أحـد الكنـز السمـاوي (ابــن الله)

 

 

“يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ إِنْسَانًا تَاجِرًا يَطْلُبُ لآلِئَ حَسَنَةً، فَلَمَّا وَجَدَ لُؤْلُؤَةً وَاحِدَةً كَثِيرَةَ الثَّمَنِ، مَضَى وَبَاعَ كُلَّ مَا كَانَ لَهُ وَاشْتَرَاهَا.” (مت١٣: ٤٥-٤٦)

“لكِنْ مَا كَانَ لِي رِبْحًا، فَهذَا قَدْ حَسِبْتُهُ مِنْ أَجْلِ الْمَسِيحِ خَسَارَةً. بَلْ إِنِّي أَحْسِبُ كُلَّ شَيْءٍ أَيْضًا خَسَارَةً مِنْ أَجْلِ فَضْلِ مَعْرِفَةِ الْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّي، الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ خَسِرْتُ كُلَّ الأَشْيَاءِ، وَأَنَا أَحْسِبُهَا نُفَايَةً لِكَيْ أَرْبَحَ الْمَسِيحَ، وَأُوجَدَ فِيهِ” (في٣: ٧-٩).

[مشتاقاً إلي بهائـك أفضل من كل شئ أيها المسيح إلهنا] (قطع الساعة التاسعة).

[هـذا هـو الحجـر الحقيقي الكثير الثمن الذي باع الرجل التاجر كل ماله واشتراه، اترك لنا نحن أيضا الآن هـذا الحجر ليضئ علينا في إنساننا الـداخـلي] (ابصالية يوم الاثنين)

[فلنا الجوهـرة اللؤلؤة الكثيرة الثمن الأسم الحلو المملوء مجداً الذي لربنا يسوع المسيح. إذا ما لازمناه في إنساننا الداخلي فهو يجعلنا أغنياء حتى نعطي آخرين] (ابصالية الاربعاء)

[أعطني يا مخلصي أن أعتبر عـذابـك كنـزي وإكليل الشوك مجـدي] (القسمة المقـدسة)

[ان المواعيد المعطاة والمقدمة للمسيحيين هى مواعيد عظيمة ولا ينطق بها، عظيمة جداً حتى إن كل مجد وبهاء السماء والأرض وكل زينة أخرى بكل نوع وكل كنوز وجمال الأشياء المنظورة لا تساوي شيئا بالمرّة بالنسبة للإيمان والكنز الذي لنفس واحدة] (القـديس مكاريـوس الكبير)[1]

 

 

شــواهــد القــراءات

(مزمور عشية  مز١٧ : ١- ٢)، (إنجيل عشية مت ٦: ٣٤-٤١)&( مت٧: ١-١٢)، (مزمور باكر  مز١٨: ١)، (إنجيل باكر مت٧: ٢٢ – ٢٩)، (رو١٣: ١-١٤)، (يع١: ١٣ -٢١)، (أع٢١: ٤٠-٤١)، (اع٢٢: ١- ١٦)، (مزمور القـدّاس مز: ٢٥ : ١ – ٣) ، (إنجيـل القـدّاس مت ٦: ١٩-٣٣).

 

 

شــرح القـــراءات

تحـدثنا قــراءات هــذا اليــوم عن المسيح له المجـد والكلمة المتجسد كنز نفـوسنـا وحياتنا ومجـدنا ونـورنا وغاية شهوتنا وعطيتنا العظمى وصخـرة حياتنا، لـذا تبـرز قـراءات هـذا الأحـد نـور الإبن ومجـده:

البـولس ونلبس أسلحة النـور، البسوا الــرب يسـوع المسيح.
الكاثوليكون وكل موهبة كاملة هى من فـوق نازلة من عند أبي الأنوار.
الإبركسيس وإذ كنت لا أبصر من أجـل مجـد ذلك النـور.
 انجيل القداس فجسدك كله يكون نيــراً

لذا تبدأ القراءات بمزمور عشية الذي فيه تتحدّث النفس البشرية عن إحتياجاتها (عـدلي، قضائي، طلبتي).

“استمع يا الله عدلي واصغ إلى طلبتي وانصت إلى صلاتي من شفاه غير غاشة ليخرج من وجهك قضائي عيناي لتنظرا الاستقامة”.

ثــم تكتشف النفس في مـزمـور باكـر أن كل إحتياجاتها بل وأمان حياتها وموضوع حبّها في الــرب إلهها:

“أحبك يا رب قـوتي الـرب هـو ثباتي وملجأي ومخلصي، إلهى عوني وعليه أتكل”.

أي أن النفس في مزمور عشية إختبرت أن الـرب هـو باب الرجاء لكن في مزمور باكر أنّه موضوع الـرجاء، لذلك تعلن النفس في مزمور القـدّاس ثقتها الكاملة في كل طرقه وسُبُله الإلهية.

“أظهر لي يا رب طرقك وعلمني سبلك اهدني إلى عدلك”.

لذلك تكررت كلمة توكّلت في مزمور باكر ومزمور القدّاس، ويوضّح إنجيل عشية معطلات الإغتناء بالكنز السماوي وهى الإنشغال بأمور الحياة ومشغوليتها.

“لا تهتمّوا للغد فإن الغد يهتم بشأنه يكفي كل يوم شرّه”.

ويؤكّد إنجيل عشية أيضاً على ماتـراه العيـن الـروحية أو التـوبـة التي لا تنشغل بخطايا الآخرين عـن إدراكها وفطنتها لضعفها.

“ولماذا تنظر القـذى في عين أخيك وأما الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها”.

كما يحذر النفس من الإستهانة بقـدسها وجـواهـرها الـروحيـة

“لا تعطـوا القـدس للكلاب ولا تلقــوا جـواهـركم قـدام الخنازيــر”.

ويدعـونـا للطلب بإيمان وإجتهاد القـرع على باب مراحمه الإلهية لنوال نصيبنا في المسيح.

“لأن كل من يسأل يأخذ ومن يطلب يجد ومن يقـرع يفتح له، فاذا كنتم وأنتم أشرار تعرفـون أن تعطـوا أبناءكم العطايا الجيدة فكم بالحري أبوكم الذي في السموات يمنح الصالحات للذيـن يسألونه”.

أما إنجيــل باكـر فيحـذّر من الإفتخار الكاذب بالمواهب دون معـرفـة الله المعـرفـة الحقيقية.

“فإن كثيريـن سيقـولـون لي في ذلك اليـوم يــا رب يــا رب، أليس باسمك تنبأنا وباسمك أخـرجـنــا الشياطين وباسمك صنعنا قــوات كثيــرة فحينئذ أصرح لهم أني لـم أعــرفكــم قط “.

وفي ذات الوقـت يقــدّم لنا الإبـن الصخـرة ضمان وأمان بنياننا عندما نحيا بوصيته ونعمل بكلمته.

“فكل من يسمع كلامي هـذا ويعمل به أشبهه برجل عاقـل بنى بيته على الصخرة فنزل المطر وجاءت الأنهار وهبت الرياح صدمت ذلك البيت فلم يسقط لأن أساسه كان ثابتاً على الصخرة”

فما هى الصخـرة هنا إلا ربنا يسوع المسيح له كل المجـد (١كو١٠)

ويعلن البولس سمة ومظاهر من يعيشون الكنز السماوي فيوضّح ثلاث فضائل أساسيّة فيهم:

  • الأمانة في الحياةوفي تحمّل المسؤولية والتعامل مع الآخريـن. “أفينبغي ألا تخاف من السلطان إفعل الخير فيكون لك مدح منه، فأعطوا الجميع حقوقهم، الجزية لمن له الجزية، والجباية لمن له الجباية، والمهابة لمن له المهابة”.
  • والمحبة “فإنه من أحب قريبه فقـد أكمل الناموس، فالمحبة إذا تكمل الناموس”.
  • والقــداسة “قد تناهى الليل واقترب النهار فلنخلع عنا أعمال الظلمة ونلبس أسلحة النور”.

ثم يوضّح مصدر كل فضيلة وكل سلوك مقـدّس في حياتنا. “بل إلبسوا الــرب يسوع المسيح”.

ويؤكد الكاثوليكـون على كلمة الحق التي تلدنا لنكون باكورة خلائقه وكلمته التي تخلّص نفوسنا، وأن الآب هـو مصدر كل صلاح في الإنسان.

“إن كل عطية صالحة وكل موهبة كاملة، هى من فوق نازلة من عند أبي الأنوار الذي ليس عنده تغيير ولا شبه ظل يزول، هو شاء فولدنا بكلمة الحق لنكون باكورة من خلائقه، لذلك اطرحوا كل نجاسة وكثرة شر واقبلوا بوداعة الكلمة المغروسة القادرة أن تخلص نفـوسكم”.

أما الإبركسيس فيعلن فيه القـديس بـولس نـور الإبن ومجده وبهاءه عندما إلتقاه في الطريق إلي دمشق.

“فحدث لي وأنا ذاهب وقـد اقتربت من دمشق وقت الظهر بغته أبرق حولي نور عظيم من السماء، والذين كانوا معي رأوا النور ولم يسمعوا صوت الذي كلمني، وإذ كنت لا أبصر من أجل مجـد ذلك النور”.

وأن الـرب إختاره ليعلن له مشيئته ويعاين البرّ الإلهي.

“فقال إن إله آبائنا قـد سبق فاختارك لتعرف مشيئته وتعاين البار وتسمع صوتاً من فيه لأنك ستكون له شاهـداً عند جميع الناس بما رأيت وسمعت”.

ويختم إنجيل القـداس بالإبن الكنز السماوي المخفي في حقل قلوبنا وعيـن النفس البسيطة الروحية المستنيرة التي تنير كيان الإنسان كلّه والتي تتـوق لـرؤيــة السماويات وكنــوز السماء بينما هى تحيا في الأرض بالإيمان أن الله يدبّـر كل إحتياجاتها.

“بل اكنزوا لكم كنوزا في السماء … لأنه حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك أيضاً سراج الجسد هو العين فإن كانت عينك بسيطة فجسدك كله يكون نيّرا”.

كما يدعــونا للتحــرر من رباطات الأرض من المال وإحتياجات الجسد موبّخا إيانا بإهتمامه بالخليقة والمجد الذي يسكبه عليها ومشجعّا إيانا لطلب ملكوته وبرّه.

“ولماذا تهتمّون باللباس تأمّلوا زنابق الحقل كيف تنمو لا تتعب ولا تغزل وأقول لكم إنه ولا سليمان في كل مجده كان يلبس كواحدة منها … فلا تهتموا قائلين ماذا نأكل أو ماذا نشرب أو ماذا نلبس فإن هذه كلها تطلبها الأمم وأبوكم يعلم أنكم تحتاجون إلى هذه كلها فاطلبوا أولاً ملكوته وبره وهذه كلها تزاد لكم”.

 

 

ملّخص القــراءات

مزمور عشية وباكر والقداس لله ينير النفس لتعاين الإستقامة وتختبر عدله وقضائه وهو مجـد النفس وموضوع حبّها ويعلن طرقه وسبله لها.
إنجيل عشية مشغـوليات العالــم وإدانـة الآخريـن والإستهانة بعطايــا الله عـوائـق أمـام اقتنــاء الابـن.
إنجيل باكر الإفتخار الكاذب بالمواهب دون المعرفة الحقيقية لله ودون تنفيذ الوصيّة يجعل الإنسان بلا أساس كمن يبني بيته على الرمل أما من يسمع الكلمة الإلهية ويعمل بها يؤسس حياته على الصخرة ولا يخشي أي أخطار.
البولس الأمانة في تحمّل المسؤولية وفي التعامل مع الآخرين والمحبّة للقريب وحياة التوبة والقداسة سمات من اقتنوا الرب يسوع الإبن الكنز
الكاثوليكون العطايا الصالحة والمواهب الكاملة هى من فوق.
الإبركسيس مجد النور السماوي الذي رآه شاول جعله يعرف مشيئته ويعاين البار.
انجيل القداس الكنز السماوي موضوع إهتمام القلب والعين البسيطة سر الجسد المنير والنفس المستنيرة التي أولويات إهتمامها ملكوت الله وبرّه بينما العين الشرّيرة هى التي تُسْتَعبد لماديات العالم.

 

الأنجيل في فكر الآباء الأولين[2]

 

“تتطرّق الموعظة على الجبل شيئًا فشيئًا إلى أمور أكثر ضرورة. فلا يمكن تقبُّل الفقر الإرادي ما لم يكن الكبرياء قد شُفي أولاً.” (ذهبي الفم).

“قد يكون الكبرياء ظاهرًا لا في بذخ الغنى الدنيوي فقط، بلْ وحتى  في ثوب المسوح، حيث تكمن غاية الخطورة: أَلَا وهي الخديعة الواقعة تحت التظاهر بخدمة الله.” (أوغسطينوس).

“إن بعض المسيحيين يتنافسون مع المرائين في مظهر الكآبة وقت الصوم. هؤلاء خيرٌ لهم أنْ يصوموا في الخفاء.” (فم الذهب).

“ثبّتوا كنوزكم وقلوبكم على ذلك الذي سيدوم إلى الأبد، خير مِن أنْ تستندوا إلى ما سيفنى.” (أوغسطينوس).

“كل ما قاله الرب عن الصلاة والصوم كان بمثابة مقدمة للحديث عن إزدراء الغنى.” (ذهبي الفم).

“بعض الكنوز تتْلف. يصير الشيء دنسًا إذا اختلط بما هو أردأ، حتى وإنْ لم يكن هذا الأخير رديءً بطبيعته الخاصة. فثبِّتوا إذن كنوزكم وقلوبكم على ذلك الذي سيدوم إلى الأبد” (أوغسطينوس), “فكما تقتضي صحة الجسد أنْ نسعى للحفاظ على سلامة العين، هكذا أيضًا ينبغي أنْ نسعى لحفظ سلامة الفِكر في صلته بالنفس. فكما يكون الذهن للنفس، كذلك تكون العين للجسد —سراجه. وكما أنه إذا عصبت العين تضاءلت قدرة بقية أعضاء الجسد، هكذا الذهن أيضًا؛ فمتى يَفسَد، تكون النفس عرضة لشرور لا حصر لها.” (ذهبي الفم).

“يشير تعبيره “كل الجسد” إلى كل تلك الأعمال التي يبغضها الرب ويأمرنا بإماتتها.” (أوغسطينوس).

“هو يدعو المال “سيّدًا”: ليس لطبيعته الخاصة، بلْ كما يعتبره هؤلاء الأزلّاء الذين له يسجدون.” (ذهبي الفم).

“محبة المال تخمد حيوية نفوسكم ونشاط حياتكم أيضا وقد تؤدي بخلاصكم. أما إنْ خضعنا لعناية الله وتدبيره، فإن كل الأمور التي تقلقنا ستنتهي.” (ذهبي الفم).

“ملكوت الله هو الغاية التي نسعى إليها قَبْل كل شيء وفوق كل شيء. فكلما عملتم عملاً صالحًا، تطلّعوا إلى جزاءه الأبدي، غير مبالين بالجزاء الوقتي.” (أوغسطينوس).

“لا وجه لمقارنة القيمة الحقيقية للحياة بأية حقيقة مؤقتة أو مادية. والرب يُظهِر ببيان كم هي ثمينة قيمة وجود الإنسان.” (ذهبي الفم).

“هناك فرق بين السعي لعمل الصلاح مِن أجل الآبدية، والسعي للصلاح كوسيلة لاكتساب التقدير. وإنْ كانت نيّاتنا نقية فإن أعمالنا تكون حسنة دون أدنى شك؛ لأنها تتماشى مع تلك النيّات. طهِّر نية قلبك مِن كل رياء. اطلب وجه الرب ببساطة القلب.” (أوغسطينوس.)

“ما يصيب المرء بسبب محبة المال يؤدي إلى ما هو أكثر مِن ضياع المرء لثروته.وعلى الأصح ستمس الخسارة كيان حياتنا. فمحبة المال  تبعدنا عن الإله الذي صنعنا والذي يرعانا ويحبنا. أما خدمة هذا السيد الأعتى في سطوته، فهي تدفع بالإنسان بعيدًا عن البركات العليا المعدّة لخادم الله.” (ذهبي الفم).

“في نور تدبير الله وفي كنف رعايته، لن يصيبنا مما يشغلنا أو يشغلنا أو يقلقنا أو يؤلمنا، أي مكروه لا شيء مما به ننشغل أو منه نقلق أو بسببه نتألم يمكن أنْ يصيبنا بأي مكروه؛ بلْ أن مصيرهذه كلها الى زوال. وسيزداد انشغالنا بقيمة البشر الغالية، وبالعناية التي يظهرها الله لكل منا بصورة شخصية ” (ذهبي الفم).

 

الكنيسة في قــراءات اليـــوم

◄ وحــدة الكتاب المقــدّس

انجيـل عشية فان هـذا هـو الناموس والانبياء
الإبركسيس رجلا تقيّـا بمقتضي النامــوس

 

◄ عــدم التغيّـر في طبيعـة الله

الكاثـوليكـون  الـذي ليس عنده تغييـر ولا شبه ظل يــزول

 

◄ المسيح رأس الكنيسة

الإبركسيس أنا يسوع الناصري الذي أنت تضطهده

 

◄ الإغتسال بالمعمودية

الإبـركسيس قــم فاعتمد مغتسلا من خطاياك داعيــا باسم الــرب

 

 

أفكـار مقـتــرحـــــة للعـظـات

معطّلات إقتناء الكنز السماوي

  انجيل عشية الإنشغال الزائـد بأمـور الحيـاة “لا تهتمّوا للغــد”
 انجيل القدّاس فلا تهتمّـوا قائليـن ماذا نأكل

 

الإدانــة

 إنجيل عشية “لماذا تنظر القذي في عين أخيك”
 البولس “إن المحبّة لا تصنع شراً بالقريب
 الكاثوليكـون بطيئاً عن التكلّم وبطيئاً عن الغضب

 

غياب التوبــة

 إنجيل باكـر وكل من يسمع كلامي هذا ولم يعمل به
 البـولس ولا تهتمّـوا بالجسد للشهـوات
الكاثـوليكـون كل واحـد يجـرّب من شهـوته الخاصة إذا انجـذب وانخـدع بها
 إنجيـل القدّاس وإن كانت عينك شرّيرة فجسدك كلّه يكون مظلما
 مزمور عشية أنصت إلي صلاتي -. عيناي لتنظرا الاستقامة
  إنجيل عشية كل من يسأل يأخذ ومن يطلب يجد ومن يقرع يفتح له
إنجيل القدّاس فاطلبوا أولاً ملكوته وبرّه

 

الإماتة عن شهـوات العالـم

 البـولس فلنخلع عنّا أعمال الظلمة
 الكاثوليكـون اطرحــوا كل نجاسـة وكثـرة شـــر
انجيل القـدّاس لا تكنزوا لكم كنـوزاً على الارض

 

قــوة كلمة الله وفاعليتهـــا

  إنجيل عشية هـذا هـو الناموس والأنبياء
إنجيــل باكـر فكل من يسمع كلامي هذا ويعمل به أشبهه برجل عاقل بني بيته على الصخر
 البولس ونلبس أسلحة النـور
الكاثوليكون شاء فولدنا بكلمة الحق اقبلوا بوداعة الكلمة المغروسة القادرة أن تخلّص نفوسكم.

 

◄مجــد أولاد الله في الإبن الكنز السماوي

 إنجيل عشية يمنح الصالحات للـذين يسألـونه
مزمور باكر الــرب هــو ثباتي وملجأي ومخلّصي
إنجيل باكر أساسه كان ثابتا على الصخرة
البولس البسوا الـرب يسوع المسيح
الكاثوليكـون باكـورة من خلائقـه
الإبـركسيس لتعرف مشيئته وتعاين البار
إنجيل القدّاس فجسدك كلّه يكـون نيّــراً

 

  • الكنز السماوي

الكنز الذي نعيشه – الكنز الذي نعلنه – الكنز الذي هو جنسيتنا ومواطنتنا.

  • الكنز الذي نعيشه

ويُقْصَد به كيف أعطانا الله أن نعيش السماء على الأرض؟، وكيف صارت حياتنا اليومية حياة في المسيح في الملكوت؟.

ولعل هذا ما قصده الرب في مثل الكنز المُخْفي في حقل (مت١٣: ٤٤)، فالحقل هو كياننا الإنساني والكنز هو المسيح له المجد (٢كو٤: ٧)، الذي صار بالمعمودية مُخْفَي في طبيعتنا، وعندما نحيا في المسيح، ونستجيب على الدوام لعمل روح الله في قلوبنا يظهر مجد هذا الكنز فينا،

وهذا أيضاً ما قصده الرب في مثل اللؤلؤة الواحدة كثيرة الثمن (مت١٣: ٤٦) التي أدرك التاجر مع الوقت أنه لا توجد مثيلاً لها في أي جواهر أخرى.

