“فاذهبوا إلى مفارق الطرق، وكل من وجدتموه فادعوه إلى العرس” (مت ٢٢: ٩).
[هذه هي أورشليم: مدينة إلهنا: وفرح جميع القديسين: كائن فيها] (ثيئوطوكية الأربعاء).
[إن أحببك الرب يمجِّدك، انتبه ولا تتكبر، وداوم على الاتضاع لكي تلبث في المجد الذي وهبك الله إياه، انتبه وتيقظ، لأنه طوبى لمن سيوجد ساهراً، لأنه:
سيقام على أموال سيده (مت ٢٤: ٤٥-٤٧)
وسيدخل الملكوت فرحاً (مت ٢٥: ٢١-٢٣)
ويحبه أصدقاء العريس لأنهم وجدوه حارساً كرمه] (القديس باخوميوس)[1]
شرح القراءات
تتكلّم قراءات هذه الليلة عن:
العُرس الإلهي بين مدعويه ومُستحقَّيه،
والعريس السماوي الذي يدعو الجميع لوليمة الحب والفرح، التي استهان بها اليهود وأُعطيت لكل الأمم. (الساعة الأولى).
ومن هم المُستحقَّين ومن هم غير المُستحقَّين. (الساعة الثالثة).
وعِلَّة استحقاقهم أو عدم استحقاقهم. (الساعة السادسة والتاسعة).
ومجد من يقبل العريس وزيف بحث الآخرين عنه. (الساعة الحادية عشر).
وتتكرَّر في قراءات هذه الليلة كلمة عريس وعروس وعُرس:
“يشبه ملكوت السموات إنساناً ملكاً صنع عرساً لابنه” (إنجيل الساعة الأولى).
“ولا صوت فرح ولا صوت عريس ولا صوت عروس” (نبوّة الساعة السادسة).
“أخذن مصابيحهنَّ وخرجن للقاء العريس” (إنجيل الساعة السادسة).
كما أن العريس السماوي هو الذي يُعطي المعنى والقيمة لأعيادنا وهياكلنا ومذابحنا، وبدون حضوره يختفي الفرح من العيد، ويصير الهيكل والمذبح شكل دون جوهر، لذلك نرى في قراءات هذه الليلة المذبح والهيكل المرفوض، والعيد الذي تُحاك فيه المؤامرات ويضيع معنى الاحتفال به وبصاحبه العريس السماوي.
الساعة الأولى من ليلة الأربعاء
تشرح قراءات هذه الساعة:
كيف استهان اليهود بعطايا الله واختياره ورعايته لهم في القديم. (النبوَّات).
وكيف أُعلنت دعوة الحب لمن أعلنوا احتياجهم (المزمور).
ومن قبلوا دعوة خدّامه ورعاته من الخطاة والبعيدين (الإنجيل).
النبوَّات
تأتي النبوَّتين من حزقيال ٢٢
أولاهما من (٢٢: ١٧-٢٢)،
والثانية مُكمِّلة لها من (٢٢: ٢٣-٢٩).
والنبوَّتان تتكلمان عن:
استهانة الشعب باختيار الله ودعوته ومحبته وصاروا كالمعادن المغشوشة واحتاجوا للنار لتنقيتهم (النبوَّة الأولى).
وظهر استهانتهم وانحراف حياتهم في كثرة الظلم والرشوة (النبوَّة الثانية).
المزمور (مز ١١٩: ٢، ٥)
يظهر في المزمور من أعلنوا احتياجهم واشتياقهم لمراحمه ومحبته:
“صرت ناصري وملجأي في يوم شدتي أنت معيني لك أرتل يا إلهي لأنك أنت ناصري إلهي ورحمتي”.
الرابط بين المزمور والإنجيل (القمص لوقا سيداروس)[2]
صرت ناصري وملجأي في يوم شدتي…
المزمور هو صوت هؤلاء الذين قبلوا الدعوة، وصدى فرحهم وتسبيحهم بالخلاص وثوب المعمودية الذي هو ثياب العرس، والعشاء الواهب حياة أبدية وأحضان الرب داخل كنيسته قائلين:
“صرت ناصري وملجأي في يوم شدتي . أنت معيني لك أرتل يا إلهي”.
لأنك أنت ناصري إلهي ورحمتي…
المخلص انتصر لنا على الجسد والعالم والموت والخوف وكل قوات الظلمة .. وصار لنا ملجأ يركض إليه الصديق ويتمنع، ومن يقبل إليه لا يخرجه خارجاً فهو قَبِل المرأة الخاطئة والابن الضال وصار لنا مصدر عون ودالة للدخول إلى الله في كل حين.
الإنجيل (مت ٢٢: ١-١٤)
يُعْلِن الإنجيل دعوة الحب الإلهي للبشرية كلها يهوداً وأمم وربما يحكي المثل وصول الدعوة أولاً لليهود عن طريق الآباء والأنبياء:
“يشبه ملكوت السموات إنساناً ملكاً صنع عرساً لابنه فأرسل عبيده ليدعوا المدعوّين إلى العرس”.
وكيف استهانوا بها ورفضوها:
“فلم يريدون أن يأتوا”.
وجلبوا غضب الله عليهم وعلى مدينتهم أورشليم:
“فلما سمع الملك غضب وأرسل جنوده وأهلك أولئك القتلة وأحرق مدينتهم بالنار”.
ثم امتدت الدعوة لجميع الأمم بعد الصليب:
“فخرج أولئك العبيد إلي الطرق وجمعوا كل من وجدوا أشراراً وصالحين فامتلأ العرس من المتكئين”.
وكل من آمن وقبل برّ المسيح لبس ثوب البر واستحق الوجود في العرس السماوي يوم الدينونة، ومن لم يُقبل إليه صار عرياناً من نعمته، وأُلقي في الظلمة الخارجية:
“فلما دخل الملك لينظر إلى المتكئين رأى هناك رجلاً ليس عليه ثياب العرس .. حينئذ قال الملك للخدّام: أوثقوا يديه ورجليه واطرحوه في الظلمة الخارجية”.
الساعة الثالثة من ليلة الأربعاء
تشرح قراءات هذه الساعة:
من هم غير المُستحقَّين للعرس (النبوَّة).
ومن هم المُستحقَّين (المزمور).
وكيف تقود المسؤولية بالأمانة إلى الاستحقاق أو بالاستهانة إلي عدم الاستحقاق (الإنجيل).
النبوَّة (عا ٥: ١٨)– الخ
تشير هذه النبوَّة إلي رفض الأعياد والمُحرقات والتقدمات والذبائح والعبادة والتسبيح إذا غاب عنها قضاء الحق والعدل وإذا اختلطت بعبادات غريبة لذلك تنطفئ أعيادهم العظيمة ولا يكون فيها نور الله بل ظلام وضباب لا ضياء له:
“فإن هذا اليوم ظلام لا نور.. ولست أشم رائحة في أيام أعيادكم العظيمة إني إذا قربتم لي محرقاتكم وتقدماتكم لا أقبلها .. وليجر القضاء كالماء والعدل كالوادي الذي لا يعبر.. هل قربتم لي ذبائح وتقدمات في البرية أربعين سنة يا إسرائيل يقول الرب؟ بل حملتم خيمة ملوككم وكوكب إلهكم رفات التماثيل التي صنعتموها لكم”.
المزمور (مز ٦٤: ٤، ٥)
يشرح المزمور كيف يكون الهيكل والمذبح والتقدمة للمُختارين والمقبولين من الله.
الهيكل هنا لهم هو هيكل القداسة والبر أي الذي يجدون فيه برُّ الآب ومحبته ويعبدونه فيه بمخافة وقداسة:
“طوبى لمن اخترته وقبلته ليسكن في ديارك إلى الأبد. قدوس هو هيكلك وعجيب بالبر”.
الرابط بين المزمور والإنجيل (القمص لوقا سيداروس)[3]
طوبى لمن اخترته…
فهو في مجيئه الثاني يدعو مختاري العالم الذين سبق فاختارهم قبل تأسيس العالم .. وهو قال للتلاميذ: “ليس أنتم اخترتموني بل أنا اخترتكم” (يو ١٥: ١٦).
والعلامة المميزة بين اثنين في الحق يؤخذ (يختار) الواحد ويترك الآخر تذكرنا كيف كان الملاك المهلك يميز بين أبكار بنى إسرائيل وأبكار المصريين “أرى الدم وأعبر عنكم” فالاختيار ليس بسبب فضل الإنسان ولكن بسبب ختم الروح (الميرون) وثياب العرس (المعمودية).
وقبلته ليسكن في ديارك…
فهو قبلنا لأن كنا قبلاً مرفوضين.. ولكن بالمسيح صار لنا دالة وقدوم عند الآب.. وهو يقبلنا كل يوم عندما نتوب، مثلما قبل الابن التائب والمرأة الخاطئة واللص اليمين … ويقبلنا لنسكن في دياره (أي كنيسته). وسيقبلنا لنسكن في المظال الأبدية إلى الأبد عند مجيئه.
الذين يسكنون في دياره (الكنيسة) في هذا العالم يؤهلون الدخول في ميراثه، مثلما كان في أيام نوح حين دخل الفلك (الكنيسة) ونجا من الهلاك، هكذا تكون الكنيسة لخلاص أولادها بالمعمودية (١بط ٣).
قدوس هو هيكلك وعجيب بالبر…
ملكوت الله والمدينة السماوية تدعى “هيكله المقدس”، لأنه “لا يدخلها شيء دنس ولا كل من يصنع كذباً” “عندما نقف في الهيكل نحسب كالقيام في السماء”.. فأي سيرة مقدسة يجب أن نكون فيها لكي نستحق أن نوجد في هيكله المقدس العجيب بالبر الذي للمسيح إلهنا؟.
الإنجيل (مت ٢٤: ٥،٤)
يشرح الإنجيل كيف يكون مجيء العريس مثلما حدث في الطوفان ومن كانوا مُستعدين نجوا من الهلاك.
ويشرح بالنسبة للبشر عامة لا يهم نوع حياتهم وعملهم بل سهرهم وسيرتهم لذلك يقول اثنان في الحقل (ربما الحياة البسيطة أو حقل الخدمة) واثنتان تطحنان على الرحى (ربما تُشير إلى الحياة الصعبة).
ويختم بالخدام ورسالتهم إذا كانت فيها الأمانة والحكمة فتؤول إلى مكافأتهم، وإذا استهانوا بمجيئه وعاشوا في غفلة، وأهانوا إخوتهم، فستكون المُفاجأة لهم هلاكهم:
“لأنه كما كانوا قبل أيام الطوفان يأكلون ويشربون ويتزوجون ويزوجون إلى اليوم الذي دخل فيه نوح إلى الفلك ولم يعلموا حتي جاء الطوفان وأخذ الجميع … حينئذ يكون اثنان في الحقل ويؤخذ الواحد ويترك الآخر واثنتان تطحنان على رحي فتؤخذ الواحدة وتترك الأخرى اسهروا إذا .. فمن ترى هو العبد الأمين الحكيم.. طوبى لذلك العبد الذي إذا جاء سيده فيجده يفعل هكذا.. ولكن إن قال ذلك العبد الشرير في قلبه إن سيدي يبطئ قدومه فيبتدئ يضرب العبيد رفقاؤه … فيأتي سيد ذلك العبد .. فيشقه من وسطه ويجعل نصيبه مع المرائين”.
الساعة السادسة من ليلة الأربعاء
تشرح قراءات هذه الساعة:
لماذا يغيب الفرح والعُرس من البشر. (النبوَّة).
وكيف يكون حاضراً فينا علي الدوام. (المزمور).
فلا نجزع من لقاؤه ومجيئه في نصف الليل. (الإنجيل).
النبوَّة (أر ١٣ : ٩-١٤)
يذكر الرب هنا سبب غياب الفرح والسرور، الكبرياء وترك ناموس الرب ووصيته وشهوات قلوبهم الشريرة:
“هأنذا أفسد كبرياء يهوذا وكبرياء أورشليم العظيمة في هذا المكان أمام عيونكم وفِي أيامكم لا يكون صوت سرور ولا صوت فرح ولا صوت عريس ولا صوت عروس .. لأن آباءكم تركوني عنهم.. ولم يحفظوا ناموسي… فهوذا أنتم أيضاً تسلكون كل واحد وراء شهوات قلوبكم الشريرة غير مطيعين لي”.
المزمور (مز ١٠٢: ١-٢)
“يا رب استمع صلاتي وليصعد أمامك صراخي في اليوم الذي أدعوك فيه استجب لي سريعاً”.
ما أجمل كلمات المزمور الذي يتكلَّم عن صراخ اليوم والذي سيأتي في إنجيل القدَّاس صراخ نصف الليل يوم النهاية، والفرق بين هذا اليوم وذاك هو أن:
الأوَّل (الخاص بالمزمور) يخص الإنسان، والثاني (الخاص بالإنجيل) يخص الله.
والأوَّل داخل إرادة الإنسان، والثاني خارج إرادته وداخل الإرادة الإلهية.
والأوَّل يخص خلاصنا، والثاني سيكون الحكم النهائي على حياتنا.
لذلك عندما يصرخ المُرنِّم “ليصعد أمامك صراخي في اليوم الذي أدعوك فيه استجب لي سريعاً” فهو يَقْصُد هنا يوم خلاصنا:
وهو الذي ناله زَكَّا باشتياقه البسيط لرؤية الرب يسوع “وطلب أن يرى يسوع من هو” (لو ٣:١٩)،
وهو اليوم الذي ندخل فيه الكنيسة باشتياق لسماع صوته مثل الأنبا أنطونيوس فنسمع أيضاً “اليوم قد تم هذا المكتوب في مسامعكم” (لو ٩:١٩)،
وهو يوم توبتنا المقبول ويوم خلاصنا (إش ٨:٤٩) ،(٢كو ٦: ٢).
لذلك يدعونا المُرنِّم إلى الصلاة والصراخ:
ليتحوَّل وقتنا وزمننا إلى:
زمن الحب (حز ٨:١٦).
وزمن الخلاص والافتقاد (لو ٤٤:١٩).
وتصير أيامنا وأوقاتنا مُبشِّرة بخلاصه (مز ٢:٩٦).
الرابط بين المزمور والإنجيل (القمص لوقا سيداروس)[4]
يا رب استمع صلاتي…
لا ترفضني ولا ترذلني عندما أصلى إليك .. لا تقل لي لست أعرفك ، ولا تحسبني مع الخمس عذارى الجاهلات .
والمزمور يكشف لنا أن الزيت هو الصلاة والصراخ .
وقد رتبت الكنيسة أن يقرأ فصل هذا الإنجيل في صلاة نصف الليل على مدار السنة كاستعداد دائم لملاقاة العريس.
وليصعد أمامك صراخي…
فالصلاة تحولت إلى صراخ ودموع.. والمزمور يدعونا للصراخ قبل أن يغلق الباب، باب التوبة والقبول وباب الذارعين المفتوحة لنا على الصليب.. فهو الآن يسمع صلاتي ويلتفت إلى صراخي.
في اليوم الذى ادعوك فيه…
قال الرب: “اسهروا لأنكم لا تعلمون اليوم”،
والمزمور يتكلم عن اليوم المقبول الذى ندعو الرب فيستجيب،
ونصرخ فيقول: هأنذا.
إن اليوم الذى لا نعرفه هو “غداً”
أما الذى نعرفه جيداً فهو “اليوم” .. يجب أن يكون:
يوم توبتنا.
ويوم صلاتنا.
ويوم نمونا الروحي.
“اليوم ان سمعتم صوته، فلا تقسوا قلوبكم”. (عب ٤: ٧ ).
استجب لي سريعاً..
قبل أن ينفذ زيتي وينطفئ مصباحي .
قبل أن يغلق الباب ولا منفعة لصراخي.
إن الصلاة درجات: أرقاها يصل إلى حد اللقاء مع العريس (يسوع) كل يوم، فالعذارى الحكيمات سهرن عمرهن كله وجاهدن في الصلاة والصراخ إلى اللقاء الذى امتد في حياتهن إلى الأبد .
الأنجيل (مت ٢٥: ١– ١٣)
بينما يأتي الإنجيل بالعريس السماوي والعذارى المُتبتِّلات والسهر ونصف الليل والزيت في المصابيح أو مصابيح فارغة ليُعلن لنا:
أننا إذا سهرنا وأدركنا قيمة الآن أي اللحظة الحاضرة (أع ٣٠:١٧) وجعلنا حضوره اشتياقنا ونورنا فنكون قد صرنا حكماء ودخلنا معه وفيه إلى عُرْسنا الأبدي.
ولكن إذا انشغلنا بعلامات وتوقيتات ليست من سلطاننا (أع ١: ٧) وعشنا في غفلة ونوم عن خلاصنا ومسيحُنا وأهملنا يوم الخلاص (كما في المزمور) فسيأتي الباب المُغلق والصوت السمائي إني لا أعرفكم أو أعرفكنَّ، ولن يفيد وقتها شكل تكريس ولقب عذارى ورأي من حولنا ومديح أي بشر.
“حينئذ يشبه ملكوت السموات عشر عذارى أخذن مصابيحهنَّ وخرجن للقاء العريس وكان خمس منهن جاهلات وخمس حكيمات أما الجاهلات فأخذن مصابيحهنَّ ولم يأخذن معهن زيتاً وأما الحكيمات فأخذن زيتاً في آنيتهن مع مصابيحهن .. ودخلت معه المستعدات إلى العرس وأغلق الباب. وأخيراً جاءت بقية العذارى قائلات: ربنا ربنا افتح لنا أما هو فأجاب وقال: الحق أقول لكن إنني لا أعرفكنَّ. فاسهروا إذا لأنكم لا تعرفون اليوم ولا الساعة”.
ويقول المهندس فؤاد نجيب يوسف:
[إن أسهل وسيلة لمعرفة الله هو أن نلتقي به في إخوته الأصاغر، فهم الباعة الذين نشتري منهم الزيت في مثل العشر عذارى. وهم الصيارفة الذين يمكن أن نستودعهم الوزنات إن لم نكن نجيد الاتجار بها، فنحن نحتاج لإخوة الرب، فمن خلالهم نلتقي بالله] (المهندس فؤاد نجيب يوسف)[5]
الساعة التاسعة من ليلة الأربعاء
تتكلّم قراءات هذه الساعة عن:
عدم استحقاق قادة اليهود والرؤساء للخلاص العظيم وللعُرس السماوي بسبب مذابح الأصنام التي عملوها. (النبوَّة).
وبسبب مُقاومتهم له (المزمور).
واضطهادهم لخدّامه (الإنجيل).
النبوَّة (هو ٩: ١٤) إلخ، (ص ١٠: ١، ٢)
تُعْلِن هذه النبوَّة سبب عدم الاستحقاق: التمرُّد، وقساوة القلب، ومذابح الأصنام:
“سأطردهم من بيتي ولا أعود أحبهم لأن جميع رؤسائهم متمردون.. إن إسرائيل كرمة حسنة الأغصان وثمرتها شهية وعلى حسب كثرة ثمره كَثَّر المذابح.. قد قسّوا قلوبهم والآن سيهلكون هو يحطِّم مذابحهم ويخرِّب أنصابهم”.
المزمور (مز ٢١ : ١٩،١٨)
ويكشف المزمور عن مقاومتهم للمُخلِّص فهم تحالفوا مع الرومان.
[وكان اليهود يستعملون أول عبارة في المزمور كاسم للمزمور، وهذا ما نفعله الآن.
لذلك فحين قال السيد على الصليب “إلهي إلهي لماذا تركتني” تذكر الواقفون حول الصليب كل كلمات المزمور فرأوا أمامهم صورة ناطقة حيَّة وتحقيقًا لنبوات المزمور.] (أبونا أنطونيوس فكري)[6]
وقد [ورد في العهد الجديد اقتباسات من هذا المزمور ١٣ مرة، منها ٩ مرات في قصة الآلام وحدها. وقد اتخذ منه تلاميذ ربنا يسوع المسيح مادة للكرازة بالرسالة الخلاصية لصلب السيد المسيح وموته وقيامته.] (أبونا تادرس يعقوب ملطي)[7]
والكلاب هنا [إشارة للأمم أي الرومان. فالكلاب بحسب الشريعة دنسة. وهم كانوا كالكلاب الشرسة الدنسة في قسوتهم وجلدهم وشتمهم للرب.] (أبونا أنطونيوس فكري)195
الرابط بين المزمور والإنجيل (القمص لوقا سيداروس)[8]
نج من السيف نفسي ومن يد الكلب بنوتي الوحيدة..
المزمور يسمى هذه الحية (الكلب) لحقارتها وتفاهة سلطانها ولأنها نجسة مثل الكلب.
السيف: أداة القتل والموت، والرب يسوع قد داس الموت وقام ناقضاً أوجاعه منتقماً لدم الأنبياء المسفوك.
الأسد: هو الموت الذى خرج الرب من فمه (فم القبر) قائماً من الأموات.
قرن ذي القرن الواحد…
لأن الرب كسر شوكة الموت التي هي قرنه، وأباد إلى الأبد قوته وسلطانه.
بنوتي الوحيدة..
فالرب يسوع هو الابن الوحيد الجنس، ابن الآب المساوي له في كل شيء والواحد معه في الجوهر .
وليست بنوة ما تشابه بنوته للآب، فهي بنوة وحيدة في كل شيء .
الإنجيل (مت ٢٣: ٢٩- ٣٦).
ويختم الإنجيل بالويلات لقادة مُرائين اضطهدوا أنبياء الله وافتخروا بالشكل وسفكوا دماء في الأماكن المُقدَّسة وربما لأجل هذا قالت نبوَّة هذه الساعة أن الرب سيحطم مذابحهم:
“الويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون … فأنتم تشهدون على أنفسكم أنكم بنو قتلة الأنبياء … كيف تهربون من دينونة جهنم؟ … لكي يأتي عليكم كل دم بار سُفك على الأرض من دم هابيل الصديق إلى دم زكريا بن برشيا الذي قتلتموه بين الهيكل والمذبح”.
الساعة الحادية عشر من ليلة الأربعاء
تُخْتَم القراءات:
بمجد العريس. (النبوَّة).
وعلامة مجده الصليب (المزمور).
ورفض قادة اليهود أن يحتموا تحت جناحيه بل يقاوموه (الإنجيل).
النبوَّة (حكمة سليمان ٧: ٢٤-٣٠)
تبدأ النبوَّة بمجد العريس ينبوع الحكمة أقنوم الكلمة الأزلي الواحد في الجوهر والمشيئة مع الله الآب، والذي يُجدِّد كل شيء وكل إنسان ويجعل من يقبلونه شركاء الله وهذا ما حدث بصليبه وقيامته:
٢٤ لأَنَّ الْحِكْمَةَ أَسْرَعُ حَرَكَةً مِنْ كُلِّ مُتَحَرِّكٍ؛ فَهِيَ لِطَهَارَتِهَا تَلِجُ وَتَنْفُذُ فِي كُلِّ شَيْءٍ. فَإِنَّهَا بُخَارُ قُوَّةِ اللهِ، وَصُدُورُ مَجْدِ الْقَدِيرِ الْخَالِصُ؛ فَلِذلِكَ لاَ يَشُوبُهَا شَيْءٌ نَجِسٌ، لأَنَّهَا ضِيَاءُ النُّورِ الأَزَلِيِّ، وَمِرْآةُ عَمَلِ اللهِ النَّقِيَّةُ، وَصُورَةُ جُودَتِهِ. تَقْدِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَهِيَ وَاحِدَةٌ، وَتُجَدِّدُ كُلَّ شَيْءٍ وَهِيَ ثَابِتَةٌ فِي ذَاتِهَا. وَفِي كُلِّ جِيلٍ تَحِلُّ فِي النُّفُوسِ الْقِدِّيسَةِ؛ فَتُنْشِئْ أَحِبَّاءَ للهِ وَأَنْبِيَاءَ، لأَنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ أَحَدًا؛ إِلاَّ مَنْ يُسَاكِنُ الْحِكْمَةَ. إِنَّهَا أَبْهَى مِنَ الشَّمْسِ، وَأَسْمَى مِنْ كُلِّ مَرْكَزٍ لِلنُّجُومِ، وَإِذَا قِيسَتْ بِالنُّورِ تَقَدَّمَتْ عَلَيْهِ، لأَنَّ النُّورَ يَعْقُبُهُ اللَّيْلُ، أَمَّا الْحِكْمَةُ فَلاَ يَغْلِبُهَا الشَّرُّ.
المزمور (مز ٥٦: ١)
“ارحمني يا الله ارحمني فإنه عليك توكلت نفسي وبظل جناحيك أتكل إلى أن يعبر الإثم”.
لذلك يدعو المزمور كل نفس أن تحتمي تحت جناحي الحكمة الأزلي وهو الصليب وكما تقول عروس النشيد “تحت ظله اشتهيت أن أجلس وثمرته حلوة لحلقي” (نش ٣:٢).
الرابط بين المزمور والإنجيل (القمص لوقا سيداروس)[9]
ارحمني يا الله ارحمني..
الالتجاء إلى الرب هو الطريق الوحيد للخلاص “عند كثرة همومي بداخلي تعزياتك تلذذ نفسى”.. لذلك يجدر بنا أن نكرر كلمة “ارحمني” في الصلاة عوض أن نطلب أن يترفق بنا الأعداء.
عليك توكلت نفسى..
العدو الشيطان يدبر المؤامرات ويتشاور ضد أولاد الله، لكن النفس المتكلة على الله تعيش في سلام وسط ضجيج الافتراءات والمشاورات، حتى لو وصلت إليها أخبار التسليم لمرام المضايقين، مثل الثلاثة فتية ودانيال.
وبظل جناحيك أتكل..
كان رؤساء الكهنة يفتشون ويبحثون عن يسوع ليمسكوه، ولكنه رسم لنا طريق الخلاص بالاختباء من وجه الشر في حضن الآب “الصديق يرى الشر فيتوارى”، “والساكن في عون العلى في ظل الإله القدير يبيت”.
إلى أن يعبر الإثم..
فالمزمور يؤكد أن الإثم سيعبر ، ولكن على أولاد الله أن يسلكوا طريق الاتكال والتسليم والالتجاء إلى حضن الآب، كما فعل الطفل يسوع من قبل عندما هرب من وجه هيرودس حتى عبر الإثم، وقيل ليوسف في الحلم “قد مات الذين كانوا يطلبون نفس الصبي” (مت ٢: ٢٠).
الإنجيل (مت ٢٥: ١٤)- الخ، (مت٢٦: ٢،١)
ويختم الإنجيل بعيد الفصح الذي لم يرى فيه اليهود مُخلِّصهم، بل صاروا يطلبونه، لا ليحتموا تحت جناحيه ليخلصوا بل ليقاوموه:
“وكان قد اقترب فصح اليهود… وكان اليهود يطلبون يسوع … وكان رؤساء الكهنة والفريسيون قد أصدروا أمراً أنه إن عرف أحد أين هو فليدل عليه ليمسكوه”.
من وحي قراءات اليوم
“ولست أشم رائحة في أيام أعيادكم العظيمة إني إذا قربتم لي محرقاتكم وتقدماتكم لا أقبلها … وليجر القضاء كالماء والعدل كالوادي الذي لا يعبر” (نبوّة الساعة الثالثة)
هذه الآية تكشف عن رؤية الرب لكنيسته وماذا ينتظر منها.
ينتظر حقاً وعدلاً ومساواة.
وينتظر رحمة وغفران وأبوَّة وشركة.
وما أجملها الكنيسة التي تُعْلِن ذلك لشعبها.
فتصير ليتورجياتها وعبادتها مصدر توبة للجميع وشهادة لغير المؤمنين.
لأن الرحمة عند الرب تفوق التقدمات المادّية.
والحق يعلو علي المشاريع والإنجازات.
وتصير العبادة مصدر فرح وغني واستنارة أولاد الله.
لذلك قال الرب الذين يسجدون لله يسجدون بالروح والحق.
وتحكم الكنيسة على العالم بنور مؤمنيها واستقامة حياتهم.
أفكار مقترحة لعظات ليلة الأربعاء
العظة الأولى
وليمة الفرح السمائي
ترتكز القراءات على مجيء الرب الثاني، ولكنها تطمئن أولاد الله على أن مجيئه سيكون سبب فرح لهم (في ١: ٢٣)، بل هو اشتياقهم (٢بط٣: ١٢)، وعلى الجانب الآخر سبب رعب وخوف لغير المؤمنين (لو ٢٣: ٣٠).
