اليوم الرابع عشر من شهر بابه

“ويكون أن كل نفس حية تدب حيثما يأتي النهران تحيا. ويكون السمك كثيراً جداً لأن هذه المياه تأتي إلى هناك فتشفى، ويحيا كل ما يأتي النهر إليه” (حز ٩:٤٧).

[عبيدك الذين قدموا لك بنيهم… اقبلهم على مذبحك الناطق السمائي كرائحة بخور تدخل إلى عظمتك التي في السماوات… احفظهم في الإيمان المستقيم كل أيام حياتهم… اجعلهم في المحبة التي تفوق كل شيء]. (ليتورجيا المعمودية المُقدَّسة)

[أضاء الروح القدس في كمال وجوده عليه، فالشبيه يستقر بالشبيه. أما بالنسبة لكم فبعدما صعدتم من جرن المياه المقدسة وُهبت لكم المسحة التي هي رمز لما مُسح به المسيح؛ هذا هو الروح القدس.] (القديس كيرلس الأورشليمي)[1].

شواهد القراءات

عشــية: مزمور (مز67: 33، 4) – إنجيل (لو10: 1، 2).

بـــــاكر: مزمور (مز144: 8، 9) – انجيل (يو1: 43- 51).

القداس: البولس (تي2: 11- 3: 1- 7) – الكاثوليكون (1يو5: 5- 13) – الابركسيس (أع8: 26-39).

المزمور (مز31: 1، 2) – الانجيل (يو3: 1- 21).

ملاحظات على قراءة يوم 14 بابة

✤ قراءة إنجيل عشيّة اليوم (لو١٠: ١- ٢٠) هي نفس قراءة إنجيل القدَّاس ليوم ٢٢بابه (تذكار لوقا الإنجيلي الرسول) وإنجيل قدَّاس أول طوبة (شهادة القديس إستفانوس أوَّل الشمامسة) ونفس قراءة إنجيل قدّاس الأحد الأوَّل من شهر أبيب (وهو الذي يأتي مع توقيت عيد آبائنا الرسل الأطهار)

وهي قراءة خاصّة بدعوة الرب للسبعين رسولاً.

أي أن الكنيسة رتَّبت قراءة دعوة الرب للإثنى عشر (مت١٠: ١- ١٥) كقراءة لإنجيل قدَّاس عيد آبائنا الرسل (٥ أبيب) بينما رتَّبت قراءة دعوة الرب للسبعين رسولاً (لو١٠: ١- ٢٠) كقراءة لإنجيل قدَّاس الأحد الأوَّل من شهر أبيب.

✤ قراءة إنجيل باكر اليوم (يو١: ٤٣- ٥١) هي نفس قراءة إنجيل القداس (يو١: ٤٣- ٥١) ليوم ٨ هاتور والموافق تذكار الأربعة الحيوانات غير المُتجسِّدين، وتُشبه قراءة إنجيل القدَّاس (يو١: ٣٥- ٥٢) ليوم ١٢ طوبة (ثاني يوم عيد الغطاس).

قراءة اليوم جاءت (من آية ٤٣) للإشارة إلى دعوة الرب لفيلبس لتبعيته، وشهادة فيلبس عن المسيح له المجد لنثنائيل “وجدنا الذي كتب عنه موسى والأنبياء وهو يسوع إبن يوسف”.

ومجيئها يوم ١٢ طوبة (من آية 5) للإشارة إلى شهادة يوحنا المعمدان عن الرب أنه حمل الله والتي جعلت إثنان من تلاميذه يتبعان الرب، لذلك جاءت في قراءة ثاني يوم عيد الغطاس، بينما مجيئها يوم ١٤ بابة (تذكار فيلبُّس الشماس) لأجل الحديث عن دعوة فيلبس لنثنائيل لأجل المجئ إلى الرب يسوع “قد وجدنا المسيا”.

✤ قراءة البولس اليوم (تي٢: ١١- ٣: ١- ٧) جاءت أيضاً في يوم ١١ طوبة.

وهي القراءة الخاصة بالمعمودية لذلك جاءت في تذكار فيلبس المبشر (١٤ بابة) وفِي عيد الغطاس (١١ طوبة).

✤ قراءة الكاثوليكون اليوم (١يو٥: ٥- ١٣) تُشبه قراءة الكاثوليكون ليومي ١١ طوبة (١يو٥: ٥- ٢١)، يوم ٢ نسئ (١يو٥: ١- ١٠).

والكلام هنا عن المعمودية والشهادة للمسيح لذلك جاءت في يوم ١٤ بابة (فيلبس المبشِّر)، ١١ طوبة (عيد الغطاس)، ويوم ٢ نسئ (نياحة تيطس الرسول الذي تكلّم عن المعمودية وجاء من رسالته البولس في قراءات اليوم).

كما أنها تُشبه قراءة الكاثوليكون (١يو٥: ٩- ٢١) للأحد الرابع من شهر طوبة.

الجزء الأول الذي أتى في قراءة يوم ١٤ بابة يتركَّز فيه الكلام عن المعمودية، بينما يتركَّز الكلام في الجزء الثاني من القراءة عن شهادة أولاد الله للمسيح (مثل المولود أعمى).

✤ قراءة الإبركسيس اليوم (أع ٨: ٢٦- ٣٨) تكررت يوم ١٢ طوبة.

موضوع القراءة هو إيمان ومعمودية الخصي الحبشي على يد فيلبس الشماس لذلك جاءت في تذكار شهادة القديس فيلبس أحد السبعة شمامسة (١٤ بابة) وفِي ثاني يوم عيد الغطاس (١٢ طوبة).

✤ قراءة قراءة إنجيل قدَّاس اليوم (يو٣: ١- ٢١) تماثل قراءة إنجيل باكر في الأحد الثالث من طوبة (يو٣: ١- ٢١) وتشبه قراءة إنجيل باكر ثاني يوم عيد الصليب (يو٣: ١٤- ٢١).

وقراءة اليوم (١٤ بابة) وقراءة إنجيل باكر في الأحد الثالث من طوبة تتركَّز على الولادة من الماء والروح في حديث الرب يسوع مع نيقوديموس، لذلك جاءت مع تذكار فيلبس الشماس (اليوم) وجاءت في الأحد الثالث من شهر طوبة الذي فيه الكلام يرتكز على المعمودية وفاعليتها.

أمَّا القراءة الخاصة بثاني يوم عيد الصليب فجاءت فيها القراءة فقط من (يو٣: ١٤- ٢١) (١٨ توت) والكلام يتركز على الصليب وكيف أحب الله العالم حتى بذل إبنه الوحيد لأجل خلاص العالم.

✤ فيلبس المبشر (صاحب تذكار اليوم) يختلف عن فيلبس الرسول أحد الإثنى عشر والذي يأتي تذكاره في ثامن عشر هاتور ومحولة قراءاته ليوم خامس أبيب.

القراءة المحولة على هذا اليوم

خامس وعشرون برمهات (نياحة القديس أنيسيفوروس الرسول أحد السبعين رسولاً) وهو القديس الذي ذكره بولس الرسول في (٢تي٤: ١٩).

شرح القراءات

قراءات اليوم تأتي مع تذكار شهادة القديس فيلبس أحد السبعة شمامسة (أع ٥:٦) وتوجد قراءات أخرى في اليوم الأوّل من شهر طوبة مع تذكار شهادة القديس إسطفانوس أحد السبعة شمامسة وأيضاً رئيس الشمامسة.

ولكن قراءات اليوم الرابع عشر من بابة تدور حول الميلاد الجديد (المعمودية) وذلك لأن ما ذُكر عن القديس فيلبس في الكتاب إرتبط أكثر بالمعمودية كما في قصة الخصي الحبشي وإيمان أهل السامرة، أما قراءات اليوم الأوّل من طوبة فتتركز القراءات في تعب وجهاد الكرازة والخدمة في إرسالية الشمامسة وتكريسهم.

لذلك تتحدث قراءات اليوم الرابع عشر من بابة عن الميلاد الجديد بالمعمودية وعطايا الميلاد الجديد ومسؤولية من نالوا عطيّة الميلاد من فوق.

❈ تُعْلِن المزامير عطايا الآب لكنيسته وأولاده قديسي العهد الجديد القوّة والفرح والتهليل.

“عجيب هو الله في قديسيه إله اسرائيل هو يعطي قوة وعزاء لشعبه والصديقون يفرحون ويتهللون أمام الله ويتنعمون بالسرور”

✤ ويتكلم مزمور باكر عن حالة قديسي العهد الجديد في تمجيدهم لله الآب إعلانهم مجد ملكوته ومُلكه.

“وقديسوك يباركونك ومجد مُلْكك يصفون وبقوتك ينطقون ليظهروا لبني البشر قدرتك”.

✤ أما مزمور القداس فيُعلن سبب قداسة المولودين من فوق برّ الآب والحمل بلا عيب ولا غش القدّوس الذي لم يجد فيه أحد خطيّة.

“طوباهم الذين تُرِكَت لهم آثامهم والذين سترت خطاياهم – برّ الآب – طوبى للرجل الذي لم يحسب له الرب خطيّة ولا في فمه غشٌّ – ابن الله الحمل بلا عيب”.

❈ أمّا القراءات فتُعلن برّ الآب في الميلاد الجديد (البولس) والنصرة على العالم بالإيمان بابن الله (الكاثوليكون) وقيادة الروح القدس (الإبركسيس).

✤ فيتكلم البولس عن برّ الآب في الميلاد الجديد في الخلاص والتجديد والتبرير والميراث السماوي.

“فلما ظهر لطف مخلصنا الله ومحبته للبشر لا بأعمال في برّ عملناها نحن بل برحمته خلّصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس الذي أفاضه علينا بغنى يسوع المسيح مُخلصنا لكي نتبرر بنعمة ذاك ونصير ورثة حسب رجاء الحياة الأبديّة”.

✤ ويؤكد الكاثوليكون على غلبتنا ونصرتنا على العالم في المسيح وهذه إحدى مفاعيل المعمودية وميلادنا الجديد.

“من هو الذي يغلب العالم إِلَّا الذي يؤمن أن يسوع هو ابن الله هذا هو الذي جاء بماء ودم يسوع المسيح… وهذه هي الشهادة أن الله أعطانا الحياة الأبديّة وهذه الحياة هي في ابنه… اكتب اليكم أنتم المؤمنين باسم ابن الله لكي تعلموا أن لكم حياة أبدية”.

✤ بينما يشير الإبركسيس إلى قيادة الروح القدس لخدام الله في كرازتهم ومعموديتهم للآخرين.

“فقال الروح لفيلبس إمض والتصق بهذه المركبة فأسرع فيلبس… فأجاب الخصي وقال لفيلبس أطلب إليك عن من يقول النبي هذا عن نفسه أم عن واحد آخر ففتح فيلبس فاه وابتدأ يبشره بيسوع من هذا الكتاب وفيما هما سائران في الطريق أقبلا على ماء فقال الخصي هوذا ماء ماذا يمنعني أن أعتمد فأمر أن تقف المركبة فنزل كلاهما إلى الماء فيلبس والخصي وعمَّده ولما صعد من الماء خطف روح الرب فيلبس فلم يبصره الخصي أيضاً”.

❈ أمّا الأناجيل فتتكلّم عن جوهر الكرازة بالميلاد الجديد وعطايا المعمودية لكل من يُقبل ويؤمن.

✤ ففي إنجيل عشية يتكلم عن موضوع الكرازة توبة الكل والتحذير للشعوب والأفراد من عدم التوبة.

“وقولوا لهم قد اقترب منكم ملكوت الله.. الذي يسمع منكم فقد سمع مني والذي يرذلكم يرذلني”.