وهذا أيضاً ما قصده بولس الرسول عندما إعتبر كل جواهر حياته السابقة كفريسي “نفاية” أمام فضل معرفة المسيح يسوع (في ٣: 8).

لذلك كان رد المسيح له المجد علي اليهود في سؤالهم عن ملكوت الله “ها ملكوت الله داخلكم” (لو١٧: ٢١).

وهذا هو إعلان العهد الجديد الذي صار لنا بمعرفة الثالوث “وهذه هي الحياة الأبدية …” (يو١٧: ٣).

والملكوت الذي نعيشه هو “بر وسلام وفرح في الروح القدس” (رو١٤: ١٧).

  • الكنز الذي نعلنه للآخرين

هذه هي رسالتنا كمسيحيين أن نكون نور العالم، وملح الأرض (مت٥: ١٣، ١٤)، وسفراء (٢كو٥: ٢٠)، ورائحة ذكية (٢كو٢: ١٥)، وشهود للعالم (أع١: ٨).

وهذا هو ما يراه العالم في خشوع عبادتنا فيعترف أن الله بالحقيقة فيكم (١كو١٤: ٢٥)، ويراه في طهارة حياتنا وإستقامتها (في٢: ١٥)، فيصير المسيحيين كأنوار في العالم، وفي الأعمال الصالحة التي تؤول إلى مجد الله (مت٥: ١٦)، وحتي من يشتمون حياتنا وسيرتنا سيمجدون الله في يوم إفتقادهم (١بط٢: ١٢).

  • الكنز الذي هو جنسيتنا ومواطنتنا وأبديتنا (في٣: ٢٠).

هذا هو إشتياقنا اليومي أن نكون مع الرب كل حين (١تس٤: ١٧)، في البناء الذي لنا في السموات (٢كو٥: ١)، في المدينة التي لها الأساسات (عب١١: ١٠)، مع أرواح الأبرار المكملين (عب١٢: ٢٣).

لذلك نهتم كل يوم بما فوق (كو٣: ٢)، وإن عشنا وإن متنا فللرب نحن (رو ١٤: ٨)، ونشتاق أن ننطلق ونكون معه (في١: ٢٣)، منتظرين وطالبين سرعة مجيئه (٢بط٣: ١٢).

عظات آبائية لأحد الكنوز

الكنز السماوي – القديس مقاريوس الكبير[3]

  • إذا كان انسان غني في هذا العالم وعنده كنز مخفي، فإنه من ذلك الكنز والغِنَي الذي له يمكنه أن يشتري أي شيء يشتهيه، وكل الأشياء النادرة التي يشتهيها في هذا العالم، فإنه بسهولة يجمعها ويكدسها، معتمداً على كنزه لأنه بواسطة هذا الكنز، يسهل عليه اقتناء كل الممتلكات التي يشتهي امتلاكها.

وبنفس الطريقة فإن أولئك الذين يطلبون ويسعون الي الله، قد وجدوا الكنز السماوي أي حصلوا على كنز الروح، الذي هو الرب نفسه، مضيئا في قلوبهم، فإنهم يتممون كل بر الفضائل وكل غنى الصلاح الذي أوصى به الرب، وذلك من كنز المسيح الذي فيهم، وبواسطة ذلك الكنز يتممون كل فضائل البر معتمدين على مجموع الغنى الروحي الكثير المتجمع في داخلهم، ويعملون بسهولة كل وصايا الرب، بواسطة غنى النعمة غير المنظور الذي فيهم.

يقول الرسول: “لنا هذا الكنز في اوانٍ خزفية”(٢كو٤: ٧) أي الكنز الذي أُعطي لهم في هذه الحياة ليمتلكوه في داخل نفوسهم، “الذي صار لنا حكمة من الله وبراً وقداسة وفداء” (1كو ١: ٣٠) فالذي وجد وامتلك في داخله كنز الروح السماوي هذا، فإنه يتمم به كل بر الوصية وكل تتميم الفضائل بنقاوة وبلا لوم، بل بسهولة وبدون تغصب.

لذلك فلنتضرع إلى الله، ونسأله ونطلب منه بشعور الإحتياج، أن ينعم علينا بكنز روحه، لكيما نستطيع أن نسلك في وصاياه كلها بطهارة وبلا لوم، ونتمم كل بر الروح بنقاوة وكمال بواسطة الكنز السماوي، الذي هو المسيح.

فالذي يكون فقيراً وعرياناً ومحتاجاً ومعدماً في هذا العالم، لا يستطيع أن يقتني شيئاً، لأن فقره يمنعه من ذلك، ولكن الذي يملك الكنز -كما سبق أن قلت- فإنه بسهولة يقتني كل ما تصبو نفسه اليـه، بـدون جهد أو ألـم. هكذا النفس العريانة والمقفرة من شركه الروح، الواقعة تحت فقر الخطية المرعب لا تستطيع -حتي إذا رغبت- أن تثمر أي ثمر من ثمار روح البر بالحق، قبل أن تدخل في شركة الروح .

  • فليَغصب كل واحد منا نفسه ليطلب من الرب أن يُحسَب أهلاً أن ينال وأن يجد كنزه السماوي. لكيما يستطيع بتهيؤ وبدون صعوبة، أن يعمل كل وصايا الرب بنقاوة وبلا لوم– تلك الوصايا التي لم ينجح قبل ذلك في أن يعملها مهما غَصَب نفسه.

لأنه اذ يكون فقيراً وعرياناً من شركة الروح، فكيف يمكنه أن يقتني الكنوز  السماوية بدون أن يحصل على كنز وغنى الروح؟.

أما النفس التي وجدت الرب الذي هو الكنز الحقيقي، فإنها بواسطة طلب الروح، وبالإيمان والثقة، وبصبر كثير، تثمر ثمار الروح بسهولة وراحة -كما قلت سابقاً– وتعمل كل وصايا الرب، التي أوصى بها الروح، هذه كلها تعملها في نفسها، وبنفسها، بنقاوة وكمال وبلا لوم.

 

غني الروح ومنفعه الآخرين:

  • ولنستخدم توضيحاً آخر: إنسان غني يريد أن يصنع وليمة فاخرة فإنه يصرف من ثروته والكنز الذي يملكه، ولأنه غني جداً فإنه لا يخاف من عدم كفاية أمواله لتجهيز كل لوازم الوليمة، وهكذا فإنه يُكرِم الضيوف الذين دعاهم ببذخ وأبهة، واضعاً أمامهم أنواع كثيرة من المأكولات وبأحدث أنواع التجهيز.

وأما الفقير الذي ليس عنده مثل الغني فإنه إذا رغب في عمل وليمة لأصدقاء قليلين يضطر أن يستعير كل شيء، من الأواني والأطباق والمفارش وكل شيء آخر، وبعد ذلك حينما تنتهي الوليمة ويخرج المدعوين، فإنه يعيد كل الأشياء التي استعارها إلي
أصحابها، سواء أطباق فضة أو مفارش أو أي أشياء أخرى، وهكذا حينما يرجع  كل شيء يظل هو نفسه فقيراً وعرياناً إذ ليس له غني خاص يعزي به نفسه.

  • وبنفس الطريقة، فإن أولئك الذين يكونون أغنياء بالروح القدس الذين عندهم الغنى السماوي حقاً وشركه الروح في داخل نفوسهم، فإنهم حينما يكلمون أحداً بكلمة الحق أو حينما يتحدثون بالأحاديث الروحية، ويريدون أن يعزوا النفوس، فإنهم يتكلمون ويُخرِجون من غناهم ومن كنزهم الخاص الذي يمتلكونه في داخل نفوسهم، ومن هذا الكنز يعزون ويفرحون نفوس الذين يسمعون أحاديثهم، ولا يخافون أن ينضب معينهم، لأنهم يملكون في داخلهم كنز الصلاح السماوي الذي يأخذون منه ليعزوا ويفرحوا ضيوفهم الروحيين .
  • أما الفقير الذي لا يملك غنى المسيح وليس عنده الغني الروحي في داخل نفسه الذي هو ينبوع كل صلاح سواء في الأقوال أو الأعمال أو الأفكار الإلهية والأسرار التي لا ينطق بها، فحتى إذا أراد هذا الفقير أن يتكلم بكلمة الحق، ويعزي بعض سامعيه بدون أن ينال في نفسه كلمة الله بالقوة والحق، فإنه يكرر من الذاكرة ويقتبس فقط كلمات من أجزاء مختلفة من الكتاب المقدس أو مما سمعه من الرجال الروحيين، فيخبر ويُعلِّم بها الآخرين- وهكذا يَظهَر كأنه يعزي ويُفرح الآخرين، والآخرين يبتهجون بما يخبرهم، ولكن بعد أن ينتهي من الكلام تعود  كل كلمة إلى مصدرها الأصلي الذي أُخذت منه، ويبقي هذا الإنسان، ويعود كما كان عرياناً وفقيراً لأن ليس له كنز الروح الخاص به ليأخذ منه ويعزي ويُفرح الآخرين، إذ أنه هو نفسه لم يتعزَّ أولاً  ولا ابتهج بالروح.
  • لهذا السبب ينبغي لنا أولاً أن نطلب من الله بإجتهاد قلب وبإيمان، حتي يهبنا أن نجد في قلوبنا هذا الغنى، أي كنز المسيح الحقيقي بقوة الروح القدس وفاعليته. ولهذا فعندما نجد الرب أولاً في نفوسنا لمنفعتنا أي للخلاص والحياة الأبدية، فحينئذ يمكننا أن ننفع الآخرين أيضاً إذ يصير هذا ممكناً، لأننا نأخذ من المسيح الذي هو الكنز الموجود في داخلنا ونخرج منه كل الصلاح الذي للكلمات الروحية ونكشف أمامهم أسرار السماء. لأن هذه هي مسرة الآب أن يسكن في كل من يؤمن به ويحبه “من يحبني يحبه أبي وأنا أحبه وأُظهر له ذاتي”، ويقول أيضاً:  “إليه نأتي، أنا والآب، ونصنع عنده منزلاً.” (يو١٤: ٢١- ٢٣) هذا ما شاءه إحسان الأب غير المتناهي، وهذا ما سرت به محبه المسيح الفائقة المعرفة، وهذا ما وعد به صلاح الروح الذي لا ينطق به، فالمجد للحنان غير  المنطوق به الذي للثالوث الأقدس.

الكنز السماوي – القديس كيرلس الإسكندري[4]

“لا تَخَفْ أَيُها الْقَطيعُ الصَّغيرُ لأَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ سُرَّ أَنْ يُعطَيكُمُ المَلَكُوتَ. بيِعُوا مَا لَكُمْ وَأعْطُوا صَدَقَةً. اعْمَلوا لَكُمْ أَكْياساً لا تَفْني وَكَنْزاً لاَ يَنْفَذُ في السّـماوَات حَيْثُ لاَ يَقْرَبُ سَارِقٌ وَلاَ يُبْلِي سُوسٌ.لأَنهُ حَيثُ يَكُونُ كَنْزُكُم هُناكَ يَكُونُ قَلْبُكُمْ أَيْضَاً”. (لو١٢: ٣٢-٣٤)

  • يتنازل المخلَّص مرَّة أخرى لينعم علينا بطريق يؤدي إلى الحياة الأبدية، ويفتح لنا باب الخلاص بسِعَة، حتي عندما نسافر على هذا الطريق، ونزيِّن النَّفس بكل فضيلة، يمكننا أن نصل إلى المدينة التي هي فوق، والتي شهد عنها النبي إشعياء أيضاً قائلاً: “وستنظر عيناك أورشليم، المدينة الغنَّية، الخيمة التي لا تُقَلع أوتادها إلي الأبد” (اش٣٣: ٢٠). لأن تلك الخيمة التي في السماء هي غير متزعزعة، والفرح الذي لا ينتهي هو نصيب أولئك الذين يسكنون فيها. والرب يرينا طبيعة الطريق الذي يقودنا إلى هناك بقوله: “لا تخف، أيها القطيع الصغير، لأن أباكم قد سُرَّ أن يعطيكم الملكوت”. هذا، إذن هو حقاً العزاء الروحاني، والطريق الذي يقودنا إلى الإيمان اليقيني.
  • لذلك، أظن أنه يجب عليَّ قبل كل شيء أن أوضَّح لكم السبب الذي لأجله تكلم المخلَّص بكلمات مثل هذه، لأنه بذلك يصير المعني الكامل للفقرة التي أمامـنا أكثر وضوحاً للسامعين. لذلك عندما يعلَّم المخلَّص تلاميذه أن لا يكونوا محبيَّن للمال، فهو أيضاً يحوِّلهم عن القلق الدنيوي، وعن الأتعاب الباطلة والترف وأبَّهـة الملابس الفاخرة، وكل العادات الرديئة التي تتبع هذه الأمور، ويحثهم بالحري أن يكونوا جادَّين بشجاعة في السعي وراء الأمور التي هي صالحة وممتازة جداً بقوله: “لا تهتمـوا لحياتكم بما تأكلون ولا للجسد بما تلبسون. لأن الحياة أفضل من الطعام والجسد أفضل من اللباس” وأضاف أيضاً إلى هذا: “إن أباكم الذي في السماء يعلم أنكم تحتاجون إلى هذه” (لو١٢: ٢٢-٣٠).
  • فقد أعلَن كقاعدة عامة – نافعة وضرورية للخلاص – ليس فقط للرسل القديسين، بل لكل الساكنين على الأرض، أن الناس يجب أن يطلبوا ملكوته، وهم متيقَّنون أن ما يعطيه هو سيكون كافياً لهم، حتي أنهم لن يكونوا في احتياج إلى أي شيء بالمرَّة. لأنه ماذا
    يقول؟: “لا تخف أيها القطيع الصغير”. وهو يعني بــ “لا تخف” أنهم ينبغي أن يؤمنوا بكل يقين، وبلا أدني شك أن أباهم السَّماويّ سيعطي وسائل الحياة للذين يحبونه. وهو لن يهمل خاصته، بل بالحري سوف يفتح يده لهم (انظر مز١٠٤: ٢٨) وهي التي تُشبِع دائماً الكون كله بالخير.
  • وما هو البرهان على هذه الأمور؟ هو يقول إنَّ “مسرَّة أبيكم الصَّالحة أن يعطيكم الملكوت”، وذلك الذي يعطي أشياء عظيمة وثمينة بهذا المقدار، ويعطي ملكوت السموات، فكيف يمكن أن تكون إرادته غير مستعدَّة للشفقة علينا، أو كيف لا يُزوِدّنا بالطعام واللباس؟ لأن أي خير أرضي يتساوي مع الملكوت السَّماويّ؟ أو ما هو الذي يستحق أن نقارنه بتلك البركات، التي سيعطيها الله لنا، والتي لا يستطيع الفهم أن يُدرِكهَا، ولا الكلمات أن تصفها “مالم تره عين، وما لم تسمع به أذن ولم يخطر على قلب إنسان، الأمور التي أعدها الله للذين يحبونه” (١كو٢: ٩). فحينما تَمـدح الغِنى الأرضي، وتُعجَب بالسلطان العالمي، فإن هذه الأشياء ليست سوي العدم بالمقارنة بتلك التي أعدَّها الله لنا. لأنه مكتوب: “لأن كل جسد كعشب وكل مجد إنسان كزهر عشب” (١بط ١: ٢٤). وإن تكلَّمت عن الغِنَى الزمني وأسباب الترف وعن الولائم، فهو يقول: “العالم يمضي وشهوته” (١يو٢: ١٧)، لذلك فأمور الله تفوق بدرجة لا تُقارَن ما يمتلكه هذا العالم، لذلك فإن كان الله يعطي ملكوت السموات لأولئك الذين يحبونه، فكيف يمكن أن يكون غير راغب أن يعطي اللباس؟.
  • وهو يدعو الذين على الأرض: “القطيع الصغير” لأننا أقلّ من جموع الملائكة، الذين لا يحصون، ويتفوَّقون بغير قياس في القوة على أمورنا المائتة.

وهذا أيضاً قد علَّمنا إياه المخلَّص نفسه، في ذلك المَثَل الوارد في الأناجيل، والذي صيغ ببراعة ممتازة لأجل تعليمنا، لأنه قال: “أي إنسان منكم له مئة خروف وأضاع واحداً منها، ألا يترك التسعة والتسعين على الجبال، ويذهب ليطلب ذلك الذي ضل، وإذا وجده فالحق أقول لكم، فإنه يفرح به أكثر من التسعة والتسعين الذين لم يضلُوا” (لو١٥: ٤-٥).

  • لاحظوا إذن أنه بينما عدد المخلوقات العقلية يصل إلى مئة، فإن القطيع الذي على الأرض ليس سوي واحد من مئة. ولكن رغم أنه صغير، في الطبيعة كما في العدد والكرامة، بالمقارنة بجماعات وفِرَق الأرواح غير المحصاة التي هي فوق، إلاَّ أنَّ صلاح الآب الذي يفوق كل وصف قد أعطَى له أيضاً نصيباً مع تلك الأرواح المتعالية، وأعني
    نصيباً في ملكوت السموات، لأنه قد أعطى الأذن بالدخول لكل من يريد أن يصل إلى هناك.
  • ونحن نتعلم من كلمات المخلَّص، الوسائل التي نصل بواسطتها إلى الملكوت، لأنه يقول: “بيعوا ما لكم وأعطوا صدقة”. هذه ربما تكون وصية قاسية ويصعب على الأغنياء أن يحتملوها، لأنه هو نفسه قد قال في موضع ما: “ما أعسر دخول ذوي الأموال إلى ملكوت الله” (لو١٨: ٢٤). ومع ذلك فالوصية ليست مستحيلة بالنسبة للذين لهم قلب كامل. فهيَّا بِنَا، واسمحوا لي أن أُوجَّه كلمات قليلة لأولئك الأغنياء. حوِّل انتباهك قليلاً عن تلك الأمور الزمنية. كُف عن مِثْلَ هذا الفكر الدنيوي جداً، وثبِّت عين عقلك على العالم الآتي فيما بعد، لأنه بلا نهاية. أما هذا العالم فهو محدود وزمنه قصير وفترة حياة كل فرد هنا محدودة بمقياس، أما حياته في العالم الآتي فهي غير فانية، بل هي دائمة. لذلك فليكن سعينا هو الجري وراء الأمور الآتية، بلا تذبذب أو تردُّد، ولنختزن ككنز لنا، الرجاء فيما سيكون فيما بعد، فلنجمع لأنفسنا مقدَّماً تلك الأمور، التي بواسطتها سنُحسب عندئذ جديرين بالهبات التي يمنحها الله لنا.
  • إنه يحثنا أن نعتني بأنفسنا العناية الواجبة، لذلك هيا بِنَا نُفكِّر في الأمر بيننا وبين أنفسنا بالرجوع إلى الحسابات البشرية العادية. لنفترض أن واحداً منا أراد أن يبيع مزرعة خصبة وفيرة الإنتاج، أو إن شئت فعندما يكون هناك بيت جميل جداً في بنائه، فإن واحداً منكم – الذي يملك كثيراً من الذهب ووفرة من الفضة – تكون له الرغبة في شرائه، أفلا يشعر بالسعادة عندما يشتريه، ويقدِّم في الحال النقود التي كانت موضوعة في خزائنه، بل وقد يضيف إلي ما يمتلكه نقوداً أخري يقترضها؟ لا أظن أنه يمكن أن يكون هناك شك في هذا الأمر، بل سوف يشعر بالسعادة في تقديم أمواله، لأن الصفقة لن تعرضه للخسارة بل بالحري فإنَّ توقُعه للأرباح المستقبلة ستجعله في نشوة فرح. والآن فإن ما أقوله هو مشابه لهذا إلي حد ما. فإله الكل يقدَّم لك الفردوس لتشتريه، وهناك سوف تحصد حياة أبدية، وفرحاً لا نهاية له، ومسكناً مكرَّماً ومجيداً، ولمجرَد وجودك هناك سوف تكون مباركاً بحق وسوف تملك مع المسيح.
  • لذلك تعال واقترب، بحماس واشتياق، واشترِ المملكة، واحصل على الأمور الأبدية بهذه الأشياء الأرضية. أعط ما هو فانٍ، واربح ما هو ثابت ومضمون، أعطِ هذه الأشياء الأرضية واربح تلك التي في السماء، اعط ما لابد أن تتركه ولو كان ضد إرادتك، لكي لا تفقد الأمور الآتية. أقرِض الله أموالك، حتي تكون غنيَّاً بالحقيقة.
  • والطريقة التي تُقرض بها يُعلَّمنا إياها بقوله: “بيعوا ما لكم وأعطوا صدقة. اعملوا لكم أكياساً لا تفني وكنزاً لا ينفد (أي كنزاً أبديَّاً) في السموات”.

