“زرع ليس له غلة لا يصنع دقيقاً ” (هو ٧:٨)
” لأنه كما ينزل المطر والثلج من السماء ولا يرجعان إلى هناك، بل يرويان الأرض ويجعلانها تلد وتنبت وتعطي زرعا للزارع وخبزا للآكل هكذا تكون كلمتي التي تخرج من فمي. لا ترجع إلي فارغة، بل تعمل ما سررت به وتنجح في ما أرسلتها له ” (أش ٥٥ : ١٠-١١) فرح وجه الأرض ليرو حرثها ولتكثر أثمارها أعدها للزرع والحصاد ” أوشية المياه والزروع والثمار – القدَّاس الباسيلي
” اقلبوا التربة الصالحة بالمحراث ، أزيلوا الحجارة من الحقل ، انزعوا الأشواك عنها.
احترزوا من أن تحتفظوا بذلك القلب القاسي الذي سرعان ما تعبر عنه كلمة الرب ويفقدها.
احذروا من أن تكون لكم تربة خفيفة فلا تتمكن جذور المحبّة من التعمق فيها.
احذروا من أن تختنق البذار الصالحة التي زُرعت فيكم خلال جهادي وذلك بواسطة الشهوات واهتمامات هذا العالم.
كونوا الأرض الجيَّدة وليأتي الواحد بمئة والآخر بستين وآخر ثلاثين[1] ”
شواهد القراءات
صلاة باكر (مز ١٠٣: ١٣-١٤) ، (مر١٢ : ٢٧-٣١)، (مز٦٦:٦-٥) (مر١٦: ٢-٨)،
القداس (عب٦ : ٧-١٥) ، (يه ١: ١٤-٢٥ )، (أع ٥ : ١٩-٢٩)، (مز١٠٣ : ١٠-١٦) ، (مت ١٣ :١-٩)
ملاحظات على قراءات اليوم
+ قراءة الإبركسيس للأحد الثاني (أع ٥: ١٩ – ٢٩) والاحد الثالث (أع ٥: ٣٠ – ٤٢) من هاتور تتكلمان عن كرازة الآباء الرسل وإلقاء القبض عليهم وشهادة القديس بطرس أمام رؤساء الكهنة ودفاع غمالائيل عنهم والكلام هنا أيضاً عن الروح القدس (موضوع شهر هاتور ) ” ونحن شهود لهذه الأقوال والروح القدس أيضاً الذي أعطاه الله للذين يطيعونه ”
وهي تشبه قراءة الإبركسيس (أع ٥ : ١٢ – ٢١) للأحد الأوَّل من شهر أبيب والكلام هنا علي قوَّة الكرازة وهذا هو موضوع شهر أبيب
شرح القراءات
يتحدث هذا الأحد عن ثمر الروح في حياتنا فبعد أن أوضح في الأحد الأول نبع الروح القدس وانسكابه في قلوبنا وكنائسنا يوضح في الأحد الثاني عمله وثمره فينا
تتكلّم المزامير عن أعمال الله التي تشبع الأرض (مزمور عشيّة)
فتجعلها مثمرة (مزمور باكر)
وتظهر ثمارها في جميع الأشجار ( مزمور القدَّاس )
فيعلن مزمور عشية أعمال الله المثمرة في حياتنا (الذي يسقي الجبال من علاليه ، من ثمرة أعمالك تشبع الأرض الذي ينبت عشبا للبهائم ) ويشير أبونا أنطونيوس فكري أن ” الجبال تشير إلي القديسين، وهؤلاء يرويهم الله ويملاهم من الروح القدس ” تفسير المزمور – القس أنطونيوس فكري
ومزمور باكر يعلن أراضينا المثمرة (الأرض أعطت ثمرتها ليباركنا الله إلهنا)
أما مزمور القداس فيعلن أشجارنا المثمرة بغني (تشبع جميع شجر الحقل وأرز لبنان الذي غرسته )
وهنا نري أيضاً مجيء مزمور عشيَّة ومزمور القدَّاس من نفس المزمور (مز ١٠٣)
لذلك يوضح إنجيل عشيّة مجد الطبيعة والجمال الذي يلبسه الله للزهور والعشب علامه علي المجد الذي يسكبه علي طبيعتنا ( تأملوا الزهور كيف تنمو لا تتعب ولا تحترف حرفة ولكن أقول لكم : إنه ولإسليمان في كل مجده كان يلبس كواحده منها فإن كان العشب الذي يوجد اليوم في الحقل ويطرح غدا في التنور يلبسه الله هكذا فكم بالحري أنتم يا قليلي الإيمان )
أما القراءات فتعلن استجابة أراضي وقلوب البشر لمياه الروح ( البولس )
والفرق بين ثمار الروح وأعمال النفس ( الكاثوليكون )
وغني حقول الكرازة بتعليم الرسل ( الإبركسيس )
لذلك يتكلم البولس عن أمطار ومياه الروح المثمرة في المؤمنين بعكس المعاندين والمقاومين (لأن الأرض التي تشرب المطر الهاطل عليها مرارا كثيرة وتنبت عشبا صالحا للذين فلحت من أجلهم تنال بركة من الله ولكن إن أخرجت شوكا وحسكا فهي غير مفلحة وقريبة من اللعنة …… لأن الله ليس بظالم حتي ينسي عملكم وتعب محبتكم التي أظهرتموها نحو اسمه إذ قد خدمتم القديسين وتخدمونهم أيضا)
أما الكاثوليكون فيتكلم عن الفرق بين ثمار وثمار بين ثمار الذين يسلكون بالروح وبين النفسانيون الذين لا روح لهم (هؤلاء هم متذمرون ملومون سالكون بحسب شهواتهم فمهم يتكلم بعظائم يحابون الوجوه من أجل المنفعة …… هؤلاء هم المعتزلون بأنفسهم نفسانيون لاروح لهم.
وأما أنتم ياأحبائي فإبنوا أنفسكم على إيمانكم الأقدس مصلين في الروح القدس ولنحفظ أنفسنا في محبة الله …. والقادر أن يحفظكم غير عاثرين)
بينما يشير الإبركسيس إلي ثمر الروح في الخدمة والكرازة بغني الحقول بتعليم المسيح له المجد (فسألهم رئيس الكهنة قائلا : أما أوصيناكم وصية أن لا تعلموا بهذا الاسم وها أنتم قد ملأتم أورشليم بتعليمكم …فأجاب بطرس والرسل وقالوا : ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس )
لذلك يختم إنجيل القداس بتنوع ثمار الروح واختلاف تدرجها بين البشر واعتبار الله أنها كلها جيدة علي اختلاف درجة إثمارها (وسقط آخر علي الأرض الجيدة فأعطي ثمرا بعض مئة وآخر ستين وآخر ثلاثين )
ملخّص القراءات
ثمار الروح تظهر في غني وتنوّع الطبيعة (المزامير )
وفِي رعاية الله لأولاده ( إنجيل عشيّة )
في تنوّع درجاتها ومستوياتها ( إنجيل القدَّاس )
وتُعطي بركة للمؤمنين وتلاحق اللعنة الرافضين والنفسانيين ( البولس والكاثوليكون )
وتتجلّي الثمار في غني حقول الكرازة بالتعليم الإلهي ( الإبركسيس )
إنجيل القدَّاس في فكر آباء الكنيسة
يسوع قد جلس على شاطئ بحر هذا العالم حتى يجمع الجموع حوله” (القديس جيروم)، “للقائه وجهًا لوجه” (فم الذهب) “حتى يسمعوه وهو يتكلم إليهم بأمثال.” (القديس هيلاري ).
“هكذا يكون إعلان ظهور المختار.” (القديس كيرلُّس السكندري).
“إن في مزجه للأمور الخفيّة بالظاهرة في الحديث حافز لسعي المصغيين إليه لمعرِفة الخفايا مِن خلال إدراك الظاهرات.” (القديس هيلاري ).
“في الحديث عن الزارع كان يسوع منشغل الفكر بعمل الفلاحة.” (القديس جيروم).
“قد يكون الفلاح مدعاةً للسخرية إذا زرع على الصخر. ولكن ليس هكذا الحال يكون مع النفس الحرة العاقلة: إذ ينبغي أنْ تكون مستعدة استعدادًا جيدًا لقبول الكلمة. أما لو كان هذا مستحيلاً، لَمَا تمكّن الزارع مِن أنْ يزرع. وإنْ لم يكن هناك إعداد، فإن هذا ليس خطأ الزارع؛ بلْ خطأ الأنفس التي لا تريد أنْ تتغير.” (فم الذهب).
“أصحاب العقول والأفكار المتحجّرة لا يقبلون البذرة الإلهية ولذلك فهم يصيرون مسلكًا سهلاً للأرواح النجسة.” (القديس كيرلُّس السكندري)[2]
الكنيسة في قراءات اليوم
طلب ملكوت الله إنجيل عشيّة
مكافأة الله للأعمال وتعب المحبّة البولس
التقليد + الدينونة + الإيمان الأقدس الكاثوليكون
خدمة الملائكة الإبركسيس
عظات مقترحة
(١) العظة الأولي
من أين تأتي ثمار الروح
١- تأملوا الزهور كيف تنمو لا تتعب ولا تحترف حرفة … فكم بالحري أنتم يا قليلي الإيمان … بل اطلبوا ملكوت الله وهذه جميعها تزاد لكم ( إنجيل عشية )
الإيمان بعمل الله في الكون والطبيعة وكل شيء فلا نقلق علي مُتطلِّبات الحياة فالذي يرعي كل الخليقة بنعمته لن يترك أولاده والاجتهاد في طلب الملكوت
٢- لأن الله ليس بظالم حتي ينسي عملكم وتعب محبتكم … بل كونوا متمثلين بالذين ورثوا المواعيد بالإيمان والأناة ( البولس )
أتعاب المحبّة هي التي تؤهِّل الإنسان لثمار الروح الكثيرة … والمثابرة وطول الأناة وثبات الإيمان
٣- فإبنوا أنفسكم علي إيمانكم الأقدس مصلين في الروح القدس ولنحفظ أنفسنا في محبة الله …. والقادر أن يحفظكم غير عاثرين ( الكاثوليكون )
عندما نبني أنفسنا علي الإيمان المستقيم الأقدس ونعيش حياة الصلاة ونحفظ أنفسنا وعلاقاتنا وتعاملاتنا دائماً في محبة الله يحفظنا هو من العثرات ويحفظ طريق حياتنا وجهادنا
٤- وها أنتم قد ملأتم أورشليم بتعليمكم …فأجاب بطرس والرسل وقالوا : ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس ( الإبركسيس )
غني الشهادة للمسيح له المجد وطاعة الله فوق أي طاعة أخري مهما كانت يُغني الإنسان بثمار متجدّدة من الروح.
