط، فيلزم ألا تكون الشجرة الأخرى في الوسط أيضاً، لأنه لا يوجد سوى مركز واحد فى الدائرة الواحدة. ولكن إذا أخذنا دائرة أخرى بعيدة عن الدائرة الأولى، ومختلفة عنها، فإننا نستطيع أن نجد مركزًا آخراً. نقول هذا لأنه قيل أن كلا الشجرتين كانتا فى الوسط (تك2: 9، 3:3) وكان كل منها له حدود مختلفة عن الأخرى، في أحدهما قوة الحياة، وفى الثانية ثمار الموت، التى قال عنها بولس الرسول “أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ” (رو6: 23)، ولكن يجب أن نعلم أن في وسط أشجار الفردوس كانت توجد شجرة الحياة، أي أن هذه الشجرة هى مركز حياة الأشجار الأخرى التى كانت في الجنة، أما الموت فلم يزرع قط وليس له مكان مخصص، ولكن هل يوجد فقط فى حالة عدم وجود حياة فى أحد الأماكن .
ومعنى هذا أن الحياة كانت فى وسط الأشجار التى أوجدها الله، والموت وجد حيث توقفت الحياة، وشجرة الموت كان ثمارها خليطًا بين المضادات، لأنها تحمل الخير والشر، لأن الشيطان بمكر وخديعة يوهمنا أن بعض الشرور هى خير، وهذه هى اللذة التي تسبق أي شر، وكل خطية لها علاقة باللذة دائمًا مثل خطية الزنا أو الغضب، وهذا هو الحكم الخاطىء للذين يتركون الخير من أجل اللذة، ثم يكتشفون بعد ذلك أن الشر هو مرارة كما قال سفر الأمثال “لأَنَّ شَفَتَيِ الْمَرْأَةِ الأَجْنَبِيَّةِ تَقْطُرَانِ عَسَلاً، وَحَنَكُهَا أَنْعَمُ مِنَ الزَّيْتِ، لكِنَّ عَاقِبَتَهَا مُرَّةٌ كَالأَفْسَنْتِينِ، حَادَّةٌ كَسَيْفٍ ذِي حَدَّيْنِ” (أم5: 3، 4) .
وحين أكل الإنسان من شجرة الموت الخادعة هذه انفصل عن كل الأشياء الجيدة وعن طريق عصيانه إمتلأ من كل ثمار الخطية، التى هى الفساد، ونزل إلى مستوى الحيوانات غير الناطقة، واختلط الموت مع طبيعته، ونزل الفساد إلى كل ذريته، وعندئذ سقط من الحياة وحرم منها، لأنه انحرف عن الله، ولا يمكن للانسان أن يعيش فى وسط تلك الحياتين، لأنه إما أن يحب الواحدة ويحتقر الأخرى أو العكس. وحين يموت الإنسان عن تلك الحياة الجسدية المائتة فإنه سوف يرجع إلى الحياة الأبدية، وهذا معناه أننا لن ندخل إلى حياة الطوبى والسعادة الأبدية ما لم نمت عن الخطية.
ولذلك فإن الوحي الالهي يقول بأن كلا الشجرتين كانتا فى الوسط، لأن أحداهما هى الموجودة بالحق، أما الثانية فهي توجد فقط حين نحرم من الأولى ونفتقدها.
لأن دائرة الموت والحياة تأتي من الأشتراك أو الحرمان من الموت أو فى الحياة،
لأن الذى يموت عن البر فإنه يحيا للخطية، والذى يموت عن الخطية فإنه يحيا للفضيلة والبر،
وبالحق فإن العروس ملأت يديها من المُرّ وهي قامت من موتها عن الخطية لتفتح الباب للعريس الكلمة، والكلمة الذى فتحت له واستقبلته هو الحياة .
فالروح التى تنظر نحو الله قد أرتفعت وصعدت فى ذلك الطريق، ولكنها تحس أنها لم تأخذ شيئًا، كما يقول الرسول بولس لأن أمامها الكثير لكى تعرف (1كو13: 13) وهي لم تحسب نفسها أنها قد أدركت شيئًا، ولكنها تظل تواظب الصعود ناسية الأشياء التى أخذتها من قبل (فى3: 13) .
عظات آباء وخدام معاصرين – لأحد القيامة المجيد
العظة الأولى: القيامة فرح - للمتنيح البابا شنودة الثالث[23]
1- قال الملاكان وهما يبشران النسوة بقيامة المسيح: “لماذا تطلبن الحي بين الأموات؟! ليس هو ههنا، لكنه قام” (لو24: 5، 6).
إن عبارة المسيح الحي مفرحة للتلاميذ. ولكنها كانت تخيف رؤساء اليهود، كما أنها تخيف الخطاة جميعًا..
لم تكن تخيفهم وقت القيامة فقط ووقت الكرازة بها. بل إن هذا الخوف سيظل يتابعهم حتى في المجيء الثاني للمسيح وفي الدينونة. وفي هذا يقول الكتاب “هوذا يأتي مع السحاب، وستنظره كل عين والذين طعنوه، وينوح عليه جميع قبائل الأرض” (رؤ 1: 7).
وكثيرون مثل كهنة اليهود يريدون أن يتخلصوا من المسيح، لأن وجوده يبكتهم ويكشفهم. وبوجوده يخزي وجودهم الخاطئ..
2- كانت قيامة السيد المسيح فرحًا للتلاميذ ولنا أيضًا.
كان يوم الصلب يومًا محزنًا ومؤلما من الناحية النفسية، وإن كان من الناحية اللاهوتية يوم خلاص. ولكن الناس لم يروا سوى الآلام والشتائم والإهانات والبصاق والمسامير، ولم يروا ذلك الخلاص، ولا رأوا فتح باب الفردوس ونقل الراقدين على رجاء إلى هناك. وكان التلاميذ في رعب. فلما رأوا الرب فرحوا.
بقدر ما كان التلاميذ في حزن وفي قلق شديدين يوم الجمعة، على نفس القدر أو أكثر كانوا يوم الأحد في فرح بسبب القيامة. وتحقق قول الرب لهم من قبل:
“ولكني سأراكم أيضًا فتفرح قلوبكم ولا ينزع أحد فرحكم منكم” (يو16: 22).
لقد فرحوا لأنهم رأوا الرب، ورأوه حيًا خارج القبر، وكانوا يظنون أنه لا لقاء.
وفرحوا لأن السيد قد انتصر في معركته ضد الباطل، وأنه “سيقودهم في موكب نصرته” (2 كو 2: 14)
وفرحوا لأنهم تخلصوا من شماتة الأعداء بهم، كما تخلصوا من قلقهم واضطرابهم واختفائهم. وأصبح الآن بإمكانهم أن يخرجوا ويواجهوا الموقف، ويتكلموا بكل مجاهرة وبكل قوة عن قيامة المسيح.
فرحوا لأن الصليب لم يكن نهاية القصة، وإنما كانت لها نهاية مفرحة بالقيامة، أزالت آلام الجلجثة وجثسيماني وما بينهما وما بعدهما..
هو قال لهم “أراكم فتفرح قلوبكم”. ونحن نُعيِّد بأفراح القيامة، التي تُشعرنا بأن المسيح حي معنا. وأنه لا يمكن أن يحويه قبر، هذا الذي يحوي الكل في قلبه..
لقد فرح التلاميذ بقيامة الرب، فرحوا إذ رأوه.. وكانت قيامته نقطة تحول في تاريخ حياتهم، وفي تاريخ المسيحية.
3- بقيامته فرحوا أن القيامة ممكنة:
وذلك بالدليل المادي الذي رأوه أمامهم..
وهكذا قال عنه القديس يوحنا الرسول “الذي رأيناه بعيوننا، الذي شاهدناه ولمسته أيدينا..” (1يو 1: 1). وقال القديس بطرس الرسول“.. نحن الذين أكلنا وشربنا معه، بعد قيامته من الأموات” (أع 10: 41).
بالقيامة، تحول خوف التلاميذ إلى جرأة وشجاعة، وعدم مبالاة بكل القوى التي تحارب كلمة الله.. وهكذا استطاع بطرس بعد القيامة أن يقول “ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس”.
لم يعد التلاميذ يخافون شيئًا في روح القيامة..
أقصى ما يستطيعه أعداؤهم أن يهددوهم بالموت. وما قيمة التهديد بالموت، لمن يؤمن بالقيامة. وقد رآها!!
بهذا آمنت المسيحية أن الموت هو مجرد انتقال، وأنه ربح، وأنه أفضل جدًا ولم يعد يخشاه أحد..
4- وبالقيامة، شعر التلاميذ أنهم في ظل إله قوي..
الذي يؤمنون به “بيده مفاتيح الهاوية والموت”. فيه الحياة، بل هو القيامة والحياة.. من آمن به، ولو مات فسيحيا.. وهو مصدر الحياة، ليس علي الأرض فقط، وإنما الحياة الأبدية أيضًا..
5- وفرح التلاميذ لأن الرب وَفّى بوعده لهم.
لما تحققت أمامهم وعود المسيح لهم بأنه سيقوم وسيرونه، وثقوا أيضًا بتحقيق كل الوعود الأخرى التي قال لهم عنها مثل “أنا ماض لأعد لكم مكانًا. وإن مضيت وأعددت لكم مكانًا، آتي أيضًا وآخذكم إلي، حتى حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضًا” (يو14: 2، 3).
وثقوا أيضًا بوعده عن إرسال الروح القدس إليهم (يو 16: 7)، وأنهم سينالون قوة متى حل الروح القدس عليهم (أع 1: 8). وثقوا بوعده “ها أنا معكم كل الأيام وإلى انقضاء الدهر” (مت 28: 20). وكل هذه الوعود منحتهم قوة وإيمانًا وفرحًا.
6- وفي فرح التلاميذ بالقيامة، فرحوا أيضًا بكل ألم يلاقونه في سبيل الشهادة لهذه القيامة.
لقد أصبح للألم مفهوم جديد في فكرهم وفي شعورهم، لأنه قد صار لهم فكر المسيح (1كو 2: 16) أصبح الألم في اقتناعهم هو الطريق إلى المجد، كما حدث للمسيح في صلبه واضعين أمامهم هذا الشعار “إن كنا نتألم معه، فلكي نتمجد أيضًا معه” (رو 8: 17). وهكذا تحملوا الألم وهم يقولون “كحزانى ونحن دائمًا فرحون” (2كو 6: 10).
7- وبالقيامة أصبح الصليب إكليلًا ومجدًا، وليس ألمًا..
ما عاد التلاميذ يتضايقون من الاضطهادات. وهكذا يقول بولس الرسول “لأني أسر بالضعفات والشتائم والضرورات والاضطهادات والضيقات لأجل المسيح” (2كو 12: 10). ويقول أيضًا “كحزانى ونحن دائمًا فرحون” (2كو 6: 10).
8- وصارت القيامة فرحًا لجميع المؤمنين وبشرى بالقيامة العامة.
والقيامة أعطت المسيحيين رجاءًا في العالم الآخر، فركزوا فيه كل رغباتهم، وزهدوا هذا العالم..
إن كل ما نشرته المسيحية من حياة النسك، والزهد، وحياة الرهبنة، والموت عن العالم، كل هذا مبني على الإيمان بالقيامة، والتعلق بالعالم الآخر الذي تصغر أمامه كل رغبة أرضية. وهكذا تردد الكنيسة على أسماعنا في كل قداس قول الرسول “لا تحبوا العالم، ولا الأشياء التي في العالم، لأن العالم يبيد، وشهوته معه”.
9- وفي الفرح بالقيامة، فرح بالملكوت الذي يكون بعدها، وبالنعيم الأبدي وكل ما فيه.
وفي فرح القيامة فرحوا أيضًا بالملكوت الذي يكون بعدها، وبالنعيم الأبدي وكل ما فيه، عرفوا أن القيامة لها ما بعدها. واستطاع القديس بولس الرسول أن يعبر عن ذلك بقوله “ما لم تره عين، ولم تسمع به إذن، ولم يخطر على بال إنسان، ما أعده الله للذين يحبونه” (1كو 2: 9). وتحدث هذا الرسول أيضًا عن الإكليل المعد فقال: “وأخيرًا قد وضع لي إكليل البر الذي يهبه لي في ذلك اليوم الرب الديان العادل. وليس لي فقط، بل لجميع الذين يحبون ظهوره أيضًا” (2تي 4: 8).
كما أن الرب في سفر الرؤيا، شرح أمجادًا أخري للغالبين سينالونها بعد القيامة.
فتحدث عن شجرة الحياة، وإكليل الحياة، والمن المخفي، والاسم الجديد، والسلطان، وكوكب الصبح، والثياب البيض.. (رؤ 2، 3). بل ما أجمل قوله “من يغلب فسأعطيه أن يجلس معي في عرشي، كما غلبت أنا أيضًا وجلست مع أبي في عرشه” (رؤ 3: 21).
إننا لا نستطيع أن نفصل القيامة عن أمجاد القيامة، هذه التي من أجلها اشتهي القديسون الموت.
فقال بولس الرسول “لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح. ذاك أفضل جدًا (في 1: 23). وقال الرسول أيضًا “ونكون كل حين مع الرب”.
وتحدث القديس يوحنا في رؤياه عن أورشليم الجديدة، النازلة من السماء التي هي مسكن الله مع الناس. حقا ما أجمل القيامة التي تؤدي إلى كل هذا. وكل هذا ننتظره نحن في رجاء، فرحين بالرب وبمواعيده.
10- وبهذا أعطتنا القيامة رجاءًا في العشرة الدائمة مع المسيح.