ونفس هذا الكلام يعلمنا إياه أيضاً داود المبارك في المزامير، حيث يتكلم بالوحي عن كل رجل صالح ورحوم: “فرَّق، أعطي المساكين، برّه يبقي إلى الأبد” (مز١١١: ٩).

لأن الغِنَّي الدنيوي له أعداء كثيرون، فاللصوص عديدون، وعالمنا هذا مليء بالظالمين الذين اعتاد بعضهم أن يسلبوا بوسائل خفيَّة، بينما البعض الآخر يستعملون العنف لينتزعوا المال حتى من أصحابه عندما يقاومونهم، أما الكنز الذي يوضع فوق في السماء فلا يسرقه أحد لأن الله هو حافظه، وهو الذي لا ينام.

  • وبجانب هذا، فهو أمر سخيف جداً، أنه بينما نحن نأتمن عادة الأشخاص المستقيمين على ثروتنا الأرضية ولا نشعر بالخوف من أي خسارة قد تنتج من ثقتنا في استقامة أولئك الذين استلموها منا، فإننا لا نأتمن الله عليها وهو الذي يستلم منا هذه الأمور الأرضية، كأنها قَرض وهو يعدنا أنه سوف يعطينا أموراً أبدية مُضافاً إليها الأرباح. لأنه يقول: “كيلاً جيداً ملبداً مهزوزاً فائضاً يعطون في أحضانكم” (لو٦: ٣٨). وكون الكيل فائضاً، فهذا برهان مباشر على وفرتها (الأشياء الأبدية) العظيمة جداً.
  • اهربوا إذن بعيداً عن هذا الغِنَي المحب للذَّة، الذي هو والد الشهوات الوضيعة، وهو المحرَّض على الدنس الجسدي، وهو صديق الطمع وصانع الافتخار الباطل، فهو يربط الذهن البشري بأغلال لا تنفك مؤديَّاً به إلي التخنُث والتراخي من جهة كل ما هو صالح، وهو يمد عنقاً متصلَّبة ومتعالية ضد الله، لأنه لا يخضع لذلك النير الذي يقود إلى التقوي.
  • كن رقيقاً ورحيماً وراغباً في التواصل مع الآخرين وبشوشاً. لأن الرب صادق، وهو الذي يقول: “حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك أيضاً”. لأن كل أشواق أولئك الذين يقدَّرون تلك الأشياء الزمنية هي موضوعة فيها، بينما أولئك الذين يشتهون تلك الأشياء التي في السماء فإنهم يوجهَّون عين ذهنهم إلى هناك، لذلك فكما قلتُ: كن صديقاً لرفقائك ورحوماً بهم. وبولس المبارك يجعلني أتحدَّث إليك حيث يكتب: “أوصِ الأغنياء في الدَّهر الحاضر ألا يستكبروا، ولا يلقوا رجاءهم على الغِنّى غير اليقيني، بل على الله الحي الذي يمنحنا كل شيء بغنى للتمتُّع، وأن يصنعوا صلاحاً، وأن يكونوا أغنياء في أعمال صالحة، مدَّخرين لأنفسهم كنوزاً سوف تكون أساساً للمستقبل، لكي يمسكوا بالحياة الأبدية” (١تي ٦: ١٧- ١٩). هذه هي الأشياء التي إن مارسناها بجدَّية، فسوف نصير ورثة لملكوت السموات، بالمسيح يسوع، الذي به ومعه لله الآب يليق التسبيح والسلطان مع الروح القدس، إلي دهر الدهور. أمين.

 

المسيح هو الكنز المُخفي – الأب غريغوريوس الكبير[5]

الكنز الذي وُجد أُخفى لكي يُحفظ… فإنّنا في الحياة الحاضرة نسلك كمن يتقدّمون في الطريق الذي يقودنا إلى وطننا. وفي الطريق يوجد أعداء خبثاء يهاجموننا كلصوص، لهذا من يحمل كنزًا بصورة علنيّة في طريقه يتعرّض للسطو عليه. أقول هذا لا بمعنى لا يرى قريبنا أعمالنا، إذ هو مكتوب: لكي يروا أعمالكم الحسنة ويمجّدوا أباكم الذي في السماوات (مت 5: 16)، وإنما لكي لا نطلب مديحًا عمّا نفعله أمام الآخرين. يلزم أن تتم أعمالنا الظاهرة بطريقة تبقَى فيها النيّة خفيّة. بهذا تصير أعمالنا مثلًا لقريبنا، بينما نيّتنا التي يُسر الله بها تَبقى غير معروفة. الكنز الذي عليه تقوم الرغبات السماويّة، والحقل الذي فيه يُخفى هذا الكنز يُشير إلى السلوك (الداخلي)، خلاله نبلغ هذه الرغبات. هذا الحقل يشتريه من يبيع كل ما لديه، مستهينًا بملذّات الجسد، وضابطًا الاشتياقات الأرضيّة، وحافظًا التعاليم الإلهيّة، فلا يبتهج في شيء ممّا يُبهج الجسد، ولا تَحجم نفسه عن ممارسة ما يُميت الحياة الجسدانيّة.

من يطلب معرفة الحياة السماويّة بطريقة كاملة قدر المستطاع فإنه يهجر كل ما أحبّه سابقًا، وهو في سعادة فائقة! فإن قورنت تلك العذوبة التي صارت له لا يجد لشيء ما قيمة، فتتخلَّى نفسه عن كل ما اقتنته، وتبدِّد كل ما قد جمعته. وإذ تلتهب بحب السماويات لا تبالي بأمرٍ أرضي، فيبدو لها ما كانت تظنّه جميلًا بالأمر القبيح. إذ يشرق فيها سمو اللؤلؤة التي لا تقدَّر بثمن وحدها. عن هذا الحب يقول سليمان: “المحبّة قويّة كالموت” (نش١: ٦)؛ فكما يَحرم الموت الجسد من الحياة، هكذا تقتِل محبّة الأبديّات محبّة الزمنيّات. فمن ينال هذا الحب بالكمال يصير كمن هو بلا إحساس نحو الممتلكات الأرضيّة.

الإنشغال بالسماويات – القديس أغسطينوس[6]

يرغب ربنا في تنقية قلوبنا، لذلك يوصينا قائلاً: لا تكنزوا لكم كنوزا علي الأرض حيث يفسد السوس والصدأ وحيث ينقب السارقون ويسرقون. بل اكنزوا لكم كنوزاً في السماء حيث لا يفسد سوس ولا صدأ وحيث لا ينقب سارقون ولا يسرقون. لأنه حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك أيضاً. (مت٦: ١٩- ٢١).

فإن كان القلب على الأرض، أي إن كان الانسان في سلوكه يرغب في نفع أرضي، فكيف يمكنه أن يتنقى، مادام يتمرغ في الأرض؟!.

أما إذا كان القلب في السماء فسيكون نقياً، لأن كل ما في السماء هو نقي فالأشياء تتلوث بامتزاجها بما هو أردأ منها، ولو كان هذا الرديء نقي في ذاته. فالذهب يتلوث بامتزاجه بالفضة النقية، وفكرنا يتلوث باشتهائه الأمور الأرضية رغم نقاوة الأرض وجمال تنسيقها في ذاته.

لكننا لا نفهم كلمة “السماء” هنا بمعني مادي: لأن كل ما هو مادي يعتبر أرضياً. فالذي يكنز في السماء ينبغي عليه أن يحتقر العالم كله. فالسماء هي تلك التي قيل عنها “السموات سموات للرب” (مز115: 16) أي جَلَداً روحياً. لأنه لا ينبغي لنا أن نُثَبِّت كنزنا وقلبنا في هذه السماء الزائلة، بل لنثبتهما ونكنزهما في السماء الباقية إلي الأبد. أما السماء والأرض (الماديتان) فتزولان (أنظر (مت ٣٤: ٣٥).

لقد أوضح أن جميع الوصايا السابقة قصد بها “نقاوة القلب” وذلك بقوله: سراج الجسد هو العين، فإن كانت عينك بسيطة فجسدك كله يكون نيراً . وإن كانت عينك شريرة فجسدك كله يكون مظلماً فان كان النور الذي فيك ظلاماً فالظلام كم يكون. (مت٦: ٢٢- ٢٣)

نفهم من هذه العبارة أن جميع أفعالنا تكون نقية ومرضية في نظر الله إن صنعناها بقلب بسيط، أي إن كان هدفنا فيها سماوياً، متطلعين إلى تلك الغاية التي هي المحبة لأن “المحبة هي تكميل الناموس” (رو ١٣: ١٠) من ثم فلنفهم “العين” هنا علي أنها “النية التي نصنع بها أفعالنا” فإن كانت نيتنا نقية وسليمة، أي ناظرين إلى السمويات، فستكون جميع أعمالنا صالحة. هذه التي لقبها الرب: “جسدك كله” لأنه عندما حدثنا الرسول عن
بعض أعمالنا القبيحة، دعاها أيضاً (أعضاء لنا)، إذ علمنا أن نصلبها قائلاً: “فأميتوا أعضائكم التي علي الأرض، الزنا ،النجاسة،… الطمع” (٢كو٣: ٥) وما على شاكلة ذلك.

فليست أفعال الانسان هي موضع الاعتبار بل نيته أثناء صنعها، لأن النية هي النور الذي يضيء فينا ، فهي التي نعرفها أثناء العمل، فـ (كل ما أظهر فهو النور). أما نتائج أعمالنا فهي معيار غير أكيد، لذلك دعيت ظلاماً.

فعندما أتصدق إلى فقير ما، لا أعلم ما سيفعله بهذا المال، أو ما سيعانيه بسببه، فقد يصنع به شراً، كما قد يسبب له شروراً، الأمر الذي لم أكن أقصده عند تصدقي به، فإن كنت قد تصدقت بنية صالحة، وهذا يمكني أن أعرفه أثناء صنعي للصدقة، فإن صنعي هذا سيضيء مهما كانت نتيجته، أما هذه النتيجة فلعدم تأكدي منها أثناء صنعي الصدقة، لذلك دعيت ظلاماً.

فالنية يقال عنها أنها ولو كانت نية شريرة. ولكن في هذه الحالة يكون هذا النور ظلاماً بسبب عدم توجيه الهدف ببساطة إلى الأمور السامية، بل إلي أسفل نحو الأمور الدنيا، وهذا يتم بواسطة قلب مزدوج كما لو كان ظلاماً.

“فإن كان النور الذي فيك ظلاماً. فالظلام كم يكون”. أي إذا كانت نيتكم قد تلوثت بمحبة الأمور الأرضية الزمنية وصارت ظلاماً فكم بالأكثر تكون الأعمال نفسها غير المعروف نتيجتها؟! لأنه مهما نتج عما تصنعه بنية شريرة وغير نقية من خير للآخرين، فإن قصدك هو الذي يحسب عليك وليس نتيجة عملك.

لا يقدر أحد أن يخدم سيدين حقاً إن هذه العبارة تشير إلى النية نفسها، إذ كمل الرب قائلاً: لأنه إما أن يبغض الواحد ويحب الآخر، أو يلازم الواحد ويحتقر الآخر، لا تقدرون أن تخدموا الله والمال Mammon (وتعني المال أو إله المال).

فمن يعبد المال يخدم الشيطان الذي لقبه ربنا: رئيس هذا العالم (يو ١٢: ٣١)،(يو ١٤: ٣٠).

 

الكنز السماوي – عند القديس يوحنا ذهبي الفم[7]

الكنز الحقيقى وعين النفس

الفقر الاختيارى

“لا تكنزوا لكم كنوزاً على الأرض” (مت٦: ١٩)

بعد أن أقصى الرب مرض المجد الباطل وفى حين مناسب، يتحدث عن الفقر الإرادي إذ لا شئ يدرب الناس على الولع بالثروات مثل الولع بالمجد.

وهذا هو السبب الذى يدفع الناس إلى ابتكار هذه الجماعات من العبيد، وهذا الحشد من الخصيان، والجياد ذات السرج الذهبية، والموائد المزدانة بالفضيات وما شابه ذلك. والأكثر سخفاً من هذا كله، أن رغباتهم لا تشبع، ولا يكفون عن الاستمتاع باللذة، بل يتباهون بما لديهم أمام الجموع.

بعد أن قال الرب إن علينا إظهار الرحمة، يشير هنا إلى ما يجب أن نظهره من رحمة أعظم، بقوله: “لا تكنزوا لكم كنوزاً على الأرض”، لأنه من غير الممكن أن يستهل حديثه باحتقار الغنى والثروات بسبب طغيان الشهوة. لهذا يُقسِّم حديثه إلى أجزاء صغيرة، وبعد أن حرر ذهن السامع، يُعِدَّهُ لقبول وصايا تالية، ولهذا ترون أنه قال أولاً “طوبى للرحماء” ثم “كن مراضياً لخصمك” وبعدها “من أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك، فاترك له الرداء أيضاً”. لكنه هنا يتحدث عن أمر أعظم من كل ما مضى. لأنه كان يعنى قبلاً: إن رأيت أمام القضاء قد أوشكت على البدء، فافعل هذا.

لإنك إن كنت فى احتياج مسحوب بالتحرر من المعاناة، أفضل من أن تملك وأنت تعانى. لكن افترض أن لا خصم يعاديك ولا أحد يقاضيك، فإنه يعلمنا أن نزدرى بالثروات نفسها لذاتها، مشيراً إلى أن الإنسان لا يجد من وراءها رحمة، مثلما هو الحال مع المعطى.

لهذا يشرع القوانين حتى لو لم يكن هناك أحد يؤذينا، أو يجرنا إلى ساحات القضاء، حتى فى هذه الأحوال، لابد أن نحتقر ممتلكاتنا، فنعطيها لمن يحتاج، ولا يذكر الرب الأمر كاملاً هنا، بل يتحدث فى رفقٍ، رغم أنه صارع فى البرية صراعاً شديداً (مت٤: 9،١٠). وحتى يحين الوقت المناسب للإفصاح عن وصاياه، فضَّل السيد المسيح أن يكون في مركز النصح أكثر من واضع الناموس، لأنه بعد أن قال: “لا تكنزوا كنوزاً على الأرض” أضاف: “حيث يفسد السوس والصدأ، وحيث ينقف السارقون ويسرقون”.

ويشير بالنسبة للزمان الحاضر، إلى أضرار الكنز هنا، ومنافع ما لنا هناك من حيث المكان والأشياء التى تفسده، ولم يتوقف عن هذين الأمرين،بل يوسع من دائرة النقاش، فيشير إلى ما يخيفهم من أمور ويسأل: ممّ تخافون؟ هل تخشون ضياع خيراتكم، إن أعطيتني صدقة؟ كلا.

إذن قدموا صدقة، ولن تضيع خيراتكم. بل والأكثر من هذا، إنكم ستنالون زيادة مضاعفة. أجل، لأن خيرات السماء تضاف إلى ما عندكم. ولا يقول الكلام وكأنه محفوظ لزمن ما، بل يقنعهم أن الكنز سيبقى محفوظاً لهم دون ضياع، ليجذبهم. ولا يكتفى بالحديث عن منافع إعطاء الصدقة، وأنها تظل محفوظة لهم، بل يشير إلى العكس بأن عدم تقديمها يجعلها تفنى من أيديهم.

وتأملوا مدى حكمته فى أنه لم يقل: أتركوها لآخرين، لأن هذا فيه مسرة الناس، بل يحذرهم على أساس جديد. إن لم يتحايل الآخرون لسلب خيركم، فإن “السوس والصدأ” سيفعلان، وكبح هذا الأذى من الصعب السيطرة عليه، ومهما حاول الإنسان منعه لن يقوى، وحتى لو لم يفسد السوس الذهب، فاللصوص سيقومون بذلك. وإن لو لم ينهبوه كله، فعلى الأقل الجزء الأعظم منه.

حيث يكون كنزك، هناك يكون قلبك أيضاً

 لهذا يضيف الرب تكملة للمناقشة بقوله: “لأنه حيث يكون كنزك، هناك يكون قلبك أيضا” وحتى لو لم يحدث شئ من هذا كله، فإنك ستتعرض لأذى ليس بالقليل، لأنك إن تعلقت بهذه الأشياء الأرضية، وأصبحت عبداً بدلاً من كونك حراً، وطرحت عنك الأمور السماوية، ولم تعد لديك قدرة على التفكير فى أىّ أمر من أمور السماء، بل انحصر فكرك كله فى المال والملكية والقروض وربا الأرباح والمتاجرات الخسيسة، فقد صرت أسوأ من العبد وما أتعس حالك! إذ تجلب على نفسك أقسى أنواع الطغيان، محروماً من أعز شئ فى الوجود، من شرف الإنسان وحريته.

ومهما تكلم إليكم أحد تعجزون حتى عن الإنصات إلى ما يهمكم، لأن عقولكم مُسمرة بالمال وذهنكم مقيد مثل كلب مربوط بقبرٍ بسبب إستبداد الثروات، مقيدين بشدة تنبحون على كل من يقترب منكم، ولا عمل لكم سوى هذا. أى شئ يمكن أن يكون أكثر بؤساُ من هذا؟.

ويعتبر (السيد) قوله أعلى من إدراك سامعيه، وإذ لا يدرك الجميع سوء أفعالهم، ولا حتى منفعة تصرفاتهم بل هم فى حاجة أكثر إلى روح يدرك ونفس تعي كلا الأمرين، يأتى
بالنقاش ببعض أمور أخرى وكانت واضحة لهم فيقول: “حيث كنز الإنسان هناك يكون قلبه أيضاً”.

ايضا للقديس يوحنا ذهبي الفم : لا تهتموا بالغد

 

لا تهتموا بالغد

 ” فلا تهتموا للغد لأن الغد يهتم بما لنفسه يكفي اليوم شره ” أي يكفي ما يحدث فيه من امور تجلب الغم والضيق . ألا يكفيك أن تأكل خبزك بعرق جبينك ؟ لماذا تثقل نفسك بضيق أشد من جراء القلق على الغد . في حين أن الرب مزمع أن يحررك حتى من المتاعب الأولى ليومك الذي تعيشه ” الكد والتعب من أجل لقمة العيش ؟ ” الرب لا يعني ” بالشر ” هنا : الإثم ، حاشا ، بل الهم والقلق والبلايا “التي قد تحدث لأي إنسان ” … فهذا هو معنى قوله ” يكفي اليوم شره ” لأنه لا شيء يكون عبئا على النفس مثل الهم والقلق . وهذا ما جعل بولس الرسول في مجال تشجيعه للبتولية أن يعطي هذه المشورة ” فأريد أن تكونوا بلا هم ” ( اكو ۷ : ٣٢) .

ليتنا نتقرب إلى الرب ” هدف حياتنا الأوحد ” في وقت مناسب وغير مناسب وفي الواقع ليس هناك من يمكنه أن يتقرب في ” وقت غير مناسب ” بل أنه من “غير المناسب ” ألا نتقرب إلى الله على الدوام . لأن من يتوق أن يعطي كل وقته لله فهذا هو المناسب لكل من يلتمس من الله : وكالتنفس الذي له يمكن أن يكون في وقت ما غير مناسب لأن الإنسان في حاجة دائمة إليه وكذلك الصلاة لا يمكن أن تكون في وقت ما أمرا غير مناسب ، بل عدم الصلاة هو الغير مناسب . فطالما نحن في حاجة إلى التنفس كذلك تماماً نحن في حاجة دائمة إلى المعونة التي تأتينا من الله ، بل وإذا شئنا يمكننا بسهولة أن نجعله يقترب إلينا ، والنبي لكي يعلن عن هذا ويشير إلى مبادرة جودة الذي لا يتغير ، قال هلم نرجع إلى الرب .. ولسوف نجده متأهباً كالصباح “لاستقبالنا” (هو ٦ : ۱- ۳ السبعينية) .