(٢) العظة الثانية
القلوب التي تأتي بثمر كثير
١- الالتزام والمنهج
أوَّل نوع من الأراضي هو الطريق أي مكان غير مخصَّص للزراعة أي حياة بلا منهج وبلا إلتزام وبلا إرشاد
٢- العمق
النوع الثاني لم يكن له عمق أرض أي ظهرت النبات سريعا واحترق سريعا ايضاً لغياب العمق والجذور ( راجع حفر وعمَّق ووضع الأساس مت ٧ )
وهي مثال لمن يجرون وراء الانفعالات الوقتية في العبادة أو من يبحثون فقط عن شبع النفس فقط دون الروح
٣- الحرص
النوع الثالث من الأراضي هو أرض جيّدة لكن مملوءة أشواك أي قلوب مرتبطة بالعبادة ولكن دون استقامة الحياة
( راجع مت ٢١:٧ )
٤- المنهج الصحيح والعمق في الحياة والسهر الدائم أساسيات الأرض الجيدة التي تأتي بثمر كثير لكن تحتاج أيضاً للصبر ( لو ١٥:٨ )
(٣) العظة الثالثة
رسائل الله لكل نفس
١- الرجاء
وهذا نراه في إمكانية التغيير من أرض محجرة أو صخرية إلي أرض جيدة
( إلي أن يُسكب علينا روح من العلاء فتصير البرية بستاناً ويُحسب البستان وعراً ) (أش ١٥:٣٢) ، (أش ١٧:٢٩)
٢- خطر الاستهانة بالشوك
لذا مهم جداً فحص النفس دائماً والوقوف مع النفس بحزم
” خذوا لنا الثعالب، الثعالب الصغار المفسدة الكروم، لأن كرومنا قد أقعلت ” (نش ١٥:٢)
٣- رمي البذار
ما أجمل أن يُلقي الله البذار علي الأراضي التي يعرف أنها حجرية أو أرض يسودها الشوك وما أجمل أن نقتدي كخدام برب المجد في إلقاء بذار الحب لكل إنسان دون الانشغال بفحصهم أو استحقاقهم
٤- تنوّع الثمار
لم يمدح الرب فقط أصحاب المئة بل الستين والثلاثين أيضاً ليُعلن قبوله لمن ربحوا عشر وزنات أو خمس أو إثنين (مت ٢٥ : ٢٠-٢٣)
عظات ابائية
ماذا قال القديس كيرلس الإسكندري عن الأنواع الأربعة للأراضي ؟
الطريق :
الطريق دائمًا صلب، تَطَأه أقدام كل العابرين على الدوام، لهذا لا تبذر فيه بذار. هكذا من كانت لهم الأفكار العنيفة وغير الخاضعة، لا تَدخل الكلمة الإلهيّة المقدّسة فيهم، ولا تسندهم، لكي يتمتّعوا بثمر الفضيلة المفرح. مثل هؤلاء يكونون كالطريق الذي تطأه الأرواح الدنسة ويدوسه الشيطان نفسه، فلا يأتون بثمرٍ مقدّسٍ بسبب قلوبهم المجدبة العقيمة.]
الأرض المحجرة :
” يوجد آخرون يحملون الإيمان بغير اِكتراث في داخلهم، إنه مجرّد كلمات عندهم! تديُّنِهم بلا جذور، يدخلون الكنيسة فيبتهجون برؤيتهم أعدادًا كبيرة مجتمعة هناك وقد تهيّأوا للشركة في الأسرار المقدّسة، لكنهم لا يفعلون ذلك بهدف جاد وسموّ للإرادة. وعندما يخرجون من الكنائس فإنهم في الحال ينسون التعاليم المقدّسة. متى كان المسيحيّون في سلام يحتفظون بالإيمان، لكنّه متى ثارت الاضطهادات يفكّرون في الهروب طالبين الأمان. يتحدّث إرميا لمثل هؤلاء، قائلًا: “أعدّوا المجن والترس، وتقدّموا للحرب” (إر ٤٦ : ٣٠).
لأن يد الرب المدافع عنكم لا يمكنها أن تنهزم، وكما يقول بولس غزير العلم: “الله أمين، الذي لا يدعكم تُجرَّبون فوق ما تستطيعون، بل سيجعل مع التجربة أيضًا المنفذ لتستطيعوا أن تحتملوا” (١كو ١٠ : ١٣) ”
الأرض المملوءة أشواكاً :
يزرع الفادي البذور، فتصادف قلوبًا تظهر قويّة مثمرة، ولكن بعد قليل تخنقها متاعب الحياة وهمومها، فتجف البذور وتَبلى، أو كما يقول هوشع النبي: “إنهم يزرعون الريح ويحصدون الزوبعة، زرع ليس له غلة لا يصنع دقيقًا، وإن صنع فالغرباء تبتلعه” (هو ٨ : ٧). لنكن زارعين ماهرين، فلا نزرع البذور إلا بعد تطهير الأرض من أشواكها، حتى نقول مع المرنم: “الذاهب ذهابًا بالبكاء حاملًا مِبذَر الزرع، مجيئًا يجيء بالترنم حاملًا حزمه”(مز ١٢٦: ٦). كل من رمى البذر على أرض تنبت شوكًا وحسكا يتعرض لخسارتين: البذر الذي يفنى، والتعب المضنى. لنعلم أنه لا يمكن أن تزهر البذور الإلهيّة إلا إذ نزعْنا من عقولنا الهموم العالميّة وجردّْنا أنفسنا عن زهو الغنى الباطل، “لأننا لم ندخل العالم بشيء وواضح أننا لا نقدر أن نخرج منه بشيء” (١تي ٦ : ٧). لأنه ما الفائدة من اِمتلاكنا للأشياء الزائلة الفانية؟ “الرب لا يُجيع نفس الصديق ولكن يدفع هوى الأشرار” (أم ١٠ : ٣ ). ألم تلاحظ أن الشرور الفاسدة من نهم وطمع وشره وجشع وسكر وعبث ولهو وكبرياء تخنقنا، أو كما يقول رسول المخلّص:”كل ما في العالم شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظّم المعيشة، ليس من الأب بل من العالم، والعالم يمضي وشهوته، وأما الذي يصنع مشيئة الله فيثبت إلى الأبد” (١يو ٢: ١٦)
الأرض الجيدة :
إنها أرض غنيّة ومثمرة تنتج مائة ضعف!
صالحة ومثمرة هي النفوس التي تتقبّل الكلمة بعمق وتحتفظ بها، وتهتم بها.
يُقال عن مثل هذه النفوس ما قاله الرب على فم أحد الأنبياء:”ويطوِّبكم كل الأمم لأنكم تكونون أرض مسرَّة، قال رب الجنود”(مل 3: 12). فإنه عندما تسقط الكلمة الإلهيّة على نفس طاهرة من الأمور المحزنة، تخرج جذورًا عميقة، وتأتي بسنابل حنطة تحمل ثمرًا متزايدًا[3].
مثل الزارع للعلامة أوريجانوس
خرج الزارع ليزرع (مت ١٣ومر ٤ولو ٨) سنثبت أن أرواحنا قد اقتبلت بذوره ، ليس كالبذور التي سقطت علي جانب الطريق ، أو الأرض المحجرة أو بين الأشواك بل سنثبت أن قلوبنا قد استوعبت زرع الله كأرض صالحة جيدة . سوف نتجمد (أر ٩ : ٢٣)و (١كو ١: ٣١) و(٢كو ١٠: ١٧) بقدر ما نستطيع في الله لأن كلمة المسيح لم يستطيع الشرير أنَّ ينتزعها من قلوبنا . سوف يشهد الكثيرون لإيماننا أن زرع الله لم تخنقه الأشواك لأنهم سيرون بعيونهم أنه لا هموم هذا العالم ، ولا غرور الغني ، ولا لذات الحياة استطاعت أن تكتم كلمة الله في أرواحنا .
ولما كان هذا الموضوع يخص الشخص نفسه ويتوقف عليه ، فلابد لكل منا أن يسأل نفسه عما اذا كانت كلمة الله قد سقطت علي أرض محجرة أو أرض جيدة . والشدائد والضيقات تحل بنا بسبب الكلمة … هذا اذا هو وقت المحنة والتجربة الذي يكشف عن معدن الأرض ، ويكشف عمن كان زرعه في أرض محجرة ، وعن تهاون صاحب الأرض الذي لم يحفر ويعمق ، وعن قسوته اذ لم يقبل المسيح في عمق روحه … أمَّا الذي يحفظ الكلمة فلابد أن يثمر ، ولابد أن يحفظها إلي المنتهي ، لابد إن تثمر الكلمة بالصبر مائة ضعف .
أننا نعلم ما يقوله الكتاب عمن يسقطون في وقت الضيق والاضطهاد ، بعد أن يكونوا قد تلقوا التعليم المقدَّس بفرح ظاهر (مت ١٣: ٢١) انهم يفتضحون لأن ليس لهم أصل ، ولأنهم يؤمنون الي حين . يقول معلمنا متي : والمزروع علي الأماكن المحجرة هو الذي يسمع الكلمة وحالا يقبلها بفرح ، ولكن ليس له أصل في ذاته بل هو الي حين ، فاذا حدث ضيق أو اضطهاد من أجل الكلمة يعثر (مت ١٣: ٢٠-٢١) .
أما عن المؤمنين الثابتين الذين يثمرون فيقول الكتاب : وأما المزروع علي الأرض الجيدة فهو الذي يسمع الكلمة ويفهم ، وهو الذي يأتي بثمر بعض مائة وآخر ستين وآخر ثلاثين (مت١٣: ٢٣)
وحيث أننا – كما يقول الرسول – فلاحة الله ، بناء الله (١كو ٣: ٩) ” فلاحة ” في أرض جيدة و ” بناء ” علي الصخر ، فلنقف في صمود لا نهتز أمام العاصفة ، وكفلاحة الله لا نلق بالاً للشر ولا للضيق والاضطهاد اللذين يثوران ضدنا من اجل الكلمة ، ولا لهموم العالم ولا لغرور الغني أو لذات الحياة (مت ١٣: ٢٢) و(مر ٤: ١٩) و(لو ٨: ١٤) بل نحتقر كل هذه الأباطيل و نتلقى روح الحكمة (أف ١: ١٧) دون قلق أو هم ، هلم نسرع إلي الغني الذي لا يشوبه خداع ، ولنحث خطانا الي ما نسميه بأفراح فردوس البهجة (تك ٣: ٢٣) ولنتذكر في كل آلامنا أن خفة ضيقتنا الوقتية تنشئ لنا أكثر فأكثر ثقل مجد أبديا ونحن غير ناظرين الي الأشياء التي تري بل الي التي لا تري (٢كو ٤: ١٧) . وعلينا -كذلك – أن نتحقق أن قصة هابيل ، الذي قتله قايين المجرم القاتل ، أنما تنطبق علي كل الأبرياء الذين تسفك دماؤهم ظلما وعدوانا[4] .
