الخامس والعشرون من هاتور

إذ أسلحة محاربتنا ليست جسدية، بل قادرة بالله على هدم حصون (٢كو ١٠: ٤)

” محب الآب مرقوريوس ، القوي بالمسيح ، لبس الخوذة: وكلِّ سلاح الإيمان ”

ذكصولوجية الشهيد أبي سيفين

[1]” يوجد سلاح لخلاصنا مادام يوجد المسيح ”

شواهد القراءات

(مز ١٧ : ٣٤ ، ٤٠ )،(مت ٨ : ٥ – ١٣) ،(مز ٦٧ : ٣٣ ، ٤) ،(لو ١٢ :٤- ١٢) ،(٢كو ١٠ : ١ – ١٨) ،١بط ٤ : ١ – ١١) ،(أع ١٢ : ٢٥ – ١٣ : ١٢) ، (مز ٤٤ : ٥) ،(مت ١٢ : ٩ – ٢٣)

ملاحظات علي قراءات يوم ٢٥ هاتور

+ قراءات اليوم تتكلّم عن السلطان الإلهي وسلطان أولاد الله ، بالمقارنة بقراءات خامس عشر هاتور (تذكار مار مينا العجايبي ) التي تتكلّم عن إحتمال الآلام والضيقات لأجل المسيح ،

وبالمقارنة بقراءات ثالث وعشرين برمودة (تذكار مار جرجس ) التي تُعْلِن قوة الله في حياة الشهداء ، وأيضاً مُقارنة بقراءات سابع وعشرين برمودة ( تذكار مار بقطر بن رومانوس ) التي تكشف عن مجد الشهداء

+ قراءة إنجيل عشيَّة اليوم (مت ٨: ٥ – ١٣) هي نفس قراءة إنجيل باكر في الأحد الثالث من شهر توت

مجيئها اليوم للكلام عن سلطان أولاد الله في المسيح وإيمانهم الكامل به (مثل قائد المئة ) ، ومجيئها في الأحد الثالث من توت تأتي القصة لتضع قائد المئة مع زكَّا العشار ( موضوع إنجيل القدَّاس لهذا الأحد ) بعظم الإشتياق للمسيح له المجد في زكَّا العشَّار كنموذج للخطاة ، وعظم الإيمان في قائد المئة كنموذج للأمم

كما أن موضوع هذه القراءة ( لقاء الرب مع قائد المئة ) جاء أيضاً في إنجيل عشيَّة يوم ١٦ توت (لو ٧ : ١ – ١٠) ، وهو الموافق لتذكار تجديد كنيسة القيامة ، وأيضاً في قراءة إنجيل عشيَّة  في الأحد الرابع من شهر أبيب ، وإختيار الكنيسة للقراءة بحسب القديس متي في تذكار أبو سيفين للإشارة إلي سلطان الرب ( موضوع قراءة يوم ٢٥ هاتور ) ، أمَّا إختيار الكنيسة للقراءة بحسب القديس لوقا في يوم ١٦ توت فهو لأجل الإضافة التي ذكرها القديس لوقا وهو طلب اليهود من الرب بإجتهاد لأجل قائد المئة لأنه ” بني لنا المجمع ، وهو الجزء الذي لم يذكره القديس متي ، ” لذلك جاءت في تذكار تجديد كنيسة القيامة

أمَّا مجيئها في الأحد الرابع من شهر أبيب فهو للإشارة إلي شفاء غلام قائد المئة وعظمة إيمان قائد المئة مقارنة بعتاب الرب لمرثا ” ألم أقل لك : إن آمنت ترين مجد الله ”

+ قراءة إنجيل باكر اليوم (لو ١٢: ٤ – ١٢) هي نفس قراءة إنجيل القداس ليوم ٢٧ برمودة ( مار بقطر بن رومانوس ) وهي القراءة التي تُطمئن من يحتمل الآلام والضيقات بسلطان الله علي كل الملوك والحكام ، وأن الروح القدس سيُعطيهم قوة الشهادة للمسيح

وهي تُشبه قراءة إنجيل القداس (لو ١١: ٥٣ – ١٢ : ١ – ١٢) ليوم ١٥ هاتور ( شهادة مار مينا ) ، ويوم ١٣ برمهات ( شهادة الأربعين شهيداً بسبطية )

+ قراءة البولس اليوم (٢كو ١٠ : ١ – ١٨) جاءت في ٢٥ هاتور ، ١٣ برمهات

وهي قراءة الأسلحة الروحية والسلطان لذلك جاءت في تذكار أبو سيفين ( ٢٥ هاتور ) والأربعين شهيداً بمدينة بوبسته

+ قراءة الكاثوليكون اليوم (١بط ٤ : ١ – ١١) تكررت في قراءة يومي ١٣ برمهات ، ٢٣ برموده

وهنا الكلام عن التَسلُّح بآلام المسيح وذلك في تذكارات الشهداء المشهورين بإحتمالهم الآلام ورتبتهم كضباط في الجيش وكأن آلام المسيح له المجد كانت أسلحتهم مثل ابو سيفين ( ٢٥ هاتور ) ، مار جرجس ( ٢٣ برموده ) ، شهادة الأربعين شهيداً بمدينة بوبسته ( ١٣ برمهات )

وتُشبه قراءة الكاثوليكون (١بط ٤ : ٣ – ١١) للأحد الثالث من شهر هاتور ( بزيادة ثلاث آيات عن قراءة الأحد )

مجئ القراءة اليوم للإشارة إلي التسلُّح بآلام المسيح كما رأيناه في الشهداء ، بينما مجيئها في قراءة الأحد الثالث لأجل الإشارة إلي من يحيوا حسب الله بالروح

+ قراءة الإبركسيس اليوم (أع ١٢ : ٢٥ – ١٣ : ١ – ١٢) تكرَّرت في يوم ١٣ برمهات ، وفي الأحد الأوَّل من شهر بؤونه

مجيئها يومي ٢٥ هاتور ، ١٣ برمهات للإشارة إلي السلطان الإلهي في كلام القديسين أمام الأشرار كما حدث مع القديس بولس وأيضاً الشهيد أبوسيفين ( ٢٥ هاتور ) وكما آمن الوالي لما رأي الأعجوبة الحادثة هكذا آمن الحارس لما رأي الأكاليل السماوية في تذكار الأربعين شهيداً بسبسطية ( ١٣ برمهات )

أمَّا مجيئها في الأحد الأوَّل من شهر بؤونه فهو للإشارة إلي ما جاء في آية ٢ ( بينما هم يخدمون الرب ويصومون قال الروح القدس ) عن الكنيسة المملوءة من الروح القدس والتي يقودها الروح في كل خدماتها

+ قراءة إنجيل القداس اليوم (مت ١٢ : ٩ – ٢٣) تُشبه قراءة إنجيل عشيّة ليوم ٣٠ كيهك (مت ١٢ : ١٥ – ٢٣)  وقراءة إنجيل باكر ليوم ٢٤ بشنس

والتركيز في هذين اليومين علي ما جاء في نهاية نص الإنجيل ” وعلي إسمه يكون رجاء الأمم ” لأن تذكار ٣٠ كيهك خاص بالقديس يوأنس قمص شيهيت وموضوع قراءات هذا اليوم هو عطايا ميلاد المسيح للبشرية كلها ، وقراءات يوم ٢٤ بشنس التي تتكلم عن خلاص الله للأمم لأجل عيد دخول المسيح أرض مصر

أما إضافة الستّة الآيات في قراءة اليوم ( من آية ٩ إي ١٤ ) للتركيز علي سلطان الرب في الشفاء كإشارة إلي سلطان أولاد الله عامة ، وأيضاً إشارة إلي أبو سيفين كضابط له سلطان بصفة خاصة

القراءات المُحوَّلة علي قراءة هذا اليوم

ثامن بابة                شهادة القديس مطرا الشيخ ومن معه من الإسكندرية

ثامن وعشرون بابة    شهادة القديس مركيانوس ومرقوريوس تلميذي بطريرك القسطنطينية

خامس طوبة            شهادة القديس أوساغنيوس الجندي

ثامن وعشرون برمودة شهادة القديس ميليون الناسك وباسالفوس الشهداء ومن معهما بجبل خرسان

خامس وعشرون بشنس شهادة أبا قلته الأنصناوي ( كولوتس الأنصناوي ) الطبيب الشهيد

خامس وعشرون أبيب تكريس كنيسة الشهيد أبي سيفين

شرح القراءات

اليوم هو تذكار الشهيد العظيم مرقوريوس أبي سيفين ومُحوّل عليه ستة تذكارات من الشهداء بما فيها تذكار آخر للشهيد العظيم أبي سيفين

قراءات اليوم تتحدّث عن قوّة أولاد الله وصلابة أسلحتهم الروحية وسلطانهم في المسيح ابن الإنسان علي قوات الظلمة

تتحدث المزامير عن قوة وأسلحة أولاد الله ( مزمور عشية ) وقوّة الكنيسة بحضور الله فيها ( مزمور باكر ) وسلطان ابن الله في صليبه وقيامته ( مزمور القداس )

يتحدث مزمور عشية عن قوّة أولاد الله وأسلحتهم الروحية ونصرتهم الأكيدة في المسيح علي تدبيرات الشر

( الذي يُعلّم يدي القتال وجعل ساعديّ أقواس من نحاس ومنطقتني قوة في الحرب وعَقَلْت كل الذين قاموا عليّ تحتي )

ومزمور باكر يتكلّم عن قوة الكنيسة المقدسة بحضور الله فيها وعمله في شعبها

( عجيب هو الله في قديسيه إله إسرائيل هو يعطي قوة وعزاء لشعبه والصديقون يفرحون ويتهللون أمام الله ويتنعمون بالسرور )

ومزمور القداس يكشف عن سلطان ابن الله فالحديث هنا عن جمال وقدرة علي الحرب ولا ينطبق هذا الكلام علي الملك سليمان كاتب هذا المزمور لأنه لم يكن رجل حرب بل كما يقول القديس أغسطينوس وأمبروسيوس أن الجمال هنا هو جمال القيامة والسيف هو الصليب [2]

( تقلد سيفك علي فخذك أيها القوي بحسنك وجمالك إستله وانجح واملك )

 

وتتكلّم القراءات عن سلطان الكنيسة الذي يبني المؤمنين ووحدة الكنيسة التي تهدم قوي الشر ( البولس ) وتوبة الكنيسة وطُهرها وسهرها ومحبتها سرّ قوتها ( الكاثوليكون ) والروح القدس هو مصدر السلطان والقوة في الكنيسة وخدامها ( الإبركسيس )

 

يبدأ البولس بالكشف عن الأسلحة الروحية للكنيسة ولكن تظهر فاعليتها في حياة الكنيسة في كمال وحدتها في الفكر والرأي ( متي كملت طاعتكم ) وأن هدف السلطان في الكنيسة هو بنيان المؤمنين

( لأننا وإن كنّا نسلك حسب الجسد لا نُحارب حسب الجسد إذ أسلحة محاربتنا ليست جسدية بل هي قوات الله تهدم الحصون وتهدم الآراء وكل علو يرتفع ضد معرفة الله ونُسبي كل فكر إلي طاعة المسيح ومُستعدّين لأن ننتقم علي كل عصيان متي كملت طاعتكم … فإني وإن افتخرت شيئاً أكثر بالسلطان الذي أعطاه لي الرب ( فهو ) للبنيان وليس لهدمكم )

ويُعْلِن الكاثوليكون أن أهم أسلحة روحية تملكها الكنيسة هي التوبة والطهارة والسهر والصلاة والمحبّة

( فإذ قد تألم المسيح بالجسد عنا تسلحوا أنتم أيضاً بهذا المثال فإن من تألم بالجسد كُفّ عن الخطية لكي لا يعيش أيضاً الزمان الباقي في الجسد لشهوات الناس بل لإرادة الله … وإنما نهاية كلّ شئ قد اقتربت فتعقّلوا إذاً اسهروا في الصلوات ولكن قبل كل شئ فلتكن المحبّة دائمة فيكم بعضُكم لبعض لأن المحبّة تستر كثرة من الخطايا )

كما يُعْلِن أن هدف المواهب في الكنيسة هو خدمة الناس والإعتماد الأساسي علي القوة الممنوحة من فوق

( وليخدم كل واحد الآخرين بما نال من المواهب بعضكم بعضا كوكلاء صالحين علي نعمة الله المتنوعة من يتكلم فكأقوال الله ومن يخدم فكأنه من قوة يُهيّئها الله لكي يتمجد الله في كل شئ بيسوع المسيح )

ويظهر في الإبركسيس قيادة الروح القدس الكنيسة وفعل قوّته في خدامها ورُسِلها وإختياره لهم وإرسالهم للخدمة وتعضيدهم ونُصرتهم فيه علي كل قوّات الظلمة والشر

( وبينما هم يخدمون الرب ويصومون قال الروح القدس افرزوا لي برنابا وشاول للعمل الذي قد دعوتهما إليه حينئذ صاموا وصلوا ووضعوا عليهما الأيادي ثم أطلقوهما فهذان إذ أُرسلا من الروح القدس … فهذا دعا برنابا وشاول وإلتمس أن يسمع كلمة الله فقاومهما عليم الساحر لأن هكذا يُترجم إسمه طالباً أن يفسد الوالي عن الإيمان أما شاول الذي هو بولس أيضاً فامتلأ من الروح القدس وقال أيها الممتلئ من كلّ غشٍ وكلَّ خبثٍ يا إبن إبليس يا عدو كل بر ألا تزال تفسد سبل الرب المستقيمة فالآن هوذا يد الرب تأتي عليك فتكون أعمي لا تُبصر الشمس إلي حين ففي الحال وقع عليه ضباب وظلمة … فالوالي حينئذ لما رأي آمن وتعجّب من تعليم الرب )

وتأتي الأناجيل لتتكلّم عن سلاطين العالم الخاضعة لسلطان الرب ومكافأته لهم ( إنجيل عشية ) وسلاطين العالم المُضادّة لسلطان الرب ودينونته لهم ( إنجيل باكر ) وغاية سلطان الرب مع البشرية شفاؤهم وتحريرهم من قبضة ابليس ( إنجيل القداس )

يتكلّم إنجيل عشية عن قائد المئة الأممي صاحب السلطان علي جنوده ولكنه يؤمن بسلطان الرب بكلمة يُعطي الشفاء وينتهر المرض حتي ولو من بعيد ويمدح الرب إيمانه أكثر من بنو الملكوت ويُعْلِن الرب في هذه المعجزة كيف سيأتي الأمم من كل مكان ويتكئون في ملكوت السماوات

( وقال يارب لست مُستحقاً أن تدخل تحت سقف بيتي لكن قُل كلمة فقط فيبرأ غلامي … فلما سمع يسوع تعجب وقال للذين يتبعونه الحق أقول لكم إني لم أَجِد إيماناً بمقدار هذا في أحد في إسرائيل وأقول لكم إن كثيرين سيأتون من المشارق والمغارب ويتكئون مع إبراهيم وإسحق ويعقوب في ملكوت السموات )