فرحة القيامة ليست هي مجرد أن نقوم، إنما بالحري أن نقوم مع المسيح، لنحيا معه، حيث يكون هو..
وهكذا صارت القيامة وسيلة، وليست غاية في ذاتها..
وسيلة للحياة مع الرب، والتمتع به، في فرح دائم، لا ينطق به ومجيد، مع مصاف ملائكته وقديسيه.
أصبحت القيامة شهوة الكل، وإيمان الكل، كطريق يوصل إلى الأبدية مع الله، التي هي هدف حياتنا على الأرض.
11- في قيامة المسيح، فرحوا بأنهم تلاميذ المسيح وخاصته، بعد أن كانوا خائفين من انتمائهم إليه!
بعد أن كانوا خائفين قبلًا من الانتساب إليه، حتى أن بطرس في ليلة محاكمة السيد، أنكر، ولعن، وحلف، وقال لست أعرف الرجل (مت 26: 74). أما الآن -بعد القيامة- فإنهم يفتخرون به.
وفرحوا بأن الرب قد سمح بأن يظهر لهم مدى أربعين يومًا، في العلية في أورشليم، وعند بحر طبرية، وفي الجليل.. ويتحدث إليهم ويطمئن قلوبهم، ويغفر لبطرس إنكاره، ويقنع توما في شكوكه.. ويتنازل إلى ضعفهم، ليرفعهم إلى قوته، دون أن يوبخهم على هروبهم واختفائهم وشكهم.
12- فرحوا، لأنه بعد القيامة قد افتقدهم المسيح.
وقضي معهم فترة، كانت تضميدًا لجروحهم، وإزالة لشكوكهم، وغفرانًا لخطاياهم. بل كانت فترة إعداد للخدمة المقبلة.. أربعين يومًا قضاها الرب معهم، كان فيها يظهر لهم “ويكلمهم عن الأمور المختصة بملكوت الله” (أع 1: 3).. وقد “أراهم نفسه حيًا ببراهين كثيرة”..
13- وفرحوا لأنه في ظهور المسيح لهم، ظهر لهم مجده وعظمته:
ظهر لشاول الطرسوسي في نور عجيب أبرق حوله من السماء، حتى ارتعد شاول وتحير (أع 9: 3-6).
وظهر ليوحنا الرائي “ووجهه كالشمس وهي تضئ في قوتها “حتى وقع عند قدميه كميت (رؤ 1: 16، 17).
14- وفرح التلاميذ، لأنهم بعد القيامة استئمنوا على رسالة:
قال لهم الرب “اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم، وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس. وعلموهم جميع ما أو صيتكم به” (مت 28:19، 20). “اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها. من آمن واعتمد خلص.. هذه الآيات تتبع المؤمنين..” (مر 16: 15-17).
وهكذا أصبحت لهم رسالة، ورسالة عظيمة وجليلة، يحيون لأجلها، ويجاهدون لتحقيقها، ويكللون بسببها. وتحقق قول الرب لهم “أجعلكم صيادي الناس” (مت 4: 19).
لا شك أن بطرس قد فرح عندما قال له الرب بعد القيامة “ارع غنمي… ارع خرافي..” (يو21: 15، 16).
ولا شك أن كل التلاميذ فرحوا لما قال لهم الرب بعد القيامة “اقبلوا الروح القدس. من غفرتم لهم خطاياهم غفرت لهم، ومن أمسكتموها عليهم أمسكت”، “كما أرسلني الآب. أرسلكم أنا” (يو 20: 21-23).
15- وفرح التلاميذ بالجسد الروحاني الذي للقيامة، حينما يقيم المسيح أجسادهم أيضًا كما قام..
هذا التجلي الذي سيكون للطبيعة البشرية في القيامة من الموت. وقد تحدث القديس بولس الرسول بإسهاب في هذه النقطة فقال “هكذا أيضًا قيامة الأموات: يزرع في فساد، ويقام في عدم فساد. يزرع في هوان، ويقام في مجد. يزرع في ضعف، ويقام في قوة. يزرع جسمًا حيوانيًا، ويقام جسمًا روحانيًا” (1كو 15: 42-44).
وقال أيضًا عن الرب يسوع “الذي سيغير شكل جسد تواضعنا، ليكون على صورة جسد مجده” (في 3: 21).
“على شبه جسد مجده” فهذا يعطينا فكرة عن جمال الحياة الأخرى وروحانيتها، وبهجة الانطلاق من المادة وكل قيودها، مع كل قدرات الروح ومواهبها.
16- القيامة منحت الكرازة المسيحية ثقة وإيمانًا..
ثقة بالمسيح القائم من الأموات، الذي عاش معه التلاميذ أربعين يومًا بعد قيامته “يريهم نفسه حيًا ببراهين كثيرة”، “يكلمهم عن الأمور المختصة بملكوت الله” (أع 1: 3). حتى أن يوحنا الرسول، حينما تكلم عنه “الذي سمعناه، الذي رأيناه بعيوننا، الذي شاهدناه ولمسته أيدينا” (1يو 1: 1).
ملخص لأفراحهم:
أما التلاميذ فقد فرحوا إذ رأوا الرب (يو 20: 20). واستمر معهم الفرح كمنهج حياة..
لقد فرحوا بقيامة الرب، وفرحوا بظهوره لهم. وفرحوا بصدق كل مواعيده. وفرحوا بالقيامة بوجه عام، وبالانتصار على الموت. وفرحوا لأن اليهود ما عادوا يشمتون بهم. كذلك بالقوة التي نالوها، وبالرسالة التي عهد الرب بها إليهم بعد القيامة وفرحوا بانتشار الكرازة. بل فرحوا حتى بالضيقات التي لاقوها في شهادتهم للرب، وقال عنهم الكتاب “أما هم فذهبوا فرحين من أمام المجمع لأنهم حسبوا مستأهلين أن يهانوا من أجل اسمه” (أع 5: 41). فرحوا أيضًا بتحقيق وعده لهم في إرسال الروح القدس إليهم، وقوله لهم “تلبسون قوة من الأعالي” (لو 24: 48).
وقوله أيضًا “إذا اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي، فهناك أكون في وسطهم” (مت 18: 20). وقوله كذلك “ها أنا معكم كل الأيام وإلى انقضاء الدهر” (مت 28: 20).
العظة الثانية: المسيح يحيا فيَّ – لقداسة البابا تواضروس الثاني [24]
إن القيامة أعطت الإنسان هذه الإمكانية التي يمكن أن نشرحها في ثلاثة نقاط :
- خروج من القبر: خرج بقوة لاهوته ولم يكن للموت سُلطان عليه، ووهب القيامة للآخرين، وهذا يعني الخروج من قبر الخطايا والشهوات. والخطية لها وجهان، وجه لطيف مخادع، ووجه شرس مفترس “أين شوكتك يا موت؟ أين غلبتك يا هاوية؟” (١كو١٥: ٥٥) .
- ارتفاع نحو السماء: لم يعد للأرض تأثير (الجاذبية) مهما كانت: الأكفان – الخوف – الظلام. وهذا يعني أنه لا يكفي ترك الخطية، بل يجب أن يكون هناك اشتياق للروحيات – لتذوق حلاوة الله – إدراك تفاهة اهتمامات العالم – حرارة الحماس والإحساس بالسماء .
- امتلاء بالفرح وامتداد نحو الناس: لقد قام المسيح وظهر مرات كثيرة لأشخاص كثيرين “ألم يكن قلبنا ملتهبًا فينا” (لو٢٤: ٣٢) وهذا يعنى أن الفرح بسكنى المسيح في القلب يدفع الإنسان لإشراك آخرين في بهجة القيامة نحو (الخروف الضال = النفوس البعيدة) نحو (تكريس الحياة – الوقت، الجهد …).
أمثلة لأشخاص حيا المسيح فيهم:
- أموات في الفكر: شاول الطرسوسي (فكر حرفى ناموسي، ميت ثم تحول وقام).
- أموات في الروح: زكا العشار (لص أنانى جشع خاطئ ثم تحول وقام).
- أموات في القلب: مريم المجدلية (امرأة خاطئة في شوارع أورشليم إلى قديسة ومبشرة بالقيامة لقد تحولت وقامت).
كيف يحيا (يقوم) المسيح فيَّ :
- بالأسفار المقدسة: ” آمين تعالى أيها الرب يسوع ” (رؤ ٢٢: ٢٠).
- بالأسرار المقدسة: التوبة والتناول والممارسة الواعية.
- بالصلوات المقدسة: المخدع والتأمل والاستمرار.
- بالخدمات المقدسة: لأجل خاطر المسيح، هدفها مجد الله.
- بالأتعاب المقدسة: من أجلك نمات كل النهار (رو ٨: ٣٦ )، إنه حمل صلباننا الصغيرة، والاحتمال “محتملين بعضكم بعضاً”.
تأملات قيامية:
بدون قيامة السيد المسيح ما كانت مسيحية ولا عبادة ولا إنجيل ولا عقيدة ولا إيمان .
القيامة أعطت:
- حياة جديدة: فعل إلهي، لا بشري (لم نعد تحت سلطان الخطية).
- طبيعة جديدة: صارت لنا طبيعة روحانية سماوية، طبيعة النصرة.
- قوة جديدة: قوة الحرية “إن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحرارًا”.
ما هي قيمة القيامة لإنسان اليوم؟
1- يعرف أصله السماوي، فمستويات الحياة مع الله (إظلام – إصلاح – إنارة الصورة).
2- يحيا بالأمل والرجاء الدائم فقد أصلحت القيامة:
- امرأة يائسة هي مريم المجدلية.
- شابين يائسين هما تلميذي عمواس،
- جماعة يائسة هم التلاميذ الخائفين.
3- يقتنى نعمة التبنى وشركة الطبيعة الإلهية: المعمودية والافخارستيا ثم الأسفار المقدسة والحياة بالوصية .
العظة الثالثة: ثبوت القيامة - للمتنيح أنبا أثناسيوس مطران بني سويف والبهنسا [25]
الزلزلة والملاك (مت ٢٨: ١-٤)
لازمت نساء الرب وكانت منهن كثيرات عند الصليب (مت ۲۷: ٥٥، ٥٦). وعند القبر بعد أن أغلقه يوسف الرامی )مت٦١:۲۷(، وباكرًا جدًا فجرالأحد كُنَّ عند القبر (مت۲۸: ١) ففي محبة الرب لم يتميز جنس على جنس .
لا يهم أن كان الملاك قد دخرج الحجر قبل القيامة أو بعدها، إنما المهم أن الرب قام بإرادته من الموت، وخرج من القبر. فلقد رفض أن ينزل عن الصليب حين طُلب اليه ذلك، ولكنه فعل ما هو أعظم وأقوى اذ قام من القبر .
إن آدم الأول أخطأ وحينئذ فصله الملاك عن شجرة الحياة. والرب -آدم الثاني- رفع الخطيئة وبشر الملائكة بنى آدم بالخلاص .
البشارة المفرحة (مت ٢٨: ٥- ١٥)
بينما سقط الجنود كأموات من الرعب حين نظروا الملاك، توجه الملاك ببشارة سلام وفرح قائلاً: “إنكما تطلبان يسوع المصلوب. ليس هوههنا لأنه قام كما قال”.
هذه هي القوة التي تطرد الخوف: قوة القيامة. “وَمَا هِيَ عَظَمَةُ قُدْرَتِهِ الْفَائِقَةُ نَحْوَنَا نَحْنُ الْمُؤْمِنِينَ، حَسَبَ عَمَلِ شِدَّةِ قُوَّتِهِ الَّذِي عَمِلَهُ فِي الْمَسِيحِ، إِذْ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ” (أف ۱۹: ۱، ٢٠).
وها هي تنبيهاته السابقة التي لم يكن التلاميذ يفهمونها تتضح لهم فقد قال سابقاً: “بَعْدَ قِيَامِي أَسْبِقُكُمْ إِلَى الْجَلِيلِ” (مت ٢٦: ٣٢) وها الملاك يقول أنه يفعل ذلك (مت 28: ٧).
وما أحلى وقع سلامه على القلوب، إذ قابل بشخصه المرأتين وقال لهما: “سلام لكما”، ولكنه ألفت نظرهما الى أن المقابلات بعد القيامة يحسن أن تكون في الجليل بعيدًا عن أورشلیم منعًا لإثارة متاعب على التلاميذ، وفي الجليل سيظهر لهم مراراً لأنه لا يهمه أن يظهر للشعب بل أن يظهر للذين رعاهم منذ البداية ليتأكدوا من الأمر، ثم يتقدمون للتبشير به .
أما الحراس واليهود فليقولوا ما يقولون عنه لأنه لا يهمنا نحن كل ذلك “فَإِنَّ كَلِمَةَ الصَّلِيبِ عِنْدَ الْهَالِكِينَ جَهَالَةٌ، وَأَمَّا عِنْدَنَا نَحْنُ الْمُخَلَّصِينَ فَهِيَ قُوَّةُ اللهِ” (1کو۱: ۱۸)، وليشيعوا ما يشاءون، أما المؤمن فإنه يقول: “لأَنَّنِي عَالِمٌ بِمَنْ آمَنْتُ” (۲تي ١: ١٢) .
الظهورات المجيدة (مت ۲۸: ١٦- ۲۰)
ولم يذكر أنجيل متى سوی ظهورين بعد القيامة، واحد عند القبر للنساء، وواحد في الجليل للتلاميذ. وهناك أعطاهم الوصية الأخيرة: ” فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآب وَالابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ، وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ” ولكن ما أصعب تلك البشارة على العالم المقاوم، وما كانت لتنتشر لولا أنه قال: “هَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْر”ِ.
