الأحد الثالث من شهر بابه

 

 

” فقال له الملاك رافائيل: «استمع فأخبرك من هم الذين يستطيع الشيطان أن يقوى عليهم؟ “(طوبيا ١٦:٦)

وإله السلام سيسحق الشيطان تحت أرجلكم سريعا. نعمة ربنا يسوع المسيح معكم. آمين. (رو ٢٠:١٦)

” نعم يارب الذي أعطانا السلطان أن ندوس الحيات والعقارب وكل قوة العدو اسحق رؤوسه تحت أقدامنا سريعاً وبدِّد عنَّا كُلَّ معقولاته الشرِّيرة المُقاومة لنا لأنَّك أنت هو ملكنا كلِّنا أيُّها المسيح إلهنا ”

التحليل الأول لختام رفع بخور عشيّة وباكر (القدَّاس الغريغوري)

” حسنًا قال: “قد أقبل عليكم ملكوت السماوات”، بمعنى أنّني إذ صرتُ إنسانًا مثلكم وأُخرج الشيّاطين بروح الله، فبهذا اِغتنت البشريّة فيَّ من ملكوت السماوات، إذ نالت مجدًا بطرد الشيّاطين وانتهار الأرواح الشرّيرة.”

البابا كيرلس الكبير

” لقد أظهر بذلك وجود سلطان ملوكي للروح القدس (إصبع الله) ، ونحن أيضًا إذ يسكن الروح القدس فينا نصير مسكنًا ملوكيًا، لذلك ففي موضع آخر يقول: “ملكوت الله داخلكم”(لو ١٧:٢١)[1]

 

 

شواهد القراءات

 

(مز ٧٠: ٣-٦) (مر٤: ٣٥-٤١)  (مز ٥٦: ٨-٩) (لو ٢٤ : ١-١٢) (١كو ١٦: ١٢-٢٤) (يع ٤ : ٧-١٧) (أع ١٥ : ٤-١٢) (مز ٧٠: ٦-٧) (مت ١٢: ٢٢-٢٨)

 

 

ملاحظات على قراءات اليوم

 

+ قراءة الكاثوليكون اليوم (يع ٤: ٧ – ١٧) تُشبه قراءة الكاثوليكون (يع ٤: ٧-٥: ١-٥) للأحد الرابع من مسري

قراءة اليوم تتكلَّم عن مُعطِّلات النصرة على الشيطان الإدانة والإغتياب والأنين على الإخوة، بينما قراءة الأحد الرابع من مسري تُشير في الآيات الزائدة إلى ” الأيام الأخيرة ” في (يع ٥: ٣)

+ قراءة الإبركسيس اليوم (أع ١٥: ٤ – ١٢) تُشبه قراءة الإبركسيس (أع ١٥: ٦ – ١٢) ليوم ٢٤ هاتور

مجيئها اليوم لأجل الإشارة (في الآيات الزائدة ٤-٥) إلي إعتراض اليهود علي قبول الأمم دون أن يتهوَّدوا بينما مجيئها يوم ٢٤ هاتور (تذكار الأربعة وعشرين قسيساً ) للإشارة إلي رسالة الكهنوت إعلان خلاص الشعوب بعمل النعمة الإلهية

 

 

 شرح القراءات

 

تدور قراءات هذا الأحد علي ابن الله ” الغالب ” القاهر قوات الظلمة وأعمالها وسلطانها

تبدأ المزامير بتمجيد الله في كل الأمم          (مزمور باكر)

وكيان الإنسان كلّه                                (مزمور القدَّاس)

كل مراحل الحياة                                     (مزمور عشيّة )

في مزمور عشية تدرك النفس قوّة إلهها ومخلصها فتجعل كل رجاؤها فيه وكل إتكالها عليه (لأنك أنت يارب هو رجائي الرب هو متكلي منذ صباي)

ثم يتحول في مزمور باكر هذا الإدراك إلي فعل وقيامة واعتراف وتمسك باسمه العظيم بين الأمم والشعوب (سأقوم بالغدوات أعترف لك يارب وأرتل لك في الأمم لأن اسمك قد عظم)

لذلك يستعلن في مزمور القدَّاس مجد الله في كيان الإنسان كله كل الوقت (فليمتلئ فمي -كياني كله – سبحا لكي ما أسبح مجدك اليوم كله لعظيم جلالك)

يعلن إنجيل عشية قوة وسلطان هذا الغالب علي الطبيعة والكون وعلي مخاوف أولاده (فقام وزجر الريح وقال للبحر اسكت واصمت فسكنت الريح وصار هدوء عظيم – الريح رمز الشيطان والبحر رمز العالم – ثم قال لهم لماذا تخافون؟ أليس لكم إيمان بعد ؟ فخافوا خوفا عظيما وقالوا بعضهم لبعض: من تري هذا؟ فإن الريح والبحر يطيعانه)

تتكلّم القراءات عن مفاتيح الغلبة والنصرة                (البولس)

ومعطّلاتها                                                     ( الكاثوليكون )

وقوّة اجتذابها لشعوب غريبة                             ( الإبركسيس )

وبينما يشجع البولس كل نفس على مفاتيح الغلبة والنصرة لكل إنسان وهي السهر والثبات في الإيمان والمحبة (إسهروا وإثبتوا في الإيمان تجلدوا وتشجعوا لتكن كل أموركم بالمحبة….. سلموا بعضكم على بعض بقبلة طاهرة…من لا يحب الرب يسوع المسيح فليكن محروما إلى مجيء الرب)

في ذات الوقت يحذر الكاثوليكون من معطلات الغلبة والنصرة عدم التوبة وإدانة الآخرين والافتخار الكاذب بتعظم المعيشة وعدم الخدمة (نقوا أيديكم أيها الخطاة وطهروا قلوبكم ياذوي الرأيين …..لايذم بعضكم بعضا أيها الإخوة لئلا تدانوا….عوض أن تقولوا إن شاء الرب وعشنا نفعل هذا أو ذاك وأما الآن فإنكم تفتخرون في تعظمكم كل افتخار مثل هذا ردئ فمن يعرف أن يعمل حسنا ولايعمل فذلك خطية له.

أما الإبركسيس فيعلن غلبة الكنيسة بإتساعها وقبولها أعضاء جدد من جنسيات مختلفة وعدم انحصارها في من هم داخل الحظيرة بل تطلعها أيضا لمن هم خارجها (أنتم تعلمون أنه منذ أيام قديمة إختار الله بينكم أنه بفمي يسمع الأمم كلمة الإنجيل ويؤمنون والله العارف القلوب قد شهد لهم معطيا لهم الروح القدس كما لنا أيضا ولم يميز بيننا وبينهم بشئ …… لكن بنعمة ربنا يسوع المسيح نؤمن أن نخلص كما أولئك أيضا)

لذلك يختم إنجيل القداس على أن سلطان إبن الله علي الشيطان مطلق وغير محدود وبينما أفقد الشيطان الإنسان أهم ثلاث قوي وملكات فيه العقل والبصر والكلام يعيدهما إبن الله وأيضا يعطي لأولاده هذه الغلبة علي الشيطان ليحرروا الآخرين (حينئذ أحضر أعمي مجنون وأخرس فشفاه حتي إن الأعمي الأخرس تكلم وأبصر ….. وإن كنت أنا ببعلزبول أخرج الشيطان فأبناؤكم بمن يخرجون لذلك هم يصيرون قضاتكم وإن كنت أنا بروح الله اخرج الشياطين فقد وصل إليكم ملكوت الله)

 

 

ملخّص القراءات

لذلك فالغلبة والنصرة هي في شخص ربنا ومخلصنا يسوع له كل المجد                    (إنجيل القداس )

وليس فقط السلطان علي الشيطان بل علي الطبيعة أيضا                                      (إنجيل باكر )

لكن لكي ندرك هذه الغلبة في حياتنا نحتاج للسهر والمحبة والثبات في الإيمان           ( البولس )

ولنحذر عدم التوبة وإدانة الآخرين وتعظم المعيشة                                               ( الكاثوليكون )

وعدم اتساعنا لقبول الآخرين                                                                         (الإبركسيس )

لذلك يجب أن نضع كل رجاؤنا فيه ونعترف باسمه لنمتلئ من مجده                 (مزمور عشية وباكر والقداس )

 

 

إنجيل القداس في فكر آباء الكنيسة

“زعموا أن كل هذا السلطان الذي له على الشياطين أتاه مِن بعلزبول رئيس الشياطين.” (هيلاري ).

“إذا كانت تهمة يسوع هي أنه شيطان فهذا يعني أن الشيطان يُخرِج شيطانًا! وهكذا يكون التسليم بالتهمة خطأ: فمِن غير المعقول أنْ يُقال أن أحدًا أقامه وصيّره ثابتًا ذلك المعروف بأنه سبب سقوط الإنسان.” (فم الذهب).

“البيت المنقسم على ذاته يمكن تفسيره بأورشليم، حيث رجال الناموس يعارضون إتمام المسيح للناموس.” ( هيلاري )

“لا تستطيع مملكة الشيطان الثبات إذا انقسمت على ذاتها.” (أوغسطينوس).

“إنْ “كنت أنا بأصبع الله أُخرِج الشياطين,” فهذا برهان على أن ابن الله قد ظهر.” (فم الذهب، جيروم )

“يسوع يلقّب الشيطان بال”قوي.” ليس لأنه هكذا بطبيعته الأصلية المخلوق بها، بلْ هو يشير إلى تملّكه منا، نتيجةً لتكاسلنا الإرادي.” (كيرلُّس السكندري).

“لا يمكن أنْ تُقهَر قوى الشياطين دون أنْ يُغلَب إبليس أولا. وهذا هو ما يحدُث الآن: فإن المسيح يُبطِل حيَل إبليس.” (فم الذهب).

“ثُمّ أن لا شيء يستحيل مغفرته إلّا إنكار المسيح؛ لأن هذا يعني التخلي عن طبيعة روح الآب الحالّ فيه. أيّ إهانة للمسيح هي إهانة لله: لأن الله هو في المسيح والمسيح في الله.” ( هيلاري ، ذهبي الفم ، ساويروس ).

“هذا هو التجديف الذي لن يُغفَر: التعنّت والإصرار على عدم التوبة والمقاومة الدائمة للروح القدس حتى بعد المعمودية.” (أوغسطينوس)[2].

 

 

 الكنيسة في قراءات اليوم

مجيء الرب                                           البولس

الديّان والدينونة – الأعمال الحسنة                الكاثوليكون

الكهنوت – قبول الأمم                             الإبركسيس

لاهوت الابن ولاهوت الروح القدس             إنجيل القدَّاس

 

 

 عظات مقترحة

 (١) العظة الأولى

١-من هو إلهي؟

رجائي ومُتَّكلي ومعين وعزيز                                                       مزمور عشيّة والقدّاس

٢- هدوئي وسلامي وسط أمواج العالم ورياح الشر                                 إنجيل عشيّة

٣- العامل في خدّامه                                                                         البولس

٤- كفايتي ونصرتي                                                                         الكاثوليكون

٥- غني في نعمته للكل                                                                  الإبركسيس

٦- مُحرِّرني من كل أفعال المُضاد                                                     إنجيل القدَّاس

 

(٢) العظة الثانية بين أساسيات الوحدة ومصادر النصرة على الشيطان وأفكاره وحيله

١-أساسيات الوحدة

+ إعطاء المجد لاسم الله وعظم جلاله                                                المزامير

+ المحبّة والخضوع والتعب في الخدمة                                             البولس

+ الانشغال بالعمل الروحي وعدم الإدانة                                          الكاثوليكون

+ مواجهه الانشقاقات بالفكر الواحد والحوار الدائم                               الإبركسيس

+ قيادة الروح القدس                                                                إنجيل القدَّاس

٢- مصادر النصرة علي الشيطان وأفكاره وحيله

+  الصلاة والصراخ الي الله                                                     إنجيل عشيّة

+  السهر واليقظة ومحبّة الكل                                                    البولس

+  عدم الإدانة                                                                       الكاثوليكون

+ حياة التسبيح                                                                     مزمور القدَّاس

+ الامتلاء بالروح                                                                   انجيل القدَّاس

 

  (٣) العظة الثالثة حروب الشياطين للإنسان وللكنيسة

١- للإنسان

+ الفكر ….. يجعل الإنسان لا يدرك أي شيء ولا يفكر بطريقة صحيحة، بل يكون فكره مسبي في العالم والماديات

+ العين والحواس …. يجعل عينه شريرة وناقدة وحاسدة وشهوانية

+ اللسان والفم …. يفقده الفرح والتسبيح والشكر ويملأه تذمر وتجديف وإدانة

أي أن مصدر الانقسامات والمشاحنات في حياتنا اليومية يأتي من:

+ فكر مشحون بروح العالم يقود إلي جنون الكبرياء وجنون الغضب وهي المصدر الرئيسي للنزاعات

+ عين لا تري إلَّا سلبيات الآخرين

+ لسان لا يعرف غير التذمر والشكوى

لذلك إذا أردنا أن نحيا في وحدة مسيحية حقيقية نحتاج إلي:

+ فكر مملوء بكلمة الله يجعلنا في وحدة مع أنفسنا ومع الله وفِي شركة نقية مع الآخرين

+ عين تري دائماً إيجابيات الآخرين وفضائلهم وتبحث عن ما يجمع وليس ما يفرق

+ لسان دائم الشكر لله ودائم التشجيع لمن حوله

٢- للكنيسة   

من أين يأتي الانقسام ؟

+ عند غياب الهدف أو ضياعه أو انحرافه

+ عندما تغلب المصالح علي المبادئ

+ عندما أؤمن فقط بما أفعله ولا أؤمن بما يفعله الآخرون

+ عندما لا يوجد هدف واحد عام يُشغلنا وصلاة تُوحِّد قلوبنا ولمسات محبة تتقارب بها نفوسنا

+ عندما نسكت علي ثعالب صغار تضعف محبتنا وعندما لا نضحك معاً ولا نحزن معاً ولا نغضب معاً

 

 

عظات ابائية

معني إخراج الروح النجس بحسب تعليم العلامة أوريجانوس (١٨٥-٢٥٣م)

ماذا كان يقصد القديس لوقا بقوله: الروح النجس متى خرج من الإنسان يجتاز في أماكن ليس فيها ماء راحة (لو١١: ٢٤)؟

أكان يعني إن الأماكن التي ليس فيها ماء كانت ترمز إلى الأمميين، وبما أنهم الآن قد امتلاء من المياه الإلهية فإن الأرواح الشريرة لن تجد فيهم أي راحة وبالتالي سيبدأ الشيطان يواجه إنتاجه نحو بيته الأصلي وهو شعب إسرائيل.

فقديما عندما كانوا يعيشون في أرض مصر ، سكنت الأرواح الشريرة بينهم لانهم كانوا يعيشون بحسب التقاليد والعادات المصرية، مبتعدين عن اللهم وعاداتهم. ولكن بعدما افتداهم الله بنعمته من خلال موسى، رحلت عنهم جميع هذه الأرواح.

وأما الآن، فهم لا يؤمنون بالمسيح، بل رفضوا مخلّصهم وعمله الخلاصي لأجلهم، وبالتالي ستهاجمهم، الأرواح النجسة مرة أخرى؟ فبعد أن فارقه الله صاروا الآن مستعدين لساني هذا الروح النجس داخلهم.

ومن الواضح جدا أنه سَكَنهم بكل قوته ويتضَّح هذا أكثر في عبارة يأخذ سبعة أرواح أُخّر. إذ أن الوحي المقدس، يستخدم هذا الرقم للتعبير عن الوفرة والكثرة فيقول في موضع أخر : العاقر ولدت سبعة ،وكثيره البنين ذبلت (١صم ٢: ٥).

وهكذا فإن أولئك الذين لا يؤمنون بابن الله، ستهاجمهم أرواح نجسة لست فقط تلك الأرواح الشريرة التي كانت لدى اليهود أثناء تواجدهم في مصر بل وأرواح عديده أخرى ، وأواخر أولئك الناس تكون أشر من أوائلهم، (لو١١ : ٢٦).

لأنهم سينابون الآن من أمور أسوأ من تلك التي عانوا منها في مصر، فهم لم يؤمنوا بيسوع المسيح، بل وقتلوه، قتلوا رئيس الحياة،(اع٣: ١٥) وبالتالي حَرَمَوا أنفسهم من الحياة .لم يعد في وسطهم نبي يقول لهم : هكذا يقول الربّ .

ليس ثمة آيا تتصنع بينهم، ولم تَعُد هناك علامات على حضور الله بينهم. فقد نُلنا نحن الأمم هذه الأمور التي تحدث عنها يسوع قائلاً: إن ملكوت الله يُنزَع منكم ، ويعطى لأمة تعمل أثماره،،(مت٢١: ٤٣).ونحن الشعب الذي سيُعطى له ملكوت السماوات[3].

 

 

المملكة المنقسمة على ذاتها للقديس كيرلس الأسكندري

يقول الكتاب المقدس ” قد غرتُ غَيرة للرب “(١مل١٩: ١٠)، وأنا أيضاً أقول هكذا، مركَّزاً انتباهي بدقَّة علي دروس الإنجيل المطروحة أمامنا ، ليتَّضح أن لسان إسرائيل المجنون هو وقِح ومُسيَّب بالشتائم ، مطغي بغضب شديد غير منضبِط ، ومقهور بحسد لا يمكن إخماده .

انظر كيف كانوا يُصرُّون بأسنانهم علي المسيح مخلَّص الكل لأنه جعل الجموع يتعجبون من معجزاته الإلهية الخارقة العديدة، ولأن الشياطين كانت تصرخ من قوَّته وسلطانه الفائقين الإلهيين ، وأظن أن هذا هو ما رنَّم به داود مخاطباً له : ” مِن عِظم قوَّتك سيوجد أعداؤك كاذبون “(مز ٦٥ : ٣)سبعينية .

أما عن السبب الذي جعل هؤلاء الناس يقاومون المجد الذي يظهر به، فإن هذا الفصل سيعلَّمنا إياه بوضوح ، فيقول : ” أحضَروا إليه إنساناً به شيطان أخرس “. والشياطين الخرساء يصعب علي القديسين أن ينتهروها، كما أنها أكثر عناداً من الأنواع الأخرى ، وهي وقحة جداً ، ولكن لا يصعب شيء علي إرادة المسيح الكلية القدرة ، والذي هو مخلَّصنا كلنا .

فللحال أطلق الرجل الذي أحضروه إليه حراً من الروح النَّجس الشرير ، ومَن كان لسانه من قبل مغلقاً بواسطة باب ومزلاج ، اندفع مرة أخري إلي الكلام المعتاد .

لأن الإنجيل قال عنه إنه أخرس ، كما لو كان بدون لسان ، أي بلا نطق ، ولم يكن سبب الخرس نقص طبيعي ، ولكن بسبب عمل الشيطان . ولما لم يكن المجنون يستطيع الكلام طبعاً فإن المسيح لم يطلب منه أن يُقِر بالإيمان كعادته. ولما أجري المسيح هذا العمل المعجزي فإن الجموع مجدَّته بتسابيح ، وأسرعت لتُتوَّج صانع المعجزة بكرامة إلهية .

يقول الكتاب إن بعضاً من الكتبة والفريسيين الذين امتلأت قلوبهم بسم الكبرياء والحسد، وجدوا في المعجزة وقوداً لمرضهم ، فلم يُمجَّدوا الرب ، بل عكفوا علي العكس تماماً .

لأنهم جرَّدوه من الأعمال الإلهية التي عملها ، وعزَوا هذه القوة الفائقة إلي الشيطان ، وجعلوا بعلزبول هو مصدر قوة المسيح فقالوا :” ببعلزبول رئيس الشياطين يخرج الشياطين ” ، وآخرون إذ أصيبوا بشرٍ مقارب لهذا ، اندفعوا بدون تمييز إلي جرأة الكلام الوقح ، وإذ كانوا ملدوغين بمنخاس الحسد ، طلبوا منه أن يريهم آية من السماء ، كما لو كانوا يريدون أن يقولوا له :” إن كنت قد طردت روحاً خبيثاً ووقحاً فهذا أمر غير جدير بالأعجاب ، إن ما فعلته لا يدل علي قدرة إلهية ، إننا لم نرَ بعد شيئاً يشبه المعجزات القديمة ، أرنا بعض الأفعال التي تدل – بدون أي شك – إنها معمولة بقوة من فوق .