ويطمئن الرب في إنجيل باكر أولاده أن لا يخافوا من أصحاب السلطان في العالم لأن حدودهم فقط عند الجسد وبسماح منه ولكنّه يُعْلِن سلطانه الإلهي علي الكل وعلي هؤلاء الأشرار ومصيرهم وكيف سيدينهم ويطمئنهم من الشهادة له أمام الملوك والحكام بقوّة الروح القدس الذي فيهم

( ولكن أقول لكم يا أصدقائي لا تخافوا من الذين يقتلون جسدكم وبعد ذلك ليس لهم ما يفعلون أكثر بل أُريكم ممن تخافون خافوا من الذي بعد ما يقتل له سلطان أن يلقي في جَهَنَّم نعم أقول لكم من هذا خافوا … ومتي قدموكم إلي المجامع والرؤساء والسلاطين فلا تهتمّوا كيف أو بما تُجاوبون أو بما تقولون لأن الروح القدس يُعلّمكم في تلك الساعة ما يجب أن تقولوه )

ويختم إنجيل القداس بسلطان ابن الله في شفاء الجسد من المرض وفِي خلاص الأمم والشعوب وفِي تحرير النفوس من قبضة الشيطان وأن غاية سلطانه هو الإنسان الذي هو أعظم من السبت

( فالإنسان كم هو أفضل من خروف إذاً يحلّ فعل الخير في السبوت حينئذ قال للرجل مُدّ يدك فمدَّها فعادت صحيحة كالأخري … هوذا فتاي الذي ارتضيت به حبيبي الذي سُرَّت به نفسي أضع روحي عليه فيُخبر الأمم بالحق … وفتيلة مدخنة لا يطفئ حتي يُخرج الحقّ إلي النُصرة وعلي إسمه يكون رجاء الأمم حينئذ قُدِّم إليه أعمي مجنون وأخرس فشفاه حتي أن الأخرس تكلَّم وأبصر فبُهِتَ كلّ الجموع وقالوا ألعلَّ هذا هو إبن داود )

ملخّص القراءات

يُمنطقني الله بالقوة ويُعْلِن فيّ عجائبه ويُسلِّحني ويُجمِّلني بالصليب مزمور عشيّة وباكر والقدّاس

فتصير أسلحتنا روحية وصلواتنا دائمة ومحبتنا كاملة فتُستَعلن قيادة الروح لنا في كنائسنا

البولس والكاثوليكون والإبركسيس

وتخضع لنا سلاطين العالم ولا ننزعج من السلاطين المُضادة ونعيش سلطان المسيح الذي يهدف لشفاء الإنسان وخلاصه                    إنجيل عشيّة وباكر والقدّاس

أفكار مُقترحة للعظات

(١) سلطان أبناء الله

١- السلطان الممنوح مجاناً من الله لأولاده                                              مزمور عشيَّة والقدّاس

” الذي يعلم يدي القتال …  تقلد سيفك علي فخذك أيها القوي ”

لذلك صارت هذه تسبحة الكنيسة في صلواتها اليومية ” أعطيتنا السلطان أن ندوس الحيات والعقارب وكل قوَّة العدو ”

٢- بين سلطان العالم الخاضع لسلطان ابن الله وسلطانه المُقاوِم له

” قل كلمة فقط فيبرأ غلامي لأني أنا أيضاً إنسان تحت سلطان لي جند تحت يدي ”        إنجيل عشيَّة

” ومتي قدَّموكم إلي المجامع والرؤساء والسلاطين فلا تهتموا كيف أو بما تجاوبون أو بما تقولون ”    إنجيل باكر

أحياناً يُعْطي الله نعمة لأولاده في أعين الرؤساء فيخضع لهم العالم وأحياناً أخري يهيج العالم ضدَّهم بسماح من الله

٣- سلطان الدينونة

+ سلطان ابن الله في اليوم الأخير                                                                    إنجيل باكر

” خافوا من الذي بعد ما يقتل له سلطان أن يلقي في جهنَّمَ ”

+ سلطان الرعاة في إدانة الشر                                                                 الإبركسيس

” أما شاول الذي هو بولس أيضاً فامتلأ من الروح القدس وقال أيها الممتلئ من كلَّ غشٍ وكلِّ خبثٍ … فالآن هوذا يد الرب عليك فتكون أعمي … ففي الحال وقع عليه ضباب وظلمة ”

٤- سلطان الخدمة ( البنيان )

+ ” فإني وإن افتخرت شيئاً أكثر بالسلطان الذي أعطاه لي الرب ( فهو ) للبنيان وليس لهدمكم ”    البولس

لذلك يقول الآباء القديسون أن الكنيسة تربط لكي تحل لأن الهدف هو خلاص الإنسان

+ ” وليخدم كل واحد الآخرين بما نال من المواهب بعضكم بعضاً كوكلاء صالحين علي نعمة الله المتنوعة ”  الإبركسيس

هدف المواهب لا يُحسب للخادم والراعي لكن لمن يخدمهم لأن الله يُعْطي الموهبة لأي خادم لأجل من يخدمهم ولأجل بنيان الكنيسة

(٢) قوَّة الكنيسة

١- قوَّة الوحدة في الكنيسة                                                            البولس

” إذ اسلحة محاربتنا ليست جسديةً بل هي قوات الله تهدم الحصون وتهدم الآراء وكلَّ علوٍ يرتفع ضدَّ معرفة الله ونُسبي كلَّ فكرٍ إلي طاعة المسيح ومُستعدِّين لأن ننتقم علي كلِّ عصيانٍ متي كَمَلَت طاعتكم ”

متي تكمل الطاعة في الكنيسة وتتجلَّي الشركة والفكر الواحد يُسْبَي كل فكر إلي طاعة المسيح وتهدم الكنيسة حصون الشر وتسحق الشيطان

٢- قوَّة التوبة وإحتمال الألم وقبوله كشركة في آلام المسيح له المجد           الكاثوليكون

” فإذ قد تألَّم المسيح بالجسد عنَّا تسلَّحوا أنتم أيضاً بهذا المثال فإن من تألَّم بالجسد كفَّ عن الخطية ”

ما أعظم أن تكون آلام المسيح له المجد هي سلاحنا وسرّ نصرتنا وأساس قوتنا ( إرسمي جرحه أمامك وإحتمي فيه عندما يهيج عليك العدو – القسمة المُقدَّسة )

٣- قوَّة الإمتلاء من الروح القدس                                                    الإبركسيس

” وبينما هم يخدمون الرب ويصومون قال الروح القدس افرزوا لي برنابا وشاول ”

” أما شاول الذي هو بولس أيضاً فامتلأ من الروح القدس وقال أيها الممتلئ من كلَّ غشٍ وكلِّ خبثٍ ”

هنا الإمتلاء من الروح القدس هو الذي يقود الكنيسة ويختار الرعاة

وهو أيضاً الذي يُدين شرّ الأشرار ويُبْطِل أعمال المُقاومين

(٣) رسالة المسيحي                                                               إنجيل القدَّاس

١- مسحة  ” أضع عليه روحي ”

أولاد الله ممسوحين لرسالة خلاص ولخدمة مُصالحة ( ٢ كو ٥ : ١٨ ) وهم رائحة المسيح الذكية ونور العالم وملح الأرض

٢- شهادة  ” فيُخبر الأمم بالحقَّ … حتي يُخرج الحق إلي النصرة ”

ما أجمل ما قيل عن يوحنا المعمدان من فم الرب ” أنتم أرسلتم إلي يوحنا فشهد للحق ” (يو ٥ : ٣٣)

٣- وداعة   ” لا يُخاصم ولا يصيح ولا يسمع أحد في الشوارع صوته ”

لعل الآية الوحيدة التي قال فيها الرب تعلَّموا مني كانت لأجل الوداعة لأنها تكسب كثيرين دون ضجيج ( طوبي للودعاء لأهم يرثون الأرض )

٤- رجاء     ” قصبة مرضوضة لا يقصفُ وفتيلةُُ مدخنةُ لا يطفئ ”

ما أجمل وصية الكنيسة للراعي ( لا تقطع رجاء أحد ) وما أجمل أن يكون المسيحي مصدر رجاء لمن حوله

عظات آبائية

عظة للأنبا شنوده رئيس المتوحدين

إن أنت خشيت السهام، فلن تقدر أن تصمد في الحرب، بل ستنهزم. وإن أنت خشيت من تعيير الناس، فلن تقدر أن تنحاز لكلمة الحق، بل ستنافق مثل ضعفاء كثيرين عندما تصيبهم هذه الضربة أو تلك البلية. وإذا خفت حتى لا تُجْرَح يدك أو رجلك أو عضو آخر في جسدك، فلن تقدر أن تجاهد لتنال الإكليل. فالشجاع لا ينال الإكليل إلا إذا جاهد حسنًا. وإن جبنت حتى لا يقذفونك بالشتائم بواسطة من لم يعرهم هو إهتماماً ، فهم آتين ليدي الله. وبدلاً من أن تقول الحق تفوهت بالكذب؛ لأنك تخزى من الناس أكثر مما تخشى الله، ولأنك ترغب أيضًا في مجدهم أكثر من مجد الله.

الجندي لديه أسلحته لكي يقذف بالسهم. اتخذ لنفسك أنت أيضًا العدل ، فالكلمة تقول : “عدله يحيط بك كالسلاح، فلا تخشى من خوف الليل،ولا من سهم يطير في النهار ” (مز٩١: ٤-٥)، ولا تخشى من تعيير الناس. إذا أردت أن تطفأ نارًا بسرعة ، فأسكب عليها ماءً. إتخذ لنفسك ترس الإيمان الذي به تستطيع أن تطفئ جميع سهام الشرير الملتهبة (انظر أف ٦: ١٦). الجندي لديه منطقته التي يرتديها في الحرب. لقد أُعطيت أنت أيضًا منطقة البر لكي ترتديها (انظر أف ٦: ١٤). تشجع بالأحري لأنك لبست المسيح (انظر غل ٣: ٢٧)، – فمن سيؤذيك؟ –  إذا أردت أن تقهر كل حزن وكل غم (يحدث) بواسطة الجنس الذي كُتِب عنه منذ البدء: “يجاوبون ويتكلمون بوقاحة. يتكلم كل فاعلي المعصية” (مز٩٤: ٤).

إن كانوا قد جدفوا على يسوع فيك (في شخصك)؛ لأنه أتى لكي يخلصك من كل شر، لكي تمجده أنت أيضًا، كما قيل: “أما من جهتهم – أي النسل الشرير أو الزناة والفاسقات – فيجدف عليه، أما من جهتكم – أي ذلك النسل المبارك – فيمجد” (١ بط ٤: ١٤) ، فكيف لن يسبُّوك بسببه ؟ يكفي أن يتمجد بواسطتك، وهم يحتقرونك بسببه، عن أن يُجَدَّف علي اسمه بين الأمم بسببك. إن افتروا على يسوع كما قيل: ” أعداء الرب تفوهوا عليه بأكاذيب” (انظر مز ٤١: ٦–٧ ،٧١: ١٠)، فكيف لن يتفوهوا عليك أنت بأكاذيب من أجله؟ وإن كانوا قد تفوهوا عليه ظلماً كما قيل: “أتوا بمؤامرة. فكروا وتكلموا رديًّا .تفوهوا على العلي ظلمًا. رفعوا فمهم ضد السماء، ولسانهم خرج من الأرض” (انظر مز ٧٣: ٨–٩)، وإن كانوا أيضًا قد افتروا على خالقهم كما قيل: “افتروا على الله” (انظر يش ٣٢: ٦)، فكيف لن يفتروا عليك أنت؟ وإن كان يسوع ،الذي ينزع عن البشر الضلال، قد نسبوا له الضلال، كما قال رؤساء الكهنة: “قد تذكرنا أن هذا المضل قال وهو حي إني بعد ثلاثة أيام أقوم” (مت ٢٧: ٦٣)، فكيف لن ينعتوك أنت بالمضل؟ وإن كانوا أيضًا قد شهدوا عليه زورًا، كما هو مكتوب: “كثيرون شهدوا عليه زورًا” (مت ٢٦: ٦٠، مر ١٤: ٥٦) ، فكيف لن يدَّعوا عليك بافتراءات؟

وهكذا كان الحال أيضًا مع كافة قديسيه. لأنهم تفوهوا على يوسف كذبًا في بيت المصري حتى لحقت به شدائد عظيمة، ولكن الله لم يتخلعنه. وافتروا علي سوسنة، وبواسطة مَن؟ بواسطة قاضيين من الشيوخ المسنين. ولكن الله الله لم ينس طلبة صلاتها. وادعوا كذبًا على إسطفانوس الرسول فرجموه وقتلوه. ولكنه لما نظر نحو السماء، رأى مجد الله، والرب يسوع قائمًا عن يمين الله. فكيف يكون حاله الآن في المجد أمام يسوع الذي قُتِلَ هو من أجل اسمه؟ فليس الأمر إذًا غريبًا أنهم تكلموا عليكَ أنت رديًّا، فهذا ليس بجديد. فأنت لم تُجَرَّبْ بعد بعذابات وضربات مثل الرسل الذين أشرفوا على الموت، وجُرُّوا، وأُلْقَوا خارج المدينة. أنت لم تُلْقَ بعد في السجون مثل أولئك، وأخيرًا قُتِلوا، من هابيل الصديق حتى زكريا بن براخيا والشهداء الذين سفكت دمائهم. وهم لم يتكلموا فقط بالشر على كافة القديسين، وضربوهم، وافتروا عليهم،كما نري في الكتاب المقدس، ولكنهم قَتَلوا أغلبهم. هو ذا عبيد يُضْرَبون من أجل اسم سيدهم، وهو ذا يسوع سيدهم الذي ضُرِبَ من أجل خلاص عبيده.

أنت، يا من تقرأ وأنت يا من تسمع، هل تسيل دموعك على وجنتيك من أجل كل ما قاله عليه الذين طمست الظلمةُ عيونَهم وقلبَهم؟ لأنه قُيِّد كمجرم من أجلك، حتى إذا قيدوك من أجله لا تتشكك. لقد ضربوه، وبصقوا عليه، وغطوا وجهه، وطرحوه، واستهزؤا به، ولكموه، وضربوه علي رأسه بقصبة، وصفعوه، وفي عطشه سقوه خلاًّ، وجعلوا إكليل شوك على رأسه ، وسمروا رجليه ويديه على العود، واستهزؤا به على الصليب قائلين : “فلتنزل لنؤمن بك” (انظر مت ٢٧: ٤٢، مر ١٥: ٣٢). وبعد كل شرورهم التي قالوها عليه، أو فعلوها به، طعنوه في جنبه بحربة .

أ لم يكن سهلاً عليه أن يجعل الأرض تنشق وتبتلع تلك الجمهرة الشريرة التي أحاطت به مثل زمرة من الكلاب (انظر مز ٢٢: ١٦)، ولكنه كان ينظر إلى اللاهوت الذي تقدم بواسطة الكثرة التي آمنت به، حتى إذا وقعت أنت (فريسة) لكلمات الذين فكروا بالشرور عليك في قلبهم من أجله ، بأن سنَّوا ألسنتهم مثل سيوف، وسم الأفاعي تحت لسانهم، كما هو مكتوب (انظر مز ١٤٠: ٣)، لا تجازي الذين جازوك بشر، ولاتصلي من أجل ذلك الأمر، بل تنظر لنمو البر، وتقدم الازدهار، ومجد الرب الذي يسير ويرتفع ويمتد على كل الأرض بواسطة كثرة عبير الأعمال الصالحة الذي ينتشر أكثر من أي عطر.