القبر الفارغ (يو۱:۲۰- ۱۰)
وصف إنجيل متى كيف أن الحراس أحسوا بما حدث عندما نزل الملاك ودحرج الحجر عن القبر (مت28: 4) وليس من السهل تحديد ما إذا كان نزول الملاك وزحزحة الحجر ملازمًا للقيامة أم أن الرب خرج والحجر مغلق كما يحلو للبعض أن يتصوروا، ثم أن الملاك دحرج الحجر من أجل أن يسهل دخول الناس ليروا القبر الفارغ .
على أنه لابد أن الحراس دخلوا القبر فرأوه فارغاً وحينئذ توجهوا إلى المدينة ليقصوا قصتهم فاتفق معهم اليهود على أن يقولوا أن التلاميذ سرقوا جسده (مت28: 11- 25).
وأثبت إنجيل يوحنا كيف أن المجدلية كانت أول من دخل القبر، وأن يوحنا وصل إلى القبر ونظر داخله دون أن يدخل، ثم جاء بطرس ودخل فدخل بعده يوحنا فوجدا الكفن في ناحية وغطاء الرأس في ناحية أخرى، وكأن يوحنا يُثبت أن بطرس الذي أنكر السيد مساء الخميس، كان أول من دخل القبر من الرجال وفحصه فجر الأحد، وحينئذ آمن التلميذان وبدأت أقوال الرب السابقة للتلاميذ عن الصلب والقيامة تتضح لهم .
قال القديس ساويرس الأنطاكي ويعقوب السروجي أن أشعة كانت تنتشر من القبر الفارغ بعد ذلك. ولذا أخذ اليهود يلقون الأتربة في المكان حتى أخفوه إلى أن جاءت الملكة هيلانة وأزالت الأتربة .
وقد نشر الفاتيكان أخيرا بحثا علميا دقيقا للكفن المقدس ، بعد أن فحص بالامكانيات العلمية المعاصرة التي لم تكن موجودة في الماضي.وأثبت البحث أمورا باهرة عن حوادث صلب رب المجد.
ظهورات ثلاث (يو۲۰: ١١- ۲۹)
(11- ۱۸) للمجدلية:
كانت مريم تبکي خارج القبر ثم تقدمت لتنظر إلى الداخل فرأت ملاكين واحداً حيث كان رأس الجسد المقدس والثاني عند القدمين، ودار معهما حديث عن السيد وقالت هي أن أناساً أخذوا الجسد ولاتعلم أين وضعوه. مما يبين أن التلميذين بطرس ويوحنا أدركا أنه قام. وأما مریم فلم تتبين الحقيقة بعد، وحينئذ ظهر لها الرب وسألها لماذا تبکي فحادثته على أنه البستاني حتی ناداها باسمها وبصوته المعروف لها فالتفتت وقالت “ربوني”.
ولايليق أن تبدو غرابة في ألا يدرك الذين رأوا الرب بعد قيامته أنه هو الذي أمامهم لأول وهلة. إذ أنه أمر بعيد عن الواقع أن يقوم إنسان من الموت ويظهر للناس. ولو رأى الناس إنسانا شبيها لشخص متوفي لتعجبوا وقالوا كيف أن هناك من يتشابهون كثيرًا في الشكل، ولا يتصورأحدهم أن الذي أمامه هو ذلك الذي مات ودفن، ثم أن الأوقات التي حدثت فيها تلك الحوادث كحديث الرب مع مريم المجدلية أو ظهوره للتلاميذ على بحيرة طبرية (٢١: 1- 12) كانت قبل الشروق والضوء خافت.
اندفعت مریم نحو الرب بلهفة غير عادية لتمسك به فرحة بقيامته فقال لها: “لاَ تَلْمِسِينِي لأَنِّي لَمْ أَصْعَدْ بَعْدُ إِلَى أَبِي..” أي لا تضيعي الوقت في التمسك بجسدي لأني معكم لزمان أيضًا. ولن أصعد إلى السماء اليوم.
وقوله “إِنِّي أَصْعَدُ إِلَى أَبِي وَأَبِيكُمْ وَإِلهِي وَإِلهِكُمْ” لا يعني أنه ليس الإله المتجسد. وإلا كان يقول لم أصعد إلى أبينا وإلهنا ولكنه يقول أبی وأبيكم أي أنه أبوه بوضع وأبونا بوضع آخر، فهو أبوه ذاتيًا وأبونا بالتبني. وبنفس المعنى “إِلهِي وَإِلهِكُمْ” فهو يتكلم عن انتصار البشرية فيه، فالبشرية قد انتصرت وصار لها حق في السماء، ولذا يقول: “اذْهَبِي إِلَى إِخْوَتِي” وكلمة “إله” تعني أيضا رأسًا مثلما قال لموسى عن هرون أخيه “هُوَ يُكَلِّمُ الشَّعْبَ عَنْكَ وَهُوَ يَكُونُ لَكَ فَمًا، وَأَنْتَ تَكُونُ لَهُ إِلهًا” (خر٤: ١٦) أي أن موسى يكون الفكر وهرون يكون المُعَبِّر عن الفكر وقد استعمل إنجيل يوحنا كثيرًا من التعبيرات التي تعني أن الرب يسوع هو الكلمة وفي نفس الوقت هو الله.
(١٩- ٢٣) ظهوره للتلاميذ :
ظهر للتلاميذ في مساء ذلك اليوم وهم مجتمعون. دخل إليهم والأبواب مُغَلَّقَة. كانت الأخبار قد انتشرت عن خلو القبر من الجسد. ولم يكن اليهود يعتقدون أنه قام، بل كانوا يَشتدُّون حنقًا على التلاميذ الذين تصوروا أنهم سرقوه، وكانوا يسعون وراءهم لعلهم يعذبونهم أيضاً ويعرفون منهم مكان الجسد. وبينما التلاميذ منكمشین هكذا اذا بالرب ظهر وسطهم وقال “سَلاَمٌ لَكُمْ” بصوته المعروف لهم ونغمته المملوءة مجدًا. وها هو بينهم بشخصه وجسده، يريهم جسده ويديه وجنبه فيطفرون بالفرح والنشوة والقوة. وها هو يرسلهم إلى العالم أجمع. مجددًا ماكان قد كلفهم به. كما ينفخ في وجوههم نفخة الروح القدس الذي سبق ووعدهم به مرارًا. على أنه “أَوْصَاهُمْ أَنْ لاَ يَبْرَحُوا مِنْ أُورُشَلِيمَ، بَلْ يَنْتَظِرُوا مَوْعِدَ الآبِ.. لكِنَّكُمْ سَتَنَالُونَ قُوَّةً مَتَى حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْكُمْ، وَتَكُونُونَ لِي شُهُودًا” (أع١: ٤، ۸).
(٢٤- ۲۹) تثبيت توما :
أفادنا الرسول توما في الطريقة التي أتبعها فائدة كبرى فإنه أثبت أن الجسد الذي قام به الرب جسد حقيقي وليس خيالياً. وأما دخوله والأبواب مُغَلَّقَة فهو مثل ولادته والأم العذراء كما هي (أنظر حز 44: 2)
(يو3۰- ۳۱) الآيات الواردة :
صنع الرب آيات كثيرة خلال تجسده. وهنا يبين الرسول يوحنا أنه صنع آیات مختلفة بعد قيامته. وإنما ذكر الكتاب ما ذكر اختيارًا للبرهان فقط وعلى سبيل المثال لا الحصر “وهكذا تتبع الآيات المؤمنين” (مر16: ١٧).
(يو٢١: ١-١٤) صيد السمك:
ظهر الرب عدة ظهورات للتلاميذ بعد قیامته ولم يمكث معهم لأنه لو استمر معهم لَعَلِمَ الناس وتقاطروا عليه، ولحدث اضطراب شديد كان يضرالكنيسة ضررا بالغًا لأنها لم تكن قد أخذت الروح القدس وكانت نبتة صغيرة لم تشبع بالماء بعد ولم يشتد عودها، فكان يظهر ليثبت قيامته للتلاميذ، ثم يختفي حتى لا يعطيهم فرصة أن يعرفوا مكانه ويستدعوا الجماهير ويثيروا ذلك الاضطراب وهذا ماقاله الرسول لوقا في بداية سفر الأعمال “أَرَاهُمْ أَيْضًا نَفْسَهُ حَيًّا بِبَرَاهِينَ كَثِيرَةٍ، بَعْدَ مَا تَأَلَّمَ، وَهُوَ يَظْهَرُ لَهُمْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَيَتَكَلَّمُ عَنِ الأُمُورِ الْمُخْتَصَّةِ بِمَلَكُوتِ اللهِ” (أع ١: ٣).
ظهر الرب على الشاطئ وكان الفجر. وكانوا داخل الماء بحوالی مئتي ذراع (آیة ۸) ولم يدركوا أنه الرب إلا بعد صيد السمك الكثير بناء على كلمته، وطاعة الرب مصدر القوة والخير.
كان عدد التلاميذ على بحر طبرية سبعة، وهو عدد الكمال، ومعناه أن الكنيسة مهما قل عددها وتشتت بعضها فهي كاملة في النعمة .
جاهد التلاميذ طوال الليل ولم يكن الرب معهم، ولكن حين حضر أعطاهم توجيهه المبارك فتبارك عملهم كثيرًا .
ووقف الرب معهم في صيدهم وشيِّهم للسمك. وجميل أن نختبر وجوده معنا ليس في الأمور الكبيرة فقط بل في الصغيرة أيضًا. إنه معنا ونحن نأكل أو ونحن نائمون أو حين نذاكر أو نعمل .
وقد لانراه في ضوائقنا لأن الدنيا تكون مظلمة حولنا. لكنه واقف معنا. وقد يتركنا نجاهد وهو مسرور، يرقبنا نتعلم الصبر، ويظهر حين تشرف قوتنا على النفاذ. فلنجعل الرب معنا في الأمور الصغيرة لكي نتمرن على وقوفه معنا في الأمور الكبيرة.
يا للعجب سألهم الرب إن كان عندهم طعام فأجابوه بالنفي!.. سبعة رجال صناعتهم الصيد يقضون الليل بطوله ولا يصطادون شيئاً. أمر مخجل يدل على فشل كبير حتى أنهم لا يجدون ما يكفيهم لإطعام أنفسهم أو لإطعام ضيف واحد. ولكن خلو الحياة من الرب هو خلو من كل شئ وإفلاس في كل شئ .
من عادة الصيادين في فلسطين أن يكون معهم شبكتان واحدة على شكل قمع مرتبطة بحلقة وعصا طويلة يرسلها إلى القاع ليختبر وجود السمك أو يستعملها حين يكون فردًا. ولكن في الجماعات يوقفون أحدهم على الشاطئ ليرقب حركة الشبكة الصغيرة ويوجههم إلى وقت جذب الكبيرة، ولكنهم تجمعوا في السفينة ربما بعد أن يئسوا وخرجوا دون نتيجة لأنه “لاَ بِالْقُدْرَةِ وَلاَ بِالْقُوَّةِ، بَلْ بِرُوحِي قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ” (زك4: 6)
أمرهم يسوع أن يلقوا الشبكة على الجانب الأيمن للسفينة، فلما أطاعوا حصلوا على سمك كثير، فالطاعة للرب أساس البركة والأثمار .
أتزر بطرس بالثوب لأن التقليد عند اليهود كان إن كل عمل دیني لا يؤدى إلا والإنسان لابس ملابس الخدمة. وكانت التحية عندهم عملاً دينيًا. وعلينا أن نكون مكتسين بالنعمة أمام الرب .
اختلف المفسرون في محاولة اعطاء معنى للعدد ١٥٣، فقال القديس کیرلس الكبير إن ۱۰۰ ترمز إلى الأمم لأن الراعي حين تكلم عن رعيته قال أنها ١٠٠ خروف، وحين تكلم الرب عن البذرة قال أنها تأتي بثمر ۳۰ ،٦٠، ١٠٠ في حال الكمال، والكمال في خلاص النفوس جاء بدخول الأمم، وعدد ٥٠ يرمز إلى اليهود وعدد ٣ يرمز إلى الثالوث المقدس .
والقديس أوغسطينوس قال أن عدد ۷ يرمز إلى النعمة و ۱۰ يرمز إلى الناموس وبذا يكمل النعمة والناموس في ۷+ ۱۰ = ۱۷، ولو جمعنا مفردات ۱۷ أي ۱ + ۲ + ۳ + … + ۱۷ = ١٥٣، فهذا العدد مفردات عدد النعمة قديمًا وحديثاً .
أما القديس جيروم فقال أن علماء ذلك العصر يحسبون مائة وثلاثة وخمسیں نوعًا من الأسماك ومعنی هذا أن الشبكة جمعت جميع الأنواع وليس من فرق عند الرب بين الأبيض والأسود، العبد أو الحر، والجميع مدعوون للبنوية.
والشبكة هي الكنيسة، وهي لم تتمزق على الرغم من وفرة العدد، وهكذا تُخلِّص الكنيسة الكثيرين وكلما زاد ثمرها في أبنائها كلما احتوتهم.
وإن تناول الرب الطعام معهم اثبات جديد لحقيقة القيامة.
