اليوم التاسع من هاتور (تذكار إنعقاد مجمع نيقية المسكوني )

أف ١٣:٤ ))

(هؤلاء الذين شُهد لهم أنه من قبل إيمانهم وصبرهم فلنسع في جهادهم وننظر إلي رئيس الإيمان ومُكمِّله يسوع )

ذكصولوجية لابسي الصليب

” يلزمنا إلاَّ ننشغل بالمباحثات، لأننا إذ نسأل لا يكون للإيمان موضع، إذ الإيمان يعطي للمباحثات هدوءً. لكن لماذا يقول السيد: “اطلبوا تجدوا، اقرعوا يُفتح لكم” (مت ٧: ٧)؟ وأيضًا “فتشوا الكتب لأنكم تظنون أن لكم فيها حياة أبدية” (يو ٥: ٣٩)؟ الطلب يعني الصلاة والرغبة الشديدة. فهو يأمر بتفتيش الكتب لا للدخول في أتعاب المباحثات وإنما لإنهائها، بالتأكد من معناها الحقيقي، فلا نبقى بعد في مباحثات مستمرة وإنما نقطع فيها [1]

 

شواهد القراءات

(مز ٣١ : ٧ ، ١٢) ،(مت ٢٥ : ١٤ – ٢٣)،(مز ١١١ : ١) ،(لو ٦ : ١٧ – ٢٣) ،(رو ٤ : ١٣ – ٥ : ١ – ٥) ،(١بط١١ : ٣ -١٢) ، (أع ١١ :١٥ – ٢٤) ،(مز١٨ : ٤ )، (مز ١٣١ : ٧) ،(مت ١٦ : ١٣ – ١٩)

ملاحظات على قراءات يوم ٩ هاتور

+ إنجيل عشيّة اليوم (مت ٢٥: ١٤ – ٢٣) هو نفس إنجيل عشيّة أيام ٢٧ بابه (أنبا مقاريوس الكبير ) ٢٢ طوبه ( الأنبا أنطونيوس ) ، ٢٥ مسري ( أنبا بيصاريون الكبير )

وهو نفس إنجيل باكر يوم ٢ أمشير (الأنبا بولا )

وهو مثل الوزنات والأمانة فيها والمكافاة السماوية للأُمناء ، والمُلاحظ أن النص الكتابي ذكر فقط العبيد الأُمناء ، وهو يتكلم هنا عن أمانة التعليم ونقاوته ( موضوع قراءات اليوم ) ، وأمانة الجهاد والسهر ( أنبا مقاريوس الكبير وأنبا أنطونيوس وأنبا بولا وأنبا بيصاريون الكبير )

+ إنجيل باكر اليوم (لو ٦: ١٧ – ٢٣) هو إنجيل التطويبات للذين إحتملوا الآلام من أجل الإيمان ، وهو الحديث الذي وجهه الرب لتلاميذه القديسين ( آية ٢٠ ) لكي لا ينزعجوا من الإضطهاد الذي سوف يقع عليهم بسبب الكرازة ، كما أنه يطوِّب الذين عاشوا كمساكين من أجل الله ، وهو نفس إنجيل باكر في قراءات أيام ٢٧ بابه ( تذكار أنبا مقاريوس الكبير ) ، ١٧ هاتور ( تذكار يوحنا ذهبي الفم ) ، ٢٨ هاتور ( تذكار أنبا صرابامون أسقف نيقية ) ، ٢٦ طوبه ( تذكار شهادة شيوخ شيهيت )

+ قراءة البولس اليوم (رو ٤: ١٣ – ٥ : ١ – ٥) تُشبه قراءة البولس للأحد الثالث من شهر كيهك (رو ٤ : ٤ – ٢٤)

قراءة اليوم ( في الآيات الزائدة بعد بعد آية ٢٤ ) تتكلَّم عن عظمة الإيمان ، بينما قراءة الأحد الثالث من كيهك تتكلَّم عن برّ الله المُعْلَن لكل إنسان ( غرلة وختان )

+ الكاثوليكون في قراءات اليوم (١بط١ : ٣ – ١٢) تكرَّر في قراءات ثاني يوم عيد الصليب ، ١٢ بابه ( شهادة القديس متي الإنجيلي ) ، ٢٢ كيهك ( تذكار الملاك غبريال ) ، ٣ نسئ ( تذكار الملاك روفائيل )

وهي القراءة التي تكلمت عن الخلاص بالصليب الذي فتش وبحث عنه أنبياء ( عيد الصليب )، وعن الذين بشروكم في الروح القدس مثل الآباء الرسل ( ١٢ بابه ) ، وعن نقاوة هذا الإيمان والشهادة له ( ٩ هاتور ) ، وأنه شهوة الملائكة ( ٢٢ كيهك ، ٣ نسئ )

كما يأتي جزء من هذه القراءة (١بط ١ : ١ – ٩) في تذكار البابا بطرس خاتم الشهداء ( ٢٩ هاتور ) ، وقراءة الأحد الأوَّل من شهر بؤونه ، والإختلاف هنا هو في مجئ القراءة من بداية الإصحاح ( بطرس رسول يسوع المسيح … ) ، ورُبما يكون هنا سبب القراءة أي إسم القديس بطرس ، لذلك جاءت في تذكار البابا بطرس ، وفي الأحد الأوَّل من شهر بؤونه لأجل نهاية القراءة ” غاية إيمانكم خلاص أنفسكم ”

كما أنها تُشبه قراءة الكاثوليكون (١بط ١ : ١ – ١٢) للأحد الأوَّل من شهر أبيب لأجل إسم القديس بطرس ( آية ١ ) والذي يأتي مع عيد آبائنا الرسل الأطهار

+ قراءة الإبركسيس اليوم (أع ١١ : ١٥ – ٢٤) تُشبه قراءة الإبركسيس ليوم ٢٢ طوبه (أع ١١ : ١٩ – ٢٦) ، وقراءة الإبركسيس للأحد الثاني من شهر توت

يوم ٢٢ طوبه هو اليوم الموافق لتذكار نياحة أنبا أنطونيوس

ومجئ القراءة يوم ٩ هاتور لأجل إعلان إيمان الأمم ، وإرسالية الكنيسة لبرنابا الرسول لهم لضمان سلامة الإيمان ( تذكار مجمع نيقية ) ، ومجيئها يوم ٢٢ طوبه للإشارة إلي ما قيل عن القدّيس برنابا كأنه وصف مُشابه لشخصية أنبا أنطونيوس ( رجلاً صالحاً وممتلئاً من الروح القدس والإيمان )

أمَّا مجيئها في الأحد الثاني من توت فهو للإشارة إلي فرح برنابا بخلاص الأمم ( كما تهلَّل يسوع بالروح لأجل إعلان الإيمان للأطفال أي الأمم ومؤمني العهد الجديد )

+ تأتي قراءة إنجيل القداس هذا اليوم (مت ١٦ : ١٣ – ١٩) أيضاً في إنجيل قداس يومي ١٦ توت ( تذكار تجديد كنيسة القيامة ) ، ٢٩ هاتور ( تذكار الأنبا بطرس بابا الإسكندرية ) ، وفي إنجيل عشيّة ٣ أبيب ( تذكار القديس كيرلس السكندري )

مع ملاحظة أن هذا الفصل الكتابي يأتي في إنجيل عشيّة وباكر والقدّاس ليوم تسعة وعشرين هاتور في تذكار شهادة أنبا بطرس بابا الإسكندرية لذلك يكون محور وسبب مجيئه إعلان القديس بطرس وشهادته للاهوت المسيح له المجد

بينما مجيئه في إنجيل القدَّاس ليوم سادس عشر توت ( تجديد كنيسة القيامة ) للتركيز علي أساس الكنيسة علي صخرة الإيمان ، ويأتي أيضاً في إنجيل القدَّاس ليوم تاسع هاتور ( تذكار مجمع نيقيه ) لإعلان جوهر الإيمان المسيحي لاهوت إبن الله ، ومجيئها يوم تاسع وعشرين هاتور ، وفي إنجيل عشيّة ليوم ثالث أبيب للإشارة إلي رسالة الرعاة وهي الجهاد لأجل هذا الإيمان المُسلَّمْ ، وأيضاً للإشارة إلي سلطان الرعاة المُعطي لهم من الرب نفسه في الحل والربط

القراءات المُحوَّلة علي هذا اليوم +

ثاني عشر توت     تذكار إجتماع أفسس المسكوني الثالث سنة ٤٣٥

ثالث هاتور          نياحة القديس كيرياكوس عضو مجمع القسطنطينية الثاني سنة ٣٨١

أول أمشير          تذكار مجمع القسطنطينية الثاني سنة ٣٨١

رابع برمهات       تذكار مجمع بجزيرة بني عمر يُدعي الأربع عشرية

شرح القراءات

هذا اليوم هو تذكار مجمع نقية المسكوني الأول ومحوّل علي قراءات هذا اليوم تذكار مجمع القسنطينية وأفسس

أي أن قراءات هذا اليوم تحكي سلامة الإيمان وصحّته وجوهر الإيمان المسيحي ونقاوته ووحدة الإيمان بين الكنائس

لذلك تشرح قراءات اليوم ماهو إيماننا المسيحي وكيف ندركه ونعيشه ونتعمّق فيه ونحفظه ونشهد له

تبدأ المزامير في وصف حياة الإيمان عند أولاد الله الفرح بالرب (مزمور عشية ) ومخافته ( مزمور باكر ) والشهادة له ( مزمور القداس )

يتكلم مزمور عشية عن مصدر فرح أولاد الله هو الرب وإسمه القدّوس هو فخرهم وعزّهم

( افرحوا أيها الصديقون بالرب وابتهجوا وافتخروا باسمه القدّوس من أجل هذا تبتهل إليك كل الأبرار في آوان مستقيم )

ويستعلن الإيمان في مزمور باكر في الذين يحبون وصاياه ويحيون في مخافته

( طوبي للرجل الخائف من الرب ويهوي وصاياه جداً يقوي زرعه علي الأرض ويبارك جيل المستقيمين )

وفِي مزمور القداس يشهدون له في كل مكان والعدل هو حياتهم وعنوان خدمتهم

( في كل الأرض خرج منطقهم وإلي أقطار المسكونة بلغت أقوالهم كهنتك يلبسون العدل وأبرارك يبتهجون من أجل داود عبدك )

ورُبَّما يُشير مزمور القداس إلي مجمع نيقية الذي صارت قرارات الآباء فيه دستور الإيمان المسيحي في كل الأرض وفي أقطار المسكونة

وتشرح القراءات برّ الإيمان (البولس ) ونقاوة الإيمان وإمتحانه وكماله ( الكاثوليكون ) وقبول الأمم الإيمان ( الإبركسيس )

فيعطي البولس أبونا إبراهيم كمنوذج لبرّ الإيمان الذي يؤمن علي خلاف الرجاء ويدعو ماهو غير موجود كأنه موجود

( أمام الله الذي آمن به الذي يُحيي الأموات ويدعو ما هو غير موجود كأنه موجود الذي كان علي خلاف الرجاء آمن علي خلاف الرجاء … ولم يكتب من أجله وحده أنه حُسب له بل ومن أجلنا نحن أيضاً الذين سيحسب لنا … فإذ قد تبرّرنا بالإيمان لنا سلام عند الله بربنا يسوع المسيح الذي به أيضاً قد صار لنا الدخول بالإيمان إلي هذه النعمة التي نحن فيها ثابتون ومفتخرون برجاء مجد الله )

أمّا الكاثوليكون فيكشف عن ميراثنا السماوي الثمين والإيمان الذي يُمحَّص ويُخْتَبر بتجارب متنوعة لنوال كمال الإيمان وخلاص النفس وهي موضوع نبوّة الأنبياء وإشتياقهم وشهوة الملائكة

( للميراث الذي لا يبلي ولا يتدنَّس ولا يضمحل محفوظاً لكم في السموات أيها المحروسين بقوة الله بالإيمان للخلاص المستعد أن يُعْلن في الزمن الأخير الذي به تبتهجون الآن يسيراً وإن كان يجب أن تتألموا بتجارب متنوعة لكي تكون صفوة إيمانكم كريمة أفضل من الذهب الفاني المجرب بالنار … وتأخذوا كمال إيمانكم خلاص أنفسكم لأنه من أجل هذا قد طلب الأنبياء وفتشوا … علي آلام المسيح والأمجاد التي بعدها … التي تشتهي الملائكة أن تطّلع عليها )

بينما يُعْلِن الإبركسيس قبول الأمم للإيمان كما حدث مع القديس بطرس في بيت كرنيليوس

( فلما ابتدأت أتكلّم حلّ الروح القدس كما حل علينا أيضاً في البداءة فتذكرت كلام الرب كما قال أن يوحنا عمد بماء وأما أنتم ستصبغون بالروح القدس فإن كان الله قد أعطاهم الموهبة كما لنا أيضاً بالسوية إذا آمنوا بالرب يسوع المسيح فمن أنا حتي أمنع الله فلما سمعوا ذلك سكتوا وكانوا يمجدون الله قائلين لعل الله قد منح الأمم أيضاً التوبة للحياة )

أما الأناجيل فتقدم إجتهاد الإيمان ( إنجيل عشية ) وصورة مؤمني العهد الجديد ( إنجيل باكر ) وصخرة الإيمان في العهد الجديد ( إنجيل القداس )

يقدم إنجيل عشية مثل الوزنات ليؤكّد لنا أهميّة الأمانة والإجتهاد كتعبير عن سلامة الإيمان وصحّته

( وكأنما إنسان مسافر دعا عبيده وسلَّمهم أمواله … وبعد زمان طويل جاء سيد أولئك العبيد وحاسبهم فجاء الذي أخذ الخمس وزنات وقدم خمس وزنات أُخر قائلا يا سيد خمس وزنات أعطيتني هوذا خمس وزنات أخر ربحتها فقال له سيده حسناً أيها العبد الصالح والأمين كنت أميناً في القليل فأُقيمك علي الكثير أدخل إلي فرح سيدك )

بينما يرسم إنجيل باكر صورة مؤمني العهد الجديد المساكين بالروح والباكون والجياع والمُضطَهدون

( ورفع عينيه إلي تلاميذه وقال لهم طوباكم أيها المساكين بالروح لأن لكم ملكوت الله … طوباكم إذا أبغضكم الناس واعتزلوكم وعيّروكم واخرجوا إسمكم كشرير من أجل ابن البشر )

ويختم إنجيل القداس بجوهر وصخرة الإيمان المسيحي الإعتراف بالمسيح يسوع ابن الله الحي

( قال لهم وأنتم من تقولون إني أنا فأجاب سمعان بطرس وقال أنت هو المسيح ابن الله الحي فأجاب يسوع وقال له طوباك يا سمعان ابن يونا إن لحماً ودماً لم يُعْلن لك هذا لكن أبي الذي في السموات وأنا أقول لك أيضاً أنت بطرس وعلي هذه الصخرة أبني بيعتي وأبواب الجحيم لن تقوي عليها )

ملحوظة هامّة

يأتي هذا الإعلان اللاهوتي ( في إنجيل القدَّاس ) من الله الآب للقديس بطرس كمركز للأناجيل الثلاثة ، متي ومرقس ولوقا ، ويبدأ الرب يسوع بعده مباشرة (مت ١٦ : ٢١) في إخبار تلاميذه الإثني عشر عن موته وقيامته ، وكأن الصليب هو الطريق الوحيد لمعرفته المعرفة الحقيقية ، وأيضاً معرفته ترتبط بشركة موته وقيامته (في ٣ : ١٠) ، كما أجاب الرب سؤال فيلبس ونثنائيل عن من يريد أن يري يسوع فكلمهم عن حبَّة الحنطة التي إن ماتت تأتي بثمر كثير (يو ١٢ : ٢٤) ، ومن ناحية أخري ، يقودنا الإعلان اللاهوتي دائماً لشركة حمل الصليب بفرح (عب ١٠ : ٣٤) ، ويقودنا إلي الحياة السماوية من خلال قيامته المُقدَّسة (كو ٣ : ١).