يسوع هو الذي سيدين الذين تفوهوا عليه بالكذب، أو قد حل عليهم الهلاك بالفعل، وسيحل أيضًا. وسوف يدين كل الذين يفعلون الشر ضد من يلقون عليه همومهم في كل أمر؛ لأنه يقول: “هوذا قد جاء الرب في ربوات ملائكته القديسين ليصنع دينونة على الجميع ، ويعاقب كل نفس علي جميع الأعمال التي فجروا بها، وعلى جميع الكلمات الصعبة التي تكلم بها عليه خطاة فجار” (يه ١٤–١٥).

ينبغي أن يقال للجندي بواسطة من يختبروه إنه رجل في الشدائد من أجل الخيرات، ويعرف أن يحتمل كل قتال، كما تُنُبِّئ عن ملكه، الكلمة الذي صار جسدًا من أجل خلاصنا، إنه “رجل أوجاع ومختبر الحزن” (إش ٥٣: ٣).

 

لا يوجد بيت مبني على الرمل يقدر أن يصمد، إذا هبت عليه رياح عاصفة (انظر مت ٧: ٢٦–٢٧). من لا ينتبه لهذا ولكل أمثاله في الكتاب المقدس ، فسوف يتشكك إذا لحقه ضيق أو اضطهاد، ولن يتجنب إنكار (الإيمان ) ، أم أن قول الكذب بدلاً من الحق، بسبب الرياء ومجد الناس ، ليس إنكارًا؟ ما الذي هو أفضل من الاعتراف بيسوع؟ فلو قلعوا عينيك ، فلن تقوم في القيامة بدون عينين. يكفيك أن يُعْتَرَفَ بك أمام ملائكة الله (انظر لو ١٢: ٨). لماذا تخشى الاعتراف بأعمال الحق التي انكشفت لك، وكتابك المقدس يشهد لها أنها منه؟ فإن قطعوا رأسك، فسوف تقوم وهي عليك. ولو قطَّعوك إربًا إربًا، فلن تقوم فقط وإصبع يدك الصغير غير مقطوعة، بل ستقوم جسدًا روحانيًّا (انظر ١كو ١٥: ٤٤). ولو تذكرتَ الألم، ووجع القلب الذي لحق بك من الناس الأشرار، فانتبه لما قاله الرسول أن آلام هذا الزمان الحاضر لا تقاس بالمجد العتيد أن يُسْتَعْلَن فينا (رو ٨: ١٨).

يكفيك أنك ترى كل الذين ضُرِبوا وقُتِلوا من أجل الله، ولا سيما رسلاً وأنبياءَ بلا خطية، وبالأخص القديس يوحنا الذي قطع هيرودس رأسه بأن ألقاه في السجن من أجل رغبة امرأة بشعة وابنتها. كذلك أيضا ميخا الذي ضُرِبَ على فكه بواسطة نبي كذاب، وقد أمر ملك مخالف أن يسرع الهلاك ويحل عليه، ويجعلوا النبي يأكل خبز الضيق ويشرب ماء الضيق، لأنه كلَّمه بالحق (انظر ١مل٢٢: ٧-٢٨). كذلك أيضًا إرميا الذي ألقوه في جب قذر بواسطة ملك قد فارقه الله من أجل كثرة شروره، وقَبِلَ كذب الأنبياء الكذبة، ورفض كلام الصدق الذي للنبي القديس. لذلك أسلم الربُ أورشليمَ (للأعداء)، وأهلكها بسببه، بأن أسلمه وشعبه الذين فيها لأيدي أعدائهم، فذبحوا أولاده أمامه، وقلعوا عينيه (انظر إر٣٨، ٣٩).

فاطلب من رب المجد يسوع ألا يجعلك تسقط في الشر فترزح تحت لسان الذين صرت لهم عدوًّا؛ لأنك تكلمت بكلام مستقيم وبأعمال كاملة صادقة[3].

القديس مقاريوس الكبير

العائلة السماوية وسلاح الروح

” كما أن الجوهرة الملوكية الثمينة لا يستطيع أحد أن يلبسها

الا المولودين من نسل الملوك ، هكذا فان أولاد الله فقط هم

الذين يسمح لهم أن يلبسوا الجوهرة السماوية .

المولودون من الروح

١-أن الجوهرة العظيمة الثمينة الملوكية ، والتي تختص بالتاج الملوكى ، انما تليق بالملك وحده . والملك . فقط هو الذى يستطيع أن يلبس هذه الجوهرة ولايسمح لإنسان آخر أن يلبس مثل هذه  الجوهرة . هكذا أيضاً ، إذا لم يولد لانسان من روح الله الملوكى ويصير من أعضاء العائلة السماوية الملوكية وابناً لله بحسب المكتوب : ” وكل الذين قبلوه أعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاذ الله ” (يو ١ : ١٢) ، فلا يستطيع أن يلبس الجوهرة السماوية الثمينة جداً ، أي صورة النور الذى لا يعبر عنه – الذى هو الرب نفسه ، وذلك لأنه ليس ابناً للملك . لأن أولئك الذين يمتلكون الجوهرة ويلبسونها ، انما يحيون مع المسيح ويملكون معه إلى الأبد . لهذا يقول الرسول ” كما لبسنا صورة الترابى سنلبس أيضاً صورة السماوى ” (١كو ١٥ : ٤١) .

٢- وكما أن الحصان طالما هو يرعى مع الحيوانات الوحشية في البرية ، فانه لا ينقاد للناس ولا يطيعهم . ولكن بعد أن يمسك لكى يروض ، فانهم يضعون عليه لجاماً ثقيلاً إلى أن يتعلم أن يسير بنظام وانضباط . وبعد ذلك يمكن أن يركبه راكب ماهر ليدربه لكى يصير نافعاً في الحروب . وبعد ذلك يضعون عليه السلام : الدرع والزرد ولكنهم يرفعون اللجام أولاً ويهزونه أمام عينيه لكى يتعود عليه ولا يخاف منه وهكذا اذ يعلمه الراكب ، فانه يستطيع أن يشترك في الحروب . لأنه بدون درع فان الحصان لا يكون ذو نفع في الحرب . ولكن بعد أن يتدرب ويتعود الحرب ، فانه بمجرد أن يشم ويسمع صوت الحرب فانه في الحال يهجم على العدو من نفسه حتى أن الصوت الذى يصنعه الحصان يكون كافياً لالقاء الرعب في قلب العدو.

روح المسيح يغير الإنسان

وبنفس الطريقة  فان الإنسان منذ السقوط صار متوحشاً وغير ومطيع وهو يتجول في برية العالم مع الوحوش ، التي هي أرواح الشر . وهو تحت الخطية ويرفض أن يخدم ويطيع . ولكن حينما يسمع كلمة الله ، ويؤمن فان الروح يلجمه ويجعله يخلع عنه عاداته الوحشية وأفكاره الجسدية اذ يصير الآن تحت قيادة المسيح الذى يركب عليه ويقوده.

وبعد ذلك يتعرض الإنسان لشدائد ويختبر ضيقات في ترويضه للخضوع لنير المسيح . وهذا يكون كامتحان للنفس حتى تصبح بالتدريج مطيعة  رقيقة سهلة الانقياد بواسطة الروح . والخطية التي فيها تتناقص بالتدريج إلى أن تتلاشى كلية . وهكذا اذ يلبس الإنسان ” درع البر ” ” وخوذة الخلاص ”  ” وترس الإيمان ” ” وسيف الروح ” (أف ٦ : ٤) فانه يتعلم أن يحارب ضد أعدائه.

وهكذا اذ يتسلح بروح الرب فانه يقاتل أرواح الشر ، ويطفئ سهام الشرير الملتهبة . ولكن بدون سلاح الروح لا يتقدم إلى خط القتال ، ولكن ، حينما يحصل على سلاح الرب فانه بمجرد أن يسمع ويحس بوجود الحروب فانه يتقدم ، ” بصياح وهتاف ” كما يقول في (أي ٣٩ : ٢٥) ، لأن نفس صوت صلاته يوقع الأعداء ساقطين على الأرض . وهكذا اذ يقاتل وينتصر في الحرب فانه ينال أكاليل الغلبة بثقة  عظيمة وهكذا يجد راحة ويستريح مع الملك السماوى ، الذى يليق به المجد والقدرة إلى الأبد آمين[4] .

 

 

الشهيد كبريانوس

الذي غلب مرة الموت لأجلِنا ما بَرِحَ ينتصِر فينا :

أنَّ العذابات في أزمنة ضد المسيح، تستلزِم أن نُعِد لها قلوبنا ونُشجِع نِفوس الأُخوة لكي نكون جميعًا مُستعدين للنِضال السماوي الروحاني، فليثبُت إيماننا ولنتسلَّح بكلمة الله، ومن واجبي أن أُعِد شعب الله الذي ائتمنني عليه ليكون كجيش في المُعسكر السمائي ليُواجهوا سِهام وأسلحة إبليس، ولا يمكن لمن لم يتمرن على القِتال أن يكون جُندِيًا صالِحًا للرب أو أن يفوز بإكليل الجِهاد، ها أنا أُرسِل لكم ثوب الأُرجوان الذي للحَمَل الحقيقي الذي فدانا وأحيانا، لكي تفصَّلوه لأنفُسكم فيصير ثوبًا خاصًا بكم، حتى يتغطَّى عُرينا القديم بثِياب المسيح: ثياب تقديس النعمة السمائية”.

”أيها البواسِل المغبوطُون إنَّ الكنيسة أُمُّكم فخورة بكم.. أيها المُتسربِلون بالبأس، عظيمة هي قُوَّة عزيمتكم وثبات أمانتكم حتى نهايِة المجد، لم تخضعوا للعذابات بل العذابات هي التي خضعت لكم واستعجلتكُم لنِيل الأكاليل..إنَّ المُتفرجين بإعجاب على تلك المعركة الروحية التي كانت بمثابِة سِباق نحو المسيح كانوا يرون خُدَّامه يُصارِعون دون أن يُغلبوا أبدًا، مُعترفين بإيمانهم بصوتٍ عالٍ!!

مُمتلئين بحيوية وشجاعة تفوق قُدرِة البشر، بلا سلاح من هذا الدهر، إنما مُتوشِحون بأسلحة الإيمان، والمُحتمِلون العذابات كانوا يرون

قِيامًا أكثر قُوَّة من الذين يُعذِّبونهم، الأمشاط الحديدية انتهت من الضرب والتمزيق، إلاَّ أنَّ الأعضاء المضروبة والمُمزقة انتصرت عليها .

عزيز هو الموت الذي يشتري الأبدية مُقابِل الدم، كم كان المسيح فَرِحًا وكم كان يسُرُّه أن يُحارِب ويغلِب في شخص خُدَّامه المُخلصين ويُعطيهم ما يشتهون أن ينالوه!! لقد كان حاضرًا في تلك المُسابقة التي أُثيرت لأجل اسمه، وأعان وسَنَد وقوَّى وبعث الحيوية، والذي غلب مرة الموت لأجلِنا ما بَرِحَ ينتصِر فينا!!

” إننا وضعنا في معسكر قاس ،  رجاء نوال المجد السمائي و علينا أن لا نرتعب من عواصف العالم ، و لا ولا نهتز منها، لأنَّ الرب سبق وكلَّمنا عن كل ما سيحدُث لنا، وأوصى كنيسته وهيَّئها وشدَّدها لتحتمِل كل ما سيأتي… هوذا السماويات تحتل مكان الأرضيات، والأمور العظيمة بدلًا من التفاهات،  والأبديات عِوَض الفانيات، فما الداعي إذًا للقلق والجزع؟!.

من يرى هذا ويرتعِب في حزن إلاَّ الذي بلا رجاء ولا إيمان؟!! فلا يرهب الموت إلاَّ ذاك الذي لا يُريد الذهاب مع المسيح .

إننا بالموت نبلُغ وطننا السمائي، الراحة الأبدية.. هذا هو سلامُنا وراحتنا الأبدية، ومن منَّا لا يتوق بالإسراع لنوال الفرح الأبدي لنذهب إلى دعوة المسيح لنا مُتهللين بالخلاص الإلهي.

+ ”عبيد الله يشتاقون للاستشهاد، يُدرِّبون الفِكر على أمجاد الثبات بالتأمُّل فيه للاستعداد للإكليل”.

+ “الاستشهاد ليس من سلطانك، بل هو عطية من الله، فليس لك أن تعترِض إن فقدت ما لستَ مُستحِقًا له… فالله الدَّيان يُتوِج خُدَّامه الذين تهيَّأت أفكارهم ” حياتهم ” للاعتراف والاستشهاد ” ولو لم يستشهِدوا ” لأنه لا يطلُب دمنا بل إيماننا”.

”ينبغي أن نحمِل الشهادة باجتهاد، كما حملها الذين تحرَّروا من هذا العالم بُناءً على دعوة من الرب، لأنهم سبقونا كمُسافرين، وكبحَّارة اعتادوا على الإبحار، فنشتاق إليهم بعد أن أخذوا معهم إلى هناك الثوب الأبيض… ليتنا نستعِد لقبول إرادة الله الكامِلة بعقل رزين وإيمان ثابِت وفضيلة نشِطة.. ولا نُقاوِم الرب بل نأتي إليه متى دعانا بنفسه….

لنتحرَّر من فِخَاخ العالم، ونعود إلى الفردوس والملكوت.. إننا نتطلَّع إلى الفردوس كبلدنا والآباء (البطارِكة) كآباء لنا، فلماذا لا نُسرِع بل ونجري، لكي ننظُر مدينتنا ونُحيِّي آبائنا، فإنَّ لنا أحِباء كثيرين ينتظروننا، فأي سعادة تغمُرنا وإياهم عندما نجتمِع سويً!!

هناك الشَرِكَة المجيدة مع الرُّسُل، هناك خورس الأنبياء المُتهللين، هناك جموع الشُهداء غير المحصيين، هناك جموع البتوليين الفائزين، هناك الرُّحماء مُكللين.. هذا هو شوقِنا العظيم، و هدف ذهابنا و إيماننا ..

+ ” ها أنتم قد احتملتُم بصبر ضرب العصى، مُتهيئين بهذا التنكيل القاسي للاعتراف العَلَنِي بإيمانكم، صبرًا! فالعصاة الخشبية الصغيرة لن تُؤثِر بشئ على الجسد المسيحي، الذي وضع كل رجائه في الخشبة الكبرى، من سيندهِش أن يراكم، يا آنية الذهب والفضة، في المنجم، الذي هو مصدر الذهب والفضة؟ إلاَّ أنَّ الوضع هنا قد انقلب فبدل أن يُعطي المنجم الذهب والفضة نراه هنا قد تقبَّلهُما. أقدامكم قد تقيدت بالأغلال، وأعضاؤكم المُباركة – يا هياكِل الله – تكبلت بالقيود، كما لو كان بتضييق الخِناق على الجسد يُمكنهم أن يُقيِّدوا الروح! أو كما لو أنَّ ذهبكم يمكن أن يعتريه الصدأ بملامسة حديد السلاسل!!