لأننا بقدر ما نقترب ، بقدر ما نراه مترقباً لمجرد تحركاتنا ، أما إذا أخفقنا في أن نستقي من الماء الحي الذي لينبوع إحسانه الدائم . فالملامة كلها تقع علينا … أما إذا تحركنا ولو قليلاً حتى ولو أننا فقط أدركنا أننا أخطأنا إلى “الرب ” فهو سيفيض علينا بجوده اكثر من الينابيع وسينسكب علينا ” بروحه ” بما يفوق ماء البحار ، وقدر ما تزداد أنت أخذا بقدر ما يفرح هو أكثر فيفيض علينا أيضا وهكذا إلى مالا نهاية . فالرب في الواقع يبتهج بخلاصنا ، لأنه يعتبرنا ميراثه الخاصه وبأن يعطي بسخاء لكل من يسأل . ويبدو أن هذا هو ما كان يقصده بولس الرسول عندما كان يجاهر قائلا : ” إنه غنى لكل وعلى كل الذين يدعون ” (رو ۱۲:۱۰ ، قارن مع رو ۳ : ۲۲) إذن فلا ينبغي أن يدب فينا روح اليأس أبداً إذ تدفعنا بواعث هذه مقدارها ويحدونا الرجاء من كل جانب في محبة الله الفائقة ، حتى ولو كنا قد أخطأنا كل يوم ، فلنتقدم إليه ملتمسين الخطية أكثر خلف ظهورنا . بل وطرح إبليس بعيدا عنا وسنجتذب حنان الله ، ونفوز إلى الأبد أمين !! 

المرجع كتاب نقاوة القلب في المفهوم الكتابي والابائي صفحة ٨٩٣ – اعداد احد الاباء الرهبان بدير السيدة العذراء – برموس

 

الخزائن موجودة في السيد المسيح للعلامة اوريجانوس 

 

صنع بروقًا للمطر”. يقول خبراء الطبيعة أن البروق تحدث نتيجة لاحتكاك السحب بعضها ببعض. نفس ما يحدث على الأرض بالنسبة للأحجار؛ فإذا ضربنا حجرين ببعضهما البعض تتولد نارًا، أيضًا حينما تصطدم السحب ببعضها أثناء العاصفة يحدث البرق. لذلك أيضًا غالبًا ما تكون البروق مصحوبة بالرعود التي تمثل صوت التصادم بين السحب: فالرعد يحمل صوتًا، والبرق يحمل ضوءً ونورًا. إن كنت قد فهمت هذا، تأمل الآن السحاب الروحي. كان موسى سحابًا، وكان يشوع بن نون سحابًا، فماذا حدث؟ تحدثت هذه السحب فيما بينها، ومن كلماتهم توّلد البرق.

كان إرميا سحابًا، وكان باروخ سحابًا، ثم تحدثا مع بعضهما فجاءت البروق من كلماتهم معًا. ويمكنك إذا استطعت أن تستخرج من الكتاب المقدس أمثلة مشابهة عن كيفية حدوث البروق. ففي العهد الجديد أيضًا: بولس وسلوانس كانا سحابتين، وعندما تقابلا ظهرت بروق الرسالة  

إذًا فإن الله “صنع بروقًا للمطر وأخرج الريح من خزائنه“.

هل الرياح الأرضية موجودة في خزائن؟ كيف يمكننا أن نقول ذلك إن كنا في واقع الأمر لا نعرف ما هي مكونات أو طبيعة هذه الرياح التي تهب على الأرض؟ ومع ذلك فتوجد خزائن للريح، أي خزائن للأرواح: “روح الحكمة والفهم، روح الإرشاد والقوة، روح العلم والرحمة، روح مخافة الرب” “روح القوة والمحبة والنصح”، ويمكنك أنت أيضًا من خلال الكتاب المقدس أن تُكَوّن وتُعِد قائمة لهذه الرياح (الأرواح). هذه الأرواح موجودة في خزائن (كنوز)، فما هي هذه الكنوز؟ “فيه توجد الكنوز الخفية للحكمة والمعرفة“.

إذًا هذه الخزائن موجودة في السيد المسيح: ومنه أيضًا تخرج هذه الرياح، هذه الأرواح، لتصنع من الواحد حكيمًا، ومن الآخر مؤمنًا، ولتعطي لثالث معرفة، ولرابع محبة الله: “فإنه لواحد يعطى بالروح كلام حكمة، ولآخر علم بحسب الروح الواحد، ولآخر إيمان بالروح الواحد” (١ كو١٢: ٨).

نحن أيضًا بنعمة الله، لنا رجاء أن نبلغ إلى هذه الخزائن. حيث توجد خزائن عديدة، فربما يكون هناك أماكن راحة مختلفة في خزائن الله، تبعًا للصف الذي سوف نوجد فيه في القيامة من الأموات. هذا ما أريد أن أقوله: ستكون القيامة من الأموات بحسب الصفوف، لأن الرسول يقول: “كل واحد إلى صفه (مكانه) الخاص“.

بما أن هذه الصفوف لا تكون مختلطة بلا نظام، فإن هذا الصف سيكون في خزينة من خزائن الله، والصف الآخر في خزينة أخرى لله، وهكذا الثالث والرابع. جميع هذه الخزائن توجد في خزينة واحدة، لذلك يقول بولس الرسول: “فيه توجد الخزائن الخفية للحكمة والمعرفة”. كما أنه بامتلاكي اللآلئ الكثيرة استطعت من خلالها (ببيعها) أن أحصل على اللؤلؤة الواحدة الكثيرة الثمن، هكذا أيضًا يمكنني أن أبلغ إلى خزينة الخزائن، إلى رب الأرباب وملك الملوك، حينما أصير مستحقًا لنوال الأرواح الخارجة من خزائن الله، لأنه “أخرج الريح من خزائنه

 

المرجع تفسير سفر ارميا الاصحاح العاشر – القمص تادرس يعقوب ملطي

 

لاتكنزوا لكم كنوزا علي الارض للقديس هيلاري اسقف بواتييه 

 

هنالك يكون الفكر الداخلى ، الفكر الأول الفكر الحر ، الفكر التائب المركز، الفكر الدائم .القلب ملك لله (أم ٢٣ :٢٦) ولكى يحصل عليه يجب أن يوضع الكنز عنده وحينئذ ترتفع نفوسنا إليه . 

 ولا تكنزوا لكم كنوزاً على الأرض إذ يوصينا الرب هنا ألا نكترث بأمجاد الدنيا ولا بغناها البشرى الزائل يشير علينا أن يكون كل أهتمامنا أن يبذل في أرضاء الله. لأن الجاه البشرى تفسده الشهوات الجسديه أو بغضة الحاسدين والكنز الأرضى هو عرضة دائماً للقلق أو الضياع . أم المجد السماوى فهو أبدى ولا يمكن أن يختلس أو تصيبه عوامل الفناء أو ترمقه عين الحسد . ومركز للقلب يلزم أن يكون في أحد المكانين حيث يضع كنزه ” أما في الأرض أو في السماء ” ونور البصيرة إما أن يكون منكباً على المال عله الدمار أو منشغلاً بالله . فيكون له الحياة الأبدية.  

 

 لذلك أقول لكم لا تضعوا هماً في قلوبكم بما تأكلون وبما تشربون ، ولا لأجسادكم بما تلبسون أليست الحياة أفضل من الطعام والجسد أفضل من اللباس ؟

في كل ما تقدم يوصينا “الرب” بأن نزهد في أمور هذه الدنيا ونضع رجلؤنا الوطيد في حياة الدهر الآتى . وعندما يشير علينا أن نكون على أهبة الأستعداد لتحمل الظلم وخسران كل شيء عن رضى متغاضين عن الأنتقام لأنفسنا ، محبين للكل دون تحيز . غير مكثرين بأمجاد الدنيا فإنما غاية الرب من ذلك أن ستحث فينا الرجاء بالخيرات العظمى العتيدة. إن التكلف بمباهج الحياة الحاضرة وعدم الرجاء في الحياة الفضلى والباقية إلى الأبد من شأنه أن يجعل الكثيرين من الناس مرتابين ومنخدعين بتحقيق الرغبات الأرضية أو قلقى الفكر بسبب عدم الإيمان . 

إذاً فملكوت السماوات الذى أنبأ به الأنبياء ويشير به يوحنا المعمدان والذي أعلن عنه الرب أنه كائن فيه ، لا يمكن أن يطلب بإرادة منقسمة متقلبة ، وإلا فإنه إذا كان الإيمان نفسه في ريبة فلن يكون هناك تبرير بالإيمان فالرب يريدنا ألا نحمل هم الكساء والقوت ، بقوله إن النفس أرفع قدراً من الطعام ، والجسد أكثر قيمة من اللباس. إنه من اليقين بمكان أن الزهد في أمور الحياة الحاضرة من شأنه أن يجعلنا أن ندأب بالتمام على الأهتمام بالأمور الألهية. فالرب يدعونا أن نودع في السماء كنزنا وقد وعدنا ببهاء النور الذى يأتي عن طريق العين حتى للجسد أيضاً وبعد ذلك أكد أنه لا يمكن أحد أن يرضى سيدين ” هما على طرفى النقيض ” ، بعد ذلك قال : لذلك أقول لكم لا تهتموا ” بمعنى لا تقلقوا ” لحياتكم بما تأكلون وبما تشربون ولا لأجسادكم بما تلبسون

 

المرجع كتاب نقاوة القلب في المفهوم الكتابي والابائي صفحة ٨٧٥ – اعداد احد الاباء الرهبان بدير السيدة العذراء – برموس

 

 

ان الحماية الآمنة جدا لكنوزنا هى أن نعرف ذواتنا للقديس غريغوريوس النيسي  

 

            أعرف ذاتك

ان الشىء الذى يحمى أنفسنا هو معرفة ذواتنا وتجنب الخداع وعندئذ تعرف ذواتنا على حقيقتها كما لو كنا ننظر الى شىء آخر وهذا هو ما يحدث لأولئك الذين يفحصون ذواتهم . ولكن هناك بعضا آخر يرون فى أنفسهم القوة والجمال والسمعة والسياسة والغنى الجسدى ويظنون أن هذه هى ذواتهم ولكن أولئك الذين يتغافلون عن النعمة التى فيهم ولا يحرسون أنفسهم بسبب انغماسهم فى أشياء أخرى فانهم يتركون أنفسهم بلا رعاية لأنه كيف يحرس الانسان ما لا يعرفة ؟ ان الحماية الآمنة جدا لكنوزنا هى أن نعرف ذواتنا . كل واحد يجب أن يعرف نفسه كما هو وان يفرز نفسه عن كل ما هو ليس فيه لئلا يحمى شيئا آخر بدلا من نفسه . 

والآن من يهتم بأمور هذا العالم وكرامته الزائلة فهو لم يعرف بعد كيف يفرز نفسه عن ما هو ليس له . لأن كل ما يمكن أن يفنى ويزول هو ليس لنا ؛؛ لأنه كبف يمكن أن نتمسك بشىء زائل وعابر ولن يبقى ؟ أما الأمور الدائمة فهى التى يجب أن نتمسك بها حين نتخلى عن الأمور الأرضية الزائلة . ولكن لا يمكن أن نتمسك بالأثنين لأنه اما أن نمسك الواحد ونترك الآخر أو نتمسك بالآخر ونترك الأول . أما اذا حاولنا أن نمسك بالأثنين فاننا سوف نفقد كليهما . وهذا هو السبب فى نصيحة أصدقاء العريس ” ان لم تعرفى أيتها الجميلة بين النساء فاخرجى على آثار الغنم وارعى جداءك عند مساكن الرعاة ” (نش١: ٨  ) واذا سألنا عن معنى هذا فهو ان الذى لم يعرف نفسه بعد فإنه يبتعد عن القطيع ويكتشف أنه مع الجداء وعندئذ سيكون على شمال الراعى ” لأن الراعى يضع الخراف على جانبه الأيمن ” (مت٢٥ :٣٣) أما الجداء فانهم على الجانب الأيسر . 

والأن نحن نتعلم من أصدقاء العريس وجوب دراسة الحقيقة والأقتراب منها بغير تردد أو تعثر . ولكن يجب أن نشرح ذلك بأكثر وضوح لأن كثير من البشر الصالحين لا يصلون الى الحقيقة ولكنهم يسيرون خلف طريق سار عليه من قبلهم أناس ، فيسقطون بالتمام من الحكم الصحيح على الحقيقة وتكون مقاييسهم على الخير والشر هى مقاييس غير صحيحة ، وهم لا يدركون أن كل هذه الامور الأرضية سوف تؤول الى الزوال بعد ذلك ، وتمسكنا بالأمور الأرضية سيؤول بنا فى النهاية الى أن نصير مع الجداء وليس مع الخراف . والمعنى يصير واضحا اذا ما فهمنا معنى أيات الأنجيل واخترنا فقط السلوك الذى يؤول الى تقدم الروح ، ويجب ألا نسير بغير عقل والا صرنا مثل الماشية التى تركت أثار القطيع وتاهت فى العالم . لأن الانسان الذى يسير مثل أهل العالم فانه لا يستطيع أن يميز بين الخير والشر فى أمور هذه الحياة وعندئذ سوف يسقط فى الخطية وفى يوم الدينونة يصير مع الجداء وليس مع الخراف .

وعندئذ نستطيع أن نفهم أولئك الأصدقاء الذين يقولون للروح ” ها أنت جميلة ” (نش١: ١٥) وهم يقولون أنت جميلة مع كونها سوداء وكأنهم يريدون أن يقولوا لها : اذا أردت أن تحتفظى بجمالك فلا تتركى الطريق الصحيح وتسيرى وراء الجسد وشهواته لئلا توجدى مع الجداء عند نهاية العالم . وطريق الأمان هو أن تحافظى على الأشياء الحسنة التى تتمتعين بها والتى ميزك الله بها عن سائر المخلوقات لأنه لم يصنع السماء على صورته ولا الشمس ولا القمر ولا جمال النجوم ولا أى شىء أخر فى الخليقة المنظورة ولكن أنت فقط أيها النفس خلقك الله على صورته وهى صورة الجمال الأبدى المملوء بالسعادة الدائمة لأنك على صورة النور الحقيقى . 

واذا ما نظرت واتجهت الى الله فانك سوف تصيرين كما هو ، سيرى خلفه وهو سوف يشرق عليك بنوره ، ومجده سوف ينعكس على طهارتك ولن يفوق قدرك أى مخلوق آخر ولا فى السماء ولا على الأرض ولا أى خليقة سوف تماثلك . ورغم عظمة الله الذى يمسك الأشياء بكف يده كما يقول أشعياء النبى ” من كال بكفه المياه وقاس السموات بالشبر وكال بالكيل تراب الأرض ووزن الجبال بالقبان والآكام بالميزان ” (أش٤٠ :١٢) ولكن رغم هذه العظمة فأنت أيتها النفس تستطيعين أن تقبليه وهو يسكن فيك  ويقودك بالتمام كما قال الله ” انى سأسكن فيهم وأسير بينهم وأكون لهم الها وهم يكونون لى شعبا ” (٢كو٦: ١٦) فاذا أنت أدركت ذلك أيتها النفس فلن تستريح عيناك فى هذا العالم ولن تطلبى الا الله الخالق فقط ولن تنشغلى بأى مخلوقات أخرى تفنى وتزول وجاهدى أن تضبطى نفسك مثل الحصان الذى يجر المركبة والسائق يضبطه . وهكذا اذا ما أنت تعرفت على ذاتك فانك سوف تحتقرين كل العالم وسوف تضعين عينيك على هذا الهدف الروحى ولن تسيرى مثل بقية أهل العالم وسوف تحرسين ذاتك ولن تسقطى فى الخطية ولن تصيرى مع الجداء فى يوم الدينونة بل مع الخراف . ولم تطردى من المكان الذى على اليمين ، بل سوف تسمعين الصوت الحلو الذى يقول للمتواضعين والسالكين فى وصاياه ” تعالوا يا مباركى أبى رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم  ( مت ٢٥: ٣٤)

      لذلك نرى فى انجيل الرب معلّم حياتنا ومرشدنا الى الخلاص الأبدى ، الذى وهب الحياة للمؤمنين وقدم لهم كل شىء بعد أن أحياهم ، لم يطلب أى شىء مرات كثيرة مثلما كان يطلب أن نداوم فى اعطاء الصدقة وألا نتمسك بالمقتنيات الأرضية بل بالأولى أن نكنز لنا كنوزاً فى السماء اذ يقول : ” لا تكنزوا لكم كنوزا على الأرض حيث يُفسد السوس والصدأ ، وحيث ينقب السارقون ويسرقون  بل اكنزوا لكم كنوزاً فى السماء  حيث لا ينقب سارقون ولا يسرقون ، لأنه حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك أيضاً ” (مت ٦: ١٩– ٢١) وعندما أراد أن يعلّم الرجل الغنى الذى حفظ الناموس كيف يكون كاملاً قال له : ” ان أردت أن تكون كاملاً فاذهب وبع أملاكك وأعط الفقراء ، فيكون لك كنز فى السماء ، وتعال اتبعنى ”         (مت١٩: ٢١)  وفى موضع أخر يقول رب المجد أن أى تاجر للنعمة الالهية ، يريد أن يقتنى الخلاص الأبدى عليه أن يبيع كل ممتلكاته لكى يشترى اللؤلؤة الكثيرة الثمن التى هى الحياة الأبدية ، التى ثمنها دم المسيح اذ يقول : ” أيضاً يُشبه ملكوت السموات انساناً تاجراً يطلب لآلى حسنة ، فلما وجد لؤلؤة واحدة كثيرة الثمن ، مضى وباع كل ما كان له واشتراها “(مت ١٣ : ٤٥ ، ٤٦)  

وأخيراً هؤلاء الذين يراهم مهتمين بمساعدة الفقراء يدعوهم ابناء ابراهيم  فعندما قال زكا : ” ها أنا يارب أعطى نصف أموالى للمساكين ، وان كنت قد وشيت بأحد أرد أربعة أضعاف” فقال له يسوع : ” اليوم حصل خلاص لهذا البيت ، اذ هو أيضاً ابن ابراهيم ” (لو١٩: ٨ ، ٩)  فان كان ” ابراهيم قد آمن بالله ، وايمانه هذا حُسب له براً ” اذا بالتأكيد كل من يتبع تعليم الله ويعطى صدقة يؤمن أيضاً بالله ، ومن له صدق الايمان يحفظ مخافة الله ، وكل من يحفظ مخافة الله ، يراعى الله فى اظهار الرحمة للفقير ، وهو يفعل ذلك لأنه يؤمن ويعرف أن الكتاب المقدس لا يمكن أن يكذب ، وأن الشجرة غير المثمرة ، أى هؤلاء الذين لا ثمر لهم ، يُقطعون ويلقون فى النار ، وأما الرحماء فيُدعون الى الملكوت .                                       وفى موضع آخر يدعو الذين يعملون أعمالاً صالحة ” مؤمنين ” وعن هؤلاء الذين بلا ثمر أنهم بلا ايمان ” فان لم تكونوا أمناء فى مال الظلم ، فمن يأتمنكم على الحق ؟ وان لم تكونوا أمناء فى ما هو للغير ، فمن يعطيكم ما هو لكم؟ ” (لو ١٦ : ١١-١٢) .  

أما تلك المخاوف التى تنتاب البعض من أن يفتقر لو أعطى صدقة بسخاء ، فكونوا مطمئنين ولا تنزعجوا من جهة هذا الأمر ، فان ما ينفق لأجل المسيح ، ولأجل تتميم عمل السماء لا يمكن أن يفرغ أبداً ، ان هذا الوعد ليس من عندى بل هو من الله (الأسفار المقدسة) فالروح القدس تكلم على فم سليمان قائلا : ” من يعطى الفقير لا يحتاج ، ولمن يحجب عنه عينيه لعنات كثيرة ” ( أم٢٨: ٢٧) موضحاً أن الرحماء وفاعلى الخير لن يمكن أبداً أن يكونوا فى عوز لكن على العكس ، البخلاء والخائفون على ما لديهم ، سوف يجدون أنفسهم فيما بعد فى فقر واحنياج . هكذا يقول الطوباوى بولس الممتلىء نعمة : ” والذى يقدم بذاراً للزارع وخبزاً للأكل ، سيُقدم ويكثر بذاركم ويُنمى غلات بركم مستغنين فى كل شىء ” (٢كو٩ : ١٠-١١) . وأيضاً : ” لأن افتعال هذه الخدمة ليس يسد اعواز القديسين فقط ، بل يزيد بشكر كثير لله ” (٢كو ٩: ١٢) . وذلك لأن الفقير يشكر كثيراً لأجل عطايانا وأعمالنا الصالحة ، فيزداد الغنَى لفاعلى الخير كمكفأة لهم من عند الرب ، والانجيل اذ ينظر الى قلوب هؤلاء الناس يشجب قليلى الايمان وغير المؤمنين ويقول : ” فلا تهتموا قائلين : ماذا نأكل ؟ أو ماذا نشرب ؟ أو ماذا نلبس فان هذه كلها تطلبها الأمم . لأن أباكم السماوى يعلم أنكم تحتاجون الى هذه كلها . لكن أطلبوا أولاً ملكوت الله وبره  وهذه كلها تزاد لكم ” (مت ٦: ٣١-٣٣) . فكل شىء سوف يُعطى ويزاد لمن يطلبون ملكوت الله وبره ، فعند مجىء يوم الدينونة ، سيقدّم هؤلاء الذين تعبوا فى كنيسته وصنعوا أعمالاً صالحة لنوال الملكوت .

