القراءات الكنسية في الصوم الكبير للمتنيح الدكتور وليم سليمان قلادة

 

رحلة في البرية

 

صعد يسوع إلى البرية . وهناك صام أربعين نهارا وأربعين ليلة . و تقدم إليه الشيطان ليجربه ولقد كنا معه وقتئذ . كان لابسا جسدنا ، ولهذا كنا أحد طرفي الصراع الرهيب في البرية . وفي كل عام مع بدء الصوم الكبير يقتادنا الروح إلى البرية – نصوم ، ونصارع ، وننتصر . خطواتنا تتمسك بآثاره ، فما تزل أقدامنا (مز ۱۷ : ٥) إن الكلمة المتجسد المحبوب في البرية قد صار لنا مثالا لكى تتبع خطواته (۲۱ : ١٢)

نزل من السماء

كان موسى يرعى غنم حميه « فساق الغنم إلى وراء البرية ، ونظر فإذا عليقة تتوقد النار وهي لا تحترق . فناداه الله من وسط العليقة وقال : , إنى قد رأيت مذلة شعبي .. وسمعت صراخهم .. إنى علمت أوجاعهم فنزلت لأنقذهم . . . وأصعدهم .. إلى أرض جيدة … » وذلك أنه حدث في تلك الأيام أن تنهد الشعب من العبودية , صرخوا فصعد صراخهم إلى الله .. فسمع الله أنينهم ، وذكر ميثاقه . ونظر الله .. وعلم الله .. ، والعليقة هي مثال العذراء أم النور التي حملت جمر اللاهوت في أحشائها وهي لا تحترق . هذا هو رمز تدبير الله لخلاص البشر.

لقد رأى مذلة البشر وسمع صراخهم ونزل لينقذهم . نزل ابن الله (يوحنا ٣:٣) إلى بطن العذراء ، ليصير ابن الإنسان الذي نزل من السماء . لقد كنا خاضعين لعبودية الفساد ولعنة الناموس ، وتدريجياً كنا نتهاوى إلى عبادة أشياء ليست بآلهة غير عارفين الإله الحقيق ومثل الشعب القديم ، ارتفع انين البشر إلى الله . وسمع الله انهدات الروح الساكن في خليقته العاقلة ، و أيها الرب إلهنا قد استولى علينا سادة سواك ، (اش ٢٦ : ١٣)

وسمع الله

نزل الابن إلى جسد الإنسان ، ووقف معه يواجه الشيطان في البرية . وفي كل عام مع بدء الصوم الكبير نقف معا ونقول لبعضنا البعض : هل تصعد إلى جبل الرب . فيعلمنا من طرقه ، ونسلك في سبله ، (ميخا ٤ : ٢) .

صراع ضد فرعون

هكذا تبدأ قراءات الصوم الكبير . لقد أعدت الكنيسة فيه كنزا خصبا من كلمة الله . مقسمة أجزاؤها ومنسقة في تآلف وارتباط . وتتميز قراءات هذه الفترة بما فيها أسبوع الآلام بأن الفصول المعدة ليست مستمدة من العهد الجديد وحسب ، بل في كل يوم من أيام الصوم ـ ما عدا السبت والأحد ـ تسمعنا الكنيسة أنبياء العهد القديم كل منهم يقدم فصلا من كلمة الله التي شهد بها . وفي أول أيام الصوم – الاثنين من الأسبوع الأول ، يحدثنا موسى عن أنين الشعب ، ومشهد العليقة العجيب (خر ۲ : ۳: ۱ – ٥) وفى يوم الاثنين التالي يواصل القصة ويسمعنا كلام الرب إليه من , وسط العليقة ، (خر ٣ : ٦-١٤) ولم يكن الصراع في البرية سهلا . كان موجات متتالية من الهجوم يوجهها الشيطان إلى الإله الذي أخذ إنسانيتنا . يستغل ضعف الإنسان الجائع ، وطمع الإنسان إلى السلطان ، ورغبة الإنسان في أن يثبت أنه محل رعاية إلهية .

ولكن المسبح أراد أن ينصر بالإنسان . فرد الهجوم وانتهر الشيطان . ما أشبه هذا الصراع بما دار بين موسى وفرعون في أرض مصر . لقد سمع النبي الصوت من العليقة النارية : « الآن هلم فأرسلك إلى فرعون و تخرج شعبى إنى اكون معك .. ، (خر ٣ : ٦ – ١٤) وجاء موسى ووقف مع هرون في مواجهة فرعون وكذا قال الرب . . أطلق شعبى لكى يعيدوا لي في البرية ، (خر ٥: ١ ، نبوة الأربعاء من الأسبوع الثالث) ولكن فرعون يريد أن يستبقى الشعب في المذلة ، بل ويضاعفها . الرب يوجه إليه الضربة أثر الضربة وكلما انحسرت شدة الضربة وتراجع فرعون شيئا قليلا عن قسوته عاد فشدد قبضته من جديد وتمسك بإبقاء الشعب تحت سلطانه .

هذا الصراع لم يكن إلا رمزا وتصويرا للصراع الإنساني الإلهي بين الله و الشيطان ، ذاك الصراع الذي كان محور حياة يسوع كلمة الله المتجسد . وهو في نفس الوقت إيضاح والبسيط للصراع الروحي الذي يدور في نفس الإنسان المؤمن ، به يفهم صراع البرية العميق . لهذا فإن قراءات الصوم الكبير تتضمن ـ أسبوعا بعد أسبوع ـ عرضا لما دار بين فرعون وموسى . ففي كل يوم أربعاء – ابتداء من الأسبوع الثاني – نسمع تفاصيل الموجات المتبادلة بين الطرفين (خر ۲ : ۱۱ – ۲۰ ۰ خر ٤ : ١٩ ، ٦: ١٣· خر ٧ : ١٤- ۱:۸ – ۱۸ ۰ خر ۸ : ۲۰-۱:۹ – ۲۰ ۰ خر۱۰و۱۱) و نقف نحن وسط شعب الله ، مع موسى وهرون في مصر .

بل نقف مع كلمه الله النائب عن البشرية في البرية . وفي صوم عميق واصرار على الانتصار .. نقف نواجه موجات الشر المتتابعة ، وكيف يصدها الله في سامي حكمته وعظيم قدرته . إن تجربة المسيح في البرية لم تنته بعد ، لأن ابليس  لم يفارقه إلا مؤقتا ( إلى حين ) ( لو ١٣:٤). وهو يواصل هجومه عليه وصراعه معه داخلنا . وما زلنا نحن مثل الشعب في القديم نصرخ الى الهنا من أوجاع الشر والضعف وما زال الله يسمع الأنين ويرى المذلة وهو يأتى الينا – ينزل لإنقاذنا . وهو لا ينقذ الا من خلال الجهاد . وبقدر ثبات الإنسان مع الله في هذه الحرب تكون النصرة النهائية .