إنها أغلال مباركة لن يفُكها حدَّاد بل الرب يسوع نفسه! إنها لقيود مُباركة فعلًا، تلك التي تجعلكم تسيرون قدمًا في الطريق المُستقيم المُؤدي إلى الفردوس! مرحبًا بكِ أيتها الأغلال العزيزة التي تُقيد لحظة في هذا العالم لتُحرِّر إلى الأبد في العالم الأبدي هناك عند الله، في المناجِم لا نجد الفِرَاش الذي ننعم فيه بقسط من الراحة، ويتعرَّض تنعُمنا وراحِتنا للعُري والبرد، لكن من قد لبس المسيح فقد تنعَّم بالكساء الكامل والوقاية الحصينة.. يا له من مجد وبهاء سيؤول[5]“.

 

 

 

 القديس يوحنا ذهبي الفم

مفهوم السلطان

إننا نتعلّم فن الحرب لنستطيع الصراع لا ضدّ الناس بل ضد الأرواح. بلى، فإنه إذ يكون لنا فكر (حق) لا نُصارع قط، فإننا نُصارع لأننا اخترنا هذا مع أنّنا نلنا سلطانًا من ذاك الذي يسكن فينا، الذي قال “ها أنا أعطيكم سلطانًا لتدوسوا الحيّات والعقارب وكل قوّة العدو” (لو ١٠: ١٩) . أعطى لكم كل السلطان أن تصارعوا أو لا تصارعوا إن أردتم. فنحن نصارع لأننا متراخون، أما الرسول بولس فلم يُصارع بل يقول: “من سيفصلنا عن محبّة المسيح؟! أشدّة أم ضيق أم اضطهاد أم جوع أم عريّ أم خطر أم سيف؟!” (رو ٨ : ٣٥) اسمع أيضًا كلماته: “وإله السلام سيسحق الشيطان تحت أرجلكم سريعًا” (رو ١٦ : ٢٠) . لقد حمل سلطانًا عندما قال: “أنا آمرك باسم يسوع المسيح أن تخرج منها” (أع ١٦: ١٨) . هذه ليست لغة من يصارع، لأن من يصارع لم يغلب بعد، ومن يغلب فلا يصارع بعد.

إن أردنا نحن يجعله الله مدوسًا تحت أقدامنا، ولكن أي ازدراء وبؤس أن نراه يدوس على رؤوسنا ذاك الذي أُعطى لنا أن نطأه تحت أقدامنا؟! كيف يحدث هذا؟! إنه بسببنا نحن. فإن أردنا يكون عظيمًا، وإن أردنا يكون قليل الحيلة. إن كنّا حذرين ووقفنا بجانب ملكنا ينسحب، ويكون في حربه ضدّنا لا يزيد عن طفل صغير[6].

عظات آباء وخدام معاصرين

المتنيح الأنبا أثناسيوس مطران بني سويف والبهنسا

الأبراء في السبت : (مت ۱۲ : ۹ – ١٤)

فواجهوه في المجمع بذلك الرجل ذي اليد اليابسة لكي يشتكوا عليه . أما هو فبين لهم أنهم يخلصون حيوانا من ضرر يقع فيه يوم السبت ، ولا يتركونه يهلك . اذن يحل الابراء في السبوت ولكنهم ان كسر مبادئهم بهذا الشكل تشاوروا عليه لكى يهلكوه.

يوم السبت

١- تحول السبت الى الأحد لأن رب المجد قام يوم الأحد، فصار الأحد الخلاص.فان كان الله قد استراح قديما يوم السبت من العمل فانه استراح حقيقة بتجديده حياة الانسان يوم الأحد حين قام من الموت .

٢- وقد استبدلت الكنيسة السبت بالأحد . فنجد الرسل يجتمعون يوم الأحد ” في أول الأسبوع ” (أع ٢٠ : ٧) ، (١كو ١٦: ٢)

٣- وجاء أمر الكتاب صريحا ببطلان السبت وهو العدل الأسبوعي مع سائر الأعياد السنوية والشهرية . اذ قال : « فلا يحكم عليكم أحد في أكل أو شرب أو من جهة عيد أو هلال أو سبت » (كو ٢ : ١٦) على أن حفظ يوم الرب وصية هامة « سبت للرب الهك » (خر ۲۰، ١٠) أي راحة لعبادة الرب الهك ( كلمة سبت =راحة ) .

وان كنا في بلادنا نضطر للعمل يوم الأحد ، فعلينا تقديس اليوم بقدر الامكان ، بالذهاب الى الكنيسة صباحا ومساء ، وتخصيص وقت غير العمل فيه للأمور. المختصة بالله. وفي البيوت لايعمل عمل كطبخ الطعام أو غيره من أمور المنزل ، بل هو للرب بكامله، فيما عدا ساعات العمل الاجبارية.

وداعة السيد المسيح وحلمه: (مت ١٢: ١٥-٢١)

ها هو لازال يوصي الذين يمنحهم الشفاء الا يعلنوا عنه مثلما فعل في (مت ۸ : ٤ ، ۹ : ۳۰) .

ما أحلى الوصف الذي وصفه به أشعياء ” قصبة مرضوضة لا يقصف ، فهو يتراءف على الضعيف ويسنده حتى يقيم منه شيئا صالحا. أما ” الفتيلة المدخنة ، فهي تثير الأنف والعينين بدخانها ولكنها اذا عولجت بالنفخ ، والمداراة ، والصبر قد تشعل نارا حين لا توجد نار ، مثلما يفعل البعض الى الآن ، اذ يطرقون قطعتين من الزلط أو الحديد أمام فتيلة فتنطلق اليها شرارة ويأخذون في معالجتها حتى تخرج نارا ، وهذا ما يعمله الرب معنا ، يجذب الضعاف ويقيمهم مثلما فعل مع السامرية حين مدح قولها الصدق . ومثلما نظر الى زكا الذي اشتاق أن يراه فصعد على جميزة فناداه ودخل بيته.

وهو ” لا يخاصم ولا يصيح ” . ويصور بذلك المثل ويصور بذلك المثل السليم للقوة ، فكثيرون يظنون القوة في العنف ، أما هو فقد أظهر القوة في الوداعة ، وضبط النفس وطول الروح ومعالجة الضعاف بالحكمة •

وهو لا يخاصم – فلا يليق بنا أن نخاصم ، وأن أدعينا أننا مجرد مختصرين عن الناس . وهكذا يخرج الحق الى النصرة سواء الحق أي الخير الذي في الناس ، وصوت الله فيهم ، أم حق الفداء الذي يدور بالناس حتى يخلصهم[7].

 

 

المتنيح الأنبا يؤانس أسقف الغربية

معجزات صاحبت الاستشهاد وأثرها

 

في الرسالة التي كتبها فيلياس أسقف تمى إلى شعبه قبيل استشهاده بالإسكندرية ، ما يوضح اثر المعجزات التي صاحبت تعذيب الشهداء … ” لو حاولت أن أصف لكم بطولتهم ( الشهداء) ، لظننتموها أشبه بالأساطير . ولكن حقيقة هذه البطولة أعجب بكثير من كل تصور . فالمؤمنون الذين شهدوها تشددوا وتعزوا ، أما غير المؤمنين ، فلم يؤمنوا فحسب ، بل اعلنوا ايمانهم جهارًا أيضًا ، فأنضموا بدورهم إلى صفوف الشهداء ” .

والآن نسوق بعض أمثلة على معجزات حدثت أثناء تعذيب الشهداء وموتهم كانت سبباً في إيمان كثيرين – أحياناً أفراد ، وأحيانًا جماعات وجماهير وأحيانًا معذبيهم أنفسهم ، بل أحياناً الحكام الذين كانوا يحاكمونهم … ولم تقف المعجزات عند حد إيمان هؤلاء ، بل أن بعضهم صاروا هم أيضًا شهداء .

أولاً : إيمان الحكام :

( ١ ) مناس وهرموجين حاكما الإسكندرية :

كان مناس والياً على الإسكندرية وآمن بالمسيح ، وكان يخدم المسيحيين . وما أن وصل الخبر إلى مكسيمينوس قيصر حتى أرسل والياً آخر مشهوراً بشراسة وعدائه للمسيحيين ، ويدعى هوموجين وارسل معه مرسوماً امبراطورياً بالقبض على مناس ، وحمله على التضحية لآلهة الدولة .

فلما مثل مناس أمام هرموجين لمحاكمته ، أوضح له ايمانه بالمسيح ، وكيف انه لم يكن نتيجة اندفاع وقتى ، بل ثمرة تفكير عميق ، ودراسة ومناقشات طويلة. وختم على ذلك بإعلان إيمانه بالمسيح ، وإنه على أتم استعداد لتقبل الآلام حتى الموت … عندئذ دخل مناس في سلسلة عذابات قاسية ومرعبة : نزع باطن رجليه ، قطع لسانه وقلعت عيناه ، وألقى في السجن بين حى وميت …

وقد أحتمل كل ذلك بهدوء ووداعة وصبر المسيحى الحقيقى ، الأمر الذى حرك قلب هرموجين ، وبدأ ضميره يؤنبه . حاول اصلاح حطأه واسكات صوت ضميره ، فأمر بتشيييع جنازة مناس . لكن الجنود الذين أرسلوا للسجن لإخراج جثته ، وجدوه معافى ، وقد زالت عن جسده كل اثار الجروح والتعذيب ، يلهج بالشكر لله … ولفرط دهشتهم سجدوا نحو الأرض … ثم أفاقوا من دهشتهم ، وذهبوا للوالى ليخبروه .

أتى هرموجين للسجن ليرى بنفسه . فما أن التقيا ، حتى اندفع مناس نحو هرموجين سريعاً وقد غمرته فرحة عجيبة – وأمتدأت يداه بالسلام . لم يتمالك هرموجين نفسه فانهمرت الدموع من عينيه وتعانقا ، واعترف هرموجين بأعلا صوته بالسيد المسيح الهاً ومخلصاً ، ورجع الواليا إلى القصر …

ما أن وصل الخبر إلى مكسيمينوس ، حتى قرر الذهاب بنفسه للقضاء على ما اعتبره فضيحة كبرى . استجوب الواليين ، ثم أمر بتعذيبهما فقطع يدى ورجلى هرموجين ، لرفضه السجود للآلهة. ثم قطع جسده قطعة قطعة كما عذب مناس عذابات أخرى وعلى الرغم من كل ذلك ، فقد عوفى الشهيدان وغمرتهما سعادة دافقة ، فأخذا يسبحان الله … أمام كل ذلك أحس مكسيمينوس بعجزه ، فأمر بقطع رأسيهما بالسيف .

( ٢ ) أركانيوس والى سمنود وسوكيانوس والى أتريب .

كان إيمان هذين الواليين بسبب استشهاد القديس يوليوس الأقفهصى ، كاتب سير الشهداء . كان هذا الأخير مسيحياً يشغل وظيفة كبيرة في الإسكندرية ، كما كان ثرياً من أثريائها الكبار ، وكان موضع ثقة حاكمها ، كان محباً لخدمة المعترفين والشهداء ، وعاصر الاضطهادات التي أثارها ديوكلتيانوس وجالريوس ومكسيمينوس . كان يزور المعترفين في سجونهم يخفف آلامهم ويداوى جراحاتهم ، ويقضى كل اجتياجاتهم ، ويدفن أجسادهم ، يعاونه في ذلك ثلثمائة غلام من الكتبة المساعدين ، استخدمهم أيضاً في تسجيل سير الشهداء كتابة . ويبدو أنه خلال الاضطهادات المذكورة ، لم يسمح الله أن يستشهد ، بل استبقاه للخدمة العظيمة التي كان يقوم بها . لكن أكثر من واحد من الشهداء تنبأوا بأنه سيسفك دمه على أسم المسيح .

وفى أوائل عهد قسطنطين – وقبل أن تستتب الأوضاع السياسية له نهائياً ، ظهر السيد المسيح للقديس يوليوس الاقفهصى في رؤيا ، وأمره أن يمضى إلى أركانيوس والى سمنود ويعترف بالسيد المسيح .

وفى سمنود اعترف بالمسيح ، وعذب عذاباً شديداً … ثم اقتادوه إلى ( بربا ) ( معبد وثنى ) لكى يضحى للآلهة ، وكان عدد أصنامها سبعين صنماً … بسيط يديه وصلى ، ففتحت الأرض فاها وابتلعت الاوثان جميعها ، مع أربعين كاهناً كانوا يخدمونها … فلما رأى الوالى هذه الأعجوبة آمن وبعض أفراد حاشيته .

مضى والى سمنود في صحبة القديس إلى سوكياتوس والى أتريب . وهناك عذبهما الوالى . وظل على هذا الحال إلى أن كان يوم احتفال في هيكل الأوثان بأتريب ، وكانوا قد زينوا الهيكل بالمصابيح وسعف النخل . وفى ليلة هذا الاحتفال ، أوثقوا القديس والوالى . طلب القديس من الرب أن يظهر مجده وفى منتصف الليل أرسل الرب ملاكاً ، ونزع رؤوس الاصنام ، وسودها بالرماد ، وأضاع زينتها . فلما اجتمع الناس في اليوم التالى ، ورأوا ما حدث ، أسرعوا وأخبروا الوالى ، فآمن هو الآخر بالسيد المسيح . ورحل ثلاثتهم من أتريب إلى طوه ، بناء على رأى يوليوس الأقفهصى ، حيث ينالوا أكليل الشهادة … وفى طوه اجتمعوا بواليها الكسندروس ، وحاولوا إقناعه بالمسيح فاعتذر ولم يرد أن يعذبهم ، بل أراد ان يرسلهم إلى والى الإسكندرية لكنهم الحوا عليه أن يعذبهم ويقتلهم على اسم المسيح . فكتب الوالى قضيتهم ، وقطعت رؤوسهم بالسيف كما استشهد في ذلك البوم نحو الف وخمسمائة على أسم المسيح .

( ٣ ) أريانوس والى أنصنا .

قد لا نكون مبالغين اذا قلنا ، أنه في كل الإمبراطورية الرومانيه لم يوجد حاكم أو والى عذب المسيحيين بوحشية وبشاعة وباختراع آلات ووسائل تعذيب مبتكرة ، وبكثرة عدد من استشهدوا على يديه ، مثل أريانوس هذا الرجل الذى لفرط عداوته وقسوته وجبروته ، كان الحكام الآخرون – ليس من أنحاء القطر المصرى فحسب – بل من أقاليم الدولة الرومانيه الأخرى ، يرسلون اليه المعترفين المسيحيين من فشلوا في اخضاعهم وردهم عن الايمان المسيحى ، حتى ما يذيقهم الآلم كؤوساً وألواناً … لكن نعمة الله التي عملت في شاول الطرسوسى عملت في أريانوس ، فحولت الذئب المتعطش لسفك الدماء إلى حمل وديع إلى الذبح !! .

