الأحد الثاني من بؤونة

 

 

 

” هو الإيمان والوداعة، فيغمر صاحبهما بالكنوز ” (يش بن سيراخ ١: ٣٥)

” قطعاً انقطع ماء البحر والعمق العميق صار مسلكاً.. أرض غير ظاهرة أشرقت الشمس عليها وطريق غير مسلوكة مشوا عليها ”    لبش الهوس الأوَّل

” مادامت عطيّة الله تفوق الإدراك تمامًا فمن المنطق أننا نحتاج إلى الإيمان.

أما ترون أن عدم الإيمان هو هوّة سحيقة، أمّا الإيمان فحصن حصين. لأن عدم الإيمان أهلك الآلاف بينما الإيمان لم يُؤدِ إلى خلاص الزانية وحدها، بل جعلها أيضًا أمّا لكثيرين.

إننا نستضيف برقةٍ أم كل البركات، وهو الإيمان، لكي نكون كمن هم يسيرون في ميناء هادئ مستقر تمامًا، محافظين على إيماننا الأرثوذكسي، فنقود سفينتنا باستقامة ونحظى بالبركات بالنعمة ومحبة البشر التي لربنا يسوع المسيح ” [1]

 

 

شواهد القراءات

 

صلاة عشية (مز ١٥: ٨،٧)، (لو ٤: ٣٨-٤١) ،

صلاة باكر (مز ٣٣ : ١-٢)، (مر ١٦ : ٢-٨)

القداس (١كو ٢ : ٦-١٦)  (٢بط ١: ١-٨)، (أع١٤ : ٨-٢٢) ، (مز١٢ : ٦)، (مت ٩ : ١-٨)

 

 

ملاحظات على قراءات اليوم:

 

+ مزمور باكر اليوم (مز ٣: ١، ٢) هو نفس مزمور قدَّاس الأحد الأوَّل من بابة

وهما الأحدين الذي يأتي فيهما إنجيل القدَّاس عن معجزة شفاء المفلوج المحمول من أربعة

+ قراءة الكاثوليكون اليوم (٢بط ١: ١ – ٨) هي نفس قراءة الكاثوليكون للأحد الرابع من هاتور، وتُشبه قراءة الكاثوليكون (٢بط١: ١ – ١١) ليوم ٣ مسري (نياحة القديس سمعان العمودي)

قراءة اليوم بالآيات الزائدة عن قراءات الآحاد (من ٩ – ١١) تتكلَّم عن الإجتهاد في حفظ الدعوة (القديس سمعان العمودي)، أمَّا قراءات الأحد الرابع من هاتور تتكلَّم عن المعرفة الكاملة لربنا يسوع بالفضائل المُتكاثرة، وقراءات الأحد الثاني من بؤونة عن عظمة الإيمان

 

 

شرح القراءات

 

يتكلم هذا الأحد عن الإيمان كمدخل وأساس وضمان دوام الامتلاء بالروح

تبدأ المزامير بحضور الله ضمان وأمان النفس                    (مزمور عشيّة)

وفخرها                                                                       (مزمور باكر)

وخلاصها وسرورها                                                   (مزمور القدَّاس)

يبدأ مزمور عشية بعيون الإيمان المفتوحة على حضور الله ومسيره دائما معنا “تقدمت فرأيت الرب أمامي في كل حين لأنه عن يميني كي لا أتزعزع”

ويكمل مزمور باكر بافتخار الإيمان وفخره في الرب “أبارك الرب في كل وقت وفي كل حين تسبيحته في فمي بالرب تفتخر نفسي”

ويذكر مزمور القداس سبب افتخار النفس بالله إحسانه الإلهي وخلاصه “أسبح الرب الذي أحسن إلى … يبتهج قلبي بخلاصك”

ويتكلم إنجيل عشية عن إيمان التلاميذ وسؤالهم الرب لأجل حماه بطرس وأيضا إيمان الجموع في مجيئهم إلي الرب بكل أنواع الأمراض والأوجاع (وكانت حماه سمعان قد أخذتها حمي شديدة فسألوه من أجلها فوقف فوقها وزجر الحمي فتركتها وفي الحال قامت وخدمتهم ولما غربت الشمس جميع الذين عندهم مرضي بأمراض مختلفة قدموهم إليه فوضع يديه على كل واحد منهم وشفاهم)

تتكلّم القراءات عن سر الإيمان والحكمة السماوية       (البولس )

وسموّ الإيمان الثمين                                      (الكاثوليكون)

وإجتهاد الإيمان                                              (الإبركسيس)

في البولس يعلن الروح القدس سر الإيمان ويفيض علينا بالحكمة الإلهية التي لا يدركها العالم ولا يستطيع الوصول إليها “بل كما هو مكتوب: مالم تره عين ولم تسمع به أذن ولم يخطر علي قلب بشر ما أعده الله للذين يحبونه فأعلنه الله لنا نحن بروحه لأن الروح يفحص كل شئ حتى أعماق الله ….. هكذا أيضا أمور الله لا يعرفها أحد إلا روح الله ونحن لم نأخذ روح العالم، بل الروح الذي من الله لنعرف الأشياء الموهوبة لنا من الله”

ويحلو للقديس بطرس في الكاثوليكون أن يسميه الإيمان الثمين ويعتبر المؤمنين مساوين له في الإيمان “سمعان بطرس عبد يسوع المسيح ورسوله إلى الذين نالوا معنا إيمانا ثمينا مساويا لنا ببر إلهنا والمخلص يسوع المسيح”

ومع أن هبه الإيمان مجانية إلا أن ثمرها فينا يحتاج إلي اجتهاد ونشاط دائم “كما أن كل شيء قد صار لنا بقوة لاهوته للحياة والتقوي التي وهبت لنا بمعرفة الذي دعانا بمجده والفضيلة … لكي تصيروا بها شركاء الطبيعة الإلهية …. ولهذا عينه وأنتم باذلون كل اجتهاد قدموا في إيمانكم فضيلة … لأن هذه إذا كانت فيكم وكثرت تصيركم لا متكاسلين ولا غير مثمرين في معرفة ربنا يسوع المسيح”

بينما يشير الإبركسيس إلي إيمان المقعد من بطن أمه “وكان يجلس في لسترة رجل عاجز الرجلين مقعد من بطن أمه ولم يمش قط هذا كان يسمع بولس يتكلم فشخص إليه وإذ رأي أن له إيمانا ليشفي قال له بصوت عظيم قم منتصبا على رجليك فوثب وصار يمشي”

لكنه في ذات الإصحاح يدعو التلاميذ إلى الثبات في الإيمان وإحتمال الضيقات “فبشرا في تلك المدينة وتلمذا كثيرين ورجعا إلى لسترة وإيقونية وأنطاكية يثبتان أنفس التلاميذ ويعظانهم أن يثبتوا في الإيمان وإنه بضيقات كثيرة ينبغي أن ندخل ملكوت الله”

ويختم إنجيل القداس بإيمان الأربعة الذين لم تقف أمام إيمانهم أي معوقات أو عوائق لأجل شفاء صديقهم “وإذا برجال قد أحضروا إليه رجلا مفلوجا على سرير … ولما لم يجدوا كيف يقدمونه إليه لسبب الجمع صعدوا على السطح ودلوه مع السرير من على السقف في الوسط قدام يسوع فلما رأي إيمانهم قال للمفلوج أيها الانسان مغفورة لك خطاياك … ولكن لكي تعلموا أن لابن البشر سلطانا على الأرض أن يغفر الخطايا قال للمفلوج لك أقول قم واحمل سريرك واذهب إلى بيتك فللوقت قام أمامهم”

 

 

ومعني الآية (والشرح هنا للقمص أنطونيوس فكري)[2]

 

ولكن لكي تعلموا أن لابن الإنسان سلطانًا على الأرض أن يغفر الخطايا = هناك تفسير لطيف آخر لهذه الآية، أن الربيين كانوا يعلمون أن الإنسان لا يمكن شفاؤه من مرض إلاّ إذا غفرت خطاياه كلها. وبهذا يكون السيد المسيح حين قام بشفاء المفلوج قد أثبت أنه غفر خطاياه كما قال.

 

 

ملخّص القراءات

فالإيمان هو عطية الروح                       ( البولس )

لكنه يحتاج لإجتهاد الإنسان              ( الكاثوليكون )

وثباته في الضيقات                        ( الإبركسيس )

وهو يفتح عيون القلب على الحضور الإلهي لتفتخر به وحده وتبتهج بخلاصه              (مزمور عشية وباكر والقداس)

ويظهر ثمره عندما نسأل لأجل الآخرين                                                        (إنجيل عشية وإنجيل القداس)

 

 

إنجيل القدَّاس في فكر آباء الكنيسة

 

المفلوج

“يُظْهِر فِعل أصدقاء المفلوج الذين حملوه ثم نقبوا سطح المنزل حتى دلّوه ووضعوه أمام يسوع – يُظْهِر مدى جِدّيتهم وشدة إصرارهم؛ ويؤَكِّد أن كل إنسان مريض أو خاطئ لهُوَ بحاجةٍ إلى مَن يشفع له لدى الرب” (القديس أمبروسيوس)؛ “فهكذا فَعَلَ المفلوج إذ أتى به مُرافِقِيه إلى حضرةِ يسوع.”

“بهذا يُعلِن يسوع الطبيب لخليقته عن حضوره لكي يهبهم الشفاء الروحي بِالغفران، والجسدي أيضًا حيث شفى المفلوج.” (القديس كيرلُّس السكندري).

“إن يسوع يُظْهِر قدرته على شفاءِ البشر مِن كل أوجاعهم.” (القديس أمبروسيوس).

“غفران يسوع يُثير تساؤلاً إذا ما كان الإِيمان بحِلُّه وما يصنعه مِن آيات شفاء ضربًا مِن التجديف، أَمْ أنه بالحقيقة ابن الله.” (مار إفرام السرياني).

“يسوع ذو القدرة على معرفة وفحص قلوبهم وأفكارهم، هو بالتأكيد لَقادرٌ أيضًا أنْ يغفر الخطايا. والأمر الأهم الذي يريد يسوع إعلانه هو أنه ابن الإنسان الذي له السلطان على الأرض لمغفرة الخطايا؛ بَلْ وأنه سيعطي هذا السلطان لكنيسته.” (القديس كيرلُّس السكندري). “الأمر بالرجوع إلى البيت هو الأمر بالعودة إلى الفردوس.” (القديس أمبروسيوس)[3]

 

 

الكنيسة في قراءات اليوم

 

لاهوت الروح القدس                                                 البولس

الجهاد (باذلون كل اجتهاد )                                      الكاثوليكون

بضيقات كثيرة ينبغي أن ندخل ملكوت الله                     الإبركسيس

شفاعة الأحياء                                                        إنجيل القدَّاس

 

 

أفكار مقترحة لعظات

 

(١) الإيمان

١- الثقة في المسيح له المجد مصدر الشفاء

” وكانت حماة سمعان قد أخذتها حمي شديدة فسألوه من أجلها ” إنجيل عشيّة

” هذا كان يسمع بولس يتكلَّم فشخص إليه وإذ رأي أن له إيمانا ليُشفي قال له بصوت عظيم: قم منتصبا على رجليك ” الإبركسيس

٢- سرّ الإيمان والحكمة السماوية والعطايا الإلهية

” بل ننطق بحكمة الله في سر الحكمة المكتومة التي سبق الله فعينها قبل الدهور لمجدنا … بل كما هو مكتوب: ما لم تره عين ولم تسمع به أذن ولم يخطر علي قلب بشر ما أعده الله للذين يحبِّونه فأعلنه الله لنا نحن بروحه ”

٣- الإيمان الثمين الذي نلناه ببرّ الله وخلاصه

” سمعان بطرس عبد يسوع المسيح ورسوله إلى الذين نالوا معنا إيماناً ثميناً ببرّ إلهنا والمخلص يسوع المسيح ”

٤- الإيمان العملي المُثمر أو اجتهاد الإيمان

” ولهذا عينه – وأنتم بازلون كلَّ اجتهاد – قدِّموا في إيمانكم فضيلة وفِي الفضيلة معرفة وفِي المعرفة تعففاً وفِي التعفف صبراً وفِي الصبر تقوي وفِي التقوى مودة أخوية وفِي المودة الأخويّة محبة ”

٥- الثبات في الإيمان برغم الضيقات والآلام

” فبشَّرا في تلك المدينة وتلمذا كثيرين ورجعا إلى لسترة وإيقونية وأنطاكية يثبِّتان أنفس التلاميذ ويعظانهم أن يثبتوا في الإيمان وإنه بضيقات كثيرة ينبغي ان ندخل ملكوت الله ”