عظة للقديس غريغوريوس النيسي
إن الفلاح الذي يزرع الفضيلة، يجب أن يكون بسيطاً وثابتاً، ويعرف كيف ينمي ثمار التقوي، ويحرص علي حياته حتي لا تنحرف أبداً إلي طريق الشر، ولا يفصل الفكر التقوي عن الإيمان، بل ان يجعلهما معاً وحدة واحدة عديمة الخبرة في أهواء الشر الكائنة خارج طريقه. بالطبع من غير الممكن للزوجة التي تعيش مع زوجها، وتلك التي تزني في زواجها، ان يترجيا نفس الاجر لحياتهما.
يقول المطوب موسي” لا تزرع حقلك صنفين، لئلا يتقدس الملء: الزرع الذي تزرع ومحصول الحقل لا تحرث علي ثور وحمار معاً. لا تلبس ثوباً مختلطاً صوفاً وكتاناً معاً.
ثمار الفضيلة:
ماذا يريد موسي النبي ان يقول بهذه الألغاز؟ يريد ان يقول انه لا ينبغي لاحد ان يزرع في النفس الواحدة الفضيلة والخطية، ولا ان يجعل الحياة تتسم بالمتناقضات، بمعني ان ينمي في النفس ذاتها، اشواكاً وحنطة، ولا ان تزني عروس المسيح مع اعداء المسيح، ولا ان تلد اموراً من ناحية، ومن ناحية اخري تلد ظلاماً.
لان هذه الامور لا تتوافق فيما بينها بحسب طبيعتها، فلا عناصر الفضيلة تتوافق مع عناصر الخطية. وأي توافق يمكن ان يوجد بين التعقل والإسراف او الإتلاف؟ كيف يمكن ان يتشابه العدل مع الظلم؟ وايه علاقة للنور مع الظلمة؟
الا يتراجع الواحد دوماً أمام الآخر، الا يرفض ان يأتي في علاقة مع عدوه؟
إذا يجب علي فلاح الحياة الحكيم ان يفجر ابار مياة الحياة، كما من مصدر مياة صالحة للشرب وحسنة الطعم، دون اية شوائب تعكر صفوها، وان يعرف فقط اعمال الله، ويجاهد في تتميم هذه الأعمال، ويهتم بها كل ايام حياته.
هكذا حتي وان نبت خفية، فكر غريب عن ثمار الفضيلة، فذاك الذي يطلع علي كل شيء، ينظر الي اتعابك، وسينزع بقوته وعلي وجه السرعة، جذر الخداع والمراعاة لتلك الافكار الغريبة قبل ان تنبت.
لان من يظهر صبراً واحتمالاً في جهاد الفضيلة، تفتقده سريعاً نعمة الروح القدس وتبطل بذار الخطية، ولا مجال علي الإطلاق ان تخطئ النعمة هدفها، ولا تتجاهل وتترك الذي يقف دائماً الي جوار عرش الله، مظلوماً.
انظر الي ارملة الإنجيل التي لم ترفع شكواها وتعبر عن الظلم الكبير الذي وقع عليها الي قاضي محب للناس مترفق بهم، بل الي قاض قاس، الا ان توسلاتها والحاحها الكثير في الطلب، وصبرها، غلب جمود القاضي، ودفعته ان يعاقب مقترف الظلم، اذا لا تمل ولا تتعب انت ايضاً من ان تصلي بلجاجة، لأنه ان كانت تلك التوسلات قد جعلت قاضياً قاسياً يلين،
فكيف لنا ان نبرر نحن ايضاً فقدان رجائنا في الصلاة لله الذي تعرف مراحمه دائماً، طريقها الي اولئك الذين يطلبونه؟ بل ان الرب نفسه يقبل لجاجتنا في الصلاة، ويحثنا علي ان نبدي استعداداً ، لذلك يقول : اسمعوا ما يقول قاضي الظلم . افلا ينصف الاه مختاريه، الصارخين اليه نهاراً وليلاً، وهو متمهل عليهم؟ اقول لكم : انه ينصفهم سريعاً.
أيضا الرسول بولس يتمني ويطلب باستعداد ورغبة قوية وجهاد كثير ، ان يصل تلاميذ الإيمان الصالح الي حالة الكمال التام، وبالإضافة الي ذلك، يظهر هدف الحقيقة فيقول: الذي ننادي به منذرين كل إنسان ، ومعلمين كل انسان بكل حكمة، لكي نحضر كل إنسان كاملاً في المسيح يسوع. الامر الذي لأجله اتعب ايضاً مجاهداً، بحسب عمله الذي يعمل في بقوة.
وايضاً يتوجه نحو اولئك الذين استحقوا ختم الروح القدس بالمعمودية، متمنيًا ان ينالوا بصلواتهم الدائمة، المزيد من الاستنارة والنضوج الذهني ، بواسطة هبة الروح القدس قائلاً: “لذلك انا ايضاً اذ قد سمعت بإيمانكم بالرب يسوع، ومحبتكم نحو جميع القديسين، لا ازال شاكراً لأجلكم ، ذاكراً اياكم في صلواتي، كي يعطيكم اله ربنا يسوع المسيح، ابو المجد، روح الحكمة والاعلان في معرفته، مستنيرة عيون اذهانكم، لتعلموا ما هو رجاء دعوته، وما هو غني مجد ميراثه في القديسين، وماهي عظمة قدرته الفائقة نحونا نحن المؤمنين، حسب عمل شدة قوته.
بعد ذلك تحدث عن كيفية نوال الروح القدس “حسب عمل شدة قوته الذي عمله في المسيح، اذ اقامه من الموات. هنا يتكلم بوضوح عن الروح القدس وعمله في اولئك الذين ينالونه، حتي انكم انتم ايضاً -هكذا يقول-ان تقبلوا اليقين، بنفس الطريقة، ثم يتقدم قليلاً في الرسالة، متمنياً لهم اعظم، مصلياً ان تحل علي هؤلاء القوة الكاملة التي لروح الله. يقول : “بسبب هذا احني ركبتي لدي ابي ربنا يسوع المسيح، الذي منه تسمي كل عشيرة في السماوات وعلي الارض.
لكي يعطيكم بحسب غني مجده، ان تتأيدوا بالقوة بروحه في الانسان الباطن، ليحل المسيح بالأيمان في قلوبكم، وانتم متأصلون ومتأسسون في المحبة، حتي تستطيعوا ان تدركوا مع جميع القديسين، ما هو العرض والطول والعمق والعلو ، وتعرفوا محبة المسيح الفائقة المعرفة، لكي تمتلئوا الي كل ملء الله[5]“.
وايضا للقديس غريغوريوس النيسي
العين المقفلة :
” أختى العروس … عين مقفلة … ينبوع مختوم ” (نش ٤ : ١٢)
أن حديقة النفس تحتاج الى ينبوع ماء حتى يزهر البستان حين يروى باستمرار من تلك المياه . ويشرح لنا سفر الامثال ذلك بطريقة رمزية حين يقول ” لا تفض ينابيعك إلى الخارج . سواقي مياه في الشوارع . لتكن لك وحدك وليس لأجانب معك ” (أم ٥ : ١٦- ١٧) هنا يحذرنا الوحى الإلهي من أن يسلبنا أي أحد من مياه ذلك الينبوع والا يأخذ الغريب من ذلك الينبوع لأن كلمة مختوم تفيد أن ينبوع الماء تحت الحراسة ، وهذا يرمز الى عمل الروح الداخلي .
لأن كل الأفكار تنبع من الداخل دائما ولكن حين تنجذب لتلك الأفكار ونخضع للأشياء التي تجذبنا وحينئذ نسقط . ولذلك نحن نتقدم دائما نحو البر حين نرفض تلك الأفكار الشريرة .
فالإنسان حبن يتحول بفكره نحو الشر فهو يعطى نبع مائه للغرباء وعندئذ يزداد الشوك في بستانه وتجف وتنشف النباتات المفيدة حين لا تروى نفوسنا من الأفكار الجيدة . والآن يجب أن نعلم أن الختم يحفظ صيانة ما نحميه لأن الختم يخيف اللصوص ويعيقهم عن أخذ أي شيء . ويصير نبع الماء بكرا لأنه لم ينتهك ويظل محفوظا للرب وحده .
ونحن هنا نرى قمة المدح والمجد المقدم للعروس لأن فكرها أصبح طاهرا لم يمسه العدو بعد لأنها تحتفظ بنقاوتها وكمالها . أنه ختم الطهارة الذى يحفظ النبع طاهرا للرب ، ويحفظ نقاوة القلب حين لا يتلوث بالأفكار الشريرة .
ويمكن أن نعبر عن نفس الفكرة بطريقة أخرى . لأننا نعلم أنه يوجد أشياء طبيعية فينا ويوجد أشياء أخرى ليست من طبيعتنا ولكننا نكتسبها من الخارج . ولهذا يقول سفر الأمثال أن لا نعطى ماء ينبوعنا الى الغريب بل نستعمله لحديقتنا الخاصة حتى نروى غرس الله . وهذه النباتات هي رمز الفضائل لأنه اذا ما انشغل فكرنا بتلك الفضائل فان النفس لن تهتم بتلك الأشياء الخارجية وسوف تسلك نحو الفضيلة والبر وعندئذ تختم ذاتها بخاتم الحق[6] .
عظات اباء وخدام معاصرين
مثل الزارع لقداسة البابا تواضروس الثاني
كلمة الملكوت
في أمثال الملكوت (متى ١٣) إشارة واضحة إلى الإنجيل ( كلمة الملكوت ) .
الإنجيل ليس للقراءة ولكن للبناء ، فالكنيسة لا ترى الإنجيل ” كلمة مقروءة ” بل تراه كلمة معبودة ، بدون روح العبادة لا تفهم كلمة الإنجيل .
الإنجيل ليست للعزاء الروحي بل للبناء الروحي ، فالذي يتقبل الكلمة بالعبادة لا يحتاج لكثرة القراءة بل يحتاج للثبوت بعزم القلب ، والكلمة فيه تنمو وتزداد ، وهو يرى ويحس كيف يصير حياة وسلوك واستعلاناً لبناء روحي يتنامى ويرتفع .
النعمة لا تعمل إلا من خلال الكلمة ، ولكن ليس الكلمة المقروءة وحسب ، بل الكلمة التي دخلت لتتحول إلى عبادة وصلاة ، إنها ” كلمة الملكوت ” . ويقول القديس يوحنا سابا : ” هذا الملكوت ليس غريباً عنا بل هو ” حياتنا ” إذ يعنى ملكية الرب ( الحياة ) على قلوبنا وأفكارنا وطاقتنا ، حتى نصير كأننا شعلة نار محترقة دوماً نحو السماويات ” .