الإعلان اللاهوتي في إنجيل متي جاء في (مت ١٦: ١٦)

وإعلان الرب لتلاميذه عن الصليب جاء بعدها في (مت ١٦: ٢١) ، (مت ١٧ : ٩ ، ١٢) ، (مت ١٧ : ٢٢) ، (مت ٢٠ : ١٧ ، ١٨) ، (مت ٢٠ : ٢٨) ، (مت ٢١ : ٣٨ ، ٣٩) ، (مت ٢٦ : ٢)

والإعلان اللاهوتي في إنجيل مرقس جاء في (مر ٨: ٢٩)

وإعلان الرب لتلاميذه عن الصليب جاء بعدها في (مر ٨: ٣١) ، (مر ٩ : ١٢) ، (مر ٩ : ٣١) ، (مر ١٠ : ٣٣) ، (مر ١٠ : ٤٥) ، (مر ١٢ : ٨)

والإعلان اللاهوتي في إنجيل لوقا جاء في (لو ٩: ٢٠)

وإعلان الرب لتلاميذه عن الصليب جاء بعدها في (لو ٩ : ٢٢) ، (لو ٩ : ٣١) ، (لو ٩ : ٤٤) ، (لو ١٣ : ٣٢) ، (لو ١٨ : ٣٢) ، (لو ٢٠ : ١٥) ، (لو ٢٢ : ٢٢) ، (لو ٢٢ : ٣٧)

أمَّا إنجيل يوحنا، فهو الإنجيل الوحيد الذي لم يأتِ فيه هذا الإعلان ، لأن هذا الإنجيل يُمْكِن أن نراه إنجيل الصليب ، فهو الإنجيل الذي تكلَّم عن الصليب من بدايته في الإصحاح الأول ، وحتي يوم خميس العهد (يو ١٣)

وفي الغد نظر يوحنا يسوع مقبلا إليه، فقال: «هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم! (يو ١: ٢٩)

أجاب يسوع وقال لهم: «انقضوا هذا الهيكل، وفي ثلاثة أيام أقيمه» (يو ٢: ١٩)

وكما رفع موسى الحية في البرية هكذا ينبغي أن يرفع ابن الإنسان، لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية. (يو ٣ : ١٤)

لأننا نحن قد سمعنا ونعلم أن هذا هو بالحقيقة المسيح مخلص العالم (يو ٤ : ٤٢)

والخبز الذي أنا أعطي هو جسدي الذي أبذله من أجل حياة العالم (يو ٦ : ٥١)

لأن ساعته لم تكن قد جاءت بعد (يو ٧ : ٣٠)

متى رفعتم ابن الإنسان، فحينئذ تفهمون أني أنا هو (يو ٨ : ٢٨) ، أبوكم إبراهيم تهلل بأن يرى يومي فرأى وفرح (يو ٨ : ٥٦)

أنا هو الراعي الصالح، والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف (يو ١٠ : ١١)

بل إذ كان رئيسا للكهنة في تلك السنة، تنبأ أن يسوع مزمع أن يموت عن الأمة، وليس عن الأمة فقط، بل ليجمع أبناء الله المتفرقين إلى واحد. (يو ١١ : ٥١ ، ٥٢)

الحق الحق أقول لكم: إن لم تقع حبة الحنطة في الأرض وتمت فهي تبقى وحدها. ولكن إن ماتت تأتي بثمر كثير. (يو ١٢: ٢٤)

ملحوظة أخري

يأتي سؤال الرب للتلاميذ عن ” من يقول الناس عنه ” في الأناجيل الثلاثة، ولكن يأتي الحوار في كل إنجيل مرتبط بشئ قبله أو بعده يُقدِّم مفتاح الجواب ومدخل المعرفة الصحيحة

في إنجيل لوقا يأتي الإعلان الإلهي والإستنارة مرتبط بالألم وحمل الصليب ( إنجيل عشية ) وفي إنجيل مرقس يربط الإستنارة بوضع ابن الله يده علي أعيننا ( إنجيل باكر ) أمَّا في إنجيل متي ترتبط الإستنارة وإستعلان إبن الله بنصرة الكنيسة علي أبواب الجحيم ( إنجيل القداس )

 

في إنجيل لوقا يأتي سؤال الرب والإعلان الإلهي لبطرس الرسول عن من هو إبن الإنسان ( المسيح إبن الله الحي ) وعن إرتباط هذا الإعلان الإلهي بإعلان الصليب والألم والموت والقيامة فهما دائما الإرتباط ببعضهما فلا يوجد معرفة لله معرفة حقيقية إلَّا من خلال الصليب والقيامة كما أن إستعلان إبن الله واضح في من ينكرون ذواتهم من أجل الله

( فسألهم قائلاً من يقول الناس إني أنا … فأجاب بطرس أنت مسيح الله فإنتهرهم وأوصاهم أن لا يقولوا هذا لأحد قائلاً أنه ينبغي أن إبن البشر يتألم كثيرا .. ويقتل وفِي اليوم الثالث يقوم وكان يقول للجميع إن أراد أحد أن يتبعني فلينكر نفسه ويحمل صليبه كل يوم ويتبعني )

وفِي إنجيل مرقس يأتي الإعلان الإلهي بعد معجزة لمس الرب الأعمي بيده مرتين لينال النظر والرؤية الكاملة ولعل حدوثها علي مرتين إشارة للإحتياج الدائم للمسة يديه علي أعيننا لنراه لذلك لابد أن يُعْلِن الله ذاته بنفسه لنا وهو الوحيد القادر أن يجعلنا نعرفه لكن فقط ينتظر مجيئنا إليه وإيماننا به

( فأخذ بيد الأعمي … ووضع يديه عليه وسأله ماذا تبصر فتطلع وقال أني أبصر الناس كأشجار يمشون ثم وضع يديه أيضاً علي عينيه فأبصر وشفي ونظر كل إنسان جلياً … وفِي الطريق سأل تلاميذه قائلاً لهم من يقول الناس إني أنا … فأجاب بطرس وقال له أنت هو المسيح )

أمَّا إنجيل متي يرتبط فيه الإعلان والإستعلان الإلهي بوعد الرب بالنصرة وأنه هو الصخرة التي ستتحطم أمامها أبواب الجحيم سواء من الإضطهادات أو التعاليم الكاذبة والهرطقات ولذلك يربط هذا بالكنيسة فهي حافظة الإيمان وحارسة التعليم النقي عن المعرفة الحقيقية لله

( سأل تلاميذه قائلاً ماذا يقول الناس في إبن البشر … فأجاب سمعان بطرس وقال أنت هو المسيح إبن الله الحي … وأنا أقول لك أيضاً أنت بطرس وعلي هذه الصخرة أبني بيعتي وأبواب الجحيم لن تقوي عليها وأعطيك مفاتيح ملكوت السموات وما تربطه علي الأرض …. )

ملخّص القراءات

تظهر نقاوة الإيمان في إستقامة التسبيح ومخافة الأبرار وعدل وبر الكهنوت

مزمور عشيّة وباكر والقدّاس

وبرّ الإيمان ونقاوته وإتساعه للأمم                      البولس والكاثوليكون والإبركسيس

وأمانته وثماره وآلامه وتطويباته وأساسه وصخرته          إنجيل عشيّة وباكر والقدّاس

أفكار مُقترحة للعظات

(١) الإيمان المسيحي (ملامح الإيمان ومظاهره علي المستوي الشخصي والكنسي )

١- إجتهاد الإيمان وأمانته

” حسناً أيها العبد الصالح والأمين كُنتَ أميناً في القليل فأُقيمك علي الكثير ”                          إنجيل عشيَّة

٢- تطويب الإيمان لخائفي الرب والجياع إليه والمُتألِّمين لأجله

” طوبي للرجل الخائف من الرب ويهوي وصاياه جداً ”                                                       مزمور باكر

” طوباكم أيها المساكين بالروح .. طوباكم أيها الجياع الآن …. ”                                          إنجيل باكر

٣- برّ الإيمان وسلام العهد الجديد والإغتناء بالنعمة

” فإذ قد تبرَّرنا بالإيمان لنا سلام عند الله بربنا يسوع المسيح الذي به أيضاً قد صار لنا الدخول بالإيمان إلي هذه النعمة التي نحن فيها ثابتون ومُفتخرون برجاء مجد الله                                                       البولس

٤- إستعلان كمال الإيمان بقبول التجارب ويقين الإيمان بابن الله

” لكي تكون صفوة إيمانكم كريمة أفضل من الذهب الفاني المجرب بالنار … ذلك الذي وإن لم تعرفوه تُحبُّونه هذا الذي للآن لم تروه وآمنتم به .. وتأخذوا كمال إيمانكم وخلاص أنفسكم ”                                الكاثوليكون

٥- إنتشار الإيمان

” لعل الله قد منح الأُمم أيضاً التوبة للحياة … وكانت يد الربِّ معهم فآمن جمع كثير ورجعوا إلي الربِّ ” الإبركسيس

٦- صخرة الإيمان ( ابن الله الحي )

” وعلي هذه الصخرة أبني بيعتي وأبواب الجحيم لن تقوي عليها ”                                       إنجيل القدَّاس

(٢) الروح القدس

١- سكيب الحب في قلوب أبناء الله

” محبِّة الله قد سُكبت في قلوبنا بالروح القدس الذي أُعطي لنا ”                                         البولس

٢- النعمة التي صارت في أبناء العهد الجديد والروح المُتكلِّم في أنبياء العهد القديم

” قد طلب الأنبياء وفتَّشوا ، الذين تنبأوا عن النعمة التي صارت فيكم وبحثوا عن الزمن وروح المسيح المتكلِّم فيهم ”      الكاثوليكون

٣- الصبغة والإمتلاء من الروح القدس

” وأما أنتم ستصبغون بالروح القدس … لأنه كان رجلاً صالحاً وممتلئاً من الروح القدس والإيمان ”    الإبركسيس

٤- إعلان الإيمان ومعرفة الله

” إنَّ لحماً ودماً لم يُعْلِن لك هذا لكن أبي الذي في السموات ”                                                 إنجيل القدَّاس

إعلان الآب للأسرار الإلهية لأولاده يكون عن طريق الروح القدس كقول القديس بولس (  فأعلنه الله لنا نحن بروحه. لأن الروح يفحص كل شيء حتى أعماق الله لأن من من الناس يعرف أمور الإنسان إلا روح الإنسان الذي فيه؟ هكذا أيضا أمور الله لا يعرفها أحد إلا روح الله (١كو ٢ : ١٠ ، ١١)

(٣) معرفة إبن الله                                                            إنجيل القدَّاس

١- ” سأل تلاميذه قائلاً ماذا يقول الناس في إبن البشر من هو ”

هذا السؤال يُعبِّر عن إحتياجنا من وقت لآخر لمراجعة إيماننا وتنقيته دائماً من أي معرفة عالمية أو أي صورة خاطئة عن الله من أفكار غير مسيحيَّة في المجتمع

لكن الله لا يحتاج لرأي البشر فيه (يو ٢ : ٢٥،٢٤، مت ١٧:١٠، لو ٢٦:٦) لكنه يسأل التلاميذ ليراجع إيمانهم هل هو مثل باقي الناس ؟

٢- ” قالوا يوحنا المعمدان وقال آخرون إيليا وقال آخرون أرميا ”

لعل البعض رأي في مناداة الرب بالتوبة (مت ٧:١٠) أنه يوحنا المعمدان والبعض الآخر رَآه يطرد الباعة من الهيكل (مت ٢١ : ١٣،١٢) فظنَّوا أنه إيليا وآخرين رأوه يبكي علي أورشليم (لو ٤١:١٩) فقالوا هو أرميا ولكن ابن الله أعظم من أن نري فيه جانباً أو شبيهاً فهو الذي دعا الأنبياء وهو موضوع نبوتهم

٣- فأجاب بطرس

العجيب أن الرب سأل التلاميذ والوحيد الذي أجاب هو بطرس وواضح أن إستعداد القديس بطرس في هذه اللحظة كان أكثر من باقي التلاميذ ولكن للأسف كما يحدث معنا في ضعفنا سرعان ما ننتقل إلي أقصي اليسار إذا لم نستمر في تمسُّكنا بإعلان الله وإكتفينا برأينا البشري وهذا حدث بعد هذا الموقف بلحظات عندما أعلن الرب عن صليبه وإندفع القديس بطرس ولكن ليس بإعلان من الآب لكن بغواية من الشيطان ( إذهب عني يا شيطان – مت ٢٣:١٦)

٤- إن لحماً ودماً لم يُعْلِن لك هذا لكن أبي الذي في السموات

معرفة الله ليست باللحم والدم والمنطق والعقل لكن بإعلانات الله لأن الله هو الذي يُعْلِن ذاته لنا (  والذي يحبني يحبه أبي، وأنا أحبه، وأظهر له ذاتي  – يو ٢١:١٤) ورحلة حياتنا هي رحلة نمو في النعمة وفِي معرفة ربنا يسوع المسيح (٢بط ٣ : ١٨)

٥- علي هذه الصخرة

الصخرة هنا هو ربنا يسوع المسيح (١كو ١٠ : ٤) والإيمان به يُحطِّم كل حصون الشر (٢كو ١٠ : ٤)

ولا يُقْصَد بالصخرة هنا القديس بطرس لأن الرب لا يبني كنيسته علي إنسان وكيف وهو القائل عن نفسه أنه حجر الزاوية (مز ٢٢:١١٨ ، مت ٤٢:٢١ ، أف ٢٠:٢)

٦- وأبواب الجحيم لن تقوي عليها

يمكن أن يكون لهذه الآية تفسيران :

التفسير الأوَّل هو أن أبواب الجحيم تهجم علي الكنيسة وعلي شعبها ولا تقدر عليهم

التفسير الثاني هو أن الكنيسة هي التي تخترق الجحيم ( جحيم الخطية والشر ) لتنقذ أولادها منه ولا تقدر أبواب الجحيم أن تقف أمامها

عظات آبائية

البابا أثناسيوس الرسولي

والشمس إذ تستضئ به ( الكلمة ) تنير العالم للقديس أثناسيوس الرسولي

ان معقولية السكون و نظامه يبرهنان علي أنه من صنع العقل أو كلمه الله.

1- إذا من يكون هذا البارئ ؟ لآن هذا نقطة يجب توضيحها لئلا يتوهم الانسان بارئا آخر بسبب جهله البارئ الحق ، فيتردي مرة أخري في ضلالة الالحاد القديمة . علي انني أعتقد أنه لا يوجد من يتسرب اليه الشك في هذه الحقيقة. لانه إن كانت ادلتنا قد برهنت أن ألهة ، و اثبتت خطأ أولئك الذين يؤلهون الخليقة ، و بينت بصفة عامة أن العبادة الوثنية كفر و الحاد و فساد ، نتج عن هذا حتما من استبعاد هذه الالهة أن الديانة الجقيقة بجانبنا ، و أن الاله الذي نعبده و نكرز به هو الاله الحق الواحد الذي هو رب الخليفة و بارئ كل الوجود.

2- و من يكون هذا سوي أب المسيح السامي في القداسة و المتعالي فوق كل الموجودات المخلوقة ، الذي كربان ماهر يدير دقة كل الأشياء بحكمته و كلمته ربنا و مخلصنا المسيح ، و يحفظها و ينظمها و يفعل كل ما يراه صالحآ ؟ علي أن ما عمل ما نراه حادثآ هو الاصلح ، طالما كان هو ما يريده ، و هذا يعسر علي الانسان أن يرفض الاعتقاد به.

3- لانه لو كانت حركة الخليفة غير معقولة ، و لو كان الكون يسير بلا خطة ، لحق للإنسان أن لا يصدق ما نقول .

أما إن كان قائمآ بالدقة و الحكمة و المهارة ، و ان كان منتظمآ كل الانتظام في كل نواحيه ، نتج عن هذا أن ذاك الذي هو أعلي منه و نظمه ليس إلا ( عقل أو) كلمة الله.

4- و لا أقصد بالكلمة تلك القوة الغريزية المودعة في كل الأشياء المخلوقة التي أعتاد البعض أن يسموها المبدأ الخلقي ، و العديمة النفس التي ليست لها قوة المعقولية أو التفكير ، بل تعمل من الظاهر حسب حسب فطنة من يستخدمها ، و لا اقصد كلمة الكائنات العاقلة و المنكوبة من مقاطع و تتلون حسب قوة تعبيرها ، بل أقصد ” الكلمة ” الحي القوي ، كلمة الله الصالح ، إله الكون ، نفس ” الكلمة” الذي هو الله ، الذي و هو يختلف عن كل الأشياء التي خلقت و عن كل الخليقة ، فهو و الكلمة الواحد للاب الصالح الذي بعنايته نظم هذا الكون و ينيره.

5- و اذ هو ” الكلمة ” الصالح للاب الصالح فقد أبدع نظام كل االاشياء ، متحدآ الشئ الواحد مع سائر الأشياء التي تخالفه ، و مخضعآ إياها لنظام واحد متناسق. و اذ هو قوة الله و حكمة الله فانه يجعل السماء تدور، و علق الأرض و ثبتها بمجرد إشارة منه رغم أنها لا ترتكز علي شيء.. و الشمس إذ تستضئ به تنير العالم ، و القمر له مدته المحدودة للاضاءة . و اليه يعزي تعلق الماء في السحب و هطول الامطار علي الأرض، و حفظ البحار في حدودها ، و الأرض تحمل العشب و تكتسي بكل أنواع النباتات.

6- و ان شك أي انسان فيما نقول و تساءل ان كان يوجد هنالك كلمة الله علي الاطلاق كلمة الله علي الاطلاق فان انسانآ كهذا لابد ان يكون معتوهآ إذ يشك في كلمة الله ، و مع ذلك فمن الممكن توضيح الامر مما يري ، لآن كل الأشياء كائنة بكلمة الله و حكمته ، كما أنه لا يمكن لآي شيء مخلوق أن يكون له وجود ثابت لو لم يكن قد خلقه العقل ، و هذا العقل هو كلمة الله كما قلنا[2].

أهمية قانون الإيمان في فكر القديس كيرلس الكبير

رسالة من كيرلس  حول قانون الايمان المقدس ( رسالة ٥٥ )

١-كيرلس يهدى تحياتة في الرب الى المحبوبيبن والمشتاق اليهم جدا انسطاسيوس ، الكسندروس ،مارتينيانوس ، يوحنا ، باريغوريوس القس ، مكسيموس الشماس ، والى الإباء الرهبان الأرثوذكس الباقين والى الذين يعيشون معكم الحياة التوحدية المتأسسين في ايمان اللة .

مقدمة عن قانون ايمان مجمع نيقية (١):

يمكننى الان ان امدحكم مدحاً ليس بقليل على حبكم للتعليم وحب التعب الذى لمحبتكم واعتبر انة جدير بكل تقدير .فمن لا يبتهج كثيراً بسبب شوقكم للدروس الإلهية وحب الاشتراك في التعاليم المقدسة الكلية الستقامة ؟ هذا يساعدنا لنصل تلى حياة ابدية ومغبوطة ، فالغيرة في هذه الأمور ليس بدون مكافأة .

أهمية الايمان الصحيح :

٢-لأن ربنا يسوع المسيح يقول – في موضع ما – للة ابيك في السماء :

هذه هي الحياة الأبدية ان يعرفوك أنت الإله الحقيقى وحدك ويسوع المسيح الذى أرسلته (يو ١٧: ٣) لأن الإيمان الصحيح الذى لا يسخر به بسبب ما له من بهجة التلازم مع الأعمال الصالحة ، فهو يملؤنا بكل صلاح ويظهر أولئك الذين قد حصلوا على مجد متميز .وأن كان  بهاء اعمالنا يبدو انه لا يرتبط بالتعاليم الصحيحة والإيمان الذى بلا لوم ، فإنها (هذه الأعمال) لن تنفع نفس الانسان بحسب رأيى .فكما  أن الإيمان بدون أعمال ميت  (يع ٢ : ٢٠) هكذا ايضاً نحن نقول إن العكس صحيح . لذلك فليقترن الإيمان الذى بلا عيب ويشرق مع أمجاد الحياة المستقيمة . بذالك نصير كاملين بحسب ناموس موسى الحكيم جداً الذى يقول : وتكون كاملاً أمام الرب (تث ١٨ : ١٣).