وحين تقدم لنا الكنيسة التعليم عن التجربة والجهاد والصوم ، يكون خير اطار لذلك وأحسن شرح مبسط وتفسير لمنهج الصراع الروحى هو ما دار في العهد القديم بين موسى وفرعون .

رحلة الى ارض جديدة

ولكن جهادنا كله له هدف : تأسيس ملكوت الله .. أي النفس التي يسكن فيها الله و يملك . فتكون أرضا طيبة جيدة ، تثمر ثمر الروح في غنى ووفرة . وفي العهد القديم رمز لهذا الملكوت ـ أرض كنعان التى وعد بها الرب شعبه . ولقد سار الشعب في البرية أربعين عاما بعد خروجه من مصر ، وانتصاره على فرعون . ولم تكن هذه الرحلة في البرية الا رمزا للأيام الأربعين التي عاشها السيد في البرية ، يرتحل بالإنسان من أرض العبودية الى الأرض الجديدة ولهذا كان خير ايضاح لـا عمله الله معنا ، والخبرات التي نلناها  بواسطة عمله هذا ، ولموقفنا تجاه محبته وتعبه من نحونا . هو أن تتأمل حديث الرب في العهد القديم الى شعبه وهو في طريقه إلى أرض الموعد .

فاسمع يا اسرائيل واحترز لتعمل لكي يكون لك خير . ، , فتجب الرب الهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قدرتك , لانك انت شعب مقدس للرب الهك .. ، ( تث ۹ : ۳ و ٥ ، ٧ : ٦ – الجمعة من الأسبوع الأول ) .

في الأرض المباركة لا توجد ردة الى الشر ، ولا عبادة لإله آخر غير الرب الإله ، ليس ثمة اتفاق ورضا بالحرام والاثم . لا يوجد خوف أو رهبة من عدو ، بل ثقة ونصرة كاملة . احفظوا جميع الوصايا التي أمركم بها اليوم واعملوا بها لكى تحيوا .. ولدخلوا . . الأرض . . واذكر جميع الطريق التي سيرك الله فيها الرب الهك في البرية هذه الأربعين سنة . . فأجاءك وأطعمك . . لكى يعلمك أنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل كل ما يخرج من فم الرب يحيا الإنسان (تث ۱:۸ – ۹: ۱- ٤ الجمعة من الأسبوع الثاني) هكذا نحن نسير مع رائدنا القدوس يسوع الكلمة الذي حمل جسدنا . نسير معه رحلة البرية كي نصل الى, سماء جديدة وأرض جديدة .. مسكن الله مع الناس ( حيث ) يسكن معهم وهم يكونون له شعباً والله نفسه يكون معهم الها لهم .

حيث لا يكونون ليل هناك ولا حاجة الى سراج او نور شمس لأن الرب الإله ينير عليهم ، (رؤ ۲۱ : ١و ۳، ۲۲ : ٥) و اذ نمضى في رحلة البرية هذه ، تردد الكنيسة في أسماعنا حديث الرب في العهد القديم الى الشعب وهم يسيرون في البرية إلى أرض الموعد ومنذ الجمعة الأولى .. في الأسبوع الأول من الصوم الكبير – يقف موسى في وسطنا يحدثنا عن الرحلة إلى الملكوت ويستمر حديث الرحلة مرحلة أثر أخرى في أيام الجمعة من كل أسبوع بعد ذلك (تث ٦ : ۳-١:۷-٢٦ تث٨ : ١ – ٩ : ١ – ٤  تث  ٩ : ٧ – ١٠: ١ – ١١  تث ١٠ : ۱۲ – ۱۱ : ۱ – ۰۲۸ تث۱۱ : ۲۹ – ۱۲ : ۱ – ۲۷) ليكون الحديث عن الرمز ـ أرض الموعد ـ خير ممهد وموضح للأرض الطيبة الكريمة النقية التي أسسها الرب الإله بدمه وقبره وقيامته ، داخل نفوسنا ، ملكة مقدسة له يسكن فيها وينير  ويملك وحده الى الابد ومحباً فيها حياة الحب الكامل له بكل القلب و النفس و القدرة .

سحابة من الشهود

بل ان الكنيسة تحشد رجال الله الأنبياء يقفون في وسطنا كل يوم – وكل واحد منهم يقدم رسالته أثناء هذا الجهاد وهذه الرحلة الطويلة النبى الانجيلي – اشعياء – الذي كان حمل الله ، الشاة التي تقدم الى الذبح .. ماثلا أمام عينيه ، يقرأ حياته ، ويشهد لعمله كما لو كان معاصرا . يكاد لا يخلو يوم من أيام الصوم الكبير دون نبوة من اشعياء . يشهد بأن هذا هو المسيا ، الذي انتظره كل أنبياء العهد القديم . فيه اكمال الوعود التي  ومن بعید نظروها وصدقوها وحيوها .. » (عب ۱۱ : ۱۳) هذا ، وان الجهاد والارتحال في البرية يحتاجان إلى الصبر واإلى الحكمة .

الصبر ، ايوب :

ان الورع الذي نزل في الأرض الجيدة و هو الذين يسمعون الكلمة فيحفظونها في قلب جيد صالح ويثمرون بالصبر ، (لو ٨ : ١٥) لأنكم تحتاجون إلى الصبر حتى إذا صنعتم مشيئة الله تنالون الموعد . لأنه بعد قليل جدا سيأتى الآنى ولا يبطىء » (عب ١٠ : ٢٦ ، ٣٧) . وهل كأيوب معلم للصبر وقدوة فيه . وقد سمعتم بصبر أيوب ورأيتم عاقبة الرب . لأن الرب كثير الرحمة ورؤوف » (يع ه : ١١) .. يسير هذا المعلم الصابر الى جوارنا ، يقدم خبرته الحية الخالدة . ونكاد تتمتع بصحبته كل يوم من أيام صومنا .

الحكمة : سليمان

والحكمة ـ يقول يعقوب الرسول : و من هو حكيم وعالم بينكم فلير أعماله بالتصرف الحسن في وداعة الحكمة » (يع ٣ : ۱۳) وبولس و تيموثاوس يحدثان أبناءهما في كولوسى :  من أجل ذلك ، لم نزل مصلين وطالبين لأجلكم أن تمتلؤا من معرفة مشيئته في كل حكمة وفهم روحی ، (کو ۹:۱) .. « لكى يعطيكم : . . روح الحكمة .. في معرفته ، (اف۱۷:۱) وان الكنيسة لتدعو الملك سلمان . ذاك الذي حين – تراءى له الله قائلا اسأل ماذا أعطيك . لم يطلب الا الحكمة :  فاعطنى الآن حكمة ومعرفة.. ، فكان له ما أراد وأكثر .. تدعوه الكنيسة يوميا تقريبا ليقدم لنا درس حكمة .