إن موسي جعل الناس يَعبُرون البحر بعد أن انفلقت المياه وصارت كسد ، وضرب الصخرة بعصاه فصارت منبعاً للأنهار حتي تدفَّقت الينابيع من حجر صوان . وبالمثل فإن خليفته يشوع جعل الشمس تقف في جبعون ، والقمر في وادي أرنون ، ووضع قيوداً علي مجاري الأردن ، ولكن أنت لم ترنا أفعالاً مثل تلك ، إنك أخرجت شيطاناً للناس ، ولكن هذا السلطان يمنحه بعلزبول رئيس الشياطين للناس ، إنك قد استعرت منه قوة صُنع هذه الأشياء التي تتسبَّب في إعجاب الناس الجهلاء الأُمييَّن ، بهذا الشكل تظهر جرأة القوم الذين يتصيَّدون الأخطاء ، واتضح الأن من رغبتهم في أن يعمل آية من السماء أنهم يضمرون مثل هذه الأفكار عنه.

بماذا أجاب المسيح علي هذه الأمور ؟ أولاً ، هو في الواقع يبرهن علي أنه إله بمعرفته بما تهامسوا به خفية في داخلهم ، لأنه مكتوب أنه ” عَلِم أفكارهم ” ، وهذا العمل يخص الله تماماً ، أي معرفة ما في الفكر وما في القلب وما يتكلم به الناس في الخفاء ، ولكي يبعدهم الرب عن هذه الجريمة الفظة ، فإنه يقول لهم :” كل مملكة منقسمة علي ذاتها تخرب ، وكل بيت منقسم علي ذاته يسقط ، فإن كان الشيطان ينقسم علي نفسه فكيف تثبت مملكته ؟ ” ولعله كان يقول لهؤلاء المثرثرين الأغبياء ” إنكم قد جانبتم الصواب ، ابتعدتم عنه جداً ، وأنتم بلا شك تجهلون طبيعتي .

إنكم لا تلتفتون إلي عظمة قوَّتي وجلال قدرتي ، موسي كان خادم الناموس ولكن أنا المُشرع له ، لأنني الله بالطبيعة ، كان هو خادم الآيات ، ولكن أنا الصانع والمُجري لها ، أنا الذي فلقتُ المياة فعبر الشعب . أنا الذي أظهرتُ الحجر الصوان كينبوع للأنهار . أنا الذي جعلتُ الشمس تقف في جبعون ، وقوَّة أوامري هي التي أوقفت القمر في وادي أرنون . أنا الذي وضعتُ قيوداً علي مجاري الأردن .

والآن أنا أسألكم ، فلو أن المسيح قال لهم مثل هذه الكلمات ، لكان من غير المُستبعَد أن نتصوَّر أنهم كانوا سيتَقَّدمون بالأكثر بنيران الحسد ، وكانوا سيقولون : ” إنه يعطي نفسه العظمة فوق مجد القديسين ، إنه يفتخر بنفسه أعلي من الآباء البطاركة المشهورين ، الذين يقول عنهم إنهم ليسوا شيئاً .وينتحل لنفسه مجدهم ” . وكانوا سيضيفون كلمات أخري تعطي الفرصة للجهال للاندفاع الشرير ضده .

لذلك وبحكمة فائقة ، فإنه لا يتكلم عن تلك الأحداث ، ولكن يتقدَّم لمحاجاتهم أخذاً مادة للكلام من الأمور المعتادة ، ولكنها تحمل قوة الحق فيها ، فيقول :” كل مملكة منقسمة علي ذاتها تخرب ، وكل بيت ينقسم علي ذاته يسقط ، وإذا انقسم الشيطان علي ذاته كيف تثبت مملكته ؟ ” ، إن ما يثَّبت الممالك هو ولاء الأشخاص وطاعة أولئك الذين تحت الصولجان الملكي ، والبيوت تثبت إن لم يناقض سكانها الواحد الآخر ، بل بالعكس يتوافقون في الإرادة والفعل .

وهكذا أظن أنا ، إن الذي يُثبَّت مملكة بعلزبول أيضاً هو أن يمتنع عن عمل ما يضاد نفسه ، فكيف يمكن إذن لشيطان أن يخرج شيطاناً ؟ إذن نستنتج من ذلك أن الأرواح الشِرّيّرة لا تخرج من الناس باتفاقها مع بعض ، ولكن ضد رغبتها ، فالرب يقول : إن الشيطان لا يحارب نفسه ولا يهين أتباعه ولا يسمح لنفسه أن يؤذي حامل سلاحه الأخصَّاء ، بل علي العكس هو يساعد مملكته . بقي عليكم أيها اليهود أن تفهموا أنني أسحق الشيطان بقوة إلهية .

هذا ما يجب علينا أن نقتنع به نحن الذين نؤمن بالمسيح وقد ابتعدنا عن شر اليهود ، لأنه ماذا يستحيل علي اليد اليمني القادرة علي كل شيء ؟ وأي شيء يكون عظيماً أو صعباً عليه هو الذي يستطيع أن يفعل كل شيء بإرادته وحده ؟ هو الذي يُثبَّت السموات وأساسات الأرض ، خالق الكل ، كلي القدرة ، كيف يمكنه أن يحتاج إلي بعلزبول ؟ إنها أفكار لا يسوغ النطق بها ! هذا شر لا يطاق ! شعب أحمق لا يفهم ! ومن العدل أن يقال عن الإسرائيليين : ” لهم عيون ولا يبصرون ولهم آذان ولا يسمعون ” . (مر٨ : ١٨)،

لأنهم مع أنهم يبصرون الأعمال المعجزية التي يقوم بها المسيح ، والتي تمَّت علي يد الأنبياء القديسين ، الذين سمعوا عنهم ، وعرفوهم من قبل ، إلا أنهم استمروا في عنادهم وجموحهم ، لذلك كما يقول الكتاب :” هم يأكلون من ثمر طُرُقهم ” (أم١: ٣١) .

يجب علينا أن نجتهد في تعظيم المسيح بتمجيدات لا تنتهي ، وهكذا نرث مملكة السماء ، بنعمة المسيح نفسه ، الذي به ومعه لله الآب التسبيح والسلطان مع الروح القدس إلي دهر الدهور آمين[4]

 

 

 

سر الوحدة للشهيد كبريانوس

سر الوحدة ” هذا رباط الوفاق الذى لا ينحل ، يُشبّه بثوب ربنا يسوع المسيح الذى – كما ذكرت الأناجيل – لم يقتسموه أو يمزقوه على الاطلاق فقد أخذه هؤلاء الذين ألقوا القرعة على ثياب الرب ، أو بالأحرى الذين لبسوا المسيح ، نالوا رداء كاملاً غير مُقسم ولا منقسم ، مرّة والى الأبد ويذكر الكتاب :  وكان القميص بغير خياطة ، منسوجاً كله من فوق  فقال بعضهم لبعض : لا نشقه  بل نقترع لمن يكون  (يو ١٩: ٢٣-٢٤) هذا القميص يحمل معه ، الوحدة التي نزلت من فوق ، أي التي نزلت من السماء والآب ، والتي لا يستطيع من نالها واقتناها أن يمزقها أبداً ، لقد نال كمالاً متماسكاً قوياً ، لا يمكن أن يقتنى قميص المسيح ذاك الذى يمزق ويُقسم كنيسة المسيح وهناك مثَاَل آخر ، عندما انقسمت مملكة سليمان بعد موته ، وعندما التقى أخيّا ( النبي ) الشيلونى مع يربعام فى الحقل ، مزق النبى رداءه الى اثنتي عشرة قطعة وقال :  خذ لنفسك عشر قطع ، لأنه هكذا قال الرب اله اسرائيل : هأنذا أمزق المملكة من يد سليمان وأعطيك عشرة أسباط  ويكون له سبط من أجل عبدى داود ومن أجل أورشليم المدينة التى اخترتها من كل أسباط اسرائيل ، لأضع اسمى فيها  (١مل ١١: ٣١-٣٦) لذا مزق أخيّا النبي رداءه من أجل انقسام الأسباط ، ولكن لأن شعب المسيح لا يمكن أن ينقسم ، فان الذين أخذوا قميصه لم يقتسموه ، فهو غير مُقسم ، لأن رداءه كان بغير خياطة منسوجاً كله ( متحد ومتصل ومتماسك ) ، ان هذا الرداء بعدم انقسامه يُظهر السلام والمحبة والتماسك وسط شعبنا نحن الذين لبسنا المسيح الذى أعلن وحدة كنيسته من آية ردائه.

+ فمن هو ذاك الشرير وعديم الايمان ؟ من هذا الذى أصابه جنون الانقسام والخلاف حتى يظن أن وحدة الله يمكن أن تنقسم ؟ أو حتى لديه الجرأة ليمزقها ، انها قميص الرب ، كنيسة المسيح ؟ ان الرب يحذرنا في انجيله ويُعلّمنا قائلاً :  وتكون رعية واحدة وراع واحد  (يو ١٠: ١٦) هل يمكن لأى انسان أن يعتقد أنه في موضع واحد يمكن أن يوجد رعاة كثيرون أو قطعان عديدة ؟ عندما تحدّث الرسول بولس عن هذه الوحدة قال :  ولكنى أطلب اليكم أيها الاخوة ، باسم ربنا يسوع المسيح ، أن تقولوا جميعكم قولاً واحداً ، ولا يكون بينكم انشقاقات ، بل كونوا كاملين في فكر واحد ورأى واحد  (١كو ١-١٠) ، وفى موضع آخر يقول :  محتملين بعضكم بعضاً في المحبة مجتهدين أن تحفظوا وحدانية الروح برباط السلام  ( أف٤: ٣) هل تظن أنه في قدرتك أن تحيا وتثبت اذا انفصلت عن الكنيسة وبنيت لذاتك مساكن أخرى ومنازل مختلفة ، بينما قيل عن راحاب التي كانت رمزا للكنيسة أباك وأمك واخوتك وسائر بيت أبيك  فيكون أن كل من يخرج من أبواب بيتك الى خارج ، قدمه على رأسه (يش٢: ١٩)

وأيضاً سرُ الفصح فى شريعة الخروج ، ذاك الحمل الذى كان يُذبح كرمز للمسيح ، ألم يكن يُؤكل فى بيت واحد ؟ يقول الرب فى بيت واحد يؤكل  لا تُخرج مِنَ اللحم مِنَ البيت الى خارج  (خر١٢: ٤٦) فلا يمكن لجسد الرب وقدّس الرب لأن يُحمل خارجاً ولا أن يوجد فى بيت آخر للمؤمنين الا الكنيسة الواحدة ، هذا البيت وهذه الأسرة المترابطة ، يشير اليها الروح القدس فى المزامير : الله يجعل من لهم الرأى الواحد ساكنين فى بيته  (مز ٦٨: ٦) هناك فى بيت الرب فى كنيسة المسيح ، يسكن الذين لهم الفكر الواحد ويعيشون فى محبة وسلام

+ لذا فقد أستعلن الروح القدس على شكل حمامة ، الحمامة طائر بسيط ووديع لا يهدد أحد ، منقارها ليس قاسياً ، مخالبها ليست عنيفة ، تسكن بين البشر ولا تعرف الا بيت واحد ، أولادهم ينشأون معهم ، وحتى أثناء طيرانهم يظلّون بجوار بعضهم البعض ، مُعلنين من خلال حياتهم المشتركة قانون الوحدة والجماعة  هذه هي البساطة التي يجب أن تظهر فى الكنيسة

وهذه هي المحبة التي ينبغي علينا أن نحفظها  ذاك هو حب الاخوة الذى يقتدى بالحمام ، ان لطفهم ووداعتهم تعادل تلك التى للحملان ، هذا هو المثال الذى نضعه أمام أعيننا  ماذا تفعل شراسة الذئاب في قلب المسيحي ؟

ماذا تفعل همجية الكلاب وسم الحّيات المُميت وقسوة الوحوش الدموية ؟ انه شيء يستحق التهنئة عندما ينفصل مثل هؤلاء عن الكنيسة ، لئلا يفترسوا حمام وخراف المسيح بقسوتهم وعداءهم المملوء بالسم ، ان المرارة لا يمكن أن تتفق أو تجتمع مع العذوبة ، ولا الظلمة مع النور ، ولا الجو الممطر مع الجو الصحو ، ولا الخصام مع السلام ، ولا الجفاف مع الينبوع ، ولا العاصفة مع الهدوء  ليت لا أحد يظن أن الصلاح يمكن أن يترك الكنيسة ، فالريح لا تذرى الحنطة ، والأعاصير لا تقتلع الشجرة العميقة الجذور  فألذى تذريه الرياح هو التبن ، والأعاصير انما تنتزع الشجرة الضعيفة والرسول يوحنا يَدين هؤلاء بشدّة عندما يقول : << منا خرجوا ، لكنهم لم يكونوا منا ، لأنهم لو كانوا منا لبقوا معنا (١يو٢: ١٩)

+ كثيراً ما ظهرت هرطقات ولا تزال فى الظهور ، فالذهن الفاسد هو فكر منقسم على ذاته عديم الايمان ، لا سلام له ، لا يحفظ الوحدة ، وان كان الرب قد سمح بوجود مثل هذه الأمور ، فهذا لكى يظل الاختيار منوط بالإرادة الحرّة للإنسان ، ويكون معيار الحق هو فاحص القلوب والأذهان ، حتى يكون الايمان الصحيح لهؤلاء المزكين ظاهراً بوضوح  والروح القدس يحذرنا على فم الرسول قائلاً  لابد أن يكون بينكم بدع أيضاً ، ليكون المُزَكّون ظاهرين بينكم (١كو١١: ١٩) هكذا يتزَكّى المؤمنون ، وينكشف الغاشين ، قبل مجيء يوم الدينونة هنا على الأرض يتم الفصل بين الأبرار والأشرار ، بين التبن والحنطة هؤلاء الأشرار من تلقاء أنفسهم يُقيمون أساقفة بدون أى تسليم رسولى ، ويتخذون لأنفسهم اسم ” أسقف ” رغم أن أحداً لم يقيمهم للأسقفية ، هؤلاء الذين يشير اليهم الروح القدس فى سفر المزامير ، كمن هم جالسين على كرسى الطاعون والأوبئة ، خادعين بلسان الحية ، بارعين في تحريف الحق  ينفثون سموماً قاتلة من ألسنتهم المُهلكة ، أحاديثهم كالسم المُميت فى قلب وصدر كل من يقابلونهم

+ ضد مثل هؤلاء يهتف الرب ، وعن هؤلاء يمنع شعبه وينادى المخطئ قائلاً :  لا تسمعوا لكلام الأنبياء ( الكذبة ) الذين يتنبأون لكم ، اذ يتكلمون برؤيا قلبهم فيثبطون عزيمتهم  يقولون لمن يرفضون كلمة الله : يكون لكم سلام ؛ ويقولون لكل من يسير فى عناد قلبه : لا يأتي عليكم شر لم أرسل الأنبياء بل هم جَرَوا لم أتكلّم معهم بل هم تنبأوا ولو وقفوا في مجلسي لأخبروا شعبى بكلامي وردوهم عن طريقهم الرديء وعن شرَ أعمالهم  (ار٢٣: ١٦- ٢١) ومرّة أخرى يشير الرب الى هؤلاء قائلاً :  تركوني أنا ينبوع المياه الحية ، لينقروا لأنفسهم أبآراً،

أبآراً مشققة لا تضبط ماء  (ار٢: ١٣)  فعلى الرغم من أنه لا توجد الا معمودية واحدة ، يعتقدون أن بإمكانهم أن يُعمدوا ، ورغم أنهم تركوا ينبوع الحياة ، يعدّون بنعمة الماء المخلّص والمُعطى الحياة ان الانسان معهم لا يغتسل بل يتسخ ، ولا يتطهر من خطاياه ، بل انها تزداد وتتضاعف ، هذا الميلاد الذى يدَعونه لا يقدم أبناء لله بل لإبليس ، فالمولود من الكذب والخداع لا ينال مواعيد الحق ، ومن وُلد من الغش لا نعمة له ، انهم لن ينالوا جعالة السلام ، لأنهم مزقوا سلام الرب بجنون الشقاق.[5]

 

 

العظة الآبائية الثالثة للأحد الثالث من شهر بابه

للقديس غريغوريوس النيسي الثعالب الصغيرة

” خذوا لنا الثعالب الصغار المفسدة الكروم ” (نش٢: ١٥) قبل أن يعلن العريس ذاته بصراحة ووضوح للنفس ” العروس” يقول للصيادين أن يمسكوا الثعالب التي تفسد الكروم من النمو والنضج لأن الكروم سوف تزدهر اذا ما قتلنا ما يؤذيها

ولذلك يقول “خذوا لنا الثعالب الصغار المفسدة للكروم لأن كرومنا قد اقتلعت ”   (نش٢ :١٥) ماذا نصنع من الأفكار الشريرة المكتومة في داخلنا ؟ أن لله عملا عظيما في هذا النص لأن المقصود هنا هو قلع الأشياء التي تؤذى البشر لأن الشيطان هو طاغية الشر ويزرع فينا اللسان الحاد مثل الموس الذى يقول عنه المزمور ” ماذا يعطيك وماذا يزيد لك لسان الغش ، سهام جبار مسنونة مع جمر الرتم ” (مز١٢٠: ٣) يقول أيضا المزمور عن الشيطان ” يكمن في المختفي كأسد في عريسه. يكمن ليخطف المسكين. يخطف المسكين بجذبه في شبكته ” (مز١٠: ٩) هذه هي الحية التي ارتدت وانحرفت وسقطت التي لها الفم المفتوح المملوء سما ، هذا هو الشيطان رئيس سلطان الظلمة الذى يتسلط على الموت وعلى الأشياء الأخرى التي يحذرنا منها الوحى الالهى .

هذا هو الشيطان الذى أخذ الخروف المفقود وهو الذى قال أنه سيبسط عرشه مع السماء ويصير مثل العلى “وأنت قلت فى قلبك أصعد الى السموات أرفع كرسي فوق كواكب الله وأجلس على جبل الاجتماع فى أقاصي الشمال “(أش ١٤: ١٣) ويوجد أيضا فى سفر أيوب أشياء مرعبة عن الشيطان . وهكذا فان الشيطان وجنوده هم الثعالب الصغار التى يطلب الله من الصيادين أن يطردوها والصيادون هم الملائكة الحصادون الذين يلازمون الرب حين تجسد على الأرض وملازمون ملك المجد ويعرفونه لأؤلئك الذين لا يعرفونه وحين تجاوب الملائكة عن السؤال من هو ملك المجد يقولون هو “الرب القدير الجبار الرب الجبار فى القتال “(مز٢٤: ٨) .

وهؤلاء الصيادون الذين سوف يصطادون الثعالب ممكن أيضا أن يكونوا “أرواحا خادمة مرسلة للخدمة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص ” (عب١: ١٤) أو ربما يكونون هم الرسل القديسون الذين أرسلهم الرب يسوع المسيح لكى يفتكوا الحيوانات المتوحشة ، كما قال الرب لبطرس وسأجعلك صيادا للناس (مت٤: ١٩) لأنهم لم يقدروا أن يصطادوا الناس ما لم ينتصروا على تلك الحيوانات المتوحشة التي هي الثعالب الصغيرة ويبعدوها عن الملجأ والحصن الذى هو قلب البشر التي تختبئ فيها ، حتى يصنعوا من قلوب البشر مكانا يسند فيه الله رأسه حين تبعد تلك الثعالب من وجودها في قلوبهم.