وكما أعلن الرب في مجيئه الأوَّل أنه عريس البشرية كلها (مت ٢٥: ١)، وعريس كل نفس (مت ٢٥: ٢٣)، أوضح أيضاً أن حياة أولاد الله بعد انتقالهم من العالم ستكون في العُرْس السماوي (مت ٢٢: ١).
لذلك نجد أن المسيحية هي دعوة إلى الفرح (في ٤: ٤)، وكرازة ببهجة الخلاص (رو ١٠: ١٥)، وتَجَلِّي الفرح وسط الألم (كو ١: ٢٤)، (يع ١: ٢).
والعبادة اليومية هي مصدر فرحنا، وأسرار الكنيسة هي ليتورجيا فرحنا بشركتنا مع الثالوث، ومعجزة مسيحيتنا هي فرحنا الدائم حتى ونحن في الجلجثة على الصليب.
العبادة اليومية هي مصدر فرحنا:
الصلاة (في ٤ : ٤).
كلمة الله (مز ١١٩).
الأسرار الكنسية هي أيقونة فرحنا:
المعمودية والميرون:
[عظموا الرب معي ، ولنرفعن اسمه جميعاً … من أجل الفرح الإلهي الذي صار لهذا الإبن المبارك ،، فلان ،، الذي من النسل الطاهر المسيحي. الذي لبس الإكليل السماوي الذي لنعمة المعمودية المقدسة، من قبل السيد المسيح له المجد… اقبلوا الأكاليل المملوءة مجداً من قبل يسوع المسيح ملك الملوك ورب الأرباب] (طرح يقال بعد وضع الأكاليل وقبل الوصية)
الإفخارستيا:
[يسبحونك على الدوام بغير سكوت].
[إملأ قلوبنا فرحاً ونعيماً].
[فمنا امتلأ فرحًا ولساننا تهليلًا من أجل تناولنا من أسرارك غير المائتة يا رب ].
(ليتورجيا القداس الباسيلي).
الزيجة:
[حلل الفرح والتهليل…. وإكليل البهجة وضع علي رأسه]. (صلاة علي الثياب).
[وليدخلا إلى ناموس الفرح] (الصلاة الأولى للزواج).
[فرحاً وزينة وعزاء حقيقياً] (صلاة على الزيت).
[أكاليل تهليل وبهجة] (صلاة على الأكاليل).
الفرح وسط الضيق والألم:
(يع ١: ٢).
(١بط ٤: ١٣).
(٢كو ١٢: ١٠).
العظة الثانية
ثوب المسيح
ثوب الانسان الجديد بالمعمودية:
“لأن كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح” (غل ٣: ٢).
“إذ خلعتم الإنسان العتيق مع أعماله ولبستم الجديد الذي يتجدد للمعرفة حسب صورة خالقه” (كو ٣: ٩-١٠).
ثياب التبرير:
“كان يهوشع لابسا ثيابا قذرة و واقفا قدام الملاك فأجاب و كلم الواقفين قدامه قائلا انزعوا عنه الثياب القذرة و قال له انظر قد اذهبت عنك اثمك و البسك ثيابا مزخرفة” (زك ٣: ٣، ٤).
“فرحا أفرح بالرب تبتهج نفسي بإلهي لأنه قد البسني ثياب الخلاص كساني رداء البر مثل عريس يتزين بعمامة ومثل عروس تتزين بحليها” (إش ٦١: ١٠).
ثياب التوبة:
“أشير عليك أن تشتري مني ذهبا مصفى بالنار لكي تستغني، وثيابا بيضا لكي تلبس، فلا يظهر خزي عريتك. وكحل عينيك بكحل لكي تبصر” (رؤ ٣: ١٨).
“قد تناهى الليل وتقارب النهار، فلنخلع أعمال الظلمة ونلبس أسلحة النور” (رو ١٣: ١٢).
ثياب القداسة والطهارة:
“عندك أسماء قليلة في ساردس لم ينجسوا ثيابهم، فسيمشون معي في ثياب بيض لأنهم مستحقون” (رؤ ٣: ٤).
“لنسلك بلياقة كما في النهار: لا بالبطر والسكر، لا بالمضاجع والعهر، لا بالخصام والحسد، بل البسوا الرب يسوع المسيح، ولا تصنعوا تدبيرا للجسد لأجل الشهوات” (رو ١٣: ١٣-١٤).
ثياب الشفاء:
“وإذا امرأة نازفة دم منذ اثنتي عشرة سنة قد جاءت من ورائه ومست هدب ثوبه لأنها قالت في نفسها: إن مسست ثوبه فقط شفيت” (مت ٩: ٢٠- ٢١).
ثياب أحشاء المسيح:
“فالبسوا كمختاري الله القديسين المحبوبين أحشاء رأفات، ولطفًا، وتواضعًا، ووداعة، وطول أناة” (كو٣: ١٢).
ثياب الاتضاع وإخلاء الذات وغسل الأقدام:
“قام عن العشاء، وخلع ثيابه، وأخذ منشفة واتزر بها ثم صب ماء في مغسل، وابتدأ يغسل أرجل التلاميذ ويمسحها بالمنشفة التي كان متزراً بها” (يو ١٣: ٤، ٥).
ثياب الألم:
“من ذا الآتي من أدوم بثياب حمر من بصرة؟ هذا البهيّ بملابسه، المتعظم بكثرة قوته. أنا المتكلم بالبر، العظيم للخلاص، ما بال لباسك محمر، وثيابك كدائس المعصرة” (إش ٦٣: ١، ٢).
“وبعد ما استهزأوا به، نزعوا عنه الرداء وألبسوه ثيابه، ومضوا به للصلب” (مت ٢٧: ٣١).
ثياب البهاء:
“وتغيرت هيئته قدامهم، وأضاء وجهه كالشمس، وصارت ثيابه بيضاء كالنور” (مت ١٧: ٢).
“اخلعي يا اورشليم حلة النوح والمذلة، والبسي بهاء المجد من عند الله إلى الأبد” (باروخ ٥: ١).
عظات آبائية ليلة الأربعاء
العظة الأولى
الدعوة إلى العشاء العظيم – للقديس كيرلس الإسكندري[10]
ومرة أخرى ، إن معنى الدروس المطروحة أمامنا يضطرني أن أقول إن ثمار الأعمال الصالحة إنما هي جديرة بالثناء، لأن تعب القديسين ليس بلا مكافأة، لأنهم يتعبون بمشقة لكى يحيوا تلك الحياة التي هي حقاً جديرة بالإعجاب عند الله والناس. فبولس الحكيم يكتب: “الله ليس بظالم حتى ينسى تعبكم ومحبتكم التي أظهرتموها نحو اسمه” (عب٦: ١٠)، وأيضاً يستخدم كلمات مُشابهة في موضع آخر: “لأن خفة ضيقتنا الوقتية تنشئ لنا أكثر فأكثر ثقل مجد أبدي، ونحن غير ناظرين إلى الأشياء التي ترى بل إلى التي لا ترى، لأن الأشياء التي ترى وقتية أما التي لا ترى فأبدية” (٢كو ٤: ٧). لأن الأشياء الوقتية هي الأرضية، وهى التي نقول عنها إنها تدعى الأشياء التي تُرى ، أما تلك الأشياء الآتية والتي لا تُرى في الوقت الحاضر، بل هي الأمور المرجوة عند الله فهي مخزونة لنا في منازل لا يمكن أن تتزعزع.
أما لِمَنْ أُعدت هذه الأشياء، ولِمَنْ سوف تُعطى ، فهذا شرحه لنا المخلص هنا، موضحاً كما في صورة بالمثل الموضوع أمامنا، طبيعة وفاعلية التدبير، ولكن من الضروري على كل حال أن أذكر أولاً المناسبة التي أدت إلى هذا الحديث .
كان الرب يأكل في وليمة عند أحد الفريسين بصحبة آخرين كثيرين مجتمعين من أصدقاء دعاهم إلى الوليمة وهكذا فإن مخلص الجميع لكى يفيد أولئك المجتمعين هناك – إذ أنه يحب الرحمة بالحري وليس الكرامة والعظمة – فإنه يقود هذا الذى دعاه إلى الكمال، بألا يسمح له بأن يصرف بإسراف أو يهدف إلى أن يظهر بأكثر مما تسمح له موارده المالية، لكى يحصل على مديح الناس، لأنه قال: إذا صنعت غذاء أو عشاء فلا تدع أصدقاءك ولا إخوتك ولا أقرباءك ولا الأغنياء ولا جيرانك. بل المساكين، الجدع والعمى”، لأنه يقول: إن هؤلاء الذين يفعلون هكذا يكافأون في قيامة الأبرار” وهكذا فإن واحد من أولئك المتكئين معهم على المائدة، عندما سمع مثل هذه الكلمات قال: “طوبى لمن يأكل خبزاً في ملكوت الله”. ربما هذا الرجل لم يكن روحانياً ولكنه كان لا يزال نفسانياً وغير مؤهل أن يفهم ما قاله المسيح فهماً سليماً. لأنه لم يكن بعد واحداً من الذين آمنوا ولا كان قد اعتمد بعد، لأنه افتراض أن مجازاة القديسين بسبب أعمال محبتهم المتبادلة سوف تكون بأشياء مختصة بالجسد، وبسبب أنهم كانوا حتى هذا الوقت إلى هذه الدرجة من غباوة القلب حتى يفهموا فكرة دقيقة، فإن المسيح صاغ لهم مثلاً يوضح بما يحويه من صور ملائمة، طبيعة التدبير المزمع أن يؤسسه لأجلهم، ويقول: “إنسان صنع عشاءً عظيماً ودعا كثيرين، وارسل عبده في ساعة العشاء ليقول للمدعوين تعالوا لأن كل شيء قد أعد”.
دعونا أولاً أن نتساءل هنا، ما السبب في أن المدعوين قد دعوا إلى عشاء وليس إلى غذاء؟ بل بالحرى وقبل هذا أيضاً، من هو الإنسان الذي قيل عنه في المثل إنه أرسل عبده ليدعو إلى العشاء، وأيضاً من هو الداعي، ومن هم الذين دُعُوا ولكنهم احتقروا الدعوة.
لذلك فينبغي أن نفهم أن المقصود بالإنسان هنا هو الله الآب، إن التشبيهات قد صيغت لتمثل الحقيقة، ولكنها ليست الحقيقة نفسها، لذلك فخالق الكون وأبو المجد صنع عشاء عظيماً، أي عيداً لكل العالم تكريماً للمسيح، إذن ففي أزمنة هذا العالم الأخيرة ظهر الأبن لأجلنا. وفى ذلك الوقت أيضاً عانى الموت لأجلنا، وأعطانا جسده لنأكل، لأنه هو الخبز الذي من السماء الواهب حياة للعالم، ونحو المساء أيضاً وعلى ضوء السرج، كان يُذبح الخروف بحسب ناموس موسى. لذلك ولسبب معقول نقول إن الدعوة التي بواسطة المسيح تدعى عشاء.
وبعد ذلك من هو الذى أُرسل، والذى يقال عنه إنه عبد؟ ربما يكون المقصود هو المسيح نفسه. لأنه مع أن الله الكلمة هو بطبيعته إله، والأبن الحقيقي لله الآب، الذى ظهر منه، إلا أنه أخلى ذاته ليأخذ شكل العبد. ولأنه أيضاً إله من إله فهو رب الكل، ولكن يمكن استخدام لقب عبد بصواب عنه من جهة بشريته. ومع أنه – كما قلت – قد أخذ شكل عبد إلا أنه رب بسبب كونه إلهاً
ومتى أرسل؟ يقول: “وقت العشاء” لأن الكلمة الأبن الوحيد لم ينزل من السماء في بداية هذا العالم ليصير في الهيئة مثلنا، بل بالحرى نزل عندما أراد الكلي القدرة نفسه ذلك، أي في هذه الأزمنة الأخيرة كما سبق أن قلنا أيضاً منذ قليل.
وما هي طبيعة الدعوة؟ “تعالوا !! لأن كل شيء قد أُعد” لأن الله الآب قد أعد في المسيح لسكان الأرض تلك العطايا التي مُنحت للعالم بواسطته، التي هي غفران الخطايا، والتطهير من كل دنس، وشركة الروح القدس، والتبني المجيد له، وملكوت السموات. وإلى هذه البركات دعا المسيح إسرائيل بواسطة وصايا الإنجيل قبل أن يدعو كل الآخرين، لأنه يقول في موضع ما بصوت المرنم: “أنا أقمت منه ملكاً – أي بواسطة الله الآب – على صهيون جبل قدسه، لأكرز بأمر الرب” (مز ٢: ٦) وأيضاً: “أنا لم أُرسَل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة” (مت ١٥: ٢٤).
فهل كان تصميمهم إذن لصالحهم؟ هل نظروا بإعجاب إلى لطف ذلك الذى دعاهم، وإلى وظيفة هذا الذى حمل الدعوة؟ ليس هكذا لأنه يقول: “فابتدأ الجميع للتو برأي واحد يستعفون – كما لو كان بغرض واحد، وبلا إبطاء يعتزرون. قال الأول : إني اشتريت حقلاً وأنا مضطر أن أخرج وأنظره، أرجوك أن تعفيني، وقال له آخر: “إني اشتريت خمسة أزواج بقر وأنا ماضي لأمتحنها، أرجوك ، أن تعفيني، وقال آخر: إني تزوجت بامرأة فلذلك لا أقدر أن أجيء”. إنك تلاحظ أنهم إذ استسلموا تماماً وبحماقة لهذه الأمور الأرضية، فإنهم لم يتمكنوا أن يروا الأمور الروحية، لأنهم إذ قد انغلبوا من محبة الجسد فقد صاروا بعيدين عن القداسة. وأصبحوا شهوانيين وجشعين للثروة. إنهم يطلبون تلك الأمور السفلى ولا يعتبرون بالمرة ذلك الرجاء والمواعيد المذخرة عند الله. كان الأفضل جداً أن يربحوا أفراح الفردوس بدلاً من الحقول الأرضية، وبدلاً من الفرحة المؤقتة – وهذا هو المقصود بأزواج البقر – أن يجمعوا أثمار البر، لأنه مكتوب: “أزرعوا لأنفسكم بالبر، واحصدوا كغلة الكرم ثمر الحياة” (هو ١٠: ١٢) س. أما كان يجب عليهم – بدلاً من الإنسال الجسدي للأطفال – أن يختاروا بالأحرى الإثمار الروحاني؟ لأن الأول معرض للموت والفساد، أما الآخر فهو أبدي وذا غنى دائم للقديسين .
ويقول المثل إن رب البيت لما سمع رفضهم، فإنه غضب وأمر أن يجمعوا من الشوارع والأزقة، المساكين والجدع والعمى والعرج. فمن هم الذين يمكن أن نفهم عنهم – كما قلت لكم – أنه من أجل الأراضي والفلاحة والإنجاب الجسدي للأولاد – رفضوا أن يأتوا؟ إنهم بالضرورة هم هؤلاء الذى وقفوا في صدارة المجمع اليهودي، الذين هم ذوو ثروات طائلة، عبيد الشهوات، الذين عقولهم منصبه على الربح، الذين يركزون عليه كل اجتهادهم. لأنه في كل الكتاب الموحى به نراهم مستوجبين اللوم بسبب هذا الأمر نفسه .
فأولئك إذاً الذين هم أعلى مقاماً من جماعة الشعب العام لم يُخضعوا أنفسهم للمسيح عندما قال لهم: “احملوا نيري عليكم” (مت ١١: ٢٩). بل رفضوا الدعوة ولم يقبلوا الإيمان وظلوا بعيداً عن الوليمة ، وازدروا بالعشاء العظيم بسبب عصيانهم المتقسِّي أما عن كون الكتبة والفريسيين لم يؤمنوا بالمسيح، فهذا ظاهر بما يقوله لهم: “أخذتم مفتاح المعرفة، فلم تدخلوا والداخلون منعتموهم” (لو ١١: ٥٢)، لذلك فبدلاً منهم دعا الذين كانوا في الشوارع والأزقة الذين ينتسبون إلى عامة الشعب اليهودى الذين كان عقلهم مريضاً غير ثابت، مظلماً ومتوقفاً لأن مثل هؤلاء يمكن أن نعتبرهم عميان وعرج، ولكنهم صاروا أقوياء وأصحاء في المسيح، وتعلَّموا أن يمشوا باستقامة وقبلوا النور الإلهي في عقولهم. أما عن أن جمعاً كبيراً من اليهود لا يمكن إحصاءه بسهولة قد آمن، فهذا يمكن أن نعرفه من سفر أعمال الرسل.
والمثل يقول إنه بعد أن دعا هؤلاء الذين في الشوارع، فإن الذى كانت وظيفته أن يدعو إلى العشاء قال لصاحب البيت: “يوجد أيضاً مكان”. فقال السيد لخادمه: “اخرج إلى الطرق والسياجات وألزمهم بالدخول حتى يمتلئ بيتي لأني أقول لكم إنه ليس واحد من أولئك الرجال المدعوين يذوق عشائي”.
أرجوكم أن تلاحظوا هنا دعوة الأمم بالإيمان بعد أن دخل الإسرائيليون. كان الأمم في الزمان القديم لهم ذهن غير مثقف، وسذجاً في الفهم، أي أنهم كانوا خارج المدينة، كما لو كانوا يعيشون في إباحية، ويشابهون البهائم أكثر من البشر، ويستخدمون العقل قليلاً، وبسبب هذا الاعتبار فإن الداعي إلى العشاء أرسل إلى الطرق خارج المدينة وإلى السياجات في الحقول. بل والأكثر من هذا، فإنه أُمر من هذا الذى أرسله، لا أن يدعوهم ويحضهم فقط بل وأيضاً يلزمهم. إن الإيمان بالنسبة لجميع الناس هو فعل إرادي، وببلوغ البشر بحريتهم الخاصة إليه يكونون مقبولين لدى الله وينالون عطاياه بوفرة. ولكن كيف (في هذا المثل) أن الناس يلزمون بالدخول.
هذا ذكر هنا أيضاً عن قصد، وكان هذا ضرورياً بل وضرورياً على نحو جازم بالنسبة للأمم الذين كانوا مقيدين بطغيان لا يُحتمل، والذين كانوا واقعين تحت نير الشيطان، والذين كانوا ممسوكين بشباك خطاياهم التي لا تنحل، والذين كانوا جاهلين تماماً بهذا الذى هو بالطبيعة والحق، الله، فكان يَلزَم أن تكون دعوتهم بإلحاح كما لو كانت باستخدام القوة، حتى يكونوا قادرين أن يتطلعوا نحو الله، ويتذوّقوا التعاليم المقدسة، وأن يتركوا ضلالهم السابق، وأن يخرجوا من يد الشيطان. لأن المسيح قال أيضاً: “لا يقدر أحد أن يقبل إليَّ إن لم يجتذبه الآب الذى أرسلني” (يو ٦: ٤٤). إن الجذب هنا يعني ضمناً أن الدعوة هي فعل بالقوة، وهذا لا يصنعه إلا الله. ونجد أيضاً المغبوط داود يخاطب الله بعبارات مشابهة بخصوصهم (الأمم): “بلجام وزمام تكبح (تقِّيد) فك هؤلاء الذين لا يقتربون اليك” (مز ٣١: ٩). ها أنت ترى كيف أن رب الكل بلجام يحول إلى نفسه هؤلاء الذين انحرفوا عنه، لأنه صالح ومحب لجنس البشر ويريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون.
لذلك فقد ظل رؤساء الشعب الإسرائيلي بعيدين عن العشاء لأنهم كانوا عنيدين ومتكبرين وعصاة ومحتقرين للدعوة الفائقة جداً، لأنهم انحرفوا نحو الأشياء الأرضية، وثبَّتوا عقولهم نحو انشغالات هذا العالم الباطلة. أما عامة الجمع فقد دعوا (إلى الوليمة) وبعدهم مباشرة وبدون إبطاء الوثنيون. لأن ربنا يسوع المسيح بعد أن قام من الأموات صرخ نحو رسله القديسين قائلاً: “دُفع إليَّ كل سلطان في السماء وعلى الأرض، اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والأبن والروح القدس، وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتهم به، وها أنا معكم كل الأيام وإلى انقضاء الدهر” (مت ٢٨: ١٨، ١٩).
العظة الآبائية الثانية – ليلة الأربعاء
الثوب الجديد الذي نلبسه هو المسيح يسوع ربنا – للقديس غريغوريوس النيسي[11]
“قد خلعت ثوبي فكيف ألبسه” (نش ٥: ٣)
بعد أن سمعت العروس عريسها يقول لها يا أختي يا حمامتي يا جميلتي ويا كاملتي وعندئذ صارت العروس الواحدة الكاملة ولذلك أتى الحق ودخل فيها، ولذلك سلكت حسب الوصية ونزعت ثوبها الجلدي الذى كانت قد لبسته بعد ارتكاب الخطية حيث “صنع الرب الاله لآدم وامرأته أقمصة من جلد والبسهما” (تك٣: ٢١) ثم غسلت العروس رجليها من التراب الذى التصق بها من جراء وجودها فيى الأرض بعد طردها من الفردوس كما قيل لها “لأنك تراب والى تراب تعود” (تك٣: ١٩) وفى هذا الطريق فإن العروس تفتح لعريسها، لكى تزيل الحاجز الذى كان فوق قلبها الذى هو الجسد. وحينما نتحدث عن الجسد هنا فإننا نقصد الانسان العتيق الذى يدعونا بولس الرسول أن نخلعه ونتخلى عنه “إذ خلعتم الانسان العتيق مع أعماله” (كو٣: ٩) وهذا معناه أن العروس قد غسلت ما علق في أرجلها من التراب في نهر العريس الكلمة. وعندئذ بعد خلع الانسان العتيق، ونزع الحاجز الذى فوق القلب، فإنها تفتح الباب للمسيح الكلمة، وحين يدخل تخلع العروس ثوبها الذى هو الانسان العتيق وتلبس الجديد في القداسة والبر كما يقول الرسول بولس “أن تخلعوا من جهة التصرف السابق الانسان العتيق الفاسد بحسب شهوات الغرور وتتجددوا بروح ذهنكم وتلبسوا الانسان الجديد المخلوق بحسب الله في البر وقداسة الحق” (أف ٤: ٢٢- ٢٤) وهذا الثوب الجديد الذي نلبسه هو المسيح يسوع ربنا .
والآن تخبرنا العروس أنها لن تلبس ثانية الملابس التي خلعتها من قبل، وهى الآن قانعة بثوب واحد فقط كما قال المسيح له المجد للرسل أن لا يكون للواحد ثوبين (مت١٠: ١٠)؛ (لو٩: ٣)؛ (مر٦: ٩) والمعنى هو أن الثوب ا لروحي الذي نرتديه بعد الولادة الثانية في المعمودية يجب أن نكتفى به فقط ولا نلبس فوقه ثوب الخطية، لأننا لا نحتمل أن نلبس ثوبين فوق بعض، أحدهما ثوب الروح الذي هو النور، والثاني ثوب الظلمة الذي هو الخطية .
والإنجيل لا يمنعنا فقط أن نمتلك ثوبين، بل أيضا يحذرنا أن نضع رقعة جديدة فوق الثوب القديم (مر٢: ٢١) وهذا معناه أن نمنع زيادة الشر الذي فينا لأن الرقعة لا تقدر أن تبقى وتثبت لأن الثوب القديم سوف يتمزق، وعندئذ يصير حالة أردأ ويصعب اصلاحه حينئذ، ولذلك يقول لنا الرب يسوع المسيح “ليس أحد يخيط رقعة جديدة على ثوب عتيق وإلا فالملء الجديد يأخذ من العتيق فيصير الخرق أردأ” (مر٢ : ٢١) وهذا معناه أن نوقف زيادة الشر الذي فينا، ولذلك تقول العروس: لقد خلعت ثوبي فكيف ألبسه، لأن الانسان الذي يرى نفسه يلبس الثوب الإلهي المنير الذى هو الطهارة والنقاوة مثل الثوب الذى ظهر به الرب على جبل التجلي فإنه لن يسمح لنفسه قط أن يرتدي أي ثوب آخر ممزقى وعتيق مثل ثوب الزاني والسكير.
العظة الآبائية الثالثة – ليلة الأربعاء
مفهوم مثل العذارى الحكيمات والجاهلات – في فكر القديس يوحنا ذهبي الفم[12]
إذًا لنسعى نحو هذا الجمال، ولنتزين بهذه الزينة، لكي نذهب إلى السموات إلى موضع عرس الروحيين، إلى مكان العرس غير الدنس. لأن الجمال الخارجي، يكتسبه الجميع. وعندما يُحتفظ بالجمال الداخلي جيدًا فإنه لا يؤثر فيه المرض، ولا القلق الأمر الذي من المستحيل أن يحدث للجمال الخارجي لأنه لن يستمر عشرين عامّا، بينما ذلك الجمال يزهر دوماً، ويزدهر باستمرار، وليس هناك خوفًا من التغيير فلا الشيخوخة بقدومها تستطيع أن تظهر فيه غَضَن ولا المرض يجعله يذبل، ولا الحزن يُفسده، بل هو أسمى من كل هذا.
بينما الجمال الجسدي يختفي بعد حين، وعندما يوجد لا يكون له مُعجبين كثيرين. لأن العقلاء لا يعجبوا به، والذين يُعجبون به يكون أعجابهم بدافع الفسق. إذا ينبغي ألا نسعى في اثر هذا الجمال الجسدي، بل نسعى في اثر جمال النفس، ولنتمسك به، لكي نذهب إلى العرس بمصابيح مضاءة.
كذلك فإن الرب لم يعد (بالدخول إلى عرسه السمائي) للعذارى فقط بل للنفوس النقية، لأنه إن كان العرس السمائي هو للعذارى فقط، ما كان له أن يدعو العذارى الخمسة.
إذًا هذا العرس السماوي هو لكل من يحمل نفسًا نقية، ولكل المتحررين بصفة عامة من الاهتمامات الأرضية، لأنها تُفسد النفوس. إذًا إن ظللنا أنقياء، سنذهب إلى هناك، وسنصبح مقبولين (أمام الله). يقول الرسول بولس “خطبتكم لرجل واحد لأقدم عذراء عفيفة للمسيح”(٢كو ١١: ٢). وهذا لم يقله للعذارى، بل قاله لكل ملء الكنيسة.
كذلك فإن نفس المرأة إِذا ما كانت نقية، فهي عذراء، حتى وإن كان لها زوجاً فهي عذراء ومستحقة للإعجاب، لأنها تحمل العذراوية الحقيقية، لأن العذراوية هي التابع والظل للنفس النقية، والنفس النقية هي العذراوية الحقيقية فلنزيد من هذه النقاوة، هكذا سنستطيع أن نرى العريس (السماوي) بوجهه المفرح، ونأتي إلى محفل العريس بمصابيح، فإننا نكتسب هذا الزيت، الذي يجعل المصابيح منيرة ومُبهجة، وهذا الزيت هو محبة الناس، فإن أعطينا جزء من ممتلكاتنا للآخرين، إن جعلناها رحمة، عندئذ فإن الله سيقبلنا، ولن نقول في ذلك الزمن الآتي “اعطنا زيتًا فإن مصابيحنا تنطفئ” (مت ٢٥: ٨). ولن نترجى الآخرين، ولن نُعزل أو نُستبعد مع الذين ذهبوا إلى باعة الزيت، ولن نسمع ذلك الصوت المخيف والمرعب “لا أعرفكم”، ونحن نطرق الباب (مت ٢٥: ١١، ١٢) بل سيعترف بنا، وسندخل مع العريس، وبعدما ندخل إلى المحفل الروحي، سنتمتع بخيرات لا حصر لها.
لأنه إن كان مكان العرس هنا (في الحياة الحاضرة) مشرقًا إلى هذا الحد، وإن كانت غرفة العرس مشرقة وبهية إلى هذا الحد الذي معه لا يشبع المرء حين ينظر إليها، فكم بالأكثر يكون الحال هناك في الحياة الأبدية؟
غرفة العرس، هي السماء، وأكثر جمالاً من السماء بكثير، هو مكان العرس، ونحن سندخل إلى هذا العرس السمائي. فإن كان مكان العرس جميلا إلى هذا الحد، فكم يكون العريس يا ترى؟.