كما يُعْلِن عطايا الميلاد الجديد للمؤمنين الفرح والنصرة على الشيطان والميراث السماوي.

“فرجع السبعون بفرح قائلين يا رب حتى الشياطين تخضع لنا باسمك. فقال لهم رأيت الشيطان ساقطاً من السماء مثل البرق، ها أنا أعطيتكم السلطان لتدوسوا الحيات والعقارب وكل قوة العدو، ولا يضركم شئ، ولكن لا تفرحوا بهذا إن الأرواح تخضع لكم، بل افرحوا أن أسماءكم مكتوبة في السموات”.

✤ وفي إنجيل باكر عن أهمّية تبعية ابن الله وقبول دعوته لنختبر السماء المفتوحة التي صارت لنا نصيباً في المسيح بمعموديته المقدسة.

“وفِي الغد أراد أن يأتي إلى الجليل فوجد فيلبس فقال له يسوع اتبعني… ثم قال له الحق الحق أقول لكم من الآن ترون السماء مفتوحة وملائكة الله يصعدون وينزلون علي ابن البشر”.

✤ وفي إنجيل القداس يرتبط الميلاد الجديد للبشرية بسرّ التدبير الإلهي ومحبّة الآب للبشر التي أُعْلِنت في صليب ابنه يسوع المسيح الطريق الوحيد للنجاة من الدينونة الأبديّة.

“لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية. لأنه لم يرسل الله ابنه إلى العالم ليدين العالم، بل ليخلص به العالم. الذي يؤمن به لا يدن، والذي لا يؤمن قد دين، لأنه لم يؤمن باسم ابن الله الوحيد”.

ملخص القراءات

❈ الميلاد الجديد بالمعمودية هو الذي يسكُب فينا غنى الآب (مزمور عشيّة) خلال فعل إبنه الوحيد الحمل بلا عيب (مزمور باكر) فيضعنا علي بداية طريق القداسة والحياة الأبديّة (مزمور القدَّاس).

❈ كما يعطينا الخلاص والتجديد والتبرير والميراث السماوي (البولس).

❈ والغلبة والنصرة على العالم (الكاثوليكون).

❈ وفرح كل الشعب (الإبركسيس).

❈ والتوبة هي مدخل الإستحقاق (إنجيل عشيّة).

❈ والسماء المفتوحة هي مجد المولودين من فوق (إنجيل باكر).

❈ وإستعلان محبة الله الآب هي أهم إعلانات صليب إبن الله والتي ننالها في المعمودية (إنجيل القدَّاس).

أفكار مُقترحة للعظات

(1) الميلاد الجديد ( برّ الآب – غلبة العالم – قبول الأمم )

١- برّ الآب

“لا بأعمال في برّ عملناها نحن بل برحمته خلصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس الذي أفاضه علينا بغنى بيسوع المسيح مُخلصنا لكي نتبرَّر بنعمة ذاك” (البولس).

الولادة الثانية بالمعمودية هي باب إنسكاب النعمة ونوال برّ الله في طبيعتنا الجديدة .

٢- غلبة العالم

“من هو الذي يغلب العالم إلَّا الذي يؤمن أن يسوع هو ابن الله هذا هو الذي جاء بماء ودم يسوع المسيح”. (الكاثوليكون).

قوَّة موت المسيح وقيامته التي أخذناها في المعمودية (رو٦: ٣-٥)  تُعطينا قوَّة ونصرة على الشرير (كو٢: ١٢-١٥).

٣- قبول الأمم

“ولما صعد من الماء خطف روح الرب فيلبس فلم يبصره الخصي أيضاً وذهب في طريقه فرحاً”. (الابركسيس)

رُبَّما كان هذا اللقاء هو بداية إيمان كثيرين من الحبشة ومعموديتهم لتصير الحبشة كلها مسيحية.

(2) الميلاد الجديد وجوهر إرسالية الكنيسة (انجيل عشية)

(الدعوة الدائمة للتوبة – عطيَّة النصرة علي الشيطان – الميراث السماوي)

1- الدعوة الدائمة للتوبة

“وقولوا لهم قد اقترب منكم ملكوت الله”.

دعوة الخدمة وإرسالية الخادم تتحقَّق في:

✞ الشركة “اثنين اثنين”.

✞ وضوح الهدف وتبعية السيد دائماً في كل خطوة “أمام وجهه.”

✞ الحكمة والوداعة “ها أنا أرسلكم مثل حملان في وسط ذئاب”.

✞ عدم الإنشغال بأمور العالم “لا تحملوا كيساً ولا مزوداً…”.

✞ مُبشِّر بالسلام “فقولوا أولاً السلام لهذا البيت”.

✞ يدعو الكل للملكوت” وقولوا لهم قد اقترب منكم ملكوت الله”.

2- عطيّة النصرة على الشيطان

“فرجع السبعون بفرح قائلين يارب حتي الشياطين تخضع لنا باسمك فقال لهم رأيت الشيطان ساقطاً من السماء مثل البرق ها أنا أعطيتكم السلطان لتدوسوا الحيات والعقارب وكلَّ قوة العدو ولا يضركم شئ”.

هذه هي صلاتنا كل يوم وكل وقت جعلتها كنيستنا المُقدَّسة في مقدمة الصلوات لنعيش إحساس ويقين النصرة الدائمة في المسيح علي الشيطان.

3- الميراث السماوي

“ولكن لا تفرحوا بهذا إنَّ الأرواح تخضع لكم بل افرحوا أنَّ أسماءكم مكتوبة في السموات”.

خضوع الأرواح الشريرة ليس علامة ويقين على صحَّة إرسالية الكنيسة وربَّما يكون العكس علَّة هلاك الخادم (مت٧: ٢٣،٢٢) أمَّا الحياة السماوية والإنشغال بملكوت الله في حياتنا على الأرض وبعد إنطلاقنا إلى السماء هو علامة يقينية لصحة الدعوة ووضوح هدفها.

(3) إنجيل القدَّاس

1- هكذا احب الله العالم …

✥ أحب الله العالم فخلقه (تك١: ١).

تنوَّع المخلوقات من نبات وحيوان وأسماك وطيور وطبيعة جميلة، بل وتنوَّع كل فصيلة وكل نوع بالمئات يحكي قصة محبَّة الله الفائقة للبشر (مز ١٠٤).

✥ أحب الله العالم فحفظه (رؤ٤: ١١، ٢بط٣: ٧)

عطايا الله المستمرِّة للإنسان رغم جحوده وعناده، وحِفْظُه لقوانين الكون كيما تعطي الشمس خيرها للشاكرين والأشرار، وتفيض السماء من خلال أمطارها على الجاحدين والأبرار، لهو دليل أيضاً على صلاح الله الفائق للتصوَّر في محبته لخليقته.

✥ أحب الله العالم فإفتقده (يو٣: ١٦)

تتوَّج الحب الإلهي بالصليب، وصار علمه فوقي محبة، وتحقَّق دوام الرحمة الذي تكلَّم عنه الأنبياء (إر٣١: ٣).

2- أرسل الله إبنه إلى العالم ليُخلِّص وليس ليدين

العالم الآن وحتى الإنقضاء هو موضوع محبة الله وعنايته ورحمته وإفتقاده لكل البشر لأجل خلاصهم.

لذلك لم يحكم على المرأة ودعاها بلطف إلى التوبة (يو٨: ١١).

وحتى الأوبئة والكوارث التي يسمح بحدوثها فهي لأجل نجاتنا من الهلاك الأبدي إذا قبلناها كرسالة حب لأجل خلاصنا.

3- الدينونة هي رفض نور الحب والخلاص الإلهي طول فترة حياتنا على الأرض

لذلك عند مفارقة الروح للجسد وهي خالية من نور المسيح تتلقفَّها الشياطين، بينما الأرواح المملوءة من نور المسيح له المجد تُؤْخَذ بيد ملائكة نورانيين.

عظات آبائية

[1] القديس كيرلس الأسكندري

مفهوم الولادة من فوق – بحسب تعليم القديس كيرلس الكبير[2]

❈ إرادة الآب أن يصير الانسان شريكًا للروح القدس حتى يُولد مواطن الأرض من جديد في حياة جديدة غير عادية، ويُدعي مواطن السماء. عندما يدعو (المسيح) الميلاد الجديد من الروح أنه “من فوق” يظهر بوضوح أن الروح من جوهر الله الآب. وكما يقول عن نفسه أيضًا “أنا من فوق” ويقول عنه الإنجيلي المملوء حكمة: “ألذي يأتي من فوق هو من فوق”.

❈ دعى ربنا يسوع المسيح الميلاد الجديد بواسطة الروح “ميلادًا من فوق”، مظهراً أن الروح من الجوهر الذي هو فوق كل جوهر، به نصير شركاء الطبيعة الإلهية.. وإذ نتمتع بذاك الذى ينبثق من الجوهر جوهرياً، به وفيه نتشكل فنأخذ هذا الجمال الفائق غير العادى، بهذا نولد من جديد الى جدة الحياة، ونتشكل على صورة البنوة الإلهية.

لكن نيقوديموس لم يفهم الكلمات “من فوق”، فتصور أنها تعني ميلادًا مستقبليًا يتحقق بنفس طريقة الولادة الجسدية. إذ سقط في تخيلات أغلقت عليه الأمر فحسبه مستحيلاً اُبتلع في الجمود وعدم القدرة على التعليم. لهذا وجد المخلص إنه من الضرورة أن يجيبه بلطف كمن قد اعتاد على الضعف، نازعاً الحجاب الذى يبدو موضوعاً على كلماته، فيتحدث بصراحة قائلاً “إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله” (يو٥:٣).

❈ بتعليم الروح صرنا أغنياء برجاء الخلود الذى لا يضمحل وباللقب العظيم أننا أبناء الله، وبالنعمة هنا (على الأرض) والمُلك مع المسيح فيما بعد.

[2]  القديس أغسطينوس

إنجيل القدَّاس – عند القديس أغسطينوس[3]

كان نيقوديموس واحدًا من هؤلاء “الذين آمنوا باسمه، لكنه لم يأتمنهم على نفسه” (يو٢: ٢٣، ٢٤). جاء إلى الرب، لكنه جاء ليلًا. جاء إلى النور، وقد جاء في الظلمة….

بالرغم من أنه جاء إلى يسوع، لكنه إذ جاء ليلًا، ظل يتكلم من خلال ظلمة جسده. لم يفهم ما يسمعه من النور الذي يضيء لكل إنسانٍ آتٍ إلى العالم…

ربما علة مجيئه إلى السيد الحقيقي ليلًا أنه اعتاد أن يُعَلِّم، وكان يخجل من أن يتعلم. لكنني أتمتع بمسرة أعظم عندما أصغي إلى معلم عن أن يُصغي إليّ كمعلمٍ. فإنني أتذكر ما قاله للذين اختارهم قبل غيرهم: “لكن ليتكم لا تُدعون معلمين بواسطة الناس، فإن سيدكم واحد، المسيح” (راجع مت ٨: ٢٣).

عرف هذا الرجل ميلادًا من آدم وحواء، أما الذي من اللَّه والكنيسة فلم يعرفه. لقد عرف فقط هذين الوالدين اللذين يلدان للموت، ولم يعرف اللذين يلدان للحياة. لقد عرف الوالدين اللذين ينجبا خلفًا لهما، ولم يعرف الوالدين الدائمي الحياة اللذين يلدان من يقيموا (على الدوام).

يوجد ميلادان: ميلاد من الأرض، والآخر من السماء، واحد من الجسد، والآخر من الروح، واحد قابل للموت، والآخر أبدي، واحد من ذكرٍ وأنثى والآخر من اللَّه والكنيسة، أما هو ففهم ميلادًا واحدً فقط..