٦- شركة وشفاعة الإيمان

” فلما رأي إيمانهم قال للمفلوج أيها الإنسان مغفورة لك خطاياك ” إنجيل القدَّاس

(٢) أجواء الغفران والخلاص والشفاء

إذا كنَّا نريد أن نعيش في جو ومجال هذه المُعجزة في الغفران والخلاص والشفاء فيجب أن نحيا هذه البركات ونلتزم بهذه المسؤوليات:

١- الكلمة

أجواء الخلاص والشفاء هي أجواء كلمة الله الحية الفعَّالة (عب ٤: ١٢)، والتي فيها الحياة الأبديّة (يو ٥: ٣٩)، لذلك قدر ارتباطنا وشبعنا بكلمته قدر شفاؤنا وخلاصنا، فكلمة الله لا ترجع أبداً فارغة (أش ١١:٥٥) ، وهي إن دخلت إلي أعماقنا وغُرِسَت في قلوبنا ستكون قادرة علي خلاص نفوسنا (يع ١ : ٢١)

٢- الشركة

ما أجمل أن يعمل أربعة معاً بفكر وروح واحد وقلب واحد لأجل إنسان مريض، فلا يحتاج الله أن ينظر إلي إيمان المريض، بل إيمانهم (مت ٢:٩)، ولا يحتاج المريض أن يتكلَّم فقد سبقت محبتهم وأعلنت ما هو أعظم من أي كلام

٣- الإيمان

المُعجزة الوحيدة في البشائر الأربعة التي أعطي فيها الرب الشفاء لإنسان نتيجة إيمان آخرين دون كلمة واحدة (المرأة الكنعانية طلبت لأجل ابنتها وقائد المئة طلب لأجل العبد ويايرس طلب لأجل ابنته وأرملة نايين نظر الي احتياجها فأقام ابنها)،

فما أعظم إيمان من يخدم الآخرين الإيمان الذي لا يأخذ فقط ما يطلبه (شفاء الجسد)، بل بالأحرى ما يحتاجه ولا يأخذ ما هو في حاضره، بل يعطيه الرب ما هو لأبديته

٤- حضور المسيح له المجد

اللقاء مع الرب يُثْمِر دائماً بما يتخطى ويتجاوز تصوراتنا كبشر (وَالْقَادِرُ أَنْ يَفْعَلَ فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ، أَكْثَرَ جِدًّا مِمَّا نَطْلُبُ أَوْ نَفْتَكِرُ، بِحَسَبِ الْقُوَّةِ الَّتِي تَعْمَلُ فِينَا، (أف ٢٠:٣)

٥- البذل

كم من التعب تكبَّده هؤلاء الأربعة للوصول إليه، وكم من الإنتقادات والتعليقات سمعوها من الناس وكيف أبطلوا كل حُجَّة (يُمْكِن أن تكون لدينا في تعب الخدمة وفِي معوّقاتها)، لذلك أعطاهم الرب أكثر ممَّا كانوا يتصورون ويطلبون وصاروا قدوة لنا في كيف نُحْضِر كل إنسان إلى المسيح يسوع (كو ٢٨:١)

 

 

عظات آبائية

 

شفاء المفلوج بحسب تعليم القديس هيلارى أسقف بواتييه (٣١٥-٣٦٧)

+ في قصة شفاء ذلك المفلوج نرى ان بعض الاصدقاء أتوا بها إلي يسوع ليشفيه، ولم يكن هناك أعظم من كلام السيد أثناء شفاؤه لهذا المفلوج، فهو لم يقل له: “فلتشف ” أو “قم امشي”،لكنه قال:” تشجع يا إبني ، مغفورة لك خطاياك” في المسيح غُفرت كل خطايا آدم ، وفي المفلوج أُحضرت كل الأمم محمولة علي أيدي الملائكة كى تنال الشفاء.

والرب نفسه يدعو المفلوج ابناً له، حيث ان عمل الرب الخلاصي هو أن يغفر خطايانا ويصفح عنها.

ونحن هنا لا ندين المفلوج بأنه قد أقترف أية خطية أدت إلى مرضه، لا سيما أن الرب قد أوضح في مكان آخر أن مرض الأعمي منذ ولادته لم يكن نتيجة خطية أرتكبها أو خطية جناها عليه أبواه. ومع أن السيد الرب كان قد أتخذ جسدًا، لكنه كان قادر علي مغفرة الخطايا وإقامة الأجساد ايضاً اذ قال:” فلكي تروا ان ابن الإنسان له سلطان علي الأرض ليغفر الخطايا “وبعد مغفرته لخطايا ذلك المفلوج قال له:” قم وأحمل سريرك”.

ولقد كان المسيح قادرًا على أن يقول له فقط “قم” ولكنه كان عليه أن يشرح له كل ما يجب أن يفعله فأضاف:” أحمل سريرك واذهب الي بيتك”.

لقد منحه المسيح له المجد غفرانًا لخطاياه، ومن ثم أظهر له قدرته بأنه أعاد الصحة وانهضه من سريره. بل وجعله يحمل سريره هذا. وبحمل المفلوج لسريره أظهر المسيح أن الأجساد تحررت من الوهن والمعاناة. وبرجوعه إلى بيته أظهر يسوع إنه يُعد للمؤمنين طريقًا للعودة إلى الفردوس الذي طُرد منه آدم أبو البشرية بعدما تدنس بالخطية.

“فتعجب الجموع”

لقد كان إعجاب الجموع نتيجة دهشتهم من إتمام هذا العمل الشفائي العظيم، ومع هذا فإن السر كان لا أمامهم، وقد قدّم لهم الآن لمحة عن عمله الخلاصي الذي أتى لأجله، وهو أن ما من عمل بشري يتم إلا بعد مغفرة الخطايا من قبل الرب.

وقد خاف الجموع من كلام الرب وأعماله إذ إنه ما من أحد يعود إلى البيت الأبدي إن لم يُمنح غفرانًا الخطايا.

“ومجدوا الله”

لما تعجب الجموع مما رأوه مجدوا الرب الذي اعطي البشر مثل هذا السلطان. فترتيب الرب اللائق لهذا العمل العجيب أزال منهم الخوف والرهبة وجعلهم يمجدون الله.

وهذا التمجيد يليق بالمسيح وحده، فهو الغافر الخطايا بقوة الآب المولود منه والمساوى له في الجوهر الواحد. وبما ان الله وحده هو القادر أن يفعل هذا، فالأبن الوحيد الجنس له أيضًا ان يغفر الخطايا. وقد بيّن المسيح هنا انه هو الله الحق وأنه مساوٍ لأبيه في الجوهر الواحد.[4]

 

 

شفاء المفلوج عند القديس كيرلس الكبير

إذ قال المسيح للمفلوج: “أيها الإنسان مغفورة لك خطاياك” قصد السيِّد بذلك أن يخاطب الإنسانيّة بأسرها، كل الذين يؤمنون بالمسيح تُشفى نفوسهم من أسقام الخطيّة وتُغفر لهم آثامهم التي ارتكبوها، وبعبارة أخرى يخاطب المسيح المفلوج قائلًا: لا بُد وأن أشفي روحك قبل جسدك، أما إذا لم أقم بذلك فإنَّك بقوّة الجسم تمشي على قدَّميك وتعود إلى حياة الإثم والرذيلة، ولو أنك لم تطلب أيها المريض شفاء الروح، فإنَّي أنا إله ورب أرى أمراض النفس وأسقامها، وكيف أتت بك إلى هذا المرض الوبيل.

ولما كان هناك جمع كبير من الكتبة والفريسيين وكان لا بُد من صنع آيّة لتعليمهم، نظرًا لامتهانهم السيِّد فإنَّ المسيح قام بعمل فائق غريب.

انطرح أمام المسيح على فراش المرض رجل أنهكه الفالج وأعياه ولم ينفع فيه علاج أو دواء واعترف نفس الأطباء بقصورهم عن شفاء رجل دكه المرض دكًا، فيئس أقاربه منه، إلا أنهم رأوا إشعاع الأمل يبدو عن كثب، فأسرعوا إلى حيث المسيح الطبيب العظيم الذي أتى من فوق من السماء، وقدَّموا له مريضهم، وقبل المسيح إيمانه، فبدد الإيمان سحابة المرض، إذ أن المسيح يخاطب المفلوج بالعبارة المشهورة: “مغفورة لك خطاياك”.

قد يسأل إنسان: “كان المفلوج في حاجة إلى شفاء جسمه، فلماذا يعلن المسيح له مغفرة الخطايا؟” ليعلمنا بأن الله يشاهد سكون أعمال الإنسان ويرى الطريق الذي يسلكه في حياته، إذ أنه مكتوب “لأن طرق الإنسان أمام عيني الرب وهو يزن كل سبله” (أم ٥: ٢١). ولما كان الله صالحًا ويريد أن كل الناس يخلصون وإلى معرفته يقبلون، فكثيرًا ما يطهر الإنسان الذي يرتكب الإثم والشر بتعذيب جسمه بمرض ينهكه داء يقعده، على حد قول الوحيّ: “تأدبي يا أورشليم… أمامي دائمًا مرض وضرب” (إر ٦: ٨). وورد في سفر الأمثال: “يا ابني لا تحتقر تأديب الرب ولا تكره توبيخه، لأن الذي يحبه الرب يؤدبه وكأب بابن يُسّر به” (أم ٣: ١٠). فحسنًا يعلن المسيح محو الخطايا والآثام فإنَّ في هذه جميعها منبع المرض وجرثومة الداء، فإذا ما مُحيت الخطيّة شُفي الإنسان من مرض الجسم الذي اتصل بها واستبشعها.

“فابتدأ الكتبة والفرِّيسيون يفكرون قائلين: من هذا الذي يتكلَّم بتجاديف”.

أعلن المسيح (كما أشرنا إلى ذلك آنفًا) مغفرة الخطايا بسلطان إلهي، ولكن هذا الإعلان أثار الفرِّيسيين وكانوا طغمة جهل وحسد، فتخاطبوا فيما بينهم: “من هذا الذي يتكلَّم بتجاديف؟”

ما كان يمكنكم أن تسألوا أيها الفرِّيسيون هذا السؤال لو كنتم وقفتم على معاني الأسفار المقدَّسة، وطالعتم نبوات الكتاب المقدَّس، وفهمتم سّر التجسد العظيم القدر والفائق الوصف.

فبدلًا من درس النبوات اتهمتم السيِّد برذيلة التجديف وحكمتم عليه بالموت، لأن شريعة موسى أعدمت كل إباحي مجدّف، فقد ورد: “ومن جدف على اسم الرب فإنَّه يقتل” (لا ٢٤: ١٦).

خاطب المسيح الفرِّيسيين قائلًا: “ماذا تفكرون في قلوبكم” ، والمعنى الصريح من هذه العبارة “إنكم أيها الفرِّيسيون تعترفون بأنه لا يمكن لغير الله غفران الخطايا؟ ولكن اعلموا أيضًا أنه لا يمكن لغير الله معرفة ما يدور في خلد الإنسان فهو وحده الذي يكشف عن أعماق القلب فيقف على أسراره ونيَّاته، إذ ورد على لسان النبوَّة “أنا الرب فاحص القلب مختبر الكلى” (إر ١٧: ١٠ )، ويشير داود إلى ذلك بالقول: “المصور قلوبهم جميعًا المنتبه إلى كل أعمالهم” (مز ٣٣ : ١٥)، فالله الذي يصور القلوب والكلى هو الله الذي يغفر الخطيّة والإثم.

“ولكن لكي تعلَّموا أن لابن الإنسان سلطانًا”.

حتى يبدد المسيح سحابة الشك والريب التي تظلل بها الكتبة والفرِّيسيون، لم يغفر السيِّد خطايا الرجل المفلوج فحسب لأن الإنسان يعجز عن رؤيّة الخطايا المغفورة بعيني رأسه، بل أمر المرض فزال عن جسم المفلوج، فقام الرجل يمشي سليمًا صحيحًا، مشيرًا إلى عظمة القوّة الإلهيّة التي شفته من مرضه.

فلم يؤجل كلمات المسيح للمفلوج: “قم وأحمل فراشك واذهب إلى بيتك”، فقد قام الرجل لساعته وعاد إلى بيته سليمًا معافي. حقا أن لابن الإنسان سلطانًا على الأرض أن يغفر الخطايا.