وليذكر نا بخبرته كيف صارت له هذه الحكمة . ومنذ الأيام الأولى للصوم نسمع يعقوب : و ان كان أحدكم اموزه حكمة . . فليطلب من الله الذي يعطى الجميع بسخاء ولا يعير فسيعطى له ، (يع١ : ٥) السبت الأول من الصوم . ويوم الثلاثاء في الأسبوع الثاني ) . هؤلاء جميعا ـ اشعياء وأيوب وسليمان ، بل ومعهم « سحابة من الشهود ، تغمرنا وتحيط بنا كل يوم : زكريا ويوئيل ودانيال وصموئيل وطوبيا . هؤلاء جميعا ، يقفون معنا في الجهاد ويصحبوننا في الرحلة . كما لو أننا على جبل التجلي مع ربنا نسمع أحاديث أنبياء العهد القديم ، كحديث مرسى وايليا ، من خروجه الذي كان عنيدا أن يكمله في أورشليم ، (لو ۹ : ۳۱) اهم ، ومن وسط هذه السحابة النيرة (مت ١٧ : ٥) التى تظللنا نسمع صوت الأب : وهذا هو ابني الحبيب الذي به سررت ، والذي فيه تدخلون البرية وتخرجون وتجدون مرعى خصباً ..

نبدأ من القبر الفارغ اسحق ويوسف

ذلك أن رحلة البرية إلى ملكوت الله لا يمكن أن تبدأ إلا بالخروج ، بالعبور، الفصح . فقبيل ارتحال الشعب من أرض العبودية أكملوا ذبح حمل الفداء ، الذي عن دمه قال الرب لموسى ويكون لكم الدم علامة على البيوت التي أنت فيها فأرى الدم وأعبر عنكم ، (خر ۱۲ : ۱۳) لا يمكن أن ينطلق انسان عبر البحر الأحمر في طريقه إلى ملكوت الله إلا إذا اغتسل بدم الحمل فكان له هذا الدم علامة على حياته كلها . علامة فداء كما حدث بالنسبة لاسحق الذي فداه الحمل وذبح عوضا عنه . فكما رجع اسحق حيا هكذا أيضا المسيح قام حيا من الأموات ، وأقامنا معه. رحلة البرية إلى ملكوت الله تبدأ من قبر فارغ .

قبل أن يموت يوسف أوصى الشعب أن يصعدوا عظامه معهم وهم مرتحلون . وعندما كان الشعب يبتعد للانطلاق « أخذ موسى عظام يوسف معه ، (خر ۱۳ : ۱۹) لقد صار قبر يوسف فارغا بعد أن ترك مصر مشيرا إلى قيامة السيد المسيح . نحن أيضا نموت مع المسيح « حتى كما أقيم المسيح من الأموات بمجد الآب هكذا نسلك نحن أيضا في جدة الحياة لأنه إن كنا قد صرنا متحدين معه بشبه موته نصير أيضا بقيامته .. فإن كنا قد متنا مع المسيح نؤمن أننا سنحيا أيضا معه ، (رو ٦ : ٤ – ٧) هكذا هو تعليم الكنيسة لنا وأيام الصوم الكبير تقترب إلى نهايتها . ففي الجمعة السادسة تقدم الكنيسة قصة ذبح اسحق (تك ٢٢ : ۱ – ۱۸) ، وفي الجمعة التالية وهي الأخيرة من الأربعين أي قبل أسبوع الآلام ، نسمع وصية يوسف لشعبه حين موته (تك ٤٩ ، ٣٣ – ٥٠) .

بولس واسبوع الآلام

وطوال أسابيع الصوم السابقة تتابع المراحل الأخيرة من حياة بولس الرسول خلال فصول الابركسيس . وحين نتأمل حياة هذا المجاهد العظيم في أيامه الأخيرة نكاد ترى انطباقا بينها وبين مراحل آلام المسيح . في أحد الرفاع صعد بولس الى أورشليم ، ودخل الهيكل ليتم التطوير ، وهنا يرد الى الذهن فورا كيف دخل الرب أورشليم ، وكيف قام بتطوير الهيكل (اع ۲۱ : ۱۰- ٢٦)

وفي الأحد الأول من الصوم وقف بولس ، وتحدث الى الشعب (أع ٢١ : ٤٠ – ٢٢ : ١ – ١٦).

وفي الأحد الثاني كانت محاكمة الرسول أمام المجمع ، وفيها أمر حنانيا رئيس الكهنة أن يضربوا تابع المسيح على فمه (أع ٢٣ : ۱ – ۱۱) .. وهنا نال التلميذ ما سبق أن تعرض له معلمه . ألم يلطم عبد رئيس الكهنة رب المجد وهو واقف أمام رئيس الكهنة ؟!

وفي الأحد الثالث عرض حنانيا والشيوخ شكواهم ضد بولس على الوالى (أع٢٤ : ١ – ۱۳) .

ثم يقف بولس في الأحد الرابع أمام الملك (أع٢٥ : ١٣ – ٢٦ : ١ ) .

و تجرى المحاكمة في الأحد الخامس (أع ٢٦ : ١٩– ۲۷ : ۱ – ٨) ۰

أما في الأحد السادس فإننا نتابع بولس في آلامه القاسية وهو في السفينة التائهة  في البحر ، وفي هذه الفترة أخذ الخبز وشكر (أع ۲۸ : ۲۷ – ۳۷) .

ثم نجد الرسول في الأحد الأخير من الصوم يصل إلى رومية فنشاهده , مع العسكري الذي كان يحرسه ، ولكن الحراسة لم تستمر ، فسرعان ما كان بولس يقبل جميع الذين يدخلون اليه كارزا ،بملكوت الله ومعلما بأمر الرب يسوع المسيح بكل مجاهرة بلا مانع ، ( اع ۲۸ : ۱۱ – ۳۱) لقد جاز الرسول مراحل أسبوع الآلام والمحاكم، مع يسوع ، ابتداء من دخول الهيكل الى البقاء تحت الحراسة كما كان الرب في القبر ثم نال الحرية . إن العبارات الأخيرة من سفر الأعمال التي نسمعها في ابركسيس أحد الشعانين توضح حرية المؤمن الذي قام مع المسيح وأصبحت حياته منتصرة ليس فيها خوف أو مانع . انه يختبر عمليا كيف أن المسيح بعد ما أقيم من الأموات .. لايسود عليه الموت بعد ، (رو ٦ : ٩) وهكذا نمضى مع الرسول الأمين ، خطواتنا مع خطواته تتمسك بآثار حمل الله فادينا وقدوتنا . إن الرحلة في البرية هي في حقيقة الأمر رحلة مع آلام المسيح واختبار لقيامته .