كما لا يوجد تكرار في الميلاد من الرحم، لن يوجد أيضًا من المعمودية…

ماذا أيها الإخوة؟ أتظنون أن الرب يود أن يوبخ معلم اليهود هذا مستخّفًا به؟ لقد عَلِمَ الرب ما كان يفعله، فقد أراد من هذا الرجل أن يولد من الروح. لا يولد أحد من الروح إن لم يتواضع، لأن التواضع نفسه يجعلنا نولد من الروح، “لأن الرب قريب من منكسرين القلوب” (مز٣٤: ١٨). كان الرجل منتفخًا بكونه مُعلِّمًا؛ هذا يظهر من شعوره بأهميته كمُعَلِّمٍ لليهود. لقد أنزل يسوع كبرياءه لكي ما يولد من الروح. لقد وبّخه كشخصٍ غير متعلمٍ، لا لكي يظهر الرب كسيد عليه. فإنه أي وجه للمقارنة بين اللَّه والإنسان، وبين الحق والباطل؟..

نزل من أجلنا، لنصعد نحن من أجله. هو وحده نزل وصعد، ذاك الذي يقول: “ليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء“. ألا يصعد هؤلاء الذين جعلهم أبناء اللَّه إلى السماء؟ بالتأكيد يصعدون، هذا هو الوعد المقدم لنا: “سيكونون كملائكة اللَّه”. إذن كيف لا يصعد أحد إلا الذي نزل؟ لأنه واحد فقط هو الذي نزل، وواحد هو الذي يصعد. وماذا عن البقية…؟ رجاء البقية هو هذا، إنه نزل لكي ما فيه وبه يصيرون واحدًا، هؤلاء الذين يلزم صعودهم به… هذا يظهر وحدة الكنيسة. ويل للذين يبغضون الوحدة، ويجعلون من أنفسهم أحزابًا من البشر!…

يليق بنا أن نرحل، لكن هذه الرحلة لا تحتاج إلى دهن الأقدام (للسير بها)، ولا إلى طلب حيوان (نركبه) ولا إلى سفينة.

ليتك تجري بعاطفة القلب، لتسير في الرحلة في رفقة الحب، لتصعد بالمحبة.

لماذا تبحث عن الطريق؟ التصق بالمسيح الذي بنزوله جعل من نفسه “الطريق”.

أتريد أن تصعد؟ تمسك بذاك الذي يصعد. بذاتك لن تقدر أن ترتفع… إن كان لا يصعد أحد إلاَّ الذي نزل، أي ابن الإنسان، ربنا يسوع المسيح، فهل تريد أن تصعد أنت أيضًا؟

كن عضوًا في ذاك الذي وحده يصعد. لا يصعد إلاَّ الذي يكون عضوًا في جسده، فيتحقق القول: “لا يقدر أحد أن يصعد إلاَّ الذي نزل“…

لقد ترك أباه وأمه والتصق بزوجته لكي يصير الاثنين واحدًا (أف ٥ : ٣١ ). لقد ترك أباه لا لكي يظهر نفسه مساويًا للآب، وإنما لكي يخلي نفسه آخذًا شكل العبد (في ٢ : ٧ ).

لقد ترك أمه أيضًا، المجمع الذي منه وُلد حسب الجسد. لقد التصق بزوجته التي هي كنيسته.

الآن في الموضع الذي في المسيح نفسه هذه الشهادة، لقد أظهر أن رباط الزواج لا ينحل (مت ١٩ : ٤ )… “ليسوا بعد اثنين بل جسد واحد”، هكذا “لا يصعد أحد إلاَّ الذي نزل“.

لكي تعرفوا أن العريس والعروس هما واحد حسب جسد المسيح، وليس حسب لاهوته… لكي تعرفوا أن هذا الكامل هو مسيح واحد، قال بإشعياء: “وضع عمامة عليّ كعريسٍ، وكساني بالزينة كعروس” (إش ٦١ : ١٠ ) ….

ما هي الحيات التي تلدغ؟ الخطايا الصادرة عن موت الجسد.

ما هي الحيّة التي رُفعت؟ موت الرب على الصليب. كما جاء الموت بالحيّة، رُمز له بصورة حيّة.

لدغة الحيّة مميتة، وموت الرب محيي. إذ ينظر إلى حيّة تفقد الحيّة سلطانها. ما هذا؟ إذ ينظر إلى الموت، يفقد الموت سلطانه. ولكن موت من؟ موت الحياة…

بموت المسيح (الحياة) مات الموت.

موت الحياة ذبح الموت، ملء الحياة ابتلعت الموت.

انحل الموت في جسم المسيح.

لذلك نقول في القيامة إذ يتغنى المنتصرون: “أين شوكتك يا موت؟ أين غلبتك يا هاوية؟ أين شوكتك يا موت؟” ( ١كو ١٥ : ٤٥ )…

يوجد فارق بين الصورة الرمزية والشيء الحقيقي، الرمز يبعث حياة وقتية، والحقيقة التي لها الرمز تبعث حياة أبدية.

لكي يقدم رمزًا لصليبه رفع موسى بأمر اللَّه الرحيم صورة حيَّة على عمودٍ في البرية، في شبه الجسد الخاطي الذي يلزم أن يُصلب في المسيح مرموزًا إليه (يو ٣ : ١٤ ). بالنظر إلى هذا الصليب الذي تعمَّد المرتل أن يتطلع إليه ويقول: “عيناي قد ذبلتا من انتظار خلاصك، وقول برك” (مز ١١٩ : ١٢٣ )، لأنه جعل المسيح نفسه “خطية لأجلنا، وذلك على شبه الجسد الخاطي، لكي نصير برّ اللَّه فيه” (رو ٨ : ٣ ، ٢كو ٥ : ٢١ )

من أجل النطق ببرّ اللَّه يقول أن عينيه قد ذبلتا من النظر بغيرةٍ وحماسٍ، بينما يتذكر الضعف البشري، متطلعًا إلى النعمة الإلهية في المسيح.

[3] الشهيد كبريانوس

الولادة الجديدة[4]

إنني مثلك، ظننت مرة إنني كنت حرًا، مع إنني كنت أسيرًا، مقيدًا في ظلمةٍ روحيةٍ.

نعم كنت حرًا، أحيا كيفما أشاء. ولكنني كنت في فراغٍ إلى زمنٍ طويلٍ. كنت أبحث على الدوام عن شيءٍ أؤمن به. مع تظاهري بأنني واثق من نفسي، كنت كموجةٍ تلطمها الريح. كنت أيضًا أنجذب إلى كل أمور هذه الحياة معتزًا بالممتلكات والسلطة. بينما كنت أعرف في قلبي أن كل هذه الأمور ليست إلا كفقاعةٍ على البحر، تظهر الآن ثم تتفجر لتزول إلى الأبد. مع تظاهري باليقين الخارجي، كنت أعرف أنني مجرد تائه في الحياة، ليس لي خطة أسلكها، ولا مسكن تستقر فيه نفسي.

يمكنك أن ترى إنني لم أعرف شيئًا عن الحياة الحقيقية، الحياة الجديدة المقدمة لنا من فوق. لأنني كنت أبحث عن الحق خلال خبراتي الذاتية، معتمدًا علي طرق منطقي الذاتي، لذا بقى الحق مراوغًا. وإذ اعتمدت على فهمي الخاص، كان نور الحضرة الحقيقية لله مجرد إشراقة بعيدة.

سمعت أن رجالًا ونساءً يمكنهم أن يُولدوا من جديد، وأن الله نفسه أعلن طريق تحقيق هذا الميلاد الجديد بالنسبة لنا، وذلك لمحبته للخليقة التائهة مثلي.

في البداية ظننت أن هذا مستحيل. كيف يمكن لشخص مثلي عالمي وعنيف أن يتغير ويصير خليقة جديدة؟ كيف يمكن لمن هو مثلي أن يعبر من تحت المياه ويعلن أنه قد وُلد من جديد؟ هذا بالنسبة لي أمر غير معقول، أن أبقى كما أنا جسمانيًا، بينما يتغير صُلب كياني ذاته، وأصير كأنني إنسان جديد.

لم أرد أن أترك عدم إيماني، ومقاومتي لهذه الفكرة بأنني أولد من فوق. لقد اعترضت: “نحن من لحمٍ ودمٍ، مسالكنا طبيعية، غريزية، مغروسة بحق في أجسامنا. إننا بالطبيعة نقدم أنفسنا على الغير، ونسيطر ونتحكم ونصارع لكي نغلب الآخرين مهما كانت التكلفة. توجد بعد ذلك عادات اقتنيناها حتى وإن كانت تضرنا، صارت هذه العادات جزًء منا، كأنها أجسامنا وعظامنا. كيف يُمكن لشخصٍ أحب الشرب والولائم أن يصير ضابطًا لنفسه ومعتدلًا؟ كيف يمكنك أن تستيقظ صباحًا ما وبمسرةٍ ترتدي ثوبًا بسيطًا وقد اعتدت علي الملابس الفاخرة وما تجلبه من الأنظار والتعليقات؟ كيف يمكنك أن تحيا ككائنٍ متواضعٍ بينما قد نلت كرامة في أعين الجماعة…؟

هكذا كان تفكيري الطبيعي، إذ كنت في عبودية لأخطاء لا حصر لها تسكن في جسدي. بالحقيقة يئست من إمكانية التغيير. فقد تكون تلك العادات ضارة لي، لكنها كانت جزءً مني. لذلك كان التغير مستحيلًا، فلماذا أصارع؟ فإنني كنت أشبع رغباتي بتدليلٍ.

ولكن… في يومٍ أخذت خطوة وحيدة بسيطة وضرورية متجهًا نحو الله. تواضعت أمامه وكطفل قلت: “أؤمن”. نزلت تحت المياه المباركة… فغسلت مياه الروح الداخلية وسخ الماضي، وكأن بقعة قذرة قد أُزيلت من كتانٍ فاخرٍ، بل وحدث ما هو أكثر.

أشرق نور عليَّ كما من فوق. اغتسلت في سلامٍ لطيفٍ. تطهرت في الحال. قلبي المظلم يتشبع بحضرته، وعرفت… عرفت… أن الحاجز الروحي القائم بيني وبين الله قد زال. تصالح قلبي وقلبه. أدركت الروح، نسمة الآب، قد حلّ فيَّ من هو فوق هذا العالم. وفي تلك اللحظة صرت إنسانًا جديدًا.

منذ ذلك الحين وأنا أنمو في معرفة كيف أحيا بطريقٍ ينعش حياتي الجديدة المعطاة لي ويعينها. ما كنت أتشكك فيه صار لازمًا أن أتعامل معه بكونه الحق واليقين. ما كنت أخفيه يلزم أن يخرج إلى النور. بهذا ما كنت أسيء فهمه بخصوص الله والعالم الروحي بدأ يصير واضحًا.

وأما عن عاداتي الخاصة بإنساني القديم، فقد تعلمت حسنًا كيف تتغير… حيث تُعاد خلقة هذا الجسد الأرضي بواسطة الله. في كل يوم أنمو علي الدوام، صرت أكثر قوة، وحيوية في روح القداسة.

الآن أخبرك ببساطة الخطوة الأولي في طريق الروح: قف أمام الله كل يومٍ بوقارٍ مقدسٍ، كطفلٍ بريءٍ ثق فيه. هذا الاتجاه يحمي نفسك. يحفظك من أن تصير مثل الذين ظنوا أنهم متأكدون أنهم يخلصون، فصاروا مهملين. بهذا فإن عدونا القديم، الذي يتربص دومًا، أسرهم من جديد.

لتبدأ اليوم أن تسير في طريق البراءة، الذي هو طريق الحياة المستقيمة أمام الله والإنسان. لتسر بخطوة ثابتة. أقصد بهذا أنك تعتمد علي الله بكل قلبك وقوتك.