العظة الرابعة: القيامة ومشكلات الشباب - للمتنيح بيمن أسقف ملوي [26]
يعاني الشباب هذه الأيام من مشكلات كثيرة بعضها روحي يتعلق بخلاصه، وبعضها اجتماعي يتعلق بحياته النفسية والإجتماعية، والسر في هذا أن شبابنا يفتقر إلى إرشاد روحي سليم، وإلى اختبار مسیحی صادق فيه يبيع الشاب كل ما عنده ليشتري الحقل الذي فيه الكنز، وفيه يخلع الشاب الإنسان العتیق الفاسد ويلبس الإنسان الجديد الموهوب له بالصليب المقدس والقيامة المحيية .
لأجل هذا سيظل الشباب يعاني وسيظل يسأل كثيرا عن وسيلة النجاة إلى أن يدخل إلى الداخل ويعرف أن المعمودية هي موت ودفن للعتيق کي يقوم مع المسيح في جدة الحياة، وإلى أن يعرف أن سر الصليب وسر القيامة لم يكونا فی قوتهما الجبارة لشخص المسيح وحده، وإنما هي قوة مذخرة لنا نحن المؤمنین کی نمارسها ونختبرها ونغلب بها ونشهد لها ونكرز من خلالها .
والمسيح له المجد مات وقام لكي يبيد بالموت ذاك الذي له سلطان الموت، وقد أعطى لنا من خلال قيامته حلًا لمشكلة الخطيئة والموت .
والمسيح له المجد أرعب قوات الظلمة بقيامته الجبارة لكي يسكب فينا سلاماً عجيبًا، وينزع منا إلى الأبد كل خوف يعكر صفو الإيمان .
المسيح له المجد أظهر نفسه بعد قيامته ببراهين كثيرة ليحقق للعالم نهوضه المبارك، ويزيل من قلب كل مؤمن ما يزرعه إبليس من شكوك مميتة.
المسيح له المجد، قام بمجد عظيم، وهللت له كل الخليقة، واشتركت الملائكة في إعلان بشرى القيامة، وانتزعت من المجدلية ومن التلاميذ ومن كل مؤمن يحيا في كنيسة الله كل مصدر للحزن الردئ ووجع القلب .
لقد عالج الرب بقيامته ما يعاني منه شبابنا:
❈ مشكلة الخطيئة. | ❈ مشكلة الموت. | ❈ مشكلة الخوف. |
❈ مشكلة الشك. | ❈ مشكلة الحزن الردئ ووجع القلب. |
القيامة ومشكلة الخطيئة
الإنسان بدون المسيح واقع تحت الدينونة لأنه بالآثام حبل به وبالخطايا اشتهته أمه، ليس من يعمل صلاحًا ليس ولا واحد الجميع زاغوا وفسدوا وأعوزهم مجد الله هذا ما عبر عنه الرسول بولس بقوله “بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ، وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ، وَهكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيع” (رو٥: ١٢)، وفي موضع آخر يقول “أَنْتُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَمْوَاتًا بِالذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا الَّتِي سَلَكْتُمْ فِيهَا قَبْلاً حَسَبَ دَهْرِ هذَا الْعَالَمِ، حَسَبَ رَئِيسِ سُلْطَانِ الْهَوَاءِ، الرُّوحِ الَّذِي يَعْمَلُ الآنَ فِي أَبْنَاءِ الْمَعْصِيَةِ، الَّذِينَ نَحْنُ أَيْضًا جَمِيعًا تَصَرَّفْنَا قَبْلاً بَيْنَهُمْ فِي شَهَوَاتِ جَسَدِنَا، عَامِلِينَ مَشِيئَاتِ الْجَسَدِ وَالأَفْكَارِ، وَكُنَّا بِالطَّبِيعَةِ أَبْنَاءَ الْغَضَبِ كَالْبَاقِينَ أَيْضًا، اَللهُ الَّذِي هُوَ غَنِيٌّ فِي الرَّحْمَةِ، مِنْ أَجْلِ مَحَبَّتِهِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي أَحَبَّنَا بِهَا، وَنَحْنُ أَمْوَاتٌ بِالْخَطَايَا أَحْيَانَا مَعَ الْمَسِيحِ بِالنِّعْمَةِ أَنْتُمْ مُخَلَّصُونَ” (أف٢: ١-٥)، وقد أعتقنا الرب يسوع بموته وقيامته من سلطان الخطية إذ دفع الثمن واشترانا بدمه الغالي وحررنا من أسر إبليس وعبوديته بقيامته المحيية ويمكننا أن نقول إن قيامة المسيح قد أبطلت مفعول الخطية .
- فبموته وقيامته صار لنا الفداء بدمه .
- وبموته وقيامته صار لنا التبرير بالإيمان بشخصه .
- وبموته وقيامته صار لنا المصالحة مع السمائيين عاملًا الصلح بدم صليبه .
- وبموته وقيامته صار لنا التبني إذ أننا في المسيح يسوع لسنا بعد عبيدا وإنما أبناء أحباء للآب السماوي، والمسيح نفسه صار بكرًا بين أخوة كثيرين .
وقوة القيامة الغالبة التي زلزلت مملكة الشيطان وسبت من سلطانه جميع الأنفس التي تحيا بالإيمان، هذه القوة التي هزأت بمملكة الظلمة التي انطوى تحت لوائها حنانيا وقيافا ويهوذا وبيلاطس وعامة الشعب المرتشون ورؤساء الكهنة الحانقون.
هذه القيامة الجبارة هي للكنيسة كلها ولنا جميعًا نحن المؤمنون، إذ يقول الرسول بولس في رسالته إلى أفسس ” لِتَعْلَمُوا.. مَا هِيَ عَظَمَةُ قُدْرَتِهِ الْفَائِقَةُ نَحْوَنَا نَحْنُ الْمُؤْمِنِينَ، حَسَبَ عَمَلِ شِدَّةِ قُوَّتِهِ، الَّذِي عَمِلَهُ فِي الْمَسِيحِ، إِذْ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ، وَأَجْلَسَهُ عَنْ يَمِينِهِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ، فَوْقَ كُلِّ رِيَاسَةٍ وَسُلْطَانٍ وَقُوَّةٍ وَسِيَادَةٍ، وَكُلِّ اسْمٍ يُسَمَّى لَيْسَ فِي هذَا الدَّهْرِ فَقَطْ بَلْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَيْضًا، وَأَخْضَعَ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ قَدَمَيْهِ، وَإِيَّاهُ جَعَلَ رَأْسًا فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ لِلْكَنِيسَةِ” (أف١٩:١-٢٢) .
وفي سفر الرؤيا يقدم يوحنا الرائي السجود للرب يسوع المسيح الشاهد الأمين البكر من الأموات الذي أحبنا وغسلنا من خطايانا بدمه وجعلنا ملوكا وكهنة الله أبيه. والذي غلب على الصليب ولا يزال يغلب في كنيسته، هو الحي إلى أبد الأبدين يمارس بقوة صليبه وفعل قيامته عمل النصرة في حياة أولاده، وهذا وعده الأمين “مَنْ يَغْلِبُ فَسَأُعْطِيهِ أَنْ يَجْلِسَ مَعِي فِي عَرْشِي، كَمَا غَلَبْتُ أَنَا أَيْضًا وَجَلَسْتُ مَعَ أَبِي فِي عَرْشِهِ” (رؤ ٣ : ٢١) .
لهذا لا يستطيع واحد من أولاد الله أن يقول أن الشيطان غلبني وأن الخطيئة أذلتني.
اذكروا يا أخوة كيف كان القديس أنطونيوس يهزأ بالشياطين ويحتقر سلطانها، واذكروا كيف تحدى الشهداء والنساك جميع صنوف الإغراءات والأهواء في تصميم عنيد وقصد واضح نحو العفة والطاعة والتجرد الكامل .
المسيحي الحقيقي يتمسك بقوة قيامة الرب فيحيا، والمسيحي الحقيقي يتناول من الجسد والدم المحيي فيتغذى وينال مصل الحياة وإكسيرها ضد لدغة الحية القديمة .
والمسيحي الحقيقي يعرف حقيقة ضعفه ومذلته وفساد طبيعته الذاتية ولكنه يحيا بالحياة الجديدة الموهوبة بالنعمة والإيمان والأسرار المقدسة.
القيامة ومشكلة الموت
قبل مجئ المسيح كان الموت أجرة العصيان، والنتيجة الحتمية للفساد الذي دخل حياة الإنسان بحسد إبليس “أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ، وَأَمَّا هِبَةُ اللهِ فَهِيَ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا” (رو٦: ٢٣)، وكان الموت مخيفًا لأن إبليس وجنده كانوا يأخذون الأرواح إلى الهاوية، وكان لعدوالخير سلطان على جميع الأرواح، كما كان له السلطان على كل العالم “رَئِيسَ هذَا الْعَالَمِ يَأْتِي وَلَيْسَ لَهُ فِيَّ شَيْءٌ” (يو14: 30)، وظلت البشرية كلها طوال عصور التاريخ تخشى سطوة الموت تعتبره أكبر عدو للإنسان، وقد سجل لنا العهد القديم قصة حزقيا الملك الذي كان مستقيم القلب أمام الله وأعلمه نبي الله أشعياء بقرب وفاته فحزن حزقيا ووجه وجهه نحو الحائط وبكى بكاء عظيما وصلى قائلاً: آه يارب أنت تعلم كم سرت أمامك بالأمانة وبقلب مستقیم وفعلت الحسن في عينيك، فرجع أشعياء وقال له: الرب قد أزاد على أيامك خمسة عشر سنة وأنقذك من يد ملك آشور، هذا التشبث العجيب بالحياة الأرضية تغير بعد تجسد المسيح وموته وقيامته فالموت بدلًا من أن يكون لعنة صار بركة وربحًا، فالرسول بولس يقول “لِيَ الْحَيَاةَ هِيَ الْمَسِيحُ وَالْمَوْتُ هُوَ رِبْحٌ” (في ۱: ۲۱)، وأخذ يعقد رسول الجهاد مقارنة بين أن يبقى في الجسد خادمًا لإنجيل المسيح أو أن ينطلق للمجد، ففضل الإنطلاق كصورة عكسية تماماً لموقف حزقيا ” وَلكِنْ إِنْ كَانَتِ الْحَيَاةُ فِي الْجَسَدِ هِيَ لِي ثَمَرُ عَمَلِي، فَمَاذَا أَخْتَارُ؟ لَسْتُ أَدْرِي، فَإِنِّي مَحْصُورٌ مِنْ الاثْنَيْنِ: لِيَ اشْتِهَاءٌ أَنْ أَنْطَلِقَ وَأَكُونَ مَعَ الْمَسِيحِ، ذَاكَ أَفْضَلُ جِدًّا، وَلكِنْ أَنْ أَبْقَى فِي الْجَسَدِ أَلْزَمُ مِنْ أَجْلِكُمْ” (فی ۱: ۲۲- ٢٤).
وسمعان الشيخ في الهيكل يقول للرب بعد أن أخذه في حضنه وهو ابن ثمانی أيام ” الآنَ تُطْلِقُ عَبْدَكَ يَا سَيِّدُ حَسَبَ قَوْلِكَ بِسَلاَمٍ، لأَنَّ عَيْنَيَّ قَدْ أَبْصَرَتَا خَلاَصَكَ” (لو۲: ۲۹، ۳۰)، فقبل المسيح كان الموت حبسًا وبعد المسيح صارت الحياة الأرضية سجنًا والموت عبور أوإنطلاقًا إلى ما لم تره عين وما لم تسمع به أذن وما لم يخطر على قلب بشر، ما السر في هذا الانقلاب الخطير؟ الإجابة عن هذا السؤال تكمن في سر موت الرب وقيامته “بالموت داس الموت والذين في القبور أنعم لهم بالحياة الأبدية “.
المسيح إذ مات عنا وهو القدوس، وإذ صار خطيئة ولعنة لأجلنا وهو البار، أعطانا من خلال هذا الفداء أن يكون لنا بره وقداسته، ويعني هذا أن المسيح على الصليب قد أخذ ما لنا الخطية وأعطانا ماله البر الإلهي وبهذا قد تبررنا مجانًا بنعمته أي أننا صرنا أبرارًا ومقبولين أمام الآب السماوي .
كما صالحنا مع السمائيين إذ كنا قبلًا أعداء في الفكر بسبب الأعمال الشريرة، وإذ كان بسبب خطيئة آدم قد مات الجميع فإنه بسبب النعمة والعطية قد صار الكثيرون أبرارًا .
وهذا ما عبر عنه الرسول بولس “لأَنَّهُ إِنْ كَانَ بِخَطِيَّةِ وَاحِدٍ مَاتَ الْكَثِيرُونَ، فَبِالأَوْلَى كَثِيرًا نِعْمَةُ اللهِ، وَالْعَطِيَّةُ بِالنِّعْمَةِ الَّتِي بِالإِنْسَانِ الْوَاحِدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، قَدِ ازْدَادَتْ لِلْكَثِيرِينَ. لأَنَّهُ إِنْ كَانَ بِخَطِيَّةِ الْوَاحِدِ قَدْ مَلَكَ الْمَوْتُ بِالْوَاحِدِ، فَبِالأَوْلَى كَثِيرًا الَّذِينَ يَنَالُونَ فَيْضَ النِّعْمَةِ وَعَطِيَّةَ الْبِرِّ، سَيَمْلِكُونَ فِي الْحَيَاةِ بِالْوَاحِدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ” (رو 5 : ١٥،۱۷) .
آه يا رب كيف أخاف الموت بعد هذا وأنت قد دسته بقوة صليبك المحيي؟. وكيف أنزعج من الرحيل وأنا واثق أنك فاتح أحضانك الأبوية لتلاقيني عند أعتاب الأبدية؟ .
