قراءة هذا اليوم ( تذكار حبل حنة والدة العذراء ) مُحوَّلة علي قراءة اليوم السادس والعشرون من توت
لا يذكر السنكسار أو الدفنار تذكار حبل حنة والدة العذراء ، لكن يذكر الدفنار والسنكسار شهادة القديس برشنوفيوس ، ويضيف السنكسار أيضاً نياحة الأب ابراكيوس ، وتكريس كنيسة ميصائيل السائح
عظات آباء وخدَّام معاصرين
المتنيح الدكتور وليم سليمان
الثبات والحهاد الروحى
“اصحوا واسهروا لأن ابليس خصمكم کا سد زائر يجول ملتمساً من يبتلعه”
في اليوم الثالث عشر من شهر كيهك تنيح القديس الأنبا ابراكوس . ويورد السنكسار قصته على النحو الآتى : ” ولد بالصعيد ، ولما بلغ من العمر عشرين سنة ترهب بأحـد الديارات ، وجاهد الجهاد الكامل حتى ضجر الشيطان من حربه . وأناء مواجهة وقال له : و قد بقى لك خمسون سنة أخرى ، قاصداً بهذا أن يلقيه في الضجر . فأجابه الشيخ : , إنك أحزنتني بهذا ، لأني كنت أظن أننى أعيش مائة سنة أخرى ـ ولهذا قد توانيت . وإذا كان الأمر هكذا ، فيجب على أن أجاهد كثيراً قبل الموت ، وبهذا تغلب الشيخ على الشيطان . و في تلك السنة تنيح بسلام بعد أن أقام في عبادته ونسكه مدة سبعين سنة .
هذه القصة توضح لنا كيف يجب أن يكون لنا طول الروح والصبر أثناء جهادنا الروحي . فقد يبدأ الانسان حياته مع الله متيقظاً نشطاً حريصاً ـ ولكنه مع طول الزمن ، و لكثرة التجارب التي يحيطه بها عدو الخير قد يفتر ويقع في الضجر لهذا فإن الشيطان قد جاء للقديس ابراكوس يقول له ان الحرب ستستمر خمسين سنة أخرى ، راجياً أن يجد لديه شعورا بالملل يلقى سلاحه ويتخلى عن ثباته وعزمه . …
والحقيقة أننا نحتاج كلما تقدمنا في حياتنا الروحية إلى مزيد من اليقظة والتدقيق . ليس
فقط لأننا يوما بعد يوم نتقدم في الحكمة والنعمة ومعرفة الله ـ ولكن لأن أسباب السقوط مستعدة لأن تقوى من جديد إذا ما رأت منا فتورا أو نقصاً في الإنتباه بلغ الأب مقاريوس أن راهباً متوحداً داخل البرية منذ خمسين عاما لم يأكل خبزاً قط . كان يقول عن نفسه إنه قتل ثلاثة أعداء : ( الشهوة ) وحب المال والسبح الباطل . فمضى الأب مقاريوس إليه ، ولما رآه المتوحد فرح كثيراً وكان رجلا ساذجا . فسأله الشيخ عن عزائه وعن أحواله وعن جهاده . فقال له إنه استراح من قتال ( الشهوة ) وحب المال و السبح الباطل . قال له الأب : لى بعض أسئلة أريد أن أوجهها لك فأجبنى عنها : إذا اتفق لك أن عثرت على ذهب ملقى وسط حجارة ، فهل يمكنك أن تميز الذهب من الحجارة ؟ قال نعم – ولكننى أتغلب على فكرى فلا يميل إلى أخذ شيء منه . قال حسنا ، وإذا رأيت امرأة جميلة أيمكنك ألا تفكر فيها انها امرأة ؟ قال : لا ـ ولكنني أمسك فكرى ألا يشتهيها . قال : مبارك . وإن سمعت أن أخا يحبك ويمجدك وآخر يبغضك ويشتمك ، واتفق أن حضر إليك الاثنان ـ أيكونا أمامك في منزلة واحدة . قال : لا ، لكنى أمسك أفكارى فلا أكافي. ( من أساء إلى ) حسب أعماله وأقواله وشتيمته بل أظهر له المحبة . أخيراً قال له الأب مقاريوس : اغفر لي يا أبي ، فإنك حسنا جاهدت و قاتلت وصبرت من أجل المسيح ، لكن أوجاعك ما ماتت بعد بل ما زالت حية لكنها مربوطة . فتب واستغفر إلى الله ، ولا تعد إلى ما كنت تصف به نفسك لئلا تثور عليك الأوجاع بالأكثر . فلما سمع المتوحد ذلك الكلام انتبه من غفلته وسجد بين يدى الشيخ قائلا : اغفر لي يا أبي فقد داويت جراح جهلى بمراهم وعظك الصالح والحقيقة ان تاريخ جهاد القديسين يحفظ لنا وقائع كثيرة عن أشخاص جاهدوا زمانا طويلا و لكنهم سقطوا رغم طول الزمن إن الشيطان حين يهزم واحداً من أولئك الجبابرة، يفرح كثيراً بهذه الغنيمة الثمينة
أتى إلى القديس مقاريوس يوما أحد كهنة الأصنام ساجداً له قائلا : من أجل محبة المسيح عمدنى ورهبنى . فتعجب الأب من ذلك وقال له : اخبرني كيف جئت إلى المسيح بدون وعظ . فقال له : كان لنا عيد عظيم وقد قمنا بكل ما يلزمنا ، وما زلنا نصلى إلى منتصف الليل حتى نام الناس . وفجأة رأيت داخل أحد هياكل الأصنام ملكا عظمها جالسا وعلى رأسه تاج جليل وحوله أعوانه الكثيرون . فأقبل إليه غلمانه واحداً، إثر آخر يعرضون أعمالهم . فتقدم واحد وقال انه ألقى في قلب امرأة كلمة صغيرة تكلمت بها إلى امرأة أخرى لم تستطع احتمالها فأدى ذلك إلى قيام مشاجرة كبيرة بين الرجال تسبب عنها قتل كثيرين في يوم واحد … فقال الملك : ابعدوه عنى لأنه لم يعمل شيئا . فقدموا له آخر قال انه دخل داراً فوجد ناراً وقعت من يد صبى أحرقت الدار فوضع في قلب شخص أن يتهم آخر بذلك وشهد عليه كثيرون . فقال الملك : ابعدوه خارجا . ثم قدموا ثالثا ، قال انه كان في البحر وأقام حربا بين بعض الناس فغرقت سفن و تطورت إلى حرب عظيمة . فقال الملك : ابعدوه ، وقدموا رابعا وخامسا هكذا أمر بإبعادهم جميعا بعد أن وصف كل منهم أنواع الشرور التي قام بها . إلى أن أقبل إليه أخيرا واحد منهم فقال له : من أين جئت . فقال من الاسقيط ، قال له : وماذا كنت تعمل هناك . قال : لقد كنت أقاتل راهبا واحداً ولى اليوم أربعون سنة وقد صرعته في هذه اللحظة وأسقطته وجئت لأخبرك . فلما سمع الملك ذلك قام منتصبا وقبله ونزع التاج من على رأسه وألبسه إياه وأجلسه مكانه ووقف بين يديه وقال : حقا لقد قمت بعمل عظيم .
واستمر كاهن الأصنام في حديثه للأب مقاريوس قائلا : فلما رأيت أنا كل ذلك وقد كنت مختبئا في الهيكل قلت في نفسي : ما دام الأمر كذلك فلا يوجد أعظم من الرهبنة وللوقت خرجت وجئت بين يديك . فلما سمع الأب منه هذا الكلام عمده ورهبته وأصبح الرجل بعد ذلك راهباً جليلا .