ألا تشعر به، الآب، إذ هو موجود حولك؟ إنه يود أن يفيض عليك… فقط اذهب إليه وأنت متعطش للحياة الجديدة… افتح الآن نفسك واختبر نعمته، التي هي الحرية والحب والقوة، تنسكب عليك من أعلى، تملأك وتفيض.

افتح نفسك أمامه الآن، هذا الذي هو أبوك وخالقك. كن مستعدًا أن تنال الحياة الجديدة وتمتلئ بها… هذه التي هي الله نفسه.

[4] القديس باسيليوس الكبير

معني الدينونة[5]

“الرب يدين الشعوب” (مز٧: ٨). الحديث عن الدينونة مُنتشِر في مواضع كثيرة في الكتاب المقدس، بكونه تعليمًا أساسيًا ومقنعًا بالنسبة للديانة الحقيقية لمن يؤمن بالله في المسيح يسوع

وردت كلمة “دينونة” (ومشتقاتها) بمعانٍ كثيرةٍ، مما يُسَبِّب ارتباكًا للذين لا يُمَيِّزون بدقةٍ بين المعاني…

كلمة “يدين” تُستخدَم أحيانًا في الكتاب المقدس بمعنى الاستحسان، كما في العبارة: “احكم لي يا رب إن سرت في براءتي”. إذ يكمل: “جَرِّبني يا رب وامتحننّي”

أيضًا تعني “إصدار حكم”، كما في العبارة: “إن حكمنا على أنفسنا، فلا يُحكَم علينا” ( راجع ١كو ١١ : ٣١ ). إن امتحنا أنفسنا حسنًا، لا نخضع للدينونة

مرة أخرى قيل إن الرب يدخل في المحاكمة مع كل جسدٍ (إر٢٥: ٣١)، أي في فحصه الأعمال في حياة كل أحدٍ يُخضِع نفسه للمحاكمة، ويقارن وصاياه بأعمال الخطاة، مدافعًا عن نفسه ببراهين مؤكدًا أنه يفعل كل شيءٍ من أجل خلاص الذين يُدَانون، حتى يقتنع الخطاة أنهم يستحقُّون ما يحلّ عليهم من عقوبة بسبب خطاياهم، ويدركون العدالة الإلهية، ويقبلون بإرادتهم العقوبة التي تحل بهم.

لازال يوجد معنى آخر لكلمة “يدين”، وذلك كقول الرب: “ملكة الجنوب ستقوم في يوم الدين وتدين هذا الجيل” (مت١٢: ٤٢). إنه يقول إن الذين يرفضون التعليم الإلهي، ولا يُحِبُّون النبلاء والصالحين، بل ويهجرون تمامًا التعاليم التي تُعلِّم الحكمة، فبمقارنتهم وتضادهم لمن كانوا في جيلهم أكثر غيرة نحو النبلاء والصالحين، ينالون دينونة أقسى بسبب الأمور التي أهملوها.

أعتقد أن الذين لهم هذا الجسد الترابي لا يُدَانون بطريقة واحدة، بواسطة الديَّان العادل متى كانت لهم عوامل خارجية متباينة تمامًا عن غيرهم، لهذا فإن الحُكْمَ يتفاوت من حالةٍ إلى أخرى.

الظروف التي نحن فيها ليست في سلطاننا، بل وُجِدنا فيها بغير إرادتنا، مما يجعل خطايانا قد تكون أكثر خطورة أو أخف في حدّتها.

تخيَّل إدانة الزنا، فالإنسان الذي سقط فيه منذ بداية حياته بممارسات شريرة ووُجِد مع والدين فاسقين، ونشأ بعادات شريرة كالسُكْرِ والعربدة وسماع قصص مُخزِية، بينما آخر كان يقوم بتحدٍّ للتمتُّع بأمورٍ سامية للغاية، ونال تعليمًا وكان له مدرسون، واستمع إلى وصايا إلهية أكثر، وتمتَّع بقراءات مفيدة ونصائح من الوالدين، وأنصت إلى قصصٍ تحثّ على الجدّية وضبط النفس وانتهاج أسلوب حياة راقيًا، فإن اندفع الأخير نحو الخطية مثل الأول، فإنه إذ يُقَدِّم حسابًا عن حياته، كيف يمكن لمثل هذا أن يكون غير مستحقٍ لعقوبة أشد بمقارنته بعقوبة الأول؟! يُتَّهَم أحدهما (الأخير) على أساس أنه لم يستخدم الميول المغروسة في أفكاره باستقامة. أما الآخر فيُتَّهم – بالإضافة إلى ذلك – أنه غرَّر بنفسه في وقت قصير بالرغم من نواله عونًا لخلاصه، وعدم ضبط نفسه وعدم حرصه.

بنفس الطريقة أيضًا من تدرَّب منذ بداية حياته على التقوى والهروب من كل انحرافٍ عن تعاليم الله، ونشأ في شريعة الله التي تهاجم كل خطية وتدعو إلى عكسها، لا يكون له عذر إن عبد الأصنام مثل من تربَّى على يدي والدين فَضوِليين، أو مثل أناسٍ تعلَّموا منذ البداية عبادة الأوثان.

[5] القديس إيرينيوس

الدينونة[6]

❈ كلمات النبي “من الضُغطة ومن الدينونة أخذ” تعلن مدى تعرضه للإهانة ولأنه أخلى نفسه فقد قبل الدينونة. لقد صارت الدينونة مقبولة إذ أنها للبعض صارت للخلاص وللبعض الآخر صارت عذابا للهلاك. وهكذا تظل الدينونة عقابا للبعض، بينما البعض الآخر تكون للخلاص. فالذين صلبوه جلبوا الدينونة على أنفسهم، وفعلوا هذا، لأنهم لم يؤمنوا به. لذلك بسبب هذه الدينونة هلكوا في العذاب، بينما كل الذين آمنوا رفعت عنهم الدينونة ولم يخضعوا لها. الدينونة التي ستصير بالنار سوف تجلب هلاكا لغير المؤمنين في نهاية هذا العالم.

❈ إذا كان النبي يقول: “وفي جيله من كان يظن أنه قطع من أرض الأحياء أنه ضرب من أجل ذنب شعبي”، فإنه يقول هذا من خوفه أننا بسبب آلامه نكون شهود أحقاد ونعتبره نحن إنسانًا محتقرا ومرذولاً. إن ذاك الذي عاني كل هذا له أصل ونسب لا يوصف، أي أصله الذي هو أبوه، والذي لا يوصف ولا يمكن التعبير عنه. اعرف إذن أن ذاك الذي خضع لهذه الآلام يمكن أن يسترد مجده الإلهي، فلا تحتقره بسبب العذابات التي تحملها لأجلنا، بالحرى فلنوقره ونكرمه لأنه إله حقیقی بحسب طبيعته.

❈ يقول إرميا في سياق آخر: “نفس أنوفنا مسيح الرب أخذ في حفرهم الذي قلنا عنه في ظله، نعيش بين الأمم”. والكتاب يشهد بأن المسيح إذ هو روح (الله روح) سوف يصير إنسانا متألما، وأيضا إذ تعجب النبي لآلامه وللعذابات الكثيرة التي سيعانيها . شهد له قائلاً إننا سنحيا تحت ظله. فهو يدعو جسده “ظل”، لأنه كما أن الظل يأتى من الجسد هكذا جسد المسيح يأتي من روحه. والظل أيضا يشير إلى التواضع وإلى تعرض جسده للاحتقار: لأنه كما أن ظل الجسد المنتصب يكون على الأرض ويداس تحت الأقدام، هكذا جسد المسيح، سقط على الأرض وقت آلامه وداسته الأقدام. وأيضا ربما دعا النبي جسد المسيح “ظلاً” وكأنه كان يخفى مجد الروح ويغطيه. وأيضا مرات كثيرة كانوا يوضعون المرضى على الطريق حيث يمر الرب والذين سقط ظله عليهم نالوا الشفاء”.

❈ يقول النبي بخصوص آلام المسيح : “باد الصديق وليس أحد يضع ذلك في قلبه ورجال الاحسان يضمون وليس من يفطن بأنه من وجه الشر يضـم الصـديق. دفنـه يـكـون سـلاما. يستريحون في مضاجعهم. السالك بالاستقامة” من هو الصديق البار والكامل إلا ابن الله الذي يقود إلى البر التام. وأولئك الذين يؤمنون به والذين يضطهدون ويموتون مثله. عبارة “دفنه يكون” يشير إلى الكرازة بموته لأجل خلاصنا. ” سلاما ” تعنى “خلاصنا”. حقا، بواسطة موته، كل من كانوا قبلاً أعداء بعضهم لبعض، فإنهم بإيمانهم به يحيون في سلام فيما بينهم، فالإيمان المشترك به يجعلهم أصدقاء. أما قوله رُفع من الوسط” أي أنه يعلن قيامته من بين الأموات، لأنه بعد قبره لم يره أحد ميتا.

حياة سألك“:

❈ كان لابد أن يقوم ويظل عديم الموت، هذا ما يعبر عنه النبي قائلاً: حياة سألك فأعطيته. طول الأيام إلى الدهر والأبد”. فلماذا يقول ” حياة سألك” مادام مزمعا أن يموت؟ إذن فالنبي يتكلم هنا عن أنه سيقوم من الأموات وسيظل عديم الموت لأنه أعطى حياة حتى يقوم، ” وطول الأيام إلى الدهر” لأنه سيكون في عدم فناء.

[6] الأب صفرونيوس

وصايا هامة خاصة بانتظار النعمة[7]

❈ يقول الرسول بولس إن الله لا ينسى تعب المحبة، وهو لا ينسى إننا في زمان الجفاف لم نترك وصاياه، وإننا كنا نجلس لنسمع كلمات الإنجيل ولا نفهم منها إلا القليل، وكنا نشترك في القداسات بقلب بارد غير مشتعل بمحبة الله، ولكن لم نسقط في خطايا الأمم، ولا سلكنا طريق بلعام لنترك كل الأفكار التي تحرضنا على التهاون ولنمارس عبادتنـا وصلواتنا وأصوامنا حتى تجيء أمطار التعزية في الوقت الذي يختاره الله لنا.

❈ لنحب الله ليس من أجل عطاياه، فهذه هي محبة العبيــد، ولكن لنحبه لأنه الآب، ولأنه مصدر كل محبة، لنحبه كما أحبنـا في يسوع المسيح ربنا، وليكن هذا هو غاية حياتنا.

❈ ولنسلك بتدقيق لا لكي نصل إلى البر الذاتي، لأن البر الذاتي هو مصدر الوسواس، وكل الذين يظنون أنهم يخلصون بأعمالهم سوف يعانون متاعب وصعوبات لا يملكون أن يقاوموها ويسقطون في الكبرياء والعجرفة دون أن يعلموا.

❈ لنحيا حسب نعمة المعمودية المقدسة التي فيها قد قبلنا عطية التبني واستنارة الروح القدس. لنسلك في هذه العطية:

أولاً بالصلاة الدائمة.

ثانياً بملازمة إسم ربنا يسوع المسيح حسبما استلمنا من تسابيح الكنيسة المقدسة.

ثالثاً بخدمة الإخوة، لأن خدمة الإخوة هي صلب للإرادة وموت عـن رغباتنا الخاصة.