وكيف أفزع من الفراق وأنا موقن أنك الشفيع الأمين والوسيط الحقيقي الذي أقامني وأجلسني معه محققًا وعدك المبارك ” أَنَا أَمْضِي لأُعِدَّ لَكُمْ مَكَانًا،… حَيْثُ أَكُونُ أَنَا تَكُونُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا” (يو١٤: 2، 3) .
أعطني يا رب أن أفهم أن الموت الحقيقي هو الانفصال والابتعاد عنك، وعلمني يا رب أن الحياة هي في الإتحاد بك، لأنك وحدك القيامة والحياة.
ها هو عبدك بولس يعلمنا “وَإِنْ كَانَ رُوحُ الَّذِي أَقَامَ يَسُوعَ مِنَ الأَمْوَاتِ سَاكِنًا فِيكُمْ، فَالَّذِي أَقَامَ الْمَسِيحَ مِنَ الأَمْوَاتِ سَيُحْيِي أَجْسَادَكُمُ الْمَائِتَةَ أَيْضًا بِرُوحِهِ السَّاكِنِ فِيكُمْ” (رو ٨ : ١١) .
ليس الموت هو الرحيل من هذا العالم فالكنيسة تسميه الإنتقال، ولكن الموت الحقيقي هو اهتمام الجسد “لأَنَّ اهْتِمَامَ الْجَسَدِ هُوَ مَوْتٌ، وَلكِنَّ اهْتِمَامَ الرُّوحِ هُوَ حَيَاةٌ وَسَلاَمٌ” (رو ٨: ٦).
الموت هو انغلاقي في ذاتي ودوراني حول نفسي. الموت هو الظلمة وأعمال ابليس الشريرة، من كراهية وحسد وبغضة وانحباس أنوارالمحبة الإلهية “مَنْ يُبْغِضُ أَخَاهُ فَهُوَ فِي الظُّلْمَةِ، وَفِي الظُّلْمَةِ يَسْلُكُ، وَلاَ يَعْلَمُ أَيْنَ يَمْضِي، لأَنَّ الظُّلْمَةَ أَعْمَتْ عَيْنَيْهِ” (١يو ۲: ۱۱) .
الموت هو عبوديتي للشهوات والأهواء، والحياة هي في تحرري وانطلاقي من كل ما يسبيني إلى ناموس الخطية الكائن في اعضائي.
- يا رب يا من دست الموت بالموت أعطني قيامة بقيامتك .
- يا رب يا من قمت منتصرا على قوات الظلمة هبني أن أحيا في حرية مجد الله .
- يا رب يا من سحق رأس الحية وأبطل عز الموت وحطم متاريس الجحيم وفتح أبواب الفردوس أعطنى يقينًا أن قوة قيامتك كامنة فيَّ ومذخرة لي إن كنت أُسلمك قيادة حياتي ومقاليد أموري .
القيامة ومشكلة الخوف
الخوف هو إحدى ثمار الخطيئة، فالكتاب المقدس يوضح لنا أن الله خلق آدم وحواء ليتمتعا بحياة الشركة المقدسة معه ولقد كان الله يخاطب آدم فمًا لفم، ولكن آدم منذ أن تمرد وسقط في العصيان يقول الكتاب عنه: أنه عندما سمع الصوت الإلهي في الجنة اختبأ وخاف .
فالخوف إذن ضد الإيمان وضد الأبوة والمحبة الإلهية لأني لا أستطيع أن أخاف وأرتعب ممن أحبه فالمحبة الكاملة تطرد الخوف خارجًا، ولكن الخطية أدخلت الخوف إلى الإنسان في مجالاته الثلاثة الخطيرة :
- الخوف من الله وهذا يثمر خطايا الإلحاد وتأليه الذات والمادة .
- الخوف من النفس وهذا يثمر اليأس والقلق والانتحار وعقد النقص والأمراض النفسية .
- الخوف من الناس وهذا يثمر القتل والثورات والحروب .
- ولكن الرب يسوع بتجسده المبارك وموته المحيي وقيامته المجيدة قد انتزع الخوف من جذوره لأنه انتزع سلطان الخطية من الإنسان، وإذا كان أغسطينوس المغبوط قد صرح أنه لا يخاف شيئًا وأنه صار فوق قمة العالم فذلك لأنه قد أصبح حراً لا يشتهي شيئا ولا يستعبد نفسه لشئ .
فالأمور التي تستعبدنا هي عينها التي تورث لنا الخوف. فالذي يخاف الموت مستعبد للذات، يحب الحياة الأرضية ولا يرضى لنفسه بالعبورومقابلة الله، أما المؤمن فيقول “إِذَا سِرْتُ فِي وَادِي ظِلِّ الْمَوْتِ لاَ أَخَافُ شَرًّا، لأَنَّكَ أَنْتَ مَعِي” (مز٢٣: ٤)، “اَلرَّبُّ نُورِي وَخَلاَصِي، مِمَّنْ أَخَافُ؟ الرَّبُّ حِصْنُ حَيَاتِي، مِمَّنْ أَرْتَعِبُ؟ عِنْدَمَا اقْتَرَبَ إِلَيَّ الأَشْرَارُ لِيَأْكُلُوا لَحْمِي، مُضَايِقِيَّ وَأَعْدَائِي عَثَرُوا وَسَقَطُوا” (مز1:۲۷، 2).
والذي يخاف الحكام والسلاطين فذلك لأن أعماله شريرة، لهذا يقول الرسول بولس ” أَفَتُرِيدُ أَنْ لاَ تَخَافَ السُّلْطَانَ؟ افْعَلِ الصَّلاَحَ فَيَكُونَ لَكَ مَدْحٌ مِنْهُ، لأَنَّهُ خَادِمُ اللهِ لِلصَّلاَحِ وَلكِنْ إِنْ فَعَلْتَ الشَّرَّ فَخَفْ، لأَنَّهُ لاَ يَحْمِلُ السَّيْفَ عَبَثًا، إِذْ هُوَ خَادِمُ اللهِ” (رو۳:۱۳، 4)، ويؤكد نفس هذا الاتجاه الرسول بطرس بقوله “وَأَمَّا خَوْفَهُمْ فَلاَ تَخَافُوهُ وَلاَ تَضْطَرِبُوا، بَلْ قَدِّسُوا الرَّبَّ الإِلهَ فِي قُلُوبِكُمْ” (1بط ٣: ١٤، ١٥) فالذي يعيش على مستوى إرضاء الله بكل تدقيق كيف يرتعب من الإنسان .
وغير المؤمن يخاف من المستقبل ويعيش تحت عبودية الخوف خشية لقمة العيش، وأما الذي يؤمن بأن الرب يسوع حي، وأنه وحده المسئول عن حياته يستجيب دائمًا لقول الرب: ” لاَ تَخَافُوا مِنَ الَّذِينَ يَقْتُلُونَ الْجَسَدَ وَلكِنَّ النَّفْسَ لاَ يَقْدِرُونَ أَنْ يَقْتُلُوهَا، بَلْ خَافُوا بِالْحَرِيِّ مِنَ الَّذِي يَقْدِرُ أَنْ يُهْلِكَ النَّفْسَ وَالْجَسَدَ كِلَيْهِمَا فِي جَهَنَّمَ، أَلَيْسَ عُصْفُورَانِ يُبَاعَانِ بِفَلْسٍ؟.. فَلاَ تَخَافُوا أَنْتُمْ أَفْضَلُ مِنْ عَصَافِيرَ كَثِيرَةٍ” (مت۱۰: ۲۸، 29، 31 ؛ لو١٢: ٥- 7).
هذا يعني أن الإيمان بقوة الرب يسوع وعظم محبته ورعايته يعطى للمؤمن تسليمًا كاملاً واتكالاً شديداً وثقة أكيدة في مواعيده أنه صادق، إنه حي، أمين محب .
ولقد دخل الرب يسوع بعد قیامته من بين الأموات العلية والأبواب مُغَلَّقَة والتلاميذ في رعب وخوف شديد ثم قال: “سَلاَمٌ لَكُمْ”، أما التلاميذ لما رأوا الرب فرحوا فرحا عظيماً. ولا يزال الناهض من بين الأموات مستعدًا أن يدخل هياكلنا حتى ولو كانت حواسها مغلقة، إنه مستعد أن يدخل بطريقة سرية معجزية ويهتف بكلماته الحلوة المعزية سلام لكم وعندئذ ينتزع منا كل رعب لكي نعبد الرب بلا خوف مُنْقَذِينَ مِنْ أَيْدِي أَعْدَائِنَا (لو١: ٧٤) .
أعطني يا من قمت غالبا الموت ألا أخاف من الموت بل أكون مستعداً له فرحا للقائه مع العذارى الحكيمات والعبيد الساهرين الأمناء .
أعطني يا من جلست عن يمين الآب لتشفع فينا ألا أقلق على مستقبلي بل أكون واثقا في رعايتك وحسن تدبيرك أيها الصادق الأمين .
القيامة ومشكلة الشك
الشك ثمرة أخرى من ثمار الخطيئة والتمرد والعصيان ، لأن المؤمن الحقيقي لا يشك، والمحبة تتجاوز الشكوك والهواجس، وبالرغم من أن الرب يسوع کان ينبه أذهان التلاميذ مراراً عن حقيقة موته وقيامته إلا أن التلاميذ لم يكونوا يفهمون ولم يستطيعوا أن يستوعبوا حقيقة الصليب والقيامة، وقد أثبتت أحداث الصليب والقيامة أن آلام المخلص وموته وقيامته لم تكن أمراً يخطر لهم على بال. فقد تركوا الرب عند صلیبه وهربوا (مت٢٦: ٥٦) .
والمريمات ما كن يتوقعن القيامة وإلا فلماذا أخذن معهن حنوطا (مر١٦:١) .
إن الشكوك ظلت تساور المريمات وجماعة التلاميذ حتى بعد القيامة، فالكتاب يقول إن المريمات لما رجعن من القبر يحملن بشرى القيامة للتلاميذ تراءى كلامهن لهم کالهذيان ولم يصدقوهن .
وتلميذا عمواس وهما سائران في الطريق لم يخطر على بالهما أن الذي يكلمهما هو يسوع الناصري. وقد أهتم الرب بأن يدفع الشك من حياة رسله القديسين “اَلَّذِينَ أَرَاهُمْ أَيْضًا نَفْسَهُ حَيًّا بِبَرَاهِينَ كَثِيرَةٍ، بَعْدَ مَا تَأَلَّمَ، وَهُوَ يَظْهَرُ لَهُمْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا” (أع١: ٣)، وقد كانت الوسيلة التي استخدمها الرب لإبطال الشكوك التي ساورت التلاميذ عن قيامته هي أن يقدم لهم ذاته بطرق مختلفة .
فمرة يظهر لمريم المجدلية ويناديها باسمها، ومرة يظهر لبطرس علی حدة، وليعقوب وحده أيضًا .
وهو يقول لهم “اُنْظُرُوا يَدَيَّ وَرِجْلَيَّ: إِنِّي أَنَا هُوَ جُسُّونِي وَانْظُرُوا، فَإِنَّ الرُّوحَ لَيْسَ لَهُ لَحْمٌ وَعِظَامٌ كَمَا تَرَوْنَ لِي. وَحِينَ قَالَ هذَا أَرَاهُمْ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ” (لو٢٤: ٣9) .
ومرة يكسر الخبز للسائرين معه في الطريق فتنفتح بصيرتهما ويعرفانه بعد أن يكون قلباهما قد التهبا بنار محبته (لو٢٤: ٢٥) .
ومرة يظهر لتوما مع التلاميذ ويقول له: “هَاتِ إِصْبِعَكَ إِلَى هُنَا وَأَبْصِرْ يَدَيَّ، وَهَاتِ يَدَكَ وَضَعْهَا فِي جَنْبِي، وَلاَ تَكُنْ غَيْرَ مُؤْمِنٍ بَلْ مُؤْمِنًا” (یو۲۷:۲۰) .
ومرة يأكل مع التلاميذ جزءا من سمك مشوي وشيئا من شهد عسل (لو٢٤: ٤٢) .
ومرة يظهر للتلاميذ وهم يصطادون سمكًا ويطلب منهم أن يلقوا الشبكة إلى جانب السفينة الأيمن ليجتذبوا سمكًا كثيرًا (يو٢١: ٦).
ومرة يظهر لأكثر من خمسمائة شخص دفعة واحدة. وبعد أن أصبحت قيامة الرب حقيقة تاريخية يقر ويعترف بها الجميع، وبعد أن عاين التلاميذ شخصه المبارك قائما من الأموات “الَّذِي كَانَ مِنَ الْبَدْءِ، الَّذِي سَمِعْنَاهُ، الَّذِي رَأَيْنَاهُ بِعُيُونِنَا، الَّذِي شَاهَدْنَاهُ، وَلَمَسَتْهُ أَيْدِينَا، مِنْ جِهَةِ كَلِمَةِ الْحَيَاةِ” (١يو ۱: ۱) .