ليتك لا تخشى أن تخسر ميراثك الأرضي لو بدأت تتصدق منه بسخاء ، ألا تعلم أيها الانسان البائس أنك بينما تخشى أن تفقد ثروتك ، تخرّب حياتك ذاتها وخلاصك . وبينما أنت قلق من أن تتقلص ممتلكاتك ، لا تنتبه الى أنك أنت ذاتك الذى تحب المال أكثر من نفسك ، وأنك ضحيت بنفسك لأجل المال ، لذلك حسناً يعلن الرسول ويقول : ” لأننا لم ندخل العالم بشىء ، وواضح أننا لا نقدر أن نخرج منه بشيء : فان كان لنا القوت وكسوة فلنكتف بهما . وأما الذين يريدون أن يكونوا أغنياء ، فيسقطون فى تجربة وفخ وشهوات كثيرة غبية ومضرّة ، تُغرق الناس فى العطب والهلاك ، لأن محبة المال أصل لكل الشرور ، الذى اذ ابتغاه قوم ضلّوا عن الايمان ، وطعنوا أنفسهم بأوجاع كثيرة ” (١تى٦: ٧-١٠) . 

هل تخشى أن تفرغ ثروتك متى بدأت تتصدق بسخاء ؟ متى حدث أن احتاج انسان بار لمعيشته ؟ أليس مكتوب : ” الرب لا يُجيع نفس الصديق ” ( أم١٠: ٣)؟ ف ايليا كانت الغربان تُطعمه في البرية ، ودانيال عندما ألقى في جب الأسود بأمر الملك أعدت له وجبة من السماء (تتمه دا ١٤ : ١٣ – ٣٨) ) وبينما أنت تفعل الصلاح ، وتستحق الخير من الرب ، تخشى لئلا يعوزك الطعام ؛ ان الرب يشهد فى الانجيل ويوبخ أصحاب الأذهان المتشككة وقليلي الايمان ويقول : ” انظروا الى طيور السماء : انها لا تزرع ولا تحصد ولا تجمع الى مخازن . وأبوكم السماوي يقوتها  ألستم أنتم بالحرى أفضل منها ؟” (مت ٦ :٢٦)  ان الله يُطعم الطيور والعصافير التي لا تدرك تلك الأمور الالهية ، بل وحتى الخليقة التي لا مشاعر لها ، فالمأكل أو الشراب لا ينقصها أبداً ، هل تعتقد أنك – وأنت مسيحي وخادم لله ومكرّس فى عمل الخير وعزيز جداً عند الله –   أنك سوف تكون في عوز ؟

هل يمكن أن يفكر الانسان هكذا ، أن يظن من يعطى طعاماً للمسيح ، أن المسيح لن يطعمه ؟ وان أولئك الذين أعطوا أموراً سمائية والهية أنهم سوف يعتازون الى الأشياء الأرضية ؛؛ من أين يأتي هذا الفكر الخالي من الايمان ؟ من أين يأتى هذا الفكر الدنس ؟ ما الذى يفعله مثل هذا القلب الجاحد ، في بيت الايمان؟   وكيف يُدعى مسيحياً من لا يؤمن بالمسيح على الاطلاق ؟ ان لقب ” فريسى ” يليق به بالأكثر                                  فالرب حينما تحدث فى الانجيل عن الصدقة سبق وعلّمنا لأجل خلاصنا بأنه يجب علينا أن نصنع لأنفسنا أصدقاء بمال الظلم حتى نُقبل فى المظال الأبدية ، أضاف الكتاب بعد ذلك : ” وكان الفريسيون أيضاً يسمعون هذا كله وهم محبون للمال فاستهزأوا به ” ( لو١٦: ١٤) فنحن نرى الآن مثل هؤلاء فى الكنيسة هؤلاء الذين أغلقوا آذانهم وأعموا قلوبهم ، فلم يصغوا الى التحذيرات الروحية المخلصة ، لذا يجب علينا ألا نتعجب ان كانوا يزدروا بالخادم حينما يتكلم عن هذه الأمور ، فأمثال هؤلاء قد استهزأوا بالرب ذاته

لماذا تسمح لهذه الأفكار الحمقاء والفارغة أن تأخذ مكانها فيك ؟ وتجعل تخوفك وقلقك من المستقبل يمنعك من فعل الخير ؟ لماذا تتصور هذه الخيالات والأوهام حتى تجد لنفسك عذراً واهياً؟ فلتعترف بالحقيقة واكشف خبايا قلبك ، لأنك لا تستطيع أن تخدع العارفين  لقد أطبقت الظلمة على ذهنك ، وتسرب النور الى خارجك ، فظلمة الطمع العميقة قد أعمت قلبك الجسداني : فأصبحت عبد وأسير لمالك ولمقتنياتك ، أنت مربوط بسلاسل وقيود الطمع ، أنت الذى حرّرك المسيح ، عُدت ثانية الى أسرك وسجنك ، عُدت تدخر المال على الرغم من أن ادخارك له لن يُخلصك أنت تكدّس الثروة التي تثقل كاهلك بحملها الثقيل ، ألا تذكر ما قاله الله للرجل الغنى الذى كان يتباهى بحصاده الوفير : ” يا غبى هذه الليلة تُطلب نفسك منك  فهذه التي أعدّدتها لمن تكون ؟ ” (لو١٢: ٢٠) لماذا تُطيل التفكير فى غناك ، انك كلما صرت غنياً فى نظر العالم ، كلما ازددت فقراً فى عيني الله ؟ اقتسم أرباحك مع الرب الهك ، اجعل المسيح شريكاً فى كل مكاسبك ، اجعل المسيح شريك لك فى ممتلكاتك الأرضية لكيما يجعلك هو أيضاً وريث معه في ملكوته السماوي .

فأنت يا من يظن نفسه غنياً فى العالم ، أنت ضال ومخدوع ، اسمع صوت الرب فى سفر الرؤيا عندما يوبخ مثل هؤلاء قائلاً : ” لأنك تقول : انى أنا غنى وقد استغنيت ، ولا حاجة لى الى شىء ، ولست تعلم أنك أنت الشقي والبائس وفقير وأعمى وعريان  أشير عليك أن تشترى منى ذهباً مصفى بالنار لكى تستغنى ، وثياباً بيضاً لكى تلبس ، فلا يظهر خزى عريتك  وكحّل عينيك بكحل لكى تبصر ” (رؤ ٣: ١٧ ، ١٨) لذلك يا من أنت غنى وثرى ، اشترى لنفسك ذهب مُصفى بالنار من المسيح ، حتى تكون أنت ذهباً نقياً  وتكون أدناسك قد حُرقت كما لو بنار ، اذ تطهرت بالصدقة والأعمال الصالحة  اشتر لنفسك ثياباً بيضاً لكى ترتدى ثوب المسيح الأبيض يا من كنت عرياناً مثل آدم وكان منظرك بشعاً لا يليق وأنت أيتها السيدة الغنية والثرية ، كحّلى عينيك ، لا بكحل الشيطان بل بكحل المسيح حتى يمكنك أن تنظري الرب عندما تستحقين الخير منه بسلوكك وأعمالك الحسنة .

وأنت يا من لا تستطيع أن تعمل الأعمال الصالحة في الكنيسة لأن عينيك قد أحاط بها السواد وتغطت بظلال الليل فلم تعد ترى الفقراء والمحتاجين  هل تعتقد أيها الغنى يا من لا يجول بفكرك بالمرة صندوق العطاء  يا من تأتى إلى عيد الرب بدون ذبيحة ، يا من تشارك الفقير في الذبيحة التي يقدمها ؟ انظر الكتاب المقدس فترى أرملة فعلت الصلاح فى وسط ضغوط ومشقات الفقر اذ ألقت في الخزانة فلسين كانا هما كل ما تملكه، وعندما رآها الرب نظر الى عملها ، ولم ينظر الى مقدار العطية ، بل رأى قيمة هذا العمل وقدّره كثيراً وأجاب قائلاً : ” بالحق أقول لكم : ان هذه الأرملة الفقيرة ألقت أكثر من الجميع ، لأن هؤلاء من فَضلَتهم ألقوا فى قرابين الله ، وأما هذه فمن إعوازها ألقت كل المعيشة التي لها ” (لو٢١: :٣ ، ٤) فطوبى لهذه المرأة ، التي استحقت قبل يوم الدينونة أن يمدحها صوت الديان ؛ فليخز الغنى من سلوكه هذا . فها أرملة فقيرة تُعطى ، وجُدت عظيمة للغاية في محبتها ، فى حين أن كل شىء يتصدّق به الناس انما يُعطى عادة للأرامل والأيتام ، الا أنها أعطت ، فالتي كان يجب أن تأخذ هى التى أعطت ومن هنا يمكن أن نعرف كم هى رهيبة مجازاة الأغنياء والبخلاء ، ان هذا الموقف يُرينا أنه حتى الفقراء أيضاً يستطيعوا أن يفعلوا الخير ولكيما ندرك أن هذه الأعمال الصالحة مُقدمة لله ، وأن وأن من يفعلها يستحق الثناء منه انظُروا المسيح انه يدعو تلك العطايا ” قرابين الله ”  وهذا يوضح جلياً أن من يعطف على المسكين يُقرض الله . 

أيها الاخوة الأحباء ، قد يظن البعض أنه يستطيع التماس العذر فى عدم قيامه بأعمال الرحمة والصدقة ، لأن لديهم أطفال ، فمثل هذا التفكير يقيد المسيحى أحياناً ويمنعه عن عمل الخير لكننا فى العطايا الروحية يجب أن نضع فى اعتبارنا أن المسيح هو الذى ينالها (عبر الصدقة للفقراء) ، فنحن لا نفضل رفقائنا فى العبودية على أولادنا ، ولكننا نفضل الرب عليهم ، انه يحذرنا بقوله : ” من أحب أباً أو أماً أكثر منى فلا يستحقنى ” ( مت١٠: ٣٧). وأيضاً فى سفر التثنية كُتب عن قوة الايمان ومحبة الله : ” الذى قال عن أبيه وأمه : لم أرهما  وباخوته لم يعترف ، وأولاده لم يعرف ، بل حفظوا كلامك وصانوا عهدك ” (تث٣٣: ٩). لأنه لو كنا نحب الله من كل القلب ، فينبغى علينا ألا نفضّل الوالدين أو الأولاد على الله  وهذا أيضاً ما يوضحه يوحنا الحبيب فى رسالته ، أن محبه الله لا توجد فى من لا يريدون فعل الخير للفقراء : ” وأما من كان له معيشة العالم ونظر أخاه محتاجاً ، وأغلق أحشاءه عنه ، فكيف تثبت محبة الله فيه ؟ ” (١يو٣: ١٧) . فان كنا بعطائنا للفقراء نجعل الله مديناً لنا ، فان الذى يقدم لهؤلاء الأصاغر ، انما يقدم للمسيح ذاته ، فلا يوجد مبرر لأى أحد أن يفضل الأرضيات على السماويات ولا أن يضع الأمور البشرية فوق الأمور الإلهية .

 

المرجع كتاب من مجد الي مجد للقديس غريغوريوس النيسي ( صفحة ٩٧ ) – القمص اشعياء ميخائيل – كنيسة الملاك الضاهر 

 

عظات آباء وخدام معاصرون :

أحد الكنوز – لقداسة البابا تواضروس الثاني[9]

نورانية الجسد

هذا هو أحد الكنوز في أسبوع الإستعداد وبداية الأربعين المقدسة، فمن غداً وحتى جمعة ختام الصوم 40 يوماً.

“إن كانت عينك شريرة فجسدك كله يكون مظلماً” (ع 23).

ما هي العين الشريرة؟ إنها أنواع عديدة منها:

  • عين شهوانية غير طاهرة: عين حواء، عين عيسو، عين شمشون، عين هيرودس.
  • عين مادية طامعة: عين لوط، عين آخاب.
  • عين أنانية حاقدة: عين شاول ضد داود، عين اليهود ضد المسيح.
  • عين ديّانة ناقدة: عين يهوذا ضد ساكبة الطيب – عين سمعان ضد المرأة الخاطئة.
  • عين قاسية غير رحيمة: عين الغني ضد لعازر، عين الكاهن واللاوي في مثل السامري.
  • عين غير صائبة طائشة: عين الغني الغبي، عين المخلع.

ولكل إنسان جهاز روحي يساعده في حياته الروحية. وهو يتكون من ثلاثة أعضاء: العين، والأذن، والقلب.

وفرصة الصوم هي لإصلاح وصيانة هذه الأعضاء الحيوية.

اهتم بعينك لأنها سراج الجسد ومدخل لحياة النور أو الظلام.

  • الله .. أولاً

في الأحد الأول من الصوم أمامك سؤالاً هاماً:

هل الله هو الأول في حياتك؟ هل هو قائد أفكارك وأقوالك وأفعالك؟

والسؤال هام لكل من يسير في الطريق الروحي للجهاد واضعاً نُصب عينيه ملكوت السموات.

وقد تتوه هذه الحقيقة “الله أولاً” وسط حياة الإنسان كما يلي:

  • بسبب كنز يشغلك على الأرض مثل: (تطلعات شهوة العيون: كالشهرة ــ السلطان ــ الجمال…).
  • بسبب سيد يملكك على الأرض مثل: (عبادة المال ــ الثروة……).
  • بسبب اهتمام يأخذك على الأرض مثل: (ماذا نأكل؟ ــ ماذا نشرب؟ ــ ماذا نلبس؟….).

ورحلة الصوم لكي تثمر تحتاج إلى مراجعة، ووقفة مع النفس لتصحيح كل خطأ فيها.

وذلك من خلال:

  • طاعة الوصية دائماً: بمعنى أن الله أولاً وكلمته المقدسة أمامي كل يوم.
  • عمل الرحمة وخدمة الآخرين بحب لأخرج من الأنانية ومحبة الذات.
  • نقاوة القلب بالتوبة المتجددة والمستمرة حتى أستطيع معاينة الله (متى 8:5).
  • وبهذه الثلاث يصير كنزي ونصيبي في السماء.

المرحع : كتاب المنجاية القبطية الارثوذكسية – صفحة ٢٩٥ – قداسة البابا تواضروس الثاني

 

وايضا عظة اخري لقداسة البابا تواضروس :

 

يوم الأحد من الأسبوع الأول :

 مت ( ٦ : ١٩ – ٣٣ ) 

أي سيد تختار ؟

أيـام الـصـوم المقـدس هـي أيـام غاليـة جـدا فـي حياتنـا بصـفـة خاصـة ، وفـي حـيـاة الكنيسة عامة ، فكـل يـوم مـن هذه الأيام له قيمته في حياة كل إنسان ، وحياة الإنسان

واحدة من ثلاثة :

 + أيام ذهب : وهي أيام الصحة والقوة والنجاح والسمو الروحي في حياة الإنسان . 

+ أيام اللبان : هي أيام الجهاد والعمل والتعب والبحث عن لقمة العيش ، وفي الحياة الروحية يمكن أن نسميه عرق الصلاة والميطانيات.

+ أيـام الـمـر: هـي أيـام الضيقات، والأزمات التي تصيب الإنسان مثل فقدان أحـد الأحباء 

 وأيام الفشل.

هذه الأيام الثلاثة مرتبطة بالهدايا التي قدمها المجوس للسيد المسيح . والصوم يعتبر بمفهومه الروحي من الأيام الذهب ، لذلك نحن نهتم بهذه الأيام ، والكنيسة أيضاً تعمل منهجاً مدققاً ومرتباً على محطات ، وتسمي كل أسبوع باسم وكأنك تسير في هذه الأيام بالمسطرة.

إنجيل الأحد الأول من الصوم المقدس يضع أمامنا الاختيار، لذا تُسميه الكنيسة ” أحـد الـكـنـوز أو أحد الاختيار”، كما أنه يمثل جزءاً تعليمياً مأخوذاً من العظة على الجبل في الكتاب المقدس ، ولذلك يتميز بثلاثية ” لا ” :

١ –  ” لا تكنزوا لكم كنوزاً على الأرض” (مت ٦ : ١٩). وعليك أن تلاحظ هذه العبارة حيث أنها واضحة جدا ، فما يقوله المسيح هو لحياتنا. هناك خطية محبة التملك وقد تسميها في الحياة الرهبانية “حب القنية “؛ لأنها تشغل الإنسان بالأرض وتجعلـه لا يتذكر السماء ، لذلك لا بد أن تدرك مدى تفاهة ما هو على الأرض . يقـول الكتاب : “حيـث يكـون كـنـزك هنـاك يـكـون قلبـك أيضـاً ” (مت ٦ : ٢١). وهـذه إحدى مبادئ الصوم ، فمن المهم أن تهتم بوصية الإنجيل ” لا تكنـزوا لكم كنـوزا على الأرض . 

٢-  ” لا يقدر أحد أن يخـدم سـيدين ” (مت ٦ : ٢٤). لا يمكن لأي شخص فينـا حـتـى فـي أشغالنا العامة المدنية أن يكون لنا رئيسان في ذات الوقت ، ويوضحها لنا ببساطة ” إما أن يبغض الواحد ويحب الآخر أو يلازم الواحد ويحتقر الآخر”. ويوضحها بصورة أجمل عندما يقول : ” لا تقدرون أن تخدموا الله والمال …” (مت ٦ : ٢٤) . 

ومن هنا يأتي السؤال أي سيد تختار؟ من سيدك ؟ أمامك اختيارين ؟ تهتموا للغدد” (مت ٦ : ٣٤) ، تهتـمـوا هـنـا تعني لا تحملـوا هما للغد ، ويعطي أمثلة كثيرة مثل الطيور التي تعرف طريقها جيداً ولا تهتم بالغد ، ويكلمنـا عـن عشـب الحقل ، ثم يقول ” ألستم أنتم بالحري أفضل منها ؟” (مت ٦ : ٢٦)، إن الموضوع متعلق بالإنسان ، لا تهتموا بالغد. هنـاك عبـارة لطيفـة تقـول : ” الغـد يـوجـده اللـه ، ويصـنعه الإنسـان ” وهـذا طبقاً لتصرفاتك وأعمالك.

هذه الثلاث ” لا ” تضعها الكنيسة أمامنا ونحن في الأسبوع الأول ” أسبوع الاستعداد “. وإذا رجعنا للسؤال الذي تقدمه لنا الكنيسة وتقول لنا : ” أي سيد تختار ؟”، أي مـن هو المتحكم فيك؟ لا تظنوا أن المسيحية تضرنا ، أبدأ … بالعكس ، إبراهيم أبو الآباء كان من الأغنياء ، كذلك الأنبا أنطونيوس كان من الأسر الغنية ، الغني نعمة من الله.

المال له سحره وبريقه حسب التعبير المصري ” فلان ده مبسوط ” وكلمة مبسوط معناه أنه ميسور الحال ، والمـال لـه فـوائـد عـديـدة عندما يستغل حسناً ، والمال يعطـي إمكانيات واسعة في أماكن كثيرة ، كما يمكن أن أستغله في أعمال كثيرة كبناء مستشفيات أو مدارس وجامعات وطرق وغيرها من الأمور المفيدة . لـكـن قـد يكـون المـال لـه صـوره ومحدوديته ، فمثلاً هنـاك مـن يـعـانـوا مـن أمـراض يجعلهم لا ينامون ليلا ، ولديهم نوع من القلق والتوتر، فالإنسان لا يستطيع أن يعيش بدون نوم أكثر من يومين ولديه أموال كثيرة ، لكنه لا يستطيع أن يشتري راحة البال أو النوم . 

والإنسان من خلال المال قد يستطيع شراء الدواء الذي يحتاجه ، لكـن الـدواء لا يمنح الصحة للإنسان . كذلك هناك من يستطيع أن يشتري سكن ، لكنه لا يستطيع أن يشتري السلام داخل البيت ، قد يعيش شخص مـا فـي قصـر، لـكـن لا سـلام فـي هـذا القصر، والكتاب المقدس يقـول : ” لقمـة يابسة ومعها سلامة ، خـيـر مـن بيـت مـلآن ذبائح مع خصام” (أم ١٧ : ١).

النعم في حياة الإنسان كثيرة ، وإحدى هذه النعم هي المال سواء كان كثيراً أو قليلاً، لكن أي سيد تختار؟ هـل المال سيدك أم عبـدك؟ هـل المـال هـدفك أم هـو مـجـرد وسيلة ؟ هـل المـال جشع وطمـع أم شـبـع ؟ ” فـإن كـان لنـا قـوت وكسـوة، فلئكتـف بهما “( تی ٦: ٨) . 