ولكن إلى من تشير هذه الآية؟ هل تكلَّم المسيح عن نفسه أو عنا؟ الواقع أن هذه الآية تطلق على المسيح وعلينا، لأن السيِّد يغفر الخطايا بصفته الإله المتجسد رب الناموس وواضعه، وقد تسلمنا نحن هذه القوّة الفائقة، وذلك بتتويج طبيعة الإنسان بشرفٍ عظيم القدر، حيث خاطب المسيح رسله المقدَّسين بالقول “الحق أقول لكم أن كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطًا في السماء وكل ما تحلونه على الأرض يكون محلولا في السماء” (مت ١٨: ١٨)، وورد في موضع آخر “من غفرتم خطاياه تغفر له ومن أمسكتم خطاياه أمسكت” (يو ٢٠: ٢٣)[5]

 

 

معجزة شفاء المفلوج للقديس أمبروسيوس أسقف ميلانو (٣٣٩-٣٩٧)

” وإذا برجال يحملون على فراش إنسانًا مفلوجاً وكانوا يطلبون ان يدخلوا به ويضعوه أمامهم، ولما لم يجدوا من أين يدخلون به لسبب الجمع صعدوا علي السطح ودلوه مع الفراش من بين الاجر الي الوسط قدام يسوع”(لو١٨:٥).

لم تكن معجزة شفاء هذا المفلوج مجرد حدث عرضي ولا كانت شفاءاً بسيطًا. فكما كان الرب” يعتزل في البراري ويصلي”(لو ١٦:٥)، ليس لأنه كان محتاجًا للصلاة كي ينال قوة، بل لتكون مثالًا لنا، ليعلمنا أنه بالصلاة تنال قوة.

وهكذا شفي الرب المفلوج بسبب إيمان وطلبات أصدقاءه، ولهذا ينبغي على كل مريض أن يطلب من الآخرين أن يصلوا عنه لينال الشفاء، لإنه من خلال طلباتهم يسترد جسدنا الضعيف هيئته الأولي وتتقوى عظام حياتنا اللينة وتستقيم خطوات أعمالنا المترنحة وكل ذلك بعلاج من الله الكلمة.

فليرفع مرشدو الروح نفس الإنسان الساقطة التى قيدتها ضعفان الجسد وبمعونتهم يكون سهلًا ان يُحمل الإنسان ويُدلّي مرة أخرى، وبذلك يستحق أن يترآى امام يسوع.

“فلما رأى ايمانهم قال له:أيها الإنسان مغفورة لك خطاياك”(لو٢٠:٥).

عظيم هو الرب الذي يقبل تضرعات المرضى ويغفر لهم من اجل صلوات الآخرين، إنه يقبل صلوات البعض من اجل غفران خطايا الغير. فلماذا لا تطلب صلوات اصدقائك، طالما ان لهم دالة امام الله في أن يتوسلوا من أجلك كي تنال انت ما قد تضرعت لأجله؟ وأنت يا من تدين تعلّم أن تغفر، وأنت أيها المريض تعلّم ان تصلي، فإن كنت تؤمن بمن يغفر الخطايا فتعلّم ان تتضرع اليه وتناديه في الصلاة كي تقتني الصحة والحياة. وإن كنت تخجل بسبب خطاياك، فلماذا لا تطلب صلوات الآخرين.

اُصرخ للكنيسة لكي تصلي لأجلك، فالرب يتطلّع إليها ومن أجل أن لها داله امامه، فإنه يهبك غفرانًا لخطاياك. ويتحتم علينا ايضاً ألا نهمل دور الأيمان في هذه المعجزة، إذ أننا نؤمن إنه حينما شفي الرب جسد هذا المفلوج، قد شُفيّ بالفعل الإنسان الداخلي أيضًا بمغفرة خطاياه.

ولمّا كان اليهود يؤكدون على أن الله وحده هو الذي يغفر الخطايا، كانوا في الوقت ذاته يناقضون كلامهم، اى عندما قالوا” من يقدر أن يغفر الخطايا إلا الله وحده”، كانوا يمجدون عظمة هذا العمل وينكرون في نفس الوقت قدرة المسيح علي مغفرة الخطايا. ولهذا نجد أن المسيح كان يشهد لنفسه من خلال أقوالهم وأعماله.

لإن غير المؤمن لا يقدر أن يعترف ولا أن يؤمن بالمسيح وأعماله الإلهية، لذلك كانت شهادتهم غير ضرورية لتأكيد إلوهيته، فلو كانوا قد آمنو لكانوا قد خلصوا، هم يعترفون بقوة أن الله وحده هو الذي يغفر الخطايا. بيدّ ان إثمهم الأعظم يكمن في أنهم ينكرون ما قد أُثبت من كلامهم. عظيمًا بالحق حنق هذا الشعب غير المؤمن، فمع أنهم يعترفون أن الله وحده هو الذي يغفر الخطايا، إلا أنهم يرفضون أن يؤمنوا بالمسيح غافر الخطايا.

ولأن المسيح اشتهي ان يخلّص الخطاة، أظهر قدرته الإلهية عن طريق علمه بالأمور الخفية وما يدور في داخلهم، إذ يذكر الإنجيل أن:”يسوع شعر بأفكارهم ” وأيضًا بما قام به من عمل شفائي عظيم بعد ذلك قال لهم:”أيُما أيسر: أن يُقال مغفورة لك خطاياك أم أن يقال قم وأمش”(لو ٥: ٢٣).

نجد في هذه الآية إنه بعدما شفي الرب جراحات العقل والجسد، أعطي مثلًا كاملًا لقيامته، بغفران خطايا النفس ووضع نهاية لضعف الطبيعة الجسدية حتى يشفي الإنسان بأكمله، نفسًا وجسدًا. إنه لأمر عظيم أن يُغفر للإنسان خطاياه، لكن من هو القادر علي غفران الخطايا إلا الله وحده؟ وهو أيضًا يغفر الخطايا علي يد من منحهم قدرة طلب الغفران. غير أن إقامة الأجساد تُظهر بالأكثر القدرة الإلهية، فالرب نفسه هو القيامة.

“ولكن لكى تعملوا أن لأبن الإنسان سلطانًا علي الأرض ان يغفر الخطايا، قال للمفلوج: لك اقول قم احمل فراشك وأذهب إلي بيتك”(لو٢٤:٥).

ما هو هذا السرير الذي أمر الرب يسوع المفلوج كي يحمله؟ وإلي ماذا يرمز؟ إنه السرير الذي كان يغسله داود كل ليله بدموعه كما نقرأ في سفر المزامير “أعوم في كل ليلة سريري بدموعي”(مز٦:٦)، هذا هو سرير الألم الذي تنطرح عليه نفوسنا المريضة بعذاب الضمير المؤلم. ولكننا إذا حملنا هذا السرير بحسب تعاليم السيد المسيح، فإنه لا يعود بعد سريرًا للألم، بل سريرًا للراحة وسنشتاق بالأحرى إليه. حقا، إن الرب بآلامه قد حول لنا رقاد الموت إلي نعمة مفرحة، أي ما كان موتًا صار راحة الآن.

فلم يأمر الرب المفلوج بحمل سريره فقط، بل أن يعود أيضًا إلى بيته مرة أخرى، أي أن يرجع إلي الفردوس. لإنه البيت الحقيقي للإنسان، وأول موضع يقبل الإنسان بفرحٍ، وهو ذاك البيت الذي كان الإنسان الأول قد فقده.

حقًا، الآن قد رجع الإنسان الأول إلي بيته عندما أتي المسيح له المجد، وهو أفنى عمل الخداع وإسترد للإنسان ميراثه المفقود فالرب لا يأمرنا بحمل السرير فحسب، بل وبالعودة الي شخصه وإلى بيته، أي يحثنا بالعودة الي الفردوس، بيتنا الحقيقي.

“ففي الحال قام أمامهم وحمل ما كان مضطجعاً عليه ومضي إلى بيته وهو يمجد الله”(لو٢٥:٥).

ولما رأي اليهود المفلوج وهو يقوم أمامهم بكل قوة غير مصدقين هذا تعجبوا وانذهلوا. لقد فضّلوا أن يخافوا على أن يؤمنوا بعجائب الرحمة الإلهية. ولو أنهم قد آمنوا، ما كان لهم أن يخافوا، ولو كانوا قد أحبوا ما كان لهم أن يخافوا، لإن “المحبة الكاملة تطرد الخوف خارجًا “(١يو١٨:٤).

ولأنهم لم يحبوا فقد شرعوا يتحدثون بالشر. ولهذا يقول المسيح لأولئك الذين يفكرون بالشر:”لماذا تفكرون بشر في قلوبكم”.[6]

 

 

مغفرة الخطايا وفحص القلوب من اختصاص الله وحده (عند القديس يوحنا ذهبي الفم)

لكن دعنا نلاحظ كيف باحثهم السيد المسيح بوداعة ولطف وكل حنو. فقد نظر قوماً من الكتبة يفكرون في قلوبهم قائلين: “لماذا يتكلم هذا بتجاديف”(مر٦:٢). إنهم لم ينطقوا بكلمة، بل فكروا بها داخل قلوبهم.

فأعلن الرب يسوع ما في أفكارهم قبل أن يؤكد شفاءه لجسد المفلوج، راغباً في البرهنة لهم علي قوة لاهوته، لأن هذا من اختصاص الله وحده،إذ يقول الكتاب: “لأنك انت وحدك قد عرفت قلوب كل بني البشر “(١مل٣٩:٨).

تأمل كلمة “وحدك” لا تعني التباين بين الابن والآب. لأنه لو كان الآب وحده الذي يعرف قلوب البشر، فكيف يعلم الابن افكارهم؟ فقد قيل عنه: ” لأنه علم ما كان في الإنسان”(يو ٢٥:٢). والقديس بولس الرسول يؤكد معرفة الأسرار انها من اختصاصه، قائلاً: “ولكن الذي يفحص القلوب”(رو٢٧:٨)، مظهراً أن هذا التعبير “فاحص القلوب” مساو للقب “الله” تماماً، كأن أقول” الذي يمطر “قاصداً الله لا غيره و”الذي يشرق الشمس” بدون أن أضيف اليه كلمة “الله”، مشيراً اليه بالعمل الذي من اختصاصه وحده. هكذا بولس الرسول عندما يقول: “الذي يفحص القلوب”، يؤكد ان فحص القلوب هو من اختصاص الله وحده.

لأنه لو أن هذا التعبير ليس له نفس قوة الاسم”الله”مشيراً بذلك إليه، فإنه ما كان يستخدم هذا التعبير أو لا يكتفي به وحده. فلو كان العمل (السلطان)مشتركاً بين الله وكائنات مخلوقة، لما كنا نعرف عمن يعني الرسول إذ اشتراك السلطان يسبب ارتباكاً في ذهن السامع. وبقدر ما ظهر أن هذا من اختصاص الأب، فإن مساواته للأب لا تحتاج إلي نقاش، لذلك نقرأ قوله: “لماذا تفكرون بهذا في قلوبكم. ايما أيسر أن يقال مغفورة لك خطاياك، أم أن يقال قم احمل سريرك وامش”(مر٢: ٨- ٩)

انظر فإنه وضع بذلك برهاناً آخر عن سلطانه لمغفرة الخطايا. لأن مغفرة الخطايا عمل اعظم بكثير من شفاء الجسد، فكما ان الفالج مرض الجسد هكذا الخطية هي مرض الروح، ولكن بالرغم من أن هذه أعظم لكنها غير ملموسة، اما تلك فرغم قلة اهميتها عن الأولي لكنها واضحة.

لذلك استخدم الأقل كبرهان على حدوث الأعظم، مؤكداً أن هذا صنعه لأجل ضعفهم، ومن باب تنازله لحالهم الضعيف، قائلاً:”أيما أيسر أن يقال قم واحمل سريرك وامش”(مر ٩:٢). فلماذا أصنع الشئ الأقل إلا بسببهم، لان ما هو واضح يتأكد في صورة مميزة، لذلك لم يعط الرجل القدرة على القيام الا بعدما قال لهم:”ولكن لكي تعلموا أن لابن الإنسان سلطاناً على الأرض ان يغفر الخطايا (قال للمفلوج) لك أقول قم واحمل سريرك واذهب الي بيتك”(مر ١١:٢). وكأنه يقول إن لمغفرة الخطايا أهمية عظيمة، لكن لأجلكم قد اضفت ما هو أقل أيضاً لكي تكون برهاناً على الأخري.

فكما أنه في حالة مدحه لقائد المائة القائل:”قل كلمة فيبرأ غلامي، لأني أنا إنسان…أقول لهذا اذهب فيذهب ولآخر اتت فيأتي”(لو ٨:٧)، قد أكد فكرة قائد المائة عن طريق مدحه له.

وهكذا عندما وبخ اليهود أو أمسكوا عليه خطأ بخصوص يوم السبت أكد سلطانه على الشريعة، هكذا أيضاً في هذه الحالة (مخلع بيت حسدا) عندما قال البعض: “قال أيضاً إن الله أبوه، معادلاً نفسه بالله”(يو ١٨:٥). فإنه عن طريق اتهاماتهم أكد لهم بأفعاله أنه لم يجدف، بل أمدنا بشهادة لا نزاع فيها أنه يعمل نفس الاعمال التي يعملها الآب.[7]

 

 

قومي يا حبيبتي للقديس غريغوريوس النيسي :

 

” قومي يا حبيبتي يا جميلتي وتعالى ” (نش ٢: ١٣).