أمر أريانوس – بناء على أوامر الاكليروس استمروا ليشجعوا إيمان المخلصين وقبضوا على سبعة وثلاثين مسيحياً ، وقدموهم للمحاكمة .. وكان يوجد في أنصنا في ذلك الوقت ، عازف مزمار بارع يدعى فليمون ، وفى نفس الوقت ، كان هذا الشاب طيباً حاز اعجاب الجميع …

وكان هناك شماس يدعى ابولونيوس . وإذ كان لا يريد أن ينكر إيمانه هداه تفكيره إلى طريقة يتخلص بها من محاكمة أريانوس . ذهب إلى فليمون وقدم له أربعة دنانير من الذهب ، وسأله أن يذهب إلى معبد الاوثان ليضحى للآلهة نيابة عنه . وافق فليمون على أن يعيره بعض ملابسه ليتنكر فيها . ذهب فليمون إلى المحكمة ، يعد أن ترك مزماره لأبولونيوس ، ولم يتعرف عليه أحد .

مثل فليمون أمام أريانوس ، وهناك عملت النعمة الآلهية فيه بطريقة عجيبة ، فأعلن إيمانه ورفض أن يقرب للآلهة. وخطر لأريانوس ان يستدعى فليمون ليعزف على مزماره ، لعل أنغامة ترد المتهوسين ( بقصد المسيحيين ) إلى صوابهم ، بحثوا عنه في كل مكان فلم يجدوه ، وأخيراً أستدعى أريانوس شقيقه ثاؤونا ، وسأله عنه . فأرشد عنه ، وأشاراليه – ولم يتعرف عليه أريانوس بسبب تنكره

وحينئذ أكتشفت خطه الشماس أبولونيوس ، وأحضر أمام الوالى واعترف هو الآخر بايمانه . وعذبا كثيراً واجتازا ميتات كثيرة .

أخيراً أمر اريانوس ، أن يعلق فليمون من قدميه ورأسه إلى أسفل ، وأن يضرب بالنشاب . لكنها كانت لا تؤثر فيه ، وترتد عن جسده ، الامر الذى جعل أربانوس يتقدم ليرى بنفسه هذا الشئ العجيب فأصابته نشابة قلعت احدى عينيه . فطلب من فليمون أن يشفيها له . لكن فليمون قال له لو فعلت ذلك . لنسبت أنت هذا للسحر … لكنه أوصاه أن يتوجه بعد موته إلى قبره ويأخذ من التراب ، ويدعك بها عينه ، وسيشفى . فأمر بقطع رأسى فليمون وأبولونيوس ودفنها .

وفى اليوم التالى باكراً جداً ، ذهب أريانوس سراً إلى حيث دفن الشهيدان بعد أن أمضى ليلة يصرخ من الألم ، وفعل كما أوصاه فليمون وهو يقول ” باسم يسوع المسيح الذى احتمل هذان الشهيدان الموت لأجله ، أدهن عينى لاسترد البصر ، وفى نفس الوقت أومن أنه ليس اله آخر غيره ” . وفى الحال أبصر أريانوس . ومن شدة فرحه بدأ أريانوس يجول في المدينة ماشياً على قدميه ، وهو يصيح ” إنى أبصر . أنى أبصر !! وأنا أيضًا مسيحى . ومن الآن لا أخدم الهاً آخر غير المسيح ” . ثم أخذ أطياباً ، وطيب جسدى الشهيدين فليمون وأبولونيوس ، وأفرج عن جميع المعترفين المسجونين .

كان ديوكلتيانوس موجوداً آنذاك بالإسكندرية ، وسمع بقصة أريانوس فأرسل إلى أنصنا أربعة مندوبين للقبض عليه وأحضاره اليه . وفى طريقة مر على قبر الشهيد وخاطبهما قائلاً : ” أشكركما أيها المختاران المغبوطان ، يا من تنعمان في النور الابدى . اسألا عنى سيدى يسوع أن يهبنى القوة لأكمل شهادتى ” . فسمع صوتاً من القبر بكل وضوح يجيب ” لا تخف يا أريانوس ان يسوع الذى تؤمن به سيعطيك الشجاعة اللازمة وستزداد قوتك أمام الملك . وستنال أكليلك مثلنا في الفردوس. أمضى بغير خوف مع المندوبين ، الذين أتوا للقبض عليك . صل عنهم لكى يفتح الرب عيونهم للحق ” ، وقد سمع المندوبون أيضاً هذا الصوت … وأمام ديوكلتيانوس اعترف أريانوس بإيمانه الجديد ، ورفض التقريب لآلهة الدولة ، على الرغم من اللين الذى أظهره نحوه ديوكلتيانوس .

أمر ديوكلتيانوس بدفنه حياً في حفرة ، بعد تقييد يديه ورجليه بالقيود الحديدية ، وربط  رحى كبير في عنقه … نفذ الجند المكلفين هذا الحكم ، ودفنوه في حفرة كبيرة ، وردموا عليه التراب . وبعدها أخذ الجند يرقصون فوق الحفرة ويقولون ” سنرى ان كان مسيحه سيأتى ليخلصه ! “.

وفى صباح اليوم التالى ، أبصره ديوكلتيانوس ، قائماً أمامه بلا قيود في قصره ، فتعجب جداً ، وأمر أن يوضع في كيس به رمل ويطرح في البحر .

وبعدها تقدم الأربعة مندوبين ، الذين رأوا هذه الآية وسمعوا الصوت من قبر فليمون وأبولونيوس ، واعترفوا بايمانهم أمام دبوكلتيانوس فأمر بأن يلقوا جميعهم في البحر أسوة بأريانوس . وكان ذلك في بداية سنة ٣٠٥ .

( ٤ ) دجنيانوس والى القيروان

الانبا ثيئودورس اسقف القيروان بشمالى افريقيا جمع بين القداسة الروحية والابداع الفني . كان يبدع آيات فنية بتزيين المخطوطات إلى جانب مهامه الرعويه ، حتى أقبل الناس على اقتنائها من خارج مدينته ، وبواسطة فئه جذب عديدين إلى الإيمان المسيحى .

استاء دجنيانوس الوالى لنشاط الاسقف ، وقبض عليه بناء على الأوامر الامبراطوريه الصادرة من ديوكلتيانوس . أمره أن يسلم كل انتاجه الفني فرفض . أمر بجلده بالسياط حتى سال دمه غزيراً ، وانهكت قواه . لكن ما أن تمالك نفسه ، حتى زحف على الأرض تجاه المذبح الوثنى الذي كان مقامًا في ساحة المحكمة . فظن الناس أن إيمان الأسقف قد ضعف وانه مزمع أن يقرب للأوثان . لكن ما أن وصل اليه حتى دفعه بكل ما تبقى فيه من قوة ، فانقلب على الأرض. ثار القاضي وأمر بسلخ جلده وصب على جسمه لكنه في كل ذلك ظل ثابتاً فأمر القاضي بقطع لسانه لكن السيد المسيح افتقده في السجن وشفى كل جراحاته وأعاد اليه لسانه …

كانت هذه الأعاجيب سببا في ايمان لوكيوس حارس السجن أما دجنيانوس فملكت عليه الدهشة فأفرج عن الأسقف …

اعتمد لوكيوس على يد الأنبا ثيئودورس ، وحاول اجتذاب الوالى والقاضى إلى الإيمان. فأفلح مع ديجنيانوس ، وفشل مع القاضي . وغادر لوكيوس وديجنيانوس البلاد ، وذهبا إلى جزيرة قبرص . وهناك كشف أمرها فذهب لوكيوس وأعلن أيمانه أمام والى الجزيرة ، وقطعت رأسه بالسيف . أما ديجنيانوس فقضى بقية حياته في سيرة مقدسة [8].

 

 

المتنيح القمص يوسف أسعد

سلاح الله الكامل

الله في محبته للتائب لا يمكن أن يتركه وحيداً في مجال الصراع مع الشيطان. لكنه بقوة وإقتدار يعمل من خلال أسلحة الكمال المسيحي ليسند التائب ويدعم جهاده .والله « كامل» وفي كماله يمنح السلام الكامل القادر على النصرة ومتابعة الجهاد في كل موقع من مواقع الحرب المريرة التي يشنها الشيطان على التائبين . وسلاح الله الكامل يعطی کهبة للتائب للمقاومة ضد إبليس،والمقاومة ضرورة لمن يتعرض للهجوم. ولكن كيف يقاوم التائب دون سلاح يحمله ؟!! والذي نلاحظه أن الله حتى في صراعه مع الشيطان لا يهاجمه، ولا يعطى أولاده التائبين أسلحة هجوم.. فهو لم يسعى إلى لقائه فوق جناح الهيكل، لكن الشيطان كشرير هو الذي بدأ الهجوم والتجربة، وحينما بدأ قاوم وانتصر..

ياعزيزي إن أسلحة الكمال المسيحي لا تستعمل في الهجوم على الشيطان، ولا ينبغي إستخدامها لذلك. فالتائب الذي يشعر بضعفه كيف يهاجم الشيطان ؟! لذلك كان أبا أنطونيوس حينما تحاربه الشياطين يقول لهم « أني أصغر عن أن أقاتل أصغر أصاغرکم! » وكان بهذا وحده يغلب.

لهذا يقول الإنجيل «قاوموا إبليس فيهرب منكم» (یع ٤ :٧). وحمل السلاح الكامل يعطى القدرة على المقاومة في اليوم الشرير الذي يسلط الشيطان فيه شره على التائب. وإن كان سلاح الله الكامل يوهب للمقاومة، فهو نعمة لثبات التائب غير متزعزع بل مكثر في فعل التوبة. والثبات في المسيح هبة يقبلها التائب الذي يحمل السلاح ويتمم كل مقتضیات حمله على أكمل وجه.. فالجندي الذي يحمل السلاح ولا يستخدم طلقاته كيف يثبت أمام عدو مقاتل يقذفه بوابل من النيران ؟! وثباتك ياعزيزي التائب هو في إستخدامك السلاح الكامل لله إستخداماً صحيحاً كل أيام حياتك .كيف يكون هذا الإستخدام صحيحاً؟ هذا ما نود أن تكشفه نعمة الله لك ولضعفی الآن.

( ١ ) سر القربان المقدس :

في اليوم الأخير من حياة الرب يسوع بالجسد على الأرض، جمع تلاميذه حوله في العلية وسلم الكنيسة سراً من أسرار الثبات فيه .. إذ « أخذ يسوع خبزاً وبارك وأعطاهم وقال خذوا كلوا هذا هو جسدي. ثم أخذ الكأس وشكر وأعطاهم فشربوا منها كلهم وقال لهم هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يسفك من أجل كثيرين » (مر ١٤: ٢٢،٢٣) وهو الذي سبق فقال لهم على مرأى من اليهود: « الحق الحق أقول لكم إن لم تأكلوا جسد إبن الإنسان وتشربوا دمه فليست لكم حياة فيکم. من يأكل جسدى ويشرب دمي فله حياة أبدية وأنا أقيمه فى اليوم الأخير. . لأنجسدي مأكل حقیقی ودمی مشرب حقیقی، من يأكل جسدى ويشرب دمي يثبت في وأنا فيه» (يو ٦ :٥٣- ٥٦). هذا السلاح المقدس للثبات يلبسه التائب بلهفة وشوق مثل شوق الجندي إلى طعامه وهو في حلبة الميدان . والتائب يسرع إلى المذبح يلتف حوله ويسجد في خشوع ينادي المسيح في سر القربان وهو يذكر أثر المسامير في يديه والحربة في جنبه « يا جراح المسيح إجرحيني بحربة الحب الإلهي. يا موت المسيح أسكرني بحب من مات من أجلی». وحينما يرتشف من كأس الحياة قطرة ينادی «یا دم المسيح طهرنی من كل خطية .. يايسوع حبيبي إذا رأيتني عضواً يابساً رطبني بزيت نعمتك وثبتني فيك غصناً حياً أيها الكرمة الحقيقية » إن التائب في مذاقه الروحي لسر القربان المقدس يستطعم مذاقة النصرة التي صنعها الرب يسوع فوق الجلجثة. فيتقدم إليه في كل وقت مناسب يلق في مذاقة النعمة وحلاوة حب المخلص أن تثبته وهو واقف في صراعه مع الشيطان . والتناول من جسد الرب ودمه الأقدسين دواء يتعاطاه التائب لكي في ذبيحة الرب يكمل نقائص جهاده وضعفاته، كما ينال القوة الخفية التي تشعل في قلبه شوق الأبدية ولذة الجهاد ضد الخطية. والدواء إستحقاق للمريض الذي يشعر بمرضه ويطلب الشفاء. لذا جعلت الكنيسة هذا السر متمماً لسر الإعتراف، إذ بعد أن يقدم التائب إعترافه لله وللكنيسة تلزمه بضرورة التناول للثبات في المسيح. بلوتحذره أيضاً في قانون کنسی صریح «الذي يمتنع عن التناول أربعين يوماً يحرم نفسه بنفسه من الكنيسة » ! ومن خلال صلوات الليتورجيا التي يتقدس أثناءها القربان يشاور التائب الله في كل محارباته، ويطرح ضعفه أمام لاهوته الكامل على المذبح..مستعيناً بشفاعات الكنيسة المنتصرة من أرواح القديسين الذين نلاقيهم خلال الليتورجيا روحياً ، وطلبات الكنيسة المجاهدة وعلى رأسها الشفيع الخادم لسر القربان .

یاعزیزی التائب لا تهمل دعوة تثبيت جهادك بسر القربان. بل في لهفة قل له: «حتی یارب لو كنت مكسوراً في جهادي فإني بين يديك .. تستطيع أن تحول من إنكساري إشباعاً لنفسي ولجموع من التائبين مثلی، تماماً كماإنكسرت بين يديك الخمسة خبزات فحولت إنكسارها إلى إشباع لخمسة آلاف رجل عدا النساء والأولاد..  يا إلهي حتى ولو أني مكسور في جهادی، منهزم في صراعى مع الشيطان.. لكني أختار الإنطراح بين يديك وأنت قائم بملء لاهوتك فوق المذبح، لكي تحول إنكسارى إلى إشباع وتعزية لنفسي وإختباراً وبنياناً لكنيسة المجاهدين التائبين » . ومن خلال عشرة المذبح، وثبات سر القربان يستطيع التائب أن يقول في أوج الصراع مع الشيطان « ثابت قلبي يالله» (مز ٥٧: ٥، ١٠٨: ١). ويستطيع الذين من حوله أن يقولوا أن «قلبه ثابت متکلاً على الرب» (مز ۱۱۲ :۷) الذي يحل في أحشائه فيمتزج کل کیانه بنصرته .