وعلى أي الأحوال سواء كان الصيادون هم الملائكة أم هم الخدام الرسل فأنه قد أعطيت لهم قوة هائلة تفوق الوصف تمكنهم من اصطياد تلك الثعالب . وهو لم يقل لهم اصطادوا الخنازير الذى يهلك الكرم ولا الأسد الذى يزأر ولا الحوت ولا الثعابين البحرية ولكنه أهتم أكثر بالثعالب الصغيرة وهو قد أعطانا قوة من فوق لكى ننتصر عليها ونبعدها والكرم هو النفس البشرية وحين نبعد تلك الثعالب عندئذ تبدأ النفس في الثمر وتنضج عناقيد العنب التي ترمز الى ثمار الكمال .

ان هذا الكرم الإلهي الذى هو النفس يصير مثمرا كما قال داود المرنم ” امرأتك (روحك) مثل الكرمة مثمرة في جوانب بيتك” (مز٣:١٢٨) وعندئذ تصير النفس في حماية الله فتكرس ذاتها للمسيح عريسها الذى حطم الحاجز الذى كان يفصل بينها وبينه . لأنه لم يعد يوجد أي فاصل للناموس يمنع الاتحاد مع المسيح الهنا الذى بالحق نحن نحبه[6]

 

 

العظة الآبائية الرابعة للأحد الثالث من شهر بابه

قوَّة اسم يسوع في النصرة علي الشياطين عند القديس فيلوثاؤس الذي من سينا

إن التذكار الحلو الذي لاسم الرب يسوع المسيح الممتزج بالانسحاق يستطيع دائماً أن يسحق خيالات الأفكار وكل الاقتراحات الشِرّيّرة المتنوعة والكلمات والأحلام والخيالات المظلمة وباختصار كل مدمرات الشيطان التي يحاول بها أن يدمر نفوسنا . أما حين ننادي يسوع فإنه يحرق كل هذا . لأننا لن نجد أي خلاص إلا في يسوع المسيح .

وهكذا فإن المخلص نفسه يؤكد ذلك بقوله ” لأنكم بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئاً ” (يو١٥: ٥). دعنا نحرس قلوبنا كل ساعة وكل لحظة من الأفكار التي تظلم مرآة النَّفس بحيث لا يبقي سوي صورة يسوع المسيح ربنا المشرقة الذي هو حكمة الآب وقوته .

دعنا نطلب باستمرار ملكوت السموات في القلب وبالتأكيد سوف نجد البذرة في أنفسنا ونجد أيضاً الجوهرة والنبع وكل شيء صالح . وهذا هو سبب قول الرب يسوع المسيح إن ” ملكوت الله في داخلكم ” (لو١٧: ٢١) ومعني ذلك هو أن الله يسكن في القلب . إن اليقظة هي التي تطهر الضمير حتي يشرق . وحين يتطهر الضمير فإنه يطرد كل ظلمة منا . ومثل النور الذي يشرق فيبدد كل ظلام هكذا اليقظة الدائمة هي التي تطرد الظُّلمة . والضمير أيضاً يكشف لنا ما نكون قد نسيناه من قبل أو ما يكون مازال مختبئاً دون إدراك .

وفي نفس الوقت فإن اليقظة تعلمنا الجهاد غير المنظور مع الأعداء الذين يثيرون العقل بحرب الأفكار ، وتعلمنا أيضاً كيف نلقي أسهمنا ضد العدو وكيف نملأ عقولنا بالأفكار الجيدة وكيف نمنع أسهم العدو من أن تجرح العقل بأن نجعلها تبعد عنا حين نطلب أن نحتمي في المسيح ، وعندئذ نحصل علي حماية النور لرغباتنا المنيرة في مكان الظُّلمة المهلكة . والذي قد اختبر هذا النور فإنه يفهم ما أتحدث عنه[7] .

 

 

عظات اباء وخدام معاصرين

 

عظة لقداسة البابا تواضروس

الله يحبك رغم …..

+ هذه ليست فقط معجزة شفاء جسدي بل روحي ورمزي .

+ هذا الإنسان كان : مجنون – أعمى – أخرس . ونال : شفاء العقل – شفاء العين القلبية – شفاء اللسان .

أولاً : مجنون : لا يفكر = توقف العقل عن التفكير في الله  .

هذا هو الإنسان الذى لا يعرف الوصية ، يعيش بلا وصية ، بدون شبع . سراج لرجلي كلامك ونور لسبيلي (مز١١٩: ١٠٥) .

ثانياً : أعمى : لا يرى = توقف العين عن النظر إلى الله  .

هذا هو الإنسان الذى يعيش بدون إيمان ، وبدون تسليم . ما بالكم خائفين يا قليلي الإيمان ؟ معجزة  تهدئة الرياح (مت٨ : ٢٦)

ثالثاً : أخرس : لا يتكلم = توقف اللسان عن الحديث مع الله .

هذا الإنسان لا يحيا في الصلاة ولا يعرف التسبيح والشكر. ” الابرص الذى شكر المسيح لشفائه دون التسعة الآخرين ”          (لو ١٧: ١١ – ١٨)

+ لقد غير الرب يسوع الناس تغييراً كاملاً … بسلطانه وقوته

صلاة : يا رب ضع في قلبي محبتك نحو جميع الناس خاصة الخطاة والمنبوذين … ” .

 دروس في الأحد الثالث :

الخطية تحرم الإنسان من :

١- الفكر السليم ( مجنون )            ٢- العين السليمة ( أعمى )                    ٣- اللسان السليم ( أخرس ) .

المسيح يغير :

١- الأفكار                                   ٢- القلوب                                           ٣- الطبيعة

الكنيسة تعلم :

المسيح محب البشر                      (شهر توت    )

المسيح خادم البشر.                     ( شهر بابه    )

المسيح معلم البشر.                      ( شهر هاتور )

+ وفى شهر ” بابه ” : المسيح  خادم للبشر في أربع دوائر ، الطبيعة ، الشيطان ، والموت[8]

 

 

عظة للمتنيح انبا يؤانس اسقف الغربية

أعداء الطريق

ونقصد بهم الشياطين واعوانهم … وقبل أن نتكلم أود أن أؤكد حقيقة مسيحية اصيلة وهى أن المسيحيين لا يعتبرون أحداً من البشر عدواً لهم . فهم مطالبون بمحبة الجميع حتى من يضمرون لهم العداء ويضايقونهم … إن هؤلاء يصلى المسيحيون لأجلهم عن حب ، حتى ما يحررهم الرب من قبضه إبليس . لأن من يبغض ليس من الله ولا عرفة .

من المهم جداً أن يعرف الإنسان عدوه أو أعداءه أيا كانوا حتى في القليل ؛ يأمن شرهم وخطرهم … ولدينا مثل حي . فلقد كان سبب كارثة حرب يونيه سنة ١٩٦٧ هو عنصر المفاجأة والمباغتة الذى اتبعته إسرائيل … وإن كنا هزمنا سنة ١٩٦٧ لكننا تلقنا درساً بل دروساً في الحرب ، وعيناها جيداً وادت إلى انتصارنا في حرب أكتوبر سنة ١٩٧٣ …

هكذا يفيدنا أن نعرف اكبر قدر من المعلومات عن أعدائنا الروحيين ( الشياطين ) ، حتى نحترس منهم ونأمن شرهم ، ونكون على استعداد حتى لا نقع في حبائلهم وشباكهم التي ينصبوها لنا …

لذا من الضروري أن نتناول بالكلام طبيعة الشياطين واساليبهم ومكرهم ودهائهم وخدعهم وحيلهم وأسلوبهم في الحرب الروحية ، ومدى قوتهم أو شجاعتهم . فإن هذا بلا شك يعيننا في جهادنا مسيرة في الطريق إلى الله .

الشيطان حوله هالة كبيرة جدا ، لذا يخشاه الناس ويرتعبون منه … نحن لا ننكر قوة الشيطان الذى دعاه رب المجد ” رئيس هذا العالم ” (يو١٢: ٣١ – ١٦ :١١) … ولكن في نفس الوقت لا ننسى أن المسيح قال عنه أيضاً ” ليس له في شيء ” (يو٣٠:١٤) … هذا بالنسبة للمسيح القدوس الذى بلا شر ، أما بالنسبة للإنسان الخاطئ فالشيطان له فيه شيء بل أشياء …

انه يتعامل مع الإنسان من خلال الخطية وبسببها. إن الخطية هنا هي ” مسمار جحا ” كما يقول المثل . ولكون المسيح له المجد بلا خطية فالشيطان ليس له فيه شيء . ومن استطاع من البشر أن يحيا بلا خطية ، فإنه يستطيع أن يقول نفس كلمات المسيح ” ليس له في شيء ” . فبضاعة الشيطان التي يتعامل ويتاجر بها هي الخطية والشر …

لذا فعلى الإنسان حينما يسير في طريق حياته الروحية ، أن يباعد بين نفسه وبين الخطية ، لكى يأمن حكاية ” مسمار جحا ” !! والآن نستعرض بعض مما يهمنا معرفته عن الشيطان …

١- طبيعة الشيطان 

لا مجال هنا للقول بأن الشيطان كان مع جنوده يؤلف طغمة من الطغمات السمائية ، وأنه سقط بالكبرياء . كان لسقوطه آثار عميقة على طبيعته . فهو مخلوق مشوه محدود في قدراته …

ولو أن الإنسان هو الآخر سقط ، لكنه يجدد قدراته بالتوبة ، بل قد تكون القوة الروحية التي يستردها بالتوبة أكبر مما يفقده بالخطية ” حيث كثرة الخطية ازدادت النعمة جداً ” (رومية ٥ :٢) … وفى الوقت الذى يسير فيه إبليس نحو الاندحار ، نجد الإنسان يجدد قواه ويسير من قوة إلى قوة ، ومن مجد إلى مجد …

ونستطيع أن نلمس ضعف الشيطان المتزايد يوماً بعد يوم ، ومع ذلك فهو لا يكف عن محاربة أولاد الله ، على الرغم من أن أولاد الله يتقوون عليه ، الأمر الذى يثيره …

لقد نظر إبليس ورأى الإنسان الضعيف ، وقد صار قوياً في المسيح . لذا وقف الشيطان عند دينونة المجاهدين كمشتكى عليهم . وتحير حين رأى شكاياته رفضت !! وعوضا عنها أعطيت أكاليل مجد لمن أشتكى عليهم بسبب انتصارهم عليه في قتاله !!

يقول القديس مقاريوس الكبير ( حسب التدبير الإلهي فإن الشيطان لا يرسل للحال إلى مكان العذاب المعد له . لكن يسمح له أن يكون مطلق السراح ، لتجربة وغواية البشر ، حتى ما يصبح القديسون – وإن كان هذا ضد خططه – أكثر براً بالصبر ، ويكون بهذا سبباً لمجد أعظم منه ) .

والأمر الذى مازال يثير الدهشة ، إن الشيطان على الرغم من خبرته الطويلة وحنكته في القتال ، فإنه لم يقدر أن يدرك إنه حينما يدخل في قتال معنا ، فإنه إنما يسعى فقط لتجديد القتال القديم الذى انتهى باندحاره الأبدي عند الجلجثة !! إنه لا يقاتل الإنسان الضعيف ، بل الله الذى أخذ جسدنا ، وسحقه تحت اقدامه بالصليب ، وكسر مصاريع النحاس ، وقطع عوارض الحديد (مز١٦:١٠٧)

٢- الشيطان محدود في إمكانياته 

لعل أول ما يجب معرفته  عن الشيطان ، انه محدود في إمكانياته … وعلى الرغم من هذه المحدودية ، فيجب الاعتراف أنه خصم لا يستهان به .

والنفس التي تستهين به لا بد وأن تصبح يوماً من ضحاياه !! ومما ورد في سفر دانيال يمكننا أن نأخذ فكرة عن قوة هذا العدو .. فلقد صلى دانيال إلى الله ، وأرسل جبرائيل أحد رؤساء الملائكة ليبلغ دانيال رسالة من الله .

وظل النبي ينتظر واحداً وعشرين يوماً رد السماء !! وأخيراً ظهر أمامه رئيس الملائكة جبرائيل وقال له : ” لا تخف يا دانيال ، لأنه من اليوم الأول الذى فيه جعلت قلبك للفهم ولازلال نفسك قدام إلهك سمع كلامك ، وأنا اتيت لأجل كلامك .

ورئيس مملكة فارس وقف مقابلي واحداً وعشرين يوماً .وهوذا ميخائيل واحد من الرؤساء الأولين جاء لإعانتى ، وأنا ابقيت هناك عند ملوك فارس . وجئت لأفهمك ما يصيب شعبك في الأيام الأخيرة (دانيال١٠: ١٢– ١٤) .

وتفسير هذا الكلام أن دانيال حينما بدأ يصلى استجاب الله صلاته وصدر أمره ، وكلف رئيس الملائكة جبرائيل أن يبلغ دانيال رسالة الله وأمره .

ولكن جبرائيل تأخر عن الوصول إلى دانيال ثلاثة أسابيع لأن رئيس من الشياطين وهو الموكول بمملكة فارس التي كان منها دانيال – وقف مقابل جبرائيل ومنعه طوال هذه المدة من الوصول إلى دانيال ، لولا أن رئيس الملائكة جبرائيل ذهب لنجدته !!

لعل هذه الإشارة تعطينا فكرة عن تنظيم مملكة إبليس ، وكيف إنه خصم لا يستهان به ، إذ استطاع أن يعوق واحداً من رؤساء الملائكة وهو جبرائيل لمدة ثلاثة أسابيع !!

وأنا لا أسوق هذا المثال عن قوة إبليس لكى نلقى الروع في أنفسنا ، إنما لكى نعرف حقيقة أمره … هذا ، ومن ناحية أخرى فإن الخوف من الشيطان أكثر من اللازم من شأنه أن يضعف من قوة الإنسان المعنوية وفيه نوع من تجاهل مواعيد الله حيث وعد أنه يحارب عنا ، وإنه معنا كل الأيام حتى انقضاء الدهر (رومية ٨: ٣١)، (مت٢٨ :٢٠) .

معلومات الكثيرين عن الشيطان خاطئة … انكر البعض وجود شيء إسمه الشيطان ، بينما يبالغ البعض الآخر في قوته وإمكانياته وقدراته وكأنه إله ثان مقابل الله ، موجود فى كل مكان ويعلم كل شيء ، بل ويستطيع الكثير !!

لكن لنذكر دائماً أن الشيطان مخلوق ، ومحدود وله حدود معينه يعمل فيها … وكمثال لانحراف البعض نذكر من يقصدون السحرة والعرافين ومن اليهم ممن يعملون الزار ويقدمون ذبائح بمواصفات معينة كطلب الأرواح الشريرة أو الدجالين.

الالتجاء للسحرة والعرافين خطيئة كبيرة جداً، مهما قيل من أسباب ومبررات لا محل لذكرها … ونعرض الآن لبعض مما يجب معرفته عن الشيطان :

أ – الشيطان ليس موجوداً في كل مكان :

لا يمكن بحال من الأحوال أن يكون الشيطان موجوداً في كل مكان . فالوجود في كل مكان صفه من الله غير المحدود وحده ، الأمر الذى لم يعط لملائكة أو لشياطين . وإذا وجد روح في مكان ما ، فلا يمكن ان يكون هذا الروح في مكان آخر في نفس الوقت … حقيقة أن الأرواح تستطيع الانتقال بسرعة فائقة ، لكن ومع ذلك فلا يمكن أن يوجد أي روح مخلوق في مكانين في وقت واحد ، الشيطان لا يمكنه أن يوجد في مكانين في وقت واحد ، وإن كان يستطيع – بواسطة جنوده الأشرار العديدين – أن يتعامل مع كل نفس . كما يستطيع أن ينفذ خططه عن طريق عملائه ووكلائه الأشرار المنتشرين في كل مكان !!

ب – الشيطان لا يعرف الأسرار ولا يعلم كل شيء :

الشيطان لا يعرف كل شيء أو يعلم الأسرار الخفية ، فهذه الصفة – معرفة كل شيء والعلم بكل شيء – من صفات الله وحده … والإنسان يحزن ويندهش حينما يرى بعض ممن يعتبرهم مثقفين يقصدون من يحسب لهم الطالع ويدلهم على المستقبل ويحضر لهم الأرواح … إلخ !! نحن لا ننكر أن الشيطان رغم سقوطه فإن لديه معلومات ومعرفة أوسع من التي لنا ، بحكم وجوده مع كائنات روحية أخرى وبحكم طبيعته الأولى .

وهى طبيعة روحانية … لكن مع كل ذلك فإن معلوماته محدودة ومعرفته محدودة أيضا. يضاف إلى ذلك – كما يقول القديسون – إن المعلومات التي يأتي بها الشيطان هي نتيجة خبرته الطويلة بحكم عمره الطويل جداً ، وما يترتب على ذلك من استنتاج ، وكذا بحكم إمكانية الانتقال السريع جداً الذى له … فمثلاً قديماً كان يمكنه أن ينبئ بحالة  فيضان النيل في أحد الأعوام … فحينما يرى الأمطار تهطل بغزارة على هضبة الحبشة يعرف أن الفيضان عال ، بينما آثار الفيضان لكى تصل إلى مصر تحتاج إلى وقت كبير نسبياً . والعكس في حالة الأمطار القليلة … وهنا نرى أن إنباءه بما سيحدث في المستقبل لا يرجع إلى معرفة بل إلى ملاحظة بالإضافة إلى عوامل أخرى !!

ويمكن أن ينبئ عن إنسان مقيم في أمريكا أو استراليا أنه سيحضر غداً مثلاً ، فقد رآه يستقل الطائرة في طريقه إلى مصر قبل أن تكون لدينا هذه المعرفة ، وهكذا …

ج – الشيطان لا يقدر على قراءة أفكار البشر ولا يعرف ما في قلوبهم :

دور الشيطان في حربه مع الإنسان هو الغواية فقط . ولا يستطيع الشيطان أن يعرف مدى تأثر غوايته الشريرة لإنسان ما ، إلا بقدر ما يظهر هذا الإنسان من أحاسيس وانفعالات خارجية كدليل على ذلك . ومنها وبها يستطيع أن يستنتج .يقول سليمان الملك ابن داود في صلاة تدشين الهيكل : ” لأنك أنت وحدك قد عرفت قلوب كل بنى البشر ” (ملوك أول ٨ : ٣٩) ..

الله وحده إذن الذى يعرف ما في قلوب بنى البشر . أما الشيطان فلا قدرة له على ذلك … وما أن يلاحظ الشيطان على الإنسان اضطراباً أو خوفاً أو ميلاً للاستسلام نتيجة غوايته ، حتى يضاعف من هجوم بصورة يكتسح معها مقاومته !! لذا ينبغي أن نكون هادئين غير مضطربين في أوقات التجربة ، غير معطين أي علامة خارجية نشجع بها الشيطان …

ولنتذكر كيف أن خبرة  الشيطان الطويلة قد أكسبته حذقاً ومكراً ودهاء في قراءة الانفعالات والعلامات الخارجية التي تصدر من البشر .

د – الشيطان يجرب الإنسان في حدود ما يسمح به الله :

الشيطان ليس حراً في أن يفعل بالإنسان ما يريده . وإلا لو كان الأمر كذلك لأباد الشياطين البشر … لكن الشيطان يجرب الإنسان بسماح من الله وفى حدود ما يسمح به . وقصة  (أيوب ١ – ٢) توضح لنا هذا الأمر تماماً بما لا  يدع مجالاً للشك أو التأويل …

ماذا تقول قصة أيوب ؟

” كان ذات يوم أنه جاء بنوا الله ليمثلوا أمام الرب ، وجاء الشيطان أيضاً في وسطهم . فقال الرب للشيطان من أين جئت . فأجاب الشيطان الرب وقال من الجولان في الأرض ومن التمشي فيها .

فقال الرب للشيطان هل جعلت قلبك على عبدى أيوب ، لأنه ليس مثله في الأرض . رجل كامل ومستقيم يتقى الله ويحيد عن الشر . فأجاب الشيطان الرب وقال هل مجاناً يتقى أيوب الله . أليس انك سيجت حوله وحول بيته وحول كل ما له من كل ناحية . باركت أعمال يديه ، فانتشرت مواشيه في الأرض .