فإن الرب يطوب الآن الذين يؤمنون بحقيقة قيامته دون أن يروه، طوبى لمن آمنوا ولم يروا، وفي هذا يقول بطرس الرسول ” مُبَارَكٌ اللهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي حَسَبَ رَحْمَتِهِ الْكَثِيرَةِ وَلَدَنَا ثَانِيَةً لِرَجَاءٍ حَيٍّ، بِقِيَامَةِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ مِنَ الأَمْوَاتِ، لِمِيرَاثٍ لاَ يَفْنَى وَلاَ يَتَدَنَّسُ وَلاَ يَضْمَحِلُّ، مَحْفُوظٌ فِي السَّمَاوَاتِ لأَجْلِكُمْ،.. الَّذِي وَإِنْ لَمْ تَرَوْهُ تُحِبُّونَهُ ذلِكَ وَإِنْ كُنْتُمْ لاَ تَرَوْنَهُ الآنَ لكِنْ تُؤْمِنُونَ بِهِ، فَتَبْتَهِجُونَ بِفَرَحٍ لاَ يُنْطَقُ بِهِ وَمَجِيدٍ” (١بط١: ٣، 4 و ۸) .
وبالرغم من أن الرسول بطرس عاين الرب وعاش معه وسمع من السماء صوتًا مقبلاً إذ كان معه في جبل التجلي، إلا أنه يجعل الكلمة النبوية أثبت وأقوى في فاعلية الاختبار من الرؤية الحسية والمعاينة الجسدية (۲بط ١: ١٨-۱۹).
ومعنى هذا أننا وقد نلنا الروح القدس المعزى لا يصح لنا أن نطلب دليلًا ماديًا أو معاينة أو مشاهدة على أي مستوى من المستويات، ولكن تبقى في اختبار إيماننا مواعيد الله المستورة في كتابه هي الدليل الأثبت والأقوى .
إن حضور الرب بشخصه المبارك مع أبيه الصالح في قلوبنا لأقوى دليل على حقيقة وجود الله وقيامته من الأموات وصدق ما جاء في كتابه المقدس .
لذلك يحتاج الشباب في هذه الأيام لا أن يبحث عن الله خارجا عنه، ولا أن يجد نفسه في الجري وراء أدلة منطقية وقياسات حسية للتدليل على حقيقته الأبدية. فالدليل موجود في الداخل، نحتاج أن نستفيد من اختبار اغسطينوس الذي تعب كثيراً في البحث عن الله خارجاً عن نفسه وأخيرا وجده في داخله.
نحتاج الا تطلب ما طلبه توما ولا نشتهي أن نعاينة كما عاينه بطرس، لأننا لسنا نعرف الآن المسيح حسب الجسد، ولكن شكرا لله فإن المعمودية والمسحة المقدسة تعطينا الروح الذي يعلمنا كل شئ والذي يجتذبنا إلى شخص الرب مهيئا نفوسنا له كعروس لعريسها .
فاسمح يا رب أن تزيل الشكوك التي يزرعها الملحدون بكتاباتهم المملوءة سمًا وانحرافًا. أزلها بلمسة من لمساتك الخفية. أمحها باكتشاف وإعلان داخلي مجید. أبطلها بكلمة سلام من كلماتك المعزية كما أعطيت لتلاميذك الخائفين المتشككين في العلية .
وليكن لكل واحد من أولادك اختبار صادق حي وشركة مقدسة في الخبز المكسور مع قلب حار ملتهب وبصيرة واعية منفتحة كما أعطيت لتلميذي عمواس في ذلك الزمان .
یا من عالجت الشك عند توما أعط لعبيدك المتشككين أن يضعوا أيديهم على جراحاتك القائمة في حياة المعوزين والمحتاجين والبائسين والمشردين حتی إذا ما انحنوا عليها يتقابلون معك مرددين مع توما ربی و الهي.
يا من فتحت بصيرة تلميذی عمواس بكسر الخبز، الآن أكسر معنا خبزاً وأطعمنا في مخدع الصلاة ومن خلال إنجيلك المعزي وعندما نذهب للقداس الإلهي کی نتناول من المائدة المقدسة .
القيامة ومشكلة الحزن
لقد واجه الرب يسوع في قيامته مشكلة الحزن، فمريم كانت تبكي، والنسوة كن في حيرة شديدة، والتلاميذ كانوا في خوف وحزن أليم، والكنيسة كلها قبل القيامة خيمت عليها سحابة حزن قاتمة، والحزن هو احدی ثمار الخطيئة، لأن الإنسان قبل السقوط لم يكن يعرف الحزن، بل كان يعيش في بهجة دائمة وهي انعكاس الفرح المقدس الذي يحيا فيه الثالوث الأقدس.
والحزن هو الدوران حول الذات، هو علامة على تغرب رؤية وجه الله في الداخل، الإنسان لا يستطيع أن يفرح عندما يدفن نفسه في قبرالخطيئة، وعندما يقبر ذاته في حبس الحزن المرير، الحزن الناتج عن دوران المرء حول نفسه، لأن من يحزن لا يرى إلا نفسه، أما من يدور حول الرب يسوع فبه يفرح وفرحه لا ينزع منه.
والناس يحزنون إما لأنهم يفقدون ما يمتلكون سواء كان هذا عقارا أو ثروة أو أقاربًا، أو لعدم نجاحهم في الوصول إلى ما يبتغونه، فالفشل هو إحدى مداخل الحزن ومصادره عند الإنسان، بل وإن كثيرين يسقطون في بالوعة الحزن واليأس وصغر النفس عندما يجدون أنفسهم مستعبدين لأي نوع ما أنواع العبوديات .
وإذا كانت الملكية وحب القنية هي إحدى اسباب الحزن فالتجرد الداخلي هو من مصادر الفرح .
كان ابن الإنسان على الأرض لا يملك أين يسند رأسه، وكان الرسل لا يمتلكون أموالًا بل كل من كان لديه مقتنيات في كنيسة الرسل كان يبيعها ويضع الأموال عند أقدام التلاميذ، لأجل هذا يقول سفر أعمال الرسل عنهم أنهم كانوا يتناولون الطعام بابتهاج وبساطه قلب، وأنهم كانوا يمتلئون من الفرح والروح القدس (أع ۱۳: ٥٢) .
إن صورة الراهب الحقيقي الذي تجرد من اقتناء أي شيء بملء حريته وإرادته إنما هي صورة مسبقة للملكوت الذي فيه لا يقتني مادة أو جزء لأننا نقتني الكل في الكل، والملكوت هو ملكوت الفرح الأبدي.
وإذا كان الفشل والإحباط أحد مصادر الحزن الإنساني، فإن التسليم المطلق والطاعة الكاملة لمشيئة الله لأكبر مصدر للفرح والسلام الحقيقي، لنذكر الرسولين بولس وسيلا وكيف كانا يصليان ويرنمان في السجن کأعمق دليل على حياة الفرح والسلام والتسليم المطلق في أصعب ظروف تواجه الإنسان في حياته على الأرض.
وإذا كان الانسياق وراء الشهوات هو مصدر رئيسي للحزن، فإن العفة والطهارة إنما هي مصدر أساسي للفرح والسلام الحقيقي، فالذي يضبط جسده أفضل ممن يفتح مدينة، والذي يستطيع أن يعرف نفسه أعظم ممن يشاهد ملائكة .
لقد سكب الرب يسوع أفراح قيامته على الكنيسة فحولها من جماعة حزينة يائسة إلى شعلات نارية ممتلئة فرحا وبهجة وقوة و إيمانًا راسخاً ” وَلكِنِّي سَأَرَاكُمْ أَيْضًا فَتَفْرَحُ قُلُوبُكُمْ، وَلاَ يَنْزِعُ أَحَدٌ فَرَحَكُمْ مِنْكُمْ” (يو16: 22) .
نعم يحق للكنيسة أن ترتل مبتهجة بقيامة الرب يسوع لأن قیامتة نزعت كل أسباب الحزن من الإنسان.
وما كان سبب وجع مرير صار مصدر فرح داخلي مجید، لقد سكب الرب في داخل كل مؤمن السلام الحقيقي والنصرة والغلبة على الخطيئة وفتح البصيرة على الرجاء المبارك والإكليل المعد للمختارين. نعم لنرنم مع كنيسة الله من كل القلب فرحين “يا كل الصفوف السمائيين رتلوا لإلهنا بنغمات التسبيح وابتهجوامعنا اليوم فرحين بقيامة السيد المسيح اليوم انتشرت أعلام الخلاص وتجددت الأجسام والأرواح وفاز المؤمنون بالصفح عن القصاص ومجدو االله بالتسابيح والأفراح”.
هبني يا رب نعمة ألا أدور حول ذاتي لئلا أسقط في الحزن الردئ، وأعطني كلما أنغلق في همومي أن أقف أمامك باكيًا مع المجدلية منتظراً لقياك کی تعزینی، فأخرج من حبس نفسي مبتهجًا مبشرًا، أنادي معك للمسبين بالعتق وللماسورين بالإطلاق وأعطى نائحي صهیون جمالًا عوضًا عن الرماد ودهن فرح عوضًا عن النوح وروح تسبيح عوضًا عن الروح اليائسة .
هبني يا رب أن أتمتع بخلاصك كل حين كي أردد مع عبدك إشعياء “فَرَحًا أَفْرَحُ بِالرَّبِّ تَبْتَهِجُ نَفْسِي بِإِلهِي، لأَنَّهُ قَدْ أَلْبَسَنِي ثِيَابَ الْخَلاَصِ كَسَانِي رِدَاءَ الْبِرِّ، مِثْلَ عَرِيسٍ يَتَزَيَّنُ بِعِمَامَةٍ، وَمِثْلَ عَرُوسٍ تَتَزَيَّنُ بِحُلِيِّهَا” (إش٦١: ١٠).
وعرفني أنني واحد من جماعة المفديين الذين دُفع غاليا لأجلهم دم حمل کریم بلا عيب، “وَمَفْدِيُّو الرَّبِّ يَرْجِعُونَ وَيَأْتُونَ إِلَى صِهْيَوْنَ بِالتَّرَنُّمِ، وَعَلَى رُؤُوسِهِمْ فَرَحٌ أَبَدِيٌّ ابْتِهَاجٌ وَفَرَحٌ يُدْرِكَانِهِمْ يَهْرُبُ الْحُزْنُ وَالتَّنَهُّدُ” (إش51: 11) .
وان حاولت أمواج العالم المحزنة القائمة أن تغمر نفسي فاسمح يا صخر الدهر أن تكسرها وتحطمها وتوقفني فوقها فرحًا في الرجاء وتقيمني غير عاثر فی الابتهاج، ولترفع يا رب أنظار شعبك كله إلى أورشليم التي أعددتها كعروس مزينة لعريسها، هناك لا يكون الموت فيما بعد ولا يكون حزن ولا وجع لأن الأمور الأولى قد مضت .
- هليلويا المسيح قد قام .
- هليلويا بالحقيقة قد قام .
- اخرستوس آنستی .. اليثوس آنستی.
العظة الخامسة: أدلة قيامته - الارشيدياكون بانوب عبده [27]
وأخيراً لو كان الجسد أختفي بطريقة من الطرق كما يدعي الناقدون، لما ظل سر اختفائه مكتوماً مدة طويلة، لوجود الكثيرين الذين يعرفون سر هذا الاختفاء، ويسارعون إلى الإرشاد إلى مكانه، حتي يقضوا على ما ينادي به الرسل من قيامة المخلص بالجسد! ومن كل ما تقدم يتضح أن قضية القبر الفارغ كانت ولا تزال أكبر دعامة تستند عليها عقيدة قيامة مخلصنا بالجسد من بين الأموات.
- لمن ظهر الرب أولاً بعد القيامة:
ينفرد الأنبا بولس البوشي أسقف مصر بقوله في ميمره على القيامة [إن الرب أول ما ظهر لوالدته من دون كافة البشر، وهي التي بالحقيقة تجل عن الكل وهي بدء الأفراح وأول كل المسرات، ثم أول من ظهر له من الغرباء مريم المجدلية لأجل محبتها في الرب، وأول من ظهر له من الرجال بطرس]،
ثم يمضي فيفصل قوله مبيناً أن مرقس أراد ألا يأخذ في القيامة بشهادة الأقارب بل الغرباء كما يكون بين الناس فذكر أولًا مريم المجدلية، وذلك عندما قال: “وَبَعْدَمَا قَامَ بَاكِرًا فِي أَوَّلِ الأُسْبُوعِ ظَهَرَ أَوَّلاً لِمَرْيَمَ الْمَجْدَلِيَّةِ، الَّتِي كَانَ قَدْ أَخْرَجَ مِنْهَا سَبْعَةَ شَيَاطِينَ” (مر ١٦: ٩)، أما بولس فسار على جاري عادة الناموس لأن الناس لم يروا شهادة النسوة بل الرجال، فذكر بطرس أولًا حينما قال ” فَإِنَّنِي سَلَّمْتُ إِلَيْكُمْ فِي الأَوَّلِ مَا قَبِلْتُهُ أَنَا أَيْضًا: أَنَّ الْمَسِيحَ مَاتَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا حَسَبَ الْكُتُبِ، وَأَنَّهُ دُفِنَ، وَأَنَّهُ قَامَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ حَسَبَ الْكُتُبِ، وَأَنَّهُ ظَهَرَ لِصَفَا ثُمَّ لِلاثْنَيْ عَشَرَ” (١كو ١٥: ٣- ٥)، وهو تأييد لقول لوقا إن الأحد عشر كانوا مجتمعين هم والذين معهم “وَهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ الرَّبَّ قَامَ بِالْحَقِيقَةِ وَظَهَرَ لِسِمْعَانَ” (لو٢٤: ٣٤). وهكذا أخذ بولس الشهادة من الرجال لأنهم هم الذين شهدوا بالقيامة عند كل أحد، ولم يرد ذكر النساء لا في حال القيامة ولا بعدها، وفيما يلي تفصيل للمناسبات التي ظهر فيها الرب مرة للمجدلية ثم لبطرس .