(۲) سر الصلاة :

لم نرى أبلغ تعليم أعطاه الرب يسوع لنا، وهو يجتاز صراعنا مع الشيطان « مجرب في كل شيء مثلنا بلا خطية» (عب ٤ : ١٥)، وهو يرى كأس إثم العالم كله ماثل قدامه ليتجرعه إلا أنه إنفصل عن تلاميذه « نحو رمية حجر وجثا على ركبتيه وصلی » (لو ۲۲ :٤١) . فلم يكن وهو إله يحتاج لصلاة، لكنه رسم أمامنا فى جهاده مع الشيطان أن نصلي، وقال عن الشيطان « هذا الجنس لا يخرج بشيء إلا بالصلاة والصوم»  (مت ۱۷ :۲۱، مر ۲۹:۹). ولا يوجد شيء يقاومه الشيطان في حياة التائب مثل مقاومته للصلاة والتحلل من ارتباطاتها بشتى الأعذار والحجج المنطقية .لكن التائب يقف يصلي لأنه يعلم أن الصلاة هي الوقوف قبال الله وشكوي النفس والخطية أمامه.. وهي سند سماوی ضد جنود الشر الروحيين.. لقد ظهر ليسوع وهو يصلي (ملاك من السماء يقويه) (لو٢٢: ٤٣)، ولم يكن وهو الله القوى في حاجة إلى قوة ملاك.. لأن الملاك يستمد قوته من الله .. بل ليظهر للتائبين أن الصلاة يعقبها مؤزارة من السماء وقوة تسند في الجهاد. لهذا يسرع التائب نحو الصلاة، وبيت الله بيت الصلاة .. کالأيل العطشي الذى إذ يرى الماء يجري.. ويحترم كل ميعاد للصلاة يرتبه لنفسه، أو ترتبه الكنيسة للمؤمنين، إحترام أجل وأقدس من إحترامه لمواعيده مع العظام من الناس. والتائب لا يبحث عما يصليه لأنه يصلي «بكل صلاة وطلبة» محفوظة أو مقروءة أو ملحنة أو مرتجلة.. إن كل صلاة عنده يستطيع أن ينفذ منها ليحدث الله عن ضعفاته. فهو لا يعرف نوعاً من الصلاة.. بل يتعلم في مخدعه صلوات المزامير، وصلوات التسبحة اليومية، وصلوات إرتجالية.. إنه يعرفها جميعاً ويستخدمها كلها لأن في كل منها فرصة لقاء مع قائد جيش الخلاص في الصراع مع الشيطان . والتائب في إستعماله كل صلاة وطلبة لا يشعر بملل أو تعب لأنهاتحوى عنصر التجديد الذي يشبع حاجة الإنسان دائما للجديد.. وهو لذلك يصلي« كل وقت في الروح ».. قلبه وذهنه منشغلان بالصلاة كتعبير عن حبه لله الذي يقاتل عنه.. ولا يجد في المناسبات الكنسية فرصة التهريج أو كما يقال الفرفشة لأنه في كل مناسبة يصلي بالروح، ويقتل ذكريات المناسبات في فهم روحی، ورفع قلبي لذاته أمام الله ..والتائب وهو يرى في الليل خير صدیق، يحوله إلى نهار بالسهر

واليقظة… فيجد فيه مشابهة للرب يسوع الذي كان يقضي « الليل كله في الصلاة » (لو ٦ : ١٢). فيرتب لنفسه ليال للصلاة إما فردياً أو بمصاحبة تائبون آخرون، يجدون في هدوء الليل وسكونه وضوح صوت الله المعلن للمجاهدين . « أصلي بالروح وبالذهن أيضاً أرتل بالروح وأرتل بالذهن أيضاً » (۱ کو ١٥:١٤). لقد كان يسوع يقول لتلاميذه دائماً « لماذا أنتم نيام، قوموا وصلوا لئلا

تدخلوا في تجربة» (لو ٢٢: ٤٦) . والكنيسة إذ تسمع هذا النداء دوماً، ترتب لأولادها تداريب سهر جماعية تعودهم فيها على سهر الليل للصلاة.. مثل أوقات شهر كيهك وليلة أبو غلمسيس.. وكأنها تنادي بالإنجيل في صمت التدريب « واظبوا على الصلاة ساهرين فيها» (کو ٤ :۲) . والتائب، الذي عرف قوة هذا السلاح، يواظب على الصلاة مواظبة دورية، مهما كانت حالته … في المرض والصحة، في الضعف والقوة، في الفرح والحزن، في التعزية والفتور، في التركيز والتشتيت.. في كل حال يصلی، لا لطلب تعزيات الصلاة فقط بل لحبه للوقوف بين يدي من أحبه، وكالطفل الذي يقف بين يدي أبوه يتراءى قدام الله سنده ومعينه في التوبة سواء حصل على تعزية أم لم يحصل. إن التعزية ليست هدفه إنما هدفه هو قول إيليا النبي: «حي هو رب الجنود الذي أنا واقف قدامه». والتائب الذي يسلم ذاته للنعمة في إستخدام سلاح الصلاة يعطيه الرب فيضاً من التعزيات والمواهب، لا تعتمد على إستحقاقه الخاص بقدر ما تعبر عن محبة المسيح للخطاة التائبين .. ومن أمثلة ذلك هبة الدموع التي صارت كينبوع من عيني المرأة الخاطئة وهي تمارس التوبة عند قدمی يسوع حتى إستدعى الأمر منها أن تنشف قدمی يسوع بشعر رأسها . وهي الهبة التي صنعت أخاديد واضحة على وجه أبا أرسانيوس معلم أولاد الملوك، وهي التي طلبها أرميا النبي بوفرة «ياليت رأسي ماء وعینی ينبوع دموع»..وحينما لا يعطي التائب هبة الدموع يقول الله: إن حرمتنی من دموع عيني فأهلنی یارب أن أشتری دموع المساكين .إذ يبحث التائب عن المكروبين والمذلين والمرضى والمسجونين يشحذ منهم دمعة تجد نصيبها في صلاة التائب.. فيقف ولجميع القديسين والمتعبين مكاناً في صلاته، يذكرهم كمن يذكر شرکاء له في التوبة والجهاد والمجد معاً … ويرى أن ذلك أبلغ تعبير لحب المسيح تجاههم.. ويكفي أن حب التائب للمتعبين والطلبة من أجلهم تثبته في جهاده وتحفظه في توبته « من يحب أخاه يثبت في النور» (١يو ٢: ١٠). والتائب حينما يصلي يستعمل السجود الروحي علامة شكر لله الذي يعينه ويسنده ، وعلامة تذلل عما إقترفه من إثم واجب الندم والمسكنة..

وكلما إزداد تذوقه لحلاوة التوبة كلما إزداد نموه في ممارسة السجود نوعاً وكماً بدون إفتعال أو تكلف.

(٣) سيف الروح

الذي هو «كلمة الله » (أف ٦: ١٧)، وهو ذات السلاح الذي إستخدمه سيدنا يسوع في صراعه مع الشيطان فوق الجبل. فلم تكن إجابات الرب يسوع عليه سوى فقرات من الناموس الذي أعطاه لموسي

(تث ۳:۸، مت ٤: ٤)، (تث ٦، ١٦، مت ٤ :۷ ، تث ٦ : ١٣ ، مت ٤: ١٠). وقد وضع الرب يسوع حفظ كلامه علامة لحبه، ووسيلة للثبات في معرفته « إن حفظتم وصایای تثبتون في محبتی» (يو ١٥ : ١٠). إن التائب يلازم الكتاب المقدس، والكتاب المقدس يلازمه في كل مكان وكل زمان . لأنه يعرف أن كله « موحى به من الله» (۲ تی ٣ : ١٦) (۲بط ۲۱:۱)، وإنه حينما يلازم الكتاب يسير مع الله … والذي يسير مع الله يختبر ما إختبره أخنوخ البار الذي قيل عنه « ولم يوجد لأن الله نقله»  (تك ٥ : ٢٤). ويفهم كلامه كما يفهمه تلميذی عمواس حينما كان يمشي معهم يسوع مفسراً إذ «إبتدأ من موسى ومن جميع الأنبياء يفسر لهما الأمور المختصة به في جميع الكتب» (لو ٢٤ :٢٧) . والتائب يلازم الكتاب المقدس يومياً كغذاء تقوى به نفسه يدرس فيه ويأمل الله المحب في كل كلمة من كلماته حتی أسماء المدن وأسماءالأشخاص وأسماء الجبال يجد فيها لقاء صادق مع الرب يسوع..

وهو لذلك يحرص على ميعاد ثابت يومي، يكون فيه يقظ الذهن و صحیح البدن، ليسمع فيه تعزيات الله الكثيرة .. والتائب مع شدة القتال وضرورة الصراع مع الشيطان ربما يجرح، فيجد في كتاب الله المقدس ما يعصب جرحه ويضمد کسره. «عند كثرة همومي في داخلی تعزياتك تلذذ نفسی» (مز ٩٤ : ١٩) فيقول حتى في سقوطه «وجدت كلامك فأكلته، فكان كلامك لي للفرح ولبهجة قلبي» (أر ١٥،

١٦). والتائب يجد في الكتاب المقدس المبادىء المستقيمة للحياة، والسبل الشريفة في الجهاد.. يأخذ منه روحاً تميز الغث من الثمين، ونوراً يستضيء به فکره وضميره « سراج لرجلي كلامك ونور لسبیلی » (مز ۱۱۹ :١٠٥).  « لأن كلمة الله حية وفعالة وأمضى من كل سیف ذی حدین وخارقة إلى مفرق النفس والروح والمفاصل والمخاخ ومميزة أفكار القلب ونیاته» (عب ٤: ١٢). لذلك يستعمل هذا السيف ليقطع عنه كل المبادىء الغريبة والتعاليم الردية التي يبذرها الشيطان لضلال التائب. ويحس أن إستعماله في ظروف الحياة كلها سر للنجاح وطاقة للنصرة . لهذا تجد التائب يجهد نفسه في فهم آيات الكتاب المقدس، ويباشر بنفسه بحوثاً ودراسات تهدف إلى تمكين روحه من إنطلاقها نحو الأبدية. وقد يقضي الليل والنهار في ذلك، فيقضيهما بمسرة وشغف. إنه يصنع مثل من طوبه داود النبي فقال «طوبی للرجل الذي في ناموس الرب مسرته، وفي ناموسه يلهج نهاراً وليلاً .. كل ما يصنعه ينجح» (مز ۱ : ١ ،۳). وحتى إن سقط وعثر يرجع للكتاب فيجد فيه إصلاحاً لطريقه وعودة للنصرة «لا يبرح سفر الشريعة من فمك.. حينئذ تصلح طريقك وحينئذ تفلح » (يش ١ : ٨) . التائب يحفظ كثرة من كلام الكتاب المقدس حفظاً غيبياً،  وفي كل أحاديثه يجتر ما قد حفظه من كلام الله ..ليس الحفظ لكلمات الكتاب فقط، بل ولروح الكتاب أيضا. فالتائب يأخذ من الكتاب يومياً آية أو أكثر تتلامس مع حاجته للتوبة ويمارسها ممارسة عملية طوال اليوم. يضعها نصب عينه طول النهار لكي تنطبق فيه كلمة الرب « الكلام الذي أنا أكلمكم به هو روح وحياة» (يو ٦٣:٦). ولذا نعجب من أبا صرابمون حينما لاقاه شحاذ وطلب صدقة فلم يجد غير إنجيله بيده فأعطاه له يبيعه ويأخذ ثمنه صدقة، ولما مر به طالب آخر لم يجد غير ثوبه فخلعه وسار عرياناً. وإذ لاقاه تلميذه إندهش وقال له ما الذي عراك ياأبي ؟ أجاب أباصرابمون: الإنجيل ياولدي.. فقال تلميذه وأين هو؟

أجابه صرابمون: كان يقول لي إذهب بع كل ما لك وتعال إتبعني ؟!! لذا سيقضي التائب عمره يجتر کلام الله ولا يشبع لأن في كل يوم سيجد میداناً جديداً لكلمة الله في حياته، حتى اليوم الذي تصبح كلمة الله ناطقة في كيانه وكلامه بل وفي صمته أيضاً. فيصبح التائب ذاته سيفاً يرهبه الشيطان، تنكسر به كل قتالاته الردية . وكما أن التائب في سماعه أو قراءاته أو دراسته لكلمة الله يكون جزعاً وورعاً ومرتعداً «من كلامك جزع قلبی»  (مز ۱۱۹ :١٦١) نجده هو يتحول كحامل کلمة الله رعب للشيطان وذعر لمجمعه الرديء، لهذا يكتب ماريوحنا رسالته ويقول: «كتبت إليكم أيها الأحداث لأنكم أقوياء وكلمة الله ثابتة فيكم وقد غلبتم الشرير» (١ يو ٢ :١٤).

إن أنبا أنطونيوس الذي سمع عبارة واحدة من الكتاب المقدس أثناء القداس الإلهي « إذهب بع كل مالك وتعال إتبعني» إذ حولها إلى حفظ حقیقی بمعيشته الرهبانية وإنفراده الصادق المتوحد صارت الشياطين تفزع منه وترهبه، حتى أن مجرد ذكر إسمه كان يخرج الشياطين من المرضى بالأرواح النجسة !..