٣- وأولئك الذين بسبب الجهل قد قللوا منزقيمة إمتلاك الإيمان المستقيم ممجدين حياتهم بسبب أعمال الفضائل  ، يشبهون أناساً ذوى ملامح حسنة في وجوههم ولكن نظرة عيونهم مصابة بتشويه  وحول وينطبق عليهم قول الله بصوت أرميا إلى أم اليهود وأعنى أورشليم : لأن عينيك ليست مستقيمة وقلبك ليس صالحاً (انظر أر ٢٢ : ١٧)

فمن الضرورى  قبل كل شيء آخر ان يكون لكم ذهن سليم في داخلكم وأن تهتموا بالأسفار المقدسة التي تخاطبكم قائلة : لتنظر عيناك باستقامة (أم ٤ : ٢٥ س) فالنظر الصحيح للعيون الخفية الداخلية هو أن يكون قادراً على النظر الى جميع النواحى بوضوح ودقة بقدر ما هو ممكن فيما يختص بالكلمات التي تقال عن الله . لأننا ننظر في مرآه في لغز ونعرف بعض المعرفة (أنظر١كو ١٣ : ١٢) ولكن الذى يكشف أعماق الظلام (أنظر أي ١٢ : ٢٢) ويرسل نور الحق  الى أولئك الذين يرغبون في أن يحصلوا على معرفة سليمة عنه  . فمن الضرورى إذن أن ننطرح أمام الله قائلين : أنر عينى لئلا أنام نوم الموت  ( مز ١٢ : ٤ س) لأن الإبتعاد عن استقامة التعليم المقدسة ، من الواضح  أنه لن يكون شيئا آخر سوى أن ننام نوم الموت ونحن نسقط مبتعدين عن هذه الأستقامة حينما لا نتبع الكتب الألهية الموحى بها ، إما بسبب  أفكار خاطئة غير ممدوحة او بسبب  تعصبنا للبعض الذين لا يسلكون بإستقامة من جهة الإيمان . ونحن ننغلب بسبب أننا نتبعهم في ميولهم الذهنية ، وفوق كل شيء أخر فاننا نؤذى  أنفسنا.

٤- لذالك ينبغي أن نصدق أولئك الذين يهتمون بالأستقامة في التفكير من جهة الكرازة المقدسة ،والتي سلمها إلينا بالروح القدس أولئك الذين كانوا من البدء معاينين وخداماً للكلمة (انظر لو ١ : ٢) والذين كان أباؤنا الممجدون جداً يتبعون آثار خطواتهم بغيرة، هؤلاء(الأباء) الذين اجتمعوا في نقية في ذالك الوقت وحددوا إعتراف الإيمان المكرم والمسكونى ، والمسيح نفسه كان جالساً معهم في المجمع لأنه يقول حيثما  أجتمع اثنين او ثلاثة باسمى فهناك أكون في وسطهم (مت ١٨ : ٢٠)

٥- كيف يكون هناك شك في أن المسيح كان يرأس ذلك المجمع المقدس العظيم بطريقة غير منظورة . فهناك قاعدة معينة وأساس لا يتزعزع ولا هتز لكل الذين على وجه الأرض ، كان هذا الأساس يلقى به بعيداً  أو بالحرى يقضى عليه ، وأعنى إعتراف الإيمان النقى والذى بلا لوم . وإذن فكيف لايكون المسيح حاضراً إن كان هو نفسه الأساس بحسب قول بولس الحكيم جداً : فأنه لا يستطيع أحد أن يضع أسأسا آخر غير الذى وضع الذى هو يسوع المسيح (١كو ٣ : ١١)

٦- لذالك فألآباء القديسون الذين جاءوا بعدهم (بعد أباء نيقيه ) رعاة للشعب وانواراً للكنائس ومعلمن مهرة جداً للأسرار هؤلاء قد حفظوا الإيمان الموضوع والمحدد منهم (من أباء نيقيه ) بدون نقص ونحن لا نراى في اعترافات وشروح الأباء – أي شيء مهما كان- محزوفاً او مهملاً مما هو ضرورى لمنفعتنا ، لأنهم صاغوها من جهة الإيمان المستقيم والذى بلا غش لأجل دحض وهدم كل بدعة وثرثرة غير مقدسة ولأجل مساندة وتأمين أولئك الذين يسيرون بأستقامه من جهة الإيمان هولاء قد أشرق عليهم المصباح الحامل للنور وأنفجر النهار (٢بط ١ : ١٩) وهو انعمة بواسطة المعمودية المقدسة .

دوافع شرح القانون

٧- ولأن وقاركم قد كتبتم أن البعض يحرفون كلمات قانون الإيمان الى غير معناها -إما بسبب أنهم لا يفهمون معنى (قوة) الكلمات التي فيها فهماً واضحاً او لأنهم محمولون الى تفكير مرفوض بميلهم نحو كتابات بعض الأشخاص ، لذلك فكرت أنه من الضرورى بالنسبة لى أيضاً أن أوجه كلماتى اليكم في هذه الأمور وأفسر معنى قانون الإيمان وأوضح بأختصار الأفكار التي تأتى الى ذهنى .

إتباع الأياء :

نحن نتبع من كل وجه إعترافات القديسين وتعليمهم ونحن نثبت بإستقامة وبدون انحراف ما قالوه . وإن المجمع المقدس الذى اجتمع في أفسس بحسب مشيئة الله ، حينما  أصدر قراراً مقدساً ودقيقاً ضد التعليم الشرير الذى لنسطوريوس  ، فأنه  أدان معه ووضع عقاباً معادلأ على ابتداعات الأخرين الباطله (انظر ١تى ٦ : ٢٠) الذين  يأتون بعده ، أو ربما كانوا موجودين قبله ، وذلك لأن لهم نفس الأفكار التي لهم وتجاسروا أن يتكلموا او يكتبوا عنها . وعلى ذالك حيث إن إنساناً واحداً قد ادين مرة بسبب مثل هذه الأبتداعات الباطلة ، فهذة الإدانة ينبغي ان تصير ليس فقط ضد إنسان واحد بل ضد كل هرطقتهم أي الإفتراء الذى صاغوه ضد العقائد المقدسة التي للكنيسه بمناداتهم بإبنين ، مقسمين الذى لا ينقسم ومسجلين ( على انفسهم ) أمام السماء والأرض تهمة عبادة الإنسان .

٨- فجمهور الأرواح العلوية المقدس يسجد معنا للرب الواحد يسوع المسيح ولكى لا يكون مجهولا عند البعض معنى قانون الإيمان الذى ساد وكرز به في جميع كنائس الله المقدسة فإنى وضعت التعاليم ، أي بيانات الأباء القدسين في التفاسير الموجودة هناك لكى يعرف أولئك الذين يقرأونها ما هي الطريقة الصحيحة لفهم عرض الأباء القديسين الذى هو القانون النقى للإيمان الصحيح واظن أن محبتكم أيضاً قرأتم الكتاب الذى كتبناه معاً عن هذه الأمور . فبعد أن أضع أمامكم الأن كما قلت القانون نفسة كلمة كلمة  ، فإنى أنتقل بمعونة الله الى تفسير واضح لكل ما يحويه النص  ، لإنى اعلم أن بطرس المجيد جداً قد كتب : مستعدين دائماً لمجاوبة كل من يسألكم عن سبب الرجاء الذى فيكم (١بط ٣ : ١٥)[3]

القديس إيرينيوس

حافظ على قانون الإيمان

٣- ولكي لا نتعرض لمثل هذه الأمور لابد أن نتمسك بقانون الإيمان” الثابت ونحفظ في إيمان وصايا الله، ونخافه كرب ونحبه كأب”. إذن فإن حفظ الوصايا يأتى نتيجة للإيمان، لأن ” إن لم تؤمنوا . يقول إشعياء . فلا تفهموا “. فالحق يمنح الإيمان لأن الإيمان مؤسس على الأمور الموجودة حقا، حتى إننا نؤمن بما هو حقيقى كما هو في الواقع، وإذ نؤمن بما هو موجود حقا كما هو فعلاً، فإننا نحفظ اعتقادنا ثابتا من جهة هذه الأشياء.إذن، طالما أن خلاصنا يعتمد على الإيمان، فمن الضروري أن نبذل كل اهتمام لحفظ هذا الإيمان، وأيضا كي يكون فهمنا لهذا الإيمان فهما صحيحًا وحقيقيا.

الله والإنسان

إذن ما الذي يخبرنا عنه الإيمان كما سلم لنا من الشيوخ تلاميذ الرسل. فإن الإيمان أول كل شئ يحثنا أن نتذكر أننا قبلنا المعمودية باسم الله الآب ويسوع المسيح ابن الله، الذي تجسد وصلب وقام، وروح الله القدوس، لغفران خطايانا، وأن هذه المعمودية هي ختم الحياة الأبدية وميلادنا الثاني” من الله، حتى لا نكون بعد أولاد البشر المائتين، بل أولاد الله الأبدى. وعلينا دائما باستمرار أن نعمل لأجل أن نتسامي فوق كل الأشياء المخلوقة، فالكل موجود تحت سلطان الله، وكل ما هو موجود تحت سلطانه عليه أن يعمل لأجله، لأن الله هو رب الكل والكل ينتمي إليه. الله هو ذو السلطان المطلق والكل يأتي منه.

الله خلق الكل بكلمته وحكمته:

٤- في الحقيقة، إن كل المخلوقات تستمد بالضرورة بداية وجودها من علة أولى عظيمة، وعلة كل الأشياء هو الله. الكل يأتي منه، أما هو فلم يوجده أحد. لذا فإنه من الاستقامة والحق أن نؤمن بأنه يوجد إله واحد، الآب، الذي خلق الكل، وصنع كل ما لم يكن موجودا من قبل، وهو يحوى “الكل”، هذا الذي هو نفسه غير المحوى من أى شئ. كما أن العالم يدخل في نطاق ذلك “الكل” الذي يحويه الله ومن بين هذا “العالم” الإنسان أيضا، وبالتالي فإن الله خلق هذا العالم كله.

٥- ويتضح تعليم إيماننا في الآتى: واحد فقط هو الله، الآب، غير مولود، غیر منظور خالق الجميع، فوقه لا يوجد إله آخر. ولأن الله هو ناطق فقد خلق كل الأشياء بكلمته. ولأن الله روح ولذلك فقد زين كل الأشياء بروحه، كما يقول النبي ” بكلمة الرب صنعت السموات وبنسمة فيه كل جنودها “. وبينما الكلمة يؤسس أي يعطى الكائن جوهره ويمنحه الوجود، فإن الروح يمنح الشكل والجمال لهذه القوات المختلفة، لذا فإنه من الصواب أن يدعى الابن كلمة الله، بينما يدعى الروح حكمة الله. لذلك بالصواب أيضا يقول بولس: ” إله وآب واحد للكل الذي على الكل وبالكل وفي كلكم”. فالآب هو فوق الجميع”، والكلمة “بالكل” “dif p£ntwn “، طالما أن كل الأشياء بواسطته خلقت من الله. الروح هو فينا جميعا في كلنا  ” وهو يصرخ “يا أبا الآب”. كما أنه يمنح الإنسان أن يكون على صورة الله. والروح أيضا يظهر الكلمة”، لذلك تنبأ الأنبياء عن ابن الله. والكلمة أيضا متحد بالروح. لذلك فهو يفسر؛ كتب الأنبياء ويدخل الإنسان إلى الآب.

ثلاثة بنود لقانون الإيمان والمعمودية:

٦- إن البند الأول من قانون إيماننا، وقاعدة البناء وأساس الخلاص هي أن: ” الله الآب غير المولود، غير المحوى، غير المرئي إله واحد خالق الجميع”.

والبند الثاني: هو أن كلمة الله ” ابن الله، يسوع المسيح ربنا، الذي تنبأ عنه الأنبياء، الذي كل شئ به كان وبتدبير الآب في الأيام الأخيرة صار أنساناً بين البشر وتراءي للكل لكى يبطل الموت ولكى يجمع كل شيء ويظهر الحياة ويصنع شركة بين الله والإنسان”.

والبند الثالث أن: “الروح القدس هو الذي بواسطته تنبأ الأنبياء وتعلم الآباء بأمور الله، والذي بواسطته دخل الأبرار إلى طريق البر، كما أنه انسكب في الأيام الأخيرة بطريقة جديدة على جنس البشر مجددا الإنسان لله”

٧. لأجل هذا، فإن المعمودية التي هي ميلادنا الثاني” تُجرى على اسم الثالوث ، وهي التي تضمن لنا الميلاد الثاني من الله الآب بابنه في الروح القدس . لأن الذين يعتمدون ينالون روح الله الذي يقودهم نحو الكلمة، أى نحو الابن، بينما الابن يأتى بهم إلى الآب الذي يمنحهم عدم الفساد”. إذن فبدون الروح لا يمكن أن يرى هؤلاء كلمة الله وبدون الابن لا يمكن لأحد أن يصل إلى الآب، لأننا ننقاد إلى الآب من خلال معرفة الابن”، بينما معرفة ابن الله الكلمة تصير بواسطة الروح القدس. كما أن الابن يمنح الروح بحسب ما يريد الآب.

٨ – والروح القدس يدعو الآب كلى القدرة ورب القوات، لكي يعلمنا أن الله هو مبدع السماء والأرض والكون كله، خالق الملائكة والناس ورب الكل، ذاك الذي به توجد وتحفظ كل الأشياء، إنه الرحوم، والرؤوف، والصالح، والبار، والكامل في المحبة، إله الجميع؛ اليهود والأمم والمؤمنين. ومع ذلك هو أب للمؤمنين أيضا لأنه في آخر الأزمنة أعطى لهم عهد التبني. بينما لليهود هو سيد ومشرع، لأنه عبر الأزمنة تناسى البشر الله وابتعدوا عنه وتمردوا عليه فساقهم للعبودية، ونير الناموس يعلمهم أن لهم رب واحد، خالق وصانع كل شئ، الذي يمنح نسمة الحياة، وله يجب أن نقدم العبادة صباحًا ومساء. هو البداية الخالقة وهو السيد. هو المعتني بالكل وفي نفس الوقت هو المربي، والملك والديان، لأنه لا يوجد أحد يمكنه أن يفلت من دينونته سواء يهودي أو أممى ولا خاطئ ولا ملاك. لكن الذين . في الوقت الحاضر . يرفضون الإيمان بصلاحه فسوف يعرفون قوته في يوم الدينونة، وفق كلمات بولس الطوباوي: ” غير عالم أن لطف الله إنما يقتادك إلى التوبة. ولكنك من أجل قساوتك وقلبك غير التائب تذخر لنفسك غضبا في يوم الغضب واستعلان دينونة الله العادلة الذي سيجازى كل واحد حسب أعماله”. هذا هو الله الذي يدعوه الناموس إله إبراهيم وإله اسحق وإله يعقوب، إله الأحياء. وعلى الرغم من ذلك فإن عظمة وسمو هذا الإله لا توصف[4].

الأب صفرونيوس

الهرطقات سموم قاتلة

لنحذر الهرطقات التي تبعدنا عن المسيح ولنميز هذه السموم، دون أن نتذوقها لأن سم الهرطقات ظاهر، فهي تريد:

أولاً: أن تفصل الإنسان عن الله وعن الاتحاد والشركــة في الثالوث القدوس عندما ننكر ألوهية ربنا يسوع المسيح، مثل سم الأريوسـية القاتل.

ثانياً: أن تهدم صخرة النعمة، وتغلق ينبوع الحياة عندما تنكــر اتحـاد اللاهوت بالناسوت، لأن إنكار الاتحاد كما في سم النسطورية، هـو إنكسار لتجلي ناسوت ربنا بكل خيرات ومجد اللاهوت، وهو إنكـار للنعمة التي توهب في الأسرار السمائية المقدسة، لأننا لا نموت وندفن مع إنسان في المعمودية المقدسة، بل نموت ونصلب وندفن ونقوم مع الإلـه المتجسد الذي أبطل بقوته الفساد والموت وهدم سلطان الهاوية. وجاءت إلينا نحن الترابيين خيرات ومجد اللاهوت لأن ابـن الله الحـي أشـرق جسديـاً من البتول القديسة مريم وسطع نور الحياة غير المغلوبة، أي حياة اللاهوت في ناسوته الإلهي، فصار لنـا بالاتحاد معه وبه وفيـه ذات المجد الإلهي الذي نالـه الناسوت بالاتحـاد مـع اللاهـوت، لأن الناسوت لم يغلب الفساد والموت بقوة إنسانية، بل القوة الوحيدة التي تغلب الفساد والموت ولا تخضع لهما هي قوة من هو حي بالطبيعـة وجابـل الإنسان وبارئه ربنا يسوع المسيح كلمة الله الآب الـذي خلـق وكون كل الأشيـاء وحامل كل ما هو كائن بكلمـة قدرتـه (عب ١ : ۳).

 

۲۳- وكل من يحاول أن يغرس أي فكرة ما ضد محبة الله وضـد مجد الإنسان في يسوع المسيح، فهو متحالف مع الشيطان الذي بحسد الشر الذي فيه، خدع الإنسان وقاده إلى الموت لكي لا ينال الإنســـان شيئاً من الله بل يسقط ويهلك. هكذا راعي السوء ومعلم الزور، وكـل من ينكر مجد الإنسان في المسيح هو متحالف مع الشيطان وشريك له في الحسد الذي حاول أن يبطل به مجد محبة الآب.

٢٤- نستطيع أن نميز الهرطقة على النحو التالي:

* الهرطقة التي تنكر تجسد ربنا يسوع المسيح.

* الهرطقة التي تُنكر ألوهيته.

* الهرطقة التي تُنكر اتحاد اللاهوت بالناسوت.

هذه هي طرق الموت الثلاثة التي كل من سار فيها يهلك إلى الأبد.