وماذا أقول، بعدما تنزعّن عنكن الحلي الذهبية، لكي تعطونها لأولئك الذين يحتاجون لها؟، لأنه إن احتاج الأمر أن تصيروا عبيدًا بعد أن كنتم أحرارًا لكي تستطيعوا أن تكونوا مع ذلك العريس، وأن تتمتعوا بجماله، أن تنظروا فقط إلى وجهه، ألا ينبغي أن تقبلوا كل شيء برضى؟ إننا إذا رغبنا أن ننظر الملك الأرضي فكثيرًا ما نُلقي كل ما في أيدينا (من ذهب)، بالرغم من أنها ضرورية، أما من أجل الملك والعريس، حيث يوجد الأثنان (في شخص المسيح) في السماء، فإننا ليس فقط سنكون مستحقين أن نراه، بل أن نسير أمامه بمصابيح، ونكون إلى جواره، فهل بعد كل هذا يصح أن نتقاعس عن عمل أي شيء ينبغي علينا عمله؟ وهل هناك شيئًا لا ينبغي عمله أو احتماله؟.
من أجل هذا لنشتهي تلك الخيرات السمائية، لنشتهي ذاك العريس (السماوي)، لنكن عذارى من حيث مفهوم العذراوية الحقيقية، لأن الرب يطلب عذراوية النفس. لندخل بهذه العذراوية إلى السماء، بدون وسخ أو بقع أو أي شيء آخر من هذه الأدناس، لكي ننال الخيرات التي وعدنا بها الله، والتي أرجو أن ننالها جميعاً بنعمة الله ومحبته للبشر.
العظة الآبائية الرابعة – ليلة الأربعاء
أحداث قراءات يوم الثلاثاء – عند القديس يعقوب السروجي
تعليقاً على كرازة نوح قبل الطوفان[13]
لما استمر عمل المهندسين واقترب من النهاية، ضحك الفسقة على الوقور وسخروا منه،
كان يخبرهم بما كان يسمعه من الله، وهم كانوا يكثرون إهانة تعليمه،
يا اخوتي لعلهم حسبوه مجنونًا لما كثّر من تحذيرهم ورموا فُلكه بالهزء،
كان يتنهد على الأثمة لأنهم جهال، وهم كانوا يضحكون من العمل الذي كان ينفذه،
بدأ يبني المقصورة الجديدة من الألواح المصفوفة حسب مقاييس أخذها من الله،
ارتفع البناء وانتهى بعد مائة سنة ثم نجز كل العمل بالتمام (تك ٥: ٣٢؛ ٦: ٨، ١١).
بُحّ صوت نوح البار لما كان يكرز، وبنو الإثم أهملوا وأثموا بزيادة، قدّم لهم تعليمًا بقدر استطاعته، وكان يتضاعف إثم الأرض بزيادة،
عمله العظيم كان يشهد على كلماته، ولم تكن تُسرد قصة هزلية من قبل البار، ذاك الإتقان العجيب الذي كان يصنعه يبين الحقَ الذي كان يتكلم به، كان يلزم أن يعرف الجيل الشرير أن نوحًا لم يكن يتعب عبثا في عمله، المنظر العظيم احتقرته أعينهم، والكرازة احتُقرت من قبل آذانهم، لم يفهموا بالعمل الذي جرى هناك، ولم يسترشدوا بصوت التعليم،
كانت قلوبهم وأعينهم مع آذانهم مغلقة، لأن أبواب أفكارهم أُغلقت بإرادتهم، لما فاض كيل الذنوب من قبل الأثمة، ونقصت وقلت فرصة التوبة، لما فسد كل الجيل بقطع الرجاء والغضب، اغلق بابَ المراحم وحبسهم، لما أمهل المنتقم وانتظر ليطلبوا منه، ولم يوجد صوت يتوسل لنيل الغفران، لما خجلت النعمة من العدالة: إلى متى تطيل الأناة لأنهم لم يجنوا أية فائدة،؟
لما شيدت طوابق ذلك الفُلك لم يبقَ إلا أن يدخل نوح ثم يأتي الغضب. (القديس يعقوب السروجي)
تعليقاً على مثل المدعوين للعرس[14]
لنحزن هنا على ذلك الذي خرج من الوليمة (بسبب ثيابه القذرة)، لأنه هناك لا يقدر أحد أن يحزن على قريبه.
ليخَف كل واحدٍ لعله يكون هو ذاك اللابس الملابس القذرة، وهو المطرود من الوليمة.
ليرَ كل واحدٍ ملابسه إن كانت جميلة ومقدسة، وليبيّضها لو كانت قذرة بالشهوات.
ولو صارت قذرة فليُنَظِّفها بالتوبة قبل أن يخرج الختن ليرى المدعوين في موضعه.
ليغسل كل واحدٍ ملابسه هنا في موضعنا، لأنه يوجد مجال لننظفها لو صارت قذرة.
في ذلك الموضع عندما يدخل المرء إلى المتكأ لا يُسمَح له أن يُبَدِّل ملابسه القذرة في الوليمة.
ولو وُجِد هناك رجل لابس ملابس قذرة، سيلقونه هو وملابسه ليخرج من الوليمة.
هناك لا يقبلون التوبة ولا الطلبة ولا التوسّل، لأن كلمة الملك لا تُقاوَم.
هنا يمكن الرجوع في كل الأفعال، ومن سقط يسهل عليه القيام لو شاء.
ومن كان زانيًا يتقدَّس بالتوبة، ومن كان مدينًا يقدر أن يوفي ديونه.
ومن هو مرتدي ملابس قذرة يغسلها بالدموع فتصير نظيفة أكثر من النار التي تُطَهِّر القذارة.
(القديس يعقوب السروجي)
العظة الآبائية الخامسة – ليلة الأربعاء
مثل العذراى – للقديس مقاريوس الكبير[15]
انظر، وفكر في الخمس عذراي الحكيمات اللواتي كن ساهرات مستيقظات وقد أخذن في أوعيه قلوبهن ذلك الذي لم يكن جزءاً من طبيعتهن الخاصة- وهو الزيت، الذي يعني نعمة الروح من فوق، أولئك تمكنّ من الدخول مع العريس الى العرس السماوي، ولكن الأُخر الخمس الجاهلات اللواتي اكتفين بطبيعتهن الخاصة فلم يتيقظن ولم يشغلن أنفسهن بنوال “زيت البهجة” (مز٤٥: ٧) في آنيتهن أثناء وجودهن في الجسد، بل غرقن كما في نوم الإهمال والتغافل والكسل والجهل، أو لادعائهن البر، ولذلك اغلق امامهن عرس الملكوت اذ لم يتمكنّ من ارضاء العريس السماوي.
فاذ قد ربطن برباط العالم وبمحبة أرضية، لم يوجهن كل حبهنَّ ولم يقدمنّ عواطفهنّ الحارة للعريس السماوي، فلم يُزَوَدن بالزيت.
فالنفوس التي تطلب تقديس الروح الذي هو من خارج طبيعتها تعلق حبها كله بالرب وتسير فيه، وفي الرب تصلي، وبه تنشغل أفكارها، تاركين كل ما هو سواه، ولهذا السبب يُحسبون أهلاً لنوال زيت النعمة السماوية، وينجحون في عبور هذه الحياة بلا سقوط مقدمين إرضاءً وإشباعاً كاملاً للعريس السماوي، وأما النفوس التي تكتفي بما لطبيعتها الخاصة فقط فإنها تهبط بفكرها على الأرض، وتنشغل أفكارها بالأرض، ويكون عقلها كله في الأرض. وهي تظن في ذاتها أنها تختص بالعريس وتتزين بفرائض الجسد، ولكنها غير مولودة من الروح القدس من فوق، ولم تنل زيت البهجة. فحواس النفس الخمس العاقلة، إن هي حصلت من فوق على النعمة وتقديس الروح كانت حقاً عذارى حكيمات حاصلات على حكمة النعمة من فوق.
ولكن إن بقينّ في راحة مكتفيات بطبيعتهنّ فإنهنّ يكنّ جاهلات وينكشف أنهن من أبناء العالم. ولم يكن قد خلعن روح العالم، رغم أنه في ظنهن أنهن عرائس العريس بسبب بعض المظاهر الخاصة والشكل الخارجي.
فكما أن النفوس التي تلتصق بكليتها بالرب. تكون فيه بفكرها، تصلي فيه وتسير فيه وتشتاق لمحبة الرب، هكذا من الجهة الأخرى، تلك النفوس المُقيدة والمربوطة بحب العالم، تريد أن تصرف وجودها على الأرض وتسعى على الأرض وتفكر فيها وهناك يسكن ويوجد عقلها.
ولهذا السبب فإنهم لا يقدرون أن يتحولوا إلي حكمة الروح الصالحة التي هي غريبة عن طبيعتهن – أعني النعمة السماوية – التي يلزم أن تلتحم بطبيعتنا وتمتزج بها، لكي نستطيع الدخول مع الرب إلي عرس الملكوت السماوي ولننال الخلاص الأبدي.
لأنه بمعصية الإنسان الأول دخل فينا شيء غريب عن طبيعتنا، الذي هو كارثة الفساد والأهواء، وقد اتخذ هذا الفساد مكانه كأنه جزء من طبيعتنا بطول العادة والميل، وهذا الشيء الغريب يجب أن يُطرد ثانية بواسطة الضيف الآخر، ضيف طبيعتنا، أي موهبة الروح القدس السماوية، لكي ما نستعيد النقاوة الأصلية، وإن لم نحصل الآن على محبة الروح من السماء بالتضرع الكثير، والتوسل، والإيمان، والصلاة، والتحول عن العالم، وإن لم تلتصق طبيعتنا – التي كانت قد تلوثت بالشر – إن لم تلتصق بالمحبة، التي هي الرب، وتتقدس بمحبة الروح، وإن لم نثبت إلى النهاية غير عاثرين، سالكين بجد وتدقيق في كل وصاياه، فلا يمكننا الحصول على الملكوت السماوي .
عظات آباء وخدام معاصرين لليلة الأربعاء من البصخة المقدسة
العظة الأولى
اليهود يسألون ورد السيد المسيح عليهم – لقداسة البابا تواضروس[16]
يوم الأسئلة والأمثلة
أربع مجموعات من اليهود [مجلس السنهدريم – الكتبة والفريسيين – الصدوقيون – الناموسيين] وجهوا للسيد المسيح عدة أسئلة:
سؤال حادق (مت ٢١: ٢٣– ٢٧)
“بأي سلطان تفعل هذه الأشياء؟”
سأل السؤال: السنهدريم وهم أعلى هيئة حاكمة، والكلمة مشتقة يونانياً من ساندريون Sandrion = ساحة أو محكمة، وفيه نجد أعضاء من أعرق الأسر اجتماعياً في أورشليم.
وسألوا هذا السؤال عندما طرد المسيح الباعة من الهيكل.
إن قال: سلطانه إلهي: طلبوا معجزة .
إن قال: المعجزة، نسبوها للشيطان .
إن لم يفعلها: نسبوا إليه العجز.
لذا رد بتساؤل: “ما هو مصدر معمودية يوحنا من السماء؟ أم من الأرض؟” وكان القصد هو الإحراج .
سؤال ماكر (مت ٢٢: ١٥– ٢٢)
“هل يجب أن ندفع الجزية لقيصر أم لا؟”.
سأل السؤال الفريسيون (هم دارسي القانون وعلماء زمانهم)، والهيرودسيون (مؤيدي هيرودس). لقد كانت الجزية أمراً مفروضاً من الرومان على المقاطعات ومنها اليهودية. ولكن مجموعة من فلسطين عارضت ذلك واستعملت العنف.
إن رد السيد المسيح على السؤال: “نعم”: يكون عدواً للشعب ومتنكراً لوطنه.
إن قال لا، يكون متمرداً على قيصر وضد الرومان، لذا رد بحكمة: الله فوق أي اعتبار آخر.
سؤال جاهل (مت ٢٢– ٢٣– ٣٣)
امرأة تزوجت من ٧ إخوة وماتوا، فلمن تكون في يوم القيامة؟ سأل السؤال الصديقيون: طبقة ارستقراطية كهنوتية من الأثرياء في أورشليم، وهم لا يؤمنون بالحياة بعد الموت ولا بالقيامة . وكان القصد من السؤال: إنهاء الإيمان بالقيامة.
لذا رد بتعليم: وقد أظهرت الإجابة مدى قصورهم في فهم الأسفار، ففي القيامة الارتباطات ستكون روحية وليست جسدية على مستوى هذا العالم . وأمثلة المجيء الثاني عديدة: مثل الكرامين الأردياء – مثل العذارى مثل الوزنات – مثل الدينونة.
المسيح عريس النفس
الكنيسة تقدم لنا المسيح في كل يوم من أيام هذا الأسبوع، وتركز على صفة مميزة فيه له المجد: وفى يوم الثلاثاء… المسيح على الأبواب فاستعد … أنه العريس .
لقب “عريس ” اتخذه الله لنفسه منذ القديم ، فهو لقب مثل : راعى – أب – عريس … الخ
رحلة مع لقب عريس في أسفار الكتاب المقدس:
أولاً : في العهد القديم نجد:
عريس ← الله القوى.
عروس ← الشعب، لا الأرض.
عهد ← أحد صور الحب.
هوشع: العروس المحبوبة / الخائنة / التائبة .
إرمياء: رمزية الزواج وعلاقة الشعب وحب اللة … ثم الخيانة .
حزقيال: أورشليم طفلة لقيطة… يأخذها ويربيها (زمن الحب)، لكنها تسير في طريق الخيانة وأخيراً (زمن الحب)، لكنها تسير في طريق الخيانة وأخيراً يغيرها الله (حز ١٦).
إشعياء: امرأة مهجورة محزونة الروح يدعوها الرب (إش ٥٤).
سفر نشيد الأناشيد: أروع صور الحب: المحبة قوية كالموت، أنا لحبيبي وحبيبي لي.
ثانياً العهد الجديد:
المسيح يعطى نفسه لقب “العريس”:
التجسد واتحاد الله بالإنسان (عمانوئيل الله معنا).
مثل العذارى الحكيمات والجاهلات.
بولس الرسول يوضح اللقب أكثر لأهل كورنثوس (مدينة الخلاعة والفجور).
سفر الرؤيا: المسيح (عريس)، النفس (عروس)، الدم (عهد رباط العهد).
ماذا يعني هذا اللقب؟
هناك ثلاثة صفات يحويها هذا اللقب:
الخصوصية الشخصية (الأشتياق والحب).
الوحدانية (ليس سواه).
الدوام (الاستدامة) (الرفيق/ الشريك).
مثال: داود النبي = عاشق قديم (مز٧٣: ٢٥).
بولس الرسول = عاشق جديد (في٣).
وعبرت عنه عروس النشيد (نش ٢: ٣)،
وما نعبر عنه في صلواتنا “هوذا الختن (العريس) الحقيقي”
كيف تتمتع العروس بعريسها؟
تحفظ حواسها الخمسة = عمل التوبة.
ترتدى ثياب العرس وهى أعمال المحبة = عمل المحبة. (مثل الصلاة/ التأمل/ الخلوة/ التناول).. كلها بهدف خلاص النفس.
تخدم أحد إخوته الأصاغر = عمل الرحمة. (مثل الجياع/ الفقراء/ المرضى/ الغرباء……..).
العظة الثانية لآباء وخدام معاصرون – ليلة الأربعاء
أحاديث الإستعداد – للمتنيح أنبا أثناسيوس مطران بني سويف[17]
هنا يستطرد الرب بثلاثة أمثلة عن الاستعداد:
مثل العبد الأمين (مت ٢٤: ٤٥-٥١).
والعذارى (مت ٢٥: ١- ۱۳).
الوزنات (مت ٢٥: ١٤-٣٠).
ثم حديث المكافأة (مت ٢٥: ۳۱- ٤٦) وهو ختام الأمر كله.
مثل العبد الأمين: (مت ٢٤: ٤٥- ٥١):
هو الذي يؤدي واجبه بدقة، فإذا ما جاء سيده وجد عمله متقنًا، حينئذ يرقيه ويقيمه على جميع أمواله. فليزمنا أن نقوم بواجبنا بدقة حتى إذا ما جاء وجدنا نفعل ذلك، فنسمع الصوت القائل: “ادخلوا لترثوا الملك المعد لكم منذ انشاء العالم” (مت ٢٥: ٣٤)، أما العبد غير الأمين فهو يظن أن سيده يبطئ، فيجب علينا ألا نتوقع أننا نعيش لأنه من الغريب أن الناس يرون الموت حولهم كل وقت، ولكن لا يتوقعونه لأنفسهم. هكذا فعل ذلك العبد، ولذلك يأتي السيد في يوم لا ينتظره وفي ساعة لا يعرفها. هكذا فعل ذلك العبد الذي لا يتوقع قدوم سيده أخذ يضرب العبيد، ويبذر المال: وتبذير المال هنا هو إضاعة مواهب الرب لنا، وضرب الرفقاء هو تسبيب العثرة لغيرنا.
الاصحاح الخامس والعشرون
الإستعداد
مثل العذارى: (مت ٢٥: ١- ۱۳):
ما أجمل منظر هؤلاء العذارى العشر وهن محيطات بزميلتهن العروس، مرتديات الثياب الطيبة المناسبة. ومع كل منهن مصباح زجاجه نظيف، وهو ممتلئ بالزيت يشع منه الضوء. وما أكرم تلك العائلات التي سمحت لبناتها بأن يسهرن مع العروس ورحبت بالتضحية بالمصباح والزيت.
وقد ظلت العذارى ساهرات إلى وقت متأخر، ولكن العريس أبطأ وهو آت من قرية أخرى أو من مكان بعيد في موكب من رفاقه الشبان يمرحون، ويقفون عند بيوت الأصحاب يتهللون إلى أن وصل ذلك الموكب ففتحت العذارى الحكيمات الأواني المملوءة بالزيت الاحتياطي، وملأن المصابيح، أما الجاهلات فخرجن إلى خارج للبحث عن زيت جديد .
والمهم هنا أن منظر العذارى جميعهن واحد، وصورة التضحية واحدة ولكن الفرق هو في آنية زيت احتیاطي تحمله كل واحدة من الحکیمات.
لعل الزيت الذي في المصابيح هو النعمة التي للمؤمنين جميعًا، أما الزيت الاحتياطي فهو امتلاء من الروح القدس والصلوات والأعمال الصالحة التي تعتبر زادًا للمؤمن في وقت ضعفه الجسدي أو شيخوخته فيكون قادرًا على أن يستمر في حياة مضيئة إلى أن يأتي العريس في الوقت غير المعروف .
ولعل البعض يقول أن هذا المثل ينطبق أيضا على تجارب الحياة وضيقاتها التي تصيب جميع الناس، فمن كان لديه رصيد من النعمة عبر الضيقات، ومن كان خاليًا سقط .
وعلى المؤمن ألا ييأس حين يتأخر العريس وتطول ضيقته، فإنه لابد أن يأتي، كما أن عليه ألا يتهاون لئلا يأتي العريس فيجد مصباحه منطفئًا لأنه لابد من لحظة يغلق فيها الباب .
ولا يصلح هذا المثل للذين يستعملونه للاعتراض على مبدأ صلوات القديسين من أجلنا، لأن صلوات القديسين تفيد لتقوية المؤمن وانماء شركته، أما إذا كان خارجًا وأغلق الباب فلا ينتظر شيئًا. والكنيسة تضع هذا المثل أمامنا في كثير من أناجيل القداسات وفي صلاة نصف الليل انتظارًا للرب .
مثل الوزنات (مت ٢٥: ١٤-٣٠):
لم تكن الوزنات واحدة لجميع الناس، وهذا يعني أن الله لا يثقل على أحد بل كل واحد على قدر طاقته (آية ١٥) الذي أخذ خمس وزنات وربح خمسًا مثلها فنتيجته مائة في المائة، وكذلك الذي أخذ اثنتين وربح مثلهما، ومعنى ذلك أن الرب لا يطالبنا بكمية الثمر بل بالأمانة في الحياة والجهاد، ولا يجوز لنا أن نتكاسل ونلتمس لأنفسنا الأعذار أو نلقي اللوم على الرب، لأنه هو مستعد لمساعدتنا، وقد أعطانا كل الإمكانية للنصرة. وواضح أن الايمان غير المثمر میت، بل يجب أن يظهر الايمان بالأعمال .
والكنيسة تحتاج إلى المواهب المختلفة، وإلى العاملين الأمناء الذين يعمل كل منهم في ميدانه، وقدر الظروف المهيأة له، ولا يليق أن يتطلع فرد ما إلى ما عند غيره، بل كل انسان إلى ما في يده ويتجر فيه بأمانة ونشاط.
والمواهب للمؤمن نوعان، مواهب الروح القدس كالكهنوت وصنع المعجزات، والتنبؤ ومواهب طبيعية وهي:
روحية: كالإيمان والرجاء والمحبة والفضائل
عقلية: كالعقل والصحة والفطنة.. وجسدية كالقوة.
مادية: كالمال والشرف والمركز.
وكل هذه تنمو بالاجتهاد وتضمر وتزول بالكسل.
ولا تؤخذ (الآية ۲۷) أنها تحلل الربا، بل هو المثل في أصله أنه كان ممكنًا لذلك العبد أن ينمى الوزنة ولو بأسهل طريق، ولكن الله لا يقصد من ذلك أن يعلمنا أن نكون مرابين، وهكذا من له نشاط وأمانة تزداد مواهبه، ومن كان كسلانًا يضيع ما لديه من المواهب ولو كان قليلًا .
حديث المكافأة: (مت ٢٥: ۳۱- ٤٦)
ختام الأمر كله. لقد نطق الرب سابقًا في (مت ١٦: ۲۷) أن ابن الانسان سوف يأتي في مجد أبيه، وهنا يقول: متى جاء ابن الانسان في مجده. ذلك لأنه هو والآب واحد.
واضح أن الملكوت معد أصلًا للبشر” منذ تأسيس العالم. وان النار معدة أصلًا لإبليس ورفاقه (آية ٤١) فما أجمل أن نتمتع بالملكوت المعد لنا . وها هو هنا يتكلم عن ثمار الحياة “جعت فأطعمتموني، عطشت فسقيتموني، كنت غريبا فآويتموني، عريانًا فكسوتموني، مريضًا فزرتموني، محبوسًا فأتيتم إليّ” أو عكس ذلك للأشرار. وليس معنى هذا أنه لا يطلب الإيمان، بل إنه يطلب الإيمان مع ثمره في الناس. ولنلاحظ أن نیره هین ووصاياه كريمة، اذ لا يقل مريضًا فشفيتموني أو محبوسًا فحررتموني، بل طلب العمل الميسور، وما أكرمه لأن مكافآته عظيمة جدا إذا قورنت بالعمل البسيط الذي قدمناه. ولنلاحظ أن المكافأة الكبيرة هي نتيجة النعمة والرحمة، وأن العقاب هو نتيجة الوقوف قدام الإله خالين من النعمة.
العظة الثالثة لآباء وخدام معاصرون – ليلة الأربعاء
تعالوا إلى العرس – للاستاذ كمال حبيب (المتنيح الانبا بيمن اسقف ملوي)[18]
(مت ٢٢: ٤)
هذه دعوة الله إلينا وهذا در نداء السماء لنا . إن ربنا لم يدعنا إلى حياة أرضية فانية أو ملذات زمنية بائدة وإنما دعوته إلينا أن نتكىء في عرس أبيه السماوي، وهي دعوة تلهب قلب كل مؤمن وتشجعه في جهاده الأرضي كي يدخل إلى حجال الملك ويلقى بشباكه إلى الأعماق. ونحن نريد أن نتأمل في جمال العريس، جمال العروس، جمال العرس، كيف ندخل العرس، بركات الدعوة للعرس .
جمال العريس
إنه أبرع جمالا من بني البشر، جميل في تعاليمه ووصاياه، جميل في حبه وطول أناته، جميل في صفحه واتساع قلبه، جميل في عشرته والإتحاد به.
عندما تذوق النفس حلاوته:
تنشد مع سليمان: “كالتفاح بين شجر الوعر كذلك حبيبي بين البنين. تحت ظله اشتهيت أن أجلس وثمرته حلوة لحلقي”،
وتجوز مع داود في اختباره: “ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب”.
يا لجماله في تأثيره وفاعليته في النفوس.
تحدث مع السامرية فتركت خطاياها لتبشر باسمه،
ظهر لشاول فتحطمت كبرياؤه وانسحقت روحه واستعبد حياته بفرح لصليبه وخدمة اسمه.
نظر إلى لاوي فجذبه من مكان الجباية.
دخل إلى بيت زكا فباع الغني أمواله.
تحدث مع السامرية فتركت خطاياها لتبشر باسمه.
ظهر لشاول فتحطمت كبرياؤه وانسحقت روحه واستعبد حياته بفرح لصليبه وخدمة اسمه.
تلامس معه بولا وأنطونيوس ومقاريوس وألوف من النساك فتركوا العالم وكل ما فيه ليقضوا حياتهم في الهيام بحبه. ولما عاشوا له انطبعت صورته ولغته وجماله عليهم.
فلما رأوا مجاهرة بطرس ويوحنا ووجدوا انهما انسانان عديما العلم وعاميان تعجبوا فعرفوا انهما كانا مع يسوع.
رائحة أدهانه تملأ حياة محبيه، واسمه لهم دهن مهراق، حبه عندهم أطيب من الخمر.. لذته أشهى من العسل والشهد. وإذ تحس النفس بهذا كله تصرخ قائلة ها أنت جميل يا حبيبى وحلو وسريرنا أخضر،
والعجيب في هذا العريس أنه بدون اختبار ذاتي لا جمال ولا منظر نشتهيه، ولكن تخلي القلب عن شهواته يهيئ له مع الآب مسكناً وعندئذ، يتحرك الروح في الداخل وتشتعل النفس بحرارة روحية فيصرخ الانسان الباطن: “ليقبلني بقبلات فمه”.. قبلة المصالحة.. قبلة القداسة … قبلة النعمة التي انسكبت على شفتيه.
جمال العروس
لا تنظرن إلى لكونى سوداء لأن الشمس قد لو حتنيث، هذه هي النفس البشرية التي كانت بيضاء جميلة لأنها مأخوذة من الله إذ هي نفخة من فمه. ولكنها إذ اشتهت أن تكون لها الذاتية المستقلة سقطت؛ فلوحتها شمس برية هذا العالم؛ وبات ضرورياً أن يقول داود عن لسان حال البشرية كلها: هوذا أنا بالآثام حبل بي وبالخطايا اشتهتني أمي، ولكن الله الآب يدبر للنفس فداء فيرسل الابن الكلمة ليتحد بها. وفيه تتم المصالحة: “وأنتم الذين كنتم قبلا أجنبيين وأعداء في الفكر في الأعمال الشريرة قد صالحكم الآن في جسم بشريته ليحضركم قديسين وبلا لوم ولا شكوى أمامه” (کو۱: ۲۱).
وهكذا ينظر الآب إلينا في الابن الذي به سر قلبه فيقول للنفس البشرية” “ها أنت جميلة يا حبيبتي، ها أنت جميلة، عيناك حمامتان”. صارت النفس أمامه جميلة بعدما أحبنا وغسلنا من خطايانا بدمه وجعلنا ملوكا وكهنة لله أبيه.
والعروس إذ أحست بفضل يسوع عريسها لا تطيق أن تبعد عنه، بل تظل تبحث عنه تطلبه راعياً لها يحميها: “اخبرني يا من تحبه نفسي أين ترعى، أين تربض عند الظهيرة، لماذا أنا أكون كمقنعة عند قطعان أصحابك”، وإذ تحس باقترابه منها تناديه أن يضع شماله تحت رأسها ويمينه تعانقها.. يد ترفع مصاعداً في القلب، ويد تقيم سياجاً منيعاً يحميها من الأعداء .
جمال العرس
أي شيء أجمل من العرس الذي قال عنه رب المجد: “أنا ذاهب إلى الآب لأعد لكم مكاناً وحيث أكون أنا تكونون أنتم معي”. هذا هو العرس الذي كشف عنه بولس ليراه فلم يستطع أن يصفه لإعجاز جماله فقال: “ما لم تره عين وما لم تسمع به أذن وما لم يخطر على قلب بشر ما أعده الله للذين يحبون اسمه”.
عرس أعده الرب بذاته لنا.