لا يكفي أن تقوم النفس من الخطية، بل يجب أن تتقدم أيضا في الصلاح وأن تكمل طريق الكمال. وهذا ما تعلمناه من معجزة شفاء المفلوج لأن الكلمة لم تكن أن يقوم من سرير المرض فقط، بل وأن يمشى أيضا (مت ٩: ٦) والمشي هنا معناه أن نتقدم وننمو في الكمال. ولذلك يقول العريس للنفس قومي وتعالى.

أي قوة موجودة في تلك الوصية لأن صوت الرب هو صوت القوة ” هوذا يعطى صوته صوت قوة ” (مز ٦٨: ٣٣)، ويقول المزمور أيضا ” لأنه قال فكان هو أمر فصار ” (مز ٣٣: ٩)

ولذلك فان الرب يسوع المسيح يتحدث الى العروس المتكئة ويقول لها قومي وتعالى، وللحال يتحول كلامه الى فعل وعمل لأنه عندما تأخذ منه الآمر بالقيام فأنها للحال تقوم وتقترب وتأتى الى النور كما هو واضح من كلامه الذى يدعوها به ” قومي يا حبيبتي يا جميلتي وتعالى ” (نش ٢: ١٣) فلنلاحظ هنا ارتباط تلك الصفات بعضها ببعض.

لأنه حين تسمع العروس الوصية وتتقوى بالكلمة ثم تقوم وتقترب وتصير جميلة لأنها كمرآة ينعكس عليها الجمال الأصلي الإلهي ورغم انحدار الطبيعة البشرية وسقوطها على الأرض وأصبحت تشابه الحية في شكلها الا أنها الآن قد قامت لتنظر الى الصلاح وتعطى ظهرها للخطية وتنظر فقط الى البر الأصلي الذى هو الجمال الإلهي الحقيقي واصبحت النفس مثل الحمامة لأن اتجاهها نحو النور جعلها تأخذ شكل النور وخلال هذا النور تأخذ شكل الحمامة الحلو. والحمامة ترمز الى حضور الروح القدس فى النفس.[8]

 

 

عظات آباء معاصرين

 

القديس البابا كيرلس السادس

الإيمان

المقدمة

أما الآن فيثبت: الإيمان والرجاء والمحبة، هذه الثلاثة ولكن أعظمهن المحبة” (١كو ۱۳ :۱۳)

قد تكلمنا في العدد السابق عن المحبة لعظم أهميتها، نريد الآن أن نتكلم عن الإيمان وعمله…

المفلوج بالجسد

فلما رأى يسوع إيمانهم، قال للمفلوج: يا بني، مغفورة لك خطاياك” (مر٢: ٥)

إن قصة المفلوج تحدثنا عن عمل رحمة عظمى فهي تخبرنا عن نفس قد تسلط عليها المرض ولم يكن مرضها مرضا اعتيادياً، ولكنه كان من أقسى الأمراض التي تبتلى بها الاجسام فهو مرض قاسي تتحول معه الحياة إلى مرارة وتفقد معه كل رجاء وأمل، هذه النفس قدمت للسيد وبكلمات قليلة وفي لحظات معدودة عاد إليها الأمل وانبثق أمامها نور رجاء جديد إذ عادت إليها صحتها والمفلوج الذي دخل محمولاً على أعناق أربعة رجال كجثة  لا حراك بها خرج من أمام السيد وهو يَحمل بعد أن كان يُحمل، إن نفوساً كثيرة اليوم تحتاج إلى نفس الصنيع الذي قد أجراه الرب لتلك النفس البائسة فالحياة مملوءة بالأسقام والأتعاب، وليس من يستطيع أن يعطى راحة للحياة المتعبة سوى ذاك الذي نادي قائلاً “تعالوا إلى يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال، وأنا أريحكم” (مت ۱۱: ۲۸)

فالج أعظم وأقسى

وهناك نفوس قد تسلط عليها فالج أقسى وأمر من الفالج الذي أصاب ذلك المسكين، فالج أعظم خطرا وأعصى علاجاً، وهو فالج الخطية الذي يُفسد الحياة ويجلب عليها هلاكا أبديا وما أحوج هذه النفوس للارتماء تحت قدمي ذاك من دمه يظهر كل خطية وقوته تخرر من سلطان الإثم والنجاسة وهذه الحاجة تقودنا للتأمل في الطريق الذي بواسطته نالت تلك النفس الحياة بعد الموت وامتلأ قلبها بالرجاء بعد اليأس.

كيفية الحصول على عطايا الرب

إن هذا العمل المجيد تم بأمرين:

أولهما: قوة فائقة وحنان عميق من ناحية السيد.

ثانيهما: سعي واجتهاد من جانب الذين أخذوا على أنفسهم مهمة الإتيان بتلك النفس الي قدمي الرب يسوع.

إن ما تحتاج هو أن تفكر فيه وتفكر فيه كثيرا واجبنا غن، الذي علينا أن تقوم به حتى تحصل علي عطايا الرب المقدسة لنا بسخاء وبلا تعبير.

أما قوة الرب وحنانه فلا حاجه في التفكير فيهما لأنهما كما كانا لذلك المفلوج لازالا كما هما اليوم لكل نفس مثقلة بائسة إذ يقول الكتاب “يسوع المسيح هو هو أمسا واليوم وإلى الأبد” (عب ۱۳ :۸)

الإيمان

إن القصة تخبر عن اجتهاد واجتهاد عظيم قد أظهره اصحاب المفلوج، ولكن الكتاب يقول كلمة وهي: “لما رأى يسوع إيمانهم، قال للمفلوج: يا بني، مغفورة لك خطاياك” (مر٢: ٥).

وهذه الكلمة تكشف لنا عن سر عظيم وهو أن أساس البركة التي نالها المفلوج، لم يكن الاجتهاد الذي أظهره من اهتموا بأمره، ولكن بالحري الإيمان الذي ملأ قلوبهم في قوة من التجأوا لقوته.

وإن قصة المفلوج تخبرنا عن قوة الإيمان وعمله، فلنتأمل الآن ما تعلمنا إياه هذه القصة عن عمل الإيمان، وهي تعلمنا عن هذا ثلاث حقائق.

الحقيقة الأولي: الإيمان هو العامل

قامت فلسفة بشرية تقول إن السلوك الصالح أمر لا أهمية وله ولا علاقة بينه وبين حياة الاتصال بالله والاستعداد لوراثة الملكوت، وهذا تعليم يناقض صوت الوحي الإلهي وكثيرا ما يقود للاستباحة وفساد الحياة والكتاب يقول:

-إذا لا شيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع، السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح” (رو ۸ : ۱)

-ولا يرث الفساد عدم الفساد” (1 كو ١٥: ٥٠)

-والرسول بطرس يوصينا حتى نقدم في إيماننا فضيلة. (٢بط ١: ٥)

الإيمان يولد الاجتهاد

هناك حقيقة هامه واساسيه للذين يطلبون الحياة في المسيح وهي أن الإيمان في الرب وقوته اساس كل عمل صالح، وهذه هي الحقيقة التي تعلنها لنا قصه المفلوج التي تنسب كل اجتهاد اولئك القوم وسعيهم الصالح الإيمان قلوبهم…..

الإيمان أساس البركة

وتتكلم عن الإيمان كأساس البركة التي نالوها بعد اجتهادهم وسعيهم، إذ يقول الكتاب لما رأى يسوع إيمانهم ” (مر ٢: ٥)

وهذه الحقيقة التي يتكلم عنها الكتاب كثيرا وتشهد عنها سير القديسين الذين حظوا بأعمال محبة السيد فيهم، كالرسول بولس يقول فالذي يمنحكم الروح، ويعمل قوات فيكم، أبأعمال الناموس أم بخبر الإيمان؟ (غلا ٣: ٥) وفي هذا يخبرنا عن عمل الإيمان كفاعل قوات في المؤمنين كما أنه في موضع آخر يتكلم عنه كأساس كل بركة لنا في المسيح يسوع إذ يقول لأنه في المسيح يسوع لا الختان ينفع شيئاً ولا الغرلة، بل الإيمان العامل بالمحبة” (غلا ٥: ٦).

وهكذا الرسول يوحنا إذ يتكلم عن سر الغلبة يقول …. وهذه هي الغلبة التي تغلب العالم: إيماننا، من هو الذي يغلب العالم، إلا الذي يؤمن أن يسوع هو ابن الله ؟” (١يو٥: ٤، ٥)، لماذا ذلك ؟! لأن الرب هو قوتنا والرب يقول …. بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئا” (يو ١٥ :٥)، ويقول الرسول بولس أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني” (في ٤: ١٣) وإذن فكل اجتهاد نصنعه. بعيدا عن الاعتماد على قدرة الرب والايمان في قوته هو اجتهاد باطل واما السعي الصالح الذي نتممه على أساس الإيمان في قوة الرب المخلصة فهو الذي ينجح ويفلح.

إن توبة المرأة الخاطئة قبلت ودموعها استطاعت أن تغسل آنامها لأن سعيها بنى على إيمانها في محبة السيد وقدرته، ولذلك خاطبها الرب قائلاً: إيمانك قد خلصك، إذهبي بسلام” (لو ٧: ٥٠).

والمرأة الفينيقية نجحت في سعيها ونالت طلبتها لأن جهادها كان مبنيا على إيمانها في قدرة من التجأت إليه وفي محبته، ولهذا قال لها الرب مادحا ” .. يا امراة، عظيم إيمانك ليكن لك كما تریدین..” (مت ۱: ۲۸)

ولهذا يتكلم الكتاب كثيرا عن الإيمان كسر الحياة المسيحية وأساسها لا لينفي ضرورة الاجتهاد في العمل الصالح واهميته ولكن لينيه أذهان المؤمنين حتى لا يعتمدوا على سعيهم وبرهم ولكن يضعوا كل اعتمادهم على قوة رب الجنود وهي أساس إيمانهم في قوة ربهم يبذلون كل اجتهادهم.

الحقيقة الثانية عمل الإيمان

فقصة المفلوج لا تعلمنا فقط أن الإيمان هو العامل ولكنها تعلن لنا أيضا شيئاً عن فعل الإيمان وقوته وهي تعلن عن هذا أمرين:

أولهما: الإيمان يقودنا إلى السعي

-لا ريب ان أولئك الناس لو لم تكن لهم قلوب مملوءة بالثقة في قدرة الرب يسوع، وفي محبته وحنانه، وفي استعداده لإجابة سؤل قلوبهم، لما تحملوا كل هذه الأتعاب في سبيل الاتيان بمفلوجهم تحت قدميه.

-فإيمانهم هو الذي أوجد العزم في قلوبهم.

-وإيمانهم هو الذي حركهم الحمل مريضهم على اعناقهم.

-وإيمانهم هو الذي ساقهم حيث كان الرب قائما يعلم.

-وإيمانهم هو الذي صعد بهم على السطح.

-وإيمانهم هو الذي أعطاهم شجاعة وصبرا حتى ثقبوا السقف.

-وبلا جدال أن إيمانهم الكامل – في شخص القادي المحبوب – كان هو أساس دخولهم وخروجهم بكل ما تخلل ذلك من تعب وتضحية..

-وإيمان المرأة الخاطئة هو الذي قادها للدخول في بيت الفريسي حيث سكبت دموعها مبللة بها قدمي من التجأت لمحبته واستترت في حمى عطفه وحنانه (لو ۷: ۳۷-۳۸)

-وإذن فلنفتح قلوبنا حتى نرى من لا يرى لنراه في محبته الفائقة وحنانه العميق وقدرته العجيبة حتى تمثلى قلوبنا بالإيمان به والثقة وعند ذاك نرى في حياتنا حرارة لم نتعهدها في نفوسنا من قبل: حرارة توقظ ضمائرنا وتنبه عقولنا وتولد الرغبة الصالحة في نفوسنا فلا نهدى حتى نأتي إلى حيث هو، ونطرح خطايانا تحت قدميه كما طرحها المفلوج من قبل، ونسمع من فيه الطاهر القول الذي لذلك المفلوج من قبل “ثق يا بني مغفورة لك خطاياك”. (مت ۹: ۲)

ثانيهما: بالإيمان تحصل على ما نسعى لاجله –

فالإيمان قادهم أولا حيث كان السيد:

-بالإيمان نالوا ليس فقط ما طلبوه ولكن فوق ما كانوا يفتكرون ويطلبون.

-فهم أتوا طالبين خلاصاً لمريضهم من آلام مرضه القاسي وهذا ما قد نالوه ونالوه مجانا بكيفية تامة وسرعة ففي لحظة عادت الحياة لذلك الجسم المريض وقام المريض المحمول على الأعناق صحيحاً معافى وخرج حاملاً السرير الذي دخل محمولاً عليه.