لنميز التعليم الشيطاني على هذا النحو:

  • التعليم الذي ينكر مجد الإنسان في المسيح بإنكاره لتحسد ابن الله.
  • التعليم الذي ينكر شركة الإنسان في حيـاة ربنا يسوع المسيح، عندمـا يبعث هذا التعليم من جديد أحكام توراة موســى محـاولاً أن يجعـل الشريعة الموسوية هي الوسيط، وبذلك يهدم ركن الخلاص الثابت أي موت ربنا يسوع المسيح الذي به تحررنا من كل رباطات الناموس.

٢٥- التعليم الذي يجعل نعمة الله غريبة عن الله نفسه، وينكر أن كل شيء هو من الآب بالإبـن في الروح القدس وبذلــك يجعـل النعمة الإلهية غير هبة الحياة في يسوع المسيح. لنحذر هذه السموم لأنها قاتلة، ولأنها تعيد إلى الإنسان طبيعته العارية التي لا مجد لها، ولا حياة فيها بدون ربنا يسوع المسيح [5].

عظات آباء وخدام معاصرين

قداسة البابا تواضروس الثاني

لو ( ٩ : ١٨ – ٣٣ )

من أنا بالنسبة لك ؟

عندما اختار السيد المسيح تلاميذه لم يحدثهم عن الصليب والآلام والموت ، ولكنه أخذهم معـه فـي معجزاته وتعاليمه وأمثاله ومقابلاته ، ولكـن بعـد أن عايشوه وعرفـوه وثبتـوا فـيـه وبـدأ يتكـون لـديهم إيمـان قـوي وخبرة بالمسيح ، فتبعـه الـبعض لحكمتـه والبعض تبعه لسلطانه ، والبعض تبعه لمقدرته الفائقة وتعاليمه السامية ، أما الرب يسوع أراد أن يختبر تلاميذه فأخذهم على انفراد إلى قيصرية فيلبس ( أقصى شمال فلسطين على الحدود بين سوريا وفلسطين ) وبدأ معهم حواراً وسألهم :

المسيح : من تقول الجموع أني أنا ؟ التلاميذ قالوا : يوحنا المعمدان . وآخرون : إيليا . وآخرون : إن نبيا من القدماء قام .

المسيح : وأنتم ، من تقولون أني أنا ؟ بطرس الرسول : أنت هو مسيح الله !

هنا نلاحظ أن اندفاع بطرس الرسول بالإجابـة قـد تحـوي معنـى لاهـوتي عميـق معناه :

١- أنت هو المسيا المنتظر الذي انتظرناه طويلاً .

٢- أنت الذي تحدثت عنه الكتب وأسفار الأنبياء قديماً.

٣-  أنت هو الوحيد الذي تستطيع أن تمسح الخطايا ؛ لأنك بلا خطية .

هكذا جعل السيد المسيح سؤاله تدريجياً إذ بدأ من معرفة الناس عنه إلى معرفة التلاميذ وإدراكهم له ، فرسالة المسيح متوقفة على قبول إدراكهم لحقيقته ، وبالتالي تعتبر رسالته هي أخطر عملية في مراحل تعليمهم ، وهكذا نجح التلاميذ في الاختبار وانتقل معهم المسيح إلى الجزء الأصعب وبـدأ يصارحهم قائلا : ” إنه ينبغي أن ابن الإنسان يتألم كثيراً ، ويرفض من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبـة ، ويقتـل ، وفـي اليـوم الثالث يقوم ” ( لو ٩ : ٢٢ ) .

ولأول مرة كان التلاميذ يسمعون عن الصليب وقصصه في هذا الموقف ، لأول مرة يرون مسيحهم القوي الذي يصنع المعجزات ويشيع الجموع ويهدئ البحر ويجعلهم يصطادون سمكاً كثيراً يصلب ويهان ويموت ويدفن . لقد كانوا يرون مسيح الأشياء الرائعة العظيمة ، المسيح الممجد ، مسيح الفرح فقط ، لذا كان السؤال الذي يوجهه السيد المسيح في هذا النص الإنجيلي : من أنا بالنسبة لك ؟ هل مسيح المعجزات ومسيح الأمثال فقط ؟ أم مسيح الصليب والألم  ؟

+ المسيحية والألم :

المسيح ليس هو المسيح المفرح فقط ، فعندما تأتي المحن والآلام لا نتذمر عليه ؛ لأنه هو مسيح الألم أيضاً ، فالمسيحية يرتبط فيها الفرح والألم معاً ، وعندما تصلي صلاة الساعة السادسة نقول في إحدى القطع : ” نسجد لشخصك غير الفاسد أيها الصالح ، طالبين مغفرة خطايانا أيها المسيح إلهنا ؛ لأن بمشيئتك سررت أن تصعد على الصليب ، لتُنجي الذين خلقتهم من عبودية العدو . نصرخ إليك ونشكرك لأنك ملأت الكل فرحاً “. يا له من عجب أن يجتمع الصليب مع الفرح ، فالمسيحية ليست صليب وألم فقط ، ولا هي فرح فقط، وإنما هي الفرح المرتبط بالصليب ، ولذلك يقول السيد المسيح : إن ابن الإنسان ينبغي له أن يتألم ويرفض ويقتل :

يتألم : ويقصد بها الإهانات النفسية مثل الشتائم والتعييرات ، وهي تلك الإهانات التي تقع على النفس من أجل المسيح ، أو مـن يسخر على اسمك المسيحي ، فطريق المسيح ينبغي أن يكون فيه ألم ؛ لأن الألم هو الطريق للملكوت .

يرفض : أثناء دخول المسيح أورشليم كان الجمـع يهتـف : ” أوصـا فـي الأعـالي ” (مت ۲۱ : ۹). وبعـد أيـام قليلـة يهتفون : ” اصـلبه! اصـلبه !” (لـو ٢٣ : ٢١)، ويقـول لهـم بيلاطس : ” أطلـق لـكـم يـسـوع “، يقولون : ” لا أطلـق لـنـا بـارابـاس ” (مت ۲۷ : ۲۰ – ۲۱) . وأصبح المسيح مرفوضـاً تمامـاً ، إنـه شـيء مفجع وموجـع أن يـأتي المسيح ومعـه المصالحة ويكون ” محتقر ومخذول من الناس” (إش ٥٣ : ٣). ! مهمة قد يكون في حياتك أو فـي مكان عملك نـوع مـن الرفض ، فلا تتضايق فربما هذا الرفض تُشبه فيه مسيحك الذي رفض مـن قـبـل ومـا زال مرفوضاً من ملايين في العالم، فمثلا في الصين ربع سكان العالم ، ولا تعرف عن المسيح شيئاً ، قبائل بالملايين في أفريقيا لا تعرف عن المسيح شيئاً … ولا زال هناك كثيرون يرفضون المسيح .

يقتـل : نسـمـع عـن كـثير مـن الشهداء تقدموا للاستشهاد وهـم فـي قمـة الفـرح وتتعجـب معـي يـا أخـي كثيرا كيـف أن هؤلاء القديسين على اختلاف نوعياتهم وأجيالهم كانوا يتقدمون للاستشهاد وهم في قمة الفرح . يحكي لنا التاريخ عن شهداء ” إسنا ” عندما وجدوا أن السيف لم يصلح للقتل لأنه قد تلف ، فأعطوا السياف فؤوسهم كي يقتلهم بها وينالوا الشهادة على اسم المسيح ، ولذلك يقول البعض : ” إن بقاء المسيحيين في مصر عجيبة تُضاف على عجائب الدنيا السبع “.

والسؤال ماذا يمثل المسيح بالنسبة لك ؟ هل هو مسيح المعجزات والتعاليم ؟ أم المسيح المخلص الذي تألم من أجلك ، والذي سفك دمه من أجلك ، لا تنس أن آلام المسيح على الصليب كانت مـن أجـل كل إنسان فينـا لـكـي مـا يوجـد لـه مكـان فـي السماء ، فالصليب كان من أجلك على الخصوص ، فالمسيح سفك دمه من أجلك ، وتعب وتألم من أجلك .

قصة

هناك قصة مذكورة في السنكسار بتاريخ ١٤ مسرى تحكي عن أنه كان في مدينة الإسكندرية رجل يهودي اسمه فيلوكسينوس وكان غنياً جداً ومدققاً في شريعة موسى ، وكان بها كذلك مسيحيان فقيران ، فقال أحدهما : ” لماذا نعبد المسيح ونحن فقراء وهذا اليهودي غني جدا “. أجابه الثاني قائلاً : ” إن مال الدنيا ليس له عند الله . حساباً ، ولو كان له حساباً لما أعطاه لعابدي الأوثان وال واللصوص والقتلة ، وإن الغني ليس دليلاً كافياً على رضى الله ، فالأنبياء والرسل كانوا فقراء “، فلم يقتنع الرجـل فـذهب إلى فيلوكسينوس اليهودي وسأله أن يقبلـه فـي خدمته ، فقـال لـه : ” لا يحل أن يخدمني إلا من يدين بديني فإن أردت صدقة أعطيتك “، فأجابه قائلاً : ” خذني عندك وأنا أعتنق دينك وأعمل جميع ما تأمرني به “. فأخذه إلى مجمعهم وهناك سأله رئيس المجمع أمام جماعة اليهود قائلا : ” هـل تجحد مسيحك وتصير يهوديا مثلنا  ؟”، أجابه : ” نعم “، وهكـذا أنكر المخدوع مسيحه وأضاف إلى فقره المادي فقر الإيمان ، فأمر الرئيس أن يعمل له صليب مـن خشب وأعطاه قصبة عليها إسفنجة مملوءة خلا وحربة وقال له : ” ابصق على هذا الصليب ، وقدم له هذا الخل ، واطعنه بالحربة ، وقل : ” طعنتك أيها المسيح “. ففعل كل مـا أمـره بـه ، وعندما طعن الصليب المجيد سال منه دم وماء إلى أن نزل على الأرض ، ثـم سـقط ذلـك الشـرير ميتاً يابساً كأنـه حـجـر ، فاستولى الخـوف علـى الحاضرين وأمـن كـثيرون مـنهم وصاحوا قـائلين : ” نحـن نـؤمن بالسيد المسيح الإلـه الحقيقي “، ثم أخذوا من الدم ومسحوا عيونهم ووجوههم ، وأخذ منه أيضاً فيلوكسينوس ورشه على ابنته العمياء فأبصرت في الحال ، فآمن هو وأهل بيته ويهود آخرون كثيرون . ولما سمع البابا ثاؤفيلس أخذ معه بعض الكهنة والشعب وذهب إلى مجمع اليهود وأبصر الصليب والدم ، فأخذ منه وتبارك وبارك الشعب أيضاً ، ثم نزع الـدم مـن الأرض ووضعه فـي إناء واحتفظ به للبركة ، وأمر بنقل الصليب إلى الكنيسة ، وبعد أن أخذ إقرار الحاضرين بالإيمان عمدهم باسم الآب والابن والروح القدس ، وصاروا مسيحيين ومجدوا الله .

وأنت من هو المسيح بالنسبة لك ؟

أود أن أسترعي انتباهك إلى شـيء مهـم وهـو أن يكون بينك وبين المسيح حـوار شخصي ، تعامل معه بصورة شخصية ، إسع إلى أن تكون أعمال المسيح من أجلك وحدك ، والأمثلة على ذلك عديدة :

-العذراء مريم :

+ نرى السيدة العذراء عندما ظهر لها الملاك للبشارة وقال لها : ” سلام لك أيتها الممتلئة نعمـة ! الـرب معـك ” (لو ١ : ۲۸). تُلاحظ هنا العلاقة الشخصية الدائمـة مـع الله ، والتي كانت في معيته باستمرار .

+ عندما زارت العذراء أليصابات قالت : ” تعظم نفسي الرب ، وتبتهج روحي بالله مخلصي ” (لو ١ : ٤٦)، وهنا تُلاحظ أنها قالت : ” مخلصي ” وليس ” مخلصنا “، وهذا يدل على العلاقة الشخصية بين العذراء مريم والله ، فهـو جـاء مـن أجـل خلاصي ، فكلمـة مُخلصى ” تعنى ” ” منقذ ” .

أُعطيكم مثالا يشبهون السيد المسيح به : أحد الأشخاص كان يغرق ، فمـر عليـه أناس كثيرون فقال أحدهم له : ” يا بني مـن الـذي جاء بك علـى هـذا المكـان فـي هـذا الوقت ؟ ألم ترقبـل أن تنـزل أن الأمواج عالية ؟ ألم تر الراية المرفوعة التي تحث على ذلك ؟! ألم تلاحظ وجـود دوامـات فـي الماء ؟”، ثـم تـرك الغريق وانصرف دون مساعدته ، فأخذ الغريق يصرخ لينقذه آخر ، وهكذا كل من يأتي يفعل ما فعلـه مـن سبقه يحذرون ويوبخون ، ولكنهم لم يستطيعوا إنقاذه من الموت . هكذا صنع الأنبياء في العهد القديم ، ولكن المسيح هو الوحيد الذي عندما رأى الإنسان يغرق في الخطية تنازل ونزل لينقذ هذا الإنسان ولذلك تسميه ” المخلص “.

ـ داود النبي :

اسمـع مـعـي داود النبي وهـو يـقـول : ” أحبـك يـا رب ، يـا قـوتي ” (مز ۱۸ : ۱). لم يقل المرنم : ” يا قوتنا “، ويعود يتحدث مع ربنـا بنفس الكيفية ويقول له : ” أسندني فأخلص ، وأراعي فرائضك دائماً ” (مز ۱۱۹ : ۱۱۷).

 

هذا هو المسيح الوحيد الذي له الحب العام والخاص جدا لكل أحـد فـي آن واحد ، والوحيد الذي له علاقة شخصية بكل أحد في العالم .العذراء مريم وداود النبي كان لهما علاقة شخصية دائمة مع ربنا ، وأنـت هـل كل ما يربطك بـه أن تقـول : ” هـل المسيح هو ربنـا ؟”، أم هناك علاقة شخصية بمخلصك وفاديك ؟ هل هناك مشاعر ودودة تجاهه ؟ ولكي تُجيب على هذا السؤال صل له قائلاً : ” أعطني يا رب إيمانا قويا ، أعطني أن أراك واضحا في حياتي ، وإذا كان العالم يشغلني ويبعدني عنك فاجعلني أقترب إليك في فترة أيام الصوم ، ساعدني أن أطرد كل ما بداخلي ويخص العالم ، وإن كان اليهود قتلوك بالحسد والحقد لكني يا رب لا أريد أن أقتلك بخطاياي ، فأنت الشافي الوحيد الذي تستطيع أن تمحي وتمسح هذه الخطايا ؛ لأنك أنت هو ” مسيح الله ” كما قال بطرس الرسول ، أنت الذي جئت من أجلي أنا ومـن أجـل ضعفاتي وسقطاتي ، يـا رب أنا أعلـم أنـه لـو كـان لا يوجـد فـي العالم أحـد غيري كنت ستأتى وتُصلب من أجلى : لأنى أدرك حُبك الكبير . أمين [6] .

المتنيح الأنبا أثناسيوس مطران بني سويف والبهنسا

مت ١٦: ١٣-٢٠

حوار حول شخص يسوع

المسيح ابن الله (مت ۱۳:١٦ – ۲۰)

ان لفظ Petra باليونانية معناه صخرة ، وهذا معنى اسم بطرس ولقد رد الرسول بطرس الرد الأمين المطلوب ” انت هو المسيح ابن الله الحي ” . وليس للكنيسة ايمان غير هذا ، وهي لا تقوم الا عليه ، ولذلك قال الرب : « على هذه الصخرة – أي هذا الايمان بی-ابنى كنيستي ، ولقد مدح السيد هذا الايمان لأنه جاء في اعتراف واضح ، وكان قد سبق ومدحه كلما أعلنه انسان مثلما مع المراة الكنعانية (مت ١٥ : ۲۸) ومثلما مع قائد المئة (مت ۸ : ۱۰) ولقد سبق التلاميذ واعلنوا ذلك (مت ١٤: ٣٣ ) واعلنه كثيرون في نداءاتهم يا « ابن داود ، (مت ۹ : ۲۷ و ١٢ : ٢٣، ١٥: ٢٢) ۰ فطوبى لسمعان بن يونا هنا لأن الرب أعلن له هذه الحقيقة فنطق بها ، وطوبى لكل من ينطق بها . وطوبى لكل البسطاء الذين أعلنت لهم.. أحمدك ايها الآب رب السماء والأرض ،لأنك أخفيت هذه عن الحكماء والفهماء واعلنتها للاطفال ..ولا احد يعرف الآب الا الابن ومن اراد الابن أن يعلن له » (مت ۱۱ : ۲۰ – ٢٧) ” وليس أحد يقدر أن يقول يسوع رب الا بالروح القدس ” (١كو ١٢ : ٣).

(مت ١٦: ۱۸) ان فم الذهب ، وكيرلس فهموا بالبطرا الايمان الذي أقر به بطرس ، كما ان اغسطينوس قال ان الصخرة يريد بها المسيح نفسه لأنه هو الصخرة كما ورد في (اكو ١٠: ٤) .

ولعلنا نتساءل ان كان الايمان هكذا هبة فما ذنب غير المؤمن يقول الرب و هانذا واقف على الباب واقرع ، ان سمع أحد صوتي ، وفتح الباب ، ادخل اليه ، وأتعشى معه وهو معی (رؤ ٣: ٢٠) ومعنى ذلك أن النعمة تطرق باب القلب فان تجاوب معها ازدادت ، وهكذا يزداد التفاعل بينهما . فالفضل اساسا للنعمة ولكنها لا تقتحم القلب اقتحاما فالرب يعطي والانسان يقبل .

ابن الله :

ان تعبير ابن الله تعبير روحي عقلي ، وليس جسديا فالأفكار تتولد من بعضها في العقل . والعقل هو مجموعة هذه الأفكار وليست بنوية الابن للأب انفصالية ، بل هي ولادة ذاتية كتولد الفكر من العقل ، وليس من كيان للعقل دون الفكر ، ولسنا ندرك العقل الا عن طريق صورته وهي الأفكار.