رابعاً بقبول الموت مـع المسيح وهو الموت الذي تحول من عقوبة وحكم  إلى خلاص وقوة لتجديد النفس والجسد، لأن الرب بموته جعل الموت باب القيامة، وضمه إلى المعمودية المقدسة سر ولادتنا، فصرنا نولد من جديد بموته المحيي وصلبـه، لأن الرب عندما مات على الصليب جمع الموت والحياة معاً في جسده ونفسه الإنسانية وجعل الغلبة للحياة، وحول الموت من إنفضال النفس عـن الجسد إلى إنفصال النفس عن الخطية. كان عرش الخطية هو الموت حسب قول الرسول القديس “كما ملكت الخطية في الموت. هكذا تملك النعمة بالبر للحياة الأبديـة بيسوع المسيح ربنا” (رو٥: ٢١). وهكذا قال الرسول عن نهاية ملك الخطيـة وضياع مملكتهـا بضياع وإبادة مملكة الموت “إحسبوا أنتم أنفسكم أمواتاً عن الخطية، ولكن أحياء لله بالمسيح يسوع ربنا” (رو٦: ١١). ولما سقط عرش الخطيـة أي الموت، سقطت قوة الخطية وسيادتها لأن الخطية تدفع الأجرة للخاطئ وهى الموت. (رو٦: ٢٣). ولما مات الرب وأبطل حكم الموت وأباد سلطان القبر، أبـاد عرش الخطية وداسه بعزة لاهوته، وقداسـة ناسوته، فصارت الخطية عاجزة عن أن تقدمنا للقضاء والحكم وبذلـك فقدت سلطان الدينونة، وصارت عاجزة عن أن تقدم أي خاطئ للموت بسبب موت المسيح على الصليب، وهنا تحولت طبيعة الموت، حيث أسره المسيح، وجعله ليس قوة هدم للموت، بل قوة هدم القديم أي الجسد الفاني، وقوة هدم للشهوة لأن الشهوة لا تقود إلى الحياة الباقية. وفصل المسيح بين الموت كقوة تعمل فينا للقضاء على حياتنا الأرضية، وبين الخطايا كافة، وعندما ضم الموت إلى الصليـب – لأنه قبل الموت لكـي يجمعـه في صليبه المحيي – حوله إلى قوة تفك رباطات النفس من عبودية الخطية. وصار الخاطئ يرى خطاياه مصلوبة أمام عينيه، ولم يعد يناضل وحده من أجـل تحرير وفـك رباطات الخطية، بل صار يستدعي قوة الذي مات وهو برئ وقدوس قداسة كاملة، أي يستدعي قوة الصليب، قوة الموت المحييّ لكي تبيد أشواك الخطية وتنزع الشهوة من القلب. وهكذا قال الرسول “أي ثمر كان لكم عند ذلك عندما كنتم تعملون الخطايا التي تستحون منها الآن، لأن نهاية تلك الخطايا هي الموت، وأما الآن إذ قد أعتقتم من الخطية وصرتم عبيداً لله صار لكم ثمر حياتكم كعبيد هو القداسة والخاتمة هي الحياة الأبدية” (رو٦: ٢١، ٢٢). ولذلك السبب عينه تدعى صلاة غفران الخطايا بإسم “التحليل”، لأنها صلاة لفك رباطات الموت – حسب كلمات الصلوات نفسها “الذي قطع كل رباطات خطايانا” – أي القوة التي توجد الخطية والموت.

❈ والصلة بين الخطية والموت هي مثل الصلة بـيـن الرأس والجسد. فإذا قطعت الرأس، مات الجسد وفقد قدرته على الحركة. والخطية هي الرأس الذي يحرك أعضاء الجسد، أي قوات الموت المتنوعة، كما يحرك الجسد الرأس ويعطي لها قوة الحركة ويمدها بقوة البقاء. جاء الرب يسوع وقطع الرأس، أي فصل الرأس عن الجسـد، وغرس رأساً جديدة هي رأسه هو المتوج بإكليل الخلاص أي الشوك الذي يحمل رمز لعنة الأرض لأن الرب قال “حسكاً وشوكاً تنبت لـك” (تك ٣: ١٨) وماذا وضع الرب عوضاً عن الرأس؟، الحياة الآدمية الجديدة التي خلقت من الروح القدس، ومن العذراء القديسة مريم وجعل هذه الحياة هي ميراث كل المؤمنين، ووهبها لهم جديدة ظافرة، عديمة الموت، باقية فيه، مثمرة للحياة الأبدية.

❈ هذه الحياة الجديدة المخلوقة حسب الله، أي حسب الخلق الجديد في يسوع المسيح، نراها كاملة في المسيح، ونراها كاملة فينا بالنعمة التي توهب لنا في الأسرار السمائية، سر الميلاد الثاني أي المعمودية المقدسة، وسر اتحادنا بالمسيح في سر الشكر الإلهي أي جسـد ربنا ودمه الكريم الذي يثمر فينا حياة عدم الموت.

❈ فإذا كانت الخطية تعمل في أعضاء الجسد حسـب قـول الرسول “بسبب ضعف جسدكم” (رو ٦ : ١٩) فإننا نقدم الجسد ذبيحة محبة، ونتحول إلى ذبيحة محبة بالتشبه بمن مد يديه على الصليب وأعطى السلام والمصالحة وغفران الخطايا، لأن السلام يحول الجسد نفسه إلى صورة للمسيح، والمغفرة إلى صورة المصلوب، والمصالحة إلى صـورة عطية الروح القدس الذي يسكن في الخطاة رغم قداسته ويشتاق إلى خلاصهم.

❈ حقاً حول الرب؛ الموت من عدو للحياة الجسدانية إلى قوة خلاص وحياة للحياة الجديدة التي فيها يهدم الموت، الفاسد، ليس بقوته الذاتية بل بقوة الذي صلب ومات، وهو ما يقول عنه الرسول بولس “أبتلع الموت إلى غلبة” (١كو١٥: ٥٤). لأن الموت الذي قبله الرب كان موتاً محيياً، إذ صار قوة خلاص لكل الذين يؤمنون بالمسيح. كان الموت قبل الصليب قوة هدم تؤدي إلى القبر. أما بعـد المسيح فصار قوة خلاص، لأنه لا يهدم للفناء بل يهدم لقيامة، ولا يعمل لقتل الحياة، بل يعمل لقتل الخطية لأن “إنساننا القديم قد صلب مع المسيح لكي يبطل جسد الخطية” (رو٦: ٦) أي لكي يحرر الجسد من سلطان الخطية إلى سلطان ابن الله المصلوب عنا. وفيه – أي في المسيح – نجد في الكف عن الخطية، الحياة الجديدة التي توهب لنا والتي لا تخلق بإرادة الجسد واللحم والدم، بل بقـوة الميلاد الثاني من الله (راجع يوحنا ١: ۱۲، 13).

❈ لنتقدم بشكر إلى الآب السماوي ونرشم ذواتنا بعلامة الصليب المحيي، لكي ننال الحياة والميراث السماوي الذي نراه سرياً في سر الشكر الفائق، والذي فيه يوحدنا الروح القدس بالمسيح إلهنا لكى نصير واحداً معه بغير افتراق.

الخطية عاجزة عن أن تفصلنا عن المسيح:

❈ أيها الأحباء، أنتم مجد المسيح كما قال الرسول بولس وفخر السموات نفسها لأنكم لبستم المسيح وصرتم الآن عـن يمين الآب مع الغالب.

❈ توجد خطية واحدة للموت، وهي خطية الارتداد عـن الإيمان والكفر بدم المسيح الذي خلصنا بموته. هذه الخطية تنقل المؤمن الحي من الحياة إلى الموت. أما باقي الخطايا عاجزة عن أن تفصلنا عن محبة الله، بل بالتوبة والاعتراف والصلاة والصوم العقلي والجسداني نعود إلى مجد المسيح، بـل حتى إن الذين إرتدوا عن الإيمان إذا طلبـوا التوبة والعودة، فإن الكنيسة تقبل هؤلاء متشبهة بالمسيح يسوع ربنا الذي قبل بطرس الذي لعن الرب وأنكره أمام الجارية. أما من يسقط في بئر اليأس مثل يهوذا الذي باع سيده وسقط في نفس خطية بطرس، فإنه يهلك بسبب عدم محبته، ولأن عدم المحبة قاده إلى الهلاك.

❈ وقد وضعت البيعـة الأرثوذكسية عدة قوانين للتوبة وعودة المرتدين وهي كلها معروفة لمن يقرأ مجموع القوانيـن الـتي وضعها الآباء والمجامع المسكونية المقدسة.

[7] القديس غريغوريوس النيسي

سر المعمودية الذى يعمل فى محو قوة العدو الطاغية الذى هو الشيطان[8]

الخروج من مصر :

فى كل مرة يحاول الانسان أن يخرج من سيطرة فرعون مصر، ويصير مرعوباً من هجوم التجارب عند الحدود، فان مرشديه يكشفون له طريق الخلاص غير المتوقع الذى يأتى من فوق. وحين يطاردنا العدو وجنوده فان البحر سوف يجبر على فتح طريق لنا لنعبر فيه. والسحاب الذى قاد شعب بني اسرائيل هو رمز للقادة والمرشدين الذين يتقدموننا، والمرشد والقائد هو الذى يقود البار الى الخلاص، ويقود أولئك الذين يتبعونه ليعبروا الماء. انه يصنع لهم طريقاً ويجلب لهم فداء آمناً، ويغرق فى البحر العدو الذى يريد أن يستعبدهم. واذا فحصت أيها القارىء فى هذا الرمز (رمز عبور بنى اسرائيل فى البحر) فانك سوف تفهم سر الماء الذى نزلنا فيه مع العدو ولكننا نجونا نحن فقط، أما العدو فانه نزل وغرق فى الماء. وكل أحد يعلم أن جيش المصريين يقف من أجل أرواح البشر التى كانت مستعبدة له. لقد غرقت الفرسان والمركبات وكل من كان يركبها وكل عساكر الجيش والذين يقذفون وكل باقى الحشد وما هذا إلا شهوة الغضب ومحبة المال. والقذف الذى حدث من جيش المصريين هو لغة الشتائم حين أدركوهم وجروا ورائهم “فدخل بنو اسرائيل فى وسط البحر على اليابسة والماء سور لهم عن يمينهم وعن يسارهم. وتبعهم المصريين ودخلوا ورائهم. جميع خيل فرعون ومركباته وفرسانه الى وسط البحر” (خر١٤: ٢٣-٢٤) وما تهديد المصريين لبني اسرائيل بالسيف والرمح إلا اشتداد الغضب فيهم. ولما أطلقوا العنان للمركبات والجياد إنما هى تجربة اللذة التي تحاربنا، وكانت هذه المركبات يركبها ثلاثة اشخاص وهذه ترمز الى الحرب التى يثيرها العدو فى الانسان من ناحية جسده أو عقله أو روحه، وكل هذا قد غرق فى الماء بعد عبور بنى اسرائيل وبعد مطاردة المصريين الشريرة لهم. ولكن تحت قيادة الايمان والسحابة المضيئة أصبحت المياه مصدر حياة لهم وسبب موت للذين كانوا يطاردونهم، ولم يؤذهم العدو ولم يقدر أن يفتك بهم حين ظهر لهم بل غرق وتبدد تماماً. لأنه لو أدركهم العدو لظلوا فى العبودية حتى بعد نزولهم المياه.