-وإذن فنحن بإيماننا تنال ما تطلب وبالإيمان تنال فوق ما تطلب ونفتكر.

-بالإيمان تحصل على الأمور المستحيلة والتي تعجز قوات السماء والارض ان تعطيها لنا، هذا هو وعد الرب الصادق لنا وكل ما تطلبونه في الصلاة مؤمنين تنالونه” (مت ۲۱ : ۲۲).

-بالإيمان ننال غفران الخطايا، وبالإيمان ننال قوة الغلبة، وبالإيمان ننال سلاما يملأ قلوبنا، وبالإيمان نرث الأمجاد السمائية.

الحقيقة الثالثة: بإيماننا نخدم سوانا

إن الكتاب لم يقل “لما رأى يسوع إيمان المفلوج ولكنه قال “لما رأى يسوع إيمانهم ” إذن كل ما ناله المفلوج من البركة جاءه عن طريق إيمان سواه، من الأمور المختبرة أن انواعا كثيرة من المرض تطفى في النفس جذوة الإيمان وتخدر أعصاب الثقة وتورث النفس روح يأس، وتفقدها كل رجاء أو أمل والفالج هو واحد من تلك الامراض ولذلك لم يكن من الممكن لذلك المفلوج ان يجد في نفسه إيمانا ینال به سؤل قلبه.

-ففي هذا الوقت الذي فيه أعوزه الإيمان كان إيمان الآخرين يعمل عوضاً عن إيمانه.

-و بإيمان سواه حصلت نفسه على ما لم يكن يرجوه.

-الخلاص بإيمان الآخرين

.. ونفوس كثيرة تجوز نفس اختبار هذا المفلوج سواء كان من ضغط الضوائق، أو بسبب مرض من تلك الأمراض التي يتبعها اليأس، وهذه النفوس تحتاج لإيماننا نحن وبإيماننا نستطيع أن تحصل لهم على ما يحتاجونه هم من البركة.

-هكذا الذين يعيشون في الاثم والفساد، إن روح الفساد العامل فيهم يقتل كل بذرة للإيمان في قلوبهم ويفقدهم كل إيمان في ربهم.

-فلا تخف لأننا بإيماننا نحن نستطيع أن نأتي بقلوبهم وحياتهم الى من يستطيع أن يطهرهم ويحررهم كما تقدم المفلوج إليه بإيمان الذين كانوا يحملونه

-وبإيماننا نحن نستطيع أن نضع حياتهم في يد فاديهم فيأخذوا منه نعمة التجديد وقوة الخلاص ويسمعوا من فمه الإلهي كلمة الغفران كما سمع المفلوج بإيمان الذين اهتموا بأمره.

-اليس على إيمان سوانا نعتمد باسم الآب والابن والروح القدس ؟

-وبإيمان سوانا نتال الميلاد الثاني ننال الحياة الجديدة ؟!

فيا من تثقل قلبك حزناً على نفس شاردة يهمك أمرها وتلتهب شوقاً لرجوعها إلى حضن أبيها السماوي كما رجع الابن الشاطر من قبل، لا تيأس بل احمل تلك النفس كما حمل الرجال الاربعة مفلوجهم وبروح الإيمان قدموه امام عرش الرحمة والعون والرب الذي لم يرد أولئك الرجال غائبين هو بنفسه سيقبل طلبتك، ولما يرى إيمانك سينادي تلك النفس الضائعة قائلاً “لق يأبني مغفورة لك خطاياك”، سيعطيها تطهيرا من خطاياها السالفة وسيمنحها قلباً جديداً تعيش به في  الطاعة وقداسة الحق

الإيمان أساس كل عطية

.. قال الرب طوبى للذين آمنوا ولم يروا” (يو ۲ : ۲۹)، والرب أعطى الطوبي للمؤمنين لأن الإيمان هو اساس كل عطية وسلام وهو مصدر كل قوة وحياة.

-وبإيماننا تنال بركة لنفوسنا وبركة للذين تحب لهم السلام والراحة القلبية.

-ونحن نشكر الله لأن الإيمان هو عطيته التي يمنحها لكل من يسأل.

فما أحوجنا يا أحبائي لأن تردد في كل حين طلبة التلاميذ المعلمهم إذا سألوه قائلين: “يا رب زد إيماننا” (لو ١٧: ٥) وكما سأله ذلك الرجل بدموع قائلاً “أعن عدم إيماني” (مر٩: ٢٤) فهل تصلى ونصلى بلجاجة حتى يضرم روح إيمانه في قلوبنا له المجد الدائم آمين…

المرجع : العدد الثالث من السنة الأولي لمجلة ميناء الخلاص الصادر في شهر برمودة ١٦٤٤ ش (مايو ۱۹۲۸ م) 

 

عظة للمتنيح الانبا كيرلس مطران ميلانو

 

اصفح.. المفلوج

اصفح يارب عن جميع سيئاتنا وزلاتنا الله

الله وحده هو القادر على مغفرة الخطايا (هو ٢: ٧).. هو غافر خطايانا.. ومنقل حياتنا من الفساد، وعلمنا أن نصلي قائلين ” يا أبانا الذي في السموات.. اغفر لنا ذنوبنا، كمـا نغفر نحن أيضا للمذنبين إلينـا ” (مت ٦: ١٢).. وأوصانا قائلا ” إن غفرته للناس زلاتهم، يغفر لكم أيضا أبوكم السماوي ” (مت ٦: ١٤).

في سلطان الله أن يغفر الخطايا (مت ٦: ١٢).. وأنه يمحو أثامنا ويغسل أدناسنا بالتوبة والرجوع إليه.. وأيضا بالصفح عن أخطاء الآخرين لنا، ناظرين إلي السيد المسيح الذي صفح لطالبيه قائلا ” يا أبتاه أغفر لهم ” (لو ٢٣: ٣٤).

السيد المسيح جعل تلاميذه وكلاء لأسراره الإلهية وأعطاه السلطان قائلا ” من غفرتم خطاياه تغفر له. ومن أمسكتم خطاياه تمسك ” (يو ۲۰: ۲۳). ونحن نعترف لله بخطايانا في حضور وكيل أسراره ” وإن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا، ويطهرنا من كل إثم ” (١يو ١: ٩). وننال منحة الغفران من الله عن طريق وكلاء أسراره الإلهية.

الجسد السري والدم الكريم الذي نناله بعد التوبة والاعتراف.. هو يتناول حياتنا الداخلية والخارجية فيكون ” طهارة لأجسادنا، وشفاء لأمراضنا وتطهيرا لآثامنا، وغسلا لأدناسنا ” (قسمة القديس غريغوريوس).

تائه خرج بعيداً عن نفسه:

الطفل الصغير يتوه ويضل، عندما تفلت يده الصغيرة من يد مربيه.. أنه يبقى بعيداً عن أهله، وعن بيته.. وقد يبكي بدموع ساخنة، ويصرخ بحزن شديد. ولأنه عاجز عن التعبير، قد تتلقفه آياد رحيمة. ومن كل هذا نتأثر.. ولا نستعجب لأنه طفل.

إنما نتعجب عندما نرى إنساناً كبيراً.. يسكن في بيته، ويقيم مع أهله، ويتحرك فيه عقله.. ويدق قلبه في داخله.. ولكنه تائه وبعيد عن نفسه، ومن بعده عنها لا يعرف أنه تائه.. لا يبكي على حاله، ولا يهتم بالقيام من سقطته، ولا ينشغل بتوبته ولا رجوعه إلى نفسه، ولا يعود كما عاد الابن الضال إلى نفسه بنفسه.. تائه ينظر إلى غيره، ويحصر عيوب غيره، وفيما هو يسقط فيها يدين الآخرين!!

قال أحد الآباء للتائه بعيداً عن نفسه ” من يترك ميته، ويبكي على ميت غيره؟ ” . الانشغال بخطايا الآخرين وإدانتهم، لا يغفر لنا خطايانا.

خطايانا ثقيلة.. ظاهرة وخفية.. وبإرادة وبدون إرادة.. لا تحتاج أن نحمل معها خطايا الآخرين فتكون لنا زيادة في الخطية، وتمنعنا عن التوبة.. فعلينا أن نتوب ونطرح كل أحمالنا الثقيلة أمام السيد المسيح القائل ” تعالوا إلي يا جميع المتعبين وثقيلي الأحمال وأنا أريحكم “.

الطعام المشبع للمسيح:

أخي الحبيب.. أنت تعلم جيداً أنه لو أكرمنا العالم كله ومدحنا ومجدنا.. فليست هذه هي التزكية التي يستند عليها الله فاحص الأعماق.. ولا نتزكى بها وندخل لنعاين محبة الله السرمدي عند قيامة الأموات وحياة الدهر الآتي.

الذي يتزكى للدخول هو الذي سمع على الأرض ” مغفورة لك خطاياك “، وذلك بعد جهاد حسن وتوبة مستمرة كل لحظة.

الذي يرى خطاياه ويهتم بتوبته، ينكسر قلبه وينسحق، ويقبل الرب توبته كذبيحة نقية.. ومنه يشتم رائحة الرضا.

هيا بنا ندخل بأفكارنا لبيت سمعان الفريسي.. ونبصر ما هو الطعام المحبب للمسيح.. وما الوليمة التي يشتاق إليها قلب المسيح؟ وليمة أعدها سمعان والكل يعلم بهذا. ولم يستطعمها المسيح.. ووليمة أخرى عند قدمي المسيح صنعتها المرأة الخاطئة، بدموع التوبة وطلب المغفرة من غافر الخطايا.. علم بها المسيح وأحبها، وشبع بتوبتها، وأرتوى برجوعها إليه. استحقت صوت العريس القائل ” سبيت قلبي يا أختي العروس بإحدى عينيك. بقلادة – واحدة من عنقك “.

مغفورة لك خطاياك:

ما أعذبها كلمة تريح النفس الهالكة.. وتخرج النفس المغلق عليها تحت الخطية.. قالها السيد المسيح للخطاة التائبين.. وهو متشوق لكي يمنحها لكل تائب. ” بها يتذوق الإنسان حلاوة التوبة، وينفر من مرارة الخطية.

بالتوبة ينغسل القلب من الشر (أرميا ٤: ١٤). وبكلمة مغفورة لك خطاياك يخلق القلب من جديد. بمغفرة الخطايا، تفتح الأبواب السمائية. وبها يتعانق القلب الصغير التائب، مع القلب الكبير.. قلب الله القدوس.

إذا كنا نرى في عالمنا الحاضر ما هو تأثير كارت من مسئول كبير.. أو إمضائه أو رفع سماعته لمساعدة إنسان والاهتمام به لفتح الأبواب الأرضية أمامه.. ماذا يكون نصيب من حمل معه ” مغفورة لك خطاياك ” إنه يخرج من تحت الخطية.. ويحمل على أجنحة النسور.. وبها يجئ ويدخل للأحضان الأبوية المفتوحة.

لذا كل ما نطلبه من الله ونحصل عليه مهما بلغت قيمته، لا يعادل المنحة الإلهية عند سماع ” مغفورة لك خطاياك “.

بها نبقى مع الله، والله يبقى فينا. ونقول مع المرنم ” تعود أنت يا الله فتحينا، ويفرح بك شعبك ” (مز ٨٥: ٦).[9]

سر الشفاء معناه وغايته في الإيمان الأرثوذكسي – الأب ألكسندر شميمن

” يجب أن نكتشف النظرة السرائرية لحياة الإنسان، تلك النظرة غير المتغيرة، والتي هي دائماً مواكبة للعصر … فالكنيسة تعتبر الشفاء سر. ولكن هناك سوء فهم استمر لقرون طويلة باعتبار الكنيسة: ” دين “. سوء فهم عانت منه كل الأسرار، وتعاني منه كل عقيدة ” الأسرار ” ذاتها. في حين أن سر الزيت [مسحة المرضي] هو في الواقع سر الموت! … حيث يُفْتَح للإنسان ليس أكثر ولا أقل من ممر آمن للأبدية [على الأرض].

هناك خطر: أن اليوم، مع الاهتمام المتزايد للعلاج بين المسيحيين، أن يُساء فهم السر [سر مسحة المرضي] ، علي أنه سر للصحة [ للحصول علي الصحة ] ، وكأنّه مكمل مفيد للطب الدنيوي … [ بينما ] السر ، كما نعرفه ، هو دائماً معبر وتحول . ليس معبر إلي ما هو خارق للطبيعة [لحدوث معجزة]، بل معبر إلي ملكوت الله، إلي العالم الآتي، إلي حقيقة هذا العالم، وإلي حقيقة حياة العالم المفدية والمُسْتَعَادة [لصورتها الإولي ] بواسطة المسيح .