- تردد النسوة إلى القبر:
إن الحكمة الإلهية أقتضت أن يكون جنس المرأة هو أول من يسمع خبر القيامة من الملاك، وأول من يرى الرب ويسمع صوته القائل “سلام لكما” لأن المرأة كانت أول من أعار سمعه لغواية الحية، وأول من خالف الوصية برؤية الشجرة التي مُنعت عنها والتي بسببها حكم عليها بالألم، ولما كانت أول من قطع وأبعد عن الله، فقد سمح المخلص للمرأتين أن تسجدا له وتقبلا قدميه، وبما أنها بالنسبة لآدم كانت سبباً للألم فقد شاء رب المجد أن تصير بالنسبة للرجل رسول فرح، وذلك بأمره الصادر للمرأتين أن تشتركا في جلب الفرح لتلاميذه، وهكذا عالج السيد الأمر بمثله، وقد كان تردد النسوة إلى القبر على أربع دفعات اشترك في روايتها البشيرون الأربعة بترتيبها الآتي :
الدفعة الأولى: هذه الدفعة ذكرها متى (مت ٢٨: ١- ١٥) إذ قال إنه عند فجر أول الأسبوع أي الأحد، وافت مريم المجدلية ومعها مريم الأخرى، وهي أم يعقوب ويوسي وأخت السيدة العذراء، وشاهدتا ملاكًا أخبرهما بقيامة الرب، ثم إنهما نظرتاه وأنفذهما ليبشرا تلاميذه، وفيما هما ذاهبتان دخل الحراس وأخبروا الكهنة، وهؤلاء أعطوهم رشوة ليسكتوا، ومريم المجدلية لعظم الأمر شكت في قيامته مثل توما.
الدفعة الثانية: ويروي هذه الدفعة يوحنا الأنجيلي (يو٢٠: ١- ١٨)، فالمجدلية لعظم الأمر وغرابة ما شاهدت ساورتها الشكوك كما مر بنا، ولذا رجعت إلى القبر ثانية باكراً والظلام باق فنظرت الحجر مرفوعاً، فأسرعت إلى سمعان بطرس ويوحنا وقالت لهما “أخذوا السيد من القبر ولسنا نعلم أين وضعوه”. فأسرع هذان إلى القبر فوجدا الأكفان والمنديل بجانبها، فعادا وقد حصلا على بعض اليقين من قيامته، أما مريم فكانت واقفة عند القبر تبكي، وبينما هي كذلك إذا بملاكين يسألانها عن سبب بكائها، ثم لاحت منها التفاتة فرأت الرب وظنته البستاني ولما حاولت أن تقبل قدميه بعد معرفته قال لها “لا تلمسيني” وأمرها بالعودة إلى التلاميذ، فعادت وأخبرتهم “أنها رأت الرب وأنه قال لها هذا”.
الدفعة الثالثة: وهذه الدفعة يرويها لوقا (لو ٢٤: ١- ٦) وفيها يقول إن المريمات “في أول الأسبوع أول الفجر أتين إلى القبر حاملات الحنوط الذي أعددنه ومعهن أناس” فشاهدن ملاكين قالا لهن “لماذا تطلبن الحي بين الأموات، ليس هو ههنا لكنه قام” فرجعن من القبر وأخبرن التلاميذ ،وكان من بينهن أخت السيدة العذراء التي سماها لوقا “مريم أم يعقوب” فتراءى كلامهن لهم كالهذيان .
الدفعة الرابعة: أما هذه الدفعة فيرويها مرقس (مر ١٦: ١- ٨) وفيها يقول إنه “بعد ما مضي السبت اشترت مريم المجدلية ومريم أم يعقوب وسالومة حنوطاً ليأتين ويدهنه” ولما دخلن القبر رأين ملاكًا واحداً قال لهن “أنتن تطلبن يسوع الناصري المصلوب، قد قام” فخرجن سريعاً وهربن من القبر “لأن الرعدة والحيرة أخذتاهن ولَم يقلن لأحد شيئاً لأنهن كن خائفات”.
والخلاصة أن المجدلية جاءت خمس دفعات، أولًا مع مريم الأخرى عشية السبت التي هي ليلة الأحد، وثانياً باكراً كما قال يوحنا، وثالثاً مع سمعان ويوحنا، ورابعاً مع الجليليات، وخامساً مع سالومة ..
ووالدة الإله جاءت ثلاث دفعات أولًا مع مريم المجدلية، وثانياً مع الجليليات، وثالثاً مع سالومة، لأنها لم تشك في قيامته في الدفعة الأولى، وكان ترددها لكثرة فرحها وشوقها، ومن هذا يعلم أن تكرار التردد يرجع إلى فرط الشوق أو التشكك .
ويستنتج مما تقدم أنه لو كان الأنجيليون الأربعة ذكروا وصولا واحداً للنسوة في لحظة واحدة، أو قالوا إن نفس الملائكة ظهروا لهن، أو قالوا إن الظهور الواحد أو الرؤية الواحدة حدثت في أوقات مختلفة لكانت رواياتهم عرضة للوم، ولكن الأوقات والشخصيات مختلفة والظهورات ليست واحدة ، وقد أراد الله أن تكون معجزة القيامة الصعبة في تصديقها مصدقة بطرق شتى .
- الأكفان في موضعها:
مر بنا عند كلامنا على تردد مريم المجدلية على القبر في الدفعة الثانية، أنها لما رأت الحجر مرفوعاً أسرعت بإخبارسمعان بطرس ويوحنا، وهذان جريا إلى القبر بغير خوف لأن الجو كان هادئاً والظلام ما يزال باقياً، وكان قلبهما عامراً بالثقة، وسبق يوحنا بطرس “وانحنى فنظر الأكفان موضوعة ولكنه لم يدخل، ثم جاء سمعان بطرس يتبعه ودخل القبر ونظر الأكفان موضوعة والمنديل الذي كان على رأسه ليس موضوعاً مع الأكفان بل ملفوفاً في موضع وحده” (يو ٢٠: ٥- ٧) .
أما أن الأكفان كانت موضوعة فما كان ممكنا أن يحدث لوكان الجسد قد سرق، لأن أول ما يريده اللصوص هو أن يسلبوا الموتى، ثم يتمموا السرقة بكل سرعة حتي لا يضبطوا متلبسين، وإذا عرفنا أن يوحنا كان قد ذكر عند تكفين يسوع أن يوسف ونيقوديموس قد “أخذا جسد يسوع ولفاه بأكفان مع الأطياب كما لليهود عادة أن يكفنوا” (يو ١٩: ٤٠)، لأدركنا أن حل الأربطة وسلخ الأكفان من الجسد اللاصقة به ليس بالأمر الهين على اللصوص بل هو عمل متعب، فوق أن الأكفان لابد أن تتمزق قبل نزعها لأنها كانت ملتصقة بالجسد بمزيج العود والمرالذي حمله نيقوديموس (يو ١٩: ٣٩)، ويضاف إلى ما تقدم أنه لو كان الجسد قد سرق لأخذ اللصوص الأكفان أيضاً، ولو كانوا تركوها لما جعلوها بالترتيب وكمال النظام، بل كانوا يتركوها مبعثرة كيفما اتفق .
وفيما يتعلق بالمنديل الذي كان على رأس المخلص، وأنه لم يكن موجوداً مع الأكفان بل ملفوفاً على حدة في ناحية، ففي ذلك دلالة واضحة علي عدم وجود أي اضطراب، فكيف يتأتى هذا لو كان اللصوص قد حملوا الجسد! الواقع أن اللصوص لا يجدون الوقت ولا الضمان الكافي للف المنديل بنظام حسن ووضعه في ناحية! وعلاوة على أن هذا التصرف يظهر حقيقة القيامة بوضوح، فهو يكشف عن سر جليل يليق بالله، فالرأس يمثل اللاهوت كقول بولس “ورأس المسيح هو الله” (1كو ١١: ٣)، والأسئلة المتعلقة باللاهوت تبقي غير قابلة للتفسير، إلى أن تشرح الأشياء الخارجية المتعلقة بالجسد الجائلة على الأرض بين الناس والتي يرمز إليها بالأكفان .
هذا وترك المسيح الأكفان هو لتعليمنا أن الأجساد في القيامة العامة لا تحتاج إلى ثياب بل تعتاض عنها باللباس الذي لا يفسد ولا يبلى .
وبطرس ويوحنا إذ رأيا كل ذلك آمنا (يو٢٠: ٨)، لأنهما لم ينظرا ببساطة بل بذكاء عال رسولي، ولقد كان القبر في الواقع مليئاً بالنور، حتي أنهما على الرغم من الليل نظرا بوضوح بالجسد وبالروح ما كان موجوداً في الداخل، لأنه إن كان الأبرار دائماً في النور كما يقرر سفرالأمثال (أم ١٣: ٩) فكم بالحري إله الأبرار!.
العظة السادسة: ظهور الرب القائم من الأموات لبطرس - للمتنيح القمص إشعياء ميخائيل [28]
- “اذْهَبْنَ وَقُلْنَ لِتَلاَمِيذِهِ وَلِبُطْرُسَ: إِنَّهُ يَسْبِقُكُمْ إِلَى الْجَلِيلِ هُنَاكَ تَرَوْنَهُ كَمَا قَالَ لَكُمْ” (مر ١٦: ٧) .
- “فَقَامَ بُطْرُسُ وَرَكَضَ إِلَى الْقَبْرِ، فَانْحَنَى وَنَظَرَ الأَكْفَانَ مَوْضُوعَةً وَحْدَهَا، فَمَضَى مُتَعَجِّبًا فِي نَفْسِهِ مِمَّا كَانَ” (لو ٢٤: ١٢) .
- “إِنَّ الرَّبَّ قَامَ بِالْحَقِيقَةِ وَظَهَرَ لِسِمْعَانَ” (لو٢٤: 34).
- “فَخَرَجَ بُطْرُسُ وَالتِّلْمِيذُ الآخَرُ وَأَتَيَا إِلَى الْقَبْرِ وَكَانَ الاثْنَانِ يَرْكُضَانِ مَعًا فَسَبَقَ التِّلْمِيذُ الآخَرُ بُطْرُسَ وَجَاءَ أَوَّلاً إِلَى الْقَبْرِ، وَانْحَنَى فَنَظَرَ الأَكْفَانَ مَوْضُوعَةً، وَلكِنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ ثُمَّ جَاءَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ يَتْبَعُهُ، وَدَخَلَ الْقَبْرَ وَنَظَرَ الأَكْفَانَ مَوْضُوعَةً، وَالْمِنْدِيلَ الَّذِي كَانَ عَلَى رَأْسِهِ لَيْسَ مَوْضُوعًا مَعَ الأَكْفَانِ، بَلْ مَلْفُوفًا فِي مَوْضِعٍ وَحْدَهُ” (يو٢٠: ٣- ٧).
- “وَأَنَّهُ ظَهَرَ لِصَفَا ثُمَّ لِلاثْنَيْ عَشَرَ” (اکو١٥: ٥).
حقائق:
- من رواية القديس لوقا “إِنَّ الرَّبَّ قَامَ بِالْحَقِيقَةِ وَظَهَرَ لِسِمْعَانَ” (لو٢٤: 34)، وكذلك من رواية رسالة كورنثوس وَأَنَّهُ ظَهَرَ لِصَفَا ثُمَّ لِلاثْنَيْ عَشَرَ” (اکو١٥: ٥)، يفيد أن الرب بعد قيامته ظهر لبطرس ظهوراً خاصاً غير ظهوره للتلاميذ وهذا ليس امتيازاً خاصاً لبطرس ولكن هي بركة لتوبته ونعمة ومكافأة لرجوعه .
وهكذا أن الرب يفرح برجوع الخاطىء ويعطيه أكثر من الذي لم يخطىء “حَيْثُ كَثُرَتِ الْخَطِيَّةُ ازْدَادَتِ النِّعْمَةُ جِدًّا” (رو ٥: ٢٠) وهذا للتشجيع ولبعث روح الرجاء وليس لرئاسة وعظمة على الباقين.
- إن بطرس تمتع ببركة القيامة أكثر من مرة ففي المرة الأولى ظهر له الرب بمفرده وفي المرة الثانية ظهر له الرب مع التلاميذ بدون توما. وفي المرة الثالثة ظهر له الرب مع التلاميذ ومعهم توما. وفي المرة الرابعة حين ظهر الرب له مع ستة تلاميذ آخرين حين كانوا على بحر طبرية وقت أن قال لهم بطرس “أنا أذهب لأتصيد”. وفي المرة الخامسة تمتع بطرس بظهور الرب يوم صعوده، حيث ذهب التلاميذ إلى الجليل وهناك على الجبل “وَأَخْرَجَهُمْ خَارِجًا إِلَى بَيْتِ عَنْيَا، وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَبَارَكَهُمْ وَفِيمَا هُوَ يُبَارِكُهُمُ انْفَرَدَ عَنْهُمْ وَأُصْعِدَ إِلَى السَّمَاءِ فَسَجَدُوا لَهُ وَرَجَعُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ” (لو٢٤: ٥٠- ٥٢).
- إن رؤية بطرس للقبر الفارغ والأكفان موضوعة كما هي “وَالْمِنْدِيلَ الَّذِي كَانَ عَلَى رَأْسِهِ لَيْسَ مَوْضُوعًا مَعَ الأَكْفَانِ، بَلْ مَلْفُوفًا فِي مَوْضِعٍ وَحْدَهُ” (يو۷:۲۰) هو الدليل على قيامة الرب بالقوة الإلهية وأنه لم يدخل القبر أي أحد من الحراس أو غيرهم. وأن القيامة هي عمل إلهي يُعلن بر الصليب، ولذلك فإن الرب “أُسْلِمَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا وَأُقِيمَ لأَجْلِ تَبْرِيرِنَا” (رو٤: ٢٥) .