كنت في أحد البلدان وسألت شخصاً عن راتبه في الأسبوع ، وماذا يفعل به ؟ فقال لي : ” إن إجازة نهاية الأسبوع هي السبت والأحد، يخـرج مـع أصحابه ويشتري كل ما يحلو له من كحوليات ، ويشرب ويسكر حتى نهاية اليوم ، ثم يأتي أول الأسبوع (الإثنين) ليبدأ عمله مرة أخرى ” . 

ما هذه الحياة ؟ إنسان هذا الزمان يعاني مـن فـراغ شديد ، فهو كالطبلة الفارغة من الداخل ليس هناك أي شبع أو اهتمام.

مثال على ذلك ، عندما مات لعازر كانت الأختان مريم ومرثا في انتظار السيد المسيح ، وعندما جاء إليهما نجد مرثا مشغولة بمشغوليات الضيافة ، أما مريم فكانت جالسة عند قدمي يسوع ، فقال لها : ” مرثا، مرثا، أنت تهتمين وتضطريين لأجل أمور كثيرة. ولكن الحاجة إلى واحد ” (لو ١٠ : ٤١ ـ ٤٢). الحاجـة إلى واحـد إلى شخص السيد المسيح ، كـان علـى مـرثـا أن لا تنشغل كثيراً، وعليها أن تعمل بحكمة وتجعل الناس يساعدونها ولا تكون مشغولة بكل هذه الأمور . 

يجب أن تُدرك أيها الحبيب أن هناك فقراء في المال ، لكنهم في ذات الوقت أغنياء في الإيمان ، والأمثلة على ذلك كثيرة يشرحها لنا الكتاب المقدس :

 ١ – الغنى  ولعازر:

كان الغني يتمتع بخيرات كثيرة ، ولعازر المسكين الموجود على باب البيت أو المكان الذي يعيش فيه الغني ، لكنه لم يجد من يطببه ، فتقوم الكلاب لتكون أكثر رأفة من الإنسان وتستخدم لسانها كي تمسح بعض جروح المسكين ” لعازر” القسوة هي إحدى مشكلات امتلاك المال عند البعض ، فقساوة القلب ليست لدي كل الأغنياء ، فهناك الكثيرون من ذوي الأموال لديهم الرحمة المتدفقة. هناك فقراء في المال وأغنياء في الإيمان ، وهناك أغنياء في المال وأغبياء في السلوك .

٢– الغني الغبي : 

كان لديه الكثير من المال ، لكنـه جـاء ذات مـرة وقـرر وقال : ” أعمـل هـذا : أهـدم مخازني وأبني أعظم منها ، وهناك أخزن جميع غلالي وخيراتي . وأقول لنفسي : يا نفس ، عندك خيرات كثيرة مخزونة لسنين عديدة، فاستريحي وكلي واشربي وافرحي ! ولكن الله قال له : يا غبي ، هذه الليلة تُطلب نفسك منك ” (لو ١٢ : ١٨ ـ ٢٠). وهذا شيء مهم يجب أن ننتبه إليه ، فالصوم يا إخوتي الأحباء ينبه الإنسان لما يقوله الكتاب والاتجاه الحسن في كل وصية 

الغني الغبي كان غبيا في سلوكه رغم غناه .

 ٣- داود النبي :

داود الـنـبـي كـان مـلـكـا وشـاعراً ورئيساً للجـيش فـي بـلـده ، كمـا كـان عازفـاً للموسيقى وكاتباً للمزامير، ولكن وقف هذا الملك العظيم وقال : “جعلت سروراً فـي قلبي أعظم من شرورهم إذ كثرت حنطتهم وخمرهم ” (مز  ٤  : ٧). والحنطة يقصد بها القمح، أما الخمر فهو العنب ، ويقصد بزيتهم ” الزيتون “، وهذه كلها محاصيل ، وهـذا يعـني أن لديهم أرض زراعيـة تنـتج محاصيل القمح والعنـب والزيتون ، وعندما يكون المحصول وفيرا تكون الناس في فرح شديد ، أما داود فقال له : ” جعلت سرورا لقلبي “، أي أنـت يـا رب صاحب السعادة التي أوجدتها فينا والتي جعلتني فرحان بها . هذه الصورة الجميلة تجعلنا نضع أمامنا باستمرار فضائل مرتبطة باستخدام المال الذي في يدك قليل أو كثير ومنها :

+ فضيلة الشكر: ” لا عطية بلا زيادة إلا التي بلا شكر” (مارإسحق السرياني). فم يشكر دائماً إنما يقبـل البـركـة مـن الله ، وقلـب يلازم الحمد والشكر تحـل فيـه النعمة . 

+ فضيلة الرضا.

+ فضيلة القناعة 

+ فضيلة الرحمة 

+ فضيلة التدبير الحسن

 كل هذه الفضائل مرتبطة بالمال ، إذ هو وزنة يجب أن تعرف كيف تستخدمها ! هناك من يشكو مـن قلـة المال وضعف الحال ، لكن يجب أن تكون مدبراً حسناً كل شيء تستخدمه ” النور، الماء ، الطاقة ، التليفون ، الإنترنت … إلخ”. وكل هذا لا يليق مع الصوم ؛ لأن الصـوم هـو أن تعيش مع ربنا وتتمتع به. لذلك يقول الكتاب المقدس : ” فادخل إلى مخدعك وأغلق بابك ” (مت ٦  : ٦). لا تظن أن هذا كلام حسن ، فالمسيحية لا تعرف ذلك ، ولا تعرف الكلام الحلو، فالوصية هي الوصية ، فالتوجيه والنصيحة الكتابية موجهه لك شخصياً وأنت مسئول عنها. 

ادخل إلى مخدعك أي ادخل إلى قلبك واعرف ما بداخله لأنه سيأتي اليوم الذي ستُقدم فيـه قلبـك لربنـا، أمـا أغلـق بابـك أي ” أغلق فمك “. الحديث هنا يتكلم عن الصلاة ، وأتعجب من شخص يصلي وبجانبه الموبايل ومشغول به جدا ، لذلك يجب أن أقول لك أن الله الذي أعطاك الحياة بكل هذه النعم وجعلك تأتي إلى هذه الساعة المقدسة لا بد أن تعطيه بضع دقائق من وقتك 

تدريب 

( ١ ) رتب يومـك ليكون الله له الأولوية ، وضـع هـذا شعاراً معك دائماً ، وعود نفسك باستمرار أن تمارس ولمدة ٤٠ يوماً عادات مقدسة واستمر فيها واستغل ذلك.

(٢ ) رتب يومك ليكون الله له الأولوية في كلامك ، في أفعالك ، فـي تصرفاتك ، فـي سلوكياتك ، في وقتك ، امنح الله من وقتك وفيراً في كل ما تصنعه.

فليكن هذا الصوم صوماً مقدساً مملوءاً بالبركة يغيرك روحياً ويجعلك ملتفت إلى نفسك ، واعلم أيها الحبيب أن لك نفسا واحدة إذا خسرتها خسرت كل شيء .

فليعطنا مسيحنا أن تكون حياتنا مرضية له إلى النفس الأخير .

المرجع : كتاب اختبرني يا الله صفحة ٧٤ – قداسة البابا تواضروس الثاني

 

جواهر مفقودة ..احد الكنوز للمتنيح انبا كيرلس مطران ميلانو

جواهر مفقودة . . . غنائـم مسروقة

يوجد إناس عندما يفقدون أشياء مادية يبكون عليها ويبحثون عنها في كل مكان ، وإن أمكن يقدمون بلاغا للبحث عنها وقلوبهم حزينة جدا ، بينما توجد جواهر ثمينة مسروقة منهم ، لا يبحثون عنها ولا يبكون عليها !

ومن بين الجواهر الثمينة التي يفقدها الإنسان ولا يدري .

كلمة الله :

خزانتها القلب وهي بهجته ، ويقول المزمور :

” ابتهج أنا بكلامك كمن وجد غنائم كثيرة ” (مز ١١٩ : ١٦٢) . ” ورثت شهاداتك إلى الابد لأنها بهجة قلبي ” ، ” ناموسك خيرلي من ألوف ذهب وفضة ” .

هذه الجواهر تشتري بها حياتك ، وتدافع بها عن نفسك ، وقال عنها معلمنا بولس الرسول ” كلمة الله حية وفعالة ، وأمضي من كل سيف ذي حدين ” (عب ٤ : ١٢) .

الشيطان لا يدخل قلبك وانت مع الله ، كما قال أحد الآباء القديسين ” طوبي لمن نام واسمك القدوس على شفتيه ، فإن الشياطين تهرب من الاقتراب إليه ، لا تجد فيه مدخلا ولا محلا ” .

كلمة الله مكانها في القلب . فإذا وضعتها أمام عينيك ، أو تحت رأسك ، أو ذكرتها للآخرين ، ولم تخبئها في قلبك ، لا تنتفع بها ، لأنها تعمل في القلب وتحفظه ، وكل فكر لا يرضي صلاح الله يبتعد عنها .

الحكمة :

” لأن الحكمة خير من اللآلئ وكل الجواهر لا تساويها ” (أم ١ : ١١) .

تشتري بها سلامك ، وتعلمك متى تفتح فمك ومتى تغلقه . والتلاميذ عندما أرسلهم الرب للخدمة ، أعطاهم الحكمة التي كل الجواهر لا تساويها . وجعلها رصيداً في قلوبهم ، فعرفوا الحياة الأبدية وأحبوها ، ورأوا أن العالم باطل الأباطيل ، وعلمتهم الحكمة ” ماذا ينتفع الإنسان لوربح العالم كله وخسر نفسه ” (مت ١٦ : ٢٦) .

وبالحكمة وقفوا أمام الأباطرة والملوك والرؤساء والعظماء ، لأن الرب أعطاهم فما وحكمة ..

المسكنة بالروح :

” طوبي للمساكين بالروح ، لأن لہم ملکوت السماوات ” (متى ٥ : ٣) . كل الجواهر التي في العالم ، بل العالم كله والجواهر التي فيه ، لا تعطى الملكوت ، لذا يجب أن تحزن على الاتضاع المفقود منك .

فهو جوهرة تخلصك وتحميك بدون تعب كما يقول أحد الآباء : ” الاتضاع خلص كثيرين بلا تعب ” .

ويقول القديس برصنوفيوس ” الاتضاع يكسر جميع فخاخ العدو ” . وهو جوهرة بها يرفعك الرب ” الرب يرفع الشجرة الوضيعة ، ويضـع الشجرة الرفيعـة ” (حز ١٧ : ٢٤) .

الروح المنسحق هو الذبيحة المقبولة أمام الله .

بها كل طلباتك وكل احتياجاتك لا ترذل أمام الله .

ويقول معلمنا بولس الرسول ” أسألكم أنا الأسير في الرب أن تسلكوا كما يحق للدعوة التي دعيتم إليها ، بكل تواضع القلب ” (أفسس ٤ : ٢) .

الوداعة :

تورثك الأرض ” طوبي للودعاء لأنهم يرثون الأرض ” (متى ٥ : ٥) .

جاء السيد المسيح لكي يرد لك هذه الجوهرة ” تعلموا مني لأني وديع ومتواضع القلب ” (متی ۱۱ : ۲۹) . ابحث عن الوداعة التي فقدتها لترث الأرض ..

الوديع لا يعامل الناس القساة بقساوة قلب ، ولا يعامل الظالمين بظلم . الوداعة تجعله يتذكر ” أحبوا أعدائكم ، باركوا لاعنيكم ، أحسنوا إلى مبغضيكم ، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم ” (متى ٥ : ٤٤) . فهو يتحمل الإساءة ، ويقبل الظلم على نفسه ” .

الوديع لا ينتقم ” لي النقمة يقول الرب ” (رو ۱۲ : ۱۹) . لأن الله لا يحتمل الظلم الواقع على إنسان وديع .

أنظر إلى آخاب الملك وزوجته إيزابيل الملكة الشريرة ، كيف اشتركوا في ظلم انسان برئ في نهب حقل نابوت اليزرعيلي والرب انتقم له ”  (١مل ۲۱) .

نقاوة القلب :

” طوبي لأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله ” (متى ٥ : ٨) .

شخص لديه إمكانيات ينتقل من مكان لآخر ، ويرى مباهج العالم ، ولكنه لا يعاين الله ، لأن القلب غير نقي .

النقاوة جوهرة بها ترى الله ، ويقول الشيخ الروحاني :

” إن كنت نقي القلب ، حينئذ تبصر الله داخلك ، ومعه الملائكة ورؤساء الملائكة ” النفس التي تريد أن تعاين الله ، تغسل قلبها من الشر .

المرجع : كتاب شفتاك يا عروس تقطران شهداً ( صفحة ٥) – دير الأنبا شنودة رئيس المتوحدين العامر بميلانو

 

(أحد الكنوز) – أبونا بيشوي كامل[8]

حياة التسليم: 

الأحد الثاني من الصوم المقدس ينبهنا فيه ربنا يسوع إلى وصية مهمة جداً .. مهمة للإنسان المسيحي .. اللي هي حياة التسليم لله، فيبدأ كلامه بقوله: لا تهتَمّوا للغَدِ…. يَكفي اليومَ شَرُّهُ.

وربنا يسوع عارف طبيعة الإنسان أنه شيال الهم، وشيلانه للهم يزعج حياته الروحية، بيضعف إيمانه، وبيزعج حياته النفسية، يخليه مضطرب نفسياً، ويزعج حياته الجسدية، لأن ده بينعكس أيضا على صحته وعلى جسده من شيلان الهم اللى هو عايش فيه.

فالمسيح رب المجد بيعلمنا النهاردة في بداية الصوم في الأسبوع الأول إن إحنا ما نشيلش الهم، فيقول: لا تهتَمّوا للغَدِ.

وبكرة إن شاء الله في الإنجيل اللى هيتقري علينا من إنجيل متى الإصحاح السادس قد إيه محبة الله لينا، واهتمامه أن هو يهتم بنا.

وقعد يدينا أمثلة عن زنابق الحقل “ولا سُلَيمانُ في كُلِّ مَجدِهِ كانَ يَلبَسُ كواحِدَةٍ مِنها”، وعن طيور السماء .. قد إيه هو بيعد لها وواحد منها ما يسقطش إلا بإذنه، وقال أنتم أفضل من عصافير، وإن كان اللباس ربنا بيهتم بيه؟ فكم بالجسد بتاعكم أَهَّمْ .. كل ده تفسير للآية بتاعة النهاردة: ما تهتموش للغد.

إن سألت أي واحد النهاردة قلت له: أي حاجة تزعج الإنسان إيه في الأيام اللي إحنا فيها؟ يقول لك: أكبر مرض: القلق أو الخوف، الخوف من المجهول، والقلق من المستقبل.

ولأن الله يعرف إن حياة الانسان بتدور حوالين جسده فأعطانا الموضوع ده. يعني القلق أصلاً كله بيدور حوالين الجسد، حتى لو يبان أحياناً لينا إن هو حوالين أمور معنوية في العالم، لكن هي متعلقة بحياتنا الجسدية.

علشان كدة الصيام النهاردة بيعالج الجسد، مش موضوع الأكل والشرب، علشان نفتكر إن الإنقطاع عن الأكل وتغيير الأطعمة هي دي كل بركة الصيام .. لا .. ده المسيح بادي معانا بيعلمنا إنه الجسد له هَمّ كبير خالص فعايز يقول ما تهتموش بالجسد لأن الجسد ده أنا اللي خالقه وعارف اللي فيه وعارف احتياجاته وكل شيء أنا بأدبرها.

لا تهتموا بالغد:

زي ما قولت لك إن الاهتمام مرض نفسي روحي لأنه بيسبب قلق وخوف … وجسدي أيضاً لأنه ده بيتعكس على الجسد، وتبص تلاقي إن من أمراض القرن العشرين الأمراض العصبية وانعكاسها. يقول لك ما أعرفش أيه على أجهزة الجسم، والجهاز الهضمي، ومش عارف إيه؟ ويقول لك سبب ده كله إيه؟ .. القلق!.. فأصبحت حتی الحاجات النفسية بتسبب أمراض جسدية، ويعيش فيها الانسان النهاردة.

المسيح بيقول لا تهتموا بالغد، يعني أعيش من غير هم خالص؟! وهل عملية الحكاية دي؟ .. فابتدأ المسيح يمشي معانا خطوة خطوة ..

من منكم إذا اهتم بنفسه يستطيع أن يزيد على قامته ذراعاً واحداً؟!.. هل فيه حد منكم قدر يطول نفسه ذراع واحد؟!.. من منكم يقدر أن يحول شعرة بيضاء لشعرة سوداء؟!.. قالوا له: ما حدش .. شعور رؤوسكم أنا حاصيها وبأعدها.

شروط تبعية المسيح:

لما ترجعوا معايا لرحلة التلاميذ وهم في بداية خدمتهم، إيه شروط الإرسالية دي؟.. عاوز يا رب تلاميذك اللي ها يحملوا الكرازة للعالم شروطهم إيه؟.. ثقافتهم إيه؟.. درجتهم العلمية إيه؟.. قال الشروط بتاعتى: لا تحملوا كيس ولا مزود .. بس!!.. کیس اللي فيه الفلوس، المزود اللي فيه الأكل .. لا تحملوا كيساً ولا مزوداً ولا حاجة تانية، كمان ما تشيلوش عصایا معاكم للطريق.

لا كيس ولا مزود ولا عصا، صحيح في إنجيل تاني قال خذوا عصا يقصد بيها عصا الرعاية .. لأن العصا بترمز للرعاية زي العصاية اللى مع سيدنا البطرك مثلاً، دی رمز إنه راعي أو أسقف.

لكن هو قال ما تشيلوش عصا، لا كيس ولا مزود ولا عصا، قالوا له: ده صعب الكلام ده. قال لهم أنا لما أرسلتكم هل أعوزكم شيء؟ هل وأنتم في السكة واحد منكم بعد ما ذهبتم ورجعتم واحد احتاج وجاع؟ قالوا له: لا أبداً .. قال ما تشيلوش معاكم كيس. والمالية ها تمشيها إزاي؟!.. وإحنا خدام ليك وسبنا وظائفنا وسبنا صيد السمك، وبنشتغل عندك؟ قال هاوريكم هتعيشوا إزاي.

كان الرسل في يوم الخمسين، كان الناس بيبيعوا مقتنياتهم ويضعونها تحت أقدام الرسل، والرسل وهم ماشيين بيمشوا على الفلوس، مش كانوا مش شايلين کيس. كانوا بيبيعوا مقتنياتهم ويضعوها تحت رجلين الرسل.

نظرة الكنيسة للمال:

وأنا ما انساش مرة في مؤتمر كان عن المال من كنائس العالم وطبعا كل واحد بيقول وجهة النظر بتاعة الكنيسة بتاعته وإزای الكنيسة عايشة، فواحد قسيس من السويد قال: إحنا الكنيسة بتاعتنا لها بنك مخصوص اسمه بنك الكنيسة، والبنك ده بيصرف على الكنيسة وعلى احتياجاتها. لغاية لما جه الدور على الكنيسة القبطية، قالوا: والكنيسة القسيس بياكل من إيه؟ قلنا لهم: فيه طبق بیتلم في الكنيسة، والقسيس بياكل، والخدام اللي في الكنيسة كلهم بياكلوا منه. قال: آه بس فيه نقطة مهمة، قلت: إيه النقطة المهمة دية؟ قال: لو الناس قل عددهم في الكنيسة ياكلوا منين؟ ويقل الايراد، والكلام معقول منطقي لكن عكس كلام المسيح، أنه لما أنا أرسلتكم هل أعوزكم شيء، بتتكلموا ليه دلوقتي عن تعيشوا إزاي؟ وأنت بتشتغل عند ربنا، لأن الرسل الغلابة صيادين السمك الفقراء دول كانت الفلوس تحت رجليهم، وهم كانوا بيدوسوها، كانت الناس بتبيع مقتنياتهم ويضعونها تحت أقدام الرسل.

وبعدين لما كترت المشاكل المادية في الكنيسة، فبطرس وقف وقال: اختاروا لكم سبعة شمامسة، لأن مش كويس إننا نترك كلمة الله ونخدم موائد.