لقد بعنا حياتنا كلها للرب ودفع هو الثمن على الصليب ، ولم يعد لنا حق التصرف في شيء ما بدون استئذانه ؛ فإن أكلنا أو شربنا أو صمنا ليكن الكل لمجد اسمه …
حياتنا الروحية :
+ الصداقة الحقيقية : التبعية الحقيقية هي علاقة داخلية مع المسيح ، فهو لا يطلب المظهر الخارجي ( الزحام الذى حوله ) ، بل يطلب القلب أولاً بحيث لا يدخل أي آخر فيه إلا عن طريق الرب يسوع . إنه يسمح بالحب للأخرين ولكن ليس أكثر منه .
+ كيف تحمل الصليب ؟
١ – بالزهد فيما يخص أجسادنا .
٢ – بالحنو على أقربائنا ومن يحتاج .
إننا بدون قبول الصليب نحمل اسم المسيح دون حياة فينا .
ولذا يحتاج حمل الصليب إلى حساب النفقة :
مثال بناء البرج : برج الفضائل الروحية ، ملء قامة المسيح يحتاج إلى :
١ – حساب النفقة = جلسة هدوء وارتباط واعى بالمسيح .
٢ – أساس ثابت = بساطة ، تواضع = صخر الإنجيل .
٣ – أحجار = وصايا لكمال النفس ولا يكفى حجر ( وصية ) واحدة .
٤ – بناء شاهق = ينمو ويعلو / قائم للمراقبة والحراسة .
مثال الملك الذى يحارب : هو مثل القطيع الصغير الذى يترك أمواله ولا يتكل على بره الذاتي ، ويتقدم ويغلب عدو الخير ويصير ملحاً جيداً يملح الآخرين أيضاً .
تبعية يسوع
هذا هو الأحد الثالث من هاتور ، وغالباً الأول من الصوم الميلادي البتول . إنه مع الأحد الرابع يتحدثان عن ” تبعية يسوع ” .
وهناك سؤلان :
١ – كيف نستعد لميلاد السيد المسيح ؟
بالصوم : ٤٣ يوم .
بالتسبيح : شهر كيهك .
بكلمة الله : القراءات الكنسية .
٢ – كيف نحيا في تبعية السيد المسيح ؟
+ إنه يريد القلب كله له ( المحبة الكاملة ) .
يا ابنى أعطني قلبك ….
تحب الرب إلهك من كل قلبك ….
+ إنه يريد أن نحمل الصليب = نحمل المسيح ( الطاعة الكاملة )
” من يحبني يحفظ وصاياي …. ”
+ إنه يريد أن نثق فيه تماماً . ( الإيمان الكامل )
” بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئاً ” (يو ١٥ : ٥) .
تبعية .. توعية .. تضحية :
+ مشكلة الشباب الغنى : إنه كان يطلب الجائزة دون التعب والجهاد والنفقة ، ولذا ظهرت أهم سمات شخصيته في حواره مع المسيح:
١ – يشعر بعدم أمان بخصوص المستقبل .
٢ – ينقض الوصية الأولى لأن المال صار إلهاً له .
٣ – يرى ويعتقد أن الغنى دليل الرضا السماوي .
وكان العلاج الذى قدمه له السيد المسيح :
١ – طرح كل معوق أرضى عن تبعية المسيح .
٢ – محبة الفقير والغريب وليس القريب فقط .
٣ – قبول حمل الصليب ( الألم والجهاد ) .
بطرس الرسول :
ماذا ترك ؟ …. ترك كل شيء ..
ماذا نال ؟ …. كنز السماء …
والسؤال هل الاضطهاد مكسب أم خسارة ؟ ! …
الغنى الحزين
مميزات الشاب الغنى :
١ – كان غنياً ، والمال في حد ذاته نعمة وبركة .
٢ – كان شاباً ، والشباب قوة وجمال ونشاط .
٣ – كان رئيساً من رؤساء الدين (لو ١٨ : ٨) ذو وقار .
٤ – كان مؤدباً إذ جثا وسجد في خضوع أمام يسوع .
٥ – كان يشتاق للملكوت وللحياة الأبدية .
٦ – كان حافظ للوصايا منذ نشأته .
نقصات الشاب الغنى :
١ – ينقصه الإيمان الصحيح إذ خاطب المسيح كمعلم فقط وليس كإله .
٢ – ينقصه تحطيم الأصنام الداخلية وهى هنا المال ومحبته .
٣ – ينقصه تنفيذ الوصايا … كان يحفظها نظرياً .
٤ – ينقصه تأمين كنزه …. فبدلاً من الأرض … يضعه في السماء .
٥ – ينقصه اتباع الراعي الصالح ، فليس لجهاده معنى دون ذلك .
والخلاصة : كان عنده : اقتناء مادى ، اقتناء نفسى ، واقتناء روحي[7] .
مثل الزارع : (مت ۱۳ : ۱ – ۲۳) للمتنيح الانبا اثناسيوس مطران بني سويف والبهنسا
ليست الأرض الزراعية في فلسطين منبسطة كوادي النيل ، بل هي مرتفعات ومنخفضات وقد يكون الحقل محدودا من ناحية بهوة منخفضة ، وقد يكون في وسطه أجزاء صخرية ، وعند الأطراف تنبت حشائش لا يتمكن الفلاح من اقتلاعها لأنها على أطراف الجرف . فاذا ما نثر البذور سقط بعضها حتما على الأرض الجيدة ، والبعض على الأرض الصخرية ، والبعض بين الشوك والبعض على الطريق حيث أن الطرق هناك تلتوي حول المرتفعات .
وقد فسر السيد نفسه هذا المثل فقال : ان العقل المتبلد المستولى عليه الشرير يشبه الطريق فيأتي الشيطان سريعا ليخطف الكلمة التي تلقي عليه . والأنسان السطحي الذي لا يتعمق بالكلمة يشبه الأرض الصخرية التي ليسلها أصل من التربة ، فاذا ما جاء ضيق ، أو اضطهاد يعثر سريعا.
ولا انسان المشغول بالأمور العالمية يشبه الأرض المملوءة بالأشواك . وأما الذي يسمع ويفهم فهو الذي يأتي بثمر ويتقدم ناميا من ثلاثين الى ستين الى مئة.”والفاهمون يضيئون كضياء الجلد ، والذين ردوا كثيرين الى البر كالكواكب الى أبد الدهور ” (دا ۱۲ : ۱۳) والأمين في القليل ، أمين أيضا في الكثير . ” ومن له سيعطي ويزاد ، وأما من ليس له فالذي عنده سيؤخذ منه ” (مت ۱۳ : ۱۲)
وقد وصف ذهبي الفم هذه الأنواع الأربعة بأن الطريق هو غير المكترثين ،والأماكن المحجرة هم ضعفاء الارادة الذين يقبلون الكلام ولا يقومون بالتوبة ،والأرض ذات الشوك هم محبو العالم ، والأرض الجيدة هم الصالحون ، وأما الزارع طبعا فهو رب المجد الذي خرج من خدره السماوي في جسد بشر وتمشي بيننا (مقالة ٤٤).
واذا تصورنا الأرض المنبسطة كما في وادي النيل ، فأنها تبدأ بأن تكون أرضا جيدة صالحة للزراعة ، تأتي بثمر كثير في يد الفلاح الأمين . ولكنها في يد الفلاح المهمل الذي لا ينقيها جيدا بالحرث العميق ( لا يعزقها ) فأنها تمتلئ بنبات غريب هو النجيل ، وهو في أرضنا يتعمق في الأرض كثيرا ، واذا لم يقتلع من جذوره فانه ينتشر فيها . ومن الغريب في هذا النجيل أنه اذا سقطت قطعة منه في الأرض فأنها تنبت جذورا ونباتا جديدا. ولذلك يحرص الفلاح على أن يقتلعه تماما ، ويأخذه بعيدا عن الحقل ويحرقه عن آخره .
واذا ما أهمل الفلاح في ري الأرض ، لأن الماء يأتي في القنوات في مواعيد ولأوقات محدودة ، فان الأرض تجف اذا فاتتها الدورة وتتقسی تربتها ، أو أنه اذا رواها ريا غير مشبع فان سطحها يغطى بالماء ، ولكن أعماقها لا تشبع .
وأما اذا زاد الأهمال ، فان الأرض تبور وحينئذ لا يحترم المارة حدودها بل يخترقونها الى حقولهم فتصير طريقا للدوس . وهكذا تتحول الأرض الجيدة الى طريق صماء باهمال الفلاح .ويكاد يكون الأهمال في عنصرين أساسيين عدم تنقية الأرض من النجيل، وعدم أشباعها بالماء .
والنجيل والشوك هنا هما: هموم العالم ،وشهواته الكامنة في القلب التي تخنق الكلمة .والری هنا العبادة الأمينة . فيجب علينا أن ننقى قلوبنا من كل شر وأن كان خفيا ، ونقتلعه من أساسه كما يلزمنا ان نواظب على العبادة لتشبع منها حتى تكون حياتنا لينة شبعی بالنعمة . وأما أن أهملنا هذين الأمرين فأننا نتقسی ويكون مصيرنا طريقا لگل خطية .
وليس خفيا أن الأرض غير المزروعة ( البائرة ) اذا سلمت لفلاح نشيط يمكن أنت تحول الى أرض جيدة والعكس صحيح (مت ١٣: ١٠-١٧) وعلى الرغم من وضوح الأمثال ومن كثرتها فان البعض لم يفهموها : ولم يسمعوا لها لأن قلوبهم قد غلظت ،وحواسهم قد انطمست فلنطلب من الرب ، ولنكن نشطين لگی نحس ونعمل دائما[8].
مثل الزارع للمتنيح العلامة انبا لوكاس
+ جاء في مثل الزارع “وسقط آخر علي الارض الجيدة فأعطي ثمراً بعض مئة وآخر ستين وآخر ثلاثين ، من له أذنان للسمع فليسمع ”
+ ما معني هذه الكلمات والارقام ؟
” نفهم من خلاصه شرح السيد المسيح لمثل الزرع والزارع (مت ١٣ : ٣- ٨-١٨-٢٣). ان المراد من بالأرص الجيدة هو القلب البشري المهيأ لقبول زرع كلام الله .
ولما كان حديث السيد دائماً ذا شجون لأن تعاليمه تتناول أعماق الحياه الإنسانية الجديرة بإلفات النظر الي خطورتها لمضاعفه الاهتمام بالتأمل في تفاصيلها ، لهذا كان السيد يقرن حديثه بقوله ” من له اذنان للسمع فليسمع ”
” واختلاف كميه الثمر من ثلاثين الي ستين الي مائه امر يستوجب التأمل العميق . فمن شؤون الزراعة الحسيه المعروفة ان تتناسب كميه غله الارض مع كميه البذار تناسباً طردياً وفي هذا المعني يقول الرسول ” من يزرع بالشح فبالشح أيضا يحصد ومن يزرع بالبركات فبالبركات أيضا يحصد ” (٢كو ٩: ٦). كما اننا ان ننس ان توافر وسائل الانبات من تربه جيد هو ماء وضوء وهواء عامل في ازدهار النبات وامتلائه السخي بالثمر الدسم الكثير .