عرس يكفي أن يكون يسوع عريسه.
عرس تتجدد أمجاده في أبدية خالدة .
عرس هو رجاء كل متعب ومضطهد من أجل اسم المسيح .
عرس أحس به الشهداء في قلوبهم فقدموا نفوسهم للجَلد والرجم والحبس والموت إذ كانوا ينتظرون المدينة التي لها الأساسات التي صانعها و بارئها الله .
لماذا لا ندخل للعرس
والمؤسف حقا انه بالرغم من أن العرس بهيج إلى هذا الحد؛ والعريس فائق الجمال، إلا أن قليلين يريدون أن يدخلوا العرس، فإذا اعتذر لحقله وآخر ببقراته، وثالث بزوجته، وهو أمر يحس به خدام الكلمة عندما يدعون الشباب لاجتماعات درس الكتاب، فهذا يعتذر لضيق وقته، وآخر بعثرته من بعض رجال الدين، وواحد بانكبابه على الدراسة العليا، والحقيقة أن هذه الأعذار غطاء لعذر واحد جوهرى يشترك فيه جميع المعتذرين وهو انشغال القلب عن السماء، وتعلق العروس بأمور الأرض، وعندئذ لا تستطيع أن تشتاق إلى عريسها، إذ لا يستطيع أن يحبه إلا العذارى اللواتي كرمن قلوبهن لحبه .
وسيلة الدخول للعرس
يظن البعض أن الدخول للعرس أمر هين فقد اجترأ واحد ودخل إليه دون أن يلبس لباس العرس فأمر الملك عبيده بطرده. وهذا يوضح لنا خطورة النظرة السطحية للحياة الروحية، إذ يظن البعض أن مجرد انتهائهم إلى بعض الجمعيات أو نشاطهم في مدارس الأحد فقط يضمن لهم دخول ملكوت السموات، ولكن الحقيقة انه ليست هناك سوى وسيلة واحدة للدخول إلى العرس وهى خلع الانسان العتيق.. خلع الحلة القديمة التي عشنا بها بين خنازير الابن الضال کی یلبسنا ربنا يسوع ذاته فيكون لنا الانسان الجديد.هذه هي الحلة الملوكية المنعم لنا بها من السماء. وهى حلة تستر خزينا وتفتح باب العرس أمامنا “أنا هو الباب، إن دخل بي أحد فيخلص ويدخل ويخرج ويجد مرعى” (يو۱۰: ۹).
بركات الدخول للعرس
الذين ذاقوا حلاوة سكنى يسوع في القلب يدركون بركات الدخول للعرس، إذ يحسون بتجديد الفكر والقلب والحواس إلى الحد الذي فيه لا يستطيعون أن يخطئوا، وهكذا تفرحهم أنوار أورشليم السمائية التي بدأت تنكشف لهم وتبهجهم أنغامها العذبة التي بدأت آذانهم تسمعها، وتصير حياتهم كحياة مريم التي اختارت النصيب الصالح، وآثرت الجلوس عند قدمي يسوع، وإذ بالمحبة التي التهب بها القلب تطرح كل خوف وتدفعه إلى أن يتكئ في حضن يسوع الحبيب، أما النفس فهي لا تطيق أن تدخل العرس وحيدة وإنما تسرع إلى الآخرين تناديهم لينعموا معها بمذاق العشرة الروحية، وهكذا تقول النفس في نشيد الانشاد: “إجذبني وراءك فنجري، وكذا الروح والعروس يقولان تعال، ومن يسمع فليقل تعال”.. وهكذا يكون السعي نحو خلاص النفوس وإيصالها إلى العرس علامة هامة من علامات تلامس الذات مع يسوع صاحب العرس .
العظة الرابعة لآباء وخدام معاصرون – ليلة الأربعاء
مثل عرس ابن الملك – للمتنيح أبونا لوقا سيداروس[19]
“وجعل يسوع يكلمهم أيضاً بأمثال قائلاً: يشبه ملكوت السموات إنساناً ملكاً صنع عرساً لابنه، وأرسل عبيده ليدعوا المدعوين إلى العرس، فلم يريدوا أن يأتوا، فأرسل أيضًا عبيداً آخرين قائلاً: قولوا للمدعوين: هوذا غذائي أعددته، ثيراني ومسمناتي قد ذبحت، وكل شيء معد، تعالوا إلى العرس. ولكنهم تهاونوا ومضوا، واحد إلى حقله، وآخر إلى تجارته، والباقون أمسكوا عبيده وشتموهم وقتلوهم. فلما سمع الملك غضب، وأرسل جنوده وأهلك أولئك القاتلين وأحرق مدينتهم. ثم قال لعبيده: وأما العرس فمستعد، أما المدعوون فلم يكونوا مستحقين. فأذهبوا إلى مفارق الطرق وكل ما وجدتموه فأدعوه إلى العرس فخرج أولئك العبيد إلى الطرق، وجمعوا كل الذين وجدوهم أشراراً وصالحين. فأمتلأ العرس من المتكئين. فلما دخل الملك لينظر المتكئين، رأى هناك إنساناً لم يكن لابساً لباس العرس فقال له: يا صاحب كيف دخلت إلى هنا وليس عليك لباس العرس؟ فسكت حينئذ قال الملك للخدام أربطوا رجليه ويديه، وخذوه واطرحوه في الظلمة الخارجية. هناك يكون البكاء وصرير الأسنان. لأن كثيرون يدعون وقليلون ينتخبون”. (مت ٢٢: ١- ١٤)، (لو ١٤: ١٦- ٢٤).
من الحقائق المسيحية المشبعة للنفس التي كشفها الرب يسوع بالكلمة أن ملكوته السماوي مثل عرس أبدى وفرح لا ينقطع، ونحن مدعوون لا أن نعي الحقيقة الروحية بالذهن فقط، بل أن نحيا بمقتضاها ونبني حياتنا على أساسها.
فنفوس المؤمنين المفديين بدم المسيح والمغسولين بالمعمودية مدعوة للدخول إلى الفرح الأبدي، وهى دعوة ليس لعنصر الاستحقاق مكان فيها ولكن النعمة هي صاحبة الفضل الأول، وما على النفس سوى قبول النعمة والحياة بمقتضاها. والتمتع والشركة هما حالة النفس التي تصير فيها. ومن العجب أن نفوس كثيرة تكتفى بإدراك الحقائق الإيمانية بحسب الذهن البشرى وتعتبر أن حفظها بالعقل هو بلوغ غاية الحقائق الإيمانية، ولكن ليس الأمر كذلك، فمعرفة الحقائق الإيمانية لا يضمن للنفس الدخول إلى الملكوت، فالشاب الغنى حفظ الوصايا منذ حداثته ولكنه لم يحيا بمقتضاها وعندما دخل امتحان محبة الله من كل القلب ومن كل الفكر ومن كل الحواس… سقط لحاله ومضى حزيناً لأنه كان ذا أموال كثيرة، سيطرت على مراكز الحب في قلبه واستحوذت على عاطفته الداخلية وحالت بينه وبين محبة الله إذ لم يستطيع أن يخدم سيدين، فلازم الواحد واحتقر الآخر كقول الرب، وكان أن وقف خارجاً، وقف خارج الملكوت.
الأمر إذن ليس كل من يقول: “يا رب يا رب” ولا كل من وعى بعقله كل حقائق الإيمان ولو صار معلماً وملقناً لها يستحق الدخول، ولكن كل من صارت له شركة التمتع والحياة وكل من أنضج ثمر الإيمان وبالأعمال برهن الإيمان إذ أن الإيمان بدون أعمال ميت في ذاته .
المدعون الرسميون:
أول ما يلفت الذهن في هذا المثل هذه العينات من المدعوين وكيف أنهم جميعاً صاروا يعتذرون عن الحضور كل بحسب العذر الذى رأى أن يقدمه.
فجميعهم برأي واحد وفكر واحد استعفوا، وجميعهم فضلوا ما يخصهم من باطل الأعمال ومن زوال العالم ومتعه وشهوته على أن يدخلوا إلى الفرح.
والواقع أنهم حسبوا أنفسهم أنهم يعيشون في فرح فما حاجتهم إلى عُرس ابن الملك؟ حسب الذى تزوج بامرأة، أن يفرح، هذا الفرح صار كافياً له واستغنى به عن الفرح الآخر وذاك الذى حسب أنه اشترى خمسة أزواج البقر وهو ماض ليمتحنها عاقة هذا العمل عن المشاركة في العرس إذ لا يستطيع أن يوفى مطاليب الاثنين معاً. والآخر الذى ربط قلبه بقطعة من الأرض برباط الملكية القاتل، صار فرحاً بما ظنه امتلاك واقتناء فاكتفى بالنصيب الترابي يفرح بالنظر إليه وصار غير قادر على متابعة الحركة نحو السمائيات والفرح الأبدي .
ولكنهم تهاونوا:
القديس متى يضيف عنصراً آخر يكشف به دواخل الذين حرموا أنفسهم من الانضمام إلى فرح العرس الأبدي… ويقول أنهم تهاونوا، استهانوا بالدعوة. لقد شبه ربنا ملكوته كمن وجد كنزاً مخفياً في حقل، فمن الفرح مضى وباع كل ما كان له واشترى ذلك الحقل، أو كمن يتاجر في اللآلئ الثمينة متى وجد لؤلؤة واحدة كثيرة الثمن مضى وباع كل ما له واشتراها. فالملكوت إذن هو اكتشاف خطير، يتبعه تفريط تلقائي في كل ما كان يحسبه الإنسان ربحاً أو نجاحاً أو امتلاكاً أو تجارة أو ارتباط أو فرحاً إلى آخر هذه الأمور. وألا يظل الإنسان متمسكاً بما عنده ويصير مستحيلاً عليه أن يفرط في شيء ولو كان تافهاً أو حقيراً .
والباقون أمسكوا عبيده وشتموهم وقتلوهم:
هذا موقف آخر من مواقف الرافضين لدعوة الملكوت، هؤلاء الذين قابلوا الإحسان الإلهي والمحبة الحانية ليس بالرفض فقط بل بالجحود والنكران، وعبيد الله الحي، خدامه الكارزين بإنجيل الخلاص كم لاقوا من إهانات، وكم عانوا ويعانون من اضطهادات؟ وقد شهد استفانوس رئيس الشمامسة وأول الشهداء أمام مجمع اليهود قائلاً: “أي الأنبياء لم يضطهده آباؤكم؟ وقد قتلوا الذين سبقوا فأنبأوا بمجيء البار” (أع ٧: ٥٢).
هذا المسلك ينطبق أيضاً على المجدفين، والناكرين للإيمان والمحتقرين للكلمة والذين يشككون في صدق مواعيد الله الذين ازدروا بخدمه وأهانوا عبيده حرموا من الدخول إلى الوليمة السمائية ونالوا عقاباً أبدياً، وكذا الذين لم يخضعوا ليطيعوا الكلمة ويقبلوها كدعوة سمائية، وكذلك أيضاً الذين تهاونوا بها .
هذا ما عبر به الرب قائلاً: “فلما سمع الملك غضب وأرسل جنوده وأهلك أولئك القاتلين وأحرق مدينتهم”.
دعوة:
قال الرب: ان كثيرين يدعون وقليلون ينتخبون … فالدعوة وجهها الرب للجميع… قائلاً: “ما جئت لأدعوا أبراراً بل خطاة إلى التوبة”، فإن كان قد وجه دعوته للخطاة فماذا يكون بعد… وليس مثل الرب الهنا الكريم في سخائه حتى أنه يقول “تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم… من يقبل إليّ لا أخرجه خارجاً”.
على إننا لابد أن ننتبه إلى شرف الدعوة التي دعينا إليها، فالذي دعانا إلى مجيئه الأبدي وعرسه السماوي هو الآب نفسه. فكيف نتهاون أو نتكاسل؟ أو كيف نعتذر أو نتخلف؟ أي شرف يكون للإنسان إذا دعاه ملك أرضي أو رئيس لكى يجلس إلى مائدته ويتعشى معه؟. وماذا يقال عن إنسان يكرمه الملك ويشرفه بدعوته، وهو يتهاون ولا يقيم للدعوة اعتباراً بل يتهاون ولا يذهب؟
وصف مبهر للعرس:
سفر الرؤيا يقدم لنا وصفاً مبهراً للعرس الأبدي في الإصحاح التاسع عشر” وخرج من العرش صوت قائلاً: سبحوا لإلهنا يا جميع عبيده الخائفيه، الصغار والكبار! وسمعت كصوت جمع كثير وكصوت مياه كثيرةً، وكصوت رعود شديدة قائلة: هللويا! فإنه قد ملك الرب الإله القادر على كل شيء. لنفرح ونتهلل ونعطه المجد! لأن عرس الخروف قد جاء، وامرأته هيأت نفسها. وأعطيت أن تلبس بزاً نقياً بهياً، لأن البز هو تبريرات القديسين. وقال لي: أكتب: طوبى للمدعوين إلى عشاء عرس الخروف! وقال: هذه هي أقوال الله الصادقة” (رؤ ١٩: ٥– ٩).
فعرس ابن الملك، هو عرس الابن الوحيد الجنس، ابن الآب بالحق والمحبة، هو عرس الخروف القائم كأنه مذبوح، وعروسه هي الكنيسة التي اقتناها بدمةً، ذبح واشتراها من كل لسان وشعب، وقد أعطيت أن تلبس بزاً نقياً، الذى هو تبررات القديسين الذين بررهم بدمه الذكي… والعرس عرس أبدي، لا ينتهي فيه الفرح لأنه فرح المسيح الخاص الذي لا يشوبه حزن ولا كدر، حقاً طوبى للمدعوين إلى عشاء عرس الخروف، يطعمهم المن المخفي ويسقيهم من ينبوع الماء الحى ويقتادهم ويشرق عليهم إلى أبد الآبدين، لك أن تتأمل ذاتك أيها الحبيب مدعوًا ومتكئاً في الوليمة السمائية في الثياب البيض، في المجد الأبدي، هل يقارن بهذه الكرامة فرح في العالم مهما بلغ؟.
أما العرس فمستعد:
من جهة الله فهو مستعد دائماً، ملكوته الذى ادخره لمختاريه، قد أعده قبل إنشاء العالم، ذبيحته الإلهية التي فيها الكفاية، لتقديس المدعوين وشبع النفوس الجائعة، قد أكملها ربنا يسوع المسيح بكل مطاليبها بلا نقصان، إلى أن قال على الصليب: “قد أكمل”. كل شيء معد، والملكوت مستعد أما العيب فكان في المدعوين، الذين تهاونوا واستهانوا وأساءوا إلى العبيد الذين وجهوا لهم دعوة سيدهم، فهل يبقى العرس بلا مدعوين؟. إن رفض أناس ذبيحة المسيح، وحبه الحاني وعطية جسده المقدس ودمه الكريم، فهل يصير الصليب بلا ثمر؟ حاشا.
“جاء إلى خاصته وخاصته لم تقبله” فماذا كان، أعلن الرب حبه للأمم، ودعا التي ليست محبوبة محبوبة، “وكل الذين قبلوه أعطاهم سلطان أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنين باسمه” كان رفض المدعوين الرسميين مصالحة للعالم، وقبولاً للأمم، ودخولاً للمساكين إلى العرس الإلهي.
رحمة الله المتناهية:
ظهرت نعمة الله مخلصنا لجميع الناس، حينما أرسل رسله الأطهار، عبيده وخدام كلمته، إلى شوارع المدينة، أزقتها، ليدخلوا بكل من يجدونه إلى الفردوس أبراراً وخطاة على السواء، وهكذا ما قاله المسيح في هذا المثل بالفعل حين قام من الأموات ونفخ في وجه تلاميذه القديسين قائلاً لهم: “أمضوا وتلمذوا جميع الأمم، وعلموهم جميع ما أوصيتكم به وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس”، وأعلمهم أنهم يكونوا له شهوداً في أورشليم واليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض فخرج الرسل وجالوا مبشرين بالكلمة وكمل كلام المرنم الذين لم يسمع لهم صوت إلى أقطار المسكونة بلغت أقولهم”.
كرزوا بالخبر السار ونادوا ببشارة الإنجيل كدعوة للعرس الأبدي، وأدخلوا كل من وجدوه إلى شركة الفرح، إلى حظيرة الخراف، إلى الكنيسة، وقدموا الوليمة السمائية، ذبيحة المسيح، سر الفرح والشبع، لكل الداخلين، الذين لم يكونوا مدعوين أو مستحقين، الذين لم يكونوا شعباً، أما الآن فشعب مختار كهنوت ملوكي شعب اقتناء لكى يخبروا بفضائل الذى دعاهم من الظلمة إلى نوره العجيب. كمثل كلام الحكيم سليمان، “الحكمة بنت بيتها بأعمدة أسرار الروح السبعة، ذبحت ذبائحها مزجت خمرها في البواطي المقدسة”.
طوبى للمدعوين الجدد، الذين ما أن سمعوا بالخبر السار حتى قبلوه بفرح، وما أن دعاهم بصوته الحنون حتى تركوا كل شيء وتبعوه، فأدخلهم إلى كنيسته مسكن الفرح يغذيهم ويطعمهم خبز الحياة وكأس الخلاص.
اشتروا … ولكن مجاناً !!
العرس عرس ملوكي له قواعده وله ترتيبه السماوي وله أصوله الدخول والخروج، وأصول البقاء في البيت الملك والتقرب إليه، ليس لأن كل شيء مجاناً وبلا ثمن من جهة المدعوون فيصير رخيصاً أو مبتذلاً؟ حاشا، بل على العكس تماماً، لأن كل ما للإنسان يعتبر كلا شيء وبلا قيمة ولا يؤهل الإنسان لدخول الوليمة السمائية، لذلك لا يطلب من الإنسان فضة أو ذهب من سيرته الباطلة ليكون مستحقاً للدخول، وهذا معناه أن الإنسان بذاته عاجز تماماً عن بلوغ الدخول إلى الملكوت، ولكنها أولاً وأخيرًا نعمة مجانية، ومرة أخرى بلا فضه أو ذهب ولكن لا بد أن يشترى الإنسان مجاناً، بمعنى أن يظهر بالإرادة المطلقة خلوص نيته في الاحتجاج، جوعاً وعطشاً إلى البر، وفقراً نحو غنى المسيح البار الذى يبرر كثيرين، وشوق ولهفة نحو العطية رغم أنها مجانية ولكن ثمنها دم المسيح معروفاً سابقاً قبل تأسيس العالم .
هكذا ما يمكن أن نفهمه من نبوات إشعياء النبي “أيها العطاش جميعاً هلموا إلى المياه، والذى ليس له فضة تعالوا اشتروا وكلوا. هلموا اشتروا بلا فضة وبلا ثمن خمراً ولبناً” (إش ٥٥: ١).
لباس العرس:
على هذا القياس نفهم كيف يدخل إنسان شارع المدينة لأزقة إلى حفل الملك العظيم، إنه يتغير عن شكله تمامًا، حال دخوله من الباب الذي هو المسيح، المسيح هو باب الخراف والذى يدخل يدخل به، ولباس العرس هو ثياب البر الذى للمسيح، ثياب بيضها بدمه، اشترها بصليبه، ما أبهظه ثمن وما أغلاها ثياب، هي معموديتنا، أغلى ما لنا في المسيح، كلها نقاء، كلها قداسة، نأخذها عند باب الكنيسة، هي المدخل إلى العرس ندخل إلى جرن المعمودية، بطن الكنيسة الذى لا يشيخ فنولد من الماء والروح، ونلبس المسيح، “أنتم الذين اعتمدتم للمسيح قد لبستم المسيح” وهذا يسبقه، خلع القديم، موت القديم، خلعتم الإنسان العتيق الفاسد الذى يفسد كشهوات الضلالة، ولبستم الجديد الذي يتجدد للمعرفة حسب صورة خالقه .
ليس عليه ثياب العرس:
عندما دخل الملك لينظر المدعوين، يشرق عليهم ويحل فوقهم، رأى إنساناً ليس عليه ثياب العرس، بكل تأكيد لا يستطيع أن يختفي، إنه مثل النشاز في وسط لحن جميل، أو كبقعة داكنة السواد في وسط ثوب ناصع البياض يبدوا هكذا منظره كئيباً في وسط الفرح، غريباً عن القطيع، كمثل الماعز في وسط الخراف .
بادره الملك بالسؤال، كيف دخلت إلى هنا، وليس عليك ثياب العرس؟ وهذا معناه أنه لم يخلع جسم البشرية بالموت لم يختبر الصليب، ولا لبس حلة الخلاص وثياب البر فصار في خزى العراة .
كيف تثبت الطبيعة الفاسدة في عدم الفساد؟.
وكيف تعيش البشرية الساقطة في القيامة؟.
أو كيف يرث المائت عدم الموت؟.
هذا شيء يفوق الخيال.
الذين في السماء لهم ثياب بيض، غسلوها وبيضوا مراراً وتكراراً في دم المسيح، الينبوع الدائم للخلاص، وهذا الإنسان ليس له الثياب أصلاً ؟ كيف يستقيم هذا، الأبرار حرصوا على نظافة الثياب لكى لا تتسخ، أما هذا فعريان من ثياب النعمة تماماً. القديسون بكوا دموع التوبة العمر كله، فصارت لهم دموعهم معمودية دائمة للغسيل وتطهير القلب والضمير.
وحزنوا لأقل دنس وقع على ثيابهم ولو شبه شر عكر صفو طهارتهم الناصعة، فبقت ثيابهم كأنها مغسولة توًا في الدم والماء بشهادة الروح وصدق الضمير. أما هذا فلم يحصل حتى على الثوب، فلم ينعم بستر العلى ولا ظل القدير أنه كمثل سارق لم يطلع من الباب، لم يجتز المعمودية ولم ينل الصبغة المقدسة .
فسكت:
قال له يا صاحب كيف دخلت إلى هنا وليس عليك ثياب العرس؟ فسكت … إنها دينونة رهيبة انعقد اللسان من الرهبة ومن هول الموقف لم يستطع الكلام، لقد انتهى الكلام جملة. كمن يقول للجبال اسقطي علينا وللآكام غطينا.
سكوت الخوف سكوت العرى .
سكوت الخزى الذى لا ينتهى .
سكوت المحكوم عليه بالموت .
بماذا يجاوب؟ أمام النور الذى لا يدنى منه، والحق المطلق، هكذا تكون الدينونة للخطاة، وهكذا يكون موقف الخطاة، حين يسد كل فم ولا يستطع الكلام .
مجازاة عادلة:
صار أمر الملك لعبيده ، أن يطرحوه خارجاً، حيث البكاء وصرير الأسنان، إذا لا يمكن أن يبقى في المجد أو يدوم في الملكوت، ولأنه لا يدخله شيء نجس أو دنس ولا كل من يصنع كذباً، يا للنصيب التعس الذى صار لهذا المقتحم ظنا أن يحيا بذاته ويسلك بهواه ولم يقبل أن يخضع نفسه ويضعها ويطيع وصايا الذى دعاه، بل صار مثل يهوذا، كأن يدخل لينظر وقلبه ضمر له شراً، ما اتحد بالمسيح ولا عاش له، بحسب المظهر الخارجي كان محسوباً أنه مدعو وأنه داخل العرس، ولكن بحسب الجوهر لم يلبس ثياب العرس ولا استحق أن يلبسه فينعم به، لذلك طرح خارجاً، كان يهوذا محسوباً مع الأحد عشر ولكن صارت داره خراباً ووظيفته أخذها آخر، أما هو فانشق في الوسط وانسكبت أحشاؤه .
قال الملك للخدام اربطوا رجليه ويديه وخذوه واطرحوه في الظلمة الخارجية هناك يكون البكاء وصرير الأسنان .
الموضوع اذن ليس مجرد حرمان من العرس الأبدي والفرح السماوي فحسب، بل قيود أبدية في الظلمة الخارجية، وبكاء لا ينتهى وصرير الأسنان، لابد للإنسان أن يتفكر فيها جيداً .
فإن كنا دعينا إلى ملكوت المسيح، وبلغت إلينا دعوته، فنسلك كما يحق للدعوة التي دعينا إليها بكل تواضع القلب وإن كنا قد ائتمنا على ثوب العرس فلبسناه في المعمودية، فلنحرص عليه أشد الحرص أن يبقى نقياً طاهراً ولنغسل ثيابنا ونبيضها في دم الحمل باعترافنا الدائم ودموع توبتنا، وإن كان موضوع العرس هو مكاننا الطبيعي وفرحنا الدائم، فلا تميل نفوسنا إلى ولائم أخرى يجهزها العالم ويخبئ فيها الشيطان سم الموت .
العظة الخامسة لآباء وخدام معاصرون – ليلة الأربعاء
يوم الثلاثاء من البصخة المقدسة – للمتنيح القمص تادرس البراموسي[20]
بركتها على جميعنا أمين
مضى الرب يسوع له المجد يوم الثلاثاء إلى مدينة أورشليم كعادته ليعلم في الهيكل فرأى تلاميذه وهم في الطريق. أن التينة التي لعنها الرب يسوع بالأمس قد نشفت تماماً فتعجبوا وأزداد أيمانهم بالرب يسوع فكلمهم عن الأيمان وثماره.
كان اليهود ينظرونه ليس لأنهم تعلقوا به بالأيمان. بل لكي يصطادوه بكلمة ويقدمونه للمحاكمة، وعادوا سألوه بمكر بأى سلطان تفعل هذا ومن أعطاك هذا السلطان؟.. قصدوا بهذا استفزازه، فكروه مثل البشر ينزلق لسانه، لكن رب المجد رد على سؤالهم قائلاً: معمودية يوحنا من الله أم من الناس، ثم ضرب لهم مثل الابن الضال، ومثل الكرامين الأشرار، وعرس ابن الملك، ولرغبتهم في اصطياده بكلمة عن جواز أعطاء الجزية لقيصر، فسألوه الصدوقيين عن القيامة والناموس والوصية العظمى في الوصايا، فأظهر لهم ريائهم، ثم حزر الجموع من خبثهم فهم يظهرون خلاف ما يبطنون، ثم مدح المرأة الأرملة التي ألقت فلسين في الخزانة وقال أنها أعطت أكثر من هؤلاء لأنها ألقت كل معيشتها.
أشار التلاميذ بفخر عن الهيكل وعظمته وكيف تم بناءه في ٤٨ سنة فأنبأهم الرب يسوع بخراب هذا الهيكل وأنه لا يترك فيه حجر على حجر ألا وينقض، وكلمهم عن اضطهاد اليهود لهم في أورشليم، حزن الرب يسوع على خراب اورشليم لعدم طاعة اليهود فيها.
وبعد هذه الأحداث صعد الرب يسوع إلى جبل الزيتون وجلس حوله تلاميذه وابتدأ يشرح لهم ترتيب الحوادث وعلامات مجيئه التاني وخراب أورشليم وقلب الأمة اليهودية وإزالة نظامها ومجيئه الأخير في يوم الدينونة والحث على الاستعداد والسهر، وذكرهم بمثل العذارى الحكيمات ومثل الوزنات، لم يترك الرب يسوع شيء ألا وأعلم تلاميذه به.
ثم قال لهم بعد يومين يكون الفصح وأبن الإنسان يسلم لأمة اليهود ليصلب. قال هذا ومضى إلى بيت عنيا ليستريح.
تنبأ الرب يسوع عن خراب الهيكل وهدمه، فقد هدم الهيكل على يد تيطس الملك سنة سبعين ميلادية، وأجتهد الإمبراطور يوليانوس ليبنيه مرة أخرى في سنة ٢٦٣م لم يقصد بنائه للخير بل أراد أن يكذب نبوة السيد المسيح له المجد على خرابه فذهب اجتهاده مهب الريح، وعبثاً حاول ذلك هو أو غيره لأنهم كانوا عند بناءه الذى يبنونه اليوم يجدونه مهدوم غداً، وقد صدق قول الرب حينما قال السماء والأرض يزولان لكن كلامى لا يزول.