دي صورة الكنيسة الأولانية، وما تشيلوش معاكم أكل، هل في ليلة من الليالي وأنا عايش معاكم على الأرض، هل في ليلة من الليالي بيتوا من غير عشاء؟. مش دي كفاية إني كنت معاكم، كل بيت بتدخلوه كلوا مما يقدم لكم …

نوعية الكرازة:

كان ممكن واحد تلمیذ شاطر كده يقول له ممكن البيت اللي ها ندخله مش ها يقدموا لنا أكل، هيقول له يسوع أنا اللى هاحرك قلوب الناس، الأكل أنا بابعته للعصافير، بس خشوا بالإيمان ده، علشان خاطر تكون الكنيسة قوية، وما تشيلوش عصا في السكة، قالوا له إذا طلع علينا ديب ولا كلب ولا حاجة إزای إحنا ندافع عن نفسينا؟ قال ما هي دي الكرازة اللي ها تكرزوا بيها، هيروح واحد منكم كده وهو ماشي في السكة يطلع عليه أسد زی مارمرقس يرشم عليه علامة الصليب فيموت الأسد ويقع ميت، فيدخل مارمرقس قرية من القرى عمال ينهج كده وعمال عايز يقول لهم الحكاية، إيه الحكاية عايز تكرز لنا بإيه؟ إيه الموضوع اللي جای تحكيه لينا؟.. قال لهم أنا عايز أحكى لكم اللي حصل لي في السكة، شوفوا على مدخل القرية بتاعتكم الأسد اللي مرمی میت ده .. قالوا إيه اللى موته؟ قال اللى حصل، إن أنا كنت ماشي وما خدتش معايا عصاية، يقولوا له واحد ماشي في الصحراء وما ياخدش معاه عصاية؟ قال لهم المعلم بتاعي قال لي ما تشيلش معاك عصاية، فأنا مشيت من غير عصاية، فقابلني أسد فرشمت عليه علامة الصليب فمات، وهي كانت العصاية ها تموت الأسد؟ وتبتدي حياته العملية .. هي دی الكرازة بتاعته من غير ما يوعظ من غير ما يقول لهم إن ربنا ها يبقى معانا وبيدافع عنا وبيرعانا وبيحافظ علينا، من غير ما يحكى لهم عدم وجود العصاية معاه ها تبقى أكبر دليل على أن ربنا هو الراعي ليه، علشان كده المسيح حاول يحط الإنسان في دائرة رعايته .

واخد بالك لما ربنا جه للعالم زمان في العهد القديم بيعطی خیرات، وبيعطى رعاية، وبيعطي نصرة في الحروب، وبيديهم حاجات كتيرة، لما جينا في العهد الجديد ربنا قال لا أنا هاديكم نفسي “أنا معكُمْ كُلَّ الأيّامِ إلَى انقِضاءِ الدَّهرِ”.

علشان كده معلمنا بولس الرسول قال: لا تهتموا بشئ خالص، قال: لا فيه حاجة واحدة بس تهتموا بها، لا تهتموا بشئ بل في كل شئ بالصلاة کی تعلم طلباتكم لدى الله. فيه حاجة واحدة بس يهتم بيها: “وجود ربنا معانا والصلاة” ويبقى خلاص كل حاجة وصلت لأيدين ربنا فاحتياجاتنا كلها مش عايز أقول إن ربنا ها يساعدنا فيها ويرعانا، لا .. أنا عايز أقول النهاردة موضوع مهم جداً، إن إيماني أنا ها يزيد من خلال رعاية ربنا ليَّ لما أرمي الحمل عليه. يعني أنا لما أجرب ربنا وأرمی الحمل عليه وألاقيه هو بيعتنى بيَّ إيماني أنا ها يزيد.

لما التلاميذ ما حملوش معاهم عصاية وبعدين ربنا دافع عنهم حتى من وحش ماشي في السكة، تفتكروا إيمان التلاميذ يزيد قد إيه؟.. يزيد خالص .. ولما التلاميذ محملوش معاهم الكيس، وبعدين بقت الفلوس تحت رجليهم يحصل إيه للتلاميذ؟.. إيمانهم يزيد.

علشان كده يا أحبائي .. إحنا في القرن اللي إحنا فيه دلوقتي فيه عملية تأمين على كل حاجة .. تأمين على الحياة، وتأمين على ما أعرفش إيه؟.. وحتى الكاهن لازم يؤمنوا له على كذا. دا فرضاً الكاهن مات أولاده ياكلوا منين؟.. ولازم نؤمن عليه .. إلى آخره من الكلام ده، كل ده كلام كويس .. نقول فعلا شوف الكنيسة بقيت منظمة إزاي وبترتيب. لكن بيني وبينك من ناحية تانية الإيمان عمال ينزل لتحت لتحت خالص، لأن التأمين المادي بقي كويس خالص.

فالمسيح ماكانش بيقول للتلاميذ كده كنوع من التجرد، يقول لي يا سلام ده المسيح حطهم في موقف صعب، أبداً ده المسيح قال لهم أنا مسئول عن همكم وهاشيله ومحدش فيكم هيشيل حاجة وهيخلص منكم وبتعبيره هو “هذه كلها تزاد لكم” أطلبوا ملكوت الله وبره وهذه كلها تزاد لكم.

إذاً فيه حاجة نهتم بها، اهتموا بخلاص نفوسكم، اطلبوا ملكوت الله وبره .. وابتدأ ربنا يحط أمثلة: مثل بسيط خالص يفهمه أقل واحد مننا، بس مين ينفذ؟ قال كدة: إذا إديتك العالم كله وخليتك ملك عليه أحسن لك ولا تخلص نفسك أحسن؟ ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه، فيه اهتمام، هو قال لا تهتموا هنا، قال لا تهتموا بالغد بحاجات معينة، لكن رجع وقال اطلبوا ملكوت الله وبره، والحقيقة لما نبص لعطية ربنا يسوع المسيح نجدها عطية غنية في المسيحية بالذات، تقول لي ربنا بيدينا أيه؟ بيديك أيه؟!! ربنا يا عزیزی بيدينا ذاته .. إدَّی جسده، دمه ولحمه، وإدَّی روحه ساكن فينا. مفيش حاجة بعد كده !! هذه كلها تزاد لكم.

يا ربي .. سامحنا، ياما عملنا خطية في حقك؟ وفي حق نفسينا لما شلنا هَمِّنا وهَمّ حياتنا وهَمّ مستقبلنا، وشلنا هموم مستقبلنا وشلنا هموم أولادنا، وهموم مستقبلهم إلى أخره. يا ريت يا رب كنا رمينا كل حاجة عليك، وإنت قلت: أنه يُعطَي ويزاد لكم. يعني مش هيديكم، ويزاد لكم.

مرة بولس الرسول وبَّخ أهل كورنثوس، قال لهم: أنتم بتتذمروا ليه؟ كأنكم لم تأخذوا؟ أنتم أخذتم كل حاجة .. بعدما أخذتم المسيح لسه فيه حاجة ما أخذتوهاش؟!!.. ليه بتتذمروا على ربنا؟ وتقولوا له ناقصنا كذا وما اديتناش كذا، مع إنه إداكم ذاته!، الله لم يبخل علينا بذاته.

علشان كدة يا أحبائي لما إحنا كمؤمنين مأقدرش أقول لك دلوقت متهتمش، تقول لي غصب عني يا أبونا .. ظروف الدنيا والحياة، لكن لما أوضح لك وأقول لك: لا ماتهتمش لأن أنت أخذت معاك المسيح، لما ايمانك يرتفع إلى هذه الدرجة أنت حامل المسيح إن أنت هيكل للروح القدس، ها يحصل في حياتك نشوی روحية جبارة، هتعيش فوق مستوى كل احتياجات هذا العالم.

ده بالنسبة للإحتياجات، خلاص النقطة دي، احتياجاتنا كلها كمِّلها لنا المسيح لما قدم لنا ذاته، وأنا مش مستعد أطلب من المسيح حاجة إلا نفسه.

فمتهتموش بالإحتياجات دي، لا بالكيس ولا بالمزود ولا العصا .. قلنا بس تهتموا بملكوت الله.

اهتم أن أنت تكون بتلتصق بالله، وأنت تبقى بتطمن جداً في حياتك. كفاية بس دی، وأخطر ما يهدد حياتك إن أنت تنفصل عن ربنا .. وفي مفهومنا المسيحي، الموت هو الإنفصال عن الله مش الموت الجسدی.

ولما نعتبر الخطية بتاعة آدم وحواء إن هم في لحظة من اللحظات حسوا أن لهم ذات منفصلة عن الله، والشيطان لما قال لها .. لما تأكلان من الشجرة تصيران مثل الله، يعني أنتم حاجة وربنا حاجة قبل كدة مكانوش يعرفوا إن هم حاجة وربنا حاجة، قبل كدة مكانوش يعرفوا إن هم يكون لهم كيان من غير ربنا، هم بربنا عايشين، ومن غيره مش عايشين.

مسار لزيادة الإيمان:

وعلى العكس عايز أركز على النقطة دى أنا عايز أسميه الوسط المادي أو الإحتياجات المادية، دى مسار لزيادة الإيمان، أو هو الوسط اللي بيتعامل الله معانا فيه، علشان يرفع الإيمان بتاعنا، يعني يقلل شوية، ويزود شوية، ودي عملية بيشتغلها ربنا علشان يرتفع بإيماننا، مش يعني هو قاعد يلعب بينا كدة، نهتم بس إن إحنا ما ننفصلش عن ربنا، لأن هو ده حياتنا، إننا ملناش حياة منفصله عنه.

النقطة الثانية:

من الهموم في العالم التجارب، ده موضوع طويل.

التجارب تجيب هَمّ . لكن مرة من المرات الرسول يقول: اِحسِبوهُ كُلَّ فرَحٍ يا إخوَتي حينَما تقَعونَ في تجارِبَ مُتَنَوِّعَةٍ، بعدما كانت التجارب بالنسبة للانسان هَمّ .. وبالنسبة في العهد القديم هي تَخَلِّي الله عن الإنسان علشان كدة التجارب حلت بيه.

ابتدينا في عهد النعمة يقول لك: إحسِبوهُ كُلَّ فرَحٍ يا إخوَتي حينَما تقَعونَ في تجارِبَ مُتَنَوِّعَةٍ، عالِمينَ أنَّ امتِحانَ إيمانِكُمْ يُنشِئُ صَبرًا. وأمّا الصَّبرُ فليَكُنْ لهُ عَمَلٌ تامٌّ، لكَيْ تكونوا تامِّينَ وكامِلينَ غَيرَ ناقِصينَ في شَيءٍ. فابتدأ ربنا يبعت التجارب دی كل واحد بالمقاس بتاعه. تتفصل له على الأد کدة، وزی ما إنت بتروح للترزى وتقول له أنا عاوز جاكيت أو بنطلون يقول لك آخذ مقاسك الأول علشان لا تطلع ضيقة، ولا تطلع واسعة، تطلع مضبوطة كدة .. فربنا يعمل إيه؟! يسمح بالتجربة بالمقاس علشان لا تنهار النفس ولا تتعب، ولا تسقط ولكن تستطيع من خلال التجربة أن هي تشوف ربنا،

إسأل الثلاثة فتية في أتون النار، قول لهم: إيه اختباراتكم في التجربة؟ يقول لك التجربة دى اختباراتنا فيها إن إحنا عشنا مع ربنا، كان معانا،

إسأل بولس الرسول قل له: إيه رأيك في سجن فيلبي، فيقول لك: ده شفت بعيني فيه ربنا، طيب وبره السجن؟ يقول لك: ما شفتش حاجة، انفتحت أبواب السجن والرجل السياف كان عايز يقتل نفسه، قلت له: حاسب متقتلش نفسك محدش هرب، رحنا بيته، وعمدنا عياله، وجاب لنا أكل، وغسل جراحاتنا، وآدى إنت شايفنا قدامك.

إسأل بولس الرسول لما رجموه كدة، قل له: التجارب دی عملت لك إيه؟ يقول لك: التجارب دی ده أنا أياميها صعدت للسماء التالتة ورأيت أموراً لا ينطق بها، ولا يسوغ لإنسان أن يتحدث عنها، بلاش كل الكلام ده ..

المسيح قال: “بصَبرِكُمُ اقتَنوا أنفُسَكُمْ”، ومرة تانية قال: “الذي يَصبِرُ إلَى المُنتَهَى فهذا يَخلُصُ” طيب ها تصبر لإمتی؟!.. بولس الرسول قال كدة “نَفتَخِرُ أيضًا في الضِّيقاتِ، عالِمينَ أنَّ الضِّيقَ يُنشِئُ صَبرًا”. والصبر ده مهم في الحياة الروحية، قال ده مهم جداً جداً جداً. ده بالصبر يقتني الإنسان نفسه .. والصبر هو الطريق اللي عنه بتنسكب محبة ربنا في قلوبنا بالروح القدس.

قصد الله والتجارب:

لذلك يا أحبائي: الموضوع المهم دلوقت في موضوع الهَمّ إن أنا أشوف إيه قصد ربنا ومقاصده في التجربة، عاوز ربنا إيه؟.. تقول لي هو أنا هاقعد أتنبأ قصد ربنا في التجربة؟!.. أقول لك آه تقدر تعرف، بولس الرسول عرف قصده، عارف قال إيه؟ مرة قال كل الأمور تعمل معاً للخير، إيه يا بولس؟.. أنا اكتشفت مش الواحد يتعلم من مرة واتنين .. اكتشفت ان مابقتش أشيل هَمّ في التجربة، لأنها بتتحول للخير أكيد، كل الأمور تعمل معاً للخير صدقني، بس إحنا مش قادرين نشوفه، ولا هنقدر نشوفه هنا ولا هنعرف كل الأسرار بتاعته، ولكن من ثقتنا في ربنا بقينا نحس أن كل الأمور تعمل معاً للخير.

مرة تانية أكتر قال: لا مش للخير وبس، ده أنا أُسَرّ بالضرورات والضعفات، والضيقات ،والشتائم!.. التجارب دي يعني حينما أنا ضعيف فحينئذ أنا قوي، ده أنا اختبرت أكتر من كدة .. اختبرت أيدين ربنا في التجربة، واختبرت في وقفته معايا، واختبرت قوته معانا، فمبقتش أشيل هَمّ، ده أنا مكنتش بأشوفه، ده أنا دلوقت باتكلم عن التجارب بلغة السرور “أُسَرّ” أُسَرّ بالضرورات، والضيقات، وأما الشدائد والضيقات حاجة عجيبة خالص، أيوة أُمَّال إحنا المسيحين مسيحيین ..

أحنا لنا حاجة اسمها اختبارات روحية باعرف ربنا وباعرف مقاصده.

مرة كنا بنتكلم عن مقاصد ربنا، ووصلنا بتقرير مهم أن مقاصد ربنا في حياتي وحياتك هو خلاص نفسنا، آدي باختصار، مش مقاصد ربنا في حياتي وحياتك أن أكون مثلا رئيس وزارة أو أن أكون مدير عام ، أو أكون إنسان كذا أو كذا أو كذا.

يوسف الصديق: مقاصد ربنا خلاص نفسي .. وأن أكون سبب لخلاص آخرين .. وأخذنا لكدة يوسف الصديق، يوسف اترمى في البير، وهو رايح يسأل على إخواته، ويوسف اشتغل خدام، مذنبوش حاجة، ويوسف أتهم تهمة كذب، ملوش ذنب، يوسف اترمى في السجن وظُلِم، ويوسف ربنا كان بيعده علشان:

نمرة واحد: يكون هو رمز اللمسيح اللي هو جه ليفتقد سلامة اخواته في العالم، واللي اتجرح في بيت أحبائه، ويكون سبب في إنقاذ شعوب الشرق الأوسط كلها من مجاعة كانت ها تحل بيه، بالحكمة الموهوبة ليه من ربنا.

يبقى مقاصد ربنا خلاص نفوسنا .. ليه أشيل هَمّ؟ أنا قلت لك حاجة واحدة نهتم بيها أقولها مرة ثانية: إهتَم بإيه؟ أني لا أنفصل عن ربنا .. لأن الموت هو الإنفصال عن ربنا.

أوعى تفقد علاقتك مع المسيح، هو ده الهم الكبير, لكن ما دام المسيح معايا فأنا حتى في التجربة يبقى وراها بركة. على رأی واحد لما كان يقول لنا كدة حتی رغيف العيش يقعد الراجل يعجنه، ويوضبه، ويحطه كدة على البتاعة الخشب وينام ويسيبه يخمر، وبعدين يولع الفرن أول ميولع الفرن يصحى. أول ما يحط الرغيف جوه، تني عينه عليه .. يستوى الرغيف لا يزيد حتة ولا ينقص حتة, لا يطلعه نَیّ، ولا يسيبه يتحرق، فيه حتة صغيرة، لأن هو دخل جوه النار دلوقت، إذا كان الذهب الغالي الثمن يصفي بالنار، كم يكون الإيمان بتاعنا؟.. أنا دلوقت أشيل الهَمّ في التجربة، ولا أشكر ربنا إنه اهتم بي؟!.. أنا أشكره خالص.

عاوز أهتم بحاجة واحدة؟.. بص أهتم بأني ما أنفصلش عن ربنا، لأن الإنفصال عن ربنا ده موت، يبقى إحنا دلوقت عرفنا:

  1. الهَمّ في الحياة العادية بتاعتنا: الكيس والمزود والعصا.
  2. وعرفنا الهَمّ في التجارب كمان.

النقطة التالتة الأخيرة: 

إن الهَمّ يسبب الخطية، يجيي واحد يقول: ده أنا العمر عدّی منی خلاص، وأنا خلاص فات شبابي، وماعملتش خير لربنا كويس، وغيري… تعرف أنا كان زميلی فلان الفلاني ده دلوقت راهب ولا أسقف ولا بتاع ولا راجل بيصلي كسب الدنيا، لكن أنا ضيعت شبابى كدة وماستفدش منها، يقعد يفكر في الماضي كتير لدرجة أنا باقول لك بالإختبار ناس كتير في الإعتراف ساعات تقول ممكن ربنا ينسی لی اللي أنا عملته ده كله؟!.

يقوم المسيح يقول إيه؟ أنا جيت علشان خاطر أمسح خطايا العالم كله، وأكبر خطية في الوجود مش ممكن تقف قدام قوة الدم بتاعي، ودم يسوع المسيح يطهر من كل خطية، أنا مش عاوزك بعد النهاردة تقول ربنا ها يغفرلي؟.. أنا عاوزك تتكلم بلغة الماضي تقول ربنا غفر لي.

عاوزك تتأكد إن الماضي بتاعك مدفوع حسابه على الصليب مقدماً، يعني هو على الصليب دفع الثمن، واخد بالك؟ مش لسه بيدفع النهاردة؟.. على الصليب دفع الثمن بتاع اللي هيحدث في كل الأجيال لكل انسان على مدى البشرية كلها .. وحفظ حق كل واحد، محفوظ في البنك بتاعه لحسابي، وإن خطيتي مغفور لها مقدماً مقدماً مغفور لها .. يعني خطيتي أكبر من الرصيد اللي متحوش لي؟ مش ممكن لأن دم يسوع المسيح أكبر من كل خطية، إن كانت بخطية واحدة، مات كثيرون منكم فكم بالأكثر بالنعمة بيخلص كثيرين، وإن كانت الخطية سببت موت فكم بالأكثر تكون النعمة تسبب حياة، أضعاف أضعاف. علشان كدة الشخص المسيحی، شخص مش شايل هَمّ أبداً من ناحية الخطية، أنا مش بأقول الكلام ده إن الشخص المسيحي مستهتر .. لا .. بس أنا بأقول قلبه مليان سلام، خطایاي كلها مغفورة في دم يسوع .. الماضي بتاعي کله مرسوم عنده ومسحه كله .. إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا، ويطهرنا من كل إثم، أما المستقبل في إيدين يسوع هو قال لي متهتمش بالغد أنا بكره هشيله ليك. ساعات واحد يجي يقول لي: أنا خايف من الخطايا خالص، أنا أقول له: صلى الصبح وقول له: يا يسوع أنا سلمت لك نفسي وحياتي وتصرفاتي.

هتبعد عنك العثرات يا أخي، يقول لي: وأنا ماشي في السكة كدة بتقابلني العثرات والخطية، أقول له: صلى قبل ما تنزل يشيل من سكتك العثرة والخطية.