الانقاذ الذي يتم للمؤمن الصارخ لالهه لا يمكن أن يتم الا من خلال ذبيحة المسيح . والصراع مع فرعون ومع الشيطان لا نصرة فيه إلا برش دم المسيح ، فيكون علامة يخشاها المهلك فيجفل ويعبر ، والرحلة الى الملكوت بعد البحر الأحمر لا يمكن أن تبدأ إلا من القيامة من القبر الفارغ . ولهذا تمر أسابيع الأربعين المقدسة بنا وأبصارنا معلقة بالأسبوع الذي يتلوها ، أسبوع الالام . نستعد له ونتهيأ كي يمكن لكل واحد منا أن يقول مع بولس، لأعرفه وقوة قيامته وشركة الامه متشبها بموته » لعلى أبلغ إلى قيامة الأموات ، (في ٣ : ۱۰-۱۱) .

رحلة في البرية

وفي البرية تقدم المجرب إلى السيد يتحداه : ان كنت ابن الله .. ولكن الأبن المتجسد ، الذي صار لنا حكمة من الله ، كشف حقيقة التحدى . لم يكن المجرب يريد أن يثبت من حقيقة من يخاطبه . ولو أنه عرف فما كان يستطيع أن يدخل معه في شركة .

ولكن التجربة كان الهدف منها الإنسان الذي أخذ ابن الله جسده . كيف يحيا ـ هل بالخبز ؟ .. كيف يملك ـ هل بالسجود للشيطان ؟ .. كيف يعرف ان الله يرعاه .. هل بتسخير الملائكة لخدمته ؟ ! وانتصر الإنسان .. لأنه في المسيح أجاب أن الإنسان لا يحيا وحده بل كلمة الله . وأنه يملك من خلال ملك الله نفسه . فحين يسجد له ويعبده يصبح العالم ملكا له . وانه أتى ليخدم ( بفتح الياء ) لا ليخدم ( بضم الياء ) .

(مت: ۱ – ۱۱ – الأحد الثاني) وخلال آحاد الصيام التالية تعمق الكنيسة لنا هذا التعليم ،

ففي الأحد الثالث تقدم لنا الابن المال الذي فضل المال ، الخبز ، على عشرة أبيه . فاذا كانت النتيجة ؟ .. فقد المال وكاد يفقد حياته (لو ١٥ : ١١ – ٢٤) – الأحد الثالث)

وفي الأحد الرابع يعلمنا ـ السيد ، وهو يتحدث الى السامرية ، كيف يكون السجود الحقيقي الآب .. بالروح والحق (يو ٤ : ١ – ٤٢) الأحد الرابع) .

وفي الأحد الخامس ترى إنسانا مطروحا ثمانية وثلاثين سنة . لماذا ؟ . . لأنه ليس له انسان (أو ملاك) يحمله . فلما لاقاه السيد منحه القوة التي بها ليس فقط يحمل ذاته ، ولكن يحمل سريره أيضا . فبعد أن كان يطلب أن يخدم (بضم الياء) صار قادرا على الخدمة (يو ٥ : ۱ – ۱۸) الأحد الخامس.

وفي الأحد السادس يعلن السيد ذاته : أتؤمن بابن الله .. قد رأيته والذي يتكلم معك هو هو .. اؤمن يا سيد وسجد له .. ) دار هذا الحوار بين السيد وأنسان وحيد . أخرجه اليهود من المجمع ، فصار يحيا مطرودا من المجتمع . كما لو كان في برية . . في هذه البرية لاقاه السيد . وأعلن له ذاته (يو٩ : ١ – ٤١ – الأحد السادس) وفي الأحد السابع يدخل الرب الى هيكله لينقله من عهد الناموس الى ذبيحة الصليب(مت ٢١ :١ – ١١) (مر ١١ : ١ – ١١) (لو ١٩: ٢٩ – ٤٨)

(یو ۱۲ : ۱۲ – ۱۹) فصحبه في رحلته الى أورشليم ثم الى خارجها . يدخل معه الابن الضال ، والسامرية والساجدون الحقيقيون والمفلوج الذي شفى والمولود أعمى الملقى خارج المحلة . ان المسيح هو الباب .. ان دخل بى أخد فيخلص ويدخل ويخرج ويجد مرعى ، (يو ۱۰ : ۹)۰

ندخل معه مدينة الملك العظيم ، ونخرج الى جبل الجلجثة . ونجد مرعى في الكنيسة التي أسسها بدمه بحلول الروح القدس .

نبدأ . معه في البرية ..

وما ينتهي الصوم إلا وقد صارت البرية مرعى للنفوس التي لاقاها في تلك البرية القاحلة . فشبعت بعد جوع وعرفت الهها الحقيقى لتسجد له . وملات بالقوة للعمل والخدمة وآمنت به ابنا لله فاديا ومنقذا ومانحا المجد والكرامة .

 

 

قراءات أحد الرفاع

 

انجيل العشية (مر ٢٢:١١-٢٦) ، انجيل باكر (لو ۳:۱۷-۱۰) البولس ( ٢کو١٦:١١ -۲۸)، الكاثوليكون ( ٢بط ۱:١-۱١ )الابركسيس (١٥:٢١-٢٦) ، انجيل القداس (مت ١:٦-۱۸)

تقدم لنا الكنيسة في الاحد السابق للصوم الكبير التعليم المناسب لهذا العمل الروحي العميق : الصـوم

انه ليس مجرد امتناع عن الطعام . وهو ليس عملا منفصلا عن باقي أعمال الروح ـ الصـلاة والصدقة مثــلا

الكنيسة اليوم تشرح كلام السيد وتفصله باستقامة ـ توضح لنـا قوله : متى صمتم (أنجيل القداس ) نقطة البداية هي الايمان . صوم بدون ایمان هو جهـد انسـانی طبیعي ، لا يقدم صاحبه الى الله خطوة .

« ليكن لكم ايمان بالله » (إنجيل عشيه) هكذا قال السيد لتلاميذه الصوم هو عمل « الذين نالوا . ايمـانا ثمينـا ببر الهنـا والمخلص يسـوع

المسـيح … « ( الكاثوليكون) .