كان لأرسطو نظرية عن المادة ( الهيولا ) والصورة . فالخشب مادة له صفات : أنه صلب ، ويحترق ، وهو أصلا نبات ، ويمكن تشكيله الى غير ذلك . والخشب كمادة وصفات وجد في لحظة واحدة ، ولا يمكن فصل الصفات عن مادة الخشب ، ولذا نجد لكل مادة صور ذاتية ، هي مجموع مميزات هذه المادة . فلا قيام للصورة بعيدا عن المادة ولا للمادة دون الصورة ، واذا أزلنا الصورة زالت المادة ، واذا زالت المادة فنيت الصورة . على أن الصورة هي ما ندركه من المادة . ولقد قال الرسول بولس عن ابن الله « الذي هو بهاء مجده ، ورسم جوهره وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته » عب ١ : ٣ وقال عنه أيضا ” صورة الله غير المنظور ” (كو ۱ : ١٥) ۰ أول كل خليقة ، أي أنه هو أساس كل تصوير آخر في الكون ، وكل وجود ” كل شيء به كان ، وبغيره لم يكن شيء مما كان “(يو ۱ : ۳).

هل يمكن أن يقوم الجوهر دون الرسم والمظهر ( الصورة الذاتية ) ؟ نحن نعرف أن الله روح مالیء كل مكان منزه عن المادة أزلى أبدي . هذه كلها صفات الله أي صورته كما نراه ، أن نحن لا نعرفه في ذاته فالآب هو المصدر والابن هو الصورة ، أما الجوهر فلا وصول لنا اليه : وابن الله ، ابن ذاتی کامن في ذات الله ، ولا انفصال بينهما ( ” ألا والآب واحد من رآني فقد رای الآب . أنا معكم كل هذا الزمان ولم تعرفني يا فيلبس ؟ ) (يو ١٤: ٩)

والتجسد ليس غريبا ، فالله موجود في كل مكان ، ولو أراد أن يظهر بصورة ما لانسان فانه يقدر . واذا أراد أن يظهر في لحظة معينة لعدة أناس في أماكن مختلفة فهو يفعل ، كأن يظهر الانسان في طائرة في الفضاء ، والآخر في غواصة في البحر في نفس اللحظة ، ولغيرهما كثيرين في ذات الوقت . وهو هو لم يتجزأ ، فالتجسد ظهور الرب على الأرض في طبيعة بشرية ، وليس معنى ذلك أنه انسحب باللاهوت من الكون كله وتركز في هذا الحيز ، بل أنه ظهر في حيز محدود وهو في ذات الوقت غير محدود بالروح ، مادة بالبشرية ، منزه عن المادة باللاهوت ، منظور في الجسد ، وهو الروح غير المنظور ” وليس أحد صعد الي السماء الا الذي نزل من السماء ابن الانسان الذي هو في السماء “(يو ٣ : ١٣). وقد فهم اليهود تعبير ابن الله على هذا الوضع أنه حين قال : أنا , والآب واحد تناول بعضهم حجارة ليرجموه أجابهم يسوع ” أعمالا كثيرة حسنة أريتكم من عند أبي . بسبب أي عمل منها ترجمونني ؟ أجابه اليهود قائلين : لسنا نرجمك لأجل عمل حسن، بل لأجل تجديف . فأنك وأنت انسان تجعل نفسك الها ” (يو ١٠: ٣٠-٣٦).

وكما قال الرب لبطرس : ” أعطيك مفاتيح ملكوت السموات فكل ما تحله على الأرض يكون محلولا في السموات (مت ١٦ : ۱۹) لأنه نطق بهذا الايمان هنا قالها أيضا لسائر التلاميذ . الحق أقول لكم كل ماتربطونه على الأرض يكون مربوطا في السموات ، وكل ما تحلونه على الأرض يكون محلولا في السموات ” (مت ۱۸ : ۱۸)[7]

المتنيح الأنبا يؤانس أسقف الغربية

مجمع أورشليم

عقد هذا المجمع سنة ٥٠ أو ٥١ … كان أول مجمع كنسى يعقد ، ويعتبر نواة للمجامع الكنسية التي عقدت بعده ، وإن إختلف عنها كثيرأ  … كانت مهمة المجمع مزدوجة : أولاً – تقرير العلاقة الشخصية بين رسل الختان والأمم ، وتقسيم حقول الكرازة بينهم ، وثانياً – حسم موضوع الختان ، وتقرير العلاقة بيبن المتنصرين من اليهود والأمم … وقد أحرز المجمع بالنسبة للنقطة الأولى ، تقدماً كاملاً ونهائيا ً . أما بالنسبة للنقطة الثانية فقد أحرز إستقراراً جزئياً ووقتياً …

وإن كان سفر أعمال الرسل لم يسجل لنا كل ما دار من مناقشات فيما يختص بهذا المجمع ، لكننا نعتقد أن مناقشات فردية بين الرسل سبقت وصاحبت إنعقاد المجمع الرسمي ، الذى إشتركت فيه فئات مختلفة من أعضاء الكنيسة … في هذه المناقشات الفردية ، حل موضوع قانونية رسولية بولس ” وعرضت عليهم الإنجيل الذى أكرز به بين الأمم ولكن بالإنفراد على المعتبرين لئلا أكون أسعى أو قد سعيت باطلاً ” (غل ٢ : ٢) : لم يشيروا عليه بأية تعديلات في منهج خدمته ، ولا أعطوه أية توجيهات أو توصيات ، بل إذ رأوا التوفيق العجيب الذى أحرزه بولس وبرنابا في حقل الكرازة بين الأمم ، أعطوهما يمين الشركة ليكونا للأمم ، وأما هم فللختان (غل ٢ : ٨ ، ٩) … كل ما هنالك ، أنهم طلبوا من بولس أن يظهر حبه الأخوى ، ويقوى العلاقات ، بأن يعاون فقراء اليهودية عامة ، وأورشليم بوجه خاص ، الذين كثيراً ما كانت تحل بهم الاضطهادات والمجاعات . وكان بولس الرسول قد عنى قبل ذلك بخدمة المحبة هذه ، وقام بها فعلاً بفرح وعن إيمان ، بالجمع من كنائس الأمم ، وكان يحمل العطاء بنفسه إلى أورشليم (غل ٢ : ٧ – ١٠) … هكذا ظهرت روح الآباء الرسل طيبة نحو بولس وبرنابا ، كما ظهر تقديرهم لهما في قرار المجمع النهائي …. ” حبيبينا برنابا وبولس ، رجلين قد بذلا أنفسهما لأجل اسم ربنا يسوع المسيح ” (أع ١٥ : ٢٥ ، ٢٦) .

أما عن الموضوع الرئيسي ، الذى إنعقد المجمع لأجله ، وهو موضوع ” تهود الأمم ” أو الزام الأمم الداخلين إلى الإيمان بحفظ ناموس موسى ، فبعد مباحاثات كثيرة ، تكلم بطرس وبعده برنابا وبولس ، وأخيراً يعقوب أخو الرب أسقف أورشليم  ورئيس المجمع … وانتهى المجمع إلى قرار الآتى : ” لا يوضع على المؤمن ثقل أكثر غير هذه الأشياء الواجبة ، الأمتناع عما ذبح للأصنام ، وعن الدم والمخنوق والزنا ” (أع ١٥ : ٢٨ : ٢٩) .

ملاحظات على المجمع وقراراته :

١ – رأس هذا المجمع القديس يعقوب أخو الرب أسقف أورشليم ، وليس القديس بطرس كما يدعى البعض . ولم يكن بطرس هو أول المتكلمين في المجمع ، أو بعبارة أخرى لم يكن هو الذى إفتتح المجمع . فكلمة بطرس جاءت ” بعدما حصلت مباحثة كثيرة ” (أع ١٥ : ٧) … وكان كلامه عن خبرته السابقة في موضوع إيمان كرنيليوس الأممى … أما يعقوب فكان آخر المتكلمين وأكثرهم أهمية ، وكان لكلامه وزن كبير أنهى مناقشات المجمع .

٢- كانت المناقشات والمباحثات كثيرة (أع ١٥ : ٧) … لكن الروح القدس كان أيضاً حاضراً معهم ، وقاد هذه المناقشات ، ومن ثم صدر قرار المجمع أخيراً باسمه متحداً مع الكنيسة ” لأنه قد رأى الروح القدس ونحن … ” (أع ١٥ : ٢٨) – وليس باسم بطرس … إنها صورة مشرقة لروحانية الكنيسة الأولى ، ولما يجب أن تكون عليه المجامع الكنسية .

٣ – أحضر القديس بولس معه تيطس اليوناني الأممى … ويبدوا أنه أحضره ليقدم لكنيسة أورشليم عينه حية لما يمكن أن يفعله روح الله في الإنسان بدون الختان (غل ٢: ١) … ويبدوا أن فريق الفريسيين السابقين طالبوا بختانه . لكن بولس صمد وقاوم بشدة (٤٥) ” الذين لم نذعن لهم بالخضوع ولا ساعة ليبقى عندكم حق الإنجيل ” (غل ٢ : ٥) .

٤ – بخصوص قرار المجمع فإنه لم يلزم الأمم بالتهود ، لكنه أوصى أن يمتنع ” عما ذبح للأصنام ، وعن الدم ، والمخنوق ، والزنا ” (أع ١٥ : ٢٩) … وهذه النواهى هي ضمن ما كان يطالب به الأممى الذى يطلب التصريح له بحضور المجمع اليهودى ، وما قرره موسى بالنسبة للأمميين إذا أرادوا أن يجعلوا مقامهم في أرض اليهود … فالطعام المقدم للأصنام ، سواء ما يؤكل في الهيكل الوثنى أو خارجه ، كان يعتبر شركة مع الشياطين (تث ٣٢ : ١٧ ؛ ١كو ١٠ : ٢٠) … والدم هو عنصر الحياة ، ولذا فهو مقدس لله (تث ١٢ : ٢٣) . والأشياء المخنوقة مازالت تحتفظ بدمها ، فلا يجب أن تؤكل تبعاً لذلك … ومن هنا ، فإن هذه النواهى الثلاثة ، تتمشى مع تلك التي وضعت على الغريب الذى يقيم بين بنى إسرائيل (لا ١٧ : ١٠ ؛ ١٨ : ١٨) .

هذه النواهى الثلاثة السابقة تبدوا معقولة ، أما النهى عن الزنا فيبدوا غريبًا . فالزنا أمر غير مشروع لدى المسيحيين والأممين على السواء . من أجل هذا رأى كثيرون أن الزنا المشار إليه في قرار مجمع أورشليم ، إنما يقصد به الزيجات المحرمة ، كالحاله التي أشار إليها بولس في (١كو ٥ : ١) … ورأى البعض الأخر أن المقصود هو الزنا المعروف ، لأن خطايا النجاسة كان ينظر إليها باستخفاف في العالم الوثنى . وكانت توجد معابد كثيرة مستخدمة كأماكن دينية للدعارة ! ! وكان بولس دائما يحذر المتنصرين على يديه من الدنس الجنسى .

(٤٥) كيف يتفق موقف بولس الرسول هنا مع موقفه فيما يتعلق بتيموثاوس الذى ختنه بعد أرفضاض المجمع مباشرة (أع ١٦: ٣) ؟ ! يبدوا أن بولس ختن تيموثاوس كيهودى وليس كأممى. وقد فعل ذلك كنوع من الملاءمة الارادية، حتى ما يجعله أكثر نفعاً للخدمة بين بنى جنسه من اليهود ، الذين كانوا يعرفونه أنه ابن امرأة يهودية مؤمنه . فما كان ممكناً أن يسمحوا له بالتعليم في المجمع بدون علامة العضوية وهى الختان … أما في حالة تيطس – وهو يونانى أممى خالص – فكان مطالباً بالختان كأساس للتبرير والخلاص … كان بولس شديد الصلابة في وقوفه أمام الإخوة الكذبة – لكنه كان مستعداً دائماً أن يؤائم نفسه مع الضعفاء، وأن يصير لليهود كيهودى ، وللأمم كأممى لكى ما يخلص كليهما ( قارن رو١٤ ، ١٥ ؛ ١كو ٩ : ١٩ – ٢٣ ؛ أع ٢١ : ٢٣ – ٢٦ ) . ثم أن بولس كان لا يهمه موضوع الختان أو عدمه كطقس ظاهرى فقط بالمقارنة مع حفظ وصايا الله والخليقة الجديدة في المسيح . (انظر غل ٥ : ٦ ؛ ٦ : ١٥ ؛ ١ كو ٧ : ١٩ )[8] .

المتنيح الأنبا بيمن أسقف ملوي

ملامح الروحانية الشرقية

في التقليد المليء بالمحسوسات والأمور الخارجية البرانية : أيقونات ، ملابس ، شموع ، بخور ، مواکب ، ترانيم ، سجود. بالإضافة إلى الأنشطة الجسمية من النظر والشم والصوت والذوق واللمس والحركة.
نعجب حقا من أن نجد مثل هذا التعليم عن  “التصور” في الحياة الروحية عامة وفي الصلاة خاصة. فما معنى هذا ؟إن هذا التعليم يكشف أولا شخصية الروحانية الشرقية التي تتشكك كثيرا في الخداع الذاتي . ففي التقليد الشرقي نجد توكيداً للتعقل والصحو في كل الميادين التي يمكن أن يكون إتجاهاً باطلا أو افتنانا أعمى ناتجا عن الارادة الذاتية في تآمرها مع الوحي الشرير. فمثلا يقول مار اسحق السرياني : «إن ذاك الذي يرى نفسه على حقيقتها أعظم من الذي يقيم الميت فإن كانت هذه هي وجهة النظر نحو معرفة النفس ، ليدخل فيها ضمناً أن الانجذاب نحو الخداع الذاتي يكون لا مفر منه. فكم بالحري تعظم إمكانية الخداع فيما يتعلق بمعرفة العالم الروحي، وكم بالحري تتضاعف الحاجة إلى السير والتعقل في صلة معرفة الله . إذن فالتصور المرئي في العبادة الخارجية في الكنيسة ليس خطرا من هذه الوجهة إذ أنه صريح فيما يرمز إليه  وبالتالى لا يخدع . و لكن تصور العقل والحالات الباطنية قد تكون نتيجة لانفعالاتنا الخاصة ، بل قد يكون اثر الوازع إليها القوي الشيطانية بأسلوب قد يضللنا و يخدعنا إلى الزعم بوحدة باطلة مع ذاك الذي ليس هو الله ، والشيطان مخادع بطبعه وقد دعاه

المسيح بقوله أنه “الكذاب منذ البدء”  (يوحنا ٨: ٤٤) وشبهه بالذئاب التي تأتي في ثياب الحملان ، ويسميه الكتاب المسيح الدجال كما يخبرنا أن الشياطين قد تظهر على هيئة ملائكة النور. إذن فالاعتبار الأول في التحفظ التقليدي فيما يتعلق باستعمال المخيلة لإبراز صور حسية عن الله أو حتى عن المسيح الإنسان هو هذا التخوف الشديد من إمكانية الانخداع، ومن الثقة في السراب و اعتباره حقيقة. ومحور هذا التخوف هو الوعى التام بالقوي اللاشعورية والشيطانيه. وثمة اعتبار ثان في هذا التعليم وهو اعتبار لامرئي مؤداه أن الإنسان يستطيع أن يكون في وحدة مع الله بالروح ، وهو في هذه الوحدة ليس

في حاجة إلى أي نوع من التأمل المفتعل، فلا ضرورة لأية رؤيا مفتعلة وفوق هذا فرؤيا الله التي توصف بأنها ممكنة – والتي توهب معرفتها في الحياة الروحية – توهب في وحدة بعيدة عن المفاهيم والتصورات لان الله لا يمكن تفهمه ولا نتصوره بشكل مادي او عقلي . فمعرفة الله في الحياة الروحية هي معرفة الله، وليست “معرفة عن الله” أنها معرفة لإختبار وجودی وليست معرفة لتفكير عقلي أو نقاش منطقي. والله روح لا مرئي، ولا مادي لايمكن تخيله، وليس هناك مفهوم يمكن أن يحيط به ولكن في الصلاة الحقيقية إمكانية لمعرفة لا خيالية ، ولوحدة مع الحضرة الإلهية ،لاصلة لها بالمعرفة الذهنية والمفاهيم العقلية الموصوفة في تحاليل علم النفس والفلسفة. ويبدو أن التقليد الشرقي الخاص بوسائل المعرفة عامة مناهض للحاجة إلى المفاهيم “التصورية ” حتى فيما يتعلق بعالم الواقع الذي نعيش فيه

الإنسان لديه القدرة على المعرفة وعلى تبادل المعرفة من غير الرجوع المستمر الى تخيل موضوعات المعرفة بمعنى تكوين صورة ذهنية. ويقول لنا الآباء أن هذا صحيح من طبيعة الإنسان بذاتها لأنه هو – دون سائر المخلوقات – لديه إمكانية الإدراك الباطني للحقيقة وإمكانية اللمحة الوامضة لما يسمو على المعرفة اللاهوتية الغائصة في التسلسل الأبوى إذ هي متأصلة في الروح القدس ، روح المسيح الذي ياتي بحضرته القرية “بغير مراقبة” (لو ۲۰:۱۷)  “ليرشد إلى كل الحق” (يوحنا ١٦: ١٣) الروح القدس الذي لا يستطيع العالم أن يقبله لأنه لا يراه ولا يعرفه ولكنه معروف من أولئك الذين في المسيح كما قال الرب نفسه لتلاميذه”أما أنتم فتعرفونه لانه ماكث فيكم ويكون معكم ” (يو١٤: ١٧) . هذاهو الروح القدس عينه الذي اعتبره القديس ايريناوس ضمن العناصر الضرورية في الانسان بوصفه إنسان والذي وصفه أشعياء بقوله : “روح الحكمة والفهم ، روح المشورة والقوة ، روح المعرفة وخوف الله” (إش۲:١۱) لأن الانسان بوصفه “هيكل للروح القدس” يستطيع أن يستمتع بنوع من المعرفة مباشر وباطنی وكاشف للحقيقة بلا وسيط وبقوة داخلية “لأن يری” بشكل لايحتاج إلى صور، وباحتضان وجودی لیس في حاجة إلى المرور خلال درجات الفكر التحليلي.