أنا عاوز أطمئن على مستقبلي اليومي أو المستقبل الكبير، إنه بدم يسوع، وبنعمة يسوع هيكون مستقبل كويس جداً، أنا عارف مستقبلي إيه، مرة بولس الرسول قال كدة في رسالته لأفسس الإصحاح الثاني، قال: “مَخلوقينَ في المَسيحِ يَسوعَ لأعمالٍ صالِحَةٍ، قد سبَقَ اللهُ فأعَدَّها لكَيْ نَسلُكَ فيها”، تقول لى إزای كدة، أنا مخلوق لأعمال صالحة؟ إزاي كدة؟ أقول له: غصب عنك هتعمل أعمال صالحة، أصل إنت عضو في جسم المسيح، وجسم المسيح ميعملش غير الصلاح، فأنت غصب عنك أنت كعضو أوتوماتيك automatic كدة لازم هتتحرك بالتبعية تبع الجسد، آدی مستقبلك من ناحية النعمة، إن إنت عضو في جسد المسيح شخصياً، فمخلوق لأعمال صالحة قد سبق الله فأعدها لنا، الماضي بتاعك عرفناه خلاص في دم المسيح .. والمستقبل بتاعك مخلوق في المسيح لأعمال صالحة سبق الله فأعدها لنا، والحاضر .. اللحظة الحاضرة .. أقول لك بقي اللحظة الحاضرة تعمل فيها إيه؟ متفكرش غير في المسيح، هو نصيبك، مريم اختارت النصيب الصالح الذي لن ينزع منها، ده في اللحظة الحاضرة دلوقت، لكن أنا النهاردة لا أفكر في الماضي، ولا في المستقبل؟ لأن أنا عرفت الماضي بتاعى كويس ومصيري عرفته، وعرفت المستقبل بتاعى ومصيره .. أما الحاضر بتاعي دلوقت علشان أتمتع بيه بالمسيح بتاعي، فأنا علشان كدة مش هشيل هَمّ، مش هشيل هَمّ أبداً. وإذا حاول الشيطان يفكرني بالماضي هأقول له: أبعد يا شيطان لأن دم المسيح بيني وبين الماضي، بيني وبين الماضي بتاعي فيه دم المسيح، ودم المسيح يستطيع أن يغسل الماضي كله، وميخليلوش أثر بالمرة.

أما مستقبلي فأنا عضو في جسد المسيح مخلوق لأعمال صالحة سبق فأعدها لي، أما اللحظة الحاضرة اللي أنا فيها، فهي دی لحظة سعادتي وفرحي وسلامي الكامل، لأني أنا بأفكر في المسيح وحیاتی ثابتة في المسيح.

إذاً يا أحبائي .. الهَمّ اللي بيتكلموا عليه النهاردة في القرن العشرين مشكلة المشاكل، مشكلة المشاكل صدقني .. مرض روحي ونفسي وجسدي ومالوش حلول .. عمالين يخترعوا أدوية مهدئة، ويخترعوا أدوية تضيع الضيق والإكتئاب والألم، واللي مش عارف أيه .. وكل ده المسيح إدانا الدواء في آية واحدة صغيرة قال: “لا تهتموا بالغد”.

ولإلهنا المجد دائما أبدياً آمين.

 

عظة الصوم المقدس – المتنيح القمص لوقا سيداورس[10]

الأسبوع الأول

بداية هذا الصوم المقدس هي حركة نحو الآب السماوي، وتسليم الحياة كلها بين يديه، والشعور بأحضانه الأبوية الرحيمة، والتمتع بدفئ محبته الإلهية في الصلاة، والخلوات المقدسة، وكل أعمالنا وممارساتنا أثناء الصوم.

وفي الأسبوع الأول: تتركز جميع القراءات في القداسات حول موضوع أبوة الله لنا، وتعطفاته الجزيلة نحونا، وبنوتنا له، ومركزنا كأولاد للآب.

فالأسبوع الأول : يجوز لنا أن نسميه أسبوع أبانا الذي في السموات .

الأسبوع الثاني

والأسبوع الثاني يبدأ بإنجيل يوم الأحد، عبارة عن حديث مطمئن من الآب لنفوس أولاده، وتأمين لحياتهم ضد المخاوف العالمية.

فأول إحساس يجب أن يرسخ في أعماقنا، ونحن في حضن الآب هو الإحساس بالسلام والطمأنينة الكاملة، كطفل في حضن أبيه، وأول كلمة نسمعها من الآب ونحن في احضانه هي: “لا تهتموا للغد، لا تضطربوا”.

لذلك ففصل الإنجيل اليوم يتكلم عن إهتمام الآب بنا ومستقبلنا، ويحذرنا من دخول الهموم العالمية إلى داخلنا ويوجه نظر نا نحو السماء،

أسمعه يقول: “لا تكنزوا لكم كنوزا على الأرض حيث يفسد السوس والصدأ وحيث ينقب السارقون ويسرقون ….” وكأن الآب يقول لنا: “یا أولادى لماذا تعيشون مهددين بالمخاوف من السوس والصدأ والسارقون؟”

إن سبب الإضطرابات النفسية والقلق والخوف من المستقبل، وعدم وجود السلام القلبي… إن سبب كل هذه الأمور في حياتنا، هو وجود كنزنا في الأرض، وإهتمامنا بالأرضيات، ألا تعلم إن جميع كنوز الأرض من: أموال وأملاك ومراکز وغنى وکرامات، مهما بلغت فهي عرضة للفساد والسوس والصدأ والسارقون، بل إنها كما عبر عنها الروح القدس بفم سليمان الحكيم: “باطل الأباطيل .. وقبض الريح”.

 

أكنزو لكم كنوزاً في السماء

هل لك كنز في السماء … ؟ وبالمفهوم البسيط هل أنت مشغول بالسماء؟ أين هي قلوبكم؟ حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك أيضاً.

ليكن لنا أصدقاء في السماء، حتى إذا تركنا هذا العالم يستقبلوننا في المظال الأبدية.

الله والمال

المال في ذاته ليس خطية، بل على العكس المال بركة وعطية صالحة، ولكن الخطر كله في محبة المال.

محبة المال أصل لكل الشرور.

ومحبة المال تحطم الإيمان، وتلغي الاتكال على الله، وتصيب العبادة كلها في صميمها. إذا ابتغاه قوم ضلوا عن الإيمان وطعنوا أنفسهم بأوجاع كثيرة.

لذلك المسيح المبارك في بداية الصوم يسألني عن سلامة إيماني، وسلامة قلبي. ترى ما هو الموضوع الذي يشغل بالك دائماً.. ويأخذ كل تفكيرك وقلبك؟ لا يقدر أحد أن يعبد سیدین الله والمال.

إذن الصوم هو وضوح الرؤيا، ووضوح الهدف .. كفانا تعريج بين الفريقين، لقد ضيعنا عمرنا ووزعنا إهتمامنا وأفنينا سنيناً هذا عددها، ولم يتضح هدفنا بعد …

هلم يا أخوة نسعى نحو غايتنا السمائية، وحياتنا الأبدية ليس في هذا الوجود ما يستحق أن يشغلنا عن حياتنا الأبدية ومحبتنا للمسيح. ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه.

عباد المال

هناك أسئلة كثيرة مكتوبة من اجلنا.

أنظروا إمرأة لوط .. لقد خرجت مع الخارجين من سدوم ولكن قلبها كان داخل سدوم، وکنزها كان في تراب الأرض.. فصارت عبرة لجميع الأجيال الذين يطلبون الحياة الأبدية، ولكنهم يرتبطون بالأرضيات.

تأملوا الغني الغبي المتكل على أمواله.. لأنه متى كان لأحد كثير فليست حياته من أمواله. ولا تتكلوا على الغِنَى الغير يقيني، بل اتكلوا على ذراع الله.

تأملوا حنانيا وسفيرة إمرأته الذين صارا خوفاً للكنيسة كلها الذين أرادوا أن يكون لهما نصيب في العطاء، ولكن محبة المال جعلهما يکذبان على الروح القدس.

تأملوا الشاب الغني كيف منعه حب المال عن تبعية المسيح، ومضى حزيناً لأنه كان ذا أموال كثيرة .. وتمسك بأمواله ورفض الحياة الأبدية.

انظروا كيف تستطيع محبة العالم، ومحبة المال أن تحول القلب بعيدا عن الله. وفضل أن يلازم الله.

تأملوا الذين كان يذكرهم بولس الرسول بالخير، والآن يذكرهم باكياً إذ أحبوا العالم الحاضر، وغنى هذا الدهر، وهم أعداء صليب المسيح.

لذلك قال يوحنا الرسول: “من أراد أن يكون محباً للعالم فقد صار عدواً الله.

ولكن إن أردتم أن تتعلموا إحتقار أباطيل العالم:

اسألوا ابراهيم أب الآباء الذي كان يمتلك خيرات كثيرة، ولكنه كان يرفع وجهه إلى إله السماء وينظر إلى الميراث الأبدي والمدينة التي لها الأساسات. وكان يحسب نفسه غريباً ونزيلاً وتراب ورماد.

إسالوا داود النبي الذي لم تشغله مهام المُلك، ولا هموم الغنى عن شركته مع حبيبه. وكان يسأل ويلتمس أن يسكن في بيت الرب ويتفرس في هيكله المقدس، وكان قلبه خالياً من حب المال. وكان يقف أمام الرب كسمكين وفقير.

إسألوا الرسل الأطهار الذين تركوا كل شيء وحسبوه نفاية وخسارة من أجل فضل معرفة المسيح. وصاروا كفقراء، ولكنهم يغنون کثيرين، وكأن لا شيء لهم وهم يملكون كل شيء.

إسألوا القديس أنطونيوس الذي باع ٣٠٠ فدان وتبع الرب .. هل أعوزه شيء في كل أيامه التي عاشها حتى بلغ ١٠٥ سنة.

  • الآن نعلم يقينا انه حيث يكون كنزنا یکون قلبنا .. وأن الكنز دائماً هو موضوع مشغولية القلب.

لا تهتموا

أخيرا ينقلنا الرب من إهتمامنا الباطل، إلى الإهتمام بالحياة الأبدية. لأنه من منكم إذا إهتم يقدر أن يزيد على قامته ذراعاً واحداً لأنكم أنتم الذين لا تعرفون أمر الغد، لأنه ما هي حياتكم إنها بخار يظهر قليلاً.

وجود الهم والإرتباك في حياتنا معناه عدم الإيمان، وعدم الإتكال، وعدم تمتعنا بحضن الآب. لأنه لو كنا متمتعين بأبوة الله لعشنا في سلام وفرح واثقين أن أبونا هو الذي يهتم بنا. هيا بنا نهتم بحياتنا .. نهتم بروحياتنا، ونهتم بأرواحنا ..

الصوم فرصة للروح، نهتم بإصلاح داخلنا، سيرتنا، وغسل خطایانا، ونظافة ثوبنا في الداخل، ونطهر قلوبنا.

تدريب:

  • إجتهد في هذا الأسبوع أن يخلو حديثك -على قدر الإمكان- من الإهتمامات الأرضية والجسدية من أكل وشرب.. وخلافه، واجتهد أن يكون حديثك بنعمة مملحاً بملح الروح.
  • راجع نفسك كل يوم من جهة كنزك السماوي. ماذا لك في السماء؟ ماذا فعلت من أجل الله في هذا اليوم؟.

المدلولات اللاهوتية والروحية لما جاء في إنجيل القدَّاس للمتنيح الدكتور موريس تواضروس

عدد19: صدأ (Brwsis) :

تعني الكلمة: هذا الذي يأكل, من الفعلBibrwskw

يُفسد (Aphanizei) :

من الملاحظ أن هذا الفعل, هو نفس الفعل الذي أستعمل سابقاً عن المرائين الذين يخفون وجوههم. فهناك وجه تشابه بين ما يفعله المراءون في إخفاء وجوههم الحقيقية لكي يظهروا بمظهر آخر غير حقيقي, وبين ما يفعله الصدأ الذي يتسبب أيضاً في اتلاف وافساد حقيقة الشئ.

عدد22: بسيطة (Aplous) [عينك بسيطة] :

تعني الكلمة لغوياً: مفردة. وهذه الصفة مستقاة من صورة قطعة قماش مطوية لمرة واحدة فقط وليس لعدة مرات, أي ذات طية أو ثنية واحدة, وليس عدد من الطيات المعقدة المختلفة. فالفكرة الأساسية هنا هي الأنشغال بشئ واحد مفرد وليس بأشياء متناقضة متضاربة. ولعل هذه الصفة (البسيطة) تفهم في مقابل العقل المزدوج والمتردد الذي يشار إليه في العدد24, والذي عوضاً عن التفرد, يتردد بين خدمة سيدين. فالعين البسيطة إذن هي العين السليمة الصريحة النقية التي تجعل لها هدفاً واحداً وسيداً واحداً وخدمة واحدة, كما يحدد ذلك السيد المسيح في قوله [لا يقدر أحد أن يخدم سيدين, لأنه إما أن يبغض الواحد ويحب الآخر أو يلازم الواحد ويحتقر الآخر. لا تقدرون أن تخدموا الله والمال] {مت 6: 24}..

جسدك كله يكون نيراً (Phwteinon) :

أي جسدك كله يكون كأنه عين بسيطة :

عدد 23: إن كان النور الذي فيك ظلاماً :

العين قائدة الجسد ومرشدته, ومن خلالها يتجه يميناً أو يساراً. وفقدان البصر يفقد الجسد كله القدرة علي التحرك بدون عون الآخرين. والقلب رائد الانسان في إيمانه وبصريته في حياته الروحية. وفقدان الانسان للقلب النقي والضمير الصالح والنية السليمة, يفقده المرشد الروحي, فيظلم فكره ويتعثر ويتخبط في أحكامه وفي مسيرته.

والأعمي المحروم من نور البصر, يصير كل شئ حوله مظلماً.

ويقال أن الفيلسوف سينيكا في إحدي رسائله, يخبر عن عبدة ساذجة كانت في منزله, وقد صارت فجأة عمياء, غير أنها لم تحس بفقدان بصرها, وطلبت من مرافقها أن يذهب بها إلي مكان آخر لأن المنزل قد صار مظلماً.

عدد24: الآخر (Eteron)                            [إما أن يبغض الواحد ويحب الآخر أو يلازم واحد ويحتقر الآخر]

إن التمييز هنا بين الواحد والآخر, هو بالأحري تمييز في الكيفية أو النوعية وليس تمييزاً عددياً. فالتمييز العدد تستعمل له كلمة يونانية أخري هي (Allos) وهي الكلمة التي أستعملها السيد المسيح عندما قال [من لطمك علي خدك الأيمن فحول له الآخر أيضاً] {مت5: 39}. فالآخر هنا هو الخد الثاني من بين الخدين, دون أن يكون اختلاف كيفي أو نوعي بين هذين الخدين, أي الأختلاف محصور فقط في الأختلاف العددي, فالواحد منهما يسمي الخد الأول, والثاني يسمي الخد الآخر, فكلمة الآخر تقابل الثاني. أما الآية التي نحن بصددها, يميز بين السيدين [الله والمال] فنحن لسنا هنا أمام سيدين متساويين في النوعية أو الكيفية, وليس الاختلاف بينهما مجرد اختلاف عددي, ولذلك أن كل سيد من السيدين يختلف نوعياً عن السيد الآخر, بل أن هذا الأختلاف يصل إلي حد التناقض والتعارض بينهما, فهما يختلفان في الخصائص, ويتميزان أن الواحد عن الآخر في سجاياه, وفيما يرتبط به من اهتمامات, كأختلاف الله عن بليعال, وهيكل الله عن هيكل الأوثان, والبر عن الأثم.وشبيه بهذا الأختلاف النوعي, ما حدث في يوم الخمسين, حيث قيل أن التلاميذ بدءوا يتكلمون بألسنة أخري مغايرة لألسنتهم التي كانوا يتكلموا بها.

يلازم: ((Anthexetai                               [يلازم الواحد ويحتقر الآخر] :

تتركب الجملة هنا من جزئين: والجزء الأول منها هو الحرف ((anti الذي يعني ضد. أي أن مفهوم الكلمة قائم علي أساس التمسك بواحد من السيدين كضد للسيد الآخر. فالذي يرتب حياته ليكون لله, يجب أن يكون في نفس الوقت ضد عبادة المال. ولذلك استعمل السيد المسيح كلمات تتضمن معني الضد أو النقيض (تبغض… وتحب أو تلازم… وتحتقر).

عدد25: لا تهتموا ((Mei Merimnate :

والاسم من هذا الفعل هو ((Merimna أي الأهتمام, وهو مشتق من كلمة (Meris) التي تعني (جزء), ومنها الفعل (Merizw) بمعني (يقسم) العقل أو الأهتمام, وهو الفعل الذي استعمل في معجزة اشباع الخمسة الآف حيث [قسم] السيد المسيح السمكتين للجميع. واستعمله الرسول بولس وهو يتحدث عن عطايا الله للبشر فقال [كما قسم الله لكل واحد مقداراً من الإيمان] {رو12: 3}. وعلي ذلك فإن الفكرة الأساسية في استعمال هذا الفعل هو تقسيم الأهتمام, الذي يؤدي إلي صرف أنتباه القلب عن الشئ الجوهري في الحياة, وإن كان المعني الظاهري للفعل هو تركيز التفكير العميق الجاد في موضوع ما. وعلي كل فالفعل يتضمن بالأكثر فكرة القلق ويؤكدها كما يبدو من الآيات التالية:

[وهم هذا العالم وغرور الغني يخنقان الكلمة] {مت13: 22}.

كما يعبر عن ذلك أيضاً القديس لوقا حيث يقول [والذي سقط بين الشوك هم الذين يسمعون ثم يذهبون فيختنقون من هموم الحياة وغناها ولذاتها ولا ينضجون ثمراً] {لو8: 14}.

وقيل لمرثا [أنتِ تهتمين وتضطربين لأجل أمور كثيرة ولكن الحاجة إلي واحد] {لو10: 11-12} وعبارة [لا تهتموا] تتضمن القلق علي الحياة وعلي المستقبل, وهو الأمر الذي أدانه السيد المسيح, والذي من أجله أوصي الرسول بطرس [ملقين كل همكم عليه لأنه هو يعتني بكم] {1بط 5 : 7}

المرجع : كتاب المدلولات اللاهوتية والروحية للكتاب المقدس بحسب إنجيل متي ( صفحة ٥٩ ) – الدكتور موريس تواضروس – أستاذ العهد الجديد بالكلية الإكليريكية

 

 

من وحي قـــراءات اليـــوم

  • كنزك شبعك فرحك قيمتك وغناك داخلك وليس خارجك.
  • كنزنا هـو بذرة الطبيعة الجديدة في المسيح (في المعمودية) لكن كم تحتاج من جهد وصبر لتظهر ثمارها فينا.
  • الصوم فرصة ذهبية لتكتشف كنزك فاجتهد في طلبه كل يوم لكي يدوم معك كل الأيام.
  • إمكانياتنا المادية من مأكل وملبس ومعيشة لها قيمة لكن في غياب الكنز السماوي تفترسنا الهموم والأوجاع وربما نتمني الموت.
  • كثرة القراءات في الكنيسة والقداسات والصلوات لندخل إلي الأعماق ونكتشف الصيد الكثير والشبكة الملآنة من النعمة.
  • رغم أن البئر عميقة لكن ماؤها عذب جداً.
  • علامة وجــود الكنز في حياتي الإحساس الشديد بالإحتياج الدائم إلى محبته الإلهية.
  • وأيضا الفـرح والسلام العميق وإتساع القلب بالحب لكل الناس.
  • زيادة معدّلات الإنتحار في الدول الغنية يحكي مأساة الآبار المشققة.
  • يسمح الله أن نكتشف غني كثير من فقراء المال وكم هم أغنياء في الإيمان والشهادة للمسيح له المجــد.

 

 

المراجع

 

[1]– عظات القـديس مكـاريوس الكبير – مؤسسة القـديس انطونيوس للدراسات الآبائيـة.

[2]Simonetti, M. & Oden, T.C. ( 2001 ). Matthew 1- 13 ( The Ancient Christian Commentary on Scripture, New testament part Ia ). Illinois ( U.S.A ) : InterVarsity press.- Pages 140,143.

[3] كتاب عظات القديس مقاريوس الكبير – العظة السادسة صفحة ٤٥ طبعة 1991-  ترجمة دكتور نصحي عبد الشهيد.

[4] تفسير إنجيل لوقا للقديس كيرلس الإسكندري صفحة ٤٣٣ – ترجمة دكتور نصحي عبد الشهيد.

[5]–  تفسير إنجيل متي إصحاح ١٣ – القمص تادرس يعقوب ملطي.

[6]كتاب أغسطينوس في شرح الموعظة علي الجبل ص ٢٠٨ – إصدار كنيسة مار جرجس إسبورتنج وتقديم القمص بيشوي كامل.

[7]كتاب من كتابات القديس يوحنا ذهبي الفم صفحة ٣٦٨ – ترجمة القمص تادرس يعقوب ملطي.

[8]–  كتاب عظات مضيئة معاشة صفحة ٦١ – إصدار مطرانية ملوي وأنصنا والأشمونين.

[9]– كتاب المنجلية القبطية الارثوذكسية – البابا تواضروس الثاني.

[10]كتاب تأملات روحية في قراءات اناجيل احاد السنة القبطية – ص 258 – 263 – كنيسة مار جرجس سبورتنج