والآن نشرح الحوادث وما ترمز اليه كل منها.  المعنى هو أن كل الذين يعبرون فى سر المعمودية يجب أن يدفنوا فى هذه المياه كل الأعداء والأشرار الذين يصنعون معهم حرباً، وتلك هى الخطايا مثل محبة المال والشهوات الشريرة وروح الطمع والمجد الباطل والافتخار والغيظ والغضب واللعنة والغيرة والحسد ومحبة العالم، فهذا هو العدو الذى يحارب الروح. وقد كان الناموس يطلب من اليهود أن يأكلوا الفصح مع فطير غير مختمر. والخمير كان يرمز الى الخطية لذلك كان يجب أن يأكلوا خبزا غير مختلط بالخميرة العتيقة وهذا رمز الى حياتنا الجديدة بعد المعمودية التى يجب أن لا تختلط بالخطايا، ويجب أن نبدأ فى المعمودية بداية جديدة تماماً وذلك بالتحول الحقيقى بأن تنقطع سلسلة الخطايا من حياتنا للأبد. ونحن هنا مطالبون بأن نغرق كل عدو الى عمق البحر حتى يأخذ مياه الخلاص ثم نخرج من الماء دون أن نسمح لأي شىء غريب أن يدخل فى حياتنا، وهكذا فان رسالة الماء أن نفصل بين العدو والصديق عن طريق الموت والحياة، الصديق يجد حياة والعدو يغرق ويهلك.  ولكن كثيرين بعد أن ينالوا الميلاد والعماد المقدس يجهلون وصايا الأنجيل، ويخلطون الخمير العتيق الذى هو الخطية مع حياتهم الجديدة، وحتى بعد العبور فى الماء نجدهم يجرون معهم العدو الذى يحيا معهم فى أعمالهم. وهكذا فان الانسان الذي يأتي ليدخل المعمودية فهو يتخلص من عبودية الخطية التى كان يحيا فيها من قبل، لأن الخطية التى عاش فيها الانسان قبل العماد لا تمنعه من الدخول لسر العماد ولكن يجب بعد ذلك أن يتخلص تماما من الطاغية الذى كان يستعبد الانسان ويجلده بجلدات كثيرة وتلك الجلدات هى المسرات والشهوات. والطاغية هو محبة المال الذى لا يعطي أي راحة لعبيده ولا يبالي بمدى صعوبة العمل حتى يكمل الضحية أوامر سيده فى رغبة التملك وهكذا مع كل الشرور الأخرى والخطايا المتعددة فأنه يصير لنا أسياد كثيرون وطغاة متعددون. ولكن رغم كل هذا فان من استعبد لهم يجب أن يعبر فى العماد بالماء حتى يتلامس مع سر المعمودية الذى يعمل فى محو قوة العدو الطاغية الذي هو الشيطان.

عبور البرية:

الذي قد عبر ورأى العدو يغرق – كما تأملنا سابقا وما يرمز اليه من سر المعمودية – سوف يصير مثل موسى النبى حامل للفضيلة، وسوف يضع ثقته فى الله ويطيع موسى النبي كخادم له “فخاف الشعب الرب وآمنوا بالرب وبعبده موسى” (خر١٤: ٣١) بذلك “أطيعوا مرشديكم واخضعوا لأنهم يسهرون لأجل نفوسكم” (عب١٣: ١٧). إن شعب بنى اسرائيل بعد أن عبروا البحر وساروا فى الطريق لمدة ثلاثة أيام، ثم أقاموا فى خيام وجدوا أولاً ماء لم يستطيعوا أن يشربوا منه لأنه كان مراً (خر١٥: ٢٣) ولكن الخشب الذى وضعه موسى فى الماء جعله ماء حلواً صالحاً للشرب ولري العطش، والنصوص تتطابق مع أحداث حياتنا الواقعية وتفسير ذلك أن الانسان حين يكف عن المسرات والملذات التى كان يرمز لها بفرعون وجنوده وكان مستعبداً لها قبل أن ينال سر العماد، فإن حياة ذلك الانسان ستصير مرة فى البداية وسوف يتضايق لأنه قد انتزعت مسراته السابقة ولكن حين يلقي الخشب فى الماء فإنه فى الحال سوف تتحد روحه مع سر القيامة التى بدأت بخشبة الصليب، وعندئذ تصير حياة الفضيلة محببة للنفس ويصير فيها لذة أكثر من أي فترة أخرى. وعندئذ يطرد الانسان كل المسرات العالمية لأنه صار مملوء بالرجاء فى الأبدية والملكوت.  ثم بعد ذلك صارت لهم المسرة بعيون الماء وشرات النخيل وشعروا براحة من التعب الى كانوا يعانون منه (خر١٥: ٢٧) حيث كانت توجد اثنتا عشرة عين ماء تقدم لهم الماء النقى الصالح للشرب وسبعون نخلة كبيرة عالية ترمز الى السنين التى نجاهد فيها حتى نرفع الى السماء. ونحن هنا نجد أسرار تفسير تلك الأمور فهذا هو سر الخشبة الذى جعل ماء الفضيلة تروي العطشان. تلك هى رسالة الأنجيل فالأثنتا عشرة عين ماء ترمز الى التلاميذ الأثنى عشر الذين أختارهم الرب لهذا الغرض، وجعل الله كلمته تنتشر عن طريقهم مثل نبع الماء، والسبعون شجرة من النخيل هم بالطبع الرسل الذين اختارهم الرب بعد التلاميذ وأرسلهم الى العالم أجمع (لو١٠: ١).

عظات آباء وخدام معاصرين

[1] القديس الأرشيدياكون حبيب جرجس

يسوع هو الباب والطريق والحق والحياة[9]

قال الرب: “إن الذي لا يدخل من الباب إلى حظيرة الخراف بل يطلع من موضع آخر فذاك سارق ولص، أنا هو الباب أن دخل بي أحد فيخلص ويدخل ويخرج ويجد مرعي” (يو١٠: ۱، ۹) “أنا هو الطريق والحق والحياة ليس أحد يأتي الى الآب إلا بي” (يو١٤: ٦) “أنا الكرمة وأنتم الأغصان الذي يثبت في وأنا فيه، هذا يأتي بثمر كثير، لأنكم بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئاً” (يو١٥: ١٠) هذا هو كلام الرب وهو الحق بعينه، فلا تستطيع الدخول الى حياة النعمة إلا من هذا الباب، ولا تقدر أن تسلك وتسير في طريق الفضيلة إلا إذا مررت في هذا الطريق، تضل إن لم نجعل يسوع نصب عينيك فليكن هو الباب الذي تدخل منه، والطريق الذي تسلكه، والحق الذي تبتغيه، والحياة التي تتطلبها وتحياها. لا تحول نظرك عنه ولا تمل بقلبك الى شيء آخر غيره.

لما هاجت الحيات السامة على بنى اسرائيل في البرية أمر الرب موسى أن يصنع حية نحاسية ويرفعها، وكل من لدغته حية ينظر الى الحية النحاسية فيبرأ حالاً من سمها، ولم يكن ذلك إلا رمزاً إلى يسوع فادينا الذي علق الصليب “وكما رفع موسى الحية في البرية هكذا ينبغي أن يرفع ابن الانسان لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية” (يو: ١٤، 15). ها أنت في برية هذا العالم المملوء بالحيات الكثيرة المميتة، ولكن إن نظرت إلى يسوع تنج من كل داء وما دمت متطلعاً الى يسوع لا يصيبك شر، ولا تقدر الحية القديمة أي أبليس على ضررك، فوجه نظرك الى يسوع، أحدق بعينيك وتطلع بنظر عقلك وأشتغل بكل قلبك في التأمل في جمال يسوع فتستنير بضياء الحق، الأزلي ويستضيء قلبك ولبك بشعاع النور الإلهي، فتعود أبهى جمالاً من الشمس، وتجد باب النعمة مفتوحاً أمامك، وطريق الحياة سهلاً لديك. وكما قبلت الرب يسوع اسلك فيه، وسر على نوره واتكل على بره، وليكن ايمانك به وطيداً وأثبت فيه، أجعله نصيب راحتك وميراث خلاصك وعربون مجدك في هذه الحياة، وقل مع الرسول بولس: “لى الحياة هي المسيح” (فی۱: ۲۱) “لأَنِّي مُتُّ بِالنَّامُوسِ لِلنَّامُوسِ لأَحْيَا للهِ، مَعَ الْمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا لاَ أَنَا، بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ فَمَا أَحْيَاهُ الآنَ فِي الْجَسَدِ، فَإِنَّمَا أَحْيَاهُ فِي الإِيمَانِ، إِيمَانِ ابْنِ اللهِ، الَّذِي أَحَبَّنِي وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِي” (غل ۲: 19، 20).

[2] المتنيح القمص لوقا سيداروس[10]

من ضمن الذين تركوا أورشليم إلى البلاد المجاورة كان فيلبس المبشر أحد الأحباء المملوئين من الروح القدس إذ كان واحداً من السبعين الذين عينهم الرب. ذهب فيلبس إلى السامرة وبشر أهلها بقيامة يسوع من الأموات. أظهر أهل السامرة استعداداً عجيباً لقبول كلمة الله والإيمان بالمسيح. واعتقد أن المرأة السامرية هي أول من بشرت بالمسيح حينما قابلها على بئر سوخار هي التي أثرت في هذه المدينة حتى أن أهلها استضافونا مع الرب ومكثنا عندهم يومين وأعلنوا إيمانهم بالرب يسوع المسيح ابن الله مخلص العالم. لهذا لقي فيلبس إقبالاً على تعليمه باسم الرب يسوع. فقبل أهل السامرة الإيمان. وكان بينهم رجل مشهور بسحره “وَكَانَ الْجَمِيعُ يَتْبَعُونَهُ مِنَ الصَّغِيرِ إِلَى الْكَبِيرِ قَائِلِينَ: هذَا هُوَ قُوَّةُ اللهِ الْعَظِيمَةُ”. ولكن لما صدقوا فيلبس انصرفوا عن هذا الوهم حتى أن الرجل الساحر سيمون نفسه آمن واعتمد.

لقد عمدهم فيلبس المبشر جميعهم باسم الرب يسوع. ولكن كان يلزم أن يقبلوا الروح لكي يولدوا ويسكن فيهم ويقبلوا كل العطايا والمواهب بسكنى الروح ويتمتعوا بالخلاص وغفران الخطايا. أرسل إلينا فيلبس يستدعينا لكي نضع أيدينا عليهم ليقبلوا الروح القدس. ذهبت أنا ويوحنا إلى هناك. كم فرحنا وتعزينا بعمل نعمة الله وكم وجدنا حباً وترحيباً من أولئك المؤمنين الجدد. فوضعنا أيدينا عليهم فحل القدس وملأهم نعمة فطفقوا يسبحون ويمجدون الله وظهرت المواهب فيهم. وبدت النعمة جلية على وجوههم.

لما رأى سيمون أنه بوضع أيدينا حل الروح القدس على الجميع اندهش وإذ كان فكر السحر والأعمال السحرية مازال مسيطراً على عقله إذ كان شغله الشاغل أن يعمل عملاً يبهر عقول الناس ويجعلهم يعظمونه. هذا “قدم لنا دراهم قائلاً: أعطياني أنا أيضاً هذا السلطان، حتى أي من وضعت عليه يدي يقبل الروح القدس”. مسكين هذا الإنسان وأفكاره مربوطة بالظلام. إنه روح الله فكيف يباع؟ أو يقتني بفضة أو ذهب؟ وهذا السلطان الذي وهبه الرب يسوع للرسل أن يحلوا ويربطوا الخطايا ويعمدوا ليس بالماء فقط بل بالماء والروح. لم يعطه الرب للتفاخر ولا للتظاهر ولا لمجد الناس. بل لمجد الله وبناء الكنيسة، “ولنا هذا الكنز في أوان خزفية، ليكون فضل القوة لله لا منا”. وهذه المواهب العظمى والنعم تعطى لمن يختاره المسيح ويستأمنه. ليس لمن يريد أن يكون. لأن “لا يأخذ أحد هذه الوظيفة بنفسه، بل المدعو من الله”. فقلت للرجل بقوة الروح وصدقه وسلطانه: “لتكن فضتك معك للهلاك، لأنك ظننت أن تقتني موهبة الله بدراهم! ليس لك نصيب ولا قرعة في هذا الأمر، لأن قلبك ليس مستقيماً أمام الله. فتب من شرك هذا، واطلب إلى الله عسى أن يغفر لك فكر قلبك، لأني أراك في مرارة المر ورباط الظلم”. وكشف الروح بما في أعماق نفس هذا الرجل وإعلان ذلك على لساني جهراً وأمام جمهور الناس الذين كانوا يندهشون بسحره، كان كأن الروح يرسي من البداية مبدأ عدم السعي للمواهب الروحية بوساطة أو رشوة أوهدية أو بأي طريق من طرق أهل العالم. فأجاب الرجل إذ أحس بالخوف في أعماق نفسه وانكشف ما كان مستوراً فيها، أجاب قائلاً: “أطلبا أنتما إلى الرب من أجلي لكي لا يأتي على شيء مما ذكرتما”. مكثنا مدة عندهم نعزيهم بكلمة الحياة ونثبتهم في الإيمان وإذ انتشر خبر عمل نعمة الله، ذهبنا إلى قرى أخرى في السامرة وبشرناهم ووعظناهم بكلام الحياة الأبدية فقبل كثير منهم الإيمان واعتمدوا باسم الرب يسوع.