والذي ليس عنده الايمان وثمره قد نسي كيف تم تطهير خطاياه السالفة (الكاثوليكون) . نسي أن ابن الله تجسد ، وصار معه واحدا ، وسكن في قلبه ، وصار ابن الله بذلك في داخل الانسان كنزا صالحا ، موضوعا في الخفاء (انجيل القداس ) – يخرج الصالحات (مت ٣٥:١٢) ففي الايمان وحده يمكن أن يقدم الانسان الفضيلة (الكاثوليكون) بالايمان يحل المسيح في القلب (أف١٧:٣) حينئذ ينير الـرب خفايا الظلام (اکو ٥:٤) ويسر الأنسان بناموس الله بحسب الانسان الباطن (رو ۲۲:۷)

ومع المسيح وعن طريقه وببره نستطيع أن ننادي أباه أبا لنا . بل ان المسيح الساكن فينا هو الذي ينادي معنا أباه بواسطتنا .. وبهـذا ننال التبني ، ويرسل الله روح ابنه الى قلوبنا صارخا . أيها الآب أبانا (رو١٥:٨) ، (غل ٥:٤ – ٦) .

فلا يمكن لأنسان بمفرده أن يدعو الله الآب أبا له . لابد من أن يشترك المسيح معه في هذا النداء ، كي يقوم الاثنان معـا ـ المسـيح والانسان – بنداء الآب معا . وحتى حين يدخل الانسان مخدعه ويغلق بابه ويصلى من أعمـاق قلبه ـ من الخفاء الداخلى ، فانه لا يكون حينئذ وحيدا . لان في باطنه يسكن المسيح .

ولهذا كانت الصلاة دائما تفترض أن أكثر من واحـد يقدمها . فحتى في المخدع نقول : يا أبانا الذي في السموات (انجيل القداس) ان أكثر من واحد ينادون الآب ، لان المسيح دائما يشترك في هذا الدعاء.

واذ نعرف هذا ونؤمن به ، تمتلىء حياتنا الخفية بالقدرة الالهية التي تهب لنا كل ما هو للحياة والتقوى . ونقتني المجد والفضيلة اللذين هما في الاصـل للكلمة – ابن الله . وحينئـذ نصير شركاء الطبيعة الالهية (الكاثوليكون) .هذه الطبيعة الألهية هي التي نقتنيها في الخفاء ، داخلنا. وبهذا يحل الروح فينا ، فيعين ضعفاتنا ، يشفع فينـا بأنات لا ينطق بها . ويكون انساننا الباطني مشابها لصورة ابنـه ويهبنا الله معه كل شيء (رو ۲٦:٨- ۲۹) هل يحتاج الانسان اذ صار ابنا وشريكا في الطبيعة الالهيـة الى جهد كبير وكثير كلام ليعلن ما يريد الى الله ان الآب يعلم ما نحتاج اليه قبل أن نسأله .

لماذا ؟ الشبيه يتحد بالشبيه ، ويتفاهمان بأنات لا ينطق بها الوحدة بين الانسان والله تغنى عن الكلام الكثير الباطل (إنجيل القداس ) يصبح السكوت الذي لا يمكن الافصاح عنه والنطق به هو الحديث الدائم المتصل الذي لا ينقطع ومن هنا كان العمل الصالح غير ممكن تحقيقه الا في الخفاء لانه لا يمكن اتمامه الا بالوحدة الكائنة في الانسان الباطن بين الله والانسان ، بين المسيح وشبيهه الصدقة ، والصلاة ، والصوم ـ لا يمكن أن توجد وتكون مقبـولة الا في الخفاء ـ أي في القلب الطاهر الشريك للطبيعة الالهيـة حينئذ تكون معمولة بالقدرة الالهية (الكاثوليكيون) نفسها ، ومقـدمة في صمت الآب بالمسيح الساكن في « انسان القلب الخفي » (١ بط ٤:٣ ) وحين يقتني الانسان بالايمان هذه القدرة الالهية ـ لا يكون شيء غير ممكن لديه . فلو أنه قال لهذا الجبل أن ينتقل وينطرح في البحر ، ولا يشك في قلبه بل يؤمن فمهما قال يكون له (العشية) .

أي جبل ؟ الجبل القاحل الغير المثمر كالتينة اليابسة ، والجميزة العجفاء . حين يصلى الانسان طالبا زوال هذه السدود التي تمنع ظهور الله في الحياة ويؤمن أن ينال طلبه ـ فلابد أن يكون له سؤل قلبه (العشية وما هو أقصى ما يشتهى ابن الله ـ شريك الطبيعة الالهية ؟ أليس أن يعلو اسم أبيه ويتقدس . وأن يأتي ملكوته ـ ذلك الملكوت الذي قد انفتح له بسـعة (الكاثوليكيون) ببر المسيح وبتجسده واتحاده به ، فدخله متمتعا بمجده وأن تكون مشيئته نافذة بلا جبل يصدها ، ولاتينة تعطل عملهـا . أن تكون مشيئته كما في السماء كذلك على الارض وأن يكون لالهه ـ لابيه الحبيب – الملك والقـوة والمجـد الى الابد (إنجيل القداس) . أليست هذه هي أماني الابن المحب ، وحين تتحقق يكون قد نال كل طلباته …

في الخفاء يحيـا الانسان مع ابن الله فيصبح أخـا له ، وينـادى الاثنان الآب معا : أبانا ولكن الابن في الحقيقة هو البكر بين اخوة كثيرين (رو ۲۹:۸) هؤلاء الاخوة جميعا هم أعضاء في جسـد واحد لا يمكن أن يتفتت أو يتجزأ . وحيث يوجد المسيح يوجد جسده ، أي أعضاؤه . ولهذا لا يمكن أن يحيا المسيحي خارج جسد المسيح وبمعزل عن اخوته .انه بالضرورة متحد بهم ـ في أعماق قلبه حيث يوجد المسيح ، في الخفاء ، في الانسان الباطن .

لا يمكن للمسيحى أن ينادى الآب وحده . لابد أن يشترك معـه كثيرون ليقول معهم : يا أبانا لابد أن يقولها معه الكلمة ، ابن الله بالجوهر . وأن يشترك معـه في الفداء بها أيضا اخوته اعضاء جسد المسيح واذ يقول هذه الكلمة ـ هل يستطيع أن يكون أنانيا أو حاقدا ، أو غير غافر لواحد من اخوته اساءة ؟ .

ان علاقته باخوته هي في نفس الوقت علاقة بجسـد المسيح أي بالمسيح نفسه يعطى الصدقة ولا يحس أنه يتفضل ـ انه يعطى لابن أبيه ، أخيه وعضو جسده (إنجيل القداس) . وأيضا « ان لم تغفروا أنتم لا يغفـر أبوكم الذي في السموات أيضا زلاتكم » (إنجيل عشية) بل ان الاخ يكون قريبا من أخيه حتى عند حدوث الاساءة ، « ان اخطأ اليـك أخـوك فوبخه ، وان تاب فاغفر له ـ وان أخطأ اليك سبع مرات في اليوم ورجع اليك سبع مرات في اليوم قائلا أنا تائب فاغفر له »                     (انجيل باكر)

وهكذا اذ نبدأ بالايمان ، نصل الى المحبة . وتختبر خلال هـذه الحركة الروحية التي تجرى في الخفاء الباطني ـ الفضيلة ، والمعرفة والتعفف ، والصبر ، والتقوى ، والمودة الاخوية ، فالمحبة (إنجيل باكر) • والصـوم هو الفرصة الممتازة لاختبار هذه الروحيات العميقـة ومعرفتها وممارستها .