كان اليهود يعتزون جداً بالهيكل وبناء الهيكل وكانوا يفخرون به بين الأمم وكان في ظنهم لا يقدر أحد على هدمه أو مجرد لمسه مهما كان نوعه أو جنسه وفى اليوم العاشر من الشهر الخامس من سنة سبعين ميلادية قام الروم وأحرقوا الهيكل بالرغم من يعطي صراخ في وجههم أن لا يمسوا الهيكل ولا يقتربوا من قدس الأقداس، لكن أحد مستشاري الملك رفض هذا الأمر وقال إن لم يحرق قدس الأقداس لا نستطيع العيش في وسط اليهود، إن الهيكل أحترق زجوا بأنفسهم في النار وقالوا ليس لنا عيش بعد احتراق الهيكل وبهذه الطريقة قد أنتهى الكهنوت اللاوي كما قال الرب بسوع يؤخذ منهم الكرم ويعطى لأمة تصنع أثماره.
تبارك الله الذى نزل وتجسد وأحتمل الآلام لأجل أدم وبنيه، وهيأ لنا الحياة ووعدنا أن يكون لنا الميراث لو تألمنا معه لأنه مكتوب بضيقات كثيرة ينبغي لنا أن ندخل ملكوت السموات. والمجد لإلهنا الصالح إلى الأبد آمين.
العظة الأولى
أ – وعد الرب وتسليم القلب.
ب – هلاك الخطاة وقطع الرجاء.
ج – عجز الإنسان وحكم الديان.
د – إعلان الأسرار وإشعال النار.
هـ – تحوير الكلام وفقد السلام.
و – تعريف الحقيقة ونبوات العتيقة.
ذ – بعد الأفكار وحيرة الأشرار.
ح – تحديد المصير في يد القدير.
ط – هدف الخلاص وتحديد القصاص.
ى – إنكار الحقيقة والأقوال الذميمة.
ل – عدم الفهم وأجلاب الغم.
م – إعلان الحق ومن تركه عاق.
ن – الرأي المنفرد والحق المفقود.
ك – الرأي والمشورة جوهرة مصرورة.
س – يوم الخلاص والدعوة للعام والخاص.
العظة الثانية
أ – النور المعلن والشر المبهم.
ب – طريق النور وأصل السرور.
ج – هدف الأتباع ونعم المتاع.
د – شهدة القدير ونعمة التبرير .
هـ – مقاومة الأعداء وأصل الداء.
ذ – شهوة الأجساد ولعنة الأبعاد.
ح – رسالة ورسول تسبي العقول.
ط – عدم المعرفة وعقول متخلفة.
ى – أقوال الحكماء وجهل الأغبياء.
ك – لم تكن النهاية لان لها بداية.
ل – شر الأشرار ونعمة الأخيار.
م – الظلمة مصير من يبعد عن التبرير.
ن – نور وضياء وهلاك الأغبياء.
ي – هلم إلى التوبة لتكن أسماءنا مكتوبة.
العظة الثالثة (مت ٢٤ – ٣ – ٣٥)
أ – جلوس على انفراد وسؤال عن وعد الأب.
ب – على جبل الزيتون وكيف الحال يكون.
ج – متى يكون المجيء ونغلب الأركون.
د – قال الأمين احترسوا من المضلين.
هـ – تكثر الحكايات وتتغير النيات.
و – يلبسون ثياب الحملان، البعد عنهم أمان.
ذ – لا تهزمكم الحروب ولا تيأسوا من المكتوب.
ح – الحزر من الانشقاقات لأنها شرخ في العائلات.
ط – ليس المنتهى قريب فلا يضلكم الغريب.
ى – العثرات الكثيرة والأقوال الشريرة.
ك – أحذروا من الضلالة فتكونوا أتعس حالة.
ل – برود المحبة خطير تتسلط على البار والشرير.
م – ما أجمل الصبر إلى أن تدخل القبر.
ن – الكرازة بالملكوت ويأتي المنتهى.
س – طوبى لمن يكون له نصيب في القيامة التانية.
العظة الرابعة (مت ٢١ – ١ – ٢)
أ – السفر والتحصيل والعبد الأمين .
ب – سيد وعبيد وأمانة وتجديد.
ج – تجارة وشطارة والجهال حيارى.
د – مستويات وأرباح الوزنات.
هـ – وزنات وأرباح وسهر وكفاح.
و – كسل وهفوات وضياع الوزانات.
ذ – وقفت الرابحين وأكرام الناجحين.
ح – وقفت الخاسرين والحزن والأنين.
ط – فرحت الأرباح وتاج الكفاح .
ى – مكافأة الفائزين وزيادة الرابحين.
ك – خيبة الكسلانين وفى الجهل عائشين.
ل – أسلوب العصاة والرد بجفاء.
م – العبد الشرير جزاء الخنازير.
ن – تمييز الجداء عن الخراف وسماحة العطاء.
س – العطاء في المياه والحصاد بسخاء.
ع – الوقوف يوم الدينونة يحتاج إلى معونة.
العظة السادسة لآباء وخدام معاصرون – ليلة الأربعاء
عرس ابن الملك – للأرشيدياكون بانوب عبده[21]
(مت ٢٢: ١- ١٤)
كان السيد المسيح يعلم في الهيكل في يوم الثلاثاء الأخير من حياته على الأرض، فتقدم إليه رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب قائلين “بأي سلطان تفعل هذا”، ولما أحرجهم بسؤاله عن معمودية يوحنا إن كانت من السماء أو من الناس ولم يحيروا جواباً، رفض هو بدوره أن يجيبهم علي سؤالهم.
ثم استطرد يحذرهم بالأمثال مِن التمادي في عصيانهم، فضرب لهم مثل الابنين، ثم مثل “الكرم والكرامين” (مت ٢١: ٢٨- ٤٤) ومنها عرفوا أنه تكلم عليهم، وقد حملهم الغيظ أن يفكروا في مسكه، ولكنهم “خافوا من الجموع لأنه كان عندهم مثل نبي” (مت ٢١: ٤٦)،وإذ ذاك ضرب لهم مثله الثالث الوارد في فصل الأنجيل، وفيه تكلم عن دعوتهم إلى وليمة الأنجيل، وقصاصهم لتهاونهم في تلبيتها، ثم توجيهه الدعوة إلى الشعوب الأخرى ليحضروها، وحرصه على ألا يكون بين حاضريها من غير أهل لها.
دعوته الرؤساء إلى العرس
“وجَعَلَ يَسوعُ يُكلِّمُهُمْ أيضًا بأمثالٍ قائلاً: “يُشبِهُ ملكوتُ السماواتِ إنسانًا مَلِكًا صَنَعَ عُرسًا لابنِهِ، وأرسَلَ عَبيدَهُ ليَدعوا المَدعوِّينَ إلَى العُرسِ، فلم يُريدوا أنْ يأتوا. فأرسَلَ أيضًا عَبيدًا آخَرينَ قائلاً: قولوا للمَدعوِّينَ: هوذا غَدائي أعدَدتُهُ. ثيراني ومُسَمَّناتي قد ذُبِحَتْ، وكُلُّ شَيءٍ مُعَدٌّ. تعالَوْا إلَى العُرسِ!” (مت ٢٢: ١- ٤).
استخدام الأمثلة:
يقول البشير في مطلع هذا الفصل من الأنجيل إن السيد المسيح جعل يكلم رؤساء الكهنة والفريسيين بالأمثال، واستخدامه الأمثال لأول مرة، وكان قبلاً يقتصر على العظات، هو أسلوب جديد في التعليم يرمي من ورائه في الظروف العادية إلي إفادة سامعيه، أما هنا فيرمي إلى تحقيق غايات أخرى منها أن الفريسيين ما كانوا يستحقون سماع تعليمه لِعَنَتِهم ودغلهم، ودليل ذلك قوله لتلاميذه “قد أعطي لكم أن تعرفوا سر ملكوت الله، وأما الذين من خارج فبالأمثال يكون لهم كل شيء” (مر ٤: ١١)، ومنها أن ما كان يتكلم عنه بالمثل لم يأت وقته، فصوره بصورة خفية حتى إذًا ما حان وقته اتضحت حقيقته، ومنها أنه قصد أن يشغل أذهانهم في تفهم كلامه ليمنعهم من توبيخه وليكسر حميتهم .
وليمة الإنجيل:
بدأ مخلصنا المثل بقوله “يشبه ملكوت السموات إنساناً ملكاً صنع عرساً لابنه”، فسمي بشارته ملكوت السموات لأن من يعمل بها يصل إلى الملكوت، وشبهها بعرس أقامه ملك لابنه، فالملك هو الله الآب، وتشبيهها بالعرس هو للدلالة على الفرح بما فيها من نعم، لأنها بشارة غفران ومصالحة مع الله، بشارة سلام ورجاء، بشارة مواعيد سماوية وتقوية من الروح القدس، وهذا ما جعل الرائي يشير إليها بقوله “لنفرح ونتهلل ونعطه المجد لأن عرس الخروف قد جاء وامرأته هيأت نفسها”(رؤ ١٩: ٧)، بل طوب المدعوين إليها بقوله “طوبى للمدعوين إلى عشاء عرس الخروف” (رؤ ١٩: ٩).
دعوة الرؤساء إليها:
وبعد إعداد العرس أرسل الملك عبيده، ويراد بهم الأنبياء، إلى المدعوين وهم اليهود ليشهدوا الوليمة فرفضوا، فعاد وأرسل عبيداً آخرين، ويراد بهم يوحنا المعمدان أولاً ثم السليحون ثانياً، وهم الذين أرسلهم له المجد قائلاً “إلى طريق الأمم لا تمضوا وإلى مدينة للسامريين لا تدخلوا بل اذهبوا بالحري إلى خراف بيت إسرائيل الضالة” (مت ١٠: ٥- ٦)، وأغراهم على حضورها بتعداد الأشياء التي يسارع الناس إلى مثلها، إذ قال “هو ذا غذائي أعددته ثيراني ومسمناتي قد ذبحت وكل شيء معد”، أي قد تم كل ما تنبأ به الأنبياء خاصاً بالفداء، وهذه الدعوة سبق أن نادت بها الحكمة، ويراد بها السيد المسيح في سفر الأمثال حيث قيل فيه “الحكمة بنت لها بيتاً ، ونصبت فيه سبعة أعمدة، وذبحت ذبائحها، ومزجت خمرها في الأواني، أيضاً رتبت مائدتها، أرسلت عبيدها لينادوا بصوت عال على الزوايا، من كان جاهلًا فليأت إليّ، وناقصوا الفهم قولوا لهم هلموا كلوا من خبزي واشربوا من الخمر التي مزجتها لكم، اتركوا عنكم الجهل لتحيوا، اطلبوا الحكمة لتعمروا” (أم ٩: ١-٦).
قصاصه للمستهينين بها :
“ولكنهُمْ تهاوَنوا ومَضَوْا، واحِدٌ إلَى حَقلِهِ، وآخَرُ إلَى تِجارَتِهِ، والباقونَ أمسَكوا عَبيدَهُ وشَتَموهُمْ وقَتَلوهُمْ. فلَمّا سمِعَ المَلِكُ غَضِبَ، وأرسَلَ جُنودَهُ وأهلكَ أولئكَ القاتِلينَ وأحرَقَ مَدينَتَهُمْ.” (مت ٢٢: ٥- ٧).
تنكيلهم بالداعين:
ومع أن مختلف المغريات في هذا العرس كانت متوفرة، إلا أن المدعوين ما اكتفوا قط بالرفض، بل تهاونوا ومضوا واحد إلى حقله وآخر إلى تجارته، وكأن بولس الرسول كان يقصدهم وأمثالهم من المستهينين حين أنذرهم قائلاً “فكيف ننجو إن أهملنا خلاصاً هذا مقداره قد ابتدأ الرب بالتكلم به ثم تثبت لنا من الذين سمعوا” (حب ٢: ٣)، وأدهى من ذلك وأمَّر أن بقية المدعوين “أمسكوا عبيده وشتموهم وقتلوهم”، أي أن رؤساء الكهنة والمقدمين الذين لا عمل لهم، قاموا على التلاميذ فشتتوهم وقتلوهم، فاسطفانوس رجموه، وجماعة المؤمنين طردوهم من المدينة، وبطرس زجه هيرودس في السجن بعد أن قتل يعقوب بن زبدي، ويعقوب أخو الرب وسمعان أخوه أسقفا أورشليم قتلا، وبولس نالته شدائد عظيمة، وحبس في قيصرية، ثم أُرسل معتقلًا إلى رومية، ومن هذا القبيل الشيء الكثير.
علي أنه قد يجوز أن يكون المراد بفريق المستهينين من المدعوين أهل هذا العالم، الذين اكتفوا منه بالأمور الدنيوية غير المحرمة وأهملوا الروحيات، وأكثر الناس من النوع، وكذلك قد يراد بفريق الذين شتموا عبيده وقتلوهم أولئك الذين يقاومون الأنجيل لأنه يوبخ كبرياءهم وأرباحهم وشهواتهم .
قصاص المستهينين:
ويستطرد المخلص في المثل فيقول إن الملك غضب لهذا التصرف من جانب المدعوين، أي غضب من قتل اليهود الأنبياء ورفضهم للمسيح ورسله، وأرسل جنوده وأهلك أولئك القاتلين وأحرق مدينتهم؛ وهذا عين ما حدث بحذافيره لليهود بعد صعود المخلص بنحو أربعين سنة، فقد حاصر جند الروم مدينتهم، ثم دخلوها وأعملوا السيف في أهلها، وأحرقوا الهيكل وأسروا الكثيرين من أهلها على نحو ما بسطناه في مكان آخر .
دعوته لغيرهم :
“ثُمَّ قالَ لعَبيدِهِ: أمّا العُرسُ فمُستَعَدٌّ، وأمّا المَدعوّونَ فلم يكونوا مُستَحِقِّينَ. فاذهَبوا إلَى مَفارِقِ الطُّرُقِ، وكُلُّ مَنْ وجَدتُموهُ فادعوهُ إلَى العُرسِ. فخرجَ أولئكَ العَبيدُ إلَى الطُّرُقِ، وجَمَعوا كُلَّ الذينَ وجَدوهُمْ أشرارًا وصالِحينَ. فامتَلأَ العُرسُ مِنَ المُتَّكِئينَ.” (مت ٢٢: ٨- ١٠).
دعوته للأمم :
التفت صاحب العرس بعد ذلك إلى عبيده قائلًا إن الوليمة معدة، وأما المدعوين فغير مستحقين لها، أي أن اليهود أثبتوا على أنفسهم عدم الاستحقاق للوليمة الانجيلية، وهذا عين ما صارحهم به بولس حين قال “كان يجب أن تكلموا أنتم أولًا بكلمة الله، ولكن إذ دفعتموها عنكم وحكمتم أنكم غير مستحقين للحياة الأبدية هوذا نتوجه للأمم” (أع ١٣: ٤٦)، وإزاء ذلك أمر الملك أولئك العبيد بالتوجه إلى مفارق الطرق لدعوة كل من يجدونه إلى العرس، ويريد بهؤلاء العبيد الرسل، وبمفارق الطرق الأمم كافة، لأن السيد له المجد حصر بشارته قبل صلبه في اليهود ليجذبهم إلى الطاعة، أما بعد صعوده فجعلها عامة للخليقة بأسرها.
وامتثل العبيد أمر سيدهم وانتشروا في مفارق الطرق “وجمعوا كل الذين وجدوهم أشراراً وصالحين”. ولعل الأشرار هنا هم ذوو الشرور الظاهرة، والصالحين هم ذوو الفضائل الظاهرة، فالأولون لبوا الدعوة ليكونوا صالحين، والآخرون لبوها ليكونوا صالحين في عيني الله، أي أن الدعوة عامة لمختلف أصناف الناس بصرف النظر عن أحوالهم السابقة، فمن آمن أن يسوع هو المسيح وعمل بوصاياه، قبلته الكنيسة إلى حضنها دون تفرقة بين شريف أو دنيء، عالم أو جاهل، غني أو فقير، إن هذا هو عين ما عناه سيد الكل حين شبه بشارته بشبكة مطروحة في البحر وجامعة لكل نوع (مت ١٣: ٤٧).
قصاصه لغير المستعدين لها :
“فلَمّا دَخَلَ المَلِكُ ليَنظُرَ المُتَّكِئينَ، رأَى هناكَ إنسانًا لم يَكُنْ لابِسًا لباسَ العُرسِ. فقالَ لهُ: يا صاحِبُ، كيفَ دَخَلتَ إلَى هنا وليس علَيكَ لباسُ العُرسِ؟ فسَكَتَ. حينَئذٍ قالَ المَلِكُ للخُدّامِ: اربُطوا رِجلَيهِ ويَدَيهِ، وخُذوهُ واطرَحوهُ في الظُّلمَةِ الخارِجيَّةِ. هناكَ يكونُ البُكاءُ وصَريرُ الأسنانِ. لأنَّ كثيرينَ يُدعَوْنَ وقَليلينَ يُنتَخَبونَ”.
ثياب العرس :
فلما امتلأ العرس بالمدعوين أخذ الملك يتفقدهم واحداً واحداً ، وإذا به يرى إنساناً ليس عليه “ثياب العرس”، أي موسوماً بالمسيحية ولكنه غير متحل بفضائلها، أي غير عامل بأوامرها، لأن العمل بها هو لباس العرس، فكأنه قنع من المسيحية باسمها دون العمل بوصاياها، وغير خاف أن الإيمان غير المقترن بالأعمال ميت ولا يكفي للخلاص،
لهذا نرى بولس الرسول يشير إلى الأعمال الصالحة باعتبارها ثياب العرس بقوله “فالبسوا كمختاري الله القديسين المحبوبين أحشاء رأفات ولطفاً وتواضعاً ووداعة وطول أناة” (كو٣ : ١٢)، ومن يفعل ذلك فهو الأنسان الجديد المخلوق بحسب الله في البر وقداسة الحق “الذي يوصي بلبسه (أف ٤: ٢٤)، ثم يحذرنا إن كنّا لابسين ألا نوجد عراه (٢كو ٥: ٣)
ويؤكد هذا المعنى يوحنا الرائي حين يشير إلى ذوي الأعمال الصالحة بقوله “عندك أسماء قليلة في ساردس لم ينجسوا ثيابهم فسيمشون معي في ثياب بيض لأنهم مستحقون” (رؤ ٣: ٤)، وبقوله أيضاً وقد سماهم عروس المسيح “وأعطيت أن تلبس بزاً نقياً بهياً لأن البز هو تبررات القديسين” (رؤ ١٩: ٨)، ثم يطوبهم على حفظ أنفسهم بلا دنس بقوله “طوبى لمن يسهر ويحفظ ثيابه لئلا يمشي عرياناً فيروا عورته” (رؤ ١٦: ١٥).
استجواب تاركها :
وما أن رأي الملك ذلك الإنسان بغير ثياب العرس، حتي ابتدره قائلًا “كيف دخلت إلى هنا وليس عليك ثياب العرس؟” ويدل هذا على أن الله وحده هو الذي يعرف قلوب الناس، ويميز بين المخلصين منهم والمرائين.
ولا ريب أنه سيوجه مثل هذا السؤال لكل خاطئ يوم الدين يوم الفحص العظيم، حينئذ أسقط في يد الرجل ولَم يحر جواباً، وكان سكوته عن الاعتذار راجعًا إلى علمه بما في قرارة نفسه،
وهكذا الخاطئ الذي لا يقبل في حياته بر المسيح، يكون يوم الدين محكومًا عليه من ضميره، ويقف بلا عذر أمام منبر المسيح، مع أنه ربما يكون قد جلس على مائدته بين المخلصين دون أن يفطن إلى ريائه أحد.
طرحه في الظلمة الخارجية:
حينئذ أمر الملك خدامه وهم الملائكة قائلاً “اربطوا رجليه ويديه وخذوه واطرحوه في الظلمة هناك يكون البكاء وصرير الأسنان”،
والظلمة الخارجية هي البعد من الله، والبكاء وصرير الأسنان يراد بهما التحسر على الحرمان من الخيرات الإلهية.
ويختتم مخلصنا مثل العرس بهذا الإنذار الخطير الذي يصرح فيه بأن ” كثيرين يدعون وقليلين ينتخبون” أي أن كثيرين من اليهود والأمم يسمعون بشارة الأنجيل، ولكنهم يستخفون بها ويؤثرون للعالم عليها، بل يقاومونها أو يعترفون بها ظاهراً وينكرونها باطناً، وأن قليلين هم الذين يقبلونها لخلاصهم ويسيرون بموجب أوامرها، ذلك لأن إجراء مقتضاها يشق على الأكثرين .
العظة السابعة لآباء وخدام معاصرون – ليلة الأربعاء
شرح المعاني اللاهوتية والروحية لما جاء في اناجيل قداسات هذا اليوم – للمتنيح الدكتور موريس تواضروس[22]
الأصحاح الثالث والعشرون
عدد ٢: كرسي (Kathedras) “على كرسي موسى جلس الكتبة والفريسيون”
الإشارة هنا إلى عمل المعلمين وهم يباشرون التعليم جالسين.
عدد ٥: لكي تنظرهم (Pros to theathynai) “وكل أعمالهم يعملونها لكى تنظرهم الناس”
انظر (مت6: 1)، حيث يستعمل نفس الكلمة “احترزوا من أن تصنعوا صدقتكم قدام الناس لكي ينظروكم”. لقد فصل الكتبة والفريسيون أنفسهم عن باقى الشعب؛ وكما لو أنهم اتخذوا وضع الممثلين فى المسرح ينظرهم الناس ويحدقون بهم فى إعجاب وإطناب. عصائبهم.. أهداب ثوبهم (Kraspeda … Phulaktyria) فيعرضون عصائبهم ويعظمون أهداب ثيابهم.
كانت هذه العصائب تربط على الذراع الأيسر تجاه القلب وعلى الجبهة، وكانت عبارة عن علب من الجلد، تحتوى على أربع آيات من سفرى الخروج والتثنية ، تكتب على ورق نفيس شبيه بالرقوق، وتكتب كل آية على ورقة منفردة من هذه الأوراق، وأما هذه الآيات فهي: (خر١٣: ١-١٠ ، ١٣: ١١-١٦) ، (تث٦: ٤-٩ ، ١١: ١٣-٢١). وأما الأعصاب التى تربط على الجبهة، فقد كانت تتكون من علبة مقسمة إلى أربعة أقسام وكل قسم يتضمن ورقة كتبت عليها إحدى الآيات المشار إليها سابقا وكانت كل ورقة تثبت بشعر من ذيل العجل مغسولاً غسلاً جيداً. أما عصائب الذراع، فقد كانت تتكون من ورقة واحدة تتضمن نفس الآيات الأربع السابقة تكتب فى أربعة أعمدة، كل عمود يتكون من سبعة سطور. وأما السيور الجلدية السوداء التى كانت تثبت بها هذه العصائب، فقد كانت تلف على هيئة لولب، سبع مرات حول الساعد وثلاث مرات حول اليد أى تمتد من مرفق اليد اليسرى حتى الخنصر.
وكانت هذه العصائب تبجل من قبل الربانيين شأنها شان الكتاب المقدس، وأما الكلمة اليونانية التى ترجمت بها هذه العصائب (Phulaktyria) فهى من الفعل (Phulassw) بمعنى “يحرس”، أى أن العصائب تقصد إلى تحصين المرء والمحافظة عليه وحراسته، فكان يستعملها الربانيون كما لو أنه نوع من “الحجاب” أو “التعويذة”. ولقد قيل أن حشية ملك ما، أرادت قتل واحدا من الربانيين، ولكنهم ردوا عن ذلك عندما رأوا سيور العصائب كأنها لهب من النار، وقيل أيضا أنها تمنع الشياطين من إيذاء أي يهودي.
والسيد المسيح فى هذا الموضع يشير إلى أن الكتبة والفريسين كانوا يستعملون العصائب لكى تنظرهم الناس، فكانوا يعرضون العصائب ويعظمون أهداب ثيابهم. بينما أن العصائب أعطيت لهم لكى تذكرهم بعمل الله العظيم معهم، أى لأسباب روحية وليس لطلب مجد ذاتي، وذلك يبدو من المناسبات التى طلب فيها استعمال العصائب، فجاء فى سفر الخروج “ويكون لك علامة على يدك وتذكارا بين عينيك، لكي تكون شريعة الرب فى فمك” (انظر (خر١٣: ١-١٠) وجاء فى سفر التثنية “فتحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قوتك ولتكن هذه الكلمات التى أنا أوصيك بها اليوم على قلبك وقصها على أولادك وتكلم بها حين تجلس فى بيتك وحين تمشى فى الطريق وحين تنام وحين تقوم ، واربطها على قوائم أبواب بيتك وعلى أبوابك ” (تث٦: ٥-٩)
وأما بالنسبة لأهداب الثوب، فقد سبق وتحدثنا عنها (انظر مت٩: ٢٠).
عدد ٦: المتكأ الأول (Prwtoklisian) “يحبون المتكأ الأول فى الولائم” .
أى الأماكن الرئيسية أو المقاعد الأولى أو التى توجد فى أعلى وأرفع المواضع.
عدد ٢٣: المراءون (Hupokpital) “ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراءون”.
من الفعل (Hupokrinw) ويعنى أن الفعل أصلاً: يجيب على تساؤل – يؤدى دورا على المسرح، ومن ثم يتضمن الفعل معنى التظاهر – الاختلاق – التلفيق – اتخاذ وضع زائف – تمثيل دور ما. وعلى ذلك فالمرائى من حيث الاشتقاق اللغوي، هو الممثل، وقد استعمل الفعل فى (لو٢٠: ٢) ليشير إلى الذين يتراءون أنهم أبرار.
قدام (Emprosthen): “تغلقون ملكوت السموات قدام الناس”
يحمل الحرف هنا معنى تصويرياً، فهو يعني أمام أو فى وجه، أي يغلقون الباب فى وجوه الناس.
نعنع (Yduosmon) “تعشرون النعنع والشبث والكمون، وتركتم أثقل الوصايا”.
تتكون الكلمة من جزئين (Ydus) بمعنى حلو و osmy بمعنى رائحة. والنعنع هو نبات شرقى طيب الرائحة وكان فى بعض الأحيان ينثر على أرض المجمع.
الشبث (Anython) من التوابل وله رائحة طيبة.
إن عشور هذه النباتات كان بلا شك ضئيل القيمة، لكنه من ناحية أخرى يشير إلى الضمير الحي اليقظ، ويشير التلمود إلى أن أحد الربانيين قد درب حماره على أن لا يأكل من الغلال التى لم تدفع عشورها بعد.
ولقد كان تبكيت السيد المسيح للكتبة والفريسين انهم يظهرون اهتماماً نحو الأمور البسيطة فيخدعون الناس بها وهم يتغافلون عن الأمور الهامة والحيوية، ولذلك قال لهم “كان ينبغى أن تعملوا هذه ولا تتركوا تلك”.
الإيمان (Pistin) “تركتم أثقل الناموس الحق والرحمة والإيمان” .
تعني الكلمة اليونانية الايمان أو الأمانة، ويمكن فى هذا الموضع أن تعني الأمانة كما فى (رو٣: ٣) “فماذا إن كان قوم لم يكونوا أمناء، أفلعل عدم أمانتهم تبطل أمانة الله”.
عدد ٢٤: يصفون (Diulizontes) “يصفون عن البعوضة ويبلعون الجمل” .
يتركب الفعل من جزئين: (di) بمعنى تام أو كامل، (ulizw) بمعنى: ينقى يقطر، يصفى، يرشح، يطهر وكانت الحشرات تعتبر نجسة (لا١١: ٢٠، ٢٣، ٤١، ٤٢) ولذلك كان اليهود يصفون الخمر حتى لا تعلق بها حشرة ما، وبالإضافة إلى ذلك فان هناك بعض الحشرات التى تتكاثر فى الخمور.
وفى نفس الوقت الذى يغلقون فيه أفواههم عن البعوضة وهى صغيرة الحجم، فإنهم يفتحون أفواههم ويكونون على استعداد لأن يبلعوا الجمل، وهو بالنسبة لهم حيوان نجس (لا ١١: ٤).
عدد ٢٧: قبور مبيضة (Taphois Kekomiamenois) “لأنكم تشبهون قبورا مبيضة تظهر من خارج جميلة وهى من داخل مملوءة عظام أموات” .