هكذا ارض ” القلب البشري ” وزرع كلام الله فالتفاضل في جوده الارض وتوافر وسائل الانبات الروحي لاشك لهما اهميتها في تطور كميه الثمار من ثلاثين الي ستين الي مائه ،
” واذا عرفنا أن ” المحبة ” في القلب البشري هي سر نجاح نمو كلمه الله وازدهارها واثمارها
” من يحبني يحفظ كلامي … الذي لا يحبني لا يحفظ كلامي … ” (يو ١٤ : ٢٣-٢٤). وعرفنا أيضاً ان تفاوت المحبة في القلوب وتفاضلها ، من عوامل التطور من ثلاثين إلي ستين الي مائه في الثمار الروحية ” من ذلك أقول لك قد غفرت خطاياها الكثيرة لأنها أحبت كثيرا . والذي يغفر له قليل يحب قليلا ” (لو ٧: ٤٧-٤٨). وتطبيقا لذلك تستطيع أن ندرك كيف ان القلوب البشرية ، تبعا لمقدار استجابتها لمحبه الله ، هكذا يكون مقدار انتاجها لزرع كلام الله فيها .
” ولان في استجابة القلب البشري لمحبه الله ضمانا لطيبه وجوده التربة الروحية فيه و توافر وسائل الانبات ” لهذا ينبهنا فادينا الحبيب الي اهميه ذلك بقوله ” انا الكرمة وانتم الاغصان … اثبتوا في وانا اثبت فيكم ” (يو ١٥ : ٤ -٥).اذانه في هذا الثبات المتبادل ضمان لا ستجابه القلب البشري لمحبه الله . وبالتالي لنمو الكلمة وازدهارها واثمارها ، وتبع استجابتنا لهذه المحبة يكون الثمر ثلاثين او ستين أو مائه : ” من له اذنان للسمع فليسمع ” (مت١٣ : ٩)[9].
لاتزرع حقولك صنفين .. للمتنيح الانبا كيرلس مطران ميلانو
لا تزرع حقلك صنفين
هل أنت زارع ؟! أم أنت ساقي ؟! أم أنت زارع وساقي معاً ؟!
جيد للإنسان أن يعمل زارعاً للخير .. وجيد أن يكون ساقياً له .. وأكثر حلاوة أن تعرف جيداً أن ليس الزارع شيئاً ولا الساقي شيئاً بل الله الذي ينمى كما يقول معلمنا بولس الرسول (١کو ۳ : ۷) .
هل أنت زارع ؟ ! .. أنت لا تقدر أن تقول أنا لست زارعاً ولا ساقياً .. لأن كل إنسان يعيش على الأرض يعمل زارعاً دون أن يدري .. نحن بالكلام نزرع دون أن ندري .. وبالصمت نزرع أيضاً .. بالأعمال نزرع وبالتصرفات نغرس .
أنت أيها الزارع ترى ماذا تزرع بأعمالك ؟ ! .. هل تزرع خيراً .. أم تزرع شراً ؟ ! .. هل تزرع حباً أم تزرع كراهية ؟ ! .. هل تزرع سلاماً أم تزرع خصومات بين إخوة متحابين ؟ ! .. هل تزرع فرحاً أم تزرع حزناً ؟ ! .. هل تزرع راحة أم تزرع تعباً ؟ ! .. هل تزرع طمأنينة أم تزرع قلقاً ؟ ! .. هل تغرس فضيلة أم تلقى معثرة ؟ ! .. أم لك المقدرة أن تزرع الصنفين .. الخير والشر ؟!
السيد المسيح له المجد كان يجول يصنع خيراً في كل مكان .. كان يطوف يزرع صنفاً واحداً للكل وهو الخير ..
أنت لا تقدر أن تزرع في الآخرين سوى ما هو من ثمرة قلبك .. لا تقدر أن تزرع الخصال الحميدة في من هم حولك قبل أن تزرعها أولا في تربة قلبك وتنمو وتثمر فيه .. مثلما يعمل الوصي ( الإشبين ) في سر المعمودية على زرع الفضائل في الطفل المعمد كما تقول الوصية : ” لقد تسلمتم أولادكم من المعمودية الروحانية الطاهرة التي يطالبكم الرب بها إن أهملتم في تربيتهم ” ..
ازرعوا فيهم الخصال الحميدة : المحبة والوداعة والاتضاع وحب التسبيح والأصوام الكنسية .. ” .
أيها الزارع حسن أن تعمل زارعاً .. لكن الأهم هو ماذا تزرع .. لأن مستقبلك كله في يد ما تزرعه أنت ..
مستقبلك الأبدي متوقف على ما أنت تزرعه بأعمالك .. فلا تزرع العثرة .. لأن من يزرع العثرة في قلب أحد الأطفال الصغار يقول عنه السيد المسيح : ” خير لذلك الإنسان أن يعلق في عنقه حجر الرحى ويغرق في لجة البحر ” (مت ۱۸ : ٦) .
لذا أسع أن تزرع البر في تربة قلبك وفى قلب من حولك ليرتفع شأنهم وشأن وطنك .. ” لأن البر يرفع شأن الأمة وعار الشعوب الخطية ” (أم ١٤ :٣٤) .
مستقبلك الأبدي هو ثمرة الحصاد لزرعك .. فكل ” الذين يزرعون بجهادهم ودموعهم يحصدون بالابتهاج ” (مز ١٢٦ : ٥) .. يحصدون مع الله الذي يمسح كل دمعة من عيونهم (رؤ ٧ : ۱۷) . مثلما زرعت الأم دولاجي والأم رفقة في أولادهما في زمن الاضطهاد .. ومثلما غرس بولس الرسول تعليماً يؤكد فيه ” أن آلام الزمان الحاضر لا تُقاس بالمجد العتيد أن يستعلن فينا ” (رو ٨ : ١٨) . وما قد غرسه الرسول أثمر في قلبه ودفعه يحصد قائلاً : ” لي الحياة هي المسيح والموت هو ربح ” (في١ : ٢١) .
أنت تعلم أن السيد الرب أوصى ألا تزرع حقلك صنفين (تث ۲۲ : ۹) .. ليكن الصنف الذي تزرعه وتكتفى به هو الخير .. ولا تسمح للشر أن يغلبك بل اغلب الشر بالخير (رو ۱۲ : ۲۱) .
وأنت تلقى الحبوب ليكن منهجك هو مبدأ تكافؤ الفرص .. ألق بذور المحبة أمام الكل .. ألقها على الأرض الجيدة .. ولا تحرم القلب المحجر لأجل قساوته .. ولا تمنعها عن النفس المختنقة بالأشواك .
الحبوب تلقيها أمام الكل .. والنفس تقبلها أو لا تقبلها هذا ليس عملك وأنت لا تسأل عليه .
ليكن المسيح هو مثلك الأعلى فهو الذي شبه نفسه بالزارع .. لأن ليس للزارع رسالة أخرى سوى عمل الخير .
أيها الزارع إن أردت أن تربح .. أزرع حقلك وحقل أولادك بالوضوح .. والصراحة .. والأمانة .. والصدق .. والإخلاص .. وبهم يستريح الله في قلبك[10] .
المتنيح القمص لوقا سيداروس أسرار ملكوت الله
من إنجيل معلمنا مارلوقا البشير لو ۸ :٥ – ١٥ ) بركاته علينا آمين.
الكلمة مكانها القلب وليس العقل لَكُمْ قَدْ أُعْطِيَ أَنْ تَعْرِفُوا أَسْرَارَ مَلَكُوتِ اللهِ (لو ۸: ۱۰)
المسيح له المجد أعطانا أن نعرف أسرار ملكوت الله وجعل في مثل الزارع البسيط جداً مدخلاً لكل أسرار ملكوت الله. وقَالَ لتلاميذه: “أَمَا تَعْلَمُونَ هَذَا الْمَثَلَ؟ فَكَيْفَ تَعْرِفُونَ جَمِيعَ الْأَمْثَالِ؟” أي أن هذا المثل هو المدخل الذي إذا وعاه الإنسان يعي بقية الكلام. طبعاً أسرار ملكوت الله ليست معقدة، لكنها سهلة وبسيطة جداً لبني الملكوت والمسيح فتح أذهاننا وأعطانا أن نعرف هذه الأسرار. ولما فسر المثل قال أَن الزَّارِعُ الزَّرْعَ الْجَيْدَ هُوَ ابْنُ الْإِنْسَانِ. أي أن الزارع هو المسيح نفسه والبذرة هي كلمة الله للحياة الأبدية. لكن يجب أن تدرك في البداية أن الكلمة ليست للعقل، وإنما للقلب. لأن المسيح له المجد لما فسر المثل قال أن الكلمة مزروعة في القلب كثير من الناس يعتقدون أن الكلام للفهم، لحفظ المعلومات، للمعرفة، للعقل، فيبتعدون جداً. لأن الكلمة تُزرع في قلب الإنسان، في قاعدة الشعور والإحساس والعاطفة. الكلمة تزرع في القلب الذي منه مخارج الحياة وهو الجزء العميق جداً في الإنسان وليس العقل. عندما تصيب الكلمة قلب الإنسان تعمل عملها. وعمل الكلمة داخل قلب الإنسان عمل الهي، فهي تغير مفاهيم الإنسان الداخلية ومنها تخرج مخارج الحياة ويخرج السلوك.
هل في حياتك ثمر الملكوت هَا مَلَكُوتُ اللهِ دَاخِلَكُمْ (لو ۱۷ : ۲۱)
الذين أخذوا الإنجيل مأخذاً عقلانياً، يفكرون في الإنجيل، يحفظون الكثير منه، يتناقشون حوله، ومع ذلك سلوكهم لا يتطابق مع الإنجيل، لأن الكلمة لم تدخل في الحياة. حين تتعامل مع أحدهم، تجد أن تصرفاته ليست على مستوى الإنجيل ولا تتفق مع تعاليم الإنجيل، لأنه يحفظ الكلام في عقله، ولم تدخل الكلمة إلى قلبه ولم تمر عليه أبداً. الدليل على أن الكلمة تفاعلت مع قلب الإنسان ودخلت فعلاً إلى حياته، أن تجد في الإنسان ثمر الحياة الأبدية. المسيح يزرع الكلمة في قلب الإنسان لكي تثمر ثمر ملكوت الله، وإلا فلماذا يزرع؟ إذا سألت أي فلاح لماذا تزرع؟ ستكون الإجابة حتماً لكي يحصد ويجني الثمر، وليس حباً في الزراعة. قصد المسيح من زرع الكلمة فينا أن نثمر من ثمر ملكوت الله إذا لم يثمر الإنسان ثمر ملكوت الله، ستكون نهايته مثل نهاية الأرض التي نالت مياه ورعاية ولم تأتِ بثمر. لذلك يلزم على كل منا أن يراجع سلوكه ومعاملاته اليومية في الحياة. هل في حياتي رائحة ثمر ملكوت الله؟ هل ثمر الملكوت يظهر في كلامي ودخولي وخروجي وملبسي ومأكلي ومشربي وتفكيري ومعاملاتي مع الناس وعلاقتي بإخوتي وعائلتي ونظرتي للجسد والمال وكل أمور الحياة؟ ثمر ملكوت الله يظهر واضحاً جداً في حياة أولاد الله هناك فرق شاسع بين حقل قمح مزهر وآخر مقفر، بين أرض مثمرة وأخرى قاحلة. تأمل الحقول لتدرك الفرق بين الشجر المثمر والشجر المجدب. عندما يكون الإنسان مملوء بثمر الملكوت وثمر الحياة الأبدية، يكون فيه روح الله ويكون ملكوت الله داخله. هَا مَلَكُوتُ اللهِ دَاخِلَكُمْ. يظهر ملكوت الله في حياتي العملية مع الناس طبعاً ما يحدث مختلف تماماً، لأن معلوماتنا في الإنجيل تزداد باستمرار، والإجابات حاضرة عن كل سؤال والمناقشات حادة والمعرفة كثيرة جداً، لكن إذا اقتربت إلى الإنسان وتأملت حياته، تجدها جافة جداً من ناحية الروح. قد يكون الإنسان ممن يترددون على الكنيسة بمواظبة ويعرفون في الإنجيل، لكن الحياة ليس بها ثمر الملكوت.