إن هذه الحقائق ليست حقائق مجرده ولكن لنا فيها تأمل وغذاء لارواحنا:
١- إن ظهور الرب بعد قيامته لم يكن مشاعًا للجميع، بل كان مقصورًا على المؤمنين فقط. ولذلك فإن الرب قبل القيامة رآه الجميع من آمن ومن لم يؤمن، أما بعد القيامة فلم يره غير المؤمنين به فقط .
٢- قيامة الرب هي قوة “لأَعْرِفَهُ، وَقُوَّةَ قِيَامَتِهِ” (في٣: ١٠) تعمل في ضعفاتنا وتحررنا من كل ما هو محدود .
٣- ظهورات الرب بعد القيامة كانت محددة الأهداف ومحددة الأشخاص، وهذا معناه أن مجد الرب في الملكوت لن يكون إلا للذين استعدوا “هؤُلاَءِ هُمُ الَّذِينَ أَتَوْا مِنَ الضِّيقَةِ الْعَظِيمَةِ، وَقَدْ غَسَّلُوا ثِيَابَهُمْ وَبَيَّضُوا ثِيَابَهُمْ فِي دَمِ الْخَرُوفِ” (رؤ ٧: ١٤) .
٤- إن بطرس قد قدم توبته قبل القيامة، وهكذا استحق أن ينال بركة رؤية الرب القائم من الأموات. ونحن يجب أن نكمل توبتنا قبل مجيء يوم الرب العظيم حيث يجازي كل أحد بحسب أعماله حتى نفرح بمجد الرب .
٥- إن أمر الرب لمريم المجدلية ومريم أم يعقوب وسالومة “اذْهَبْنَ وَقُلْنَ لِتَلاَمِيذِهِ وَلِبُطْرُسَ: إِنَّهُ يَسْبِقُكُمْ إِلَى الْجَلِيلِ هُنَاكَ تَرَوْنَهُ” (مر١٦: ٧) هو رسالة حب حملتها حاملات الحنوط وبلغنها للتلاميذ ولبطرس. وهنا انتفض بطرس ليتأكد بصدق وبقوة أنه قد استعاد مكانته بين التلاميذ وأن الرب قبل توبته ويشجعه إذ يرسل له هذه الرسالة الخاصة .
ولذلك فإن الرب كثيراً ما يستخدم معنا هذا الأسلوب، ونحن نظن أننا نمتاز على الآخرين فنتعالى عليهم ونحتقرهم. ولكن كل موهبة وكل نعمة وكل رسالة خاصة تأتي إلينا من الرب لها معنی واحد فقط أننا خطاة مقبولون وأن حب الرب يفسح لنا مكانًا ليكون لنا نصيب وسط قديسيه .
وحين أراك أفرح بلقائك ثم أخرج لأکرز بصليبك وقيامتك، فيؤمن الكل بك إلى أن أفرح بالأبدية وبملكوتك .
يا رب إن قیامتك هي باعثة الرجاء، لأنك أنت هو قیامتي من كل ضعف ومن كل خطية ومن كل سقوط.
يا رب بقيامتك أقم كل ضعف فيَّ واجعل لي نصيباً مع تلاميذك وقديسيك في قيامتك آمين .
العظة السابعة: خبرة القيامة – للأب ليف جيليه [29]
“هذا هو اليوم الذي صنعه الرب لكي نفرح ونتهلل فيه”. هكذا تنشد الكنيسة في احدى تسابيح خدمة أحد الفصح. لماذاالفرح والتهليل؟ لأن المحبة قوية كالموت، والمياه القوية الجارفة لن تقضي عليها، كما يقول نشيد الأنشاد، لأن الظلمات لم تتمكن من خنق النور، لأن مخلصنا قد نهض من القبر حياً، ممجداً. ولأن الفصح أيضًا يجلب لنا نحن بالذات كلمة قيامة وحياة، يدعونا إلى حياة قيامة، إلى حياة جديدة، إلى حياة متحررة من سلطان الشر، ترنو برجاء الى الذي غلب الخطيئة والموت .
ومع ذلك فلن يكون فرحنا بالفصح أبدًا كفرح التلاميذ الذين لهم ظهر يسوع بعد قيامته. لقد رأى التلاميذ والنسوة حاملات الطيب المسيح الناهض، رأوه بأعينهم، رأوه في جسده، سمعوه ينطق. ويذكر القديس بولس، فيما يكتب إلى أهل كورنثوس، أن المسيح الناهض من القبر لم يظهر فقط للاثنى عشر بل لأكثر من خمسمائة من الأخوة، وأكثرهم كان على قيد الحياة وقت أن كتب بولس رسالته. ويقول القديس يوحنا في رسالته الأولى: الذي رأيناه بعيوننا الذي تأملناه ولمسته أيدينا به نبشركم. من حظ الجيل المسيحي الأول أنه رأى السيد قبل موته وبعد قيامته.
أما بالنسبه لنا فالأمر ليس هكذا إلا في بعض الحالات الاستثنائية، وهي أكثر مما نظن غالباً. ليس المسيح الناهض مرئيًا الآن بالنظر أو محسوسًا بأي حاسة أخرى من الحواس. لقد صار ت قيامة الرب بالنسبة لنا موضوع إيمان. إننا نؤمن بالقيامة. وللوهلة الأولى يضعنا هذا الإيمان في حالة أدنى من التي عرفها التلاميذ الذين رأوا القيامة وتلمسوها. ألا نجد أننا أقل حظًا إذا قارنا فرحنا الفصحي بفرح الشهود الأولين، بفرح الذين رأوا السيد الغالب الموت؟.
يجب الجواب الصريح: لا ويجب أن نشدد على هذه النقطة.لأن فيها جوهر بشرى القيامة، لأن فيها قلب هذه البشرى. لنا نحن اليوم بالذات، خبرة حية لقيامة المخلص .
إن هذه الخبرة تختلف دون شك عن التي إختبرها التلاميذ. فليس المقصود بعد رؤية حسية للقيامة بل خبرة داخلية. خبرة روحية، يمكنها مع ذلك أن تغدو خارجية وحسية في التصرف والعمل. أنها كخبرة الشهود الأولين من حيث صحتها وحقيقتها. سنرى أيضا إن خبرتنا نحن للمسيح الناهض قد تتخطى في بعض النواحي، خبرة التلاميذ .
كيف بإمكاننا أن نعرف اليوم حقيقة شخصية لقيامة المسيح؟
عندنا، بداهة، اللقاء الحسي الروحي بشخص المخلص، لقاؤه في جسده ودمه. ويجد هذا اللقاء التعبير عنه في اشتراكنا في القربان المقدس. عندنا أيضًا اللقاء الحميم الشخصي، لقاء الشخص مع الشخص أو بالأحرى لقاء القلب مع القلب الذي يتم عندما لا تعود صلاتنا الفردية نصًا نردده بفعل الممارسة، عملاً أليًا بل تغدو حوارًا وأكثر من حوار مع المعلم، تغدو توثب حب واتحاداً صرفًا صامتاً نحو الحنان المطلق والرحمة المطلقة .
ومع ذلك فإننا نركز على ناحية أخرى من خبرتنا الحالية للقيامة. لقد دعا ربنا يسوع المسيح الرسول توما ليقرب اصبعه ويقدم يده ويلمس جراحات آلامه. لا يمكننا أبداً، اليوم، أن نلمس الجراح التي عرفها جسد المسيح التاريخي ولكن بإستطاعتنا في كل يوم، في كل لحظة أن ندنو من جراحه، من شقاء أنفس البشر وأجسادهم. وكلما فعلنا ذلك من كل قلبنا، بمحبة كلية تمحو كل تعلق بالذات، نشعر بوجود المسيح. أنه وجود حي، حاد، قوي حتى أننا لا نستطيع الشك فيه. وعندئذ نعرف خبرة صحيحة لقيامة الرب .
لقد عرف التلاميذ خبرة وجود الرب الناهض قبل القيامة وبعدها. ولكنه كان وجودًا محدودًا، محصورًا في نقطة. أما إذا آمنا، إذا شعرنا أن المسيح حاضر بالنسبة لنا بشكل جديد حيثما نحب بصدق وإخلاص، فتصبح خبرتنا للقيامة أوسع وأشمل من خبرة التلاميذ.
فلنرفع إلى الرب، في هذا الفصح الشكر لأنه وسع إلى أبعد الحدود خبرة الناس لقيامة المسيح، ولأنه علمنا أن الحب الناهض، هو دومًا حب بلا حدود .
المراجع
[1] افتتاحية مجلة مرقس – ديسمبر ١٩٩٧.
[2] التعليم عن الخلاص للقديس كيرلس - دراسات آبائية ولاهوتية – يناير ٢٠٠٢ - ص٧ - د.ميشيل بديع عبد الملك - مؤسسة القديس أنطونيوس للدراسات الأبائية.
[3] Lienhard,J.T. & Oden, T.C. (2001). Exodus,Leviticus,Numbers,Deuteronomy (The Ancient Christian Commentary on Scripture, Old Testament partIII). Illinois (U.S.A): InterVarsity Press. Page 335.
[4] Elliott, M.W. & Oden,T.C.(2007). Isaiah 40-66 (The Ancient Christian Commentary on Scripture, Old Testament part XI). Illinois (U.S.A): InterVarsity Press. Page 226
[5] Elliott, M.W. & Oden,T.C.(2007). Isaiah 40-66 (The Ancient Christian Commentary on Scripture, Old Testament part XI). Illinois (U.S.A): InterVarsity Press. Page 40
[6] Elliott, M.W. & Oden,T.C.(2007). Isaiah 40-66 (The Ancient Christian Commentary on Scripture, Old Testament part XI). Illinois (U.S.A): InterVarsity Press. Page 119
[7] Wenthe,D.O. & Oden, T.C. (2009). Jeremiah,Lamentations (The Ancient Christian Commentary on Scripture, Old Testament partXII). Illinois (U.S.A): InterVarsity Press. Page 210
[8] Ferreiro, A. & Oden, T.C. (2003). The Twelve prophets (The Ancient Christian Commentary on Scripture, Old Testament partXIV). Illinois (U.S.A): InterVarsity Press. Page 201
[9] Ferreiro, A. & Oden, T.C. (2003). The Twelve prophets (The Ancient Christian Commentary on Scripture, Old Testament partXIV). Illinois (U.S.A): InterVarsity Press. Pages 236,237
[10] مقدمة كتاب من تأملات الآباء في القيامة - دكتور وهيب قزمان.
[11] كتاب السنة الكنسية القبطية - ص ٥٦ - يسي عبد المسيح - إصدار الأغنسطس نبيل فاروق فايز.
[12] كتاب البابا أثناسيوس الرسولي معلم الكنيسة صفحة ٢١٨ - إعداد مينا بديع عبد الملك.
[13] شرح إنجيل يوحنا للقديس كيرلس الأسكندري - المجلد الثاني صفحة ٤٨٨ - ترجمة دكتور نصحي عبد الشهيد وآخرون.
[14] تفسير مزمور ١١٥ - القمص تادرس يعقوب ملطي.
[15] كتاب من تأملات الآباء في القيامة - صفحة ٦ - ترجمة دكتور وهيب قزمان - كنيسة السيدةالعذراء محرم بك بالإسكندرية.
[16] تفسير سفر ناحوم - الإصحاح الأول - القمص تادرس يعقوب ملطي.
[17] تفسير سفر أيوب - إصحاح ١٦ - القمص تادرس يعقوب ملطي.
[18] كتاب عظات على سفر أعمال الرسل - للقديس يوحنا ذهبي الفم - صفحة ٨٠ - ترجمة دكتور جورج عوض إبراهيم.
[19] تفسير سفر أيوب إصحاح ٣٨ - القمص تادرس يعقوب ملطي.
[20] كتاب من تأملات الآباء في القيامة - صفحة ١٥ - ترجمة دكتور وهيب قزمان - كنيسة السيدة العذراء محرم بك بالإسكندرية.
[21] كتاب من تأملات الآباء في القيامة - صفحة ١٥ - ترجمة دكتور وهيب قزمان - كنيسة السيدة العذراء محرم بك بالإسكندرية..
[22] كتاب من مجد إلي مجد - صفحة ١٩١ - تعريب القمص إشعياء ميخائيل.
[23] كتاب تأملات في القيامة - المتنيح البابا شنودة الثالث.
[24] كتاب المنجلية القبطية الأرثوذكسية صفحة 383 - البابا تواضروس الثاني.
[25] كتابي دراسات في الكتاب المقدس - إنجيل متي إصحاح ٢٨، وإنجيل يوحنا إصحاح ٢٠، ٢١ - الأنبا أثناسيوس مطران بني سويف والبهنسا.
[26] كتاب موسوعة الأنبا بيمن - المجلد الثاني - صفحة 2٢٠ - إصدار مطرانية ملوي وأنصنا والأشمونين.
[27] كتاب كنوز النعمة لمعونة خدام الكلمة - الجزء السادس صفحة ٨٣.
[28] كتاب صياد الجليل بطرس الرسول - صفحة ١١٥ - القمص إشعياء ميخائيل - كنيسة الملاك بالظاهر.
[29] الكتاب الشهري للشباب والخدام - عدد مايو ٢٠١١ - إصدار بيت التكريس لخدمة الكرازة.