إنه ليس تُحوَّل الطبيعة لما هو خارق للطبيعة [إعجازي]، بل تحوَّل القديم إلى الجديد. فالسر (سر مسحة المرضي) ليس معجزة من خلاله يكسر الله قوانين الطبيعة، بل هو تجلّي للحقيقة المطلقة عن هذا العالم وتلك الحياة، عن الإنسان والطبيعة، عن الحقيقة التي هي: ” المسيح”. فالشفاء هو سر، لأن غايته أو نهايته ليست التعافي، ولا غايته أو نهايته استعادة الصحة البدنية، بل هو سر لأن فيه دخول الإنسان إلي داخل حياة الملكوت: إلي داخل السعادة والسلام الخاص بالروح القدس.

في المسيح، كل شيء في هذا العالم، سواء صحّة أو مرض، سعادة أو معاناة، أصبح الكل صعوداً ودخولًا في تلك الحياة الجديدة: المتوقعة [في الحياة الحالية ] والمرتقبة [ في الحياة الآتية ]

في هذه الحياة، المعاناة والمرض بلا شك هي أشياء [نعتبرها] : ” طبيعية ” ، ولكن طبيعتيها ذاتها أمر غير طبيعي ! فهذا يكشف الهزيمة المطلقة والدائمة للإنسان والحياة، هزيمة برغم روعة وإعجاز الطب في انتصاراته الجزئية، فإنه لا يمكنه أن ينتصر على المعاناة والمرض انتصار مطلق. في حين أن في المسيح، المعاناة لن تزول، بل تتحوَّل للانتصار! الهزيمة تصير ذاتها انتصارا! تصير الهزيمة طريق ومدخلاً إلي الملكوت، وهذا هو الشفاء الحقيقي الوحيد.

هنا إنسان يعاني علي سريره من الألم، وتأتيه الكنيسة وتعمل سر الشفاء [سر مسحة المرضي]. لهذا الرجل، ولكل رجل في العالم كله، المعاناة من الممكن أن تكون له ” هزيمة “، عن طريق الاستسلام الكلي للظلام واليأس والعزلة. يُمْكِن أن تكون له ” موت ” بالمعني الحقيقي للكلمة. ويُمْكِن أيضاً أن تكون المعاناة انتصاراً مطلقاً للإنسان، وانتصارا للحياة في الإنسان.

فالكنيسة لا تأتي لتعيد الصحة إلي هذا الإنسان، ولا لكي تكون ببساطة بديل للعلاج حين يستنفذ الطب كل وسائله. بل الكنيسة تأتي لتأخذ الإنسان إلي حب ونور وحياة المسيح.

تأتي ليس لمجرد أن تريحه من معاناة ولا لكي تساعده، ولكن لكي تجعل الإنسان: ” شهيد “، وتجعله شاهد للمسيح في قمّة معاناته. فالشهيد هو من يري السموات مفتوحة وابن الإنسان واقف عن يمين الله.

الشهيد هو الذي الله له ليس أمل آخر أو أخير لإيقاف الألم الفظيع. بل الله له هو الحياة الحقيقة، ولهذا فكل شيء في حياته ينتهي إلي الله، ويصعد لملء الحب.[10]

 

 

عظة للمتنيح القمص تادرس البراموسي

 

قم وأحمل سريرك وأمضى إلى بيتك (لو ٥ – ١٧ – ٢٦)

أن هذا الرجل المخلع غير المذكور في إنجيل القديس يوحنا ونعرفه من أن ذلك كان في رواق سليمان أما هذا الرجل في كفر ناحوم ذاك كان له ثمانية وثلاثين سنة وهذا غير مذكور عدد السنين التي بقي فيها مخلعاً.

ذلك لم يكن له من يخدمه وهذا كان الكثيرون يخدمونه لذلك قال له الرب يسوع قد شئت فأطهر ثم قال له مغفورة لك خطاياك ثم أن الأربع رجال الذين كانوا يحملونه لشدة أيمانهم بقدرة الرب يسوع ثقبوا السقف وأنزلوه أمام الرب بالحبال فلما رأى الرب يسوع أيمانهم قال للمفلوج مغفورة لك خطاياك تعتبر الكنيسة أن هؤلاء الناس الأربعة الذين أنزلوا المريض أمام الرب يسوع يعتبروا الجندي المجهول.

لم يذكر الكتاب أسمائهم ولم يطلب منهم المريض أن يحملوه ويقدموه للرب يسوع وكان عملهم عمل تطوعي وعلى أساس أيمانهم شفى المريض لأن الرب يسوع كما قال الكتاب لما رأى أيمانهم قال للمفلوج مغفورة لك خطاياك. فما أحوجنا يا أحبائي في هذه الأيام إلى هذا الجندي المجهول الذي يخدم بصمت ويقدم الخير بدون ضوضاء ويهتم بالآخرين بدون مقابل أين هو هذا الإنسان. أكيد أنه موجود ولم نراه ولم ينتظر شكر من أحد لأنه ينظر إلى المجازاة. أين الجندي المجهول بين الكهنة والخدام وأفراد الشعب لكى يفتشوا على من ليس له أحد يسأل عنه. ويقدمه للرب يسوع.

ثم أن هذا المريض كان سبب مرضه الخطية. فكما أن الأعضاء السليمة إذا ربطت بالقيود لا تستطيع أن تتحرك فكذلك المخلع فأنه بسبب خطاياه قد انحلت قواه وارتخت يداه ورجلاه وأصبح لا يدري بنفسه حتى انه لم يقل له الرب يسوع حسب إيمانك، بل لما رأى إيمانهم قال للمفلوج مغفورة لك خطاياك. ولما قال له هذا شفى في الحال وعادت أعضاءه إلى حركتها الطبيعية.

فلما كان غفران الخطايا منوطاً بالله وحده. لذا تعجب اليهود. كيف يغفر الخطايا لأنهم كانوا يفتكروا إنه إنساناً عادياً. وقالوا إنه يجدف. فعلم يسوع أفكارهم وقال لهم.

لماذا تفكرون في قلوبكم. لأنه علم ما في القلوب والكلى وقد علم ما في قلوبهم. وقال لهم أي شيء أيسر شفاء مخلع أم تحرير نفس من قيود الخطية ولا ريب أن شفاء النفس أفضل بكثير من شفاء الجسد أراد أن يعلمهم أن له سلطان على الأرض أن يغفر الخطايا حينئذ قال للمفلوج قم أحمل سريرك وأذهب إلى بيتك.

وبذلك أثبت كونه إلهاً وقوله أبن البشر لأنه تجسد. فخافوا اليهود لأنهم راوا أعجوبة عظيمة ومجدوا الذي تكلم وعمل هذه الأعجوبة ويتسأل البعض هل المسيح إنسان أم إله. فأن قال إنسان كذبته الجموع ويقولوا أن الإنسان لا يقدر أن يغفر الخطايا ولا أن يصنع هذه المعجزات وأن قال إله فأنه كإنسان يمشى ويرى ويتكلم وأن قال الاثنين معاً. يقولون إنه واحد يرى ويتكلم ويسمع. أما نحن فنقول إنه الإله المتأنس الذي قال عنه الكتاب ولما جاء ملئ الزمان أتى أبن الله مولوداً من امرأة تحت الناموس ليفتدي الذين تحت الناموس

 

العظة الأول

أ – وقف المعلم وسكت معلموا الناموس

ب – أتوا من أقاصى البلاد ليروا رب العباد

ج – نالوا الشفاء من ملك السماء

د – الرجل المحمول والجندى المجهول

هـ – احتمال المشقات وأخذ البركات

و – إيمان أكيد وقلب جديد

ذ – نال الشفاء وتذمر الأعداء

ح – حمله المتطوعين وشفاء الأمين

ط – عالم الخفايا. وواهب العطايا

ى – مجدوا الله وتذمر وجفاء

 

العظة الثانية

أ – معلم وشجاعة. ومبغضين

ب – مرضى وشفاء وفريسيين

ج – مجهولين وقوة الشفاء ومهتمين

د – حكمة الخالق ورد الضالين

هـ – إيمان ومغفرة وطبيب أمين

و – عدم الرحمة ومقاومين غير رحومين

ذ – مفكرين وللشر فاعلين

ح – سلطان الهى. ونعمة مجانية

ط – دخل محمول. وخرج يحمل الفراش

ى – حيرة وخوف. وشكر على المعروف

 

العظة الثالثة

أ – حضروا للشفاء وانتقدوا الأبرياء

ب – محاولات يأسة وتدخل الحكمة

ج – عمل الرحمة وتضحية الأحباء

د – المعطى العظيم ونعمة الشفاء

هـ – كاشف الخفايا وواهب الحياة

و – السلطان القوى والسر المعلن

ذ – دخل محمولاً وخرج حاملاً

ح – مضى لبيته. معافى وأمتلأ اليهود سلافاً

ط – شهادة الجميع. اننا رأينا عجائب

ى – إعلان الخفاء وكرم العطاء وتمجيد الإله[11]

 

 

عظة للمتنيح القمص بولس باسيلي

 

الحمالون الأربعة إإ

” يحمله أربعة ” (مر ٢: ٣)

تمهيد: العالم اليوم أشبه بما يكون بالمفلوج الذي حطمته الخطية فنريد هنا أن نسمو بالمعجزة من المعنى الحرفى الى المعنى الروحي

القسم الأول: العالم المفلوج

(١)    عالم مريض بحب الذات:

انه ” الفالج ” الخطير الذى يصيب عالمنا الحاضر، فالج الأنانية وحب الذات، فمشروعاتنا لا يهدمها سوى فالج حب الذات، وبيوتنا لا يفسدها سوى الأنانية، ومجتمعنا لا يضعضعه الا المطامع الشخصية – ” نبوخذ نصر ” حينما قال أنا الذى بنيت مدينة بابل سقط الى دركات الحيوانية فأكل العشب مع الثيران —  و” رحبعام بن سليمان ” حين قال أبى أدبكم بالسياط وأما أنا فأؤدبكم بالعقارب سقط وانقسمت مملكته

(٢)          عالم غارق فى اللذات:

و ” فالج اللذات ” داء خطير يئن منه عالمنا الحاضر، اللذات الجسدية، والشهوات الشبابية، فلم يُسقط ” شمشون الجبار ” سوى استعباده للشهوات، ونومه على حجر الخطية، وسماحه لمقص اللذات أن يعمل فى شعر رأسه بعدما عمل أولاً فى قلبه وعواطفه

(٣)          عالم موبوء بالانقسامات:

فى الشرق حرب وفى الغرب كرب، دماء هنا وهناك، مظالم وقلق، أين السلام؟ ” لا سلام للأشرار يقول إلهي ” ان سبب حروب العالم اليوم الاباحية التى يسمونها مدنية، والقنابل الذرية التي يسمونها اختراعات تقدمية. ان الخطية هى سر تلك الانقسامات ولن يعود للعالم سلامه ما لم يعد العالم الى الله ” اقتربوا منى أقترب منكم يقول الرب ” اسمعوا يعقوب الرسول يقول ” من أين الحروب والخصومات بينكم أليست من هنا من لذاتكم المحاربة فى أعضائكم، تشتهون ولستم تمتلكون، تقتلون وتحسدون ولستم تقدروا أن تنالوا، تخاصمون وتحاربون ولستم تمتلكون لأنكم لا تطلبون، تطلبون ولستم تأخذون لأنكم تطلبون ردياً لكى تنفقوا فى لذاتكم ”    (يع ٤: ١)

القسم الثانى: الحمالون الأربعة الذين يحتاجهم العالم

(١)          ايمان فى رجاء:

يحتاج العالم المفلوج لكي يشفى الى ايمان، فالشكوك طغت على العالم، والالحاد تفشى فى أرجائه، والطالب الجامعى بمجرد أن وضع قدميه على عتبة الجامعة ودرس بعض نظريات الفلاسفة تشكك فى وجود الله، وفى عقيدة الكنيسة، ورغب أن يستعمل البرجل والمثلث والمسطرة فى قياس الكون وخالق الكون ” قال الجاهل فى قلبه ليس إله فسدوا ورجسوا رجاسة ليس من يعمل صلاحاً، الله من السماء أشرف على بنى البشر لينظر هل من فاهم طالب الله، كلهم قد ارتدوا معاً فسدوا ” (مز ٥٣: ١)

والايمان دائماً لا يستغنى عن الرجاء، فإيمان بدون رجاء، كسفينة بدون مرساة لا تعرف كيف ترسو على الميناء في منجاة من الغرق ” داود يقول: سر قلبي وتهلل لساني حتى جسدي أيضاً سيسكن على رجاء ” (أع ٢: ٢٦)، فإذ قد تبررنا بالأيمان لنا سلام مع الله، ونفتخر على رجاء مجد الله (رو ٥: ١)، ويوحنا الرسول يوصى أن نكون ” فرحين فى الرجاء ” (رو ١٢: ١٢) ، وأما الآن فيثبت الايمان والرجاء والمحبة (١كو ١٣ : ١٣).