ثمر الملكوت يحتاج إلى صبر وطول أناة.
الَّذِينَ يَسْمَعُونَ الْكَلِمَةَ فَيَحْفَظُونَهَا فِي قَلْبٍ جَيّدٍ صَالِحٍ وَيُثْمِرُونَ بِالصَّبْرِ (لو ٨:١٥)
ومع أسرار ملكوت الله التي ذكرها السيد المسيح هي سر الحياة. وإذا كان سر الحياة موجود في البذرة التي توضع في الأرض، كذلك فإن سر الحياة في الله ومع الله وملكوت الله موجود في. ثم يأتي سر النمو بعد سر الحياة، لأن البذرة تنمو بعد قليل ثم تثمر. لذلك فإن أسرار ملكوت الله هي سر الحياة وسر النمو وسر الثمر وسر الفرح كم مرة سمعت الإنجيل وكم مرة قرأته وأخذت بذرة الحياة الأبدية؟ أنا لا أستطيع أن أحصي ! سمعت الإنجيل آلاف المرات، لكن كم مرة أثمرت لله ، وظهر في حياتي ثمر الملكوت الذي فيه سر الحياة مع الله وسر ملكوت الله؟ سر الحياة الأبدية وملكوت الله حى داخلي. والنمو في الحياة مع الله سر لأن النمو يحدث داخل التربة. أنا أعيش في المسيح سنين هذا عددها ، وأنمو نمواً طبيعياً. أنمو في المحبة، أنمو في معرفة الله، أنمو في الممارسات الروحية، أنمو في إنكار الذات، أنمو في الاتضاع. لكن إذا كان سر الملكوت في الإنسان لا ينمو، فهو ميت وإن لم يثمر لله فهو ميت طبعاً ثمر ملكوت الله شهي ولذيذ جداً. لما تجد في إنسان رائحة المسيح، يكون فيه ثمر كثير لملكوت الله والمحبة هي أول الثمار، لأن الإنسان أناني منذ نشأته بالطبيعة القديمة. والمحبة ليست من ثمار البشر ، ولكنها ثمرة المسيح. وعندما يكون قلب الإنسان مفتوحاً، يكون فيه ثمر الملكوت ويقدم للجميع محبة المسيح الباذلة الخالية من الأنانية. فسر المسيح المثل وقال أن الذين يُثمرون، يَحْفَظُونَ الكلمة فِي قَلْبٍ جَيّدٍ صَالِحٍ وَيُثْمِرُونَ بِالصَّبْرِ. من يريد أن يثمر ثمر الملكوت، يلزم أن يكون صبوراً ، طويل الأناة، طويل الروح، كثير الاحتمال، لأن هناك معاكسات وحروب كثيرة ضد الكلمة المغروسة في قلوبنا. “لأنَّ الْجَسَدَ يَشْتَهِي ضِدَّ الرُّوحِ وَالرُّوحُ ضِدَّ الْجَسَدِ، وَهذَانِ يُقَاوِمُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ العالم ورئيس هذا العالم ضد الروح. كما توجد حروب كثيرة جداً تعمل ضد نمو الملكوت داخل الإنسان لذلك على الإنسان أن يجاهد بمثابرة ليثمر بالصبر.
حياة الإنسان الروحي تكون ترجمة بسيطة للإنجيل الكلامُ الَّذِي أَكَلِّمُكُمْ بِهِ هُوَ رُوحٌ وَحَيَاةٌ (يو ٦: ٦٣)
من يبدأ الحياة الروحية ويعيش فيها، يحب الإنجيل جداً. يحب كلمة الله حباً جماً من عمق القلب. آيات الإنجيل تكون حاضرة دائماً في قلبه باستفاضة. إذا لم يختبر الإنسان سر الملكوت، لا يجد الإنجيل إذا بحث داخل نفسه، لأن فكره وقلبه مشغول بأمور بعيدة كل البعد عن الإنجيل. أما الإنسان الحائز علي سر الملكوت، يكون الإنجيل في قلبه، حاضر في ذهنه، يملأ حياته في جميع المناسبات والظروف المحيطة. أفكار الإنسان الروحي تنبع من الإنجيل في الفشل في النجاح في الفرح، في الحزن، لا يغيب الإنجيل عن باله، لأنه مركز التصور في حياته ليس بالضرورة أن يأخذ كلام الإنجيل بالحرف لأن الحرف يقتل. الإنجيل روح وحياة كقول المسيح له المجد “الكلامُ الَّذِي أُكَلِّمُكُمْ بِهِ هُوَ رُوحٌ وَحَيَاةً”. لذلك فإن مجمل تصرفات الإنسان الذي به سر ملكوت الله تكون ترجمة بسيطة للإنجيل والمنهج الذي يناسب الروح. الإنسان الذي فيه . سر ملكوت الله لا يكون بالضرورة واعظاً يحفظ آيات الإنجيل ويرددها، لكن الأهم أن يعيش الإنجيل ويقيس تصرفاته على ما يناسب الملكوت الذي في داخله. الإنجيل يكون حي فيه.. يحيا بحسب الكلام الذي لا يفهمه بعقله لكن يحفظه في قلبه، فيثمر لله.. يقول مع الرسول: “كُلُّ الْأَشْيَاءِ تَحِلُّ لِي لَكِنْ لَيْسَ كُلُّ الْأَشْيَاءِ تُوافِقُ كُلُّ الأَشْيَاءِ تَحِلُّ لِي وَلَكِنْ لَيْسَ كُلُّ الأَشْيَاءِ تَبْنِي”.. سر الروح الذي فيه يعلمه الكلام والطريق والتصرف الذي يناسب ملكوت الله الساكن فيه. أنت مدعو ابن الله .. ابن الملكوت.. ملكوت الله داخلك.. سر الملكوت يعمل فيك.. كلمة الملكوت مزروعة داخل قلبك حيث المناخ المناسب للنمو . هناك أشياء تكتم كلمة الله وتخنقها شبهها المسيح بالأشواك. وهناك شيطان يترصد للإنسان يريد أن يمنع الكلمة من الوصول إلى قلبه، لأنه يعرف أن الكلمة متى وصلت قلب الإنسان، يكون لها ثمار، فيحاربها في البداية. قد يسمع الإنسان الإنجيل وكأنه لم يسمع… يقرأ فصل أو فصلين من الإنجيل وتسأله بعد خمس دقائق فلا يتذكر .. يحضر عظة حلوة، وإذا سألته فيها، يقول نسيت أو لم أفهم. هذه بعض من حروب كثيرة جداً ضد الإنجيل الشيطان يتمنى أن ينزع كلمة الله من قلب الإنسان قبل أن تصيبه، لأنها إن أثمرت، يكون الثمر جباراً جداً.
كلمة الله تُحدث تغييراً بلا حدود في كيان الإنسان وَلَكِنْ إِنْ كَانَ إِنْجِيلُنَا مَكْتُوماً ، فَإِنَّمَا هُوَ مَكْتُومٌ فِي الْهَالِكِينَ (٢كو ٣:٤)
إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَكُونَ كَامِلاً فَاذْهَبْ وَبِعْ أَمْلاكَكَ وَأَعْطِ الْفُقَرَاءَ فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي السَّمَاءِ وَتَعَالَ اتْبَعْنِي”. هذه الآية سمعها القديس الأنبا أنطونيوس فتحول ومضي إلى البرية هل تستطيع أن تحصر ثمر كلمة الحياة الأبدية التي أصابت قلب الأنبا أنطونيوس ؟ ثمر الكلمة التي دخلت عند الأنبا أنطونيوس هو ملايين النفوس في كل العالم الرهبنة في العالم كله كانت ثمرة هذه الكلمة.. ملايين القديسين والنساك.. الرهبنة عند اخوتنا الكاثوليك التي نزلت تخدم العالم في المؤسسات والمستشفيات والمدارس.. ثمر لا حصر له. ثمار كلمة واحدة دخلت قلب إنسان. كل هذه هي أسرار ملكوت الله ليس لها حصر التغيير الذي تحدثه كلمة الله في كيان الإنسان بلا حدود. والقديس بولس الرسول يقول: “وَلَكِنْ إِنْ كَانَ إِنْجِيلُنَا مَكْتُوماً، فَإِنَّمَا هُوَ مَكْتُومٌ فِي الْهَالِكِينَ.” إذا كان الإنجيل مكتوماً، فهو مكتوم في النفوس الهالكة، لكنه مثمر في أولاد الله لما وصلت كلمة الإنجيل إلى أهل كورنثوس كانت مثمرة من اليوم الأول. غيرت كيان الناس، وبعد أن كانوا زناة أصبحوا قديسين، حتى أن الكلام الذي كتبه لهم بولس الرسول لا نستطيع أن نفهمه إلى اليوم. إذا استقرت الكلمة في ذهن الإنسان وفي عقله، يشبع محفوظات ومعلومات. لكن إن دخلت قلبه، تتغير شكل الحياة ويظهر عليها ثمر ملكوت الله. يظهر في كلامه ومعاملاته ووداعته واتضاعه الشديد وبذله ناحية الآخرين وسلامه القلبي. هذا هو ثمر ملكوت الله.