ولكن ابسط يدك الآن ومس كل ما له فإنه في وجهك يجدف عليك . فقال الرب للشيطان هوذا كل ما له في يدك . وإنما إليه لا تمد يدك . ثم خرج الشيطان من أمام وجه الرب ” .

ثم أخذ الشيطان يمارس نشاطه أو هوايته الشريرة فحلت الكوارث بأيوب وبيته : ضاعت أبقاره واتنه ، ومات غلمانه بجد السيف ، واحترقت أغنامه بالنار وكذلك غلمانه ، ومات أولاده وبناته …

” فقام أيوب ومزق جبته وجز شعر رأسه وخر على الأرض وسجد . وقال عريان خرجت من بطن أمي ، وعرياناً أعود إلى هناك . الرب أعطى والرب أخذ فليكن اسم الرب مباركاً . في كل هذا لم يخطئ أيوب ولم ينسب لله جهالة ” .

مرة ثانية يتكرر الأمر ويظهر الشيطان أمام الله . ويقول الرب للشيطان : ” هل جعلت قلبك على عبدى أيوب ، لأنه ليس مثله في الأرض . رجل كامل ومستقيم يتقى الله ويحيد عن الشر . وإلى الآن هو متمسك بكماله . وقد هيجتنى عليه لابتلعه بلا سبب . فأجاب الشيطان الرب وقال جلد بجلد وكل ما للإنسان يعطيه لأجل نفسه ولكن أبسط يدك ومس عظمه ولحمه فإنه في وجهك يجدف عليك . فقال الرب للشيطان ها هو في يديك ، ولكن احفظ نفسه . فخرج الشيطان من  حضرة الرب وضرب أيوب بقرح ردئ من باطن قدمه إلى هامته … في كل هذا لم يخطئ أيوب بشفتيه ”

كانت تجربة أيوب الأولى في أولاده وممتلكاته ، والتجربة الثانية صارت في جسده وواضح جداً من هاتين التجربتين أن الله كان يسمح للشيطان بتجربته في حدود معينة .

ولماذا يسمح الله بالتجربة في حدود معينه ؟ … لأن الله – في عدله – لا يسمح أن يجرب الإنسان فوق طاقته واحتماله … وإذا سلمنا أن الله عادل ، وهو كذلك ، فإنه لا يسمح بتجربتنا فوق ما نطيق … يقول معلمنا بولس : “لَمْ تُصِبْكُمْ تَجْرِبَةٌ إِلاَّ بَشَرِيَّةٌ. وَلكِنَّ اللهَ أَمِينٌ، الَّذِي لاَ يَدَعُكُمْ تُجَرَّبُونَ فَوْقَ مَا تَسْتَطِيعُونَ، بَلْ سَيَجْعَلُ مَعَ التَّجْرِبَةِ أَيْضًا الْمَنْفَذَ، لِتَسْتَطِيعُوا أَنْ تَحْتَمِلُوا. (كورنثوس الأول١٠: ١٣) .

ونلاحظ هنا أن التجربة لا تكون فقط على قدر طاقة الإنسان ، بل أن الله في حنوه يعطى منفذاً مع التجربة … يقول أحد الآباء الروحيين : ( إن الله لا يرفع التجربة لأنها مفيدة للإنسان ، لكن فائدة المنفذ أنه يعطى الإنسان قوة على احتمال التجربة … ولو لم تكن التجربة لخير الإنسان لما سمح الله بها ) …

ويؤكد الوحى الإلهى بلسان بطرس الرسول أن الرب لا يتباطأ عن وعده (بطرس الثانية٣: ٩) .

وعلى هذا نقول : إنه يخطئ من يظن أن الشياطين تستطيع أن تفعل كل ما تريد ، إنما يحاول الشيطان أن يوهم الناس ويلقى في روعهم أنه يقدر على عمل أيه شيء … ولكنه في هذا – كما في أمور أخرى – كذاب وأبو الكذاب (يوحنا ٨: ٤٤) …

من الضروري جداً أن نعرف أن الشيطان ليس له سلطان على أولاد الله … يقول بطرس الرسول: ” ابليس خصمكم كأسد زائر يجول ملتمساً من يبتلعه هو . فقاوموه راسخين في الإيمان ” (بطرس الأولى ٥: ٨ – ٩) … لنتأمل هذا القولً الإلهي إبليس كأسد زائر ، يجول ملتمساً من يبتلعه … والرسول هنا يشبه الشيطان بأسد يزأر . والأسد لا يزأر إلا إذا كان جائعاً … ثم ماذا ؟ هذا الأسد القوى الجائع يجول ملتمساً من يلتهمه … وواضح أنه في جوعه يبحث عن إنسان ويلتمس التهامه …

هذا الوصف لا يتفق مع عدو له مطلق القوة والحرية أن يفعل … ولو كان للشيطان هذا السلطان وهذه الحرية لا ابتلع أي أحد طالما هو جائع. إنما هو يبتلع من يخشاه ويهابه ويقف له ، ليلتهمه كأسد ، وبسلم ذاته بإرادته له …

يقول القديس يوحنا ذهبي الفم: ( إن الشمس ليست واضحة كوضوح العناية الإلهية . ومع هذا يتجاسر البعض قائلين بأن الشياطين تسيطر على شئوننا. إن لك سيداً محباً ، لم يقبل أن يأتمن الشياطين على شئونك ، ولو أنه تركك بين أيديهم لكنت تعرف شرورهم ).

نحن نعرف قصة مجنون كوره الجدريين الذى كان يسكنه لجئون من الشياطين أي فرقة كبيرة من الشياطين . وحالما اقترب المسيح من المكان الذى كان فيه هذا الإنسان البائس ، صرخ الروح النجس وقال : ” مالي ولك يا يسوع ابن الله العلى . استحلفك بالله ألا تعذبنى ” ثم طلبت الشياطين من الرب يسوع أن يأذن لها بالدخول في قطيع كبير من الخنازير كان يرعى هناك فأذن لها . فخرجت الأرواح النجسة ودخلت في الخنازير ، فاندفع القطيع إلى البحر (مرقس ٥ :١-١٣) . واضح هنا أنا الشياطين طلبت من المسيح أن يأذن لها أن تدخل في قطيع الخنازير فأذن لها. ولو لم يأذن لها لما دخلت … ماذا نسمى هذا ؟ هل الشيطان يستطيع أن يفعل كل ما يريده ؟

بعد أن تكلمنا عن محدودية  الشيطان في إمكانياته  ، ننتقل الآن للكلام عن الشيطان في صفاته وأساليبه …

٣ – الشيطان في صفاته وأساليبه :

من المفيد أن نتوقف قليلاً لنعرف بعض صفات الشيطان وأساليبه  في الحرب الروحية .

أ – الخداع :

هو سلاح الشيطان الرئيسي والذى يحارب به منذ البداية … أول ما نقرأ عن الشيطان في الكتاب المقدس ، نقرأ عنه كمخادع ، يعمل على خداع امنا حواء وغويتها ، أن تأكل من الشجرة المنهى عنها .. ويشير إلى ذلك معلمنا بولس الرسول فيقول إن الحية خدعت حواء بمكرها (كورنثوس الثانية١١ : ٣) ، وأن المرأة أغويت حواء فحصلت في التعدى (تيموثاوس الأولى٢ :١٤) …

وقد حذر الرسل المؤمنين من خداعة ،فهو يستحوز على ولاء البشر بأن يعمى أذهان غير المؤمنين لئلا تضئ لهم إنارة إنجيل مجد المسيح (كورنثوس الثانية٤ : ٤) ومن أساليب خداعه  أنه يستطيع تغيير شكله إلى شبه ملاك نور (كورنثوس الثانية ١١: ١٤) وبواسطة مكائده وعجائبه الكاذبة يضل لو أمكن المختارين أيضاً كما قال رب المجد (مرقس١٣: ٢٢) … من أجل هذا أوصانا السيد المسيح أن نسهر ونصلى .

ولعل أكبر خدعة يلعب بها الشيطان حالياً ، هي محاولة إيهام بعض الناس أنه لا يوجد شيء اسمه شيطان !! … ماذا نسمى هذا ؟ هل نسميه إنكار ذات ؟ !! في العالم الغربي الآن لا يعترفون بوجود أرواح شريرة أو وجود شياطين . ولا شك أن هذه خدعة بارعة منه … أما الغرض من هذا الخداع فهو ألا يحترس الناس منه .

إنه يشجع الناس ألا يهتموا كثيراً به ، حتى يقعوا بسهولة في حبائله … إن من ينكر وجود الشياطين والأرواح الشريره ينكر تعاليم الأسفار المقدسة . والأمر واضح جداً لا سيما في أناجيل العهد الجديد وبقية أسفاره .

ب – حنكته وحكمته :

والحكمة هنا بطبيعة الحال ليست الحكمة الممدوحه الجيدة ، بل الحكمة الرديئة أو ما يمكن أن نسميه المكر التي يدعوها يعقوب الرسول ” أرضية نفسانية شيطانية ” (يعقوب٣ : ١٥) … وتعتبر خبره الشيطان في التعامل مع البشر من أقوى وسائل حروبه. فخبرته ترجع إلى آلاف السنين ، بينما لا يتعد الإنسان في عمره سنوات قليلة وبالتالي خبرته … أضف إلى هذا أن الشيطان تعامل مع ملايين البشر ، وربما سيطر على بعضهم . ويعتبر من الغباوة لو ظننا أن هناك شيئاً فينا لم يقابل مثله مع أحد اسلافنا . فالبشر هم البشر في كل زمان ومكان .

ج – يحارب في أقداس الأمكنة والأوقات :

إن عدونا يحارب في كل مكان حتى في أقدس الأمكنة … بعض الناس يظنون خطأ أن الشيطان لا يستطيع دخول الكنيسة … لا ، إنه يدخل الكنيسة ويحاربك بالفكر حتى وأنت تستعد لتناول الجسد المقدس … يقول أحد الآباء أنه لا يوجد موضع أو مكان مهما كان مقدساً ، لا يحارب فيه الشيطان الإنسان …

نحن نعلم كيف آخذ الشيطان رب المجد يسوع أثناء التجربة – طبعاً بإرادته – إلى جناح الهيكل … يقول القديس يوحنا ذهبي الفم إنه رأى الشيطان بين الصفوف الأولى للكنيسة – أي صفوف المؤمنين المستعدين للتناول … إلى آخر لحظة هو يحارب المؤمنين القديسين الذين حضروا للتناول المقدس !!

ولعل أفضل علاج له هو المقاومة ” قاوموا إبليس فيهرب منكم ” (يعقوب٤ :٧) . يصف القديس مقاريوس الكبير الشيطان إنه كالكلب الذى يقف أمام حانوت القصاب ( الجزار ) … لو أعطى القصاب الكلب قطعة  واحدة من العظم مثلاً فإنه لن يتركه ، بل يظل مربوطا عنده . لكن إذا لم يلتفت إليه ، فإنه يتحول إلى مكان آخر وشخص آخر لعله يعطيه ما يأكله .

٤ – أسباب قوة الشيطان :

يجب ألا ننسى ونحن نتكلم عن أسباب قوة  الشيطان ، ان ذلك يرجع إلى طبيعته القديمة كرئيس طغمة من طغمات الملائكة الذين سقطوا . لأنه لم يفقد شيئاً من طبيعته القديمة – تلك الطبيعة الروحانية …  والآن نتقدم لنعدد أسباب هذه القوة :

أ – نشاطه :

إنه لا يهدأ ولا ينعس … قال لأحد الرهبان المجاهدين : ” أنت تسهر وأنا لا أنام … أنت تصوم وأنا لا آكل . أنت لا تغلبنى بشئ إلا بالتواضع ” … ربما هدأت الحرب الروحية في بعض الأحيان .

لكن ما يبدوا أنها فترات هدوء في الحرب الروحية ، ليس سوى فترات يأخذها عدوا الخير لدراستنا بأكثر دقة ، وليدبر أساليب أكثر خداعاً للفتك بنا … حتى في لحظات هزيمته ، نجده يقظاً لاسترداد ولو منفعه تافهة … فمثلاً إذا ظفرنا في إحدى حروبنا معه ، ونحاول أن نسترد أنفسنا ونستريح ، نجده يرمينا بطعنة كبرياء بسبب نصرتنا عليه !!

ب – لا يدع فرصة تفلت منه :

الشيطان لا ينتظر حتى تواتيه الفرصة للإيقاع بالإنسان في الشر لكنه يعمل بلا هوادة ليخلق فرصاً ” إنه يجول ملتمساً من يبتلعه ” … أي أنه يبحث عن فريسة … نحن بحاجة أن نتعلم من الشيطان الدأب وعدم ترك أي فرصة دون أن نستفيد منها ونستثمرها روحياً .

ج – إصراره وعناده  :

على الرغم من مقاومة الإنسان للشيطان ، واحباط خططه في بعض الأحيان في بعض التجارب ، لكن الشيطان لا يكف عن معاودة الهجوم واستئناف القتال . ومهما أنزل الإنسان به من هزائم ، فهو لا يفقد الأمل في إسقاط الإنسان ، واحتلال القلب الذى يملك الله عليه … إنه لا ييأس ولا يستحى … وليتنا نقتدى به أيضاً في هذه النقطة ، ونغصب أنفسنا إلى وسائل جهادنا .

د – صبره ومثابرته :

الشيطان ينتظر الوقت الملائم . فإذا وجد الإنسان مثلًا في جو الخطية لا يسرع بأسقاطه ، لكنه ينتظر عليه حتى يألف جو الخطية ومنظر الشر ، ويكون الشيطان في هذه الفترة قد أحكم تقييده !! ومن كثرة اعتياد الإنسان الخطية تصبح لديه كشرب الماء . لكنه لو سارع بأسقاطه فربما يفيق الإنسان نتيجة هذا السقطة السريعة !! إن الشيطان يبدأ بالخطايا الصغيرة حتى يصل إلى الكبيرة … إنه يصبر على النفس لتصبح مشاعرها أكثر بلادة ، ويصبح الضمير أقل حساسية .

ه – تكيفه مع كل الظروف لإسقاط الإنسان :

وهذا واضح من تجربة إبليس لربنا يسوع في البرية (مت ٤: ١ –١١) . حينما لاحظ إبليس أن السيد المسيح في رده على التجربة الأولى قد اقتبس من سفر التثنية ” ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان ” (تثنية٨ : ٣) ، فإنه في التجربة الثانية نلاحظ أنه يغير خطته … ففي هذه المرة يقتبس إبليس مما ورد في مزمور ٩١ ” أنه يوصى ملائكته بك ، فعلى إياديهم يحملونك لكى لا تصدم بحجر رجلك ” … إنه ليس مانع من الاستشهاد بالكتب المقدسة والاقتباس منها ، لو كان ذلك يحقق غرضه ، على الرغم من أنه لا يطيق سماع كلام الله … ليس لدى إبليس مانع من أن  يدفع إنساناً للذهاب إلى الكنيسة ، لو عرف أنه يمكن اصطياده هناك . وما أكثر العثرات . إنها موجودة في كل مكان .

– و إن كنا قد عرضنا فيما سبق لأسباب قوة الشيطان ، فكما أشرنا إلى ذلك قبلاً ، إننا لم نفعل ذلك يزداد خوفنا منه ، لكن لكى نعرف قوة عدونا ، فلا نستهين به ، فالاستهانة هي من أسباب السقوط … لنثق تماماً ونحن نحارب أعداءنا الروحيين ، أننا إنما ننتصر عليهم بالقوة التي لنا في شخص المسيح المبارك ، التي استودعها أسرار الكنيسة المقدسة … نحن ، كما يقول الرسول بولس ” أعضاء جسمه ( جسم المسيح من لحمه ومن عظامه ” (أفسس ٥ :٣٠) … لذا فنحن نتعامل بقوته التي قهر بها إبليس وهو بالجسد … وطالما نحن متحدون بالرب فنحن لا ننهزم لكن الهزيمة تحيق بنا وتحلقنا حينما ننحا نحن من هذه الرابطة المقدسة والوحدة الكائنة معه .

أعوان الشيطان

الشيطان لا يعمل بمفرده ، لكن له أعواناً كثيرين يستخدمهم ويعتمد عليهم في تنفيذ مخططاته وإرادته .. إنه يتكلم فيهم ويعمل بهم .. ولا يجب الاستهانة بمثل هذه الحرب . فما أكثر المتاعب التي يسببها الناس لأخواتهم … ومنذ البداية نلاحظه يركز لهذا الأسلوب ، حينما دخل في الحية وتكلم فيها وأسقط أبوينا الأولين …

لقد عانى ربنا يسوع المسيح كثيرا من اليهود إخوته ومعلميهم الذين كان الشيطان يتكلم فيهم ، حتى أن السيد المسيح قال لهم في احد المرات ” أنتم تعملون أعمال أبيكم . فقال له إننا لم نولد من زنا . لنا أب واحد وهو الله . فقال لهم يسوع .. أنتم من أب هو إبليس وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا ” (يوحنا ٨ :٤١ -٤٤) … بل أن حياة المسيح بالجسد على الأرض تقدم لنا صورة متكاملة لألاعيب الشيطان ، وكيف كان يرسل أعوانه ليتصدوا للمسيح محاولين أن يصطادوه بكلمة .

وقد استطاع الشيطان أن يحرك الجموع وعلى رأسهم. رؤساء كهنة اليهود لكى يحكم على الرب يسوع بالموت صلباً وقد قبل المسيح  كل ذلك بارداته لأنه لهذا أتى إلى العالم ، لأجل خلاص البشر .

وعن ذلك يقول الرسول بولس : فتفكروا في الذى ( الرب  يسوع ) أحتمل من الخطاة مقاومة  لنفسه مثل هذه ، لئلا تكلوا وتخوروا في نفوسكم ” (عبرانين١٢: ٣) .

عينة أخرى من أعوان الشيطان وما يمكن أن يفعلوه ، ما ذاقه بولس الرسول من اليهود والأمم على السواء ، بل من بعض المسيحيين الهراطقة الذين دعاهم ” إخوة كذبة ) (كورنثوس الثانية ١١ – ٢٦) (غلاطية ٢ : ٤) … بل أنه يدعوهم وحوشاً فيقول ”  إن كنت كإنسان قد حاربت وحوشاً في أفسس ” (كورنثوس الأولى١٥ : ٣٢) … وقد أذاق عملاء إبليس القديس ألواناً من العذاب والضيقات ، حتى أنه قال لأهل كورنثوس ” فإننا لا نريد أن تجهلوا أيها الإخوة من جهة الضيقات التي اصابتنا في آسيا ، إننا تثقلنا جداً فوق الطاقة حتى ايسنا من الحياة أيضاً .

لكن كان لنا في انفسنا حكم الموت لكى لا نكون متكلين على أنفسنا بل على الله الذى يقيم  من الأموات. الذى نجانا من موت مثل هذا وهو ينجى ” (كورنثوس الثانية١ : ٨ – ١٠) …

وفى رأيي لا علاج لأعوان الشيطان وما أكثرهم – سوى الصلاة من أجلهم لكى يفيقوا لأنفسهم ويدركوا أنهم يتممون مشيئة إبليس ، فيثوبوا إلى رشدهم ويعودوا إلى صوابهم ، وإلى الرب فيرحمهم .

١– الإنسان ذاته

كثيراً ما ينسب الإنسان أخطاءه للشيطان . فيقول الشيطان أغوانى … الشيطان ضحك على … الشيطان اوقعنى … وهكذا وهكذا … لكن الأمر بهذه الصورة لا يعبر عن الحقيقة . لكن هناك بعض الأمور نود أن نكشفها حتى نتفهمها ونحترس منها …

١- إن كان الشيطان هو عدو الإنسان الأول ، فليس معنى ذلك أنه هو مصدر جميع المتاعب والخطايا . فكثيراً ما يكون الإنسان نفسه هو مصدر التعب لنفسه … يقول يعقوب الرسول ” لا يقل أحد إذا جرب إني أجرب من قبل الله .