لم تكن فقط قبور الأغنياء المبنية من الأحجار هى التى تبيض، ولكن القبور على العموم كانت تغطى بالجبس. وكانت المقابر تقام خارج المدينة، على أنه إذا وجدت جثة فى الحقل. فيجب أن تدفن فى المكان الذى وجدت فيه. انسان مثلاً يتوجه إلى أورشليم فى عيد الفصح، يمكن أن يقابل فى طريقه قبراً. ويتعرض هنا لأن يتنجس وفق ما قيل فى سفر العدد “كل من مر على وجه الصحراء قتيلاً بالسيف أو ميتاً أو عظم انسان أو قبر يكون نجساً سبعة أيام” (عدد١٩: ١٦)، ولذلك كان يؤمر أن تبيض جميع القبور شهراً قبل عيد الفصح حتى تصير واضحة ظاهرة فلا يتعرض المسافر لأن يتنجس. وبلا شك فان حديث السيد المسيح عن القبور المبيضة يوافق ما كان يجرى فى تلك الأيام. على أنه يلاحظ أن الكلمة اليونانية المستعملة هنا فى تبييض القبور، تتكون من كلمة (Konis) التي تعني “غبار”. وهذا يعنى أن عملية التبييض كانت تتم بمسحوق كمسحوق الجير.
عدد ٢٩: قبور الأنبياء
بهذا الاسم يشار إلى أربعة قبور فى أسفل جبل الزيتون فى وادى يهوشافاط قبران منهما من حجر واحد مقطوع من الصخر. والآخران محفوران. وفى هذا الموضع الذى نحن بصدده، يشار إلى أن القبور كانت تبنى وتزين، كما يشار فى مواضع أخرى إلى النظام الذى كانت تقام به القبور، ففى (لو١١: ٤٤) يشار إلى القبور المختفية التى يمشى عليها الناس ولا يعملون، وفى (يو١١: ٣٨) يشار إلى قبر، كان مغارة وقد وضع عليه حجر.
الأصحاح الرابع والعشرون
عدد ٣: مجيئك (Parousias) “ما هى علامة مجيئك وانقضاء الدهر” .
الاسم هنا مشتق من الفعل (Pareinai) بمعنى يكون حاضرًا. وفى هذا المعنى انظر (فى٢: ١٢)، (٢كو١٠: ١٠)، ويجىء بمعنى: وصل (انظر (١كو١٦: ١٧)، (٢كو٧: ٦-٧) ، (٢تس ٢: ٩)، (٢بط٣: ١٢). وعن المجىء الثانى للسيد المسيح انظر (يع٥: ٨)، (١يو٢: ٢٨)، (٢بط٣: ٤)، (١تس٤: ١٥).
عدد١٢: لكثرة (Plythunthynal) “لكثرة الاثم تبرد محبة الكثيرين”
حرفيا: سوف (أى الإثم) يكثر ويزداد (انظر (أع ٦: ١، ٧، ٧: ١٧، ٩: ٣١)، (عب٦: ١٤)، ولو أننا حذفنا أداة التعريف من كلمة “الكثيرين”، وقلنا تبرد محبة كثيرين، لأضعفنا قول السيد المسيح، فليست محبة كثيرين هى فقط التى تبرد، بل محبة الكثيرين، أى محبة الأكثرية، محبة الجسد الكبير.
عدد١٤: المسكونة (Ty oikoumeny) “ويكرز ببشارة الملكوت هذه فى كل المسكونة”.
حرفيا: المسكون – كل العالم المسكون- الأرض المسكونة.
عدد ١٥: رجسة الخراب (Bdelugma tys erymwsews) “ومتى نظرتم رجسة الخراب ليفهم القارىء”
الفعل من هذا الاسم هو (Bdellussomai) ويعني: يشعر باشمئزاز – يتقزز من الطعام. وفى المعنى الأخلاقى تشير إلى موضوع يكون محل نفور واشمئزاز وكراهية (انظر (٢أي ١٥: ٨) (إر١٣: ٢٧) (حز١١: ٢١) (دا ٩: ٢٧، ١١: ٣١). واستعملت كمرادفة للوثن (انظر (تث٧: ٢٦)، (٢مل٢٣: ١٣) وتشير إلى أي شيء يظهر فيه البعد عن الله وهذا المعنى الأخلاقي يتأكد أيضا فى العهد الجديد (انظر (لو ١٦: ١٥)، (رؤ١٧: ٤، ٥، ٢١: ٢٧). وفى هذا الموضع الذى نحن بصدده، تشير الكلمة إلى احتلال الهيكل بواسطة الرومان الوثنيين، تحت قيادة تيطس، مع رفع راياتهم. وكما يشير يوسيفوس المؤرخ، فان الرومان بعد احراق الهيكل، أحضروا راياتهم ونصبوها على الباب الشرقي، وهناك قدموا قرابين وأعلنوا تيطس امبراطوراً.
عدد ١٧: والذى سطح (O epi tou dwmatos) “والذى على السطح، فلا ينزل ليأخذ من بيته شيئاً”.
كانت سطوح المنازل ترتبط ببعضها بطريق أسماء الربانيون: طريق السطوح. وهكذا يمكن للمرء أن يهرب بالانتقال من سطح إلى سطح حتى آخر منزل. ويمكنه حينذاك أن ينزل على سلالم خارجاً عن المنزل. والتأكيد هنا على أساس أنه بالرغم من أنك سوف تمر بباب بيتك، فلا تدخل لتأخذ شيئًا منه بل اهرب لحياتك.
عدد٢٢: تقصر (Elkolobwthysan) “لو لم تقصر تلك الأيام لم يخلص جسد”
الكلمة هنا تصويرية. والفعل يعنى حرفياً: ينقص – يخفض – يقطع – يختصر – يوجز – يحذف – يسقط – . والواقع أن عوامل كثيرة تجمعت لأجل تقصير الحصار، فلقد أوقف هيرودس أغريباس عن تقوية الأسوار بأمر من الامبراطور. وكانت مخازن الحبوب والمؤن قد أحرقت قبل وصول تيطس. وتيطس نفسه اعترف أن الله كان ضد اليهود وإلا فإن قوته ومعداته لم تكن قادرة على هدم حصونهم.
عدد٢٤ : آيات وعجائب (Symeia Kai Terata) “يعطون آيات عظيمة وعجائب حتى يضلوا لو أمكن المختارين أيضا” .
غالبا ما ترتبط هاتان الكلمتان معا فى العهد الجديد (يو٤: ٤٨) ، (أع٢: ٢٢، ٤: ٣٠)، (٢كو١٢: ١٢). والكلمتان لا تشيران إلى نوعين مختلفين من الأعمال المعجزية، بل إلى المعجزات منظورا إليها من زاوية أخرى. إن نفس المعجزة يمكن أن تدل على عمل قوى «منظورًا إليها من حيث قوتها» أو عمل ممجد «منظوراً إليها كعلامة على قوة فاعلها غير الطبيعية» كذلك بالنسبة للرائي يمكن أن يرى فيها عملًا مدهشاً. إن كلمة (Teras) هى معجزة منظورًا اليها كعجيبة تثير الدهشة وتطابق فى اللاتينية كلمة (Miraculum)
عدد ٢٦: فى البرية .. فى المخادع (Ty erymw .. tamieiois) “إن قالوا لكم ها هو فى البرية فلا تخرجوا، ها هو في المخادع فلا تصدقوا”.
كلمتا البرية والمخادع (الحجرات الداخلية أو الحجرات السرية) تشيران إلى أماكن منعزلة بعيدة عن أنظار الناس، ويدلان على أن المسحاء الكذبة يتجنبون أن يوضعوا تحت الفحص العام.
عدد ٢٧: يظهر (phainetai) “كما أن البرق يخرج من المشارق ويظهر فى المغارب”:
إن مجىء السيد المسيح سيكون حقيقة واضحة ظاهرة لا تقبل الشك أو التردد، تماماً مثل الضوء الذى ينير الشرق والغرب فى نفس الوقت ويرى الجميع، فإنه لن يقتصر فى ظهوره بمكان ما ولكنه سيظهر نفسه وسيعرف فى جميع العالم، كما جاء فى سفر الرؤيا “هوذا يأتي مع السحاب وستنظره كل عين والذين طعنوه، وينوح عليه جميع قبائل الأرض” (رؤ١: ٧).
عدد ٢٨: جثة (Ptwma) “لأنه حيثما تكون الجثة، هناك تجتمع النسور”:
يشتق الأسم من الفعل (Piptw) الذى يعني: يسقط وعلى ذلك فالجثة تعني: الجسم الساقط أنظر: (مر٦: ٢٩) (رؤ٨: ٦٦)، وبالنسبة للآية، أنظر (أيوب ٣٩: ٣٠).
نسور (Aetoi): يشار هنا إلى نوع معين من النسور، يفوق ما نعرفه عن النسر العادى من الحجم والقوة، وفى اللغة الانجليزية يفضل ترجمته بـ (Griffon Vulture) بدلًا من (Eagle)، ويشير أرسطو إلى أن هذا الطائر يشتم رائحة فريسته من مسافة بعيدة ويحتشد فى أعقاب الجيوش.
والمثل هنا له مدلول عام لا يختص فقط باجتماع الأشرار بل وأيضا الأخيار، فكل يجتمع حول ما يناسبه.
عدد ٣١: بوق عظيم الصوت (Mega Salpiggos phwnys megalys) “فيرسل ملائكته ببوق عظيم الصوت فيجتمع مختاريه”.
يشار فى سفر العدد إلى استعمال البوق فى أغراض مختلفة “لمنادات الجماعة ولارتحال المحلات” (عدد١٠ : ١-١٠). وجاء فى المزامير “أنفخوا فى رأس الشهر بالبوق عند الهلال ليوم عيدنا” (مز٨١: ٣). وفى ضوء هذا يكون مدلول استعمال البوق فى العهد الجديد. فشعب الله المختار سوف يجمع أمام ملكه بصوت البوق. قارن أيضا هذا مع اعلان السيد المسيح ملكًا من قبل بوق الملاك السابع حيث قيل فى سفر الرؤيا “ثم بوَق الملاك السابع فحدثت أصوات عظيمة فى السماء قائلة قد صارت ممالك العالم لربنا ومسيحه فسيملك إلى أبد الآبدين” (رؤ١١: ١٥).
عدد٣٢: المثل (Tyn parabolyn) “من شجرة التين تعلموا المثل”:
الإشارة هنا ليس إلى المثل بوجه عام، بل إلى المثل الذى تعلمه شجرة التين، ولذلك فالأصح أن تكون الترجمة “تعلموا مثلها”.
غصنها (Klados) “متى صار غصنها رخصا”.
الأسم هنا مشتق من الفعل (Klaw) بمعنى: يكسر واستعمل عند كسر الخبز (مت١٤: ١٩) وعلى ذلك يشار هنا إلى الأغصان الصغيرة التى تستعمل فى تطعيم النبات. وهكذا كانت الاغصان التى قطعت وفرشت فى طريق السيد المسيح فى دخوله إلى أورشليم” (مت٢١: ٨).
عدد ٤٠ : يؤخذ الواحد … ويترك الآخر (Eis Paralambanetai… eis aphietai):
لاحظ هنا استعمال الفعلين فى زمن المضارع. وهذا يعطي للقول حيوية أكثر، فيجعلنا نعيش على الدوام فى حالة ترقب لمجيء الرب يسوع. ويصبح مجيء الرب بالنسبة لنا حاضراً فى كل وقت.
عدد ٤١: على الرحى (Tw mulw) “اثنان تطحنان على الرحى”:
يشار هنا إلى الرحى العادية ذات اليد المثبتة قرب طرف الحجر الأعلى والتى تديرها سيدتان.
عدد ٤٢: “أسهروا إذن لأنكم لا تعلمون فى أية ساعة يأتي ربكم” :
لاحظ الفرق أن التساؤل هنا ينصب على النوعية: أية ساعة. وفى اللغة اليونانية (Poia) أي هل هي ساعة قريبة أم ساعة بعيدة، كما يبدو هذا من العدد ٤٣ حيث يقول “في أي هزيع يأتي السارق” أي في أي نوع من أنواع الهزع، هل فى هزيع المساء أم هزيع منتصف الليل أم هزيع صياح الديك أم هزيع الصباح؟
يأتى (Erchetai): لاحظ هنا أيضا أن زمن الفعل فى المضارع، كما هو فى عددى ٤٠،٤١، وهذا أيضا كما قلنا يعطى القول حيوية أكبر.
الملكوت للمتنيح أنبا يؤانس أسقف الغربية ملكوت الله وملكوت السموات .
فكرة الملكوت في العهد القديم .
ملكوت المسيح روحي لا مادى .
ما المقصود بملكوت الله ؟
أمثال المسيح عن الملكوت ودلالتها :
مثل الزارع .
مثل الزوان والحنطة والشبكة المطروحة في البحر .
مثلا حبة الخردل والخميرة .
مثل الفعلة في الكرم .
مثل العرس والمدعوين .
مثلا الكنز المخفى في الحقل واللؤلؤة الكثيرة الثمن .
مثل العذاري .
سعادة الملكوت والحياة الأبدية .
إن التفكير في السماء والشوق إليها كان وما يزال الفكر المحرك لكل القديسين ورجال الله في كل زمان ومكان …. ومجرد تذكار أمجادها ، وما ينتظر القديسين فيها، يعطى دفعة روحية قوية للمجاهدين ، تنسيهم كل أتعابهم … وقد عبر القديس بولس الرسول عن هذا الحنين حينما كتب من سجنه في روما إلى أهل فيلبي يقول : « لى إشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح ( في السماء ) ، ذاك أفضل جداً » ( فى ١: ٢٣ ) …
هذا ما دفع القديسين إلى احتمال كل ما صادفهم من ضيقات ومصاعب تجل عن الوصف – ليس فى صبر فقط ، بل بتلذذ … (خفة ضيقتنا الوقتية تنشىء لنا أكثر فأكثر ثقل مجد أبدياً . ونحن غير ناظرين إلى الأشياء التي ترى بل إلى التي لا ترى . لأن التي ترى وقتية ، وأما التى لا تُرى فأبدية ) (۲کو ٤ : ١٧ ، ۱٨ ) … وقبل بولس بأجيال كثيرة قال المرتل : (من لى فى السماء، ومعك لا أريد شيئاً في الأرض) (مز ۷۳ :٢٥).
إن كل من عاش على هذه الأرض كغريب وسائح جاعلاً وجهته الأبدية العنيدة، تذوق مقدماً تلك السعادة الخالدة التي لا توصف …. « ما لم ترعين ، ولم تسمع أذن، ولم يخطر على بال إنسان ما أعده الله للذين يحبونه » (۱کو ۲ : ٩).
إن التفكير في السماء يقود النفوس فى جهادها لبلوغ حكمة التطويبات إلى ذرى البطولة والكمال …. والشوق إلى السماء يحرر القلب، لا من التعلق بالأرضيات فحسب، بل ومن كل الميول الأرضية والجسدانية .
لقد صلى الرب يسوع قبيل آلامه …. « أيها الآب ، أريد أن هؤلاء الذين أعطيتني يكونون معى حيث أكون أنا ، لينظروا مجدى الذى أعطيتني لأنك احببتني قبل إنشاء العالم» (يو ١٧ : ٢٤ ) … كانت هذه هى شهوة قلب الرب يسوع من جهة أولاده القديسين … ومازال أولاد الله فى كل آن ومكان يعيشون في غربة حقيقية إلى أن يصلوا وطنهم السماوى …(فإذاً نحن واثقون كل حين وعالمون أننا ونحن مستوطنون في الجسد، فنحن متغربون عن الرب… فنثق ونسر بالأولى أن نتغرب عن الجسد ونستوطن عند الرب) (٢ كو ٥ : ٦ – ٨ ) .
ملكوت الله وملكوت السموات :
يفتتح مرقس الإنجيلى بشارته بقوله : ( وبعد ما أسلم يوحنا جاء يسوع إلى الجليل يكرز ببشارة ملكوت الله . ويقول قد كمل الزمان واقترب ملكوت الله، فتوبوا وآمنوا بالإنجيل ) ( مر ۱ : ١٤ ، ١٥ – انظر مت ٤ : ١٧ ) .
و يتكلم متى الإنجيلى عن كرازة يوحنا المعمدان في برية اليهودية ومناداته قائلاً : (توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السموات ) (مت ٣ : ٢، ٩ : ٣٥).
والرب يسوع المسيح منذ بداية خدمته الجهارية إلى أن رفع على الصليب، استمر يبشر بملكوت الله والتحدث عنه بأمثاله وتعاليمه … ولا نكون مبالغين إن قلنا إن حياة السيد المسيح ورسالته التعليمية قد تركزت حول موضوع «الملكوت » .
وفي العهد الجديد يقابلنا تعبيران عن الملكوت : ملكوت الله (وباليونانية باسيليا توثيئو Basilea Tou Theo ) ، وملكوت السموات ( وباليونانية باسيليا تون أورانون Basilea Toun Oranoun )…
يقول السيد المسيح له المجد لتلاميذه : « قد اعطى لكم أن تعرفوا أسرار ملكوت السموات » (مت ۱۳ : ۱۱ ) . وفى موضع آخر قال لهم : « لكم قد اعطى أن تعرفوا أسرار ملكوت الله » ( لو ٨: ۱۰) . ومرة ثالثة قال للاثني عشر: «قد اعطى لكم أن تعرفوا سر ملكوت الله » ( مر ٤ : ١١) … وفى ورود هذه الصيغة في الأناجيل الثلاثة يتبين لنا أن «ملكوت الله » و « ملكوت السموات » هما تعبيران لشيء واحد أو مسمى واحد . فهو « ملكوت السموات » بالنسبة لعرش الله في هذا الملكوت ، « فالسماء كرسى الله والأرض موطىء قدميه » ( مت ٥ : ٣٤ ، ٣٥) وهو ملكوت الله على الأرض وحكم السماء فيها . ولعل هذا ما قصد إليه السيد المسيح فى الطلبات الثلاث الأولى فى الصلاة الربية « ليتقدس اسمك . ليأت ملكوتك. لتكن مشيئتك كما فى السماء كذلك على الأرض » ( مت ٦ : ٩ ، ١٠).
في الإنجيل بحسب القديس متى يرد تعبیر « ملكوت السموات » حوالى ٣٢ مرة، بينما يرد تعبير «ملكوت الله » ست مرات فقط. وترد كلمة «ملكوت» وحدها خمس مرات … وفي الإنجيلين بحسب القديس مرقس والقديس لوقا لا يرد إلا تعبير «ملكوت الله » . أما يوحنا في إنجيله فلا يذكر سوى «ملكوت الله » في حديث المسيح مع نيقوديموس ( يو ٣: ٣ ، ٥) . وفي سفر أعمال الرسل يرد تعبير ( ملكوت الله » ست مرات ، ولفظ «ملكوت » مرتين .
وفي رسائل القديس بولس يرد تعبير ( ملكوت الله) حوالى ثمان مرات …وفي (١كو ١٥ : ٢٤ ) يذكر بولس أن المسيح يسلم الملك الله الآب … وفي ( أف ٥ : ٥) يذكر تعبير «ملكوت المسيح والله » ، بينما في ( كو ۱ : ۱۳ ) يذكر تعبير «ملكوت ابن محبته ….. ويذكر لفظ ملكوت مرتبطة بالمسيح مرتين في (٢ تی ٤: ۱ ، ۱۸ ) . وفى (عب ۱ :۸) يذكر الرسول الملكوت مرتبطاً بالابن، ويذكر «الملكوت » وحده في عب (۱۲ : ۲۸).
و يذكر يعقوب الرسول( ملكوت الله ) مرة واحدة في ( يع ٢ : ٥ ) . ويذكر القديس بطرس الرسول : «ملكوت ربنا ومخلصنا يسوع المسيح الأبدى » ( ۲ بط ١ : ١١) … أما في سفر الرؤيا فيرد تعبير «ملكوت يسوع المسيح » (رؤ ١ : ٩ ) . وفي (رؤ ۱۱ : ١٥ ) يقول : «قد صارت ممالك العالم لربنا ومسيحه فسيملك إلى أبد الأبدين » . أخيراً في (رؤ ۱۲ : ۱۰ ) يقول : «الآن صار خلاص إلهنا وقدرته وملكه وسلطان مسيحيه » .
ومما سبق يبرز سؤال : لماذا استخدم القديس متى في إنجيله تعبير «ملكوت السموات » – لا أقول أكثر مما أورده بقية الإنجيليين – بل أكثر مما جاء في كل أسفار العهد الجديد ؟
معلوم ان متى كتب إنجيله لليهود . ويقول علماء الكتاب المقدس إن اليهود اعتادوا في عصورهم المتأخرة قبل مجيء المسيح، ألا يستخدموا اسم الجلالة حفظاً وتقديساً له ، وتطرفاً في فهم الوصية الثالثة من الوصايا العشر « لا تنطق باسم الرب إلهك باطلاً » (خر ۲۰ : ۷) . وبلغ بهم الأمر أنهم ابعدوا الله بتاتاً عن العالم، ونزهوه عن الاتصال بكل ما هو مادى ووضعوا أسماء أخرى لتحل محل اسمه ، ينطقون بها عندما يريدون أن يشيروا إليه … والسيد المسيح في اعترافه أمام رئيس كهنة اليهود ، صادق على استخدام لفظ « المبارك » بدلاً من الله ، وذلك حينما سأله : « أأنت المسيح ابن المبارك» (مر ١٤ : ٦١ ، ٦٢) … وربما يكون السيد المسيح قد اتبع نفس المنهج في مثل الابن الضال حينما يقول لأبيه : « أخطأت إلى السماء وقدامك » ( لو ۱٥ : ۲۱ ) ، إذ أن كلمة « السماء » استخدمت بديلاً عن اسم الجلالة وهو الله .
نعود إلى كلمة « ملكوت » ونقول إن علماء اللغات يقررون أن الكلمة العبرية والآرامية التي تترجم «ملكوت» تعنى حكم الله وسلطانه … بهذا المعنى وردت في العهد القديم في بعض مواضعه . أما في مواضع أخرى فتشير إلى سلطان الله وحكمه في جماعة خاصة به دون بقية الشعوب ، دخل معها في عهد مقدس .
لكن متى بدأ ملكوت الله على الأرض ؟
بدأ هذا الملكوت بصورة ظاهرة فى دعوة الله لإبراهيم بأن يخرج من أور الكلدانيين، ليكون أباً لجمهور من الأمم … وأخذ صورته الرسمية في الأمة الإسرائيلية يوم أخذ بيدهم وأصعدهم من أرض مصر ليكونوا له مملكة كهنة وأمة مقدسة ( خر ١٩ : ٦) . ولذلك فحينما كان السيد المسيح يتكلم عن الملكوت أو ملكوت الله أو ملكوت السموات ، كان سامعوه من اليهود يفهمونه … لكن اليهود كانوا يفهمون الملكوت بصورة مادية . أما الرب يسوع فكان يقصد إلى ناحية روحية خالصة .
وليس هذا فحسب ، بل إن اليهود قصروا الملكوت والتمتع بامتيازاته على نسل إبراهيم حسب الجسد، أما الأمم فقد اقفلوا الباب أمامهم … ولذا فقد كانت صدمتهم شديدة حينما امتدح السيد المسيح إيمان قائد المائة الأممى الذي شفى غلامه بقوله : « الحق أقول لكم ، لم أجد ولا فى إسرائيل إيماناً بمقدار هذا . وأقول لكم إن كثيرين سيأتون من المشارق والمغارب ويتكئون مع إبراهيم وإسحق ويعقوب في ملكوت السموات. وأما بنو الملكوت فيطرحون إلى الظلمة الخارجية » (مت ٨: ١٠ -١٢).
فكرة الملكوت في العهد القديم :
كلمة « ملكوت » هى نفس الكلمة بنطقها فى اللغة العبرية Malekuth ، وتعنى مملكة أو حكم …. وترد كلمة ملكوت واحد وتسعين مرة في العهد القديم، وأول ما وردت في ( عدد ٢٤ : ٧) … على أن كلمة «مملكة أو ملكوت » لها أكثر من معنى في العهد القديم. لكن ما يهمنا هنا هو انها تعنى إسرائيل كمملكة الله أو ملكوت الله « وأنتم تكونون لى مملكة كهنة وأمة مقدسة » (خر ١٩: ٦) … ومن خلال داود حكم الله شعبه المختار « ويأمن بيتك ومملكتك إلى الأبد أمامك . كرسيك يكون ثابتاً إلى الأبد» (۲صم ٧: ١٦). وقال داود : « لك يارب العظمة والجبروت والجلال والبهاء والمجد، لأنه لك كل ما فى السماء والأرض . لك يارب الملك وقد ارتفعت رأساً على الجميع» (۱أى ۲۹ : ۱۱ ) .
كان مفهوم اليهود أن « يهوه » هو الذى يملك على إسرائيل … « قال لهم جدعون لا اتسلط أنا عليكم ، ولا يتسلّط ابنى عليكم الرب يتسلط عليكم » (قض٨ :۲۳) … وقال الرب لصموئيل النبى : « اسمع صوت الشعب في كل ما يقولون لك، لأنهم لم يرفضوك أنت بل إياى رفضوا ، حتى لا أملك عليهم » (اصم ٨: ٧).
كان العقل اليهودي مملوء لدرجة التشبع بعقيدة مجيء المسيا ، حتى أن صلاة اليهود يومياً إلى الله كانت تتضمن فقرة يقولها : ( ليملك ملكوته، ليزدهر فداؤه ، وليأت مسيا ويخلص شعبه )… وكانت غالبية اليهود العظمى تعتقد أن عصر المسيا هو عصر الشيع والبركات المادية …
اعتقد اليهود بحسب تعبير العالم الفريد ادرشيم Alfred Edersheim ( وهو يهودي متنصر) في كتابه القيم عن حياة المسيا : [ ان الأرض ستخرج من ذاتها أجمل الملابس وأفخرها ، وأطيب المأكولات وأشهاها . ينمو القمح حتى يصل إلى ارتفاع النخيل … لا بل إلى قمم الجبال . وعندئذ تحيله الرياح إلى دقيق ، ثم يلقى في الوديان خبزاً ناضجاً شهياً. في ذلك العصر لن تخيب شجرة، بل لابد أن تحمل ثمرها ، وتلقى به كل يوم لتحمل ثمراً جديداً].
كانوا ينتظرون مسياً أو ملكاً مخلصاً يحررهم سياسياً من عبودية الرومان ، ويملك ملكاً أرضياً، ويعيد مملكة داود، ويجعل شعب إسرائيل أعظم شعوب الأرض …. لكن آمالهم خابت لما رأوا المسيح وديعاً متواضعاً، لا يصيح ولا يسمع أحد في الشوارع صوته . يعلم تعليماً ينم عن الضعف – في تصورهم – حينما يقول من لطمك على خدك الأيمن حوّل له الآخر أيضاً !!
لقد امتلأ العهد القديم بالنبوات عن المسيح الملك . وكمثال لها ما جاء في المزمور الثانى « أما أنا فقد مسحت ملكى على صهيون جبل قدسي . اني اخبر من جهة قضاء الرب . قال لى أنت ابنى . أنا اليوم ولدتك . اسألني فأعطيك الأمم ميراثاً لك ، وأقاصى الأرض ملكاً لك » ( مز ٢ : ٦ – ٨ ) .
ملكوت المسيح روحي لا مادى :
سبق أن ذكرنا أن اليهود كانوا ينتظرون المسيا ( المسيح ) ملكاً أرضياً يؤسس ملكاً أرضياً … ولعل هذا الفهم هو السبب فى خوف هيرودس الملك اليهودي حالما علم من المجوس عن ولادة ملك اليهود « أين هو المولود ملك اليهود . فإننا رأينا نجمه في المشرق وأتينا لنسجد له » ( مت ۲ : ۲ ) .
ويذكر الإنجيل المقدس حادثتين بخصوص نظرة اليهود للمسيح كملك أرضى واهتمامهم بأن يقيموه ملكاً عليهم : الحادثة الأولى بعد معجزة إشباع الألوف من خمسة أرغفة وسمكتين . يقول يوحنا : « فلما رأى الناس الآية التي صنعها يسوع قالوا إن هذا هو بالحقيقة النبى الآتى إلى العالم . وأما يسوع فإذ علم أنهم مزمعون أن يأتوا ويختطفوه ليجعلوه ملكاً ، انصرف أيضاً إلى الجبل وحده » ( يو ٦ : ١٤ ، ١٥) . والحادثة الثانية يوم أحد الشعانين حين دخل الرب يسوع أورشليم دخول ملك ظافر منتصر. وكان الشعب يهتف وقد فرشوا ثيابهم في الطريق « مبارك الملك الآتى باسم الرب … مباركة مملكة أبينا داود الآتية باسم الرب » ( مر ١١ : ١٠ ؛ لو ۱۹ : ۳۸) …
لكن السيد المسيح رفض هذا الملك الأرضى ، لذا فحينما اقترب من مدينة أورشليم نظر إليها وبكى عليها قائلاً : « انك لو علمت أنت أيضاً حتى في يومك هذا ما هو لسلامك. ولكن الآن قد اخفى عن عينيك . فإنه ستأتي أيام ويحيط بك أعداؤك بمترسة ويحدقون بك ويحاصرونك من كل جهة، ويهدمونك وبنيك فيك ، ولا يتركون فيك حجراً على حجر، لأنك لم تعرفى زمان افتقادي » (لو ١٩: ٤١ -٤٤ ).