تستطيع أن تذوق طعم ملكوت الله على الأرض الَّذِي صَنَعَنَا لِهَذَا عَيْنِهِ هُوَ اللهُ الَّذِي أَعْطَانَا أَيْضاً عَرْبُونَ الرُّوحِ (٢کوه : ٥)
المسيح له المجد يقول: “لَكُمْ قَدْ أُعْطِيَ أَنْ تَعْرِفُوا أَسْرَارَ مَلَكُوتِ اللهِ ” . فلماذا أسماها المسيح أسراراً! سر ملكوت الله ليس مكشوفاً لأهل العالم لأنه سر يعرفه أولاد الله في داخل القلب، داخل المخدع وداخل الأقداس الداخلية. سر ملكوت الله لا يُعلن إلا لأولاد .الله. سر الرب لخائفيه. لذلك فإن هذا المثل هو مدخل لمعرفة كل أسرار ملكوت الله. لا نفهمه بالعقل، ولكن نحاول أن نعيشه في الحياة. يحتاج الإنسان أن يبدأ في تذوق طعم ثمر ملكوت الله، ويجعل للإنجيل موضعاً في قلبه يتفاعل معه ويغير أخلاقه. لو ظل الإنسان على ما هو عليه بلا تغيير، هذا يعني أن الإنجيل لم يصل إلى قلبه، لأن من طبيعة كلمة الإنجيل أنها إذا دخلت فعلاً إلى قلب الإنسان يتغير كل يوم من مجد إلى مجد، ومن خير إلى خير.. ينمو كل يوم في المحبة إلى ذاك الذي هو الرأس المسيح، إلى ملء قامة المسيح.. ينمو ويثمر ويكبر ويكثر ويتسع قلبه جداً، فيكون صبره واحتماله مثاراً للعجب، لأن سر ملكوت الله فيه. لو بدأت نعمة بذرة الحياة الأبدية تنمو في الإنسان وتثمر داخله يذوق طعم ملكوت الله وهو على الأرض. ملكوت الله داخلك، تستطيع أن تذوق طعم ملكوت الله وأنت هنا على الأرض. تستطعم عربون ملكوت السماوات. يقول بولس الرسول: “الَّذِي صَنَعَنَا لِهَذَا عَيْنِهِ هُوَ اللَّهُ الَّذِي أَعْطَانَا أَيْضاً عَرْبُونَ الرُّوحِ”. لِيَحِلَّ الْمَسِيحُ بِالإِيمَانِ فِي قُلُوبِكُمْ”. المسيح حال في قلبي.. أحس به.. وهو يقول: “إِنْ أَحَبَّنِي أَحَدٌ يَحْفَظْ كلامِي وَيُحِبُّهُ أَبِي وَإِلَيْهِ نَأْتِي وَعِنْدَهُ نَصْنَعُ مَنْزِلاً”وقال: “إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ الْبَابَ، أَدْخُلُ إِلَيْهِ وَأَتَعَشَّى مَعَهُ وَهُوَ مَعِي”. المسيح يدخل عندي ويتعشى معي ويحل في داخل قلبي! هذا ليس حديثاً مرسلاً بل حق هذا اختبار يحياه الإنسان الذي يعيش في الملكوت فعلاً، لو سر الملكوت يعمل فيه ببذرة الحياة الأبدية التي هي الإنجيل. ولربنا المجد الدائم إلى الأبد آمين.
مثل الزارع
فصل من إنجيل معلمنا مار متى البشير مت ۱۳-۱- ۹) بركاته علينا آمين.
عينات قلوب الناس. خباتُ كَلامَكَ فِي قَلْبي لِكَيْلاً أَخْطِئ إِلَيْكَ. (مز ۱۱۹ : ۱۱)
المسيح شرح عينات البشر وأنواع القلوب واستقبال الناس لكلمة الله، فقال: “سَقَطَ بَعْضٍ عَلَى الطَّرِيقِ فَجَاءَتِ الطُّيُورُ وَأَكَلَتْهُ. وَسَقَطَ آخَرُ عَلَى الأَمَاكِنِ الْمُحْجِرَةِ حَيْثُ لَمْ تَكُنْ لَهُ تُرْبَةٌ كَثِيرَةٌ فَنَبَتَ حَالاً إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُمْقُ أَرْضِ. وَلَكِنْ لَمَّا أَشْرَقَتِ الشَّمْسُ احْتَرَقَ وَإِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَصْلٌ جَنَّ وَسَقَطَ آخَرُ عَلَى الشَّوْكِ فَطَلَعَ الشَّوْكُ وَخَنَقَهُ. وَسَقَطَ آخَرُ عَلَى الْأَرْضِ الْجَيّدَةِ فَأَعْطَى ثَمَراً بَعْضٍ مِنَةً وَآخَرُ سِتِّينَ وَآخَرُ ثَلَاثِينَ”. عینات قلوب الناس. هذه هي كل هذه العينات من قلوب البشر موجودة في قلبي. فكثيراً ما أسمع كلاماً ، أتركه على سطح حياتي ولا أعطه أي اعتبار ، فيموت ويصبح لا قيمة له. ويمر عليّ كلام آخر لا أسمعه على الإطلاق وسط مشغولياتي، فأنساه، يختنق ويموت. وهناك كلام قديم سمعته منذ خمسين عاماً أذكره حتى الآن، لأنه دخل إلي أعماق نفسي واستقر أنت تأخذ مواقف متعددة في حياتك. في حياتنا مواقف وكلام لا يُنسى أبدأ، يتذكر الإنسان بعض الأحداث كأنها حدثت بالأمس، لأنه أدخلها إلى أعماق نفسه داخل القلب. وللأسف الشديد أن ما يخزنه الإنسان من كلام في نفسه، ويذكره بعد سنوات طويلة، عادة ما يكون كلاماً ردياً. مثل شخص يقول فلان” قال عني كذا ولا أنسي كلامه العمر كله الكلام السئ دخل إلى أعماق نفسه الداخلية، وأصبح يذكر الكلام السلبي والبغضة، يمسك فيها ويعيش بها ، ويظل هكذا إلى أن يموت بها. كثيراً ما نسمع كلام الله ونتأثر لحظة ثم ننسى وقليلاً ما نخبئ كلام الله في القلب. إن كنت تذكر كلمة سمعتها منذ عام ، أثرت فيك وغيرت حياتك وكلامك واسلوبك ودفعتك للأمام، تكون هذه الكلمة قد دخلت إلى أعماق نفسك. لذلك يقول المزمور: خَبَّأْتُ كَلامَكَ فِي قَلْبِي لِكَيْلاً أُخْطِئَ إِلَيْكَ ” إذا كان الإنجيل بالنسبة لك يؤخذ على سطح الحياة، فتسمع وتمشى مشغول بهموم العالم فتنسي، لن يثمر أبداً. لكنه يثمر متى دخل أعماق نفسك فتعود تذكره. افتكر في طفولتي سمعت كلمة نجاسة لما الواحد سمع كلام نجاسة وهو صغير وخزن الكلام فى عقله، خزنه سنين وسنين كل منا لديه القدرة على عدم النسيان. ولكن عليك أن تختار أن تنحاز إلى كلمة الله، ويبدأ قلبك يفتح لها ، فتبدأ تسمع الكلام ويدخل أعماق نفسك ولا تنساه
معوقات الحياة الروحية فَيَجِبُ عَلَيْنَا نَحْنُ الأَقْوِيَاءَ أَنْ نَحْتَمِلَ أَضْعَافَ الضُّعَفَاءِ وَلا نُرْضِيَ أَنْفُسَنَا. (رو١٥: ١)
يقول بولس الرسول في رسالته إلى أهل رومية: “فَيَجِبُ عَلَيْنَا نَحْنُ الأَقْوِيَاءَ أَنْ نَحْتَمِلَ أَضْعَافَ الضُّعَفَاءِ وَلَا نُرْضِيَ أَنْفُسَنَا فَلْيُرْضِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا قَرِيبَهُ لِلْخَيْرِ لأَجْلِ الْبُنْيَانِ. لأَنَّ الْمَسِيحَ أَيْضاً لَمْ يُرْضِ نَفْسَهُ بَلْ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: “تَعْيِيرَاتُ مُعَيّرِيكَ وَقَعَتْ عَلَيَّ”. هذا هو منهج المسيح. لا أرضى ذاتي، بل أقف ضدها وضد الأنا التي كثيراً ما أنهكتني، أحتقرها وأدوس عليها. لذلك فإن ثمر الحياة الأبدية يأتي بالصبر والجهاد والتعب والصلاة هل تظن أن إنسان لا يوجد فيه صلاة يمكن أن يثمر للحياة الأبدية؟ أبداً مستحيل. لا يمكن أن يثمر إنسان أبداً وحياته ليس بها صلاة ثمر الحياة الأبدية يحتاج إلى تعب، وآخر مرحلة في النمو هي الإثمار الثمر لا يكون في البداية، بل يأتي بعدما تنضج الشجرة تماماً. الثمر يأتي في نهاية الحياة. إن قضى الإنسان حياته كلها للمسيح بأمانة ، يثمر في النهاية ثمراً لذيذاً مشبعاً ومفرحاً. وإن قضى حياته في الاستهتار، يكون الثمر في النهاية مر بكل تأكيد. يثمرون بالصبر، ثلاثين وستين ومئة كما قال المسيح يثمرون كل على قدر جهده، كما قسم الله لكل واحد نصيباً من الإيمان. لكن أنبه ذهنك إلى أمر غاية في الأهمية، وهو أن الأرض التي أعطت ثلاثين ضعفاً وستين ضعفاً ومائة ضعف، كانت كلها أرضاً جيدة، لا حجر فيها ولا قساوة ولا شوك ولا اهتمامات العالم التي تخنق الكلمة. والأرض الجيدة التي أعطت ثلاثين، كان جهدها ثلاثين ضعفاً فقط. نحن خُلقنا في المسيح مختلفين. نحن أعضاء جسد واحد ، لكن كل منا يختلف عن الآخر كل واحد على قدر قامته وإيمانه. لكن لا يوجد في الحياة خطية. الشوك خطية. قال الله لآدم. “شوكاً وحسكاً تنبت لك “الأرض” في إشارة إلى الخطية. الأرض التي تثمر ليس بها خطية. لا يجوز خلط الحياة. يجب أن تكون هذه النقطة واضحة تماماً في ذهنك. يستحيل أن يكون هناك ثمر الحياة الأبدية وثمر الخطية في نفس القلب في ذات الوقت. يستحيل أن تنضج الحنطة وينمو الشوك، لأن النتيجة الحتمية تكون لحساب الشوك، حيث يخنق الشوك الكلمة فتصير بلا ثمر فاحذر أن تعيش حياة بر وحياة خطية بشكل متوازي. كأن أكون سخي في العطاء أصلي وأصوم أحيانا، ولا يخلو الأمر من جلسة فيها كلام بطال أو غش أو كذب أو نميمة أو بغضة. وهكذا تمشي الحياة في خلط بين هذا وذاك.