(٤) منطقة الحق

إن سيف الروح الذي يحمله التائب في قتاله مع الشيطان لا يمكن حمله بسهولة ويسر إن لم يتمنطق التائب بمنطقة الحق.. لذلك قال ربنا يسوع لتلاميذه «لتكن أحقاؤكم ممنطقة…» (لو ۱۲ :٣٥) والمنطقة التي يحملها التائب تشد حقويه بالحق، «حق الإنجيل» (غل ٥:٢، ١٤) الذي رآه مار يوحنا الحبيب في شخص الرب يسوع فقال عنه أنه «متمنطقاً عند ثدييه بمنطقة من ذهب» (رؤ۱۳:۱). فالتائب الذي تقابل مع الرب يسوع مقراً بأفعاله أمام الكنيسة يخرج من حجال الله ليقول: «حللت مسحي ومنطقتنى سروراً» (مز ۱۱:۳۰). لأن التوبة في حياته جعلت يسوع الممنطق بمنطقة ذهب علامة الملك، يملك على قلبه وأفكاره وسلوكه فيعلن حق الإنجيل كما هو . إن التوبة في حياة التائب تعطيه إستنارة قلبية وفكرية لا حد لها وتعلن أن ابن الله قد جاء « وأعطانا بصيرة لنعرف الحق» (١ يو ٥ :٢٠)، تجعله يعلن الحق في حياته أولا فيعيش كما يحق لإنجيل المسيح (في ١ : ٢٧). فيكون التائب بحياته شاهداً للحق، لا يخشى أن يقول الحق مهما كان ثمن كلمة الحق .. فالمسيح الحق الذي فيه لا يمكن أن يكون مخبئاً تحت ستار مبررات واهية تستر الباطل في خداعه وضلاله. لكنه حينما يقول الحق، يقوله كطبيب.. لا ليجرح ويشهر لكنه ليداوی ويصلح ويكسب أصدقاء جدد للحق. فالحق في التائب يعلن بالهدوء واللطف .. وحينما يقول التائب الحق، أو يكتبه، أو يجريه بالقضاء بين الناس يستعد لإحتمال المتاعب والآلام التي يفرضها سلطان الباطل وكل أتباعه على التائبين المتمسكين بالحق..إن لبس المنطقة في حياة التائب لا يكفي أن تكون موضوعة على عقوية بل أن تكون «مشدودة» ، فهو لا يلين في مباديء الحق مهما كلفه الأمر من مشقة. يظل متمسكاً بها حتى ولو دفع حياته ثمناً لأجلها. « ومن أضاع حياته من أجلي يجدها» . إنه يحفظ الحق، ويعلنه في قوة لا تعرف الإستضعاف، إنها القوة التي تجعل المقاتل يقظا على الدوام مستعداً للقتال. إن التائب في صراعه مع الشيطان يصرخ صرخة الفدائيين في ميدان القتال الروحي يشهد بالحق « الإله الذي يمنطقني بالقوة ويصير طریقی کاملاً.. تمنطقني بقوة للقتال، تصرع تحتى القائمين علىّ» (مز ۱۸ :۳۲، ۳۹) . وإن كانت المنطقة الذهب التي تعبر عن تملك الرب يسوع لحياة التائب. فإن المنطقة يمكن أن تكون من الجلد، مثلما كان يلبسها يوحنا المعمدان(مت ٣ :٤ ، مر ١: ٦) ، وهنا تعبر عن تمسك التائب بحق النسك في حياته .إن التائب يقبل على الأصوام العامة في الكنيسة، والخاصة المرتبة قانونياً لجهاده، ويتمسك بها في قوة لأنها تحمل له فرص صفاء النفس والذهن الكافية لإحقاق الحق في حياته ووسط العالم. « لذلك منطقوا أحقاء أذهانكم صاحين» (١  بط:۱۳). إنه في قوة المقاتل يأبي القنية، ويتحلل حتى من النحاس الواجب توفره في المنطقة.. لئلا يعطله في السعي ويشغله عن خلاص نفسه. لعل لهذا قال ربنا للتلاميذ «لا تقتنوا ذهباً ولا فضة ولا نحاساً في مناطقكم»

(مت ۹:۱۰، مر ٦ : ٨). وإن كانت له قنية ما يستعملها لمجرد الإستعمال وليس لحب الإقتناء والإكتناز.. «فأقول هذا أيها الأخوة: الوقت منذ الآن مقصر لكي يكون الذين لهم نساء كأن ليس لهم.

والذين يبكون كأنهم لا يبكون، والذين يفرحون كأنهم لا يفرحون، والذين يشترون كأنهم لا يملكون، والذين يستعملون هذا العالم كأنهم لا يستعملونه. لأن هيئة هذا العالم تزول. فأريد أن تكونوا بلا هم» (١ كو ۲۹:۷-۳۱) . هناك نوع آخر من النسك يحتاجه التائب، هو نسك العفة التي بدأ في منطقة الكتان النقي – رمز العفة – والتي رتب الله بنفسه أن يلبسها هرون الكاهن حينما يكهن ويقف أمامه (لا ٦: ١٤). فالتائب الذي سلم زمام حياته للمسيح ليملك، ينعتق من أسر إبليس ويتحرر حرية كاملة تبدأ من داخله بحرية العفة التي يمثلها الكتان.. « تعرفون الحق، والحق يحرركم» (يو ۳۲:۸) . إنه في المسيح يتمتع بحرية أولاد الله، الحرية الكاملة التي يقول معها « كل الأشياء تحل لی»، لكنه في تمنطقه بالكتان يمارس حرية العفة التي تعفف عما بدنس النفس والجسد فيتبع مفهوم الحرية الكاملة في نطاق البنوية الكاملة لله « كل الأشياء تحل لي، لكن ليست كل الأشياء توافق» (١ کو ٦: ١٢). ولهذا فإن الحق الذي يمنح الحرية للتائب يمنحه أيضاً قوة لئلا تصبح الحرية سترة لممارسة الشر.. «فاثبتوا إذاً في الحرية التي قد حررنا المسيح بها ولا ترتبكوا أيضاً بنیر عبودية .. فإنكم إنما دعيتم للحرية أيها الأخوة ، غير أنه لا تصيروا الحرية فرصة للجسد» (غلا ٥ :۱ ، ۱۳). فالتائب يتمتع بحرية كاملة «كأحرار وليس كالذين الحرية عندهم سترة للشر بل کعبید الله » (١ بط ٢: ١٦). ولذلك فهو يمقت كل وسيلة للنجاسة، ويتنازل عن كل صداقة تجره للدنس، ويعتبر ذلك ليس نوعاً من الكبت يعيشه بل هو حالة إنعتاق من الخطية وحرية كاملة للعفة التي أحبها الله ووشح التائب بها. بذلك وحده يثبت التائب في جهاده، ويتأكد أنه سيقف دائما قبالة الله مسانداً بقوة نابعة من حب الله للعفة والأطهار.. «الطهارة التي بدونها لن يعاين أحد الرب» . « هذه هي إرادة الله قداستكم: أن تمتنعوا عن الزنا، لأن الله لم يدعنا للنجاسة بل في القداسة» (تس ٤: ٣، ٧) . «وأما أنتم فلم تتعلموا المسيح هكذا. إن كنتم قد سمعتموه وعلمته فيه كما هو حق في يسوع أن تخلعوا من جهة التصرف السابق الإنسان العتيق الفاسد بحسب شهوات الغرور. وتتجددوا بروح ذهنكم وتلبسوا الإنسان الجديد المخلوق بحسب الله في البر وقداسة الحق» ( أف ٤: ٢٠- ٢٣). العفة في حياة التائب شعلة من الحب نحو الله، يستنير بها جهاد التائب، ويتقدس بها كأنها ذبيحة يمارس بها ذبح كل ميل بطال وكل صداقة معثرة، وكل قراءات دنسة.. ولا شك أن كل ذبح يمارس يرافقه الألم والوجع والتنهد، وألم العتق من النجاسة أي حرية العفة هو البخور المتصاعد من ذبيحة الحب التي يقربها التائب لله على مذبح قلبه وجسده .

والخلاصة ياعزیزی:

إن التائب الذي إلتقى بيسوع المتمنطق بالذهب، وجعله ملكاً على حياته، يملك زمام نفسه فيتمنطق بمنطقة النسك المقدس ليمارسه بحب الله وانعتاق من العبودية وحرية تعفف كل ما يدنس النفس والجسد.

(٥) حذاء الإستعداد

الإبن الضال عندما عاد إلى بيت أبيه، ورجع إلى التوبة جعل الأب «خاتماً في يده، وحذاء في رجليه» (لو١٥ : ٢٢) .هذا الحذاء كان يعني بالنسبة للإبن التائب حالة من التأهب الدائب والإستعداد المستمر لتلبية كل مهام يكلفه بها الأب.هذا ما جعل الرب يقول لبني إسرائيل وهم يستعدون لعبور البحر الأحمر في طقس خروف الفصح أن «تأكلونه وأحقاؤكم مشدودة وأحذيتكم في أرجلكم» (حز ۱۱:۱۲) لكي عقب عشاء الفصح وضربة الملاك المهلك يحذون أرجلهم لعبور عظيم. ولعل لهذا السبب نفسه يقول مار بولس « حاذين أرجلكم بإستعداد إنجيل السلام» (أف ٦: ١٥). فالتائب تجده دائماً يذكر الخمس العذارى الحكيمات، إذ يشتاق أن يدخل في عرس الختن الحقيقي يستعد – مثلما إستعدت أولئك الحكيمات  إستعداداً يؤهله أن يدخل مع العريس في عرس حقیقی . ولذا فالإستعداد عند التائب يحميه من عنصر المفاجأة التي تقود إلى هزيمة مرة لغير المستعدين. فهو يعلم أن أكثر الحروب الروحية يشنها عدو الخير على التائب معتمداً على هذا العنصر إذ يباغته بما لم يستعد له باطنياً فيسقطه بسهولة ويسر. والتائب ينظر لفعل الشيطان ويضحك كما تضحك المرأة الفاضلة على

الزمن الآتي (أم ٣١ : ٢٥) لأنها سبق فأعدت حلل الشتاء قبل الثلج، وطعام الصباح أثناء الليل. إنه يتعلم من النملة التي ليس لها قائد أو عريف أو متسلط لكنها « تعد في الصيف طعامها وتجمع في الحصاد أكلها» (أم ٦: ٦- ٨) .التائب، قبل كل عمل روحي أو إداري أو إجتماعي يعد نفسه إعداداً أميناً يحميه من مفاجآت الحروب والتكتلات والشقاقات التي يبذرها عدو الخير وسط النائمين غير المستعدين. وحينئذ يكون مستعداً أن يسمع صرخة كل مقاتل مثله، وأنين كل متعب نظيره، فإستعداده يؤهله أن يسمع لصراخ المساكين، ويكفف دموع العاثرین . إن التائب مستعد لكل نداء إلهي ينطق في باطنه في يقظة مستعدة لأن تسمع وقع الأقدام من بعيد وحفيف الأشجار أثناء الليل.. إنه يقول دائما

« تكلم يارب فإن عبدك سامع». تجده أيضًا مستعداً لمجاوبة كل من يسأله عن سبب الرجاء الذي فيه (۱بط ٣ : ١٥)، مجاوبة اليقين والإختبار لا مجادلات العلم والفلسفة وقباحات المباحثات الردية.. يبحث ويدرس ويقرأ ويختبر، فإن أجاب يجيب عن عام وإختبار معاً. الإستعداد لأنه يرى فيه تزكية له حينما يقف موقف الإتهام أو يطلب للدينونة . وهو لذلك يرى الموت أمامه كل يوم، لا يرهبه.. بل ليذكره أنه في الحد الفاصل بين الغربة المتاح له أن يعمل فيها ويثمر قبل أن ينتقل إلى مكان الإستيطان. حيث هناك يرقد وأعماله تتبعه (رؤ ١٤ : ١٣). إنه يرى الموت أمام عينه على الدوام فحتى حينما ينام في الرب لا ينام نوم الموت، بل نوم الأحياء الذين يسمعون صوت الرب يسوع:  «ها أنا آتی سريعاً وأجرتی معی وسأجازی كل واحد كما يكون عمله » (رؤ٢٢: ١٢). لذا قال الرب لتلاميذه: «کونوا أنتم أيضاً مستعدين لأنه في ساعة لا تظنون يأتي إبن الإنسان » (مت ٢٤: ٥٥، لو ١٢: ٤٠). إنه لا يقول قول بطرس بإنفعال العاطفة « يارب إني مستعد أن أمضي معك حتى إلى السجن وإلى الموت» (لو ٢٢: ٣٣)، لكنه يحسب نفقة المضي معه، وحمل الصليب وراءه.. فيأتي في فهم المسئوليته وتحديد واضح لإرتباطاته يقف خلف السيد ويقول «لست أهلاً لأن أدعي رسولا» (١ کو ١٥ :۹) وقوتك يارب في ضعفي تكمل. لذلك لا نستغرب أن بعض التائبين يضعون في مخادعهم جماجم أموات، أو صور لجماجم أموات، يزورون قبور الأموات ويجلسون عندها لا للنحيب العاطفي بل للإستعداد الباطني بالتوبة للحظة الموت .والتائب الذي يقضي كل زمانه في حالة إستعداد، هو التائب الذى يستثمر المواهب الفياضة التي لوزنة العقل، والتي بها يدبر الإنسان خلاصه . فالإستعداد بالنسبة للتائب يوفر عليه مشقة الإرتجال في الأمور وما يتبع ذلك من مشقة تصحيح أخطاء الإرتجال بكل ثقلها وأتعابها. إن الإستعداد يجعل التائب يحدد طاقته بتعقل، ويحسب نفقة كل شيء، ويتصرف في كل الأمور على قدر طاقته.. إن التائب تجده «یرتیء إلى التعقل» (رو ۳:۱۲) في تدبير خلاصه وخلاص الذين من حوله «لکی يهيیء للرب شعباً مستعداً».

یا عزیزی التائب.. إنك أحد الجنود في جيش التائبين، لعلك واحد من أولئك الثلاثين ألفاً الجبابرة في البأس الذين أوصاهم يشوع حينما أرسلهم ليلاً لضرب عاى قائلاً «انظروا… وكونوا كلكم مستعدين» (یش ٨: ٤) . إنه نداء للتائبين مهما كانت مواقعهم في الكنيسة. أن يكونوا كلهم مستعدين .. يا إلهي أعطني أن أكون مستعداً ليوم الزفاف الإلهی، حتى إن نمت بالجسد تكون لي يقظة القلب المبصر..

(٦) ترس الإيمان

«الترس» أداة من أدوات الحرب، إستخدمت كأقدم أداة عرفها الإنسان في حروبه (راجع تك ١٥: ١ ، مز ٥: ١٢).وأحياناً كان يصنع الترس بجملته من الذهب أو النحاس أو كان يغشی بطبقات سميكة منها (۱مل ١٤: ٢٦، ٢٧)، وكأنه يحفر عليها صور ونقوش مختلفة. أما من جهة حمله فكان يحمل على الذراع اليسرى، وكان يعلق أحياناً في العنق. وكان سطحه محدباً لمنع الأسهم من خرقه، بينما كانت حوافيه ملبسة بصفائح من الحديد تمكيناً له ووقاية له من فعل الرطوبة إذا ألقي على الأرض. وفي زمن الحرب كانت نصف الأتراس في خط مستقیم لتكون حاجزاً عاماً.. وكانت خسارة الترس في ساحة الحرب عاراً عظيماً، ولا سيما عند الرومانيين الذين كانوا يعدون خسارته أكبر الجرائم الحربية حتى أن أمهات المقاتلين كن يشجعن أولادهن تأهبهم للحرب بإشارتهن إلى الترس وقولهن: « إما به، أو عليه» . هذا الترس الحربي إستعاره مار بولس الرسول ليضع الإيمان عدة لازمة  في جهاد التائبين فقال: «حاملين فوق الكل ترس الإيمان الذي به تقدرون أن تطفئوا جميع سهام الشرير الملتهبة» (أف ٦: ١٦). إن الإيمان يحمل النصرة للتائب، فيراها حقيقة قائمة حتى وهو في أشد أوقات القتال ضراوة. فهو الذي يعطي التائب بصيرة روحية فيرى في زمان القحط سحابة الإيمان مقبلة حاملة أمطار من التعزيات تجعل غرس الرب في حياته . وحينما يقولون للتائب ليس لك خلاص كفاك تعب، يقف قبالة الله ويقول: «أما أنت يارب فترس لی، مجدي ورافع رأسی» (مز ٣: ٣). ويخرج من أمام الله يعيش في تصديق مطلق و کامل لوصايا الله التي تتحول في حياته كتائب إلى واقع معجزى يفوق ما طلبه أو إفتكر فيه. والتصديق يعقبه طاعة، مثلما أعقب تصديق إبراهيم لله أنه أمسك السكين ليذبح وحيده.. والطاعة يمارسها التائب فتذلل أمامه حتى الطبائع المفترسة والشرسة.. «إن الطاعة والإتضاع تخضعان لنا الوحوش ». والتائب في كل ممارساته الروحية لا يستخف بسذاجة منظرها الخارجي، بقدر ما يدرك القوة الخفية المذخرة في كل وسائط النعمة وأشباه الأسرار

« کرسم الصليب » أو تناول لقمة الأولوجية.. فيقدم على ممارستها في وقار وطاعة إيمانية كاملة.