واذ نتمم ذلك كله ـ أيكون لنـا فـضـل ؟ بل اننـا نـكـون عبيـدا بطالين لو لم يتحقق في حياتنا هذا الثمر والاجتهاد . لاننا نكون حينئذ بلا ايمـان ، وعطلنا القدرة الالهية الساكنة فينـا وخسرنا المواعيد العظمى والثمينة ، وطمسنا الطبيعة الالهية التي شاركنا فيها . بل ولم نجعل دعوتنا واختيارنا ثابتين بالاعمال الصالحة                                                               (الكاثوليكيون ).

واذا اختبرناها ـ فالفضل كله ليس لنا بل للمسيح الذي يحيـا فينا « فما أحياه الآن في الجسد ، فانما أحياه في الايمان ایمان ابن الله الذي أحبني وأسلم نفسه لاجلي » (غل ۱۰:۲) .

نعم . قد تمتلىء حياتنا بخدمة المسيح : في الاتعاب أكثر ، في الضربات أوفر ، في السجون أكثر ، في الميتات مرارا كثيرة … » قد تثقل المتاعب الى الجلد ، والضرب ، والرجم .. بأسفار ، بأخطار « في تعب وكد ، في اسهار ۰۰۰ في جوع وعطش ، في أصـوام مرارا كثيرة في برد وعری ۰۰۰ »                                                                                  (البولس)

مع هذا كله يسوغ الافتخار ؟ لو حدث ذلك ، فلابد أن يقول الانسان عن نفسه حينئذ أنه « غبي » اذ يفتخر . واذ يتكلم الانسان مفتخرا فهو لا يتكلم « بحسب الرب » ، بل كانه في جسارة الافتخار … حسب الجسد كمختل العقل » (البولس)

نعم كمختل العقل ـ لان فضـل القـوة في كل هذه الامور لله ، لا للانسان والكنز الساكن في الخفاء ويثمر هذه الحياة الخصبة الغنية انما هو في أوان خزفية » (٢کو ٧:٤)

الاسابيع القادمة هي فرصة تريد منا الكنيسة أن نتذوق فيها الحياة العميقة في ملكوت الروح ، غير مهتمين بالطعام البائد بل نشبع من الطعام الباقي ، ونحيا في الايمان مختبرين ثماره جميعا . لندرك ماذا يمكن للقدرة الالهية حين تستقر في خفاء قلوبنا أن تعمل …

 

 

الأبن الضال قراءات:

 

انجيل العشية (متى ١٥ : ۱ – ۲۰) انجيل باكر (متی ۲۰ : ۱ ـ ١٦) البولس ۲( کو ٢:٦ – ۱۳) الكاثوليكون (يع ۱:۳ – ۱۲) الابركسيس (أع ٢٤ : ١ – ۲۳) انجيل القداس(لو ١٥ : ۱۱ – ۳۲) .

هـذا أحد التوبة . والتوبة تعنى وجود خطية سابقة . فمـا هو مضمون هذه الخطية ؟ جاء الابن الاصغر الى أبيه وقال : « يا أبي اعطني القسم الذي يصيبني من المـال » ( القداس  ) . أي أن الابن يطالب بنصيبه في الميراث الذي يؤول اليه بعد وفاة الوالد . فهو يفترض مـوت أبيـه ، ويطلب اليه أن يمنحه الميراث مقدما .

هذا هو عمل الخاطىء ـ انه وهو يرتكب الاثم يعتبر أن الله غير موجود ـ كميت ـ ولذلك يهينه ويخالفه ويتحداه « مد على الله يده ،

وعلى القدير تجبر ، عاديا عليه متصلب العنق » ( أيوب ٢٥:١٥-٢٦) من نبوات يوم الجمعة يأخذ ماله الثمين ، صورته الحسـنة النقيـة ويذهب بها الى كورة بعيدة يشوهها ويخسرها .

{ قراءات الاحد الثالث من الصوم الكبير وهذه بعض النبوات التي تقدمها الكنيسة ايام الاسبوع السابق على هذا الاحد . (أمثال ١ : ۲۰) – الخ (يشـوع ۷ : ١ – ٢٦) (خر٦ : ١ – ۱۳) (ایوب۱۳) (تكوين ۱۷:۱۸ – ١٩ : ١- ٢٩) (تثنية ٩ : ٧ – ١٠ : ١ – ١١) أيوب ١٥

سافر الابن « الى كورة بعيدة . وهناك بذر ماله بعيش مسرف فابتدأ يحتاج … » ( القداس  ) .

تائه هو لاجل الخبز حيثما يجده . ويعلم ان يوم الظلمة مهيأ بين يده . يرهبه الضر والضيق . يتجبران عليـه كملك مستعد للـوغى ( أيوب ١٥ : ٢٣-٢٤) ـ « كان يشتهى أن يملأ بطنه من الخرنوب الذي كانت الخنازير تأكله . فلم يعطه أحد » ( القداس  ) .

كم هي قاسية الحياة في تلك الكورة البعيدة ؟ فيها يتحقق قول عاموس النبي : « هوذا أيام تأتى يقول السيد الرب أرسل جوعا في الارض ـ لا جوعا للخبز ولا عطشا للماء بل لاستماع كلمات الرب  (عا ۸ : ١١) .

الابن الحبيب وقد ترك أباه وبعد عن بيته ـ « لما انفق كل شيء ۰۰۰ مضى والتصق بواحد من أهل تلك الكـورة ، فأرسله الى حقوله ليرعى خنازير » ( القداس ) . وان مقارنة بين معاملة الاب لابنه هذا ، وبين معاملة سيده الجديد له في الكورة البعيدة لتوضح لنا نوع حياة العبودية التي وصل اليها . الاب احترم حرية ابنه رغم يقينه بخطأ رأيه . « فقسم (لابنيه) معيشته » ـ أي أمواله ، وسمح له بأن يأخذ نصيبه ويسافر ( القداس  ) أما السيد الذي استأجره في الكورة البعيدة والصق الابن نفسه به ، فقد أعطاه عملا مهينا ، وضيق عليه حتى منع عنه غذاء الخنازير . صار مثل بنی اسرائيل في أرض العبودية ، الذين حين طلب موسى وهرون من فرعون أن يطلقهـم ليعبدوا الرب – زاد فرعون عليهم الاثقال .