لآن الله غير مجرب بالشرور ، وهو لا يجرب أحداً . ولكن كل واحد يجرب إذا أنجذب وأنخدع من شهوته ” (بعقوب ١: ١٣ – ١٤) … والرسول بولس يقول ” ولكنى أرى ناموساً آخر في أعضائي يحارب ناموس ذهنى ، ويسبينى إلى ناموس الخطية الكائن في أعضائى . ويحى أنا الإنسان الشقى من ينقذنى من جسد هذا الموت ” (رومية ٧: ٢٣- ٢٤) .. هذا الكلام تصوير للشهوات الداخلية التي تشد الإنسان … ودون الدخول في تفصيلات نقول أن هذه الحالة التي يشير إليها الرسول بولس تحتاج إلى جهاد ويقظة روحية .

نعود إلى ما سبق قوله إن حياة الإنسان الذى يريد أن يكمل الطريق إلى الله يجب ألا تخلوا من الجهاد ” لا نكلل إن لم نجاهد قانونياً “( تيموثاوس الثانية ٢ : ٥) .

والجهاد سمة في حياة الإنسان على المستوى الاجتماعي المادي وعلى المستوى الروحى … فبدون جهاد لن يحقق الإنسان لنفسه ما تصبوا إليه … كل شيء يحتاج إلى تعب ومشقة لقد كان هتاف النصرة الذى انبعث من قلب المجاهد العظيم بولس الرسول ” وأخيراً وضع لى إكليل البر ” ، حينما كان قاب قوسين أوأدنى من الاستشهاد ، مصدره أنه جاهد الجهاد الحسن وأكمل السعي (تيموثاوس الثانية ٤ : ٧) … نعم لقد جاهد هذا الكارز العظيم .

حتى وهو في أوج حياته الروحية ، والرؤى والإعلانات التي كانت تعلن له ، لم يتخل عن الجهاد ، بل نسمعه يقول عبارة عجيبه ” أقمع جسدي واستعبده ” (كورنثوس الأولى ٩ : ٢٧) … طوباك يا معلمنا بولس الرسول ، وطوبى لكل من تتلمذ لك

٢- الملل من الطريق

الإنسان هو الكائن الوحيد القائم باتحاد الروح بالجسد . هو ليس روحاً خالصاً ولا جسداً خالصاً . لكن لكل من هذين العنصرين رغباته ومتطلباته . وهو رغبات متعارضة . فالجسد يشتهى ضد الروح ، والروح ضد الجسد ، وهذان يقاوم أحدهما الآخر ، حتى تفعلون ما لا تريدون (غلاطية ٥ : ١٧) …

هذا الصراع القائم في الإنسان لا يعطيه استقراراً وسلاماً وراحة إلا بأن يغلب الروح على الجسد ، ويصبح الجسد تحت سلطان الروح . لذا يكمل الرسول بولس بعد كلامه السابق مباشرة ويقول ” لكن إذا إنقدتم بالروح ( الروح هي التي صار لها القيادة ) فلستم تحت الناموس .

وأعمال الجسد ظاهرة التي هي زنى عهارة نجاسة دعارة … ولكن الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات . إن كنا نعيش بالروح فلنسلك أيضاً بحسب الروح ” (غلاطية ٥: ١٨-٢٥) .

قد يلحق الإنسان الملل من طول الطريق . أولا لأنه لا يرى شيئا أمامه ، والإنسان يتأثر بالمحسوسات . وثانياً ، ربما حاربه الشيطان بالشك في كل مواعيد الله … بل في وجود الله ذاته ، والسماء والأبدية !! لكن على الأنسان أن يجعل هدفه واضحاً في حياته الروحية ، وإيمانه في الله صادقاً . وعليه أن ينمى حبه لله لحظة بعد أخرى ، يحس برفقة الرب يسوع له في الطريق … حينئذ يستهين بكل مصاعب الطريق ، متشبهاً بالمسيح نفسه … ” لنطرح كل ثقل والخطية المحيطة بنا بسهولة .

ولنحاضر بالصبر في الجهاد الموضوع أمامنا . ناظرين إلى رئيس الإيمان ومكملة يسوع ، الذى من أجل السرور الموضوع أمامه احتمل الصليب مستهيناً بالخزي فجلس في يمين عرش الله . فتفكروا في الذى احتمل من الخطاه مقاومة لنفسه مثل هذه ، لئلا تكلوا وتخوروا في نفوسكم . لم تقاوموا بعد حتى الدم مجاهدين ضد الخطية ” (عبرانيين١٢: ١-٤) .

الرب يبارك على الكلمة، ويكشف أمامنا كل حيل إبليس  ، ويبطل مكايده ، ويقوينا في ضعفتانا ، ويعيننا في الطريق إليه ، وله كل المجد[9] .

 

 

ابطل مؤامرة المعاندين النصرة علي الشيطان للمتنيح الانبا كيرلس مطران ميلانو

(۱) يا رب أبطل مؤامرة المعاندين لنا 

بحب عجيب يحتضن الرب كل الخليقة … ويتبنى كل مولود في الكنيسة . وبين ذراعيه يحمله … ويقف به أمام المعاند … ويظهر أبوته الحقيقية ، ورعايته لبدا الغنم الناطق … الغنم الصاعد من العمق … والطالع من البرية معطر ومستند على المسيح الحبيب (نش٨ : ٥)

عندما نطير بأفكارنا في الكتاب المقدس ، نتمتع برحلة روحية … نرى فيها يمين الله … وكيف كان يسند شعبه … وكيف أبطل مؤامرة المعاندين لهم …

لقد أنقذ الله إبراهيم وسارة من أبيمالك ملك جرار … ونجى يوسف من أخوته الذين ألقوه في البئر ، وباعوه للإسماعيليين … وحفظه من زوجة فوطيفار …

وأنقذ الله موسي وشعبه من مكائد وحيل فرعون … وعبر بهم إلى البرية بعدما موسي وشعبه من شق لهم طريقا في البحر … وأغرق فيه جيوش ومركبات المعاند … لقد حارب عن الملك يهوشافاط الذي وقف ونظر خلاص الرب … وأبطل مؤامرة هامان وصلبه على الخشبة التي صنعها لمردخاي ، ونجى استير وشعبها من الهلاك ، وأطفأ لهيب النار للفتية الثلاثة ، وسار في وسطهم … حفظ دانيال في جب الأسود … وقضى على جليات الجبار ، وحبسه في يمين الفتى داود … كما أنقذ داود من شاول الملك مرات عديدة ، وأبطل مشورة أخيتوفل …

من أولئك الذين سندهم الرب في زمان غربتهم .. نتعلم أن النظر في خلاص الرب من المعاندين أعمق وأقوى من التأمل في مؤامراتهم كما قال المرنم “عيناي تنظران إلي الرب في كل حين ، لأنه يجتذب من الفخ رجلي ” (مز٢٥ : ١٥) .

الكل هتف بفم واحد وقال مع المرنم ” يمين الرب صنعت قوة…يمين الرب رفعتني … أحاطوا بي احتياطا واكتنفوني … وباسم الرب قهرتهم .. أحاطوا بي مثل النحل حول الشهد . والتهبوا كنار في شوكك … دفعت لأسقط والرب عضدني ” (مز۱۱۸: ۱۰) .

حكمة لمعرفة حيل الشياطين وقوة للانتصار عليهم :

أعطى الرب لرسله الكرام فما وحكمة … أعطاهم حكمة فعرفوا بها حيل المعاندين … وأعطاهم فما قريبا من أذن الله . يطلبون به قوة تنصرهم على مقاوميهم … فقد قال لهم ” ها أنا أعطيكم فما وحكمة لا يستطيع جميع معانديكم أن يقاوموها أو يناقضوها ” (لو٢١: ١٥)

لقد تركوا لنا في التقليد طقس صلاة المعمودية … وترى فيها صورة لجبروت الله ، وقدرته علي جحد الشيطان … وكل حيله الرديئة والمضلة … وتتذكر كيف يقف الرب ويشمر ذراعه (أش٥٢: ١٠) ويحارب عنا ليخلص الداخلين إليه بالمعمودية .. وللداخلين فيها نطلب من السيد الرب لكي يفتح عيونهم فيستضيئوا بضياء انجيل الملكوت … وأن تصحب حياتهم ملائكة النور لتخلصهم من كل مؤامرة .. ومن المصائد الرديئة … ومن السهم الطائر في النهار ، من شيطان الظهيرة … ومن الظلمة وخيال الليل … والنجاة من الروح الخبيث ومن القلق … والقضاء علي روح محبة الفضة ، وروح الكذب … وكل نجاسة[10]

 

 

يستعمل أسلحة النصرة ضد الخطية للمتنيح القمص يوسف اسعد

الأنسان التائب

 طبيعة صراع التائب مع الشيطان :

حينما تلتقى نعمة الله مع التائب، وتقوده إلى التوبة الصادقة في محضر الله والكنيسة والناس.. فإنه يخرج من قبالة الله مع كل ضعفة من ضعفاته

بكل القوة الكائنة في الله المحب الذي وعد أن «يعطي المعی قدرة، ولعديم القوة يكثر شدة» (أش ٤٠: ٢٩) .

إن الإنسان الذي نفر من الخطية وأقر بها يجد ذاته في محضر الله القوى الذي يقف معه في كل صراع ضد إبليس ويغلب أيضاً.

ونشكر الله أنه إختار لنفسه لقب «الأسد الخارج من سبط يهوذا» (رؤ٥ :٥)، لأنه إن كان إبليس خصمنا «أسد زائر يجول ملتمساً من يفترسه» (۱بط ٥ : ٨).

فإلهنا في قوته أسد غالب بالنصرة يحامی عنا ويغلب بقوة. ما أعظم ما اختبره مار بولس الرسول إذ قال «ولكن الرب وقف معی وقواني لكي تتم بي الكرازة ويسمع جميع الأمم فأنقذت من فم الأسد وسينقذني الرب من كل عمل رديء ويخلصني ..»  (٢تى٤ :١٧- ١٨)

إن ملكوت الله الذي قال عنه الرب يسوع أنه «في داخلكم» يأتي إلى التائب الذي فرغ ذاته أمام الله والكنيسة، ليحل في داخله بقوة وشدة تؤازر» مؤازرة  صادقة ضد عدو الخير.

مبارك هو الرب الذي أعطى تلاميذه الإثني عشر – كنواة للكنيسة كلها – «قوة وسلطاناً على جميع الشياطين» (لو ۱:۹).

هذه القوة والسلطان مازالت تنتظر التائب وهو يخرج من حجال الله والكنيسة تائباً.. لذلك تجده منشداً نشيد مار بولس الرسول: «فقال لي الرب: إن قوتي في الضعف تكمل» (۲کو ۹:۱۲).

يا عزيزي إن قوة الرب وشدته التي تؤازرك في التوبة، مع اقتدارها في الخلاص والنصرة إلا أنها لا تمثل بالنسبة لك سهولة في الجهاد أو تقدم لك أرضية مفروشة نحو الملكوت.

لأن إبليس ينتظرك بعد كل لحظة مقدسة تقضيها تائباً في محضر الله والكنيسة بمكائد وحيل كثيرة ومتنوعة، ولن يفتر في مهاجمتك مع أنك تحمل قوة الرب وشدته .

وهذه المكائد لم ينجو منها تائب، ولم يخفيها قديس.. لأنها طبيعة في الشيطان أن يقاوم كل سبل الله المستقيمة في التائبين. ولكن هذه الطبيعة الشريرة بنعمة الله تذلل في الحياة التائبة. وإن كان في القديم قد أقام الله فرعون يطغي ويذل شعبه إلا أنه قال لفرعون: «أني لهذا بعينه أقمتك لكى أظهر فيك قوتی ولكي ينادي بإسمي في كل الأرض» (رو۱۷:۹)

(خر٩: ١٦). فقوة الرب وشدته في التائب تذلل كل مكيدة وتظهر كل دنس يلقيه الشيطان بكامل قوته وأسلحته.

الإنسان الذي يقبل المعمودية حينما يرفع يديه ووجهه للغرب ويقول: «أجحدك أيها الشيطان وكل عبادتك المرذولة وكل طرقك، وكل حيلك، وكل سلطائك، وكل جيشك، وكل بقية نفاقك» ثم يتجه للشرق وينادی الرب يسوع «أعترف لك أيها المسيح إلهي وكل نوامیسك المخلصة، وكل خدمتك المحيية، وكل أعمالك المعطية الحياة» .. ذلك المعمد تمتد هبات الخلاص في المعمودية ليبصر وهو تائب قوة الله التي تسنده، ومكايد إبليس التي تنتظره .. وفي ثقة الغالب بالمسيح يرفع يديه إلى فوق ويقول: «أحبك يارب ياقوتی» (مز۱:۱۸) «إسندني فأخلص» (مز۱۱۹: ۱۱۷) .

والمكايد والحيل الكثيرة التي ينصبها الشيطان للتائب كفخاخ لإسقاطه تحت الخطية هي عدته في الصراع الروحي الدائر بينه وبين الرب يسوع في حياة التائب.

وقد يستخدم في ذلك الرؤساء بما يحملون من سلطات، ويجرون مرؤوسيهم في خطايا كثيرة إما فردياً أو بالإشتراك معهم. لقد عمل الشيطان في «حنانيا وقيافا» وهما من رؤساء الكهنة وإستعمل سلطانهم الناموسی ليهيج الشعب الذي كان قد خرج كله وراء المخلص. وهو الذي عمل في نیرون طاغي روما لكي يضيء شوارعها بأجساد القديسين. وهو الذي عمل في تراجان الإمبراطور وهو يصدر حكمه بطرح أغناطيوس حامل الإله  للوحوش. وليس الرؤساء الذين يعطون إرادتهم للشيطان هم وحدهم

الذين يستعملهم الشيطان ضد التائب، بل وأيضاً كل من له سلطان.. في  التربية في داخل البيت، في التعليم، في العمل، في الكنيسة.. كل من له سلطان يسعی نحوه إبليس ليستخدمه ضد التائبين.

أليس هو الذي يعمل في الأم بسلطانها الأموي لکی تجبر إبنتها التائبة على اللبس غير المحتشم أو التزين بمساحيق أو أصباغ كثيرة ؟!  أليس هو الذي يستخدم سلطان الأب ليجبر إبنه التائب على فض صومه والحفاظ على صحته ؟!!

إن الصراع الروحي الذي يقوم بين الله في التائب والشيطان الذي يعمل في أصحاب السلطات صراع مقدس يسند الله فيه التائب الصادق المحب له وللإنجيل.

والله صاحب كل سلطان، حينما يسند التائب بسلطانه الإلهي يستخدم هذا السلطان لخير الناس وخلاصهم وليس لإرعابهم أو إخافتهم.. لذلك توصی أصحاب السلطات ألا يستعملوا سلطانهم إلا في النفع الروحي لمرؤوسيهم وسند كل ما يؤول إلى خلاصهم.

وفي بعض الحالات التي يرى فيها الشيطان تائب نامی بقوة، لم يقع تحت مكيدة من مكائده، يستخدم «جنود الشر الروحيين» في ممارسة الحرب ضده .. وقد يظهرون للتائب في صورة حسية مرئية تثير الرعب في قلبه،تجبره على تغيير مساره.

فحينما رأي أيوب البار «رجل كامل ومستقيم يتقي الله ويحيد عن الشر» أنه لم يكن مثله في الأرض في ذلك الزمان، لم يستحي الشيطان أن يظهر بذاته أمام الله يطلب السماح لتجربته وإتعابه (أي۸:۱-۹) وحينما رأى جهادات أنطونيوس وتصميمه على الوحدة والإنفراد للصلاة إتخذ  أشكال حیات سامة ووحوش ضارية تدخل عليه مغارته لتثير من حوله الرعب.

أما أنطونيوس فكانت قوة الله تظهر معه في مجرد رسمه للصليب فتتحول هذه الأشكال كلها إلى دخان!

يا عزيزي التائب، صراعك مع الشيطان طويل.. طويل، ومستمر إلى اليوم الذي تستريح فيه في أحضان المسيح.

على رأى أبا مقار عندما قال له عند الموت «خلصت يامقارة الآن» فكان رده «لم أخلص بعد» ولم يقل هذه العبارة إلا حينما وجد ذاته في أحضان الرب يسوع فقال «الآن فقط خلصت» .

هذا الصراع الطويل المرير مع الشيطان، لا ترهب فيه شيئاً ولا تتزعزع، پسندك مادمت تطلب سنده، ويحفظك ما دمت تحفظ ذاتك له، ويمنحك قوة بعد قوة ما دمت تعرف أنها« من قوة يمنحها الله» (١بط ١٠:٤).

نعم يا رب «طوبى لأناس عزهم بك. طرق بيتك في قلوبهم. عابرين في وادي البكاء يصيرونه ينبوعاً. أيضاً ببركات يغطون مورة. يذهبون من قوة إلى قوة. يرون قدام الله في صهيون» (مز٥:٨٤- ٧) .

والقوة التي يمنحك الله إياها في صراعك مع الشيطان قوة غير منظورة لكنها محسوسة فيما ترکه لك من أسلحة النصرة تحملها على عنقك وتلبسها كل أيام حياتك..

ما هي هذه الأسلحة ؟

هذا السؤال يقودنا إلى نقطة أخرى..

سلاح الله الكامل

الله في محبته للتائب لا يمكن أن يتركه وحيداً في مجال الصراع مع الشيطان. لكنه بقوة واقتدار يعمل من خلال أسلحة الكمال المسيحي ليسند التائب ويدعم جهاده .

والله « كامل» وفي كماله يمنح السلام الكامل القادر على النصرة ومتابعة الجهاد في كل موقع من مواقع الحرب المريرة التي يشنها الشيطان على التائبين .

وسلاح الله الكامل يعطی کهبة للتائب للمقاومة ضد إبليس، والمقاومة ضرورة لمن يتعرض للهجوم. ولكن كيف يقاوم التائب دون سلاح يحمله ؟!!

والذي نلاحظه أن الله حتى في صراعه مع الشيطان لا يهاجمه، ولا يعطى أولاده التائبين أسلحة هجوم.. فهو لم يسعى إلى لقائه فوق جناح الهيكل، لكن الشيطان كشرير هو الذي بدأ الهجوم والتجربة، وحينما بدأ قاوم وانتصر..

يا عزيزي إن أسلحة الكمال المسيحي لا تستعمل في الهجوم على الشيطان ولا ينبغي استخدامها لذلك. فالتائب الذي يشعر بضعفه كيف يهاجم الشيطان ؟! لذلك كان أبا أنطونيوس حينما تحاربه الشياطين يقول لهم « أني أصغر عن أن أقاتل أصغر أصاغرکم! » وكان بهذا وحده يغلب.

لهذا يقول الإنجيل «قاوموا إبليس فيهرب منكم» (یع ٤ :٧). وحمل السلاح الكامل يعطى القدرة على المقاومة في اليوم الشرير الذي يسلط الشيطان فيه شره على التائب.

وإن كان سلاح الله الكامل يوهب للمقاومة، فهو نعمة لثبات التائب غير متزعزع بل مكثر في فعل التوبة. والثبات في المسيح هبة يقبلها التائب الذي يحمل السلاح ويتمم كل مقتضیات حمله على أكمل وجه..

فالجندي الذي يحمل السلاح ولا يستخدم طلقاته كيف يثبت أمام عدو مقاتل يقذفه بوابل من النيران ؟!

وثباتك يا عزيزي التائب هو في استخدامك السلاح الكامل لله استخداما صحيحاً كل أيام حياتك .

كيف يكون هذا الاستخدام صحيحاً؟ هذا ما نود أن تكشفه نعمة الله لك ولضعفی الآن.

( ١ ) سر القربان المقدس :

في اليوم الأخير من حياة الرب يسوع بالجسد على الأرض، جمع تلاميذه حوله في العلية وسلم الكنيسة سراً من أسرار الثبات فيه ..إذ «أخذ يسوع خبزاً وبارك وأعطاهم وقال خذوا كلوا هذا هو جسدي.