[3] أيضاً للمتنيح القمص لوقا سيداروس

الجسد والروح[11]

“المولود من الجسد جسد هو،والمولود من الروح هو روح” (يو٦:٣).

خسارة كبيرة أن يظن الإنسان أنه جسد فقط فيهمل كيانه الحقيقي روحه الخالدة. خسارة كبيرة أن ينحصر فى الجسد ويهتم به ويحيا له، مع أن الجسد له نهاية حتمية لا يستطيع أن يتجاوزها. فهل ينتهي الإنسان العظيم الذى صنع كل هذه الحضارات والإكتشافات والعلوم والتقدم الهائل.. هل ينتهي بإنتهاء أيام جسده ويفنى إلى العدم؟! هل هذا معقول؟! إن الإنسان فى الحقيقة أعظم من أن يفنى ويزول، إنه مخلوق سام.. مخلوق على صورة الخالق المبدع.. إن روح الإنسان فى داخله هى التى تقوده إلى الإبداع والخير والصلاح. الجسد الترابى “.. من التراب، وإلى التراب يعود” (جا ٢٩:٣). الروح سماوية من فوق..”الجسد يشتهى ضد الروح والروح ضد الجسد” (غل١٧:٥). يقول الكتاب: إن عشتم حسب الجسد فستموتون ، ولكن إن كنتم بالروح تميتون أعمال الجسد فستحيون” (رو ١٣:٨). نحن مديونون للروح لنحيا بحسب الروح.. المسيح لما أحبنا وفدانا وحررنا من العبودية أعطانا أيضاً روحه القدوس فصرنا هيكلاً لروح الله وصارت أرواحنا مقودة بالروح القدس الساكن فينا. أعمال الجسد تنبع من ميول الجسد وشهواته. فإذا تبع الإنسان أهواء الجسد يصير إنساناً جسدانياً، وإذا إنحصر فكره فى الجسد يصير عقله وفكره ترابياً جسدانياً، أما إذا انحاز عقله وفكره لروح الله، فإنه يصير إنساناً روحانياً.. سماوياً راقياً، وتصير أعماله ترجمة لحياة الروح فيه.. “كل ماهو حق، كل ما هو جليل، كل ما هو عادل، كل ما هو طاهر” (في٨:٤)، كل ما فيه صلاح وخدمة وبذل وحب حقيقي يصبح مسرته ويصير ثمر روح الله فيه واضحاً للجميع. الآباء القديسون إنقادوا بالروح وسلكوا وعاشوا حسب الروح.. والروح أرشدهم إلى جميع الحق. الذي “يزرع لجسده فمن الجسد يحصد فساداً” (غل ٨:٦). لأن الجسد مآله ونهايته الفساد.. الذى يزرع للروح فمن الروح يحصد حياة أبدية وسلام لأن الروح لا يموت ولا يفسد.

آه.. كم نصرف من العمر إهتماماً للجسد وأمور الجسد ومسرات الجسد؟! كم نصرف من الإهتمام بصحة الجسد وننفق كل ما لنا من أجل حفظ الجسد سليماً؟! العالم قائم على الإهتمام بالجسد وصناعة العالم كله تدور حول الجسد. لسنا نقول أن نهمل أجسادنا فهذا ضد الإنجيل ولكن هل أعطينا أرواحنا ذات الإهتمام؟!.

أى أن إهتمامنا الأول هو أعمال التوبة والندم على الخطايا ودموع التوبة والرجوع إلى الله وفحص الضمير وتصحيح أوضاعنا وسلوكنا والرجوع عن الأعمال التى لا ترضي الله.  يلي ذلك الخطوات العملية كمثل زكا العشار الذى قال: “أعطي نصف أموالي للمساكين، وإن كنت قد وشيت بأحد أرد أربعة أضعاف” (لو٨:١٩). والتشبه بالعشار فى مثل الفريسي في الصلاة والإتضاع. والتمثل بالمرأة الخاطئة التى غسلت رجلي المخلص بالدموع ومسحتهما بشعر رأسها. مثل هذه الأفعال تقدس الروح، وتعطي الروح عافية ونضارة كأنها معمودية ثانية تغسل القلب وتنقية، وتطهر الحواس من دنس الخطية. مع كثرة الصلاة والتضرع والإحساس الدائم بوجود الله والحياة معه فى كل تفاصيل الحياة يجعل الروح تنتعش وتحيا فى صحة وتضبط الجسد وتدرب الحواس، فيحيا الإنسان بدافع من الروح فى الداخل متطلعا إلى السموات لأن روحه ترتاح فى المسيح الذى قال: “تعالوا إليَّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال، وأنا أريحكم” (مت٢٨:١١).

القديس بولس الرسول سمى الجسد إناء خزفياً وسمى الروح كنزاً حقيقياً وقال: “ولكن لنا هذا الكنز فى أوان خزفية” (٢كو٧:٤) لذلك أرجع فضل القوة فى حياته لله وليس للجسد. كثيراً ما إفتخرنا بالجسد أو بجمال الجسد أو ما حققناه بحسب الجسد.. والواقع الأفضل أن نرجع الخير كله للروح التى هي الكنز. أما هذا الإناء الخزفي فهو ضعيف بكل المقاييس.. يأتي عليه الزمن وتضعفه الأمراض. وقد أسماه أيضاً بخيمة أرضية بينما الروح هى البناء الحقيقي السماوي وقال: “إن نقض بيت خيمتنا الأرضي، فلنا فى السماوات بناء من الله، بيت غير مصنوع بيد، أبدي” (٢كو١:٥).  الجسدانيون انحصروا فى الجسد وليس لهم مقياس يقيسون به شيئا سوى مقاييس الجسد الضعيفة. لذلك لا يدركون كل ما هو روحي سماوي.. لذلك يستهزئون ويستخفون بالأمور الروحية كأنها غيبيات أو أوهام. ولكن الحق أنهم جانبوا الصواب وخسروا خسارة لا يعوض عنها “لأنه ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه” (مت٢٦:١٦).

دعاني أحد الأحباء وهو طبيب فى لوس أنجلوس أن أبارك له عيادة كان مزمعاً أن يفتتحها. فذهبت إليه  بحسب الميعاد الذى حدده. وجدت المكان مجهزاً بأحدث الأجهزة وغاية فى الجمال وكان قد دعا لهذه المناسبة زمرة من زملاء وأصدقاء من أطباء وغيرهم كما يحدث دائماً فى مثل هذه المناسبات. جلسنا فى صالة الاستقبال وتعرف الحاضرون ببعضهم.. وجدت من ضمن المدعوين طبيبا لأمراض النساء والولادة، رجل مسن، مصري الأصل. قدم إلى لوس انجلوس من أربعين سنة أو يزيد، وكان والده محافظاً للأسكندرية قبل ثورة يوليو. قابلني الرجل بترحاب شديد وأدب زائد وقال لي: أنا منذ زمن بعيد لم أرى قسيساً قبطياً. فشكرته وجلسنا. كان معظم الحاضرين من أطباء يتكلمون فى مجال الطب ونواحي الحياة اليومية وما يعرض لهم من مشاكل وخلافه.. جلست صامتاً لا أشارك فى الحديث. وفجأة وجه الطبيب نحوي الحديث قائلاً:  حسنا هو ما تصنعون  (يقصد عمل الكهنة). إنكم تزرعون فى الناس الأمور الحسنة من جهة عمل الخير والمعاملة الحسنة وعدم الإساءة إلى الغير وترشدونهم لما هو صالح. فأنصت الجميع للرجل.. ومضى هو موجهاً الحديث إليَّ قائلاً: كل هذا جيد ولكن أن تقولوا بعدما مات قام.. أو أن الموتى عموما يقومون.. فهذه تخاريف.. أرى إنكم من الأفضل أن تكفوا عن تعليم الناس هذه الخرافات.. ثم نظر إلى من حوله وقال: كلنا أطباء هنا – وكان معظمهم أمريكان وكان بالطبع يتكلم بالإنجليزية – فإن المريض يموت بين أيدينا فلا نرى روحاً تخرج.. ثم فى بعض الأحيان نعمل له الإسعافات فيحيا فلا نرى روحا تدخل فيه. كان يقول هذا الكلام بنغمة سخرية واستهزاء.. ثم التفت إلى من حوله يستشهدهم على صدق مقولته. فردوا عليه مبتسمين أن هكذا هو الأمر. فقال سائلاً: هل فيكم أحد أبصر روح إنسان يموت أو يحيا؟ فردوا بالنفى. تعجبت جداً.. فالمجال ليس مجال نقاش ديني.. والرجل يستهزئ بالإيمان ويسخر منه دون سابق معرفة بي أو بالإيمان أصلاً. فهذه أول مرة أراه أو أتعرف عليه. صمت إلى لحظات ثم التفت إلى الرجل وكان يجلس إلى جواري.. فوجدته لابساً بالطو أبيض وفى جيبه لمحت مقياس الحرارة (ترمومتر).. مددت يدي فأخذت الترمومتر من جيبه بدون استئذان.. نظر إليَّ الرجل فى دهشة. وكان أمامي منضدة.. أخذت الترمومتر وبدأت أقيس المنضدة بالترمومتر كأنه مسطرة. وكنت أعد واحد.. اثنين.. ثلاثة. وكانت عيون الجميع نحوي والرجل أخذته الدهشة إلى لحظات ثم قال لي: بصوت حازم.. ماذا تفعل؟ قلت: إننى أقيس المنضدة هكذا بالترمومتر.. إنها سذاجة!! أليس كذلك؟ قال ماذا تعني؟ قلت يا دكتور: هذا الترمومتر يقيس درجة الحرارة فقط.. والأطوال تقاس بالمتر أو بالقدم (مقياس الأطوال) فقط. والأوزان تقاس بالرطل (مقياس الأوزان) فقط. والزمن يقاس بالساعة (مقياس الزمن) فقط. وهكذا فإن قست شيئاً بغير ما يقاس به فإنك تخطئ.. فقال مستفسراً ولكن فى نبرة أقل حدة.. ماذا تعني؟  قلت: للجسد مقياس وللروح مقياس آخر.. فأنت تحاول أن تقيس الروح بمقياس الجسد أى بالحواس الجسدية من نظر ولمس وحس.. هذه يا دكتور مقاييس للجسد فإن حاولت أن تقيس بها الروح التى لا ترى بنظر الجسد ولا تلمس بإصبع الجسد ولا تسمع بأذن الجسد فإنك تكون كمن يقيس المنضدة بالترمومتر. ضحك الجميع.. ووجد نفسه كمن أصبح فى مأزق.. فقال: إذن ما هو مقياس الروح؟ قلت له: يا دكتور المقياس عندي.. ومتى أردت أن تتعرف عليه تعال إلى الكنيسة وسأجلس معك وأطلعك على مقياس الروح. فقال لي: لقد غلبتني بكلام بسيط.. قلت له: عفوا يا سيدي ولكننا قد يقتنع عقلنا بأشياء ليست من الحق في شئ. ولكن عندما نعطي فرصة لمعرفة الحق فإن أموراً كثيرة تتضح فى نور الحق وتغير من طريق فهمنا لأشياء كثيرة.