ولكن الاب الحنون لم يتخل عن ابنـه ـ حتى وهو في الكورة البعيدة . ففي نفس ابنه الضال كانت صورة الاب ساكنة . كان الكلمـة حاضراً.  وفي أرض العبودية « رجع الابن الى نفسه » ( القداس  ) الی صورته الاولى الى الكلمة الساكن فيه . بل ان الكلمة نفسـه هو الذي ذكره بأبيه والحياة السعيدة عنده . أليس اسـم هـذا الابن « عجيبا مشيرا ۰۰۰ » (اشعياء ٩ : ٦) من نبوات الاربعاء ) ينصح ويرشد ويشير بالحكمـة

نعم ـ ففي حكمة فكر الابن : « كم من أجير لابى يفضل عنه الخبز وأنا أهلك جوعا … أقوم وأذهب لابی .. » ( القداس) .

والحقيقة ان صوت الحكمة لم ينقطع في نفسه قط .. « الحكمة تنادى  تدعو .. قائلة : الى متى أيها الجهال تحبون الجهـل .. ارجعوا … » (أمثال ۲۰:۱-۲۳) من نبوات الاثنين ..

والحكمة هو ابن الله الوحيد كلمة الله يسوع المسيح « الذي صـار لنا حكمة من الله وفداء » . (١كو١ : ۳۰ ) « المذخر فيه جميع كنوز الحكمة والعلم » (کو ۳:۲) « عنده الحكمة والقدرة . له المشـورة والفطنة  عنده العز والفهم » (أيوب١٣:١٢- ١٦) من نبوات الاثنين) . ..

وينتصر الابن على « صغر النفس وعلى  العبـودية القاسية » (خروج ٩:٦) من نبوات الاربعاء حينئذ وبحضور الكلمة يبدأ قلبـه يضربه (١صم٥:٢٤) من نبوات الجمعة على بقائه في هذا المكان الحقير. ويدور في قلب الابن الضال حوار مع أبيه : « أريد أن أكلم القـدير – وأن أحاكم الى الله » (أيوب ٣:١٣) من نبوات الاربعاء .

« يارب اله خلاصي بالنهـار والليـل صرخت أمامك . فلتدخل قدامك صلاتي . أمل يارب سمعك الى طلبتي » ( مزمور العشية ) « انصت يا الله لصلاتي ولا تغفل عن تضرعي . التفت واسـتمع مئی » ( مزمور باكر ) .

« کم لی من الآثام والخطـايا . أعلمني ذنبي وخطيتي . لمـاذا تحجب وجهك وتحسبني عدوا لك . أترعب ورقة مندفعة وتطارد قشـا يابساً …  وراء من أنت مطـارد . وراء كلب ميت ، وراء برغـوث واحد .» (أيوب ۲۳:۱۳-۲۷) من نبوات الاربعاء (١صم ١٤:٢٣) من نبوات الجمعة .

« أقوم وأذهب الى أبي وأقول له : يا أبي أخطأت الى السـماء وقدامك . ولست مستحقا بعد أن أكون لك ابنا . اجعلني كأحد أجراك » ( القداس  ) .

ويسمع الرب الاله فورا أنين التائبين وحوارهم معـه ، ويعـلو صوته القاهر على خوار الخنازير ولسعات سيطات المسخرين القسـأة : « أنا الرب . وأنا أخرجكم من تحت أثقال ( الآثام ) ، وأنقذكم من عبوديتهم ، وأخلصكم بذراع ممدودة وبأحكام عظيمة . وأتخذكم لي شعباً وأكون لكم الهـا .. وأدخلكم الى ( أرض البر والنقـاء ) واعطيكم اياها ميراثا ـ أنا الرب » (خروج ٦:٦-٩) من نبوات الاربعاء . ولكن هناك واجبا محتما على جماعة المؤمنن ازاء الخاطيء الذي يحيا في وسطهم . واذا كان هـذا الواجب مفروضا أول كل شيء على خدام المسـيح ، فان الكنيسة كلها لابد أن تقـوم به وتؤديه وذلك حين تبصر الخاطىء غافلا عن التوبة متماديا في الائم معرضا لان يرفضـه الله ، ويجلب عليه غضبه ، فيعزل من الكنيسة ويقلع من عضوية جسد المسيح كالزوان الشيطاني . مثلما ظل أبونا ابراهيم يسترحم الرب الاله من أجل سدوم وعمورة (تكوين ۱۷:۱۸-۳۳) من نبوات الخميس وموسى النبي رفض أن يتخلى عن اخوته الذين فسدوا وعبدوا البعل وسقط أمام الرب أربعين نهارا وأربعين ليلة يتضرع من أجلهم ( تثنية١١:٩-۲۹ من نبـوات الجمعة ) ، كما انسحق يشـوع وهو وشيوخ اسرائيل أمام الرب عنـدما انهزم الشعب أمام على المدينة الصغيرة (يشوع ٧ : ٦-٩) من نبوات الثلاثاء .

ويظل خادم الله ، بل يظل كل فرد في الكنيسة واقفا أمام الـرب يصلى ويطلب كي تكون لكل واحد حياة البر المسيحية . وكلما زاد ثقل الشرير ، وواصل قسوته وتمزيقه لاعضاء الجسد البار . صمم أبنـاء الله الحقيقيون على النصرة . وان حوار الواحد منهم في هذا الصدد مع سیده ليكشف عن قلب كبير مليء بالرحمة والحق والعدالة والالفة « فرجع موسى الى الرب وقال ياسيد لماذا أسأت الى هذا الشعب . لماذا أرسلتني . فانه منذ دخلت الى فرعون لاتكلم باسمك أساء الى هـذا الشعب . وانت لم تخلص شعبك » (خروج ٢٢:٥-٢٣) من نبوات الاربعاء.

ويوضح لنا القديس بولس هذه المهمة في عبارات واضحة عميقة : « ولسنا نجعل عثرة في شيء لئلا تلام الخدمة . بل في كل شيء نظهر أنفسنا كخدام الله – في صبر كثير ، في شدائد في ضرورات في ضربات في سجون في اضطرابات ، في اتعاب في أسهار . في أصوام في طهارة في علم في أناة في لطف في الروح القدس . في محبة بلا رياء . في كلام الحق . في قوة الله ، بسلاح البر لليمين ولليسار . بمجـد وهوان ، بصيت ردیء وصیت حسن ۰۰۰ »

هكذا يمضي الخدام في عملهم من أجـل خلاص نفس الخاطىء انهم يذهبون الى الكورة البعيدة ، يصاحبون الكلمة ـ يسوع المسيح وهو يجاهد في أعماق الابن الضال کی يعود الى نفسه ، ويتذكر صورته والفداء الذي صنعه له الله . يتحملون في هذا السبيل كل مشقة ، منكرين ذواتهم ، غير ناظرين الا الى الهدف الاسمى وهو عودة الضال الى بيت أبيـه . لا ينظرون الى ما يقوله الناس عنهم ، بل واثقين في رسالتهم وفي قدرتهم بنعمة الله على انجازها . « كمضلين ونحن صـادقون كمجهولين ونحن معروفون . كمائتين وها نحن نحيا . كمؤدبين ونحن غير مقتولین .