ثم أخذ الكأس وشكر وأعطاهم فشربوا منها كلهم وقال لهم هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يسفك من أجل كثيرين » (مر ١٤: ٢٢- ٢٣)

وهو الذي سبق فقال لهم على مرأى من اليهود: «الحق الحق أقول لكم إن لم تأكلوا جسد إبن الإنسان وتشربوا دمه فليست لكم حياة فيکم. من يأكل جسدى ويشرب دمي فله حياة أبدية وأنا أقيمه فى اليوم الأخير. . لأن جسدي مأكل حقیقی ودمی مشرب حقیقی، من يأكل جسدى ويشرب دمي يثبت في وأنا فيه» (يو ٦ :٥٣- ٥٦).

هذا السلاح المقدس للثبات يلبسه التائب بلهفة وشوق مثل شوق الجندي إلى طعامه وهو في حلبة الميدان .

والتائب يسرع إلى المذبح يلتف حوله ويسجد في خشوع ينادي المسيح في سر القربان وهو يذكر أثر المسامير في يديه والحربة في جنبه « يا جراح المسيح إجرحيني بحربة الحب الإلهي. يا موت المسيح أسكرني بحب من مات من أجلی».

وحينما يرتشف من كأس الحياة قطرة ينادی «یا دم المسيح طهرني من كل خطية .. يا يسوع حبيبي إذا رأيتني عضواً يابساً رطبني بزيت نعمتك وثبتني فيك غصناً حياً أيها الكرمة الحقيقية »

إن التائب في مذاقه الروحي لسر القربان المقدس يستطعم مذاقة النصرة التي صنعها الرب يسوع فوق الجلجثة. فيتقدم إليه في كل وقت مناسب يليق في مذاقة النعمة وحلاوة حب المخلص أن تثبته وهو واقف في صراعه  مع الشيطان .

والتناول من جسد الرب ودمه الأقدسين دواء يتعاطاه التائب لكي في ذبيحة  الرب يكمل نقائص جهاده وضعفاته، كما ينال القوة الخفية التي تشعل في قلبه شوق الأبدية ولذة الجهاد ضد الخطية. والدواء استحقاق للمريض الذي يشعر بمرضه ويطلب الشفاء.

لذا جعلت الكنيسة هذا السر متمماً لسر الاعتراف، إذ بعد أن يقدم التائب اعترافه لله وللكنيسة تلزمه بضرورة التناول للثبات في المسيح. بل وتحذره أيضاً في قانون کنسی صریح «الذي يمتنع عن التناول أربعين يوماً يحرم نفسه بنفسه من الكنيسة » !

ومن خلال صلوات الليتورجيا التي يتقدس أثناءها القربان يشاور التائب الله في كل محارباته، ويطرح ضعفه أمام لاهوته الكامل على المذبح..

مستعيناً بشفاعات الكنيسة المنتصرة من أرواح القديسين الذين نلاقيهم خلال الليتورجيا روحياً ، وطلبات الكنيسة المجاهدة وعلى رأسها الشفيع الخادم لسر القربان .

یا عزیزی التائب لا تهمل دعوة تثبيت جهادك بسر القربان. بل في لهفة قل  له: «حتی یا رب لو كنت مكسوراً في جهادي فإني بين يديك .. تستطيع أن تحول من إنكساري إشباعاً لنفسي ولجموع من التائبين مثلی، تماماً كما انكسرت بين يديك الخمسة خبزات فحولت انكسارها إلى إشباع لخمسة آلاف رجل عدا النساء والأولاد..

يا إلهي حتى ولو أني مكسور في جهادی، منهزم في صراعى مع الشيطان.. لكني أختار الإنطراح بين يديك وأنت قائم بملء لاهوتك فوق المذبح، لكي تحول إنكسارى إلى إشباع وتعزية لنفسي وإختباراً وبنياناً لكنيسة المجاهدين التائبين » ..

ومن خلال عشرة المذبح، وثبات سر القربان يستطيع التائب أن يقول في أوج الصراع مع الشيطان «

 ثَابِتٌ قَلْبِي يَا اَللهُ، ثَابِتٌ قَلْبِي. أُغَنِّي وَأُرَنِّمُ» (مز٥٧: ٧)

( مز۱:۱۰۸). ويستطيع الذين من حوله أن يقولوا أن «قلبه ثابت متکلاً على الرب» (مز۱۱۲ :۷) الذي يحل في أحشائه فيمتزج کل کیانه بنصرته .

(۲) سر الصلاة :

لم نرى أبلغ تعليم أعطاه الرب يسوع لنا، وهو يجتاز صراعنا مع الشيطان «مجرب في كل شيء مثلنا بلا خطية» (عب٤: ١٥)، وهو يرى كأس إثم العالم كله ماثل قدامه ليتجرعه إلا أنه إنفصل عن تلاميذه « نحو رمية حجر وجثا على ركبتيه وصلی » (لو۲۲ :٤١) .

فلم يكن وهو إله يحتاج لصلاة، لكنه رسم أمامنا فى جهاده مع الشيطان أن نصلي، وقال عن الشيطان « هذا الجنس لا يخرج بشيء إلا بالصلاة والصوم»  (مت١٧: ٢١) (مر۲۹:۹).

ولا يوجد شيء يقاومه الشيطان في حياة التائب مثل مقاومته للصلاة والتحلل من ارتباطاتها بشتى الأعذار والحجج المنطقية .

لكن التائب يقف يصلي لأنه يعلم أن الصلاة هي الوقوف قبال الله وشكوي النفس والخطية أمامه.. وهي سند سماوی ضد جنود الشر الروحيين.. لقد ظهر ليسوع وهو يصلي (ملاك من السماء يقويه) (لو٢٢:٤٣).

ولم يكن وهو الله القوى في حاجة إلى قوة ملاك.. لأن الملاك يستمد قوته من الله .. بل ليظهر للتائبين أن الصلاة يعقبها مؤزارة من السماء وقوة تسند في الجهاد.

لهذا يسرع التائب نحو الصلاة، وبيت الله بيت الصلاة .. کالأيل العطشي الذى إذ يرى الماء يجري.. ويحترم كل ميعاد للصلاة يرتبه لنفسه، أو ترتبه الكنيسة للمؤمنين، إحترام أجل وأقدس من إحترامه لمواعيده مع العظام من الناس.

والتائب لا يبحث عما يصليه لأنه يصلي «بكل صلاة وطلبة» محفوظة أو مقروءة أو ملحنة أو مرتجلة.. إن كل صلاة عنده يستطيع أن ينفذ منها ليحدث الله عن ضعفاته.

فهو لا يعرف نوعاً من الصلاة.. بل يتعلم في مخدعه صلوات المزامير، وصلوات التسبحة اليومية، وصلوات إرتجالية.. إنه يعرفها جميعاً ويستخدمها كلها لأن في كل منها فرصة لقاء مع قائد جيش الخلاص في الصراع مع الشيطان .

والتائب في استعماله كل صلاة وطلبة لا يشعر بملل أو تعب لأنها تحوى عنصر التجديد الذي يشبع حاجة الإنسان دائما للجديد.. وهو لذلك يصلي« كل وقت في الروح ».. قلبه وذهنه منشغلان بالصلاة كتعبير عن حبه لله الذي يقاتل عنه..

ولا يجد في المناسبات الكنسية فرصة التهريج أو كما يقال الفرفشة لأنه في كل مناسبة يصلي بالروح، ويقتل ذكريات المناسبات في فهم روحی، ورفع قلبي لذاته أمام الله ..

والتائب وهو يرى في الليل خير صدیق، يحوله إلى نهار بالسهر واليقظة… فيجد فيه مشابهة للرب يسوع الذي كان يقضي « الليل كله في الصلاة » (لو ٦ : ١٢). فيرتب لنفسه ليال للصلاة إما فردياً أو بمصاحبة تائبون آخرون، يجدون في هدوء الليل وسكونه وضوح صوت الله المعلن للمجاهدين .

« أصلي بالروح وبالذهن أيضاً أرتل بالروح وأرتل بالذهن أيضاً »(١کو ١٥:١٤).

لقد كان يسوع يقول لتلاميذه دائماً « لماذا أنتم نيام، قوموا وصلوا لئلا تدخلوا في تجربة» (لو٢٢: ٤٦) .

والكنيسة إذ تسمع هذا النداء دوماً، ترتب لأولادها تداريب سهر جماعية تعودهم فيها على سهر الليل للصلاة.. مثل أوقات شهر كيهك وليلة أبو غلمسيس.. وكأنها تنادي بالإنجيل في صمت التدريب « واظبوا على الصلاة ساهرين فيها» (کو ٤ :۲) .

والتائب، الذي عرف قوة هذا السلاح، يواظب على الصلاة مواظبة دورية، مهما كانت حالته … في المرض والصحة، في الضعف والقوة، في الفرح والحزن، في التعزية والفتور، في التركيز والتشتيت.. في كل حال يصلی، لا لطلب تعزيات الصلاة فقط بل لحبه للوقوف بين يدي من أحبه، وكالطفل الذي يقف بين يدي أبوه يتراءى قدام الله سنده ومعينه في التوبة سواء حصل على تعزية أم لم يحصل. إن التعزية ليست هدفه إنما هدفه هو قول إيليا النبي: «حي هو رب الجنود الذي أنا واقف قدامه».

والتائب الذي يسلم ذاته للنعمة في إستخدام سلاح الصلاة يعطيه الرب فيضاً من التعزيات والمواهب، لا تعتمد على إستحقاقه الخاص بقدر ما تعبر عن محبة المسيح للخطاة التائبين ..

ومن أمثلة ذلك هبة الدموع التي صارت كينبوع من عيني المرأة الخاطئة وهي تمارس التوبة عند قدمی يسوع حتى إستدعى الأمر منها أن تنشف قدمی يسوع بشعر رأسها .

وهي الهبة التي صنعت أخاديد واضحة على وجه أبا أرسانيوس معلم أولاد الملوك، وهي التي طلبها أرميا النبي بوفرة «ياليت رأسي ماء وعینی ينبوع دموع»..

وحينما لا يعطي التائب هبة الدموع يقول الله: إن حرمتنی من دموع عيني فأهلنی یارب أن أشتری دموع المساكين .

إذ يبحث التائب عن المكروبين والمذلين والمرضى والمسجونين يشحذ منهم دمعة تجد نصيبها في صلاة التائب.. فيقف ولجميع القديسين والمتعبين مكاناً في صلاته، يذكرهم كمن يذكر شرکاء له في التوبة والجهاد والمجد معاً … ويرى أن ذلك أبلغ تعبير لحب المسيح تجاههم..

ويكفي أن حب التائب للمتعبين والطلبة من أجلهم تثبته في جهاده وتحفظه في توبته « من يحب أخاه يثبت في النور» (١يو٢: ١٠).

والتائب حينما يصلي يستعمل السجود الروحي علامة شكر لله الذي يعينه ويسنده ، وعلامة تذلل عما إقترفه من إثم واجب الندم والمسكنة..

وكلما إزداد تذوقه لحلاوة التوبة كلما إزداد نموه في ممارسة السجود نوعاً وكماً بدون إفتعال أو تكلف.

(٣) سيف الروح

الذي هو «كلمة الله » (أف ٦: ١٧)، وهو ذات السلاح الذي إستخدمه سيدنا يسوع في صراعه مع الشيطان فوق الجبل. فلم تكن إجابات الرب يسوع عليه سوى فقرات من الناموس الذي أعطاه لموسى

(تث۳:۸) (مت٤: ٤)، (تث ٦-١٦) (مت ٤ :۷) (تث٦: ١٣) ، (مت٤: ١٠).

وقد وضع الرب يسوع حفظ كلامه علامة لحبه، ووسيلة للثبات في معرفته « إن حفظتم وصایای تثبتون في محبتی» (يو١٥:١٠).

إن التائب يلازم الكتاب المقدس، والكتاب المقدس يلازمه في كل مكان وكل زمان . لأنه يعرف أن كله « موحى به من الله» (۲ تی ٣ : ١٦) (۲بط ۲۱:۱)، وإنه حينما يلازم الكتاب يسير مع الله … والذي يسير مع الله يختبر ما إختبره أخنوخ البار الذي قيل عنه « ولم يوجد لأن الله نقله»  (تك٥ : ٢٤).

ويفهم كلامه كما يفهمه تلميذی عمواس حينما كان يمشي معهم يسوع مفسراً إذ «إبتدأ من موسى ومن جميع الأنبياء يفسر لهما الأمور المختصة به في جميع الكتب» (لو٢٤ :٢٧) .

والتائب يلازم الكتاب المقدس يومياً كغذاء تقوى به نفسه يدرس فيه ويأمل الله المحب في كل كلمة من كلماته حتی أسماء المدن وأسماء الأشخاص وأسماء الجبال يجد فيها لقاء صادق مع الرب يسوع..

وهو لذلك يحرص على ميعاد ثابت يومي، يكون فيه يقظ الذهن و صحیح البدن، ليسمع فيه تعزيات الله الكثيرة ..

والتائب مع شدة القتال وضرورة الصراع مع الشيطان ربما يجرح، فيجد في كتاب الله المقدس ما يعصب جرحه ويضمد کسره. «عند كثرة همومي في داخلی تعزياتك تلذذ نفسی» (مز ٩٤: ١٩) فيقول حتى في سقوطه «وجدت كلامك فأكلته، فكان كلامك لي للفرح ولبهجة قلبي» (أر١٥-١٦) .

والتائب يجد في الكتاب المقدس المبادىء المستقيمة للحياة، والسبل الشريفة في الجهاد.. يأخذ منه روحاً تميز الغث من الثمين، ونوراً يستضيء به فکره وضميره « سراج لرجلي كلامك ونور لسبیلی » (مز۱۱۹ :١٠٥).

« لأن كلمة الله حية وفعالة وأمضى من كل سیف ذی حدین وخارقة إلى مفرق النفس والروح والمفاصل والمخاخ ومميزة أفكار القلب ونیاته» (عب٤: ١٢).

لذلك يستعمل هذا السيف ليقطع عنه كل المبادئ الغريبة والتعاليم الردية التي يبذرها الشيطان لضلال التائب. ويحس أن إستعماله في ظروف الحياة كلها سر للنجاح وطاقة للنصرة .

لهذا تجد التائب يجهد نفسه في فهم آيات الكتاب المقدس، ويباشر بنفسه بحوثاً ودراسات تهدف إلى تمكين روحه من انطلاقها نحو الأبدية.

وقد يقضي الليل والنهار في ذلك، فيقضيهما بمسرة وشغف. إنه يصنع مثل من طوبه داود النبي فقال « طوبی للرجل الذي في ناموس الرب مسرته، وفي ناموسه يلهج نهاراً وليلاً.. كل ما يصنعه ينجح» (مز۱:١-۳).

وحتى إن سقط وعثر يرجع للكتاب فيجد فيه إصلاحاً لطريقه وعودة للنصرة «لا يبرح سفر الشريعة من فمك.. حينئذ تصلح طريقك وحينئذ تفلح » (يش١: ٨) .

التائب يحفظ كثرة من كلام الكتاب المقدس حفظاً غيبياً،  وفي كل أحاديثه يجتر ما قد حفظه من كلام الله ..

ليس الحفظ لكلمات الكتاب فقط، بل ولروح الكتاب أيضا. فالتائب يأخذ من الكتاب يومياً آية أو أكثر تتلامس مع حاجته للتوبة ويمارسها ممارسة عملية طوال اليوم. يضعها نصب عينه طول النهار لكي تنطبق فيه كلمة الرب « الكلام الذي أنا أكلمكم به هو روح وحياة» (يو ٣٦:٦).

ولذا لا نعجب من أبا صرابمون حينما لاقاه شحاذ وطلب صدقة فلم يجد غير إنجيله بيده فأعطاه له يبيعه ويأخذ ثمنه صدقة، ولما مر به طالب آخر لم يجد غير ثوبه فخلعه وسار عرياناً. وإذ لاقاه تلميذه إندهش وقال له ما الذي عراك يا أبي ؟ أجاب أباصرابمون: الإنجيل ياولدي.. فقال تلميذه وأين هو؟

أجابه صرابمون: كان يقول لي إذهب بع كل ما لك وتعال إتبعني ؟!!

لذا سيقضي التائب عمره يجتر کلام الله ولا يشبع لأن في كل يوم سيجد میداناً جديداً لكلمة الله في حياته، حتى اليوم الذي تصبح كلمة الله ناطقة في كيانه وكلامه بل وفي صمته أيضاً. فيصبح التائب ذاته سيفاً يرهبه الشيطان، تنكسر به كل قتالاته الردية .

وكما أن التائب في سماعه أو قراءاته أو دراسته لكلمة الله يكون جزعاً وورعاً ومرتعداً «من كلامك جزع قلبی»  (مز۱۱۹ :١٦١) نجده هو يتحول كحامل کلمة الله رعب للشيطان وذعر لمجمعه الرديء، لهذا يكتب ما ريوحنا رسالته ويقول: «كتبت إليكم أيها الأحداث لأنكم أقوياء وكلمة الله ثابتة فيكم وقد غلبتم الشرير» (١يو ٢ :١٤).

إن أنبا أنطونيوس الذي سمع عبارة واحدة من الكتاب المقدس أثناء القداس الإلهي « إذهب بع كل مالك وتعال إتبعني» إذ حولها إلى حفظ حقیقی بمعيشته الرهبانية وانفراده الصادق المتوحد صارت الشياطين تفزع منه وترهبه، حتى أن مجرد ذكر إسمه كان يخرج الشياطين من المرضى بالأرواح النجسة !..

(٤) منطقة الحق

إن سيف الروح الذي يحمله التائب في قتاله مع الشيطان لا يمكن حمله بسهولة ويسر إن لم يتمنطق التائب بمنطقة الحق.. لذلك قال ربنا يسوع لتلاميذه «لتكن أحقاؤكم ممنطقة…» (لو۱۲ :٣٥) .

والمنطقة التي يحملها التائب تشد حقويه بالحق، «حق الإنجيل» (غل٥:٢- ١٤) الذي رآه مار يوحنا الحبيب في شخص الرب يسوع فقال عنه أنه «متمنطقاً عند ثدييه بمنطقة من ذهب» (رؤ۱۳:۱).

فالتائب الذي تقابل مع الرب يسوع مقراً بأفعاله أمام الكنيسة يخرج من حجال الله ليقول: «حللت مسحي ومنطقتنى سروراً» (مز ۱۱:۳۰). لأن التوبة في حياته جعلت يسوع الممنطق بمنطقة ذهب علامة الملك، يملك على قلبه وأفكاره وسلوكه فيعلن حق الإنجيل كما هو ..

إن التوبة في حياة التائب تعطيه استنارة قلبية وفكرية لا حد لها وتعلن أن ابن الله قد جاء « وأعطانا بصيرة لنعرف الحق» (١يو ٥ :٢٠) ،تجعله يعلن الحق في حياته أولا فيعيش كما يحق لإنجيل المسيح (في١: ٢٧).

فيكون التائب بحياته شاهداً للحق، لا يخشى أن يقول الحق مهما كان ثمن كلمة الحق.. فالمسيح الحق الذي فيه لا يمكن أن يكون مخبئاً تحت ستار مبررات واهية تستر الباطل في خداعه وضلاله.

لكنه حينما يقول الحق، يقوله كطبيب.. لا ليجرح ويشهر لكنه ليداوی ويصلح ويكسب أصدقاء جدد للحق. فالحق في التائب يعلن بالهدوء واللطف ..

وحينما يقول التائب الحق، أو يكتبه، أو يجريه بالقضاء بين الناس يستعد لإحتمال المتاعب والآلام التي يفرضها سلطان الباطل وكل أتباعه على التائبين المتمسكين بالحق..

إن لبس المنطقة في حياة التائب لا يكفي أن تكون موضوعة على عقوية بل أن تكون «مشدودة» ، فهو لا يلين في مباديء الحق مهما كلفه الأمر من مشقة. يظل متمسكاً بها حتى ولو دفع حياته ثمناً لأجلها. « ومن أضاع حياته من أجلي يجدها» .