ولأن السيد المسيح رفض ملك العالم ، وصدم اليهود فيه لأنه لم يحقق لهم آمالهم الأرضية العالمية على المستوى المادى صرخوا أمام بيلاطس الوالى الروماني الوثني:(ليس لنا ملك إلا قيصر) … وهزأوا بالمسيح والبسوه رداء ارجوانياً – وهو ثوب الملوك ، ثم وضعوا إكليل شوك على رأسه وكأنه تاج الملك، وكانوا يسخرون منه (مت (۲۷؛ یو ۱۹).
ولازال الكثير من المسيحيين يحاربون ويريدون انتصار الكنيسة بالمشاجرة مع أن المسيح يقول لبيلاطس وهو يحكم بصلبه : «لو كانت مملكتى من هذا العالم لكان خدامي يجاهدون لكى لا أسلم إلى اليهود. لكن الآن ليست مملكتى من هنا » (يو ١٨ : ٣٦).
لقد جاء السيد المسيح إلى العالم ليؤسس مملكة فيه ، لكنها مملكة روحية دعاها «ملكوت الله » أو «ملكوت السموات»، وهو ملك هذه المملكة الروحية … سأل بيلاطس المسيح : «أفأنت إذا ملك ؟ » أجاب : « أنت تقول إنى ملك . لهذا قد ولدت أنا ، ولهذا قد أتيت إلى العالم لأشهد للحق » (يو ۱۸ : ۳۷)…
إن مملكة المسيح هى مملكة الحق فى القلب. فقد جاء ليملك على قلوب البشر…والمسيح يملك بالحب وليس بالعنف، لا يرفع سيفاً ولا يعلن حرباً … كان ملكاً بغير سلاح إلا سلاح الروح ، وملكاً بغير قوة سوى قوة الحب !!
قال أحدهم : [ صرخ اليهود قائلين : إن كان هو ( المسيح ) ملك إسرائيل فلينزل الآن عن الصليب فنؤمن به أما نحن فنقول : إننا نؤمن به ونسجد له لأنه رفض أن ينزل عن الصليب حباً لنا ومن أجل فدائنا ] !!
ما المقصود بملكوت الله ؟
ماذا كان المسيح يقصد بتعبير « ملكوت الله » ؟ … لقد غنى المسيح بملكوت الله حالة القداسة والبرارة التي تؤهل البشر للتمتع بنعيم الله الأبدى كنتيجة لملكه على حياتهم …. إن الإنسان ينال عربون الملكوت وهو مازال بالجسد في هذا العالم … وهذا عين ما أوضحه السيد المسيح للفريسيين عندما سألوه : « متى يأتي ملكوت الله » فكان جوابه : « لا يأتى ملكوت الله بمراقبة، ولا يقولون هوذا ههنا أو هوذا هناك. لأن ها ملكوت الله داخلكم » (لو ۱۷ : ۲۰ ، ۲۱).
كان جواب السيد المسيح عن سؤال الفريسيين من نوع جوابه على نيقوديموس : « إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله … الحق الحق أقول لك إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله . المولود من الجسد جسد هو، والمولود من الروح هو روح » (يو ٣ ) …
هذه الإجابات تتلخص في أن ملكوت الله روحى ولا يأتي بمراقبة ، بمعنى أنه ليس شيئاً مادياً يخضع للحدود الجغرافية، ولا يقع تحت حصر البصر، لأنه أوسع من أن يحده مكان « لا يقولون هوذا ههنا أو هوذا هناك »…
سبق أن قلنا إن « ملكوت الله » أو « ملكوت السموات » ، هو ملك الله على الأرض أو ملك السماء على الأرض …. والحق إن السماء لم تملك بعد على الأرض حتى الآن …. إنما الذي يملك على الأرض الآن ببطشه وجبروته وطغيانه هو الشيطان «رئيس هذا العالم » ( یو ۱۲ : ٣١؛١٤: ٣٠؛ ١٦ : ١١)… نحن في عالم غريب امتلأ بالأوضاع المقلوبة . فالأشرار فيه يُثابون ، والأبرار يعاقبون، وعباد الله يهانون ، وعباد البعل يكرمون … كم من أبرار في أغلال السجون يرسفون ، وكم من اناس يعيشون في الأرض فساداً في بحبوحة يرتعون … ليس هذا هو حكم السماء على الأرض، إنما هو حكم الشيطان على الأرض. وان يكن هذا يحدث بسماح من الله الذي يسمح بالشر لحكمة يراها … لكن هذا كله إلى حين …. إن السماء تحكم الأرض من خلال الأبرار والقديسين والأتقياء الذين اسلموا حياتهم لله .
من خلال الآيات الكتابية التي وردت في العهد الجديد عن « ملكوت الله » و «ملكوت السموات »، ونلاحظ أنها تؤلف ثلاث حلقات متصلة ببعضها :
الحلقة الأولى تصف ملكوت السموات كبذرة في قلب المؤمن، وهو ما يعبر عنه بقول رب المجد : «ها ملكوت الله داخلكم »…
والحلقة الثانية تصف الملكوت كشجرة – بعد أن كانت حبة خردل .
إنها شجرة وارفة الظلال تأوى تحت ظلها أمم وشعوب الأرض….
والحلقة الثالثة تصف « ملكوت السموات » في طور الكمال كثمرة ناضجة ، اعدت ليتمتع بها المؤمنون في المجد الأبدى ، على نحو ما نراه مدوناً في الاصحاحات الختامية من سفر الرؤيا عن أورشليم الجديدة ….
الحلقة الأولى – ملكوت الله أو ملكوت السموات – كبذرة ، هو حالة روحية قلبية. لا شيء فيها يرى أو يلمس …. هو ليس شيئاً مادياً . فملكوت الله ليس أكلاً وشرباً، بل هو بر وسلام وفرح في الروح القدس ( رو ١٤ : ١٧).. وملكوت السموات كشجرة يحتاج إلى الصبر على المكاره « إن كنا نصبر فسنملك أيضاً معه » (۲تي ۲ :۱۲) ..
أما الحلقة الثالثة وهى ملكوت السموات كثمرة، فإن الله سوف يدخلنا إليه متى نقلنا إلى المجد، فندخل إلى قلب الفرح في السماء، بعد أن دخل فرح السماء إلى قلوبنا …
إن تعبير السيد المسيح « ها ملكوت الله داخلكم » يصف تماماً وبدقة صورة ملكوته الروحي …. لقد بدأ هذا الملكوت في مزود بيت لحم، دون أن يحس به العظماء والأغنياء وحكماء هذا الدهر … وظهر فجأة في الهيكل بأورشليم، ولم يتعرف عليه أحد سوى سمعان الشيخ وحنة بنت فنوئيل النبية (لو ٢ : ٢٥ ، ٣٦) … وبعد ثلاثين سنة من ذلك التاريخ تعرف عليه قلة من صيادي السمك والعشارين في الجليل … لم يكن للحكام وكهنة اليهود ورؤسائهم والكتبة والفريسيين عيون ليبصروه … لقد جاء الملك إلى خاصته، وخاصته لم تقبله … حدث ذلك بينما أعلن اليهود أنهم في انتظار الملكوت … وخطأهم الذي وقعوا فيه أنهم كانوا ينظرون في الإتجاه المضاد … كانوا في انتظار علامات. وكان ملكوت الله في وسطهم، لكنهم لجهلهم وغباوتهم لم يتعرفوا عليه .
وثمة نقطة أخرى نشير إليها … لقد ذكر القديس بولس في ( أف ٥ : ٥ ) « ملكوت المسيح والله » ، ويذكر في (كو ۱ : ۱۳ «ملكوت ابن محبته »،، فماذا كان بولس يعنى بملكوت المسيح ؟
ملكوت المسيح هو ملك المسيح الروحى على قلوب المؤمنين …. لقد تمت هذه الملكية للبشر عندما دفع الرب ثمن نفوسنا على الصليب … لكي يملك إنسان شيئاً عليه أن يدفع الثمن «قد اشتريتم بثمن . فمجدوا الله في أجسادكم وفي أرواحكم التي هي لله » (١كو ٦ : ۲۰) … « قد اشتريتم بثمن فلا تصيروا عبيداً للناس » (۱کو ۷ :۲۳) … « عالمين أنكم افتديتم لا بأشياء تفنى، بفضة أو ذهب من سيرتكم الباطلة التي تقلدتموها من الآباء ، بل بدم كريم كما من حمل بلا عيب ولا دنس ، دم المسيح معروفاً سابقاً قبل تأسيس العالم ، لكن قد اظهر في الأزمنة الأخيرة من أجلكم » ( ۱ بط ۱ : ۱۸ – ۲۰ ) .
أمثال المسيح عن الملكوت ودلالتها :
ضرب السيد المسيح عدة أمثال لتوضيح بعض صفات ملكوت الله … ففى الاصحاح الثالث عشر من الإنجيل بحسب القديس متى ، أورد سبعة أمثلة قدمها السيد المسيح عن الملكوت هى مثل الزارع ، والزوان والحنطة، وحبة الخردل، والخميرة التي خمرت العجين كله ، والكنز المخفى فى حقل، واللؤلؤة الكثيرة الثمن، والشبكة المطروحة فى البحر. وفى الأصحاح العشرين يقدم متى مثل الفعلة والكرم. وفى الاصحاح الحادى والعشرين يقدم مثل الكرم والكرامين ثم مثل العرس والمدعوين في الاصحاح الثاني والعشرين وأخيراً مثل العذاري في الاصحاح الخامس والعشرين …
ولا شك أن كل مثل من هذه الأمثلة يوضح لنا بعض ملامح الملكوت أو جوانبه ، أو بعض النواحي الروحية التي يريد ربنا يسوع أن نتحلى بها في حياتنا الشخصية . يضاف إلى ذلك أن بعض أمثلة الملكوت قصد بها المسيح كنيسته المقدسة التي هي مملكته أيضاً وتضم أعضاء جسده السرى غير المنظور… والآن نستعرض بعض هذه الأمثلة ….
( ۱ ) مثل الزارع :
نجد هذا المثل فى ( مت ۱۳ : ۱ – ٩، ۱۸ – ۲۳ ؛ لو ٨ : ٤ – ١٥ ؛مر ٤ : ١ – ٩، ١٣-٢٠).
يوضح هذا المثل مسئولية الإنسان فى أن يملك الله على قلبه … ونلاحظ في هذا أربعة أشياء : الزارع – البذار – التربة – النتيجة … من جهة الزارع الزرع الجيد هو يسوع المسيح ابن الإنسان ( مت ۱۳ : ۳۷ ) – من جهة البذار هي كلمة الله ، وكلمة الله جيدة وحية وامضى من كل سيف ذى حدين (عب ٤ : ١٢) … تتبقى التربة التي تشير إلى قلب الإنسان … وهذه ترتبط بالنتيجة .
في هذا المثل يوضح رب المجد حرية إرادة الإنسان في قبول كلمة الله . و يشير إلى أربعة أنواع من التربة : ما يشبه الطريق، وما يشبه الأماكن المحجرة، وما يشبه الأرض المليئة بالشوك ، ثم ما يشبه الأرض الجيدة … والقلب الذي يرمز إليه بالتربة هو مسئولية الإنسان … مفروض أن الله خلق الإنسان صالحاً (تك ٩ : ٦ ) .
فكيف تحولت التربة الجيدة إلى طريق مداس بالأقدام حتى تبلط. وكيف اهملت التربة الجيدة حتى نبت فيها الشوك. وكيف صارت التربة الجيدة محجرة ؟… لا شك هذا كله هو مسئولية الإنسان … وفي هذا المجال نلاحظ امكانية تحويل كل نوع من الأنواع الثلاثة الأولى للتربة، إلى تربة جيدة. وهنا نحن نرى في عصرنا تحويل كثير من الأراضي الرملية الصحراوية والأراضي البور إلى أراضي صالحة للزراعة، وهو ما يسمى باستصلاح الأراضي ….. لكن الأمر في هذا الاستصلاح يحتاج إلى جهد وصبر.
وهذا ما عبر عنه رب المجد عن أمثال هؤلاء أنهم « يثمرون بالصبر » ( لو ۸ : ١٥ ) … لا يأس إذن لأي إنسان ، مهما وصلت حالة قلبه من القساوة ، ومهما امتلأ بأحجار العثرات ، وأشواك الشهوات …. في الإمكان أن يتحول بالتوبة وممارساتها إلى أرض جيدة تثمر ثمراً جيداً .
( ۲ ، ۳ ) مثل الزوان والحنطة ، ومثل الشبكة المطروحة في البحر :
(مت١٣: ٢٤-٣٠؛ ٢٦-٤٣) ؛ ( مت ١٣ : ٤٧ – ٥٠ ) .
في مثل الزوان والحنطة ، يقال إن بذرة الزوان شديدة الشبه بحبة الحنطة ، كما أن نبات الزوان وهو بعد صغير يكون شديد الشبه بالحنطة … لذا يصعب في الأطوار الأولى من النمو التمييز بين الحنطة والزوان. ولا يظهر الفارق بينهما جلياً إلا بعد ظهور رؤوس النبات. ولكن في هذه المرحلة المتقدمة من النمو تكون جذور الحنطة والزوان قد تشابكت معاً في باطن التربة، بحيث يتعذر اقتلاع نبات الزوان دون اقتلاع بعض الحنطة معه …
إلى أى شيء يشير كل من الحنطة والزوان في هذا المثل ؟
لا خلاف في أن المقصود بالحنطة هو الأبرار والأتقياء . لكن إلى أي شيء يشير الزوان ؟
الزوان يشير إلى أشرار الناس . وإن كان بعض آباء الكنيسة الكبار كيوحنا ذهبي الفم وأغسطينوس يرون أن الزوان أيضاً رمز للتعليم الفاسد من جهة الإيمان والهراطقة .
ومهما يكن من أمر فإن الحقل فى هذا المثل يشير إلى العالم وليس إلى الكنيسة كما فهم البعض. فالسيد المسيح له المجد يقول صراحة : « الحقل هو العالم . والزرع الجيد هو بنو الملكوت . والزوان هو بنو الشرير » ( مت ۱۳ : ۳۸ ) …
والمقصود بالمثل هو وجود الشر فى العالم كأمر واقع ، واستمرار وجوده بسماح من الله … يجب أن نفهم هذا جيداً ، أننا على هذا الأساس نحيا في العالم ونتعامل مع الناس … الزوان هو بنو الشرير أى الشيطان . قال السيد المسيح لليهود : « أنتم من أب هو إبليس، وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا » ( يو ٨ : ٤٤ ) .
من الذي زرع الزوان ؟ زرعه عدو ( إبليس ) … كيف ومتى فعل ذلك ؟ فعله « فيما الناس نيام». أى فى حالة غفلة وتهاون وعدم يقظة روحية … إن الملكوت داخل الإنسان يحتاج إلى يقظة … احذر الشيطان ، فلقد زرع ولا يكف عن الزرع فهذا عمله !!
ما هو موقفنا من الزوان ؟ … ليس عملنا أن نقتلع الزوان ، بل النمو، والنمو الدائم. فقد قال رب المجد : « دعوهما ( الحنطة والزوان ) ينميان كلاهما معاً إلى الحصاد » . وفي قوله : «معاً » يعنى الخير إلى جانب الشر… الله يعلمنا أننا فيما نقتلع الزوان يخشى أن نقتلع معه الحنطة …كثيرون على مر العصور انشغلوا بنزع الزوان . وفيما هم يحاولون ذلك انشغلوا عن الإيجابيات فى حياتهم الخاصة ، فأساءوا إلى أنفسهم وإلى الكنيسة !! الله لا يوافق على استئصال الشر والأشرار رغم بغضه له ولهم ، خوفاً على الخير ومحبيه … لنحذر عند تقليم الأغصان الجافة فى الشجرة أن نقتلها أو نأتي عليها … ورغم فساد كهنة اليهود ومعلميهم من أمثال الكتبة والفريسيين، كان السيد المسيح حريصاً على مهاجمة فسادهم دون الدور الديني الذي كانوا يؤدونه …!!
ونلاحظ في هذا المثل أن العدو بعد أن زرع الزوان « مضى » (مت ۱۳ : ٢٥) ، وذلك حتى لا يُرى … إن أسلوب إبليس في العمل هو التخفى . انه يغير شكله إلى شبه ملاك نور (۲كو ۱۱ : ۱۳ ، ١٤ ) … ثم ان إبليس مضى لأن الزوان لا يحتاج إلى عناية كالزرع الجيد . وكما يقولون : « نبات شيطاني » … إن السقوط لا يحتاج إلى جهد. يكفى أن الإنسان يترك ذاته فيسقط . وأما النهوض والقيام فيحتاج إلى جهد … سيظل الزوان والحنطة متجاورين فى هذا العالم … سيظل الخير والشر معاً حتى نهاية العالم « إلى الحصاد » . والحصاد هو إنقضاء الدهر … « وخرج ملاك آخر من الهيكل يصرخ بصوت عظيم إلى الجالس على السحابة . ارسل منجلك واحصد ، لأنه قد جاءت الساعة للحصاد، إذ قد يبس حصيد الأرض » ( رؤ ١٤ : ١٥ ) .
هذا عن مثل الزوان والحنطة ، فإذا أتينا إلى مثل الشبكة المطروحة في البحر، نجده يقدم نفس المعنى … « يشبه ملكوت السموات شبكة مطروحة في البحر وجامعة من كل نوع . فلما امتلأت اصعدوها على الشاطىء . وجلسوا وجمعوا الجياد إلى أوعية . وأما الأردياء فطرحوها خارجاً . هكذا يكون في إنقضاء العالم. يخرج الملائكة و يفرزون الأشرار من بين الأبرار. ويطرحونهم في أتون النار…» (مت ١٣ : ٤٧ -٥٠)…
والمعنى كما يوضح المثل ، هو تلازم الخير والشر في العالم حتى إنتهاء هذا الدهر (فالاثنان موجودان في شبكة واحدة). وان الشر لن يستأصل من الأرض قبل اليوم الأخير. سيخالط الأشرار الأبرار في ملكوت الله على الأرض إلى يوم الدينونة …
( ٤ ٥٠ ) مثل حبة الخردل ومثل الخميرة :
( مت ۱۳ : ۳۱ ، ٣٢ ؛ مر ٤ : ۳۰-۳۲؛ لو ۱۳ : ۱۸ ، ۱۹) (مت ۱۳ : ۳۳ ، لو ۱۳ : ۲۰ ، ۲۱) .
في مثل حبة الخردل يقول رب المجد إن إنساناً أخذها « وزرعها في حقله، وهي أصغر جميع البذور. ولكن متى نمت فهى أكبر البقول، وتصير شجرة حتى أن طيور السماء تأتى وتتآوى فى أغصانها » (مت ۱۳ : ۳۱ ، ۳۲) .
يقول القديس جيروم إن ملكوت السموات في هذا المثل هو الكرازة بالإنجيل. إن هذا المثل يشير إلى نمو الملكوت وامتداده، فالمسيحية بدأت متواضعة في أعداد قليلة ولكن سرعان ما أن « الذين لم تسمع أصواتهم في كل الأرض خرج منطقهم، وإلى أقطار المسكونة بلغت أقوالهم »… وقد تنبأ عن ذلك دانيال النبي بقوله : « كنت أرى فإذا بشجرة فى وسط الأرض وطولها عظيم. فكبرت الشجرة وقويت فبلغ علوها إلى السماء، ومنظرها إلى أقصى كل الأرض، أوراقها جميلة وثمرها كثير، وفيها طعام للجميع، وتحتها استظل حيوان البر. وفى أغصانها سكنت طيور السماء وطعم منها كل البشر» (دا ٤ : ۱۰-۱۲).
وطيور السماء في هذا المثل ترمز إلى الشعوب الوثنية. وكان هذا التشبيه مألوفاً وشائعاً في كتب الأدب اليهودي في ذلك العصر. وهكذا فإن مثل حبة الخردل يشير إلى إنتشار المسيحية الخارجي.. ومازالت حبة الخردل التي صارت شجرة كبيرة تمتد بأغصانها رغم تيارات المادية والإلحاد التي تناهضها في بقاع كثيرة من العالم…. لعل المسيح بهذا المثل أراد أن يشجع القطيع الصغير الذى سر الأب أن يعطيهم الملكوت ( لو ۱۲ : ۳۲).
وإذا كان مثل حبة الخردل بشير إلى نمو المسيحية الخارجي وانتشارها، فإن مثل الخميرة يشير إلى عمل المسيحية وفعاليتها بالنعمة في داخل الإنسان….. فالملكوت في هذا المثل يشبه : (خميرة اخذتها امرأة وخبأتها في ثلاثة أكيال دقيق حتى اختمر الجميع )(مت۱۳ :۳۳)… والخميرة الموضوعة فى عجين الدقيق تتفاعل من الداخل دون أن ترى ماذا يحدث. كل ما نلاحظه أن العجين يرتفع و يزداد حجمه بفعل الخميرة .
وعلى الرغم من أن الخميرة رمز للشر في الكتاب المقدس (١كو٥ : ١٧ ؛ لو ١٢: ١؛ غل ٥ :٩) ، وحرمت الشريعة الموسوية استخدامها في التقدمات ، باستثناء حالة واحدة وردت في (لا۲۳) : ۱۷) ، وفى عيد الفصح كان اليهود يعزلون الخمير من بيوتهم مدة سبعة أيام، لكن من الممكن استخدام نفس التشبيه للتعبير عن الشر والخير، كل من زاوية خاصة.
فالمسيح له المجد شبه في الكتاب بأسد « هوذا قد غلب الأسد الذى من سبط يهوذا أصل داود» (رؤ ٥ : ٥ ) … والشيطان شبه بأسد زائر يجول ملتمساً ابتلاع المؤمنين (۱بط ٥: ٨) … والمسيح رمز إليه بحية من نحاس رفعها موسى فى البرية (يو ٣ : ١٤) ، بينما الحية هي التي أغوت حواء في البداية. كما أن المسيح طالب اتباعه أن يكونوا حكماء كالحيات …. وهكذا ..
أما عن الثلاثة أكيال دقيق التي خبأت المرأة فيها الخميرة ، فيقول عنها القديس أغسطينوس إنها ترمز لأولاد نوح الذين عمروا الأرض بعد الطوفان . وقال آباء آخرون انها تشير إلى قارات العالم الثلاث المعروفة في العالم القديم وقتئذ . وهكذا يكون المعنى أن الثلاثة أكيال دقيق تشير إلى العالم كله على نحو ما قال السيد المسيح لرسله وتلاميذه: « اذهبوا إلى العالم أجمع. اكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها » (مر١٦ : ١٥).. والعالم أجمع هو الثلاث قارات القديمة (آسيا وأوربا وأفريقيا ) ، والخليقة كلها هم نسل أبناء نوح الثلاثة … وهناك رأى آخر للقديس جيروم بخصوص الثلاثة أكيال دقيق انها تشير إلى العناصر التي يتكون منها الإنسان وهى الروح والجسد والنفس. وحينما تعمل النعمة فيها يكونون في توافق .. ويقول جيروم أيضاً إن المرأة في هذا المثل تشير إلى الكنيسة والثلاثة أكيال تشير إلى الآب والابن والروح القدس …. هذا ويرى أغسطينوس أيضاً في الثلاثة أكيال الإنسان بكل قلبه وكل نفسه وكل فكره (مت٢٢ : ٣٧ )…ومهما اختلفت التفسيرات فالمقصود ان رسالة الإنجيل وعمل النعمة أشبه بقوة جديدة مجددة انسابت إلى العالم، وهي كافية لتجديده …..
( ٦ ) مثل الفعلة في الكرم : ( مت ۲۰ : ١ – ١٦ ) .
ويتلخص هذا المثل في أن صاحب كرم خرج صباحاً ليستأجر فعلة لكرمه ، فاتفق معهم على دينار في اليوم وأرسلهم إلى كرمه . ثم خرج نحو الساعة الثالثة إلى السوق ورأى فعلة آخرين بلا عمل، فاستأجرهم وأرسلهم إلى الكرم. ثم خرج نحو الساعة السادسة والتاسعة وفعل مثل ذلك.
ثم خرج نحو الساعة الحادية عشرة واستأجر آخرين وجدهم بلا عمل. وفى المساء طلب صاحب الكرم إلى وكيله أن يستدعى جميع الفعلة الذين عملوا في الكرم . وابتدأ بالذين أستأجرهم في الساعة الحادية عشرة، وأعطى كلاً منهم ديناراً . فظن الذين عملوا من أول النهار أنهم يأخذون أكثر، لكن صاحب الكرم ساواهم بمن عملوا في الساعة الحادية عشرة، فتذمروا على صاحب الكرم. فقال لواحد منهم : « يا صاحب ما ظلمتك .
أما اتفقت معى على دينار فخذ الذي لك واذهب ، فإنى اريد أن أعطى هذا الأخير مثلك . أو ما يحل لى أن أفعل ما أريد بمالى». وختم الرب يسوع المثل بقوله : « هكذا يكون الآخرون أولين، والأولون آخرين . لأن كثيرين يدعون ، وقليلين ينتخبون » .
يقول العلامة أوريجينوس في تفسيره لهذا المثل إن العالم يشبه بيوم طويل .
أول النهار يمثل الفترة من آدم إلى نوح .
والساعة الثالثة تمثل الفترة من نوح إلى إبراهيم.
والساعة السادسة تمثل الفترة من إبراهيم إلى موسى.
والساعة التاسعة تمثل الفترة من موسى المجيء الرب يسوع. ونلاحظ أن السيد المسيح قد ادمج الساعة السادسة مع التاسعة وخرج أيضاً نحو الساعة السادسة والتاسعة » ، لأن في هاتين الساعتين كان يدعو اليهود ويفتقد البشر ليؤسس عهوده، لأن الوقت كان يقترب لخلاص العالم.
والساعة الحادية عشرة تمثل الفترة من مجيء الرب إلى نهاية العالم .
ويقول اوريجينوس أيضاً ، من باكر النهار حتى الساعة التاسعة تمثل الشعب اليهودي . أما الساعة الحادية عشرة فدعى فيها الأمم (لأن المسيح مات على الصليب في الساعة التاسعة ) … إن أصحاب الساعة الحادية عشرة قالوا لصاحب الكرم : « لم يستأجرنا أحد » . أى لم يأتنا أحد الآباء البطاركة (مثل إبراهيم واسحق ويعقوب ) ، أو الأنبياء . إن أحداً لم يكرز لنا طريق الحياة … إن الكرم هو الكنيسة الجامعة من عصر هابيل الصديق إلى آخر المختارين الذين يولدون في العالم. والله خلال هذه الفترة الطويلة لم يتوقف عن إرسال عمالاً لكرمه ليعلموا شعبه البر. وقد تم ذلك أولاً بالآباء البطاركة ثم بمعلمى الناموس والأنبياء، وأخيراً بواسطة الرسل .
فلما كان المساء بدأ يعطيهم أجرهم … المساء يشير إلى نهاية العالم . ولم يقل صباح اليوم التالي ، لأنه الراحة الأبدية …. أصحاب الساعة الحادية عشرة أخذوا أولاً إشارة إلى الأمم الذين مجدوا الله من أجل الرحمة ( رو ١٥ : ۹) … والرحمة لا ترتبط بالترتيب « أرحم من أرحم وأتراف على من أتراف » ( رو ۹ : ١٥ ) .