وهذه المسألة عينها الخاصة بالتشكك في سوء استعمال الصور الذهنية في الصلاة وفي الحياة الروحية يواجهها التقليد الشرقي من زاوية عملية أيضا. ولتبسيطها إلى حد بعيد أستطيع أن أقول أن التقليد الشرقي يقف ضد أي رأي ينادي بأن الإنسان يحتاج علي أي حال إلى معاودة خلق المسيح كانسان في نوع من التصور المقدس له ولحياته الأرضية لكي يعرفه في الحاضر .فالرب الآن في ملكوته خلال قيامته وصعوده و تمجده ، وهو بذلك معروف “ليس حسب الجسد” ولكن وبالروح، ، ليس من وجهة النظر الإنسانية ، كما عرف قديما و لكن في “الخليقة الجديدة” (٢ کورنثوس ٥: ٦) وما دام هذا هو الواقع فالشركة الوثيقة مع الله خلال المسيح بالحضرة الحية للروح القدس في الكنيسة متاحة للناس في كل جيل. فهناك وسيلة جديدة لمعرفة الله وخلال الله لكل الحقيقة لا تتطلب أي تدريب سيكولوجي لتصور وتخيل للمسيح الذي في التاريخ . وأبسط مثل أسوقه هو السر المقدس في القداس الإلهى، ففي شعائر

التناول لا نطالب بأن “نوهم أنفسنا” بأننا حاضرون العشاء الرباني في العلية وأن الخديم هو المسيح ونحن جالسون معه .. الخ أو لزيادة التوضيح عن الموضوع نفسه نحن لا نطالب بالزعم أن يسوع على المذبح ، أو حين نتناول العناصر المقدسة، لسنا مضطرين إلى اقحام خيالنا على أن ما نأكل هو في الواقع لحم،إن الكنيسة لا تضطرنا إلى القيام بأعمال بهلوانية ذهنية لتجعل نشاطنا “الليتورجي” واقعيا بل على العكس من ذلك أنها تحذرنا من مثل هذه الأعمال: فالقداس الالهي حقيقة في ذاته ومن ذاته، وحقيقته الوحيدة في كيانه فقط ، والذبيحة الدموية سر في داخله وشكله ومضمونه الروحي يتحقق ويتم بالروح القدس ،وهي كافية في حد ذاتها بأن تمنحنا التشارك الاختياري لله .

إن الاباء ينصحوننا بأن تبدأ الصلاة بكلمات قليلة نكررها مراراً وتكراراً كلا تذكرنا و حينما كنا . وهذا النوع من الصلاة القصيرة المكررة يؤيده التقليد الشرقي للمبتدئین وللعارفين أيضا بل حتي”للكاملين” بوصفه نوع من الصلاة الفعالة . “فصلاة يسوع”  مثلا تستعمل هذه الطريقة كصلاة بسيطة للمبتدئين وكصلاة مستديمة للعارفين ، فهي تستمر من ذاتها كأنها وسيلة بيولوجية(للصلاة بلا انقطاع) في ( خبرة الاباء ) وبما أن ممارسة “صلاة يسوع” متأصلة في أعماق الروحانية الشرقية باكملها ، وبما أنها متاحة للجميع، وبما أنها مجهولة تماما في التقليد الروحي الغربي يجدر أن نلقي عليها شيئا من الضوء هنا . و”صلاة يسوع” إن أسيء فهمها أو استعمالها قد تكون تدريبا خطرا . لذلك وجب توضيح مبدأين أساسيين قبل شرح كيفية استعمالها الصحيحة ، وأولها هو أن ‘صلاة يسوع’ لا يمكن أن يرددها إلاالمسيحيون المتأصلون في الحياة الإنجيلية اللاهوتية السرائرية القداسية التي للكنيسة فهي ليست مجرد شيء يمكن تجربته للتسلية ولرؤية ماذا سيحدث بعيدا عن الإيمان المسيحي والحياة المسيحية.

وثانيهما أن كل التداريب ( الخارجية ) الموجودة في الكتب النسكية للصلاة من اوضاع جسمية و تمرینات تنفسية وتركيز للعين و مواقف ذهنية كلها ثانوية محضة، وليست ضرورية للصلاة لأن المقصود منها هو قصرها على النساك المدربين بإرشاد قادة اكثر خبرة وكإمكانية لا كقاعدة عامة .

و(صلاة يسوع ) لها أشكال كلامية متنوعة أكثرها شيوعاً هی : ( ياربى يسوع المسيح ابن الله ارحمني أنا الخاطيء). وبهذا الشكل يعلمنا التقليد أن هذه الصلاة تتضمن كل عناصر الإيمان المسيحي (ياربي یسوع) – ليس أحد يستطيع أن يقول (يسوع هو رب) إلا بالروح القدس (كورنثوس الأولی، ۳:۱۲)، فالقول بهذا تبعا للرب نفسه لا يعلنه ( لحم ولا دم بل أبي الذي في السموات) (متی ١٦ :١٨) . ( ارحمني )- مغفرة الله المعلنة في يسوع. ( أنا الخاطئ ) – لانه لم يأت للأبرار بل للخطاة الذين يدخلون ملكوت الله ليفرحوا الملائكة أكثر مما يفرحهم الأبرار إن كانت روحهم كروح العشار وحياتهم حياة التحول المستمر بالتوبة . فبإسم يسوع توهب كل الأشياء ، لأن الاسم ذاته استعلان وحضرة وقوة لذاك الذي يتضرع به . إلى الآن لم تطلبوا شیئا بإسمي . إسألوا تعطوا لكي يكون فرحكم كاملا ( يوحنا ١٦: ٢٤). وفي استعمالها الأول تحوي (صلاة يسوع) ضراعة تقال في أي وقت وأي مكان وتحت أى ظروف كوسيلة لمحاربة التجارب الشريرة . (اضرب عدوك باسم يسوع) هذا مايقوله كلیماکوس (فليس هناك سلاحاً أمضي منه على الأرض وفي السماوات وهو قطعا أقوى من الإرادة الانسانية ، فبقوة الارادة لن يخلص إنسان ، وقداسة الله ليست وليدة القوة والرغبة الانسانية ، وقهر الشيطان ليس تحت سلطة انسان . فالاندفاع الجارف إلى المعركة ضد ( قوى الظلمة) والانسان متسلح بحسن الرغبة والحماس الملتهب  فقط حماقة ووبال ولن يسفر إلا عن الفشل والأنحدار إن لم يؤدي إلي الإنهيار الوجداني والاضطراب العقلي أيضا. ( ورئيس هذا العالم ) اقوى من الانسان الساقط ، ولن يخرج إلا بالقدوس ابن الله .

وفي عقيدة القديسين تكون الصلاة وحدها باسم يسوع هي السلاح الوحيد القوى إلى حد ضمان الانتصار من غير جروح ،وهذا ما يعلمه مار إسحق السرياني ، معبرا عنه بكلمات عتيقة ،ولكن بمعنى وقيمة عصريتين ‘لا تقاوم الأفكار التي يغرسها العدو فيك بل بالحرى اقطع كل حديث معها بالصلاة لله . فليس لدينا دائماً القوة الكافية لمقاومة الأفكار العدائية إلى حد إيقافها ، بل بالعكس فإن مثل هذه المحاولات تصيبنا بجراح يطول شفاؤها . وعلى الرغم من كل نواياك الصالحة فالأعداء سینجحون في إيذائك. ولكن حتى إن قهرتهم فقذارة مثل هذه الأفكار ستلطخ عقلك وستلصق بك رائحتها الكريهة بأنفاسك ، ولكن ان استعملت الوسيلة الأولى ( وسيلة الصلاة) ستتحرر من هذا كله ومن الخوف لأنه ليس هناك عون غير الله ‘ وبهذه الطريقة تستعمل”صلاة يسوع ” كسيف روحي ليقطع كل قوه الشر ويحول نشاط الخطية التي تولدها الى قوة مطهرة قدسية. وهذا هو الأستعمال الطبيعي لها ، وعند دخول أول علامة من الشهوة إلى العقل : الكراهية ، الغضب ، الرغبة الرخيصة ، التسرع في الإدانة ..تكرر الصلاة فورا بقصد تحويل قوة الشر التي تعبر عن نفسها عادة بالرغبة الشريرة . تكرر الصلاة نحو الله باسم يسوع وبذلك تأتي بقوة الروح القدس بثمارها بدلا من الشهوات : المحبة بدلا من الكراهية ، الصبر بدلا من الغضب ، الطهارة بدلا من الشهوة،الرحمة بدلا من الإدانة ، وبهذه الطريقة – تبعا للآباء – يتركز(عقل) الانسان في القلب وينشأ بذلك نوع من أجهزة الإنذار يرن عند أول ظهور التجارب الشهوانية وفي لحظة تتجاوب الأصداء بصلاة يسوع، وبهذه الطريقة تمر موجة التجربة بدافعها الشرير خلال القلب الممتليء بالله في اسم يسوع النابع بفاعلية حضرة الروح القدس فيتراجع شرها أمام ثمار الروح . وهذه الوسيلة التي هي نداء اسم يسوع كسلاح روحی يمكن أن تنساب في ضراعة مستمرة باسم يسوع كتذكار لله أو ( وقوف في حضرة الله ) أو (صلاة بلا انقطاع ) وهذه على حد تعبير الآباء (انتباه العقل) و (حراسة القلب) أو ( تنقية القلب الذي خلاله وحده يستطيع الإنسان أن يرى الله ) . إذن فالتكرار المستمر لاسم الرب ان تم في تعقل وانتباه وإخلاص وإيمان ، وليس مجرد طلسم أو تعويذة، يمكن أن يؤدي إلى الصلاة المستمرة في أسمي درجاتها : الاتحاد في الله دون کلام أو وعي والممتلئ بالسلام والفرح والذي يعبر عن نفسه في توبة متواضعة ومحبة شاملة لكل الخليقة. أو بعبارة أخرى فإنه بالمداومة على الصلاة باسم يسوع على قدر طاقتنا وقوتنا يتجاوب الله معنا بختم الروح القدس على قلوبنا .

ويخجلني أنني حصرت حديثي في الحياه الروحية الفردية فلم أتحدث عن ابعاد الروحانية المسيحية اجتماعيا وتاريخيا وگونیا…. وهذه يجب التمعن فيها في أية مناقشة كاملة للمسألة الروحية، ومما لاشك فيه أنه لايزال أمام اللاهوت الأرثوذكسي مواجهة مسائل الحياة الروحية على المستويات التاريخية والإجتماعية وعلى الأخص داخل الإطار الحديث المتسم بالنظرة الغربية .

 

وقد قلت مرارا بأن الاعتراف الجوهري في التقليد الشرقي الأرثوذكسي هو أن الله نفسه جاء ليعيش في الناس خلال الابن والروح القدس ، ليقاتل الشر والخطية و ليقضى عليهما وليبرز الإنسان في كمال وقداسة و يصل به إلى حياة لا نهائية من الألوهية . وتأليه الإنسان هو عطية خالصة من الله معطاة في الخبرة السرائرية القداسية للكنيسة إذ يصبح المسيح ملكا لنا بالروح القدس الذي يخبيء نفسه كذات شخصية الانسان وبوصفه صورته ، واقتباسا من القديس غريغوريوس النزينزي ليستعلن في الشخص ‘ كما أن الإبن هو الصورة الكاشفة للآب وكما ان الروح هو الصورة الكاشفة  للإبن –  هكذا الإنسان القديس هو الصورة الكاشفة للروح، واستمرارا مع تفكير النزينزي إلى النهاية نسمعه يقول بأن هذا هو الدليل الوحيد علي وجود الله ومعناه وقيمته : القداسة الالهية للانسان و خلاله لكل الخليقة.

و عصر الكنيسة كعصر للروح في الإنسانية – المدعوة للتأله يتطلب وعيا جديدا للعلوم الأنثروبولوجية والاجتماعية و التاريخية والكونية على حد تعبير بردایيف أنه وقت ‘الله – الإنسانية’ – الشرط الخلاق الجديد للحرية والنعمة في الروح القدس والحق ،الشرط الذي يمتد إلى ما بعد السلطة والقانون . هذا الوقت الخاص بالروح الخلاق الحر يجد منتهي تعبيره في الكمال الشخصي الروحي وفي القداسة الخلاقة وبلوغه ينساب فيفيض علي حدود الشخص إلى مؤثرات عالمية : أنه الخليقة الجديدة للناس الجدد في السماء والأرض الجديدتين ، ولكي يضطرم روح الله في الإنسان يستلزم أقصى الجهاد الإنساني واجماع الآباء كلهم هو أن عمل النعمة شامل ، ولكن النعمة تأتي لتعطي النصرة على الخطية والموت والتحرر من كل قانون خارجی وسلطة خارجية لا يتحقق إلا حيث ملء الجهاد الإنساني الحر الخلاق : الجهاد الارادي العنيف الاندفاعی الذي هو في حد ذاته في سر الحياة الروحية الصفة الالهية الإنسانية وسمتها والذي يتحدي كل تحلل لما هو من الله وما هو من الإنسان . هي ظاهرة الألوهية – الإنسانية و التي ليست من هذا العالم ، وهي لذلك غير خاضعة للفحص البشري. إذن ‘فالوعي الجديد’ يتطلب ‘خلقيات جديدة ‘ عن ‘الله . الإنسانية’ حيث يتم التغلب على الفرقة بين الإلهي والانساني، لان فيه بحل كل ملء اللاهوت جسديا وأنتم مملؤون فيه … لانكم قد متم وحياتكم مستترة مع المسيح في الله ،( کولوسی ۹:۲- ٣: ٣). وكل مجال في الحياة الروحية ينطوي تحت فاعلية هذا الامتلاء مع المسيح في الله ، فكل مثابرة علي الإحتمال وكل جهد بلا كلل يجب أن يملأ جميع الفكر والكلام والعمل إلى أن يتحقق فينا هذا كحضرة مقيمة ولقد قال لنا القديس سيرافيم بأن هناك وسائل عديدة لهذه الغاية التي سماها

‘حيازة الروح القدس’ وأن كل انسان يجب أن يتاجر خاصة في تلك الأنشطة التي تعود عليه بأكبر ربح، ومع ذلك فمن الواضح من كل الكتابات الروحية أن كل انسان يجب أن يتاجر إلى حدما فيها كلها. . ويجب رفض الاذعان رفضا باتا للزعم بأن مايسمونه ‘وسائل النعمة ‘ او ‘الأعمال المسيحية’ يمكن تجزئتها إلي أعمال منفردة وبالتالي يمكن التغاضي عن بعضها في سبيل البعض الآخر أو إستبدال بعضها ببعض. والتقليد الشرقي يعتبر هذا الزعم تجربة كبرى فمثلا يعتبر الآباء من الخطر ممارسة”صلاة يسوع” مع تناسی حاجات القريب ، أو إهمال الصلاة والصوم بسبب الانشغال بالخدمة الاجتماعية . فالحياة الروحية هي ملء وهي تشييد وهی انسجام لعناصر عديدة وبالطبع تختلف هذه العناصر في قوتها وتفاعلها من شخص إلى آخر مما يؤدي إلى خلق فريد . وبهذا المعنى يكون هناك روحانيات بعدد الناس المستعدين لأن يصبحوا هياكل للروح القدس . ومع ذلك فالمحاولة الواعية لاختبار نواحی معینة وأنشطة خاصة من الحياة الجديدة مع اقصاء كل النواحي والأنشطة الأخرى هو تشويه للحياة الروحية بوصفها الحياة ذاتها – هذه العناصر لها قيمة في حد ذاتها بمدى فاعليتها في الشخص وفي العالم وباثرها بأن تحدث شيئا في الوجود ذاته هو قيمة باقية أبدية .وهذا طبعا هو بنیان جسد المسيح إلى أن تنتهي إلي …. إنسان كامل إلى قياس قامة ملء المسيح (أفسس ٤: ١٢ – ۱۳).

وفي هذا الجهاد يجب أن نلحظ أن اختبار  “موت الله ” و الاحساس بعدم وجود النعمة و القنوط والجفاف هو عنصر أيضا وفي الواقع يتكرر في لحظات بطريقة خفية في الحياة الروحية . وهو يحدث لكل الناس حتى وللكاملين إلى آخر الحياة . والتقليد قد اجتهد لتفسير سببه :

اما من الشر نتيجة للخطية، وإما من الله کدرس للتواضع، أو من طبيعة الحياة ذاتها في تطلبها الحرية أو من المحبة للاشتراك مع صرخة المسيح على الصليب “الهى الهى لماذا تركتني ” والتقليد عينه اجتهد أيضا لتقديم النصح بتفهم التجربة واحتمالها والتغلب عليها . ولكن النتيجة هي في النهاية : أن الاختبار لابد منه والجميع يؤكدونه بلا استثناء كما يؤكدون بأن الحرية الكاملة شرطه الوحيد والمحبة الشاملة هدفه الوحيد .

ففي أوقات الجفاف حين نحس بأننا وحيدون في الكون، يقول لنا الآباء بأن عزاءنا الأول أن مثل هذه الأوقات لابد أن تأتي ، وأنها ضرورية تماما ، وانها بطريقتها الملتوية تشهد للكرامة العظمى التي للانسان كما تشهد للنداء الإلهي فيه . لذلك فحينما تحل هذه الأوقات يجب أن نثبت فنؤدی كل حركات الحياة الروحية وعلى الأخص الصلاة حتى صلاة المراثي والشكوى والتساؤل والالحاح الشديد على الله طلبا للنور والفهم . ويجب أن نستمر في كل عمل صالح حتى أن كنا لانشعر بالرغبه فيه غاصبين أنفسنا على أن نعمل ما نعمله عادة بفرح وبهجة متيقنين بان “الصبر إلى المنتهي” هو وحده الذي يأتينا بالخلاص والخلاص هو بالضبط اختيار شركة الحضرة الإلهية المؤدي إلى توبة صادقة وإيمان حار ورجاء معزى في هذه الحياة وإلى محبة شاملة في هذه اللحظة والى الابد.