إنه يحفظ الحق، ويعلنه في قوة لا تعرف الإستضعاف، إنها القوة التي تجعل المقاتل يقظا على الدوام مستعداً للقتال. إن التائب في صراعه مع الشيطان يصرخ صرخة الفدائيين في ميدان القتال الروحي يشهد بالحق « الإله الذي يمنطقني بالقوة ويصير طریقی کاملاً.. تمنطقني بقوة للقتال، تصرع تحتى القائمين علىّ» (مز٣٢:١٨-۳۹) .

وإن كانت المنطقة الذهب التي تعبر عن تملك الرب يسوع لحياة التائب..

فإن المنطقة يمكن أن تكون من الجلد، مثلما كان يلبسها يوحنا المعمدان (مت٣ :٤) (مر ١: ٦) ، وهنا تعبر عن تمسك التائب بحق النسك في حياته ..

إن التائب يقبل على الأصوام العامة في الكنيسة، والخاصة المرتبة قانونياً لجهاده، ويتمسك بها في قوة لأنها تحمل له فرص صفاء النفس والذهن الكافية لإحقاق الحق في حياته ووسط العالم. « لذلك منطقوا أحقاء أذهانكم صاحين» (١بط:۱۳).

إنه في قوة المقاتل يأبي القنية، ويتحلل حتى من النحاس الواجب توفره في المنطقة.. لئلا يعطله في السعي ويشغله عن خلاص نفسه..

لعل لهذا قال ربنا للتلاميذ «لا تقتنوا ذهباً ولا فضة ولا نحاساً في مناطقكم» (مت١٠:٩) (مر ٦: ٨). وإن كانت له قنية ما يستعملها لمجرد الإستعمال وليس لحب الإقتناء والإكتناز.. «فأقول هذا أيها الأخوة: الوقت منذ الآن مقصر لكي يكون الذين لهم نساء كأن ليس لهم.

والذين يبكون كأنهم لا يبكون، والذين يفرحون كأنهم لا يفرحون، والذين يشترون كأنهم لا يملكون، والذين يستعملون هذا العالم كأنهم لا يستعملونه. لأن هيئة هذا العالم تزول. فأريد أن تكونوا بلا هم» (١كو ۲۹:۷-۳۱) .

هناك نوع آخر من النسك يحتاجه التائب، هو نسك العفة التي بدأ في منطقة الكتان النقي – رمز العفة – والتي رتب الله بنفسه أن يلبسها هرون الكاهن حينما يكهن ويقف أمامه (لا ٦: ١٤).

فالتائب الذي سلم زمام حياته للمسيح ليملك، ينعتق من أسر إبليس ويتحرر حرية كاملة تبدأ من داخله بحرية العفة التي يمثلها الكتان.. « تعرفون الحق، والحق يحرركم» (يو ۳۲:۸) .

إنه في المسيح يتمتع بحرية أولاد الله، الحرية الكاملة التي يقول معها « كل الأشياء تحل لی»، لكنه في تمنطقه بالكتان يمارس حرية العفة التي تعفف عما بدنس النفس والجسد فيتبع مفهوم الحرية الكاملة في نطاق البنوية الكاملة لله « كل الأشياء تحل لي، لكن ليست كل الأشياء توافق» (١کو ٦: ١٢).

ولهذا فإن الحق الذي يمنح الحرية للتائب يمنحه أيضاً قوة لئلا تصبح الحرية سترة لممارسة الشر.. «فاثبتوا إذاً في الحرية التي قد حررنا المسيح بها ولا ترتبكوا أيضاً بنیر عبودية .. فإنكم إنما دعيتم للحرية أيها الأخوة ، غير أنه لا تصيروا الحرية فرصة للجسد» (غلا٥ :۱- ۱۳).

فالتائب يتمتع بحرية كاملة «كأحرار وليس كالذين الحرية عندهم سترة للشر بل کعبید الله » (١بط ٢: ١٦). ولذلك فهو يمقت كل وسيلة للنجاسة، ويتنازل عن كل صداقة تجره للدنس، ويعتبر ذلك ليس نوعاً من الكبت يعيشه بل هو حالة إنعتاق من الخطية وحرية كاملة للعفة التي أحبها الله ووشح التائب بها.

بذلك وحده يثبت التائب في جهاده، ويتأكد أنه سيقف دائما قبالة الله مسانداً بقوة نابعة من حب الله للعفة والأطهار.. «الطهارة التي بدونها لن يعاين أحد الرب» .

« هذه هي إرادة الله قداستكم: أن تمتنعوا عن الزنا، لأن الله لم يدعنا للنجاسة بل في القداسة» (تس٤: ٣-٧) .

«وأما أنتم فلم تتعلموا المسيح هكذا. إن كنتم قد سمعتموه وعلمتم فيه كما هو حق في يسوع أن تخلعوا من جهة التصرف السابق الإنسان العتيق الفاسد بحسب شهوات الغرور. وتتجددوا بروح ذهنكم وتلبسوا الإنسان الجديد المخلوق بحسب الله في البر وقداسة الحق» (أف٤: ٢٠- ٢٣).

العفة في حياة التائب شعلة من الحب نحو الله، يستنير بها جهاد التائب،ويتقدس بها كأنها ذبيحة يمارس بها ذبح كل ميل بطال وكل صداقة معثرة، وكل قراءات دنسة.. ولا شك أن كل ذبح يمارس يرافقه الألم والوجع والتنهد، وألم العتق من النجاسة أي حرية العفة هو البخور المتصاعد من ذبيحة الحب التي يقربها التائب لله على مذبح قلبه وجسده .

والخلاصة ياعزیزی:

إن التائب الذي إلتقى بيسوع المتمنطق بالذهب، وجعله ملكاً على حياته، يملك زمام نفسه فيتمنطق بمنطقة النسك المقدس ليمارسه بحب الله وانعتاق من العبودية وحرية تعفف كل ما يدنس النفس والجسد.

(٥) حذاء الإستعداد

الإبن الضال عندما عاد إلى بيت أبيه، ورجع إلى التوبة جعل الأب «خاتماً في يده، وحذاء في رجليه» (لو١٥: ٢٢) .

هذا الحذاء كان يعني بالنسبة للإبن التائب حالة من التأهب الدائب والإستعداد المستمر لتلبية كل مهام يكلفه بها الأب.

هذا ما جعل الرب يقول لبني إسرائيل وهم يستعدون لعبور البحر الأحمر في طقس خروف الفصح أن «تأكلونه وأحقاؤكم مشدودة وأحذيتكم في أرجلكم» (حز۱۱:۱۲) لكي عقب عشاء الفصح وضربة الملاك المهلك يحذون أرجلهم لعبور عظيم.

ولعل لهذا السبب نفسه يقول مار بولس «حاذين أرجلكم بإستعداد إنجيل السلام» (أف ٦: ١٥).

فالتائب تجده دائماً يذكر الخمس العذارى الحكيمات، إذ يشتاق أن يدخل في عرس الختن الحقيقي يستعد – مثلما إستعدت أولئك الحكيمات – إستعداداً يؤهله أن يدخل مع العريس في عرس حقیقی .

ولذا فالإستعداد عند التائب يحميه من عنصر المفاجأة التي تقود إلى هزيمة مرة لغير المستعدين. فهو يعلم أن أكثر الحروب الروحية يشنها عدو الخير على التائب معتمداً على هذا العنصر إذ يباغته بما لم يستعد له باطنياً فيسقطه بسهولة ويسر.

والتائب ينظر لفعل الشيطان ويضحك كما تضحك المرأة الفاضلة على الزمن الآتي (أم٣١: ٢٥) لأنها سبق فأعدت حلل الشتاء قبل الثلج، وطعام الصباح أثناء الليل.

إنه يتعلم من النملة التي ليس لها قائد أو عريف أو متسلط لكنها « تعد في الصيف طعامها وتجمع في الحصاد أكلها» (أم ٦: ٦-٨)

التائب، قبل كل عمل روحي أو إداري أو إجتماعي يعد نفسه إعداداً أميناً يحميه من مفاجآت الحروب والتكتلات والشقاقات التي يبذرها عدو الخير وسط النائمين غير المستعدين. وحينئذ يكون مستعداً أن يسمع صرخة كل مقاتل مثله، وأنين كل متعب نظيره، فإستعداده يؤهله أن يسمع لصراخ المساكين، ويكفف دموع العاثرین .

إن التائب مستعد لكل نداء إلهي ينطق في باطنه في يقظة مستعدة لأن تسمع وقع الأقدام من بعيد وحفيف الأشجار أثناء الليل.. إنه يقول دائما « تكلم يارب فإن عبدك سامع».

تجده أيضًا مستعداً لمجاوبة كل من يسأله عن سبب الرجاء الذي فيه (۱بط ٣: ١٥)، مجاوبة اليقين والإختبار لا مجادلات العلم والفلسفة وقباحات المباحثات الردية.. يبحث ويدرس ويقرأ ويختبر، فإن أجاب يجيب عن عام وإختبار معاً.

الإستعداد لأنه يرى فيه تزكية له حينما يقف موقف الإتهام أو يطلب للدينونة.

وهو لذلك يرى الموت أمامه كل يوم، لا يرهبه.. بل ليذكره أنه في الحد الفاصل بين الغربة المتاح له أن يعمل فيها ويثمر قبل أن ينتقل إلى مكان الإستيطان. حيث هناك يرقد وأعماله تتبعه (رؤ ١٣:١٤).

إنه يرى الموت أمام عينه على الدوام فحتى حينما ينام في الرب لا ينام نوم الموت، بل نوم الأحياء الذين يسمعون صوت الرب يسوع:(رؤ ۱۲:۲۲) «ها أنا آتی سريعاً وأجرتی معی وسأجازی كل واحد كما يكون عمله» «ها

لذا قال الرب لتلاميذه: «کونوا أنتم أيضاً مستعدين لأنه في ساعة لا تظنون يأتي إبن الإنسان» (مت ٢٤: ٥٥)  (لو ١٢: ٤٠).

إنه لا يقول قول بطرس بإنفعال العاطفة «يارب إني مستعد أن أمضي معك حتى إلى السجن وإلى الموت» (لو ٢٢: ٣٣)، لكنه يحسب نفقة المضي معه، وحمل الصليب وراءه.. فيأتي في فهم المسئوليته وتحديد واضح لإرتباطاته يقف خلف السيد ويقول «لست أهلاً لأن أدعي رسولا» (١کو ١٥ :۹) وقوتك يارب في ضعفي تكمل.

لذلك لا نستغرب أن بعض التائبين يضعون في مخادعهم جماجم أموات، أو صور لجماجم أموات، يزورون قبور الأموات ويجلسون عندها لا للنحيب العاطفي بل للإستعداد الباطني بالتوبة للحظة الموت .

والتائب الذي يقضي كل زمانه في حالة إستعداد، هو التائب الذى يستثمر المواهب الفياضة التي لوزنة العقل، والتي بها يدبر الإنسان خلاصه .

فالإستعداد بالنسبة للتائب يوفر عليه مشقة الإرتجال في الأمور وما يتبع ذلك من مشقة تصحيح أخطاء الإرتجال بكل ثقلها وأتعابها.

إن الإستعداد يجعل التائب يحدد طاقته بتعقل، ويحسب نفقة كل شيء، ويتصرف في كل الأمور على قدر طاقته.. إن التائب تجده «یرتیء إلى التعقل» (رو ۳:۱۲) في تدبير خلاصه وخلاص الذين من حوله «لکی هيیء للرب شعباً مستعداً».

یا عزیزی التائب.. إنك أحد الجنود في جيش التائبين، لعلك واحد من أولئك الثلاثين ألفاً الجبابرة في البأس الذين أوصاهم يشوع حينما أرسلهم ليلاً لضرب عاى قائلاً «انظروا… وكونوا كلكم مستعدين» (یش٨: ٤) .

إنه نداء للتائبين مهما كانت مواقعهم في الكنيسة. أن يكونوا كلهم مستعدين ..

يا إلهي أعطني أن أكون مستعداً ليوم الزفاف الإلهی، حتى إن نمت بالجسد تكون لي يقظة القلب المبصر..

(٦) ترس الإيمان

«الترس» أداة من أدوات الحرب، إستخدمت كأقدم أداة عرفها الإنسان في حروبه راجع (تك١٥: ١)  (مز٥: ١٢).

وأحياناً كان يصنع الترس بجملته من الذهب أو النحاس أو كان يغشی بطبقات سميكة منها (۱مل ١٤: ٢٦-٢٧)، وكأنه يحفر عليها صور ونقوش مختلفة.

أما من جهة حمله فكان يحمل على الذراع اليسرى، وكان يعلق أحياناً في العنق. وكان سطحه محدباً لمنع الأسهم من خرقه، بينما كانت حوافيه ملبسة بصفائح من الحديد تمكيناً له ووقاية له من فعل الرطوبة إذا ألقي على الأرض. وفي زمن الحرب كانت نصف الأتراس في خط مستقیم لتكون حاجزاً عاماً.. وكانت خسارة الترس في ساحة الحرب عاراً عظيماً، ولا سيما عند الرومانيين الذين كانوا يعدون خسارته أكبر الجرائم الحربية حتى أن أمهات المقاتلين كن يشجعن أولادهن تأهبهم للحرب بإشارتهن إلى

الترس وقولهن: « إما به، أو عليه» .هذا الترس الحربي إستعاره مار بولس الرسول ليضع الإيمان عدة لازمة في جهاد التائبين فقال: «حاملين فوق الكل ترس الإيمان الذي به تقدرون أن تطفئوا جميع سهام الشرير الملتهبة» (أف٦: ١٦).

إن الإيمان يحمل النصرة للتائب، فيراها حقيقة قائمة حتى وهو في أشد أوقات القتال ضراوة. فهو الذي يعطي التائب بصيرة روحية فيرى في زمان القحط سحابة الإيمان مقبلة حاملة أمطار من التعزيات تجعل غرس الرب في حياته .

وحينما يقولون للتائب ليس لك خلاص كفاك تعب، يقف قبالة الله ويقول: «أما أنت يارب فترس لی، مجدي ورافع رأسی» (مز٣: ٣).

ويخرج من أمام الله يعيش في تصديق مطلق و کامل لوصايا الله التي تتحول في حياته كتائب إلى واقع معجزى يفوق ما طلبه أو إفتكر فيه.

والتصديق يعقبه طاعة، مثلما أعقب تصديق إبراهيم لله أنه أمسك السكين ليذبح وحيده.. والطاعة يمارسها التائب فتذلل أمامه حتى الطبائع المفترسة والشرسة.. «إن الطاعة والإتضاع تخضعان لنا الوحوش ».

والتائب في كل ممارساته الروحية لا يستخف بسذاجة منظرها الخارجي،بقدر ما يدرك القوة الخفية المذخرة في كل وسائط النعمة وأشباه الأسرار « کرسم الصليب » أو تناول لقمة الأولوجية.. فيقدم على ممارستها في وقار وطاعة إيمانية كاملة.

التائب يمارس بالإيمان تداريب روحية للتقوى «يدرب فيها ضميره لكی يكون بلا عثرة أمام الله والناس» (أع٢٤: ١٦).

ويواظب على هذه التداريب بتدقيق وحرص شديدين.. ومع ذلك فهو لا يتكل على أحدها إنها تخلصه أو تؤهله للملكوت. لكنه يؤمن أنها بالإيمان تنقل معونة الله الرأسية إلى حركة أفقية دائبة النشاط في حياة التائب، فتصير هذه الممارسات الإيمانية أدوات بناءة لحياته وحياة الذين من حوله أيضا.

فالحرب بدون سلاح لا تصلح، والسلاح وحده بدون حرب، وبدون إنسان مدرب على إستعماله جيداً لا يمكن أن يجلب النصر…

إن الإيمان كعطية الله ترس لحفظ الإنسان، التداريب كجهاد يتمركز حول النعمة يجعل النائب المدرب روحياً دائم النصرة في صراعاته مع الشيطان فيخرج بعد كل مواجهة مع الشيطان ووسط جمهور التائبين يترنم «طوباك يا إسرائيل. من مثلك يا شعباً منصوراً بالرب ترس عونك » (تث۲۹:۳۳)

(٧) خوذة رجاء الخلاص

الخوذة كانت إحدى القطع اللازمة للمقاتل في الحرب يضعها على رأسه، وكانت تصنع من الجلد أو النحاس كالتي وضعها داود على رأسه في قتال جليات (۱صم۱۷: ۳۸)، وكانت تزين قمتها غالباً بعرف أو ریش .

وإذا تأملت الرأس على المقاتل في الحروب أدركت يقيناً أن الخوذة كانت أول سلاح دفاعي يحرص المقاتل على حمله.

وأخطر ما يتعرض له التائب أن يصيبه الشيطان بضربة يأس أو تشكك مريض.. تجعله يفقد رجاء خلاصه بالله، فيسقط في هوة عظيمة من اليأس لا نسمع بعدها قيام .

إن الرجاء الذي يضعه التائب أمام عينيه، هو عين الرجاء الذي نظره الزناة والعشارين وقساة القلوب فخلق منهم قديسين تائبين منتصرين .

إنه يجعل التائب في ثقة أن الله قادر حتى على الإقامة من بين الأموات ويستطيع أن يبدأ معه من حيث استطاع الشيطان أو العالم أو شهوات الجسد أن تسقطه.

فإن كان الشيطان لديه قدرة السقوط، حتى يطرح أرضاً من كان في علو الفضيلة وسموها فكم بالأكثر تكون قدرة الله أن ترفع إلى الثقة والبنوة بمقدار أعلى وأسمى ممن كان عليه.

إن التائب مهما كانت سقطاته متكررة، وحياته يظن أن ليس فيها ثمر يثق بالرجاء أن الله يغير تغييراً كاملاً… ففي لجة سقوطه يتعلق بالرجاء كحبل قوی مدلی من السموات يعين الروح في ضعفها ويرفع التائب في ثبات فوق التجارب..

ياعزيزي التائب: حياتك في الجهاد ليست نصرة دائمة ولا سقوط دائم، بل في كل سقطة يجد التائب بذرة للنصرة ومع كل نصرة لا يظن نفسه أنه قائم بل يتوقع أن تأتيه السهام المسمومة من الكبرياء فيقول: «لا تشمتی بی ياعدوتي إذا سقطت أقوم»  (می ٧: ٨).

والتائب بالرجاء يدرك يقيناً أنه لا يدان على سقطاته بقدر ما يدان على عدم توبته ورجائه بالخلاص.. لقد قال الرب: «إن لم تتوبوا

فجميعكم كذلك تهلكون»  (لو١٤: ١-٥). فمهما حاول الشيطان إسقاطه أو سقط هو لضعفه يثابر ليقوم مسانداً برجاء الخلاص..

الرجاء هو الذي يجعل التائب ينظر إلى حطام نفسه وخطاياه كأنها قشف فخاری بين يدي الله هشمها الشيطان وإرادته، لكنه واقع بين يدي فخاری عظیم قادر أن يعيد صياغتها من جديد، وببهاء جديد، لتكون آنية جديدة أجمل وأقوى وأعظم.

إن التائبين يضيئون بلمعان أبهى وأقوى، من أولئك الذين يظنوا أنهم لم يسقطوا.. والعشار والزانية واللص أقوى أمثلة لامعة في سماء التوبة ..

والتائب مع أنه مدققاً، لكنه يمقت الدمدمة والرعب والخوف الذي يتملك على بعض المرضى من التائبين .

إنه يقطع على الشيطان الذي حاربه بلذات الجسد، الحرب الجديدة التي تحاول أن تفسد صورة الله أمامه « والمحبة تطرح الخوف إلى خارج» .

حينما يقاتل التائب بكثرة خطاياه، يذكر كثرة مراحم الله ويلقى عنه القلق الناشيء عن اليأس ليثبت في سلام الرجاء القادر أن يخلص بالتمام.

بعد هذا العرض عن ضرورة عمل التائب سلاح الله الكامل أن نسمع صوتاً يقول:

ليس لي أي سلاح منها الجندي حينما يستدعي للجيش لا يرتبك في تجهيز السلاح أو في البحث عنه بل عليه أن يسلم ذاته لقيادة الجيش، وهناك يعطى السلاح الكامل ويدرب نفسه على إستعماله..