ويقول القديس أغسطينوس إن كل واحد أخذ ديناراً بالتساوى . الجميع أخذوا بالتساوى، لأن الملكوت هو نصيب الجميع … لكن كل واحد كان عمله مختلفاً، لأن في بيت أبى منازل كثيرة . ونجم يختلف عن نجم في المجد …
إن الإنسان الذي يخدم المسيح على أساس المعادلات الحسابية وتقدير الوقت والأتعاب والأجور، أو طمعاً فى مجازاة فى هذه الحياة أو الحياة الأخرى … مثل هذا الإنسان لم يفهم روح المسيح . ذلك لأن الخدمة يجب أن تفهم على أنها تؤدى لله وفاء لدين … ثم ان الخدمة المسيحية تؤدى من أجل المحبة .
( ۷ ) مثل العرس والمدعوين : ( مت ٢٢ : ١ – ١٤ ؛ لو ١٤ : ١٦ – ٢٤ ).
يورد القديس متى في إنجيله هذا المثل عن ملك صنع عرساً لابنه . أما القديس لوقا في إنجيله فيورد هذا المثل عن إنسان صنع عشاء عظيماً . وفي كلا الروايتين اعتذر المدعوون عن الحضور …
أما هدف السيد المسيح من هذا المثل فهو وجوب تلبية دعوة الله دون الاحتجاج بأى هموم أو مشغوليات، لأن الدعوة لا تحتمل التسويف …. في المثل بحسب القديس متى فإن العرس يشير إلى الكنيسة الآن في العالم … أما في لوقا فالعشاء يشير إلى الوليمة الأبدية …. كثيرون في هذا الزمان يحضرون العرس أي يدخلون إلى الكنيسة التى سيتركونها . لكن الذين يدخلون إلى الوليمة الأخيرة فلن يخرجوا منها .
الملك أرسل عبيده أى الأنبياء … لقد أرسل عبيده مرتين . والعبيد في المرة الأولى هم الأنبياء، وفى المرة الثانية هم الرسل … ويرى العلامة أوريجينوس ان العبيد في المرة الثانية هم مجموعة ثانية من الأنبياء …. أما الملك في هذا المثال فيرمز للآب السماوى . والابن الذى اقيم له العرس هو المسيح . أما العروس فهي الكنيسة . وفي المثل بحسب رواية القديس لوقا ان صاحب الوليمة رأى إنساناً وسط المدعوين ليس عليه ثياب العرس …. فماذا يكون ثياب العرس …؟
لقد فسروا ثياب العرس بالمحبة – وهذا هو رأى أوريجينوس الذي يستند لكلام بولس الرسول : «البسوا كمختارى الله القديسين المحبوبين احشاء رأفات ولطفاً وتواضعاً ووداعة وطول أناة … وعلى جميع هذه البسوا المحبة التي هي رباط الكمال » (کو ۳ : ۱۲ ، ١٤ ) … وفسروه أيضاً بالإنسان الخاطىء الذي لم يلبس الرب يسوع ( رو ۱۳ : ١٤ ) . أي الخاطئ الذى لم يغير طريقة حياته ويحيا الحياة الجديدة …هذا الإنسان الذي لم يكن لابساً ثياب العرس ، لما سئل كيف دخل وليس عليه ثياب العرس «سكت » (مت (۲۲ : ۱۲) … والمعنى انه ليس للإنسان عذر أو إجابة يجيب بها عن حياة الخطيئة التي يحياها .
(۸، ۹ )مثل الكنز المُخْفى في حقل ، واللؤلؤة الكثيرة الثمن :
(مت ۱۳ : ٤٤ ) ؛ ( مت ١٣ : ٤٥ ، ٤٦ ) .
ويقصد رب المجد يسوع بهذين المثلين أن الأرض بكل كنوزها والعالم بكل ما فيه لا يوازى الملكوت .
في مثل الكنز المخفى فى حقل يقول ربنا يسوع : « يشبه ملكوت السموات كنزاً مخفى فى حقل ، وجده إنسان فأخفاه، ومن فرحه مضى وباع كل ما كان له واشترى ذلك الحقل » .يبتدى الرب يسوع هذا المثل بكلمة « يشبه » ، لأن الملكوت لا شبيه له في عالم المادة. يقول داود مناجياً الله : «ليس لك شبيه في الآلهة يارب ، ولا من يصنع كأعمالك » ( مز ٨٦ : ٨ ) …
الكنز مخفى في حقل – ماذا يكون هذا الحقل ؟
ربما كان هذا الكنز هو الإنجيل على نحو ما يوجد اللبن في الصدر، والنخاع في العظام، والمنّ فى الطل، والماء فى البئر، والشهد فى خلية النحل !! ليس هو في حديقة ذات سور، بل فى حقل مكشوف يمر عليه الناس جيئة وذهاباً كل يوم … فمن يريد الفوز بالكنز فما عليه إلا أن يأتى ويفلح الحقل حتى يجده … من أجل هذا يقول رب المجد يسوع : « فتشوا الكتب ( المقدسة ) لأنكم تظنون أن لكم فيها حياة أبدية ، وهى التي تشهد لى » (يوه : ۳۹) .
ورب قائل يقول لقد قرأت الكتاب المقدس لكنى لم أعثر على هذا الكنز… ولمثل هذا الإنسان نقول إن أغنى المناجم توجد عادة فى الأراضي المجدبة وعلى أعماق سحيقة . فلا تتوقع أن يوجد الكنز على مقربة من سطح الأرض أو بعد عمق يسير. الأمر يحتاج إلى عمق أكثر. وهنا نتذكر كلمات الرب يسوع لسمعان بطرس : « ابعد إلى العمق » (لو ٥ : ٤). كثيرون نظروا إلى السطح، واستخفوا بالإنجيل، لأنهم بطبيعة الحال لم يجدوا شيئاً على السطح. ومن ثم اصدروا حكمهم على هذا الأساس، ان أقوال المسيح لا تفوق تعاليم بوذا وكنفوشيوس !!
وربما كان الحقل الذى يحتوى على الكنز هو العالم الذي نحيا فيه ، فالمسيح قال صراحة فى مثل الزارع : «الحقل هو العالم » (مت ۱۳ : ۳۸) … و يؤيد هذا الرأى قول بولس الرسول عن الله : « لأن أموره غير المنظورة ، ترى منذ خلق العالم مدركة بالمصنوعات، قدرته السرمدية ولاهوته حتى انهم بلا عذر »( رو ۱ : ۲۰ ) … فقدرة الله وعظمته وسموه وكثير من صفاته، يمكن التحقق منها بالتأمل في مخلوقاته …. «السموات تحدث بمجد الله، والفلك يخبر بعمل يديه » ( مز ۱۹ : ۱ ) …. حتى أن الطيور والحيوانات والطبيعة الجامدة كلها تسبح الله ( مز ٦٥ ، ٩٦ ، (٩٧ ) …
يمكنك أن تجد الكنز المخفى – وهو الرب يسوع – في شخص رجل فقير يستحق احساناً. ويمكن أن تجده فى إنسان مريض، أو آخر يحتاج إلى كلمة تعزية وهكذا … ألم يقل الرب يسوع : « الحق أقول لكم بما أنكم فعلتموه بأحد اخوتى هؤلاء الأصاغر فبي فعلتم » (مت ٢٥ : ٤٠ ) ؟! وذلك الشاب الغنى الذى سأل الرب يسوع عما يفعله ليرث الحياة الأبدية، فكان جوابه عليه أن يذهب و يبيع كل ماله ويعطى الفقراء فيكون له «كنز في السماء » و يتبعه حاملاً الصليب ( مر ۱۰ : ۱۷ – ۲۱) … وعلى هذا الأساس ظهرت الرهبنة في المسيحية .
لكن كيف يكون الكنز والحال هذه مُخفى ؟
نعم مخفى … إذ من يظن أن ذلك الفقير المعدم هو الرب يسوع ؟! ومن يظن ان المسجون هو الرب يسوع ؟! ومن يظن أن المريض والمقعد هو الرب يسوع ؟!… لو سار المجوس بحسب منطق أهل العالم لما اهتدوا إلى الطفل يسوع . وحتى لو اهتدوا إليه لما اهتدوا إلى كنهه وحقيقته … لكنهم وجدوا الملك الإلهي .. أين ؟ وجدوه مضجعاً في مزود تحوطه البهائم في اثمال بالية … لكنهم والحال هذه – ما كذبوا ما رأته عيونهم . ولوقتهم سجدوا له، وقدموا له هداياهم …. من يظن أن ملك الملوك يولد فى مزود للبهائم … أليس هذا كنز مخفی ؟!
هذا الكنز وجده إنسان فأخفاه …
وجدة إنسان – أى إنسان … فالمسيح أتى لأجل الجميع …. لليهودي واليوناني ، والبربرى والسكيثي، والعبد والحر، والجاهل والحكيم …
هذا الإنسان الذي وجد الكنز أخفاه . ولماذا أخفاه ؟!
أمر فرعون مصر القابلات العبرانيات بقتل كل أطفال اليهود الذكور. لكن موسى اخفته أمه ثلاثة شهور، وبذا عاش الطفل …. والفضيلة هي مولود النفس، نحتاج أن نخبئها من فرعون الروحى أى إبليس …. إن الفحم بعد أن يشتعل تعلوه طبقة من الرماد بحيث يخاله الناظر أنه منطفىء. لكن ما أن يقترب منه حتى يحس بالدفء والحرارة … هكذا الإنسان المسيحى يجب أن يحرص على اخفاء كنزه … وهكذا عاش القديسون حياتهم … إن كل مجد ابنة الملك من داخل (مز ٤٥ : ١٣ ) .
« ومن فرحه مضى وباع كل ما كان له واشترى ذلك الحقل » .
« من فرحه » … هذا يشير إلى الدافع والاشتياق …. كان فرح هذا الإنسان بالكنز أكثر من جميع ممتلكاته … إن القديس بولس بعد أن عدد اتعابه في خدمة الكرازة يقول : « كمائتين وها نحن نحيا ، كمؤدبين ونحن غير مقتولین، گحزاني ونحن دائماً فرحون كفقراء ونحن نغنى كثيرين. كأن لا شيء لنا ونحن نملك كل شیء» (۲کو ٦ : ٤ – ١٠) … وعلى الرغم من أن الإنسان لا شيء له، ولكنه في نفس الوقت يملك كل شيء، لأنه يمتلك الكنز الحقيقي … هذا ما فعله الآباء النساك الذين عاشوا في البرارى والقفار فى حياة تجرد كامل، لكنهم ومع ذلك كانوا يحملون بداخلهم الكنز الحقيقى ربنا يسوع المسيح …
« وباع كل ما كان له » .
ما هذا الذي يبيعه الإنسان لكى يشترى الكنز ؟ … ليس من الضروري أن تكون ممتلكات يبيعها الإنسان، ويوزع ثمنها على المحتاجين لكي يقتني الكنز…. قد لا يكون لدى مالاً ، لكنى أقتنى دموعاً وخشوعاً ومسكنة روحية … هذه كلها وغيرها استطيع أن أشترى بها الكنز… قد ابيع شهواتي الجسدية وكل ما يعوقني عن الحياة مع الله ، بمعنى اتركها … وبهذا اشترى الحقل الذي به الكنز…هذا الإنسان الذي اكتشف وجود الكنز « مضى وباع كل ما كان له » … إن هذا يشير إلى الخطوات الايجابية فى سبيل اقتناء الكنز… التخلى عن الشهوات . التحلل من كل رباطات الخطية … « ها نحن قد تركنا كل شيء وتبعناك » (مت …( مت١٩: ٢٧)… وماذا بعد هذا لقد اشترى ذلك الإنسان الحقل الذي اكتشف فيه الكنز.. ألم يقل الرسول : «إننا ورثة الله ووارثون مع المسيح » ( رو ۸ : ۱۷ ) ؟!
وعن مثل اللؤلؤة الكثيرة الثمن يقول رب المجد يسوع : « يشبه ملكوت السموات إنساناً تاجراً يطلب لآلىء حسنة فلما وجد لؤلؤة واحدة كثيرة الثمن مضى وباع كل ما كان له واشترها » .
التاجر في هذا المثل هو نموذج للإنسان الذى يبحث عن المسيح حتى يجده …. ونلاحظ على هذا الإنسان أربعة أمور : أولاً يطلب لآلىء حسنة أي يبحث عنها . ثانياً إنه يجدها – ثالثاً انه يمضى ويبيع ما لديه – رابعاً انه يشتريها … ربما اختلف هذا الإنسان التاجر الذى يطلب ويبحث عن اللآلىء الحسنة، عن الإنسان الذي وجد الكنز في حقل دون أن يبحث عنه … قد يكون يبحث عن شيء آخر ووجد الكنز. وهو في هذه الحالة مثال للإنسان الذى أعلن له المسيح ذاته دون أن يبحث عنه « وجدت من الذين لم يطلبونى . وصرت ظاهراً للذين لم يسألوا عنى » ( إش ٦٥ : ١ ؛رو ۱۰ : ۲۰) … لكن هذا الإنسان التاجر من طراز أكثر نبلاً ، وله عقلية أسمى …. انه يبحث عن لآلىء حسنة … ونتيجة جده وبحثه ورغبته السامية، وجد اللؤلؤة الكثيرة الثمن …. كان منشغلاً في التفكير والبحث . وكانت طاقاته منصرفة إلى ذلك …
كان لهذا التاجر هدف محدّد : السعى والبحث عن اللآلىء الحسنة والحصول عليها . يجب تحديد الهدف ولا نعرج بين الفرقتين …. إن كان العالم بمغرياته يستحق خدمتك وتعبك فاذهب إليه وكن فى خدمته. وإن كان السيد الرب الذي خلصك يستحق خدمتك فسِر في هذا الطريق …نحن لا نعرف قيمة هذه اللؤلؤة . كل ما نعرفه انها كانت تساوى كل ما يمتلك ذلك التاجر. ولذا فقد مضى وباع كل ما كان له حتى ما يشتريها …. هذا هو عين ما يحدث حينما يجد إنسان المسيح … لأنه يجد فيه كل احتياجاته …هل هذه مغامرة أن يبيع الإنسان كل ما له ليقتني اللؤلؤة التي ترمز للمسيح … إن الأمر لا يحتاج إلى تردد …
وحين باع ذلك التاجر كل ما كان له ، صار فقيراً في نظر الناس ، والفقر يجلب معه البؤس . لكن الحقيقة انه صار أغنى وأسعد إنسان في الوجود …
( ۱۰ ) مثل العذارى : ( مت ٢٥ : ١ – ١٣ ) .
هذا المثل فى غاية الوضوح ، وهو يختص بمجيء المسيح الثاني …
يقول القديس أغسطينوس إن هذا المثل يختص بالكنيسة كلها – ليس بالاكليروس وحدهم ولا العلمانيين وحدهم، بل الجميع «خطبتكم لرجل واحد لأقدم عذراء عفيفة للمسيح » (۲کو ۱۱ : ۲ ) . إن العذارى من النفوس التي لها الإيمان السليم، ولها أعمال صالحة فى الكنيسة … ومع ذلك فمنهم خمس حكيمات وخمس جاهلات. فلماذا خمسة، ولماذا عذارى ؟… النفس البشرية يرمز لها بالعدد خمسة، لأنها تستخدم خمس حواس. ولأننا لا ندرك شيئاً إلا بإحدى حواس الجسد الخمسة .
كلا الفريقين عذارى نلن عضوية الكنيسة بالعماد وما إلى ذلك . فلماذا قبلت خمسة منهن، ورفضت الخمسة الأخريات ؟!… ليس كافياً انهن عذاري ، وان لهن مصابيح . هن عذارى بسبب ضبط حواس الجسد من الأشياء غير المشروعة ( الرديئة ) ، ولهن مصابيح بسبب الأعمال الحسنة. هذه الأعمال الصالحة التي يقول عنها الرب : « ليضيء نوركم قدام الناس. ليروا أعمالكم الصالحة ويمجدوا أباكم الذي في السموات » (مت ٥ : ١٦) . « لتكن أحقاؤكم ممنطقة وسرجكم موقدة . وأنتم مثل اناس ينتظرون سيدهم متى يرجع من العرس، حتى إذا جاء وقرع يفتحون له للوقت » ( لو ۱۲ : ٣٥ ، ٣٦) … فى « الاحقاء الممنطقة » العذراوية ، وفي «المصابيح المضيئة » الأعمال الصالحة قليلون هم عذارى بالجسد، لكن عذراوية القلب يجب أن تكون في الجميع … يقول أيضاً أغسطينوس : لم يختلف الحكيمات عن الجاهلات إلا في الزيت … إن الزيت يشير إلى المحبة . لماذا يُشار للمحبة بالزيت ؟ قال الرسول عن المحبة انها الطريق الأفضل (۱کو ۱۲ : ۳۱). إن المحبة تشبه بالزيت ، لأن الزيت يطفو على جميع السوائل. إذا صببت زيتاً على ماء فإنه يطفو. وإذا صببت ماء على زيت فالزيت يطفو أى يعلو « المحبة لا تسقط أبداً » (۱کو ۱۳ : ۸) … ويُشَارُ بالزيت أيضاً إلى الروح القدس الذى يعطى استنارة للإنسان في كل حياته ….
« خرجن للقاء العريس » .
المسيح له المجد هو عريس النفس المملوء حلاوة .. تقول عروس النشيد : « اسمك دهن مهراق ، لذلك احبتك العذارى » (نش (٣:١) … ماذا ينتظر العريس من عروسه ؟ … ينتظر أن تكون بكل عواطفها له « اسمعی یا ابنتي و انظری و امیلی سمعك وانس شعبك وكل بيت أبيك ، فإن الملك قد اشتهى حسنك لأنه هو ربك » (مز ٤٥ : ۱۰ ، ۱۱ ) …
« في منتصف الليل صار صراخ » .
لماذا في منتصف الليل ؟ … حين لا يتوقع أحد ، وحين لا يكون على حذر… كثيراً ما نصحنا ربنا يسوع أن نسهر … « ليس لكم أن تعرفوا الأوقات والأزمنة التي جعلها الآب في سلطانه » (أع (۱ :۷) . ويقول معلمنا بولس : «يوم الرب سيأتي كلص في الليل » (۱تس ٢:٥) . واللص لا ينبىء بمقدمه. ولكن في نصف الليل يكون الإنسان قد استغرق في النوم … وإذا كان عمر الإنسان في العالم يشبه بالليل فمنتصف الليل يشير إلى الإنسان في عز شبابه …. فى هذه السن التي لا يتوقع فيها الإنسان أن يخلع الجسد ، ربما أتى المسيح .
« اعطيننا من زيتكن فإن مصابيحنا تنطفىء » .
هذه كلمات الجاهلات. وهذا الطلب مستحيل بعد الموت … وحين تجاوبهن الحكيمات « اذهبن إلى الباعة وابتعن لكن » ، فليس المقصود أن هذا ممكن …وفى غيبة الجاهلات ، جاء العريس والمستعدات دخلن معه إلى العرس وأغلق الباب. وعبثاً قرعن العذارى الجاهلات الباب بعد اغلاقه … حقيقة أن السيد المسيح قال: «اقرعوا يفتح لكم». لكن هذا الكلام يصلح لزمن الرحمة، في مدة حياة الإنسان بالجسد. لكن في السماء سيكون زمن العدل . ورحمة الله لا تبطل عدله … ويُسدل الستار على المشهد والعذارى الجاهلات واقفات خارجاً . لقد فقدن كل شيء وانتهى الأمر انه أمر مرعب ومخيف، لأنه يتعلق بالأبدية التي لا نهاية لها . لذا فإن المسيح يختم هذا المثل بنصيحة أخيرة : «اسهروا إذن لأنكم لا تعرفون اليوم ولا الساعة التي يأتي فيها ابن الإنسان » …والسيد المسيح لا يقصد بالسهر هنا سهر الجسد ، وإن كان هذا نافعاً في الممارسات الروحية. لكنه على وجه الخصوص يطالبنا بسهر القلب، وسهر الإيمان، وسهر الرجاء، وسهر المحبة، وسهر الأعمال الحسنة … قالت عروس النشيد : «أنا نائمة وقلبي مستيقظ » (نش ٥: ٢) … نحن الآن في فترة الخطبة، لأننا مخطوبون للمسيح « خطبتكم لرجل واحد لأقدم عذراء عفيفة للمسيح» (۲كو ۱۱ : ٢) … وفترة الخطبة هي فترة التعرف وتنمية العواطف تهيئة ليوم العرس الذي سيكون في السماء ( لو ١٤ : ١٦ – ٢١ ) .
و يقول القديس يوحنا في رؤياه : « وسمعت كصوت جمع كثير وكصوت مياه كثيرة وكصوت رعود شديدة قائلة هللويا ، فإنه قد ملك الرب الإله القادر على كل شيء. لنفرح ونتهلل ونعطه المجد، لأن عرس الخروف قد جاء، وامرأته هيأت نفسها. وأعطيت أن تلبس بزاً نقياً بهياً . لأن البر هو تبررات القديسين. وقال لى اكتب طوبي للمدعوين إلى عشاء عرس الخروف » ( رؤ ۱۹ : ٦ – ٩ )
سعادة الملكوت والحياة الأبدية :
وأخيراً ، لا نجد كلاماً نختم به موضوعنا عن الملكوت أروع وأفضل مما قاله القديس أغسطينوس . يقول :
[الحياة الأبدية مشاهدة . هذا ما قاله المسيح ذاته : « وهذه هي الحياة الأبدية ، أن يعرفوك أنت الإله الحقيقى وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته » ( يو ١٧ : ٣) . فالحياة الأبدية هى أن يعرفوا ويشاهدوا ويدركوا ما آمنوا به ، و ينالوا ما لم يكن بوسعهم أن يدركوه . حينئذ يرى العقل ما لم تره العين، ولم تسمعه الأذن، وما لم يخطر على قلب بشر. ثم يسمعون الكلام القائل :
«تعالوا یا مبارکی أبي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم » ( مت ٢٥ : ٢٤ ) .
سوف نرى الله ، وذاك شيء عظيم يصبح كل ما عداه تافهاً ولا قيمة له البتة. نحن نعتبر أنفسنا ههنا سعداء إذا كنا نعيش بسلام، برغم أن الحصول عليه في هذه الحياة أمر صعب . أما إذا قارنا بين سعادتنا هذه وتلك السعادة العتيدة، كانت هذه بالنسبة إلى الآتية بؤساً وشقاء … ماذا يكون عمل الإنسان هناك ؟ أيسر على قول ما لا يعمل مما يُعمل. وأقول إن استطعت وبقدر ما استطيع .
الفرح في بيت الله أبدى . وفيه عيد لنا لا ينقضي ، بل إلى الأبد مع طغمة الملائكة في رؤية الله وسرور لا يزول … وعيد الإنسان هذا هو من الأعياد التي لا بداية لها ولا نهاية. إذا ابتعد الإنسان عن ضوضاء العالم، تناهى إليه من ذاك العيد الأبدي نغم عذب وشجي .
هناك لا لزوم للفطنة ، إذ لا شر يتحاشاه الإنسان . ولا عدل حيث لا بؤس يجب تخفيفه، ولا اعتدال حيث لا شهوة يكبح لها جماح ، ولا قدرة حيث لا ألم يحتمل .
جميلة هي أعمال الرحمة وجديرة بكل تقدير، ولكن لا فائدة منها حيث لا يفرضها شقاء ملّح . من الذى تطعمه وليس من يجوع . ومن الذي تسقيه وليس من بعطش. وأنى لك أن تكسو العريان وكل الناس يلبسون عدم الموت .
وأنى لك أن تأوى غريباً وكل الناس في وطنهم.
وأنى لك أن تعود (تزور) المرضى والكل يتمتعون بقوة الطهارة عينها. وأنى لك أن تدفن الموتى وكل الناس أحياء.
وأني لك أن تصالح المتخاصمين وكل الناس مسالمون،
وأني لك أن تواسي الحزاني وكل الناس في فرح إلى الأبد … وطالما أن جميع أنواع البؤس تنتهى، فإن أعمال الرحمة تنتهى معها . هناك تكون سعيداً لا تحتاج شيئاً ولا تطلب شيئاً. وغناك الوافر سيكون هو الله ذاته …
ستكون سعيداً لأنك لن تحتاج إلى شيء . ستكون مليئاً ولكن من إلهك. وسيكون لك هناك كل ما تتوق إليه ههنا .
ههنا تطلب قوتاً ، وهناك يكون الله قوتاً لك .
ههنا تتوق إلى عناق الجسد ، وهناك « أما أنا فالالتصاق بالله خير لى » (مز ۷۳ : ۲۸) …ههنا تطلب الثروات، أما هناك فهل ينقصك شيء، وقد صار لك صانع كل شيء .
ولكنك تقول : ماذا أعمل ؟ يبدو انه لا عمل لي : لا النظر ولا الحب ولا التسبيح .
إن الأيام المقدسة التي تتلو قيامة الرب ( الخماسين المقدسة ) تعنى حياتنا بعد القيامة .
وكما أن الأربعين يوماً السابقة لعيد الفصح ( القيامة ) تعنى حياة الجهاد في اختبار الموت، هكذا فإن الأيام التالية للفصح (الخماسين) تعنى حياتنا الأخرى في الملك مع الرب.
حياتنا الحاضرة هى كالأربعين يوماً السابقة للفصح ، أما الحياة الممثلة بالخمسين يوماً التي تعقب الفصح فلا وجود لها الآن. ولكننا نرجوها، وبالرجاء نحبها – ونسبح الله بهذا الحب عينه، وقد وعدنا بها ].[23]
المراجع
[1] الدكتور صموئيل القس قزمان – مجلة الطريق (إيبارشية هولندا) عدد ٦ / ٢٠١٢.
[2] تأملات في مزامير الآلام – صفحة 70 – القمص لوقا سيداروس.
[3] تأملات في مزامير الآلام – صفحة 73 – القمص لوقا سيداروس.
[4] تأملات في مزامير الآلام – صفحة 76 – القمص لوقا سيداروس.
[5] دراسة منهجية للقراءات الليتورجية للكنيسة القبطية – صفحة٢٠٩.
[6] تفسير المزمور – أبونا أنطونيوس فكري.
[7] تفسير المزمور – أبونا تادرس يعقوب ملطي.
[8] تأملات في مزامير الآلام – صفحة 79 – القمص لوقا سيداروس.
[9] تأملات في مزامير الآلام – صفحة 79 – القمص لوقا سيداروس.
[10] كتاب تفسير إنجيل لوقا – للقديس كيرلس السكندري – عظة 104 صفحة 500 – ترجمة دكتور نصحي عبد الشهيد.
[11] كتاب من مجد إلي مجد للقديس غريغوريوس النيسي – صفحة ١٨٦ – ترجمة القمص إشعياء ميخائيل – كنيسة الملاك بالظاهر.
[12] تفسير الرسالة إلى العبرانيين للقديس يوحنا ذهبي الفم – صفحة ٣٧٧ – ترجمة دكتور سعيد حكيم يعقوب ومراجعة دكتور جورج عوض إبراهيم – المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية.
[13] تفسير سفر الحكمة – إصحاح ١٤ – القمص تادرس يعقوب ملطي.
[14] تفسير سفر يشوع بن سيراخ – إصحاح ١٧ – القمص تادرس يعقوب ملطي.
[15] كتاب عظات القديس مقاريوس الكبير – العظة الرابعة (السعي للملكوت الأبدي) – مركز دراسات الآباء – دكتور نصحي عبد الشهيد.
[16] كتاب المنجلية القبطية الأرثوذكسية – صفحة ٣٤٩، ٣٥١ – البابا تواضروس الثاني.
[17] تفسير إنجيل متى – صفحة ٢٤٤- ٢٤٧ – أنبا أثناسيوس مطران بني سويف والبهنسا.
[18] مجلة مدارس الاحد – عدد اكتوبر لسنة 1959.
[19] كتاب: وكلمهم أيضاً بأمثال – صفحة ٢٦٢ – القمص لوقا سيداروس.
[20] كتاب تاملات وعناصر روحية في احاد وايام السنة التوتية – الجزء الاول صفحة 124 – اعداد القمص تادرس البراموسي.
[21] كتاب كنوز النعمة – الجزء الخامس صفحة ١٨٢ – الأرشيدياكون بانوب عبده.
[22] كتاب المدلولات اللاهوتية والروحية في الكتاب المقدس بحسب انجيل متى – صفحة 162 – دكتور موريس تواضروس – استاذ العهد الجديد بالكلية الاكليريكية.
[23] كتاب بستان الروح الجزء الثالث لنيافة الانبا يؤانس (ص ٢٠٤-٢٣٣)