والمحبة الشاملة هي الهدف النهائي من كل الصراع الروحي. إنها غاية الحياة الروحية. الغاية التي لا نهاية لها. والصراع هو سعى للتشبه بالله والتأله في حياة النعمة الأبدية في تحول مستمر و تغير “من مجد إلى مجد” إلى كمال لانهائي. ومضمون هذه الحركة الشاملة للعالم وبدايتها ومنتصفها وآخرها – هو المحبة . الله محبة. محبة في ذاته ولذات المحبة لا بالنسبة لنا فقط . وهذا هو المعنى الديني الاساسي لايماننا بالثالوث الأقدس : الله هو إله حي إله محبة ، وحياته الباطنية هي المحبة. وروح الله هو روح المحبة. وهذا الحب قد كشف عن ذاته، وهذا الحب يريدنا أن تبادله بالحب وهذه المحبة لابد أن تنتصر ، إذن فالبداية محبة والنهاية محبة ، وفي المحور يقف الله المستعلن بنفسه في محبة واتضاع : “صلیب ابن الله” . و حياتنا الجديدة هي محبة. محبة فقط ، القوة الشاملة المطلقة التي للمحبة ، وهدف هذه الحياة  الجديدة هو “ان نعرف محبة المسيح التي تفوق كل عقل” .. هذا هو التوازن الجديد للحياة والقانون الجديد للحياة .. ومن المحال صوغ هذه الحقيقة في قوانين محددة ، فهي قوة جديدة قاهرة ، وحياة جديدة وقانون جديد للحياة ، ووحي جديد .. أنها أكثر من تعليم خلقی . آنها قوة جديدة … تبدأ من هنا مؤسسة على استعلان محبته المتنازلة والممتدة إلى الإمام ، وفوق هذا كله فهي القانون الاسمى للحياة الأبدية وهذا ما يقوله القديسون بالضبط ” أن حياتنا الجديدة هي المحبة والمحبه فقط ، القوة الشاملة للجميع التي هي المحبة” وحتى مار اسحق السرياني المعتبر اشد النساك تزمتا يختم تعليماته بارق حنان عن المحبة الكونية : “ماهو القلب المحب ؟ انه قلب ملتهب بالمحبة لكل الخليفة : للناس وللطيور و للبهائم ولكل الخلائق. أن ذاك الذي له مثل هذا القلب لا يستطيع أن يبصر أو يتذکر مخلوقا من غير أن تغرورق عيناه بالدموع بسبب الحنان الهائل الذي يتملك قلبه ، قلبا رقت مشاعره إلى حد أنه لايحتمل ان يرى أو يعلم من الآخرين عن أي ألم حتى أقله يقع على مخلوق. وهذا هو السبب في أن مثل هذا الرجل لا يفتر عن الصلاة من اجل الحيوانات ، ومن أجل أعداء الحق، ومن أجل الذين يؤذونه لکی يحفظوا ويتطهروا . أنه يصلي حتى من اجل الثعابين . مهتزا بالاشفاق اللانهائي الذي يملك على أولئك الصائرين قلوبا متحدة مع الله . والمحبة الصادقة لاتتخير محبوبها . انها عامة شاملة . أنها إلهية . انها ترغب في أن الجميع يعيشون و أن لاشيء يضيع ، أنها محبة لانهائية ( محبة أولئك الصائرین متحدين مع الله) إنها وحدة المحبة بالمحبة . وهی ممنوحة للناس بحلول روح المسيح ” لأن محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا” (رومية ه:ه) هذا الروح هو الذي يتغنى به القديس سمعان اللاهوتي الجديد بإسم المحبة بالذات .

وأختتم حديثي عن الاختبار الحي للحياة الروحية بترنيمة هذا القديس ( أيها المحبة القدوس – أن ذاك الذي لا يعرفك لم يذق قط حلاوة مراحمك التي لا يعطينا إياها إلا الاختبار الحي . أما ذاك الذي عرفك أو بالحرى الذي عرف منك فلن يداخله بعد ذلك أدني شك . لأنك أنت كمال الناموس : أنت يامن يملأ قلبى ويشعله ويلهبه و يطوقه بحب لا يقدر . أنت هو معلم الأنبياء وفخر الرسل إكليل الشهداء وإلهام الآباء والعلماء وتهليل الصديقين . وأنت أيها المحبة هو المهييء حتى لي انا للخدمة الحقيقية لله)[9].

أيضاً للمتنيح الأنبا بيمن أسقف ملوي

إبن الله الكلمة

كثير من الناس يسألون هل الله له إبن ؟ هل تزوج وأنجب؟ حاشا لله إنه روح أزلي أبدي لا يزوج لا يتزوج ولكن البنوة التي أعلنها  الكتاب المقدس هي بنوه روحية تماما .وتعبير الابن هو أقرب التعابير في اللغة لبيان العلاقة الوثيقة بين غيرالمنظور وبين المسيح الذي هو صورة الله غير المنظور(کو١٥:۱)إذ يقول السيد الرب (من رآني فقد رأي الآب ) (یو ۹:١٤) ليس في اللغة كلمة تعبير عن أعمق صلة بين الآب الذي يحيا في  نور لايدني منه ولم يره احد قط ولا يقدر أحد أن يراه (١تي ١٦:٦) وبين الله الذي تجسد واتخذ صورة عبد صائرا في شبه الناس.

هي بنوة غير جسدية :

ولا يمكن أن يكون المسيحيون قاصدين من هذه البنوة علاقة جسدية فهناك فروق بين البنوة في عالم الانسان وبين بنوة المسيح للآب.إذ أن الأبن في عالم الإنسان نتيجة تزاوج بين رجل وأمرأة ، وليس كذلك المسيح إطلاقا ، كما أن الإبن في البشرية متأخر في الزمان عن أبيه الذي أنجبه وليس كذلك المسيح .فالمسيح لا يفترق عن الآب والروح القدس كما لا ينفصل الشعاع والحرارة من الشمس ، والماء بالنسبة إلى النبع ، والفكر بالنسبة للعقل كما يقول أحد القديسين .. فهو مولود بغير إنفصالأ و إفتراق. فالمسيح هي الصورة المنظورة لله غير المنظور . وهما معا في جوهر واحد “أنا والآب واحد”(يو١٠ :٣٠) . وهذه العلاقة اعلى من أن يدركها البشر وفوق كل تصور لأنها تتعلق بجوهر الله وطبيعته الممجدة .

ونحن نؤمن بإله واحد :

والمسيحيون ليسوا مشركين ،إنهم لا يقولون ثلاثة آلهة لأيهذا يتضارب مع أبسط قواعد الفكر والمنطق ، فهم  يؤمنون باله واحد، طبيعة واحدة ، جوهر واحد .. ولكن الواحد هذا ليس واحد حسابيا بالطريقة الغامضة التي للواحد في علم الحساب والذي يحد بحدود معينة قابلة للإنقسام إلى جزئين أو ثلاثة .. الأمر الذي يتنزه الله عنه كل التنزيه. فوحدانية الله ليست وحدانية حسابية بل وحدانية نوعية أو بالحري عدم وجود شريك له في اللاهوت بای معنی من المعاني..

إنه واحد بمعنى أنه ليس له مثيل وليس له شريك معه .. إنها وحدانية خاصة بالله..

ولكن ما معنى ثلاثة أقانيم ؟

إن كلمة أقنوم كلمة سريانية ليس لها مثيل في اللغة العربية وهي بالأنجليزية Hypostasis ،وترجمتها الحرفية شخص ولكن في اللغة العربية الشخص يدل على الذات المنفصلة عن غيرها والأمر ليس كذلك من جهة الأقنوم .فالأقانيم  هي خواص الله الذاتية التي يكون بها .. وهي لا تعني وجود شركاء أو تراكيب كما إنها لا  تعنی مجرد صفات ونظرا لانهم مع وحدانية جوهرهم  يقوم كل منهم بعمل خاص لذلك يكون كل منهم متميزا عن غيره تميزا واضحا، كما أنه ليس هناك تناقض ولا إنفصال أو تضارب بين عمل کل، فكل يعمل ليس بمعزل عن الأقنومين الأخرين بل باتحاد كلي معا ، فالأقانيم متحدة دون اختلاط أو إمتزاج ومتنزه دون افترق أوإنقسام..وهذا هو الأمر الذي يسمو على فكر كل البشر والكتاب المقدس يدعو أحد الأقانيم الآب لن أقنومیته  تبطن كل المحبة الإلهية، ويدعو أقنوما آخر الأبن لأن أقنومیته تعلن كل هذه المحبة بطريقه ظاهرية ، ويدعو أقنوما آخر الروح القدس أو روح المحبة لأن أقنومیته تعلن كل هذه المحبة بكيفية روحية . ان إبوة الآب للأبن ، وبنوة الإبن للأب إنما هي تعبير عن علاقة من  علاقات المحبة الإلهية الكائنة بينها هي علاقة باطن الله بظاهره ،وباطن الله وظاهره واحد. إن وجود الأقانيم الثلاثة يحل لنا قضية المحبة .. فالمحبة التي لاتعلن عن نفسها ولا تعبر عن طبيعتها ولا تتدفق على غيرها إنما هي محبة ذات طابع نرجسي آنانی اما محبة الله فهي ليست كذلك إنها تتدفق من الأب الى إبنه بالروح القدس والأبن يعلن هذه المحبة الأبويه وقد ظهرت لنا بوضوح في التجسد والفداء والصليب انها محبة إيثارية تعبر عن نفسها في صور خارجية موضوعية ينعم بها الله وجميع خلائقه الروحية والبشرية والمادية .إنها محبة سامية تليق بطبيعة الله. ثم أن الثالوث يحل لنا مشكلة الأعلان  والتعبير . إذ كيف يكون الانسان المخلوق على صورة الله ومثاله .. مجرد شبه بسيط ويتمكن من أن يعلن فكره بالكلمة ويتصل بالآخرين من خلال المعرفة والذكاء والمنطق .. كيف يكون هذا والله لا يكون عنده ا لقدرة على التعبير عن مقاصده الالهية ؟! إن الأبن الكلمة هو الذي يعلن فكر الآب وينطق بالحق الذي عندالآب ويعبر عن المحبة الكامنة في قلب الآب المملؤ حبا نحونا…وهكذا يعمل الروح القدس في الخليقة لتستنير بالكلمة الإبن والإبن يعمل لكي يشهد للآب ويعلن محبته للجميع.

في العهد القديم:

+ هوذا الإنسان قد صار كواحد منا عارفا الخير والشر ولو كان الغرض تعظيما في اللفظ لقال هوذا الإنسان قد صار مثلنا هلم ننزل نبلبل هناك لسانهم .. وهذا ايضا لا يدل على التعظيم بل حدوث تخاطب . تخاطب بين الله وذاته دليل على أن وحدانيته وحدانية جامعة .

+ من أرسل ومن يذهب من اجلنا (اش ٨:٦) .

في العهد الجديد :

في العماد :”هذا هو إبني الحبيب الذي به سررت” هذاصوت الاب والابن في الماء يعمد من يوحنا والروح القدس على شكل حمامة ) (مت ۱۷:۳).

+أنا أطلب من الأب فيعطيكم معزيا أخرليمكث معكم إلى الأبد روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقبله لأنه لا يراه ولايعرف (يو ١٦:١٤و١٧).

“إذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الأب والأب والروح القدس” (مت ۱۹:۲۸ ).. ليسوا ثلاث كائنات بل كائن واحد لانه قال باسم وليس بأسماء ..

+”نعمة ربنا يسوع المسيح ومحبة الله الأب وشركة الروح القدس مع جميعكم” (۲کو ١٣: ١٤).

+” ثم بما انكم أبناء أرسل الله روح إبنه إلى قلوبكم صارخا ياأبا الآب” (غلا ٦:٤).

لقب إبن الله في الأناجيل :

+ كان السؤال الذي وجهه رئيس الكهنة للرب يسوع “أأنت المسيح إبن المبارك ” (مر ٦١:١٤ ) ، فلما أقر المسيح بذلك شق ثيابه ” وقال ما حاجتنا إلي شهود” ..”يجب أن يموت لأنه جعل نفسه إن الله” (مت ٦٣:٢٦، يو ٧:١٩)..

+ وكانت الجموع تتهكم علىالرب وهو على الصليب . “قد اتكل على الله فلينقذه الآن إن أراده لأنه قال أنا ابن الله ” (مت ٤٣:٢٧).

+ ويقول معلمنا  يوحنا البشير” الذي يؤمن بالأبن له حياة أبدية والذي لا يؤمن بالأبن لن يرى حياة “(يو ٣٦:٣)

+والآب لا يدين أحدا بل قد أعطى كل الدينونة  للإبن لكي يكرم الجميع الأبن كما يكرمون الأب (يو ٥:۲۲۔۲۳)

+ “أن كل من يرى الابن ويؤمن به تكون له حياة أبدية ” (يو ٤٠:٦)

+وفي رسائله يؤكد يوحنا البشير هذا الاتجاه بقوله : من أعترف أن يسوع هو إبن الله فالله يثبت فيه وهو في الله”(١يو٤: ١٥)ويقول أيضا “من هو  الذي يغلب العالم إلا الذي يؤمن أن يسوع هو إبن الله” (١يو ٥:٥) . “لأجل هذا أظهر إبن الله لكي ينقض أعمال إبليس”(١يو ٨:٣).

“ونحن نعلم أن إبن الله قد جاء وأعطانا بصيرة لنعرف الحق “(١يو ٢٠:٥)

إعلان المسيح بذاته هذا اللقب :

لقد كان المسيح له المجد منذ نشأته يدرك تماما بنوته الفريدة للاب، فحين بحثت عنة مريم العذراء ويوسف النجار ، وهو في الثانية عشر من عمره قال لهما « ألم تعلما أنه ينبغي أن أكون فيما لأبي “(لو ٤٩:٢)

+وفي العماد في الثلاثين من عمره كان واضحا لدى المسيحوالجميع صوت الآب عن إبنه “أنت إبني الحبيب الذي به سررت “(مر ۱۱:۱).

+وعندما طرد الرب باعة الحمام من إرفعوا هذه من ههنا، لاتجعلوا بيت أبي بيت تجارة” (يو ١٦:٢) .

+وكان يقول للمعاندين ” أنا قد أتيت بإسم أبی ولستم تقبلوننی” (يو ٤٣:٥) ، ” إن كنت لست أعمل أعمال أبي فلا تؤمنوا بی “(١يو ٣٧:١٠)

+ ” في بيت ابي منازل كثيرة … وأنا أمضى لأعد لكم مكانا ،وإن مضيت وأعددت لكم مكانا آتي ايضا واخذكم إلى حتى حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضا ” (يو ٣،٢:١٤) .

+ وأمام رئيس الكهنة حين واجهه بهذا “هل أنت هو المسيح إبن الله قال له يسوع انت، قلت” ( ٦٤،٦٣:٢٦).

الفارق بين بنوته الأزلية وبنوته المتجسدة :

بعض الناس يخلطون بين بنوة المسيح الأزلية لله ويين بنوته الحادثة له لصفته إبن الانسان .. ان بنوة المسيح الأزلية هي من الناحية الاقنومية ..لكن له بنوة اخرى من ناحية ناسوته وتجسده “ستحبلين وتلدين إبنا وتسمينه يسوع هذا يكون عظيما وإبن العلي يدعی “. إن بنوة المسيح الأقنومية قائمة بدون ولادة . هي أزلية أبدية . أما بنوة المسيح الثانية فهی حادثة في الزمان عندما جاء ملء الزمن وأرسل الله ملاكه إلى مريم مبشرا بالتجسد.

الفارق بين بنوة المسيح وبنوتنا نحن:

إن الكتاب يعتبر كل الذين يؤمنون بالمسيح أبناء الله فيقول الكتاب”أما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطانا أن يصيروا أولادا لله أي المؤمنون باسمه”(يو ١:۱۲). ويقول ايضا “لأنكم جميعا أبناء الله بالإيمان بالمسيح يسوع” (غلا ٢٦:٣). ويقول بولس الرسول في رسائله “إذا لست بعد عبدا بل إبنا، وإن كنت إبنا فوارث لله بالمسيح” (غلا ٧:٤) وفي موضع آخر يقول “بما أنكم أبناء أرسل الله روح إبنه إلي قلوبكم صارخا يا أبا الآب” (غلا ٦:٤) ويضيف يوحنا البشير في رسالته الأولى بقوله ” أن كل من يصنع البر مولود منه (١یو ۲۹:۲).

ومن إستعراض هذه الآيات يتضح أن ولادة المؤمنين لله انما هي بالأنتساب ، بالنعمة ، باستحقاقات صليب المسيح والشركة معه.. إنها ليست أقنومية لا تتعمق بجوهر الله وطبيعته. كما هو حادث في اقنوم الابن

الكلمة .. أما نحن العبيد البطالون فقد أعطتنا النعمة مجانا أن يطلق علينا

اولادا لله إذ قبلنا الايمان بالمسيح ويعمل الروح فينا لنصنع البر حتى نكون

به برره ومتبررين مجانا بدمه مدعوین لا عبيدا بل أبناء أحباء وورثة معه في الملكوت.

الكلمة :

ويرتبط بلقب ابن الله لقب الكلمة كما يقول الكتاب “في البدء كان الكلمة :.. وكان الكلمة الله” (يو١:١).. ويقصد بالكلمة اللوغوس أي العقل الإلهي المنفذ لمشيئة الله المعبر عن مقاصد الله تعبيرا صادقا كاملا

ليست كلمة ككلماتنا تقال في الهواء ثم تضيع ، ولكن كلمة الله أزلية أبدية “بالإيمان نفهم أن العالمين أتقنت بكلمة الله حتي لم يتكون ما يري مما هو ظاهر”(عب ٣:١١). واللوغوس هو الكلمة الذي ظهر لآبائنا إبراهيم وإسحق ويعقوب هو صورة الله غير المنظورة..هو الذي يعلنه ويظهره.