بر المسيح لا يمكن أن يكون شريكاً لأشواك الخطايا اجْعَلُوا الشَّجَرَةَ جَيْدَةً وَثَمَرَهَا جَيِّداً أَوِ اجْعَلُوا الشَّجَرَةَ رَدِيَّةً وَثَمَرَهَا رَدِيَّا لَأَنْ مِنَ الثَّمَرِ تُعْرَفُ الشَّجَرَ (مت ۳۳:۱۲)
بر المسيح لا يمكن أن يكون شريكاً لأشواك الخطايا. “اِجْعَلُوا الشَّجَرَةَ جَيّدَةً وَثَمَرَهَا جَيِّداً أو اجْعَلُوا الشَّجَرَةَ رَدِيَّةً وَثَمَرَهَا رَدِيّاً لأَنْ مِنَ الثَّمَرِ تُعْرَفُ الشَّجَرَةُ”. لا يمكن خلط الثمار. لا يمكن أن أعيش حياة الصلاة وحياة البغضة حتى لو استطعت أن أغش الناس ، هل أغش نفسي؟ على الإنسان أن يصطلح مع نفسه ويقول: إلى متى أعرج بين الفرقتين أحياناً في الكنيسة وأحياناً مع العالم، تارة في الخطية وتارة في البر. إلى متى تعرجون بين الفرقتين ! اجعلوا الشجرة جيدة. نحن مدعوون للحياة الأبدية. أنت مدعو لثمر يتكاثر في حياتك لحساب المسيح. لا تترك العالم يخدعك. هل تشك في قدرتك على أن تثمر ثمر للمسيح! تقدر، لأن الخليقة الجديدة التي فيك والإنسان الجديد داخلك والروح القدس المالئ كيانك أنت يعطى ثمر مئة ضعف. الشيطان كذاب وغشاش يخدعنا ويجعلنا نقتنع أن نعيش أنصاف الحياة، وأنصاف الحلول، ساعة لقلبك وساعة لربك، ويعتقد الإنسان أنه فعلاً ماشي مع الله كلا الكتاب يقول: “قوموا سبله مستقيمة”. طرق المسيح ليس فيها اعوجاج الإنسان المسيحي إنسان صريح مع نفسه ومع إخوته ومعزالناس في كل العالم. الإنسان المسيحي لا ينحاز لمبادئ ألفها الناس، بل ينحاز إلى مبادئ المسيح حتى الموت، ولا يوجد ما يثني عزمه. الزرع هو كلام الله، خبئه في قلبك وفي أعماق نفسك احفظه وتكلم به عندما تتكلم كلام الله، ينمو في حياتك، وينمو في حياة الآخرين. اترك عنك ما خزنته في سنين العمر من الشر والخطايا، وما أخذته على الناس من مواقف البغضة. تخلص منها جميعاً ، لأنه لا يليق بإنسان يخبئ كلام الله في قلبه، أن يخزن عداوة أو أفكار نجاسة وشر. اعترف بها لأنك إن تركت أفكار الشر مختفية، ستتفرع وتثمر. اعترف بأن في قلبك بغضة يجب أن تتخلص منها. اعترف ضد الذات وضد الأنا. افتح المخازن القديمة واخرج ما بها، تخلص من كل فكر شر و شبه ،شر حتى يصبح قلبك نظيفاً، فتملأه كله بخزين الحياة الأبدية الذي لا يفنى. ولربنا المجد الدائم إلى الأبد آمين.
المرجع : كتاب الينبوع للمتنيح القمص لوقا سيداروس ( صفحة ٢٨١- ٢٨٥ ، ٢٩١ ،٢٩٢ ، ٢٩٣ )
المتنيح القمص تادرس البراموسي
الأحد الثانى من شهر هاتور المبارك
من له أذان للسمع فليسمع (متى١٣: ١ – ٩)
استخدم الرب يسوع له المجد كثيراً من التشبيهات والأمثال عندما كان يخاطب الجموع والمثل يقارن بين شيء مألوف وأخر غير مألوف فهو يساعد على فهم الحق الروحي باستخدام أشياء أو علاقات مألوفة فالمثل يضطر السامع لاكتشاف شيء يقربه إلى المطلوب وفى نفس الوقت يخفى السر عن الكسالى المتراخين والمعاندين الذين لا يريدون رؤية ما يجب أن يرونه أما الذين يسمعون ويبحثون على الخلاص فأن الحق يصبح جلياً أمامهم يجب علينا نحن المسيحيين الذين نريد خلاص نفوسنا ونسعى لمساعدة الأخريين أن نتشجع بهذا المثل فلا تفشل إذا بدأ أحد السامعين بعدم الاكتراث وأنت تعلم أو تنصح أو تقوم بالخدم الروحية بكل أمانة فلا يمكن للأيمان أن يجرى في قواعد حسابية بل ما يجرى أنها معجزة من روح الله القدوس .
أن يستخدم كلاً منا لنأتي بالأثمار المطلوبة تسمع الأذان البشرية كثيراً من الأصوات لكن هناك نوع من الإصغاء أعمق يؤدى إلى فهم روحي . فأن كتب بأمانة تطلب مشيئة الله ولك سمع روحي مستفيض تجد في الأمثال لذة وروحاً جديداً يرفعك إلى الأمام فلم يفهم التلاميذ معنى مثل الزارع فتقدموا إلى الرب يسوع يسألونه لماذا يكلمهم بأمثال قال قد أعطى لكم أن تعرفوا أسرار ملكوت السماوات وأما أولئك فلم يعط فأن من له سيعطى ويزداد وأما من ليس له فألذى عنده يؤخذ منه وابتدأ يفسر لهم المثل . كل من يسمع كلمة الله ولا يفهم يأتي الشرير ويخطف ما قد زرع في قلبه . هذا هو المزروع على الطريق والمزروع على الأماكن المتحجرة .
هو الذى يسمع الكلمة حالاً يقبلها بفرح كلمة ليس لها أصل فأن حصل ضيق أو ألام فحالاً يعثر والمزروع في وسط الشوك الذى يسمع وتسحقه هموم العالم فيصير بلا ثمرة أم الأرض الجيدة فهو الذى يسمع الكلمة ويعمل هذا هو الذى يأتي بثمر فهذه النوعيات هي مجموعة البشر الذين يحضرون الصلاة ويسمعون الكلمة لكن يوجد تفاوت بين الواحد والأخر حسب الاستعداد الروحي .
العظة الأولى
أ – هلموا نخرج خارج المحلة لنلقاه
ب – الاهتمام الحكيم والزرع السليم
ج – التنقيب والتشجيب والتسميد
د – السقاية والعناية وتنقية الشوائب
هـ – الحراسة والحراثة وتنقية الزوان
و – الأختبار والانتظار وجنى الثمار
ذ – الوقت والمواعيد والرأى السديد
ح – وقت الحصاد وجمع العتاد
ط – التنقية والتقنية والرأي
ى – التصحيح والتفليح والتلقيح
العظة الثانية
أ – ندخل داخلنا لنفتش عليه
ب – نجلس عند البحر لنستمع إليه
ج – ندخل العمق لنعطيه ونلتجئ إليه
د – نصغى بقلوبنا ونسمع كلامه
هـ – نحترس من الثعالب لننجو من التجارب
و – نبعد عن الأحجار ننتظر الأثمار
ذ – نبعد عن الأحجار ننتظر الأثمار
ذ – نترك الهموم ونلتجئ إلى الرحوم
ج – نسمع ونطيع وتنضم إلى القطيع
ط – تنصت بالأذان قبل فوات الأوان
ى – صوت الرب أتى ننتظره بصلاتي وأهاتى
العظة الثالثة
أ – قلوب سطحية
ب – قلوب حجرية
ج – قلوب عالميه
د – قلوب نقية
هـ – قلوب محسوسة
و – قلوب منجوسة
ذ – قلوب في النعمة مغروسة
ح – ثمار سخية
ط – ثمار شهية
ى – ثمار استعداد للأبدية
من وحي قراءات الأحد الثاني لشهر هاتور
“خرج الزارع ليزرع … ” (مت ١٣: ٣)
+ عجيب أمر هذا الزارع الذي لا يعمل أي شيء سوي أن يلقي بذار ويزرع
+ وعجيب أمره أنه يرمي البذار علي أراضي محجرة وصخرية رغم علمه بعدم أو ضعف استجابتها
+ بينما نترجَّي نحن كل يوم حصادنا من الناس يستمر الله في إلقاء بذور الحب والعطاء لنا
+ ماأسرعنا في اليأس عندما لاتأتي بذورنا الثمار المنتظرة
+ وماأجمل أن تكون رسالة الخادم بالأكثر هي إلقاء البذار (أع ١٠ : ٣٨)
+ عندما تجد خادم عمله الأساسي والدائم هو إلقاء البذور ولاينشغل بالثمار تعرف مدي صحة ووضوح هدفه
+ البذار هي تقديم الحب ومساعدة كل محتاج قدر الإمكان ومساندة كل من يخدم في الخفاء
+ الثمار هي إستجابة الناس لخدمتنا وكلامهم الإيجابي عما نفعله وتغيير حياتهم
+ لكن أحياناً لايرينا الله كل هذا رغم قبوله خدمتنا وزرعنا وتعبنا (يو ٤ : ٣٧- ٣٨)
+ تمتّع بثمار الروح دائماً داخلك (غل ٥ : ٢٢) لكي لا تنتظر ثمار من البشر [11]
المراجع:
١- القديس أوغسطينوس تفسير إنجيل متي الإصحاح الثالث عشر – القمص تادرس يعقوب ملطي
Simonetti, M. & Oden, T.C. ( 2001 ). Matthew ( The Ancient Christian Commentary on Scripture, New testament part Ia ). Illinois ( USA ) : InterVarsity press. Page 263
٢- ترجمة الأخت إيفيت منير – كنيسة مار مرقس ببني سويف
٣- تفسير إنجيل متي الإصحاح الثالث عشر – القمص تادرس يعقوب ملطي
٤- كتاب رسالة إلي الشهداء للعلامة أوريجانوس صفحة ٨٨ – ترجمة الأستاذ موسي وهبة – كنيسة مار جرجس خمارويه بشبرا
٥- كتاب القصد الالهي من خلق الانسان للقديس غريغوريوس النيسي صفحة ٤٣ – ترجمة دكتور سعيد حكيم
٦- كتاب من مجد إلي مجد للقديس غريغوريوس النيسي ( فصل ٣٥ ) – ترجمة القمص إشعياء ميخائيل – كنيسة رئيس الملائكة ميخائيل بالظاهر
٧- كتاب المنجلية القبطية الأرثوذكسية صفحة ٢٠٨ – البابا تواضروس الثاني
8- المرجع تفسير انجيل متي للانبا اثناسيوس مطران بني سويف والبهنسا ص١٧٨، ١٧٩
٩- كتاب التحفة اللوكاسية للمتنيح انبا لوكاس صفحة 78 الكتاب الرابع
١٠- كتاب فتاك يا عروس تقطران شهدا جزء ٤ ص ١١١-١١٣
دير الانبا شنودة رئيس المتوحدين بإيبارشية ميلانو
١١- كتاب تأملات وعناصر روحية في احاد وايام السنة التوتية الجزء الاول صفحة ٣٣– اعداد القمص تادرس البراموسي