قال الأنبا باخوميوس : ان تملقك الجسد قائلا اننا منذ زمان قد تحنكنا بالتجربة أو اننى قد صرت ضعيفا أو عجوزاً أو أن الحزن والصوم قد أذلاني ولا أستطيع مخالفة ( أوامر الروح ) – فإياك أن تفتر به ، لأن الأعداء داخله يكمنون لك . لئلا يحلقوا شعر رأسك ( أي أفكار عقلك ) فيفارقك روح الله وتضعف قوتك، فيأتى الغرباء و يربطونك و يذهبون بك إلى موضع الطحن حيث تصبح أضحوكة والعروبة فيقلعون عينيك ويصيرونك أعمى لا تعرف طريق الخلاص . ولن تنفك من أسرك حتى تموت عن الغرباء بحزن عظيم
وإذن فلنذكر على الدوام وصية الرسول بطرس : اصحوا واسهروا لأن ابليس خصمكم کأسد زائر يحول ملتمسا من يبتلعه هو فقاوموه راسخين في الايمان (١ بط ٥ : ۹،۸) قال الأنبا مقاريوس لتلاميذه : , تمسكوا بالتوبة واحذروا لئلا تصطادوا بفخ الغفلة لا تهاونوا لئلا تكون الطلبة من أجلكم باطلة . داوموا على التوبة ما دام يوجد وقت ، فإنكم لا تعرفون وقت خروجكم من هذا العالم . لنعمل ما دام لنا زمان ، کی نجد عزاء في وقت الشدة . فمن لم يعمل ومن لم يتعب في أوان الشتاء لن يجد في الصيف غلة يملأ بها مخازنه ليقتات بها . فليحرص كل واحد على قدر طاقته فإن لم يمكنه أن يربح خمس وزنات فليجاهد کی بربح اثنتين . أما العبد الكسلان الذي لا يعمل ولا يربح فمصيره العذاب
طوبى لمن يجاهد بكل قوته ، فإن ساعة واحدة من ( عزائه الذي يمنحه له الله ) تنسيه جميع أتعابه ،
على رجل الله إذن أن يقف صاحيا في كل يوم ، مجاهد کی يحفظ بعمله الصالح دعوته و نصيبه الصالح . يقول القديس باخوميوس وكن رجلا قويا جباراً في تدابيرك ولا تفسد يوماً واحداً من عملك وتحقق مما تقدمه الله الحقيقي كل يوم ،
إن التقدم في الفضيلة لا يقاس بطول الجهاد ، ولكن بنوعيته ، قال القديس مقاريوس : إن نيات الناس مختلفة حتى أنه يمكن لانسان بنية نشيطة وحارة أن يتقدم في ساعة واحدة إلى مالا يمكن لغيره أن يصل إليه في خمسين سنة إذا كانت نيته متوانية وقال أيضا , كما أن عصا هرون أزهرت وأثمرت في ليلة واحدة كذلك ( رجل الله ) إذا حل فيه الرب ، فإن نفسه تزهر و تثمر أثمار الروح القدس بمعونة خالقها السيد المسيح له المجد وإذن فمهما أمضينا من زمان في عشرة الرب ، فإن الضرورة تدفعنا لمواصلة الجهاد کی نحصل على بركات أكثر ، و لكي نجعل حياتنا أكثر تأصلا في حقه وأوفر امتلاء بنصرته وروحه . يقول القديس أثناسيوس الرسولى عن أب الرهبان الأنبا أنطونيوس انه , وصل إلى هذه النتيجة العجيبة حقا : ان التقدم في الفضيلة والاعتزال عن العالم من أجلها ، يجب ألا يقاسا بالزمن بل بالرغبة وثبات القصد . وهو ( أي القديس أنطونيوس ) لم يفكر قط في الماضي بل يوما فيوما ، كما لو كان في بداية نسكه كان يبذل جهدا أعظم للتقدم ، مكررا على الدوام لنفسه قول بولس و ناسيا ما هو وراء وممتدأ إلى ما هو قدام ، كان منتبها أيضا للكلمات التي قيلت بالنبي ايليا , حى هو الرب الذي أنا واقف أمامه اليوم ، لأنه لاحظ أن الني بقوله اليوم ، لم يحص الزمن الذي مضى بل في كل يوم كما لو كان على الدوام مبتدئا كان يجهد ليجعل نفسه جديراً بأن يمثل أمام الله تقى القلب مستعداً دائما للخضوع لمشورته ـ وله وحده، وإذن فحتى لو أمضينا في عشرة الله وفي الانتصار على الشرير خمسين سنة ، فلنواصل حياتنا المقدسة كما لو كنا اليوم بادئين – فنزيد تدقيقنا وحرصنا على ارضاء إلهنا وعلى التحفظ من كل شر أو تهاون أو ضجر وليعطنا الرب بصلوات جميع قديسيه أن نكون كل حين أبناء صالحين لعظمته نمجده و نغلب بقوته أعداء البر والفضيلة .
المرجع : مجلة مدارس الأحد عدد نوفمبر لسنة ٥٨