(٢)    حب بلا رياء :

ليس الايمان في رجاء فقط يحتاجه العالم بل أيضاً يحتاج الى ” حب في وفاء ” ويوم بتعلم العالم المحبة حتى لأعدائه اذن لبطلت الحروب والكروب ، ولشفي تماماً من فالج الحرب والشرور ، ولذلك يقول الرسول ” ولكن أعظمهن المحبة ” وقال الرب لتلاميذه ” بهذا يعرف الجميع انكم تلاميذي ان كان لكم حب بعضكم من نحو بعض ” (يو ١٣ : ٥٣) وعالم بلا محبة جحيم مقيم ” ان كان لي كل الايمان حتى أنقل الجبال ولكن ليس لي محبة فلست شيئاً ” ” وان كنت أتكلم بألسنة الناس والملائكة ولكن ليس لى محبة فقد صرت نحاساً يطن أو صنجاً يرن ” (١كو ١٣ : ١ ، ٢) والمحبة التي يحتاجها العالم ينبغي أن تكون محبة خالصة مخلصة      “محبة بلا رياء في كلام الحق في قوة الله بسلاح البر ” (٢كو ٦ : ٦)

(٣)          رحمة في اخاء:

والحمال الثالث الذى يحتاجه العالم اليوم ” رحمة فى اخاء ” بهذه الرحمة نستطيع أن نقدم الدواء لفالج العالم، ولذلك يوحنا الرسول يقول ” ارحموا البعض مميزين، وخلصوا البعض بالخوف مختطفين من النار ” ( يه٢٢) والدين عند الله رحمة ” أريد رحمة لا ذبيحة ” (هو ٦ : ٦) ويوصينا الرب ” واعملوا احساناً ورحمة ” ، ولن يثبت العالم في استقرار الا عن طريق الرحمة ” فيثبت الكرسي بالرحمة ” (أش ١٦ : ٥)

(٤)          قناعة في اكتفاء:

أليست التقوى مع القناعة تجارة عظيمة؟ (١تي ٦ : ٦) اذن فلن تنجح تجارة العالم ولا تزدهر اقتصاديات الا اذا تعلم التاجر روح القناعة والاكتفاء ولذلك يوصى بولس ” تعلموا يا إخوتي أن تكونوا مكتفين بكل ما عندكم ” ” ان كان لنا قوت وكسوة فلنكتف بهما ” (١تي ٦ : ٨) ويحذرنا رب المجد ” انظروا وتحفظوا من الطمع فانه ان كان لأحد كثير فليست حياته من أمواله ” (لو ١٢ : ١٥) والعالم الطامع هو العالم الوثني لأن ” الطمع هو عبادة أوثان ” (كو ٣ : ٥) بل ” كل نجاسة في الطمع ” (أف ٤ : ١٩) ويحذر بولس التجار بأن لا يكونوا طامعين بالربح القبيح (١تي ٣ : ٨) ولنعلم انه ” لا سارقون ولا طماعون يرثون ملكوت السموات ”                  (١كو ٦ : ١٠).[12]

 

شفاء المفلوج للمتنيح القمص لوقا سيداروس 

 تأثير كلمة الله 

قام للوقتِ وحَمَل السَّرِيرَ وَخَرجَ قُدَّامَ الْكُلِّ حَتَّى بُهِتَ الْجَمِيعُ وَمَجْدُوا اللهَ (مر ۲ : ۱۲) 

يقاس مفعول كلمة الله في الإنسان بمقدار التغيير الذي يحصل عليه الإنسان. كل العينات التي تقرأ عنها في الإنجيل حصلوا على هذا التغيير الجذري الواضح لما وصلت إليهم كلمة الله. تسمع عن مشلول، اعمى، أخرس ،أبرص، مقعد، لما تصل إليه كلمة الله ، يحدث تغيير .

المفلوج في إنجيل اليوم، رجل مشلول لا يتحرك عندما قال له المسيح: “يَا بُنَيَّ مَغْفُورَةً لَكَ خَطَايَاكَ قُمْ وَاحْمِلْ سَرِيرَكَ وَاذْهَبْ إِلَى بيتك”، وصلت إليه كلمة الغفران، فقامَ لِلْوَقْتِ وَحَمَلَ السَّرِيرَ وَخَرَجَ قُدَّامَ الْكُلّ حَتَّى بُهِتَ الْجَمِيعُ وَمَجَّدُوا الله والأعرج المقعد من بطن أمه، الذي كان يُحمل ويوضع قدام الهيكل يطلب صدقة، عندما مد يده لبطرس يطلب شيئا، قال بُطْرُسُ : “لَيْسَ لِي فِضَّةٌ ولا ذَهَبٌ وَلَكِن الَّذِي لِي فَإِيَّاهُ أُعْطِيكَ: بِاسْمِ يَسُوعَ الْمَسيحَ النَّاصِرِي قُمْ وَامْشِ”.وَأَمْسَكَهُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى وَأَقَامَهُ ففِي الْحَالِ تَشدَّدَتْ رجلاهُ وَكَعْبَاهُ. فَوَثَبَ وَوَقَفَ وَصَارَ يَمْشِي وَدَخَل مَعَهُما إِلَى الْهَيْكَلِ وَ هُوَ يَمْشِي وَيَطْفُرُ وَيُسَبِّحُ الله. 

أيضاً المفلوج الذي كان له ثماني وثلاثين عاماً يرقد بجوار بركة بيت حسدا، هذا رَآهُ يَسُوعُ مُضْطَجِعا وَعَلِمَ أَنَّ لَهُ زَمَاناً كَثِيراً فَقَالَ لَهُ: أَتُرِيدُ أنْ تَبْرَأَ؟” أجَابَهُ الْمَرِيضُ: “يَا سَيِّدُ لَيْسَ لِي إِنْسَانٌ يُلْقِينِي فِي الْبَرْكَةِ مَتَى تَحَرَّكَ الْمَاءُ بَلْ بَيْنَمَا أَنَا آتِ يَنْزِلُ قُدَّامِي آخَرُ . قَالَ لَهُ يَسُوعُ: “قُمِ احْمِلْ سَرِيرَكَ وَامْشِ”. فقام في الحال. والأعمى الذي كان جالساً يستعطي على الطريق، لما أخبروه أن يسوع مجتازاً، صرخ يَا يَسُوعُ ابْن دَاوُدَ ارْحَمْنِي!”. فانتهره الناس لكنه أبي أن يصمت، بل صرخ أكثر كثيراً. فَوَقَفَ يَسُوعُ وَأَمَرَ أَنْ يُقدَّمَ إِلَيْهِ. وَلَمَّا اقْتَرَبَ سَأَلَهُ: مَاذَا تُريدُ أنْ أفْعَلَ بِكَ؟” فَقَالَ: “يَا سَيِّدُ أَنْ أَبْصِرَ” فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: “أَبْصِرْ. إيمَانُكَ قَدْ “شفاك. وَفِي الْحَالِ أَبْصَرَ وَتَبِعَهُ وَهُوَ يُمَجِّدُ الله. 

 كلمة الله قادرة على التغيير 

كلِمَةَ اللهِ حَيَّةٌ وَفَعَالَةً وَأَمْضَى مِنْ كُلِّ سَيْفٍ ذِي حَدَّيْنِ (عب١٢:٤)

يقاس وصول الإنجيل إلى قلب الإنسان أو فكره أو حياته، بمقدار التغيير الذي يطرا عليه. وبقدر قبول الإنسان للكلمة، يكون التغيير. إن كان الإنسان يسمع ولا يتغير فهو لم يسمع. وإن كان قد سمع الكثير من الوعظ على مدى سنوات طويلة، وحفظ الإنجيل دون أن يعتريه تغيير ، فهو لم يحفظ ولم يسمع ولم ير ولم يقترب ولم يتلامس مع الإنجيل في حياته إذا كنت أتغير يوماً بعد يوم من ناحية الأخلاق والطباع وطريقة التصرفات وطريقة التفكير وأسلوب الحياة ونظرتي للأمور، هذا يدل على أن الإنجيل وصل عندي لأنه قوة الله للخلاص للتغيير. يشعر الإنسان أنه في نعمة، لأن الخطايا التي كانت تغطي حياته ولا يستطيع أن يتخلص منها في نقصان مستمر. رغم أنه قد يضعف أو يقع، لكنه يتغير. 

إن شب إنسان وعاش منذ الطفولة حاد الطباع، عندما تدخل إليه كلمة المسيح وتتلامس مع قلبه، تغيره وتحوله من إنسان كثير الغضب سريع النرفزة إلى إنسان وديع. هذه هي قدرة المسيح للخلاص لأن الطباع السيئة والخطايا المتعددة تحرم الإنسان من نصيبه في الميراث الأبدي فلا زناة ولا كذابون يدخلون ملكوت السماء.

لكن كلمة المسيح قادرة وقوية وفعالة وأمضى من كل سيف ذي حدين، تستطيع أن تغير من حال المرض إلى حال الصحة ومن حال الخطية إلى حال البر. فعلى الإنسان الراغب في ملكوت الله أن يتمسك بهذا الحق جداً في حياته، ويراجع نفسه ليعرف كيف ولماذا لا يتغير. ولماذا يعتقد في استحالة تغيير الطباع فإن أخطأ إليه أحد، يخاصمه سنة ويقول هذا طبعي .الخصام طبع شرير بالإضافة إلى أنه مرض يحرم الإنسان من ملكوت الله. 

الإنجيل هو الذي يدين في اليوم الأخير

 إن سَمِعَ أَحَدٌ كلامِي وَلَمْ يُؤْمِنُ فأنا لا أدِينُهُ لأَنِّي لَمْ آتِ لأدِينَ الْعَالَمَ بَلْ لِأَخَلّص الْعَالَمَ. (يو ١٢ : ٤٧) 

إلجأ للمسيح واسمح لكلامه أن يدخل إليك. لقد تعودت أن تسمعه بأذنيك وتعي كلامه بعقلك الذي تدرس به الأمور. لكن كلمة المسيح إذا دخلت إلى الإنسان تمس أعماق نفسه وتغير داخل القلب.

بالتأكيد ليس المقصود عضلة القلب، وإنما القلب الذي منه مخارج الحياة ومنه تنبع التصرفات ومن أعماقه يحب الإنسان والديه وهو صغير ويحب الإخوة والأولاد والأقارب. حين تدخل كلمة المسيح القوية إليك وتتلامس معها وتنفعل بها، تجرح وتعصب وتغير المعجزات في الإنجيل لا حصر لها، وجميع الذين تلامسوا مع المسيح تغيرت أحوالهم.

تغيرت أحوال المرأة الخاطئة وزكا العشار الذي كان محباً للمال والقديس متى اللاوي رئيس العشارين. هذا بخلاف تاريخ الكنيسة الذي فيه قصص لكثير من الخطاة والزناة والقتلة والأشرار الذين تغيروا وصاروا قديسين. 

وكما قلنا فإن نعمة المسيح إذا وصلت الإنسان،تغيره، فينمو في النعمة ويتعلم كيف يصلي صلاة حقيقية من القلب .الأمور التي كان يحسبها أموراً عادية ويقبلها في حياته، لم يعد يقبلها. لم يعد يحتمل رؤية المناظر الشريرة وسماع الكلام البطال ومسك سيرة الناس. كانت محبته أنانية في الماضي، والآن أصبح يحب محبة باذلة من قلب مفتوح إذا لم يحصل هذا التغير لا جدوى من كل الممارسات الروحية التي نمارسها من صلوات وتقرب من الأسرار وخلافه. 

المسيح قال لجماعة اليهود: “إنْ سَمِع أحدٌ كلامي وَلَمْ يُؤْمِنُ فأنا لا أدِينَهُ لأنِّي لَمْ آتِ لأَدِينَ الْعَالَمَ بَلْ لأخلص العالم. ولكن الكلامُ الَّذِي تَكَلَّمْتُ بهِ هُوَ يَدِينُهُ فِي الْيَوْمِ الأخير”. هذا الكلام خطير جدا، لأن الذي يدين الناس ويحكم الناس في اليوم الأخير هو الإنجيل كلام المسيح هو الذي سيدين في اليوم الأخير.

بالتأكيد وصلت إلينا كلمة الإنجيل، فنحن مولودون في المعمودية. لكن هل وصلت إليك كلمة المسيح لتغيير الحياة والطباع؟ للأسف هذا قليل جداً، لأن ما نعيشه وما نفعله، نفعله كل يوم ونكرر الخطايا ولم تفارقنا الطباع التي ورثناها من الطبيعة القديمة، فأصبح التغيير قليل وضعيف جداً.