التائب يمارس بالإيمان تداريب روحية للتقوى «يدرب فيها ضميره لكی يكون بلا عثرة أمام الله والناس» (أع ٢٤: ١٦).ويواظب على هذه التداريب بتدقيق وحرص شديدين.. ومع ذلك فهو لا يتكل على أحدها إنها تخلصه أو تؤهله للملكوت. لكنه يؤمن أنها بالإيمان تنقل معونة الله الرأسية إلى حركة أفقية دائبة النشاط في حياة التائب، فتصير هذه الممارسات الإيمانية أدوات بناءة لحياته وحياة الذين من حوله أيضا. فالحرب بدون سلاح لا تصلح، والسلاح وحده بدون حرب، وبدون إنسان مدرب على إستعماله جيداً لا يمكن أن يجلب النصر… إن الإيمان كعطية الله ترس لحفظ الإنسان ، التداريب كجهاد يتمركز حول النعمة يجعل النائب المدرب روحياً دائم النصرة في صراعاته مع الشيطان فيخرج بعد كل مواجهة مع الشيطان ووسط جمهور التائبين يترنم « طوباك يا إسرائيل. من مثلك يا شعباً منصوراً بالرب ترس عونك » (تث ٣٣: ٢٩).

(۷) خوذة رجاء الخلاص

الخوذة كانت إحدى القطع اللازمة للمقاتل في الحرب يضعها على رأسه، وكانت تصنع من الجلد أو النحاس كالتي وضعها داود على رأسه في قتال جليات (۱ صم ۱۷ : ۳۸)، وكانت تزين قمتها غالباً بعرف أو ریش . وإذا تأملت الرأس على المقاتل في الحروب أدركت يقيناً أن الخوذة كانت أول سلاح دفاعي يحرص المقاتل على حمله. وأخطر ما يتعرض له التائب أن يصيبه الشيطان بضربة يأس أو تشكك مريض.. تجعله يفقد رجاء خلاصه بالله، فيسقط في هوة عظيمة من اليأس لا نسمع بعدها قيام . إن الرجاء الذي يضعه التائب أمام عينيه، هو عين الرجاء الذي نظره الزناة والعشارين وقساة القلوب فخلق منهم قديسين تائبين منتصرين . إنه يجعل التائب في ثقة أن الله قادر حتى على الإقامة من بين الأموات ويستطيع أن يبدأ معه من حيث استطاع الشيطان أو العالم أو شهوات الجسد أن تسقطه. فإن كان الشيطان لديه قدرة السقوط، حتى يطرح أرضاً من كان في علو الفضيلة وسموها فكم بالأكثر تكون قدرة الله أن ترفع إلى الثقة والبنوة بمقدار أعلى وأسمى ممن كان عليه.إن التائب مهما كانت سقطاته متكررة، وحياته يظن أن ليس فيها ثمر يثقبالرجاء أن الله يغير تغييراً كاملاً… ففي لجة سقوطه يتعلق بالرجاء كحبل قوی مدلی من السموات يعين الروح في ضعفها ويرفع التائب في ثبات فوق التجارب..

ياعزيزي التائب: حياتك في الجهاد ليست نصرة دائمة ولا سقوط دائم، بل في كل سقطة يجد التائب بذرة للنصرة ومع كل نصرة لا يظن نفسه أنه قائم بل يتوقع أن تأتيه السهام المسمومة من الكبرياء

فيقول: «لا تشمتی بی ياعدوتي إذا سقطت أقوم» (می ٧: ٨). والتائب بالرجاء يدرك يقيناً أنه لا يدان على سقطاته بقدر ما يدان على عدم توبته ورجائه بالخلاص.. لقد قال الرب: «إن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون» (لو ١٤: ١- ١٥ ). فمهما حاول الشيطان إسقاطه أو سقط هو لضعفه يثابر ليقوم مسانداً برجاء الخلاص.. الرجاء هو الذي يجعل التائب ينظر إلى حطام نفسه وخطاياه كأنها قشف فخاری بين يدي الله هشمها الشيطان وإرادته، لكنه واقع بين يدي فخاری عظیم قادر أن يعيد صياغتها من جديد، وببهاء جديد، لتكون آنية جديدة أجمل وأقوى وأعظم. إن التائبين يضيئون بلمعان أبهى وأقوى، من أولئك الذين يظنوا أنهم لم يسقطوا.. والعشار والزانية واللص أقوى أمثلة لامعة في سماء التوبة .. والتائب مع أنه مدققاً، لكنه يمقت الدمدمة والرعب والخوف الذي يتملك على بعض المرضى من التائبين . إنه يقطع على الشيطان الذي حاربه بلذات الجسد، الحرب الجديدة التي تحاول أن تفسد صورة الله أمامه « والمحبة تطرح الخوف إلى خارج» . حينما يقاتل التائب بكثرة خطاياه، يذكر كثرة مراحم الله ويلقى عنه القلق الناشيء عن اليأس ليثبت في سلام الرجاء القادر أن يخلص بالتمام. بعد هذا العرض عن ضرورة عمل التائب سلاح الله الكامل أن نسمع صوتاً يقول: ليس لي أي سلاح منها .

الجندي حينما يستدعي للجيش لا يرتبك في تجهيز السلاح أو في البحث عنه بل عليه أن يسلم ذاته لقيادة الجيش، وهناك يعطى السلاح الكامل ويدرب نفسه على إستعماله..

هكذا ياعزيزي التائب إن كنت تقول أنا مبتدىء وليس لى سلاح واحد مما ذكرت سابقاً فكيف أثبت في توبتي، أقول لك ماقاله بولس الرسول « من تجند قط بنفقة نفسه» (١ كو ۷:۹) فلابد أن تؤمن يا أخي أنك لست الصانع توبتك وحدك، فالله يشترك معك في تخليصك من خطاياك وفي رجوعك عن ضلالاتك.

الله يتوب، عندما أطلب توبتی :

سقط أفرايم وراء يربعام، وعبد العجل بدلاً من الله . وحينما فطن إلى ضلاله بدأ يیکی ويندم حتى قال الرب عنه «سمعاً سمعت أفرام ينتحب» (أر ۳۱: ۱۸). وعندما وجد أفرايم ذاته وحيداً في تدينه نادي الرب قائلاً: «توبني يارب فأتوب لأنك أنت الرب إلهي، لأن في نهاية سبيى ندمت وبعد تعلمى حزنت على أيام الخزي وأخضعت نفسي لك لأني قد تسلمت توبيخات وصرت معروفاً لی» (ع ۱۹). وحينما طلب أفرايم توبته بندم وحزن وخضوع لمعرفة الرب سمعنا الرب يقول: «أفرايم ابن عزیز لدىّ، لأني كلما تكلمت به أذكره بعد ذکراً، من أجل ذلك حنت أحشائي إليه. رحمة أرحمه يقول الرب»  (أر ۲۰:۳۱).

ياعزيزي التائب.. الله الحنون أب الخليقة كلها لا ينتظر منك سوى إرادة التوبة، وحينما تريد أنت التوبة ستجده يقف بجوارك كما وقف بجوار مريم ومرثا وسيقف بجوار قبر خطاياك يشير إليك إشارات باطنية أو علنية برفع الغطاء.. وحينما ترفع الغطاء بعجل ستجده يكمل توبتك بأسلوبه الإلهي الخارق للطبيعة ويخلصك مما ظننت أنك غير قادر عليه. حينئذ تمسك به شخصياً، فهو الذي يمنحك السلاح ويدربك على إستعماله حتى تنتصر في كل قتال.. كما تمسك به داود النبي في حربه مع جلیات، تمسك أنت به وآمن أن النصرة من عند الرب. لكن مثلما صنع داود إصنع أنت : تقدم لصفوف

التائبين، وانتخب الحجارة، وضع أحدها في المقلاع، وسدد الحجارة بمهارة ..

إصنع كل ما عليك أن تصنعه، وحينما تصل إلى ذلك ستكون كالعبد البطال الذي لا يرجع فضل القوة في القتال لنفسه أو لممارساته إنما لله الذي يعمل معك ويتوبك [9].

 

المتنيح الدكتور راغب عبد النور

الشهيد المسيحي

حين يولد الانسان بالمعمودية ميلاداً ثانياً ، فانه لم يعد انسانا مرتبطاً بأوتاد الجسد الضاربة في أرض الفساد . فانه لم يعد محباً لهذه الأرض ولا ساعياً خلف أمجادها .

فهذا الجسد بكل ما يطوي قد دفن دفناً ، وقام الانسان مع المسيح في جدة الحياة .

الايمان المسيحي يعني فيما يعني ان الانسان يعيش هذا التطبيق الروحي ” مع المسيح صلبت … وما أحياه الآن أحياه بالايمان ، ايمان ابن الله الذي احبني ومات من أجلي ” . ويتحدث الايمان عن الصليب من حيث أنه أداة الموت أو الإماتة ” الذي به صلبت للعالم والعالم لي ” .

معني ذلك أن حكم الموت علي المؤمن المسيحي ليس أمرًا استحدثته قسوة قلوب الأباطرة والحكام ، لكنها كانت مجرد أداة لتنفيذ حكم الموت كان قد قبله الانسان في نفسه وعلي نفسه قبل ذلك بزمن .

من هذه الزاوية التطبيقية فأننا نستغرب تقسيم الأجيال المسيحية الي عصور حافلة بالاستشهاد والي عصور أخري اخليكم الاستشهاد ، لأنه لو تجردت المسيحية في أي عصر عن معني الاماتة والاستشهاد ، فأنها لابد أن تكون قد تجردت عن مفهومها الايماني ومدلولها التطبيقي .

فالمسيحية هي استشهاد ، يستوي في ذلك أن تعلن القوي الحاكمة حرباً علي الايمان والمؤمنين ، فتنزل بالمؤمنين أظلم الأحكام وأقساها حتي الموت ، أو لا تعلن هذه القوي الحاكمة حرباً علي الإيمان ، بل تسالمه وتعايشه ، وتكفل للأفراد حرية العبادة والكرازة . ونعطي هذا التشبيه مع احتفاظنا بالفارق الكبير جداً…

فانه حسبما تعطي الأناجيل وصفا للصليب ، فأن الصليب في تدبيره والحكم به ، وتنفيذه ، في كل المراحل ، كان جهدا بالغ المشقة بالنسبة لمنفذيه ، لكن من الجانب الآخر لا ننسي ان الرب من أجل هذا قد أتي وثبت وجهه نحو أورشليم ، وبسلطانه أسلم نفسه وبسلطانه أخذها ، فحكم الموت صلبا كان قرارا استصدره الرب علي نفسه ، من قبل أن تظهر مكيدة الرؤساء أو خيانة يهوذا أو جبانة بيلاطس بنفس القياس – نعيد القول – مع احتفاظنا بالفارق العظيم – ان المؤمن المسيحي بالنسبة لذاته ولكيانه ولذاته قد استصدر حكم الموت ، وبايمان عاش الاماتة اليومية المسيحية بكل أساليبها ، فان كان قد ظهر في المحيط حوله من حاول أن يترجم عن هذا الحكم بأن يجعله موتا مادياً بأداة التعذيب ، فأن هذا الاجراء لم ولن يكون مفاجأة للمؤمن الحقيقي ، أنما يلقاه ويرحب به ، وكل ما استطاع الاضطهاد أن يصنعه هو أنه قد أضاف الي الجوهر اللامع لمعاناً جديداً … وفي الحالة الأخري حين لا تتوفر الأسباب التي تترجم ترجمة مادية عن حكم الامانة الذي استصدره المؤمن علي نفسه ، فأن هذا لا يغير من واقعة .انه فرد من بين جماهير الأحياء ، الذين يعيشون الحياة المؤقتة في أجساد حكم عليها بالموت أو بالأماتة .

فالشغل الشاغل لهم علي مستوي الفكر والعاطفة والسلوك … متي يأتي العريس، فأنهم جميعاً في حالة انتظار مترقب لمجيء الفادي والمخلص ، آمين تعال أيها الرب يسوع [10] .

من وحي قراءات اليوم

” هوذا فتاي الذي ارتضيت به حبيبي الذي سُرَّت به نفسي أضع روحي عليه فيُخبر الأمم بالحق ” إنجيل القدَّاس

رسالتك ….

+ هل تعرف ماهي رسالتك التي أوجدك الله لأجلها ؟

+ عندما نعطي الإنتباه الكامل لصوته سيعلن جوهر رسالته

+ أخطر مايفعله عدو الخير أن يشغلني برسالة الآخرين وفحصها ونقدها لكي أتوه عن نفسي

+ ليست رسالة الله لك أن تكون تابعا لأحد أو نسخة منه بل كل شخص مميز بمواهب الله له

+ ليست الرتبة الكنسية رسالة بل الوسيلة لتحقيقها

+ وليست المواهب رسالة بل الطريق لإعلانها

+ إذا كانت مواهب الله لك قليلة فتذكر أن الأمانة في القليل ليست بالشئ القليل

+ إعلان الله للقديس مقاريوس مساواته في الروح لإثنين سيدات متزوجات يظهر مجد أمانة البسطاء

+ ” أَعْط حساب وكالتك ” (لو ١٦ : ٢) آية تعلن خطورة عدم التركيز أوالإنتباه لرسالتنا

+ إعرف رسالتك .. راجع كل يوم رسالتك .. ركز في الهدف ولاتجعله يتوه .. إفرح برسالتك مهما كانت في عينك بسيطة !


٩٠- القديس أمبروسيوس – تفسير أفسس ٦ – القمص تادرس يعقوب ملطي

٩١- ( تفسير مزمور ٤٥ – القمص تادرس يعقوب ملطي

٩٢- ترجمها عن اللغة القبطية د. صموئيل القس قزمان معوض

قسم الدراسات القبطية – جامعة مونستر بألمانيا

٩٣- كتاب عظات القديس مقاريوس الكبير ( الطبعة الثانية ، عظة رقم ٢٣ صفحة ١٣٠ ) – ترجمة دكتور نصحي عبد الشهيد – بيت التكريس لخدمة الكرازة

٩٤- كتاب الإستشهاد في فكر الآباء صفحة ( ١١٢- ١١٧ ) – القمص أثناسيوس فهمي جورج

٩٥- تفسير سفر حبقوق إصحاح ٣ – القمص تادرس يعقوب ملطي

٩٦- المرجع : كتاب دراسات في الكتاب المقدس – إنجيل متي ( صفحة ١٧٣ ) – الأنبا أثناسيوس مطران كرسي بني سويف والبهنسا

٩٧- كتاب الإستشهاد في المسيحية ( صفحة ١٦٨ ) – الأنبا يؤانس أسقف الغربية

٩٨- كتاب توبني يارب فأتوب ( صفحة ٦٨ ) – القمص يوسف أسعد

٩٩- كتاب نيروز الإستشهاد للدكتور راغب عبد النور( صفحة ٢١ ) – إصدار مكتبة المحبة