لقد كانت الكلمة معروفة عند اليهود وذكرت كثيرا في سفر الأمثال تشير إلي أنها الحكمة العاملة منذ الأزل لدي الله وأنها تحيي النفوس وترشدها إلى الحق

(أم ۱۸:۳ ،۱۹ ، أم ٥:٤، ۱۳ ، أم ۸: ۲۲-٢٦) .إذا كان الأمريستطيع أن يعرف الأنسان من خلال كلامه ،فإن الله لديه القدرة أن يعبر عن نفسه ويصنع الصلة مع نفسه ومع الآخرين من خلال الكلمة .

+الآب هو الوجود

+الأبن هو الكلمة المعبر عن هذا الوجود

+ الروح القدس هو روح الله المنبثق من الآب والمستقر في الأبن .

الآب المحب يسكب حبه على إبنه الكلمة بالروح القدس والروح القدس يحمل تقبل محبة الله في البنوة إلي الآب وهكذا تكون الدائرة الإلهية التي جوهرها الحب نور من نور-حق كامل- فرح مجید – مجد مذهل ونحن أولاد الله مدعوون أن ندخل دائرة هذا الحب في الأبدية المعدة لنا.

إلتزامات اللقب نحونا :

الشركة والمعرفة الفردية :

للإبن علاقة فريدة مع الآب إذ كل ما للآب هو له (يو ١٥:١٦) وكل ما فعله الإبن هو ما رأى الآب يفعله .. والمجد الذى للأبن هو الذي له عند الآب (٥:۱۹ ، يو٥:١٧) فهو وحده الذي يعرف الآب معرفة خاصة متميزة إذ يقول الكتاب “فليس أحد يعرف الإبن إلا الآب ولا أحد يعرف الآب إلا الإبن ومن أراد الإبن أن يعلن له” (مت ٢٧:١١) وقد أوضح السيد المسيح هذه المعرفة الفريدة بقوله ” أنا أعرفه لأني منه ” (يو ٢٩:٧) وفيه عتاب الرب يسوع لفيلبس عندما طلب منه أن يرى الآب قال له ” أنا معكم زمانا هذه مدته ولم تعرفني يافيلبس الذي رآني فقد رأى الآب ،(يو ۹:١٤) ..”ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بی ” (يو ٦:١٤). فالمسيح إذا هو الطريق الوحيد الذي من خلاله نستطيع أننصنع شركة مع الآب ومن خلاله وحده أيضا نستطيع أن نعرف الآب . إن إلتزام الأيمان بإبن الله أن تكون لنا شركة صادقة معه ،وعلاقة وثيقة

بشخصه الحبيب حتى تكون له شركة أيضا مع أبيه الصالح وهذه الشركة

لن تكون :

+ إلا بروح الصلاة والأمتلاء من الروح.

+وبروح الطاعة والحضوع لوصاياه.

+ والمحبة الصادقة لشخصه ولجميع الناس لأنه إبن محبته ، فهو القائل الذي يحبني يحبه أبي ، إليه نأتي وعنده نصنع منزلا ومحبتنا تكون صادقة عندما تكون من كل القلب ومن كل القدرة من كل المشيئة . وهذه المحبة بطبيعتها تقودنا إلى المعرفة الفريدة التي بين الآب وإبنه.

فمن خلال معرفتنا للرب يسوع يقودنا الإبن إلي معرفة الآب..وهذه هي الحياة الأبدية في جوهرها “وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي ويسوع المسيح الذي أرسلته” (يو١٧: ٣).

أن نحيا في طاعة البنوة :

ان الإبن أطاع الآب طاعة كاملة .. أطاعه بالألم وأطاعه حتى الموت موت الصليب وكانت حياته محرقة طاعة مرضية أمام الآب کفداء لآدم الأول الذي قدم العصيان ومخالفة الوصية . أما يسوع فقال”طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني وأتمم عمله ” (يو ٣٤:٤).. ليس لأعمل مشيئتي بل مشيئة الذي أرسلني :(يو ۳۸:٦ ) مع أن مشيئته ومشيئة أبيه واحد لأنه واحد مع الآب في الجوهر والطبيعة والمشيئة. وإن كانت طاعة الأبن للآب السماوي تعني له ذبيحة الصليب فطاعتنا نحن له ينبغي أن تكون على هذا الصعيد أن تكون على مستوى البذل حتى الموت . إذ ينبغي أن نحمل الصليب ونكفر بذواتنا ونسير ،وراءه

حتى ولو إلى جثيماني .. من أجله نمات كل يوم حسبنا كخراف للذبح..وهذه الطاعة

ينبغي أن تكون بفرح كطاعة بنين أحرار وليس كعبيد وأن تكون طاعة واعية مستنيرة فاهمة مقاصد الله وليس طاعة عمياء ، حرفية شكلية..وطاعة مقدسة تقودنا للطهارة والعفة إذ يقول الكتاب “وإن کنتم تدعون أن الذي يحكم بغير محاباة حسب عمل كل واحد فسيروا زمان غربتكم بخوف” (١بط ١٧:١).

ليعطنا روح الله أن نكون ذبائح وتقدمات مرضية لذاك الذي قدم ذاته ذبيحة إثم ومحرقة طاعة وسرور ورضا لدي الآب السماوي[10].

المتنيح القمص لوقا سيداروس

مجمع أورشليم

انعقد هذا المجمع من جميع الرسل والمشايخ لأن برنابا وبولس بعدما کرزا للأمم في أماكن كثيرة وأسسا كنائس عديدة معظمها من الأمم الراجعين إلى الله . عادا من كرازتهما وحدثا بعجائب الله معهما وآيات كثيرة مذهلة للعقل . وكان هناك بعض اليهود يعلمون أن الراجعين إلى الله من الأمم ” إنه ينبغي أن يختنوا ، ويوصوا بأن يحفظوا ناموس موسی ” وإلا فلا يصيروا مسيحيين . هؤلاء حاول بولس وبرنابا إقناعهم فصارت بينهم مناقشات ومنازعات . فلما جاءا إلينا واجتمعنا. قمت في وسط المجمع وأعدت على مسامعهم باكورة الداخلين من الأمم وكيف حل الروح القدس عليهم كما علينا أيضاً في البداءة وأن الله ” لم يميز بيننا وبينهم بشيء، إذ طهر بالإيمان قلوبهم “. وهم لم يكونوا يهوداً ولا يعرفون العوائد ولا الختان ولا كل ما في شريعة موسی . ولكن لما حل الروح القدس عليهم واعتمدوا باسم الرب يسوع نالوا نعمة الخلاص. فلو كان لا بد لهم أن يسلكوا كيهود قبل أن يصيروا مسيحيين لكان الروح أعلمني بذلك . ولكن حلول الروح القدس عليهم هو أكبر دليل أن لا نلزمهم أن يتهودوا . كان يعقوب الكبير يرأس المجمع . هو أكبر سناً، فسمع هو والمجمع ما قلته ، ثم سمعوا برنابا وشاول وهما يخبران بعمل الله معهما . ثم تكلم يعقوب واستشهد بكلمات النعمة التي تكلمت بها وكتبنا بأيدينا لكنائس الأمم .. إن أولئك الذين أزعجوكم بتعليم لم نعلم به ولا ألزمنا أحداً أن يعلم به ؛ قائلين إنه يجب أن تتهودوا . فالآن إذ اجتمعنا نحن الرسل والمشايخ بنفس واحدة ” لأنه قد رأى الروح القدس ونحن ، أن لا نضع عليم ثقلاً أكثر ، غير هذه الأشياء الواجبة أن تمتنعوا عما ذبح للأصنام ، وعن الدم ، والمخنوق ، والزنا ، التي إن حفظتم أنفسكم منها فنعما تفعلون . كونوامعافين “.وقد سبب هذا التشريع سروراً عظيماً في جميع كنائس الأمم وصارواضحاً لدى الجميع أننا قد ” تبررنا بإيمان يسوع المسيح ، لا بأعمال الناموس “.

المرجع : كتاب القديس بطرس يعلمني ( صفحة ١٨٤ ) – القمص لوقا سيداروس

المتنيح القمص تادرس البراموسي

اليوم التاسع من شهر هاتور المبارك

من يقول الناس عنى أنا إبن الانسان (متى ١٦ : ۱۲- ١٩)

يهمنا كثيراً أن نعرف عن لاهوت السيد المسيح له المجد وماذا كان يقول الناس عنه . وكيف أعترف به تلاميذه . أن الرب يسوع الـذي يقول عنه الكتاب السماء ليس بطاهر أمامه وللملائكة ينسب حماقة كيف عاش على أرضنا وكيف أحتمل الناس الأشرار مـن حولـه الذي أغنى الجميع أفتقر لأجلنا الذي أشبع الجميع جاع لأجلنا الذي خلق البحار والأنهار عطش لأجلنا . قال عنه الكتاب المقدس ليس له أين يسند رأسه . كان لا يخاصم ولا يصيح ولا يسـمع في الشوارع صوته قصبه مرضوضة لم يقصف وفتيلـة مدخنـة لـم يطفئ . أنه تذلل كشاه تساق إلى الذبح . كنعجة صامتة أمام جزيها لم يفتح فاه ( اش ٥٣-٧ ) . ما أعجبك يا إلهى ومـا أعظمـك تركـت العرش والأمجاد وأتيت إلى أرضنا التي تلوست بالخطية شـاركتنا في اللحم والدم بلا خطية . عندما سأل الرب يسوع تلاميذه من يقول الناس عنى أنا إبن الإنسان . بالرغم أن الشعب رأى الكثيـر مـن المعجزات التي صنعها الرب يسوع إلا أنهم لم يؤمنوا . لم يكن أحد قبله من الأنبياء صنع كل هذه المعجزات لكن كانت قلوبهم غليظـة ولم يؤمنوا حتى التلاميذ لم يكونوا ثابتين على الإيمان . لأنهم كانوا يفكرون أنه ملك أرضى وسيكون لهم النصيب الأكبر في الحكـم . قال له تلاميذه قوم يقولون يوحنا المعمـدان وآخـرون أنـه إيليـا و آخرون أرميا أو واحد من الأنبياء . كان الشعب يعتبره واحد مـن الأنبياء حتى سمعان الفريسي الذي دعاه للوليمة . عنـدما جـاءت المرأة الخاطئة التي غسلت قدميه بـدموعها ومساحتهما بشـعر رأسها . قال سمعان في نفسه لو كان نبيا لعرف من هي وما حالها وأنها خاطئة كانوا يشكوا أنه نبي . أراد الرب يسـوع أن يتأكد من تلاميذه ماذا يقولون هم أيضا . فقال لهم وأنتم من تقولون . أجاب بطرس قائلاً أنت هو المسيح إبـن الله الحى . بالرغم أن بطرس كان متسرع أو أنه جرئ وشجاع .لا تأخذ عليه قصة الإنكار . لأنه في ساعة ضعف أنكر المسيح لمـا رآه معلقـا علـى الصليب إلا أنه له مواقف كثيرة مشرفة .

بهذا الإيمان وهذه الشجاعة استحق التطويب من الرب يسوع قال له طوباك يا سمعان ابن يونا . لأن لحما ودم لم يعلن لك لكن أبي الذي في السموات . أشياء كثيرة وجميلة يهبها لنا الرب وعطايا ثمينـة على كل ما نصنعه للخير الطوبي والشركة مع الآب والبنوة لـيس هذا فقط بل أنظروا ماذا قال الرب يسوع بعد ذلك سأعطيك مفاتيح الملكوت لسان حال بطرس يقول يا رب مجرد آمنت بك تعطينـي هذه المزايا كلها . لا يا بطرس ليس لك وحدك بـل لـك ولجميـع أخوتك وكل خلفاءهم من الكهنة على الأرض إلى مدى الأيام إلـى أن أجئ ثاني ويكون لكم السلطان . ما ربطتموه على الأرض يكون مربوطاً في السموات وما حللتموه على الأرض يكون محلولا في السموات كل هذا يا رب . ويكون لنا سلطان في السماء أيضاً .قلت لكم من يؤمن بي يعمل الأعمال التي أنا أعملها وأعظم منها. لك الشكر ولك الحمد ما أكرمك وما أعظمك هذا من فيض ونحن لا نستحق لكن نقول نحن أولادك وورثاء ملكوتك[11].

القديس الأرشيدياكون حبيب جرجس

الاقرار العظيم في قيصرية فيلبس (مت١٦ : ١٣ – ۳۳)

« وعلى هذه الصخرة ابني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها » (مت١٦ : ١٨)

(أولا ً) الاقرار العظيم الذي نطق به بطرس و به أعلن ايمانه وهو ان المسيح ابن الله الحي وهذا هو اعتراف الكنيسة المسيحية واعتراف كل مؤمن بالمسيح .(ثانياً) الوعد العظيم بتأسيس الكنيسة وأبواب الجحيم لن تقوى عليها . فقد تأسست الكنيسة على هذه الصخرة الثابتة صخرة الايمان الذي نطق به بطرس وهو ان المسيح ابن الله الحي وقد نشأت الكنيسة وامتدت وتغلبت على كل صعوبات العالم .(ثالثاً) اعطاء المسيح لبطرس ولباقى التلاميذ اخوته سلطان الحل والربط . فهم الذين فتحوا ابواب الكنيسة لليهود وللامم ولهم ولخلفائهم من بعدهم حق سياستها وادارتها وسلطان الغفران .(رابعاً) اعلان المسيح تلاميذه بآلامه وموته لانه بذلك يتم. خلاص العالم وتأسيس الكنيسة. ولما انتهره بطرس قال له اذهب عني يا شيطان. ولاحظ هنا ضعف الانسان فان بطرس الذي أعلن له بروح الله ان المسيح ابن الله الحي . بعد قليل قبل ان يكون آلة للشيطان . ومن هنا نعرف ان مجد المسيح كله في الصليب[12] .

من وحي قراءات اليوم

” وعلي هذه الصخرة أبني بيعتي ”          إنجيل القدَّاس

إيماننا الأقدس بين التساهل فيه والتمسّك به والتعصّب له

+ التساهل في العقيدة بدافع المحبّة والكل واحد في المسيح ( دون إدراك واضح لمعناه ) خطر كبير والتعصّب للعقيدة بدون وعي خطر أكبر

+ محبّتنا لكل الناس لا تلغي تمسّكنا بعقيدتنا ولكن سخريتنا من عقائد الآخرين تشوّه صحة عقيدتنا

+ ” العزيز نسطور ” هكذا كانت خطابات القديس كيرلس لنسطور الهرطوقي فليست الأهمّية فقط صحّة الإيمان لكن مهم أيضاً طريقة إعلانه للآخرين

+ لم أَجِد غني أعظم ممّا في كنيستي لكن هذا لا يعطيني الحق بالإحساس بالتميّز أو التمايز عن الآخرين بل يُفرض علي المسؤولية تجاههم

+ نرتكب خطأ كبير في حق أولادنا وشبابنا عندما لا يروا فينا جمال وفرح وبساطة وعمق الإيمان بل شكل وطقس وأوامر

+ التلويح بالحِلّ والربط والحرومات لا يبني إيمان بل غني الكنيسة ونقاء محبتها وبذل خدمتها هو ضمان الخراف في الحظيرة إذا كنّا نبغي أحراراً وليس عبيد

+ الكنيسة التي تعطي تعليماً مُشبعاً ورعاية ساهرة وعبادة بالروح لا يتركها أولادها وإن إنخدعوا ببريق خارج الكنيسة سيرجعون لها سريعاً لذلك أخطر ما نواجهه أن نتوقف عن بناء الداخل وأن نتفرّغ لهدم الآخرين

+ الكنيسة إمتلأت للأسف بالأنشطة والمؤتمرات والمهرجانات ونَدُرَتْ فيها الجلسة الهادئة مع المسيح فأخرجنا معلّمين ومُجادلين وشحّ فيها التلاميذ الجياع والعطاش للبر

+ ليتورجياتنا مملوءة من كلمة الله وكنيستنا كتابية لكن أين هي دراسة الكتاب المقدس في الكنائس ؟!

+ فلنربط أولادنا بالكتاب المقدس ونشبعهم بروح الصلاة وحيوية طقسها ونشرحه لهم فيكون تمسّكهم بالإيمان عن وعي وإختبار ويقين ولا ننزعج من هجوم الآخرين علينا بل نصلي لأجلهم كما علّمتنا كنيستنا الغنية القوية


١١- كتاب رسالة إلي الوثنيين للقديس أثناسيوس الرسولي – الفصل الاربعون صفحة ١١٦ – ترجمة حافظ داود ( القمص مرقس داود )

١٢- القديس كيرلس الإسكندري – شرح قانون الإيمان – مؤسسة القديس أنطونيوس للدراسات الآبائية

١٣- المرجع : كتاب الكرازة الرسولية للقديس إيرينيوس ( صفحة ١٦٠ ) – ترجمة دكتور نصحي عبد الشهيد ودكتور جورج عوض إبراهيم

١٤- المرجع : كتاب الخوف أنواعه وعلاجه في الحياة الروحية الأرثوذكسية ( صفحة ١٧ ) – تقديم القمص أنطونيوس أمين راعي كنيسة مار مرقس مصر الجديدة

١٥- المرجع : كتاب إختبرني يا الله ( صفحة ٣٠٩ ) – قداسة البابا تواضروس الثاني

١٦- المرجع : كتاب دراسات في الكتاب المقدس – إنجيل متي صفحة ١٩٤ – الأنبا أثناسيوس – مطران كرسي بني سويف والبهنسا

١٧- المرجع : كتاب الكنيسة في عصر الرسل ( صفحة ٩٢ ) – الأنبا يؤانس أسقف الغربية

١٨- المرجع : كتاب مقالتان في الروحانية الأرثوذكسية للأنبا بيمن أسقف ملوي ( والأب توماس هوبكو ) – مشروع الكنوز القبطية

١٩- المرجع : كتاب ألقاب المسيح ووظائفه ( صفحة ١١ ) – الأنبا بيمن أسقف ملوي وأنصنا والأشمونين

٢٠- المرجع : كتاب تأملات وعناصر روحية في آحاد وأيام السنة التوتية ( الجزء الثالث  صفحة ٣٥ ) – إعداد القمص تادرس البراموسي

٢١- المرجع : كتاب الكنز الأنفس للارشيدياكون حبيب جرجس ( الجزء الثالث صفحة ١٠٢ )