هكذا ياعزيزي التائب إن كنت تقول أنا مبتدىء وليس لى سلاح واحد مما ذكرت سابقاً فكيف أثبت في توبتي، أقول لك ماقاله بولس الرسول « من تجند قط بنفقة نفسه» (١كو ۷:۹) فلابد أن تؤمن يا أخي أنك لست الصانع توبتك وحدك، فالله يشترك معك في تخليصك من خطاياك وفي  رجوعك عن ضلالاتك.

الله يتوب، عندما أطلب توبتی :

سقط أفرايم وراء يربعام، وعبد العجل بدلاً من الله . وحينما فطن إلى ضلاله بدأ يیکی ويندم حتى قال الرب عنه «سمعاً سمعت أفرام ينتحب»  (أر۳۱: ۱۸). وعندما وجد أفرايم ذاته وحيداً في تدينه نادي الرب قائلاً:

«توبني يارب فأتوب لأنك أنت الرب إلهي، لأن في نهاية سبيى ندمت وبعد تعلمى حزنت على أيام الخزي وأخضعت نفسي لك لأني قد تسلمت توبيخات وصرت معروفاً لی» (ع ۱۹).

وحينما طلب أفرايم توبته بندم وحزن وخضوع لمعرفة الرب سمعنا الرب يقول: «أفرايم ابن عزیز لدىّ، لأني كلما تكلمت به أذكره بعد ذکراً، من أجل ذلك حنت أحشائي إليه. رحمة أرحمه يقول الرب»  (أر۲۰:۳۱).

ياعزيزي التائب.. الله الحنون أب الخليقة كلها لا ينتظر منك سوى إرادة التوبة، وحينما تريد أنت التوبة ستجده يقف بجوارك كما وقف بجوار مريم ومرثا وسيقف بجوار قبر خطاياك يشير إليك إشارات باطنية أو علنية برفع الغطاء.. وحينما ترفع الغطاء بعجل ستجده يكمل توبتك بأسلوبه الإلهي الخارق للطبيعة ويخلصك مما ظننت أنك غير قادر عليه.

حينئذ تمسك به شخصياً، فهو الذي يمنحك السلاح ويدربك على إستعماله حتى تنتصر في كل قتال..

كما تمسك به داود النبي في حربه مع جلیات، تمسك أنت به وآمن أن النصرة من عند الرب. لكن مثلما صنع داود إصنع أنت : تقدم لصفوف التائبين، وانتخب الحجارة، وضع أحدها في المقلاع، وسدد الحجارة بمهارة ..

إصنع كل ما عليك أن تصنعه، وحينما تصل إلى ذلك ستكون كالعبد البطال الذي لا يرجع فضل القوة في القتال لنفسه أو لممارساته إنما لله الذي يعمل معك ويتوبك.. [11]

 

 

الأحد الثالث من شهر بابه المبارك للمتنيح الثمص تادرس البراموسي

 

كل مملكة إذا انقسمت على ذاتها تخرب (متى١٣: ٢٢ – ٢٨ )

لقد سبق أن اتهموا الرب يسوع بأنه شيطان لأنه لم يوافقهم على أعمالهم بل كان يردعهم بكلام الحكمة . ويردهم على أعقابهم خائبين وكان الفريسيون يحاولون أن يشهروا بالرب يسوع واستخدام حججهم التي كانوا يستندوا عليها رفضوا رسالته ولم يؤمنون به كأله قالوا انه شيطان لانه كان يخرج الشياطين ويشفى المرضى في يوم السبت وما دام لا يقدس السبت يبقى ليس من الله حسب تعبيرهم لكن الرب يسوع قد كشف حمق أقوالهم وبدد مشوراتهم .

لقد كان للرب يسوع بصيرة نفاده كيف لا وهو الاله الحقيقى المتجسد الذى يعلم ما تكنه القلوب ولقد أوقفت بحكمته محاولات القادة الدينيين الذين أن يخدعوه كيف هذا وهو المسيح المقام من الأموات الذى يعرف أفكارنا ولا نستطيع أن نختبئ منه هو يعرف متى نتصرف وكيف نتصرف . لقد جاء يسوع وتمزقت قوة الشيطان وسلطانه وفى البرية غلب الرب كل التجارب الشيطانية وبالقيامةً قهر أخر أسلحته معلناً أين شوكتك يا موت أين غلبتك يا هاوية .

لم يصنع المسيح معجزة إلا وقف الكتبة والفريسيين حجر عثره أمام الشعب . وأنجيل هذا اليوم يتكلم عن إنسان مجنون أعمى وأخرس يعنى عاله على المجتمع تحنن عليه الرب وشفاه وفرح الشعب وقالوا لعل هذا هو ابن داود . هذا الكلام لم يعجب الكتبه والفريسين . الناس الذين من فمهم تطلب الشريعة .

قالوا لا يخرج الشياطين إلا بعلزبول رئيس الشياطين . علم الرب بسوع بأفكارهم وما تضمره قلوبهم . وقال لهم كيف هذا أن كل مملكة منقسمة على ذاتها تخرب وكل مدينة أو بيت ينقسم على ذاته لا يثبت لا يمكن أن يكون الإنسان ضد نفسه لأن كل إنسان معتز برأيه وبنفسه . أن كنت أنا بعلزبول أخرج الشياطين طيب ما أولادكم يخرجوا الشياطين .

أنتم تفتكرون في أنفسكم أنكم قادة وقوم مثقفين بالنسبة للناموس والشريعة ولكن هم يكونون قضاتكم من التمرد . يأتي اليوم الذى تندمون فيه لكن بعد فوات الأوان . ولنا في قصة هذا المريض عظة وعبرة نتعلم منها الأتى :

 

العظة الأولى

أ – أوجه الشبه بين هذا الإنسان والخاطئ

ب – حنان الرب على البشر

ج – قسوة الإنسان على أخيه الإنسان

د – طبيعة البشر وحكمهم القاسى

هـ – حكمة الله وبعد أفكاره عن البشر

و – الانقسامات وتفتيت الشعوب

ذ – الفريسيين والكتبة وقسوة قلوبهم

ح – إعلان الرب عن الملكوت

ط – تصلب الرأي في الخير والشر

ى – حب الرئاسة وعدم الرحمة

 

العظة الثانية

أ – مريض مثلث العاهات

ب – خالق مانح البركات

ج – فريسيين يوزعون الاتهامات

ذ – إله عالم الخافيات

هـ – حكيم مبدد الانقسامات

د – أبناء وارثين السموات

ط – شعب تائه بالحسرات

ى – رؤساء هزمتهم العثرات

 

العظة الثالثة

أ – وجد فيه الشعب الشفاء

ب – فرح الشعب ونال الرضى

ج – فريسيين أصل الشفاء

د – اله اجزل العطاء

هـ – الفرق بين الهناء والشفاء

و – بالإيمان والجهاد نرث السماء

ذ – ملكوت السموات معد للأنقياء

ح – هيا بنا نسموا عن الفناء

ط – الوعد لنا إذا انتظرنا اللقاء

ى – لنا الميراث حيث لا حزن ولا بكاء[12]

 

 

عظة للمتنيح القمص بولس باسيبلي

مجنون اعمي اخرس(ص ٣٢٢-٣٢٦)

معركة بين المسيح والشيطان ! !

تقسيم على ضوء القراءات الكنسية:

البولس :              (١کو ١٦: ۱۲-٢٣)

كاثوليكون :             (يع٤: ۷-١٧)

الابركسيس :        (أع ١٥: ٤-١٢)

الانجيل :             (متی۱۲: ۲۲-٢٨)

تمهيد : في البولس نقرأ ” اسهروا ، اثبتوا في الإيمان” (اکو ١٦: ١٣) وفي الكاثوليكون نقرأ ” قاوموا إبليس فيهرب منكم ” (يع٤ : ٧-۸) وفى الأبركسيس نقرا “كانوا يسمعون برنابا وبولس يتحدثان بجميع ما صنع الله من الآيات والعجائب في الأمم بواسطتهم ” ( أع ١٥: ١٢) وهكذا نرى هذه الأقوال جميعها تدور حول فصل الانجيل الذي يحدثنا عن انتصار المسيح على الشياطين وشفائه للمجنون ، فالبولس يعلمنا وسائط الانتصار ” بالسهر والثبات في الإيمان وقوة الروح القدس ” والكاثوليكون يعلمنا وسائط أخرى للانتصار ” مقاومة إبليس ، الاقتراب إلى الله ، نقاوة الأيدي ، طهارة القلب ” ثم الأبركسيس يحدثنا عن آثار المعجزة في الشعب ومقاومة الفريسيين (أع ١٥:٤ – ٥)

القسم الأول : أسلحة النصرة على الشيطان

(١) السهر : , اسهروا .. ، ( أنظر البولس ع ١٣ )

(٢) الإيمان القوى : “اثبتوا في الإيمان . . كونوا رجالا تقووا” ( أنظر البولس ع ١٣ )

(٣) مقاومة إبليس : “قاوموا إبليس فيهرب منكم ”          ( أنظر الكاثوليكون ع٧ )

(٤ ) الاقتراب إلى الله : “اقتربوا إلى الله فيقترب إليكم ”  ( أنظر الكاثوليكون ع ٨ )

ووسائل الاقتراب :

[ أ ] بالصوم والصلاة                                                    [ ب ] بالتناول المقدس

(٥ ) نقاوة القلب : “نقوا أيديكم وطهروا قلوبكم ياذوى الرأيين ” ( أنظر الكاثوليكون ع ۸ ) ” من يسكن في ديارك ومن يصعد إلى جبل قدسك . . الطاهر اليدين والنقي القلب “.

القسم الثاني: آثار المعركة!!

(١ ) إعجاب المؤمنين : “كانوا يسمعون بر نابا و بولس يحدثان بجميع ما صنع الله من الآيات والعجائب في الأمم بواسطتهم ” ( الأبركسيس ع ١٢ )

(٢) مقاومة الفريسيين : ” و لكن قام أناس من الذين كانوا قد آمنوا من مذهب الفريسيين وقالوا إنه ينبغى أن يختتنوا ويوصوا بأن يحفظوا ناموس موسى ” ( الابركسيس ع ه ، والانجيل ع ٢٤ )

 

تأملات روحية. . نقاط تفسيرية

حول عظة الأحد الثالث من شهر بابة (متی۱۲: ۲۲ – ۲۸)

  • “أحضر اليه مجنون … ” ترى من الذي جاء بهذا المجنون الأعمى الأخرس ليسوع ؟ لا يمكن أن يكون قد جاء بنفسه إلى يسوع لأن قوة الشياطين المثلثة التى كانت مسيطرة عليه تمنعه بالطبع عن الحضور ليسوع قاهر الشياطين ، إذن من الذي قدمه ليسوع ؟ لسنا نعلم ، إنما نعلم انه ” أحضر ” . إن جماعة من ذوى الحنان والرحمة والقلوب الشفيقة هي التي قدمته وأحضرته في حضرة يسوع ، ولعل يسوع شفاه من أجل ” المقدمين ” كما شفي من قبل المفلوج من أجل , الحاملين ، ، إنها قوة الشفاعة على أية حال ! !
  • “حينئذ أحضر اليه مجنون أعمى وأخرس فشفاه “

معجزة ضخمة مثلثة ، لمريض مثلث العاهات ، وبرغم عظم الكارثة إلا أن المسيح استطاع أن ينتصر عليها ، لأنه هو الذي جاء لينقض أعمال إبليس ، فأمكنه أن يدخل بيت القوى و يربطه أولا ثم ينهب أمتعته ” (مت۱۲ : ٢٩) وهكذا تمت النبوءة القائلة ” هل تسلب من الجبار غنيمة ، وهل يفلت سبى المنصور ، فإنه هكذا قال الرب حتى سبى الجبار يسلب ، وغنيمة العاتي تفلت ، وأنا أخاصم مخاصميك وأخلص أولادك، وَأُطْعِمُ ظَالِمِيكِ لَحْمَ أَنْفُسِهِمْ، وَيَسْكَرُونَ بِدَمِهِمْ كَمَا مِنْ سُلاَفٍ، فَيَعْلَمُ كُلُّ بَشَرٍ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ مُخَلِّصُكِ، وَفَادِيكِ عَزِيزُ يَعْقُوبَ». (أش ٤٩ : ٢٦)

  • ” ألعل هذا هو ابن داود ” ؟ ؟ ! حينما شفي يسوع ذلك المثلث العاهات ” بهت كل الجموع وقالوا ألعل هـذا هو ابن داود؟ ” أي أنهم تذكروا في الحال “مملكة أبيهم داود ” التي ظنوا أن يسوع قد جاء ليؤسسها “يقيم خيمة داود الساقطة ” !!
  • ” هذا لا يخرج الا ..ببعلزبول ” فرق كبير بين كلمة ” هذا ” التي قالها الجموع المعجبون بالمسيح ” العل هذا هو ابن داود ” و بين كلمة ” هذا ” التي يقولها هنا الفريسيون ، فهذا هنا للتحقير والمهانة ، فهم لم يستطيعوا أن ينطقوا باسمه على السنتهم فقالوا ” هذا ” على حد تعبيرهم قبل ذلك ” أليس هذا هو يسوع بن يوسف الذي نحن عارفون بأبيه وأمه ، فكيف يقول هذا إنى نزلت من السماء ؟؟ (يو ٦: ٤٢)

ان الحقد الذي يملأ قلوب الفريسيين من جهة يسوع جعلهم لا يستطيعون أن يتلفظوا باسمه القدوس ، ولعل هذا هو عين ما صنعه الناموسي الذي سأله المسيح في مثل السامري ” أي هؤلاء الرجال الثلاثة ترى صار قريباً الذي وقع بين اللصوص ؟ ” فلم يستطع أن ينطق باسم “السامري ” بل قال الذي صنع معه الرحمة ، !

  • “ببعلزبول ” : إن كلمة بعلزبول كلمة أرامية معناها ” بعلزبوب ” أو ” إله الذباب ” بتعبير يوسيفوس أو ” إله المزابل ” وقد ذكره سفر الملوك بأنه ” إله عقرون ” الذي أرسل إليه ” أخزيا ” ملك السامرة عند مرضه يستشيره إن كان سيبرأ من هذا المرض (۲ مل١ : ٢) ولعل الذي يلفت النظر تلك الدركات التي هبط إليها رئيس الملائكة العظيم ” زهرة بنت الصبح ” (أش١٤ : ١٢) فأصبح “إله المزابل ” !!
  • “كل مملكة.” : لقد اعترف الكتاب المقدس هنا بأن للشيطان مملكة ، وما دامت للشيطان مملكة ، فهو إذن ملك ، لا بل صوره الكتاب المقدس أعظم من هذا فسماه ” رئيس هذا العالم ” (يو ١١:١٦) و ” إله هذا الدهر ” (٢کو ٤ : ٤) و ” کرسى الشيطان ” ( رؤ ۲ : ۱۳) و ” مجمع الشيطان ” ( رؤ ۲ : ۹) ، ولهذه المملكة رعاياها الذين قال عنهم الرسول ” أبناء هذا الدهر أحكم من أبناء النور في جيلهم ” (لو ١٦ : ٨ ) وأيضا ” أبناء إبليس ظاهرون ” !!
  • “أخرس”: قال الغني في اللهيب “يا أبي إبراهيم ارحمنى وأرسل لعازر ليبل طرف أصبعه بماء ويبرد لساني لأني معذب في هذا اللهيب ” (لو ١٦: ٢٤) وهذا دليل على أن سر العذاب هو اللسان لأن سر الخطية هو اللسان “لأنه من فضلة القلب يتكلم اللسان ” (مت ١٢ : ٥) .
  • “كل كلمة بطالة يتكلم بها الناس سوف يعطون عنها حساباً يوم الدين ” (مت١٢: ٣٦). “فلا تخرج كلمة ردية من أفواهكم بل كل ما كان صالحاً للبنيان حسب الحاجة كي يعطى نعمة للسامعين ” (اف ٤: ٢٩) ” فلا يسم بينكم كما يليق بقديسين … كلام السفاهة والهزل التي لا تليق ” (أف٥: ٣)

[13]• قال القديس يوحنا ذهبي الفم ” عندما تجد نفسك وقد زلف منها قسم ، قاصصها بأن لا تتناول طعام الوجبة التالية ” !!

 

 

من وحي الانجيل الاحد الثالث من شهر بابة

 

“كل مملكة منقسمة علي ذاتها لا تثبت ” (مت ٢٥:١٢)

+ عندما يفشل عدو الخير في محاربة الكنيسة من الخارج يحاول من داخلها بالانقسامات.

+ قدمت الكنيسة ألوف من الشهداء وقت الإضطهاد والألم.

+ الإنقسام عدوي من الكبير للصغير وتنشأ الإنقسامات عندما يضيع الهدف (إذا كان صحيحا).

+ الغني الداخلي والدائم للخادم يخمد نار أي نزاع ويبطل الفخاخ المنصوبة في الخدمة.

+ وحدة القلوب في المحبة هي صمام الأمان إذا لم توجد وحدة الفكر في الرؤية.

+ حبات القمح تتحول إلي خبزة واحدة بالطحن والعجن والحرق في الفرن أيضا حبات العنب تحتاج أن تُعْصَر لتنسكب في كأس واحد.

+ توبة الزوجين الدائمة هي طريق وضمان وحدة الأسرة.

+ وحدة الخدام والإكليروس أعظم من مئات المشاريع والأنشطة.

+ التحزبات والإنتماءات الشخصية في الكنيسة أكبر عائق للوحدة .

+ يجمع أبناء الله المتفرقين إلي واحد هو الشغل الشاغل لخدام المسيح وهدف رسالة الكنيسة.

 

 

المراجع:

١- القديس أمبروسيوس

تفسير إنجيل متي إصحاح ١٢ – القمص تادرس يعقوب ملطي

٢- Simonetti, M. & Oden, T.C. ( 2001 ). Matthew ( The Ancient Christian Commentary on Scripture, New testament part Ia ). Illinois ( USA ) : InterVarsity press. Page 243,244

ترجمة الأخت إيفيت منير – كنيسة مار مرقس ببني سويف

٣- المرجع : كتاب شرح وتفسير آباء الكنيسة لأناجيل آحاد السنة التوتية صفحة ٥١ – دكتور جوزيف موريس فلتس

٤- المرجع : تفسير إنجيل لوقا للقديس كيرلس الأسكندري صفحة ٣٨٢ – ترجمة دكتور نصحي عبد الشهيد

٥- المرجع كتاب مقالات القديس كبريانوس اسقف قرطاجنة الشهيد صفحة ٤٧ – اعداد وترجمة الراهب القمص مرقوريوس الانبا بيشوي

٦- المرجع : كتاب من مجد إلي مجد فصل ٢٣ – القديس غريغوريوس النيسي – القمص إشعياء ميخائيل – كنيسة الملاك ميخائيل بالظاهر

٧- المرجع : كتاب سياحة القلب صفحة ١٢٦ – ترجمة القمص اشعياء ميخائيل – كنيسة رئيس الملائكة ميخائيل بالظاهر

٨- المرجع : كتاب المنجلية القبطية الأرثوذكسية صفحة 201 – قداسة البابا تواضروس الثاني

٩- المرجع : معالم الطريق إلي الله صفحة ١٢٣ – المتنيح أنبا يؤانس أسقف الغربية

١٠- المرجع كتاب شفتاك يا عروس تقطران شهدا جزء٢ ، ص ١٢٠، ١٢١)  دير الانبا شنودة العامر بميلانو

١١- المرجع كتاب توبني يارب فاتوب صفحة ٦٣ – القمص يوسف اسعد

١٢- المرجع كتاب تاملات وعناصر روحية في احاد وايام السنة التوتية اعداد القمص تادرس البراموسي

١٤- المرجع : كتاب المواعظ النموذجية الجزء الأول صفحة  ٣٢٢ – القمص بولس باسيلي