عظة للمتنيح أنبا كيرلس مطران ميلانو

رسالة من نينوي

أنا نينوى المدينة العظيمة .. تعال أحكي لك عن نفسي .. وعن أرضي .. وعن شعبي ..
تعال أحكي لك .. كيف كنت ؟! وماذا صرت ؟! تعال .. يمكنك أن تصبح واحداً من شعبي .. متزيناً مثلهم .. ومكرماً معهم .. اقترب مني .. واعرف كيف كنت عريانة وعارية .. ومدوسة بدمي .. دم الخطية .. ؟ !
أنا وشعبي لم نذق الخطية إنما شربناها .. وغرقنا فيها .. كانت لنا عيون ولم نر بها .. وكانت لنا آذان ولم نسمع بها ..
صوت واحد من الخطية هو الذي كنت أسمعه .. وأحب أن أسمعه ..
طعم دنس هو الذي كنت أتذوقه .. وكنت أحب أن أتذوقه .. فكر شرير هو الذي كنت أجري وراءه .. وانا وشعبي كنا عبيد للخطية .. أولادي كان عددهم ١٢ ألف ربوة .. ولم يعرفوا يمينهم من يسارهم ، البلدان التي من حولي .. وفي كل مكان .. كانت تقدم للسيد الرب بخوراً من مشرق الشمس إلى مغربها ، ومن قلبي ومن شعبي كانت تخرج رائحة الشر الكريهة التي لا يطيق الرب أن يشتمها ..
أنا مدينة نينوى .. ودعني أناديك باسمك وأقول لك ” تعال يا ابني ” لأن هذه الكلمة ثمينة جداً وغالية عندي .. أنا سمعتها كثيراً وعصيت .. هي مفتاح لمتاريس قوية .. وبجهلي رفضت أن ألمسه أو أمسكه .. أنا لم أسمع .. ولا كنت أحب أن أسمع الصوت الذي كان يقول .. تعال يا ابني .. أو عد يا بني .. اسمع يا ابني .. قم .. وانتفض من التراب .. اهرب لحياتك .. انحل من رباط العنق .. أو استيقظ من نوم الغفلة ..
الخطية التي شربتها مع شعبي .. أغلقت على مسامعنا .. وطمست عيوننا .. وأعدمت إرادتنا .. ودمرت قوتنا .. وأفسدت جمال طبيعتنا .. وقادتنا إلى طريق الهلاك والهاوية ..
أنا وشعبي صرنا عمياناً .. ومن كان منا يقدر أن يقود أعمى مثله .. ؟ !
جلسنا في الطرقات كالموتى في القبور .. وكنا مدوسين بدم خطيتنا .. هكذا كنا .. إلى أن سمعنا أن غضب السيد الرب أتى إلينا بقضيب ملكه ..
الجالس على العرش في مدينتي قام من غفلته .. وكما يتحرك العقل السليم ويزن الأمور .. هكذا تحرك قلب الحاكم .. الأصوات التي كانت لم تسمع من قبل وهي تقول .. تعال .. وارجع .. وتب .. وقم .. وعد .. واستيقظ .. صارت أدوات انقاذ .. الكل أراد أن يتعلق بها لكي يخلص ..
أنا لا أقدر أن أصف إليك يا ابني كيف صار حالي وحال شعبي وغنم أرضي ونبات حقولي في تلك الأيام .. ؟ !
الملك العظيم .. نزل من على عرشه .. وارتدي المسوح .. ونكس رأسه .. وجلس يبكي ..
ثدي كل أم لم يدر لبناً ولم يحن على الأطفال التي كانت تصرخ .. وفتياتي وشبابي .. وكل رجال مدينتي ونسائها .. وكل شيوخها صاموا .. وصلوا .. وبكوا .. وناحوا بقلب صادق ..
لا يا ابني .. أنت لا تقدر أن تتخيل دموع .. وصراخ .. ونحيب .. شعبي .. أنا رأيتهم في خطيتهم .. ورأيتهم في توبتهم ..
لأول مره أرى بعيني دموع شعبي وهي تنذرف من كبيرهم إلى صغيرهم .. دموعهم غسلت قلوبهم ..
أنا رأيتهم وهم يبكون .. ورأيت دموعهم وهي تغسل دنس أرضي .. شاهدتهم وهم يقلبون في تربة وأراضي أعماقهم من جديد .. أنا رأيتهم وهم يزرعون بذور الندامة في قلوبهم .. وشاهدتهم وهم منتظرون الرب لكي يتحنن عليهم ويشرق بشمس بره على أعماق أعماقهم ..
أنا شاهدت بنفسي بذور الندامة كيف نبتت ؟ وكيف أزهرت ؟! وكيف أعطت ثمار التوبة ..
أنا عشت مع شعبي الأيام التي صاموا فيها وصلوا إلى الله .. ورأيت رحمة الله عليهم .. وكيف رفع غضبه عنهم .. وغفر لهم خطاياهم .. ! أنا المدينة نينوى .. أنا استيقظت من غفلتي .. أنا قمت من سقطتي .. أنا انتفضت من التراب .. أنا جلست على عرشي ..
لقد كنت مدوسة بدم خطيتي .. واليوم صرت مكرمة جدأ عند خالقي ومنقذي ..
يد الله الممدودة لكل أحد .. أنا تعلقت بها فانتشلتني من موت الهاوية .. وهي التي ربطتني بكل الأدوية المؤدية إلى الحياة .. أنا رجعت إلى الله من كل قلبي .. والرب رجع إلي وأحيا نفسي .
يا ابني .. أنا ذقت الشر .. وندمت على كل ما صنعت .. وندمت لأنني عدت إلى الله متأخراً .. وأرجو منك .. أن لا تستهين بكلمة ” ارجع إلي ” .. أو ” تعال ” .
استجب سريعاً لأنها دواء لنفسك وشفاء لها ..
ارجع إلى الله لكي تربح نفسك الثمينة .. كما قال لنا السيد المسيح ” ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه ” ..
يا ابني .. أسأل نفسك ؟! أين أنت الآن ؟! ومن هو الله الذي يريدك أن ترجع إليه ؟! أليس الله هو والد النور .. ورئيس الحياة .. وواهب المعرفة وصانع النعمة .. المحسن لنفسك .. والمعطي لك الأشياء التي تشتهي أن تراها الملائكة ..
أليس الله هو الذي أصعدك من العمق إلى النور .. والذي أعطاك الحياة من الموت .. والذي أنعم عليك بالحرية من العبودية ..
كل هذه التعاليم تقدمها لك الكنيسة التي أسسها لك المسيح وتركها لك .. يا ابني ارجع إلى الله فتحيا نفسك .. نينوى العظيمة .[11]