كحزاني ونحن دائمـا فرحون . كفقـراء ونحن نغني كثيرين . كأن لا شيء لنا ونحن نملك كل شيء » وفي كل وقت ، وتحت أي ظرف يكون فمهم مفتوحا لاخوتهم وقلبهم متسع  . يعاملونهم كأولاد أحبـاء (البولس ٣ –١٣) يبحثون عنهم ويشفقون عليهم ولا يطمئنون الا بعودة ذاك الذي ترك بيته الى كـورة بعيدة – بعودته الى بيت أبيه ولقائه معه . ويقف الواحد منهم أمـام الرب الاله يقـول : « ها أنا والاولاد الذين أعطانيهم الـرب ـ آيات وعجائب ۰۰۰ » (اشعياء ٨ : ١٨)من نبوات الاثنين .

ويأتي وقت يثمر فيـه عمـل الكلمـة ـ وخدامه ـ في قلب الابن الضال ، ويأتي وقت يحس فيه هذا الابن بأنه وهو ساكن في الكـورة البعيدة بما كان يحس به لوط وهو مقيم في سدوم وعمورة « كان بالنظر والسمع وهو ساكن بينهم يعذب يوما فيوما نفسه البارة بالافعال الاثيمة » (٢ بط ۲ : ۸ ) ولهذا يأتى ملاك الرب ويخرج تلك النفس من منفاها قائلا : « اهرب لحياتك . لا تنظر الى ورائك ولا تقف في كل الدائرة … » ( تك ١٩ : ١٧من نبوات الخميس ) .

وتبدأ النفس تبصر النور بعد الظلمة : « الشعب السالك في الظلمة أبصر نورا عظيما . الجالسون في أرض ظلال الموت أشرق عليهم نور » (أشعياء ٩ : ٢) من نبوات الاربعاء ) ولا يعود هـذا الابن يتوكل على ضاربه – مستعبده الذي التصق به في الكـورة البعيدة ـ بل يتكل على الزب القدوس بالحق (أشعياء ١٠ : ۲۰) من نبوات الاربعاء ) .

ويمسك الابن « عصا الله في يده » (خروج ٤ : ٢٠) من نبوات الاربعاء  ويحارب بها قوات الظلمة ، ويطرد خنازير الشر ، ويمضي في طريقه : « فقام وجاء الى أبيه » ( القداس  ) .

ويبصر من بعيد الراية مرفوعة ـ « اصل يسى القائم راية للشعوب» (أشعياء ١١ : ١٠) من نبوات الخميس ترشده الى الطريق الذي يسير فيه المنفيون وهم يعودون الى بيتهم الممجد ـ « وتكون سكة لبقية شعبه  كما كان لاسرائيل يوم صعوده من أرض مصر » ( اشعياء ١١ : ١٦) نعم ـ يعبر البحر الاحمر من جديد ويترك أرض العبودية في طريقه الى المدينة السمائية . يرنم ترنيمة موسى النبي التي يسبح بها المنتصرون في السماء (خروج ١٥) و (رؤيا ١٥ : ٢) والقديسون في جماعة المؤمنين على الارض وهم يتقدمون ليشتركوا معا في جسد الرب ودمه ..

ویرنم : « أحمـدك يـارب لانك اذ غضبت على ارتد غضــبك فنعزيني . هو ذا الله خلاصي فأطمئن ولا ارتعب ـ ( لانه ) قـوتى وترنيمتي وقد صار لي خلاصا » ( أشعياء ١:١٢-٢) من نبوات الخميس) وتمتلىء النفس احساسا بمحبة الآب السماوي العظيمة « واذ كان لم يزل بعيدا راه أبوه فتحنن وركض ووقع على عنقه وقبله .. و قال الاب لعبيده أخرجوا الحلة الاولى والبسوه ، واجعلوا خاتما في يده وحذاء في رجليه . وقدموا العجل المسمن واذبحوه فنأكل ونفـرح »  (القداس ) .

ولم تمنع الخطية السابقة الاب من أن يحيط ابنه بحنانه الكامل بل حيت كثر الاثم ، هناك تكثر النعمة . وتعود الصورة الالهية تشرق من جديد في روعة بهائها ، تنتصر الطبيعة الالهية وهي تستريح في نفس الابن العائد . ولا يصبح ثمـة فارق بينه وهو التائب في الساعة الحادية عشرة وبين من تاب في الصبح أو في الساعة الثالثة أو السادسة أو التاسعة  . الجميع يأخذون دينارا … ( انجيل باكر ) .

ان الدينار هو بالذات الخلاص بالنعمة ، انه الطبيعة الجـديدة ، التي تكون للمؤمن باقتباله المسيح بالايمان والاسرار . يأخذها المؤمن ولو كان قد تعب قبل هذا الايمان طول النهار كاليهـود والابن الاكبر ( البولس  ) أو أمن في الساعة الحادية عشرة كالامم والابن الضال • بهذا الدينار » ينتقل المؤمن من سلطان الظلمة الى ملكوت الابن انه الحياة بعد الموت : « ابني هذا كان ميتا فعاش » ( القداس)٠ ويحصل التائب على بركات المطـر المبكر … والمطـر المتأخر (یوئیل ۲ : ٢١ – ٢٦) من نبوات الاربعاء  . واذا كان الابن قد كسر لوحي العهد بتركه بيت أبيه وسـيره الى الكورة البعيدة ، فانه بتوبته ينحتهما من جديد ويضعهما في قلبـه (تثنية ٩ : ۱۷) و (تثنية۱۰ : ۱ – ٥) من نبوات الجمعة .

ويتحقق معه وعد الرب لجماعة المؤمنين به : « اجعل شريعتي في داخلهم ، واكتبها على قلوبهم وأكون لهم الها وهم يكونون لي شعبا . ولا يعلمون بعد كل واحد صاحبه وكل واحد أخاه قائلين اعرفوا الرب، لانهم كلهم سيعرفونني من صغيرهم الى كبيرهم يقول الرب ، لاني أصفح عن آثامهم ولا اذكر خطيتهم بعد » ( ارميا٣١:٣١ -٣٤) و(عب ۸:۸-۱۲ )۰

 

 

المراجع:

 

المرجع : مجلة مدارس الاحد اعداد مارس 1982 – فبراير ومارس 1986