 التغير يكون على شكل المسيح 

نَنْمُو في كُلِّ شَيْءٍ إِلى ذَاكَ الَّذِي هُوَ الرَّأْسُ : الْمَسِيحُ، إِلَى قِيَاسِ قَامَةِ مِلْءِ الْمَسِيحِ (أف٤: ١٥)

في الكنيسة الأولى، كان التغير واضحاً جداً على مستوى حدوث المعجزة وشفاء الجسد. وكانت مناديل ومآزر بولس تشفي المرضى وتخرج الأرواح الشريرة. وإذا خيم ظل بطرس على المرضى في الشوارع يقومون أصحاء. التغير من حال المرض إلى حال الصحة مفرح جداً . الرجل الأعرج الذي كان على باب هيكل الجميل عندما نال الشفاء، دخل الهيكل وهو يقفز ويطفر ويسبح الله. قال إشعياء النبي في القديم: “حِينَئِذٍ تَتَفتَّحُ عُيُونُ الْعُمْي. حِينَئِذٍ يَقْفِرُ الأَعْرَجُ كَالإِيْلِ” . لذلك كان شفاء العرج والعمي من علامات مجئ المسيا. 

الشفاء أمر مفرح جداً. لكن حين يبقى المرضى على حالهم ويزيد المرض عليهم، فيظل المشلول مشلولاً والأعمى لا يُبصر ، يكون الأمر محزناً جداً. لذلك فإن الأفراح في الكنيسة تكون بسبب التغير الذي يحدث في أولاد الله يرتقون من مجد إلى مجد ومن حرية إلى حرية ومن صحة إلى صحة .والمسيح يفرح أن أولاده يتقدمون في سعيهم وجهادهم الروحي. نحن حقاً خطاة، لكن نعمة المسيح تعمل فينا للتغير. النعمة تلمس قلب البخيل فيتغير ويصبح سخياً جداً. ومن عاش أنانياً متمحوراً حول ذاته، يبذل نفسه في وسط أخوته وفي وسط عائلته وفي الكنيسة. الأنانية والبخل صفات شريرة ومرة فعلاً، أما السخاء والعطاء والمحبة والاتضاع فهم طباع المسيح. 

التغير الذي تجوزه سببه النعمة وكلمة الإنجيل. نحن نتغير كما قال القديس بولس الرسول من مجد إلى مجد وننمو حتى نقترب من شكل المسيح. “نَنْمُو فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلَى ذَاكَ الَّذِي هُوَ الرَّأْسُ: الْمَسِيحُ إِلَى قياس قَامَةٍ مِلْءِ الْمَسِيح”. هذا هو التغير المفرح لأنه معجزة أحلي وأقوى وأكثر دواماً من شفاء مريض.

يتحول الإنسان من خاطئ إلي بار، ومن إنسان شاذ في طباعه كئيب في معيشته، متعب في بيته، قاسي مع أولاده، أناني في وسط إخوته، مرذول في وسط الكنيسة، إلى إنسان محبوب من كل الناس لأنه يتغير لشكل المسيح المحبوب في اتضاعه ويقترب من صورة الأبرع جمالاً من بني البشر. يُمضي الناس حياتهم في محاولة مضنية لتحسين أنفسهم وجعلها أفضل، لكن عندما يقبل الإنسان كلمة المسيح وكلمة الإنجيل يتغير طبعه، فيحبه كل الناس ويرونه جميلاً ليس من الخارج، ولكن من الداخل لأن النعمة تعمل فيه للتغيير. 

اخوتنا البروتستانت يعتقدون أن الإنسان عندما يسمع عظة وينفعل بها، يتغير لا تصدق هذا الكلام، لأن التغيير يكون متواصلاً يوماً بعد يوم في نمو الحياة مثل الطفل الوليد يمكنك أن تلمح التغير على الطفل خاصة عندما يغيب عنك أسبوع أو شهر أو سنة .الطفل هو هو لكنه يتغير وينمو ويمتد ويزداد.

وبالمثل يتغير الإنسان ليقترب من صورته الأصلية التي هي صورة المسيح. انطباع المسيح الموجود داخله،الذي أخذه في المعمودية يبدأ في الظهور، فيصبح الإنسان شكل المسيح له طبع ملائكي حلو هادئ وديع أو بنت عفيفة مقدسة. أما عندما يعيش الإنسان حسب العالم، يأخذ طبع العالم، لذلك نقول هذا الرجل ثعبان مثلاً يأخذ الطبع الوحشي القديم، ويُنعت بالصفات الحيوانية الضارة. 

لا حدود للنمو لأنه لا حدود للنعمة

ليس أني قَدْ نلت أوْ صِرْتُ كَامِلاً، وَلَكِنِّي أسعى لَعَلّي أدرك (في ١٢:٣) 

لابد من التغير في الحياة المسيحية كل يوم.لا تظن أن هناك إنسان راض عن نفسه سعيد بما وصل إليه. النمو لا يعرف التوقف، وسنظل ننمو لأن الدعوة المسيحية حياة ومن خصائص الحياة النمو الدائم.

 عندما تقيس نفسك على الإنجيل وحياة القديسين تعرف أنه لا يزال أمامك الكثير. هذا يحفزك بالأكثر على التغيير القديس بولس الرسول لا ينكر أنه أخذ لكنه يعلم أنه لم ولن يصل إلى الكمال. لذلك يقول: “لَيْسَ أَنِّي قَدْ نِلْتُ أَوْ صِرْتُ كَامِلاً، وَلَكِنِّي أسْعَى لَعَلِّي أَدْرِك. أنَا لَسْتُ أحْسِبُ نَفْسِي أَنِّي قَدْ أَدْرَكْتُ. وَلَكِنِّي أَفْعَلُ شَيْئًا وَاحِداً إِذْ أَنَا أَنْسَى مَا هُوَ وَرَاءُ وَأَمْتَدُّ إِلَى مَا هُوَ قُدَّامُ”. أمامك الكثير جداً. إنسي ما فات وامتد فيما هو قدام تزيد وتنمو وتتذوق المسيح.

أنت لم تعرف المسيح كل المعرفة بعد لأنه لا نهائي. هل عرفت محبة المسيح الفائقة المعرفة؟ هل عرفت الطول والعرض والعمق والعلو ؟ هل جزت هذه الأبعاد ؟ هل عرفت اتضاع المسيح الوديع المتواضع القلب الذي قال: “تَعَلَّمُوا مِنِّي لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ”. هل عرفت الاتضاع الإلهي الذي يقول عنه بولس الرسول في رسالته لأهل فيلبي: “لَكِنَّهُ أُخْلَى نَفْسَهُ،آخِذاً صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِراً فِي شِبْهِ النَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّليب”. هل عرفت كل هذا ! الطريق لا يزال أمامك طويلاً. 

التغير أساسي ورئيسي بدونه لا تصير الحياة مسيحية، ويكون الإنسان جافاً، مقتنعاً بذاته، بعيداً عن النعمة. إذا دخلت كلمة المسيح إلى الإنسان تغيره وتغير طباعه وحياته وأخلاقه والإنسان يمكن له أن يدرك إدراكاً حقيقياً، هل هو متفاعل مع الإنجيل بالحق أم لا ! إن كان لا يتغير، فقد جف على ما هو عليه الإنسان المسيحي من المرونة بحيث أنه يتغير ويؤمن بعدم وجود عائق يحول دون التغيير مثل كبر السن أو صعوبة ما تطبع به في الصغر.

من خداع الشيطان أن يصور للإنسان صعوبة أو استحالة التغيير، لكن المسيح يستطيع أن يغير الإنسان في أي عمر . فمع المسيح هناك دائماً فرصة للتغير. 

القديس بولس البسيط ذهب إلى الأنبا أنطونيوس وهو فوق الستين من عمره ليقبله في حياة الرهبنة. فهل ممكن أن يتغير الإنسان بعد سنين في الخطايا؟ النعمة ليس لها حدود والمسيح شفي مريض بركة بيت حسدا الذي كان له ثماني وثلاثين عاماً مطروحاً في المرض.

لا يوجد عند المسيح مستحيل، لكن لابد أن تصدق. نحن صدقنا أن من شب على شيء شاب عليه، لذلك يعتقد الناس في استحالة التغيير بعد الكبر، وخاصة تغيير الطباع هذا الكلام شيطاني، لأن من يؤمن به، ينكر نعمة المسيح. أنا لست كبيراً على الخطايا، أنا خاطيء، لكن نعمة الله قادرة أن تغير الفجار وتحولهم إلى قديسين. 

قس نفسك لتعرف إن كنت تتغير هل تتغير من مجد إلى مجد وتدفعك النعمة إلى آفاق جديدة يوماً بعد يوم؟ قس مدى التغير بتقدمك في الصلاة. هل أصبحت تستطعم الوجود مع الله؟ هل تحس بالقداس وتنفعل به وتشعر أنك بمفردك مع المسيح ؟ هل أصبح لك مذاقة لذيذة أن تتناول جسد المسيح بفرح وتعيش به؟ التغير في الحياة المسيحية ليس له حدود أو زمان. ينمو الإنسان في النعمة ويتذوق المسيح كأنه جديد كل يوم الملكوت جديد، ليس فيه ليل ولا نهار والمسيح لا يتقادم وسيظل المسيح جديداً إلى أبد الآبدين وإلى دهر الداهرين. ولربنا المجد الدائم إلى الأبد آمين.

 

من وحي قراءات اليوم

“فلما رأي إيمانهم قال للمفلوج مغفورة لك خطاياك ” (مت ٢:٩)

العجيب أن إيمانهم كان في شفاء المفلوج من المرض لكن الرب ابتدأ بشيء آخر

نحن مشغولون بما نريده لأنفسنا أو للآخرين والرب يبدأ بما نحتاجه وأهم ما ينقصنا

نري في الرب القدرة على الشفاء من الأمراض بينما هو يعلن هبة وعطية الخلاص

هل يمكن أن يكون إيماننا طريق لغفران خطايا الآخرين؟

غفران خطاياه كان تكليلا لتعب ومعاناة أربعة لأجل شخص محتاج ربما لا يعرفونه كلهم؟

يبارك الله ويفرح جدا بكل سعي وتعب ومعاناة لأجل راحة وسلامة المحتاجين

ربما انتقد كثير من الموجودين بالبيت طريقة اختراق الأربعة للوصول للرب

لكن الوصول للرب كان نتيجة العيون والتفكير المثبت على شخص المسيح له المجد والأذن المغلقة عن سماع الانتقادات

والوصول إليه أيضا كان نتيجة الفكر الواحد والعمل المشترك للأربعة حاملي المفلوج

ما أجمل وحده الفكر والقلب في خدمتنا وأعمالنا المشتركة وما أخطر شدّة وسرعة التأثر بآراء الناس فيما نقوم به.[13]

 

 

 

المراجع:

 

[1] القديس يوحنا ذهبي الفم – تفسير رومية ١ – القمص تادرس يعقوب ملطي

[2] تفسير إنجيل متي – الإصحاح التاسع – من موقع سانت تكلا

[3] Jr, A.J. & Oden, T.C. (2003). Luke (The Ancient Christian Commentary on Scripture, New Testament part III). Illinois (U.S.A): InterVarsity Press. Pages 92

ترجمة الأخ إيفيت منير – كنيسة مار مرقس ببني سويف

[4] شرح وتفسير آباء الكنيسة لأناجيل آحاد السنة التوتية صفحة ٢٢ – شهر بابه – دكتور جوزيف موريس فلتس

[5] القديس كيرلس الكبير – تفسير إنجيل لوقا الإصحاح الخامس – القمص تادرس يعقوب ملطي

[6] شرح وتفسير آباء الكنيسة لأناجيل آحاد السنة التوتية (شهر بابه – صفحة ٢٤) – دكتور جوزيف موريس فلتس

[7] كتاب من كتابات القديس يوحنا ذهبي الفم صفحة ٢٠٨ – القمص تادرس يعقوب ملطي

[8]  كتاب من مجد إلي مجد للقديس غريغوريوس النيسي ( فصل ١٩ ) – ترجمة القمص إشعياء ميخائيل – كنيسة الملاك بالضاهر

[9]  كتاب شفتاك يا عروس تقطران شهداً (الجزء الثاني صفحة ٩٨ – ١٠٠) – إصدار دير القديس الأنبا شنودة العامر بميلانو

[10]  سر الشفاء (مسحة المرضى) معناه وغايته في الإيمان الأرثوذوكسي – الاب الكسندر شميمن – الأستاذ أشرف بشير

[11]  كتاب تأملات وعناصر روحية في أحاد وأيام السنة التوتية ( الجزء الأول صفحة ٢١٢ ) – إعداد القمص تادرس البراموسي

[12] كتاب المواعظ النموذجية ( المجلد الأول صفحة ٢٣٥ ) – القمص بولس باسيلي

[13] كتاب الينبوع للقمص لوقا سيداروس (ص ٢٣٠-٢٣٣)