تذكرت قول القديس بولس الرسول: “قارنين الروحيات بالروحيات. ولكن الإنسان الطبيعى لا يقبل ما لروح الله لأنه عنده جهالة” (1كو٢: ١٣، ١٤). “لأن الروح يفحص كل شئ حتى أعماق الله. لأن من من الناس يعرف أمور الإنسان إلا روح الإنسان الذى فيه؟ هكذا أيضا أمور الله لا يعرفها أحد إلا روح الله. ونحن لم نأخذ روح العالم، بل الروح الذى من الله، لنعرف الأشياء الموهوبة لنا من الله” (١كو٢: ١٠-١٢). ومن يا ترى يستطيع أن يدرك سر أرواحنا المخلوقة على صورة الله؟ وتعجبت كيف يكون أهل العلم المادي فى عمى البصيرة وهم يزعمون أنهم علماء وفهماء وقد يغيب عنهم فهم عالم الروح وحياة الأبد.

[4] الأب أنتوني م.كونيارس

هل يمكن تغيير الطبيعة البشرية؟[12]

“لأنه في المسيح يسوع، ليس الختان ينفع شيئًا ولا الغرلة، بل الخليقة الجديدة” (غل٦: ١٥).

في مؤتمر دولي للأخصائيين النفسيين، طرح الســؤال التالي: هل نقدر على تغيير الطبيعة البشرية؟.

وهنا قام أخصائي نفسي شهير وقال: علينا بالفعل أن نثير هـذا السؤال هل نحن بالفعل نستطيع تحسين أو تغيير الطبيعة البشرية؟ أنـا أنظر حولي في هذه الغرفة وأرى أننا بالرغم من أننا كلنـا أخـصـائيون نفسيون، لكننا كلنا غالبا ما نأكل أكثر مما ينبغي، نشرب خمراً أكثر مما ينبغي، ندخن أكثر مما ينبغي، ونتحرك أقل مما يجب. نحن نعرف كـل هذا، لكننا لا نستطيع حتى أن نغير أنفسنا! كيف إذن، نأمل في تغيير الآخرين؟..

قصة

دخل أحد المشتركين إلى مقر الجريدة غاضباً ملوحاً بأحدث عدد للجريدة، وطلب أن يقابل الصحفي المسؤول عن تحرير عمود الوفيات، مشيراً له على اسمه الذي ورد بالعمود قائلاً: كما ترى أنا حي أمام عينيك، وأنا أطالب بسحب الخبر.

فأجابه الصحفي: “لم ولن أسحب خبراً أبداً صدر، لكني سأخبرك بمـا سـافعله، سأضع اسمك في عمود المواليد، وبذلك أعطيك بداية جديدة”.

الحديث الآن يدور حول: “البداية الجديدة” التي يتحدث عنها بولس الرسول: “لانه في المسيح يسوع ليس الختان ينفع شيئاً ولا الغرلة، بل الخليقة الجديدة” (غل ٦: ١٥).

منذ آدم ومطلبنا هو: آه! إن استطعت فقط أن أبدأ كل شئ من أول وجديد، لو كان لدي فقط بداية جديدة.

المسيح هو الرب الذي أتى إلى الأرض استجابة لهـذا المطلب. لقد أتى إلى الأرض ليعطي كل واحد منا بداية جديدة.

فليذهب الإنسان للمعالج النفسي، لكن ماذا سيصبح عليه؟ يصبح خاطئا متزناً. فليذهب الإنسان إلى الطبيب، لكن ماذا سيصبح عليه؟ سيصبح: خاطئًا معافى بدنياً. فليجنِ الإنسان ثروة، لكن ماذا سيصبح عليه؟ سيصبح خاطئًا ذا ثروة؟.

لكن فليذهب كل هؤلاء في توبة حقيقية مخلصة وإيمـان إلى تحت الصليب، وعندها ماذا سيصبح عليه هذا الإنسـان؟ خليقـة جديدة في المسيح يسوع، مغفورا له، متصالحاً، ذا معنى وهدف لحياته، وفي طريقه لإتمام مشيئة الله في ملء عجيب.

الإنسان الجديد ابن الله الأزلي الأبدي أصبح إنسانًا، ونتيجة لهذا، حدثت أشياء لتغيير العالم بأكمله؛ فالمسيح لم يكن فقط مجرد إنسان جديد، مجرد نموذج جديد من الجنس البشري، إنه الإله المتجسد، الذي جاء لينتج غلة ومحصولاً جديدًا من الإنسان الجديد، إنساناً بعقل جديد، وقلب جديد مستعداً أن يذهب في طريق الرب مهما كلفه هذا.

وهذا ما صاغه  سي. إس. لويس C. S. Lewis في كتابه: ما وراء الشخصية Beyond Personality فقال: الفداء والتجسد ليسا مجرد وسيلة لتقدم وتطور الإنسان، بالرغم من أنه بالطبع يؤدي لتقدم الإنسان في كل زمان ومكان تقدماً يفوق كل خيال، لكن الرب صار إنساناً ليحول كل إنسان ابناً له؛ ليس لمجرد أن يصنع إنسانا أفضل من نفس النوع القديم، لكن ليصنع إنساناً جديداً من نوع جديد.

نوع جديد من البشر 

إقرأ الكتاب الذي كتبه أرستيدس، الخطيب الأثي the Athenian Orator والذي أرسله للإمبراطور الرومان هادريان Hadrian (۱۱۷ – ۱۳۸م)، والذي فيه يتكلم عـن المسيحيين الأوائل كنوع جديد من البشر فيقول: المسيحيون يعرفون الرب ويؤمنون به… فهم يهدئون مـن يتسلطون عليهم ويسترضونهم، ويجعلون منهم أصدقاء لهـم ويقدمون الخير لأعدائهم. زوجاتهم عفيفات وطاهرات تماماً، وبناتهم متواضعات ومحتشمات، رجالهم يمتنعون عن العلاقات الزوجية غير الشرعية ويزهدون فيها، وهم خالون من أي دنس. وإن كان لأحدهم جواري سواء سيدات أو أطفال، فإنهم يقنعونهم بأن يصيروا مسيحيين من أجل المحبة التي يكنها المسيحيون لهم، وعندما يصيرون كذلك فإنهم يدعونهم إخوة بلا أي تمييز.

هم يحبون بعضهم بعضاً، ولا يرفضون مساعدة الأرامل وينقذون الأيتام لمن يستعملون العنف معهم، ويعطون مما معهم  لمن ليس معه برضا. وإن قابلوا غريبـاً أخذوه إلى حيث يقطنون مبتهجين بمقدمه كأخ حقيقي لهم، لأنهم لا يدعون أنفسهم إخوة من جهة أخوة الدم، بل من جهة أخوة الروح وكإخوة في الرب. ولو كان بينهم فقير أو من هو في احتياج ولم يكن لدى الآخرين طعام يزيد عن احتياجهم، فيصوم الباقون يومين أو ثلاثة حتى يستطيعوا توفير الطعام الضروري له. كمـا يتبعـون بتدقيق تعاليم مسيحهم، فكل صباح وكل ساعة يشكرون ويهللون للرب على محبته وعطفه عليهم. وبسببهم يستعلن كل الجمال الظاهر في العالم. إن الأعمال الصالحة التي يقومون بها، لا يقومون بها لكي يعلنوها على أسماع الجموع، بل هم يحرصون على أن لا يدركها الآخرون، وهكذا، فهم يجتهدون لكي يصبحوا أبراراً وصالحين. بالحقيقة هم بشر جدد، وهناك شيء سماوي إلهي فيهم “بشر جدد” بهم شيء سماوي إلهي.. خليقة جديدة!.

وهكذا كان أناس منكم..

متحدثاً عن هؤلاء: “البشر الجدد”، يقول القديس بولس الرسول: “لا تضلوا: لا زناة ولا عبدة أوثان ولا فاسقون ولا مأبونون ولا مضاجعو ذكور، ولا سارقون ولا طماعون ولا سكيرون ولا شتامون ولا خاطفون يرثون ملكوت الله. وهكذا كان أناس منكم. لكن اغتسلتم، بل تقدستم، بل تبررتم باسم الرب يسوع وبـروح إلهنا”.. لقد أصبحوا: “خليقة جديدة” في المسيح.

هل الطبيعة البشرية يمكن تغييرها؟ نعم، في المسيح.

أحد الفروق بين العهد الجديد والعهد القديم هو أن العهد القديم يبلغنا رسالة: “لا شيء جديد تحت الشمس”، لكن العهد الجديد يقـول لنا: “إذا إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة… الأشياء العتيقة قد مضت…هوذا الكل قد صار جديدا” (٢كو ٥: ۱۷).

تم تحذير أحد مأموري السجون قائلين له: “الفهود لا تغيـر طبيعة جلدها”، فأجاب مأمور السجن، الذي كان مسيحيا حقيقيا يؤمن بقدرة الرب يسوع على تغيير الناس: “سيدي ليس لدي فهود في سجني، إنما بشر والبشر يتغيرون”.

كيف؟ 

لكن السؤال هو كيف يتغير البشر؟ 

كيف يصبـح الإنسان خليقة جديدة؟

يعطينا بولس الرسول الإجابة: “إذا إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة”.

يصير الإنسان خليقة جديدة بالميلاد الجديد في المسيح: “الحق الحق أقول لك: إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله” (يو٣ :٣). هذا الميلاد الجديد يمنح للإنسان بالمعمودية.

إن خط نسبنا ينتقل من سلسلة آدم القديم إلى سلسلة المسـيح الجديـد.

الحياة وجدت أصلاً جديداً لها، بداية جديدة، ميراثًا جديداً في هـذا الميلاد الجديد. نحن تسلمنا الروح القدس، وأصبحت أجسامنا مسـاكن للرب، وأصبح دم المسيح يجري في كل عرق فينا من خلال سر التناول.

لقد أصبحنا بشراً جدداً: بشر الرب. أبناء الرب.

لكن هذا الميلاد الجديد لأنه حدث بينما كنا لا نزال أطفالاً، يجب أن يتبعه قبول شخصي للمسيح كرب ومخلص.

عندما اهتدى تشارلز كولسون Charles Colson للسيد المسيح، كتب كتابه “ولدت ثانية Born Again” فقال فيه:

“كنت واحداً من هؤلاء الأشخاص الذين يذهبون للكنيسة ومدارس الأحد، وبالحقيقة كنت أظن أنني مسيحي، ولـو سألني أحدهم لأجبت: بالتأكيد مسيحي، فأنا لست يهودياً، فما عساي أن أكون؟” لقد كنت أعلم عن المسيح، لكنـي لم أكن أعلم ماذا يعني بالحقيقة أن آخذ بدقة وجدية دعوته فيما يخص حياتي الشخصية، وماذا يعني بالحقيقة أن أسلم حياتي وأخضع إرادتي وكبريائي العنيد، حيث كانت هذه مشكلتي لأربعين عامًا؛ وأن أقول ببساطة؛ يا سيدي يسوع المسيح، أنا أقبلك، أنا أستمع لكلماتك، أنا أريدك أن تصير مخلصي، والأهم من هذا كله، أن تصير سيداً لحياتي، أن أمـوت عـن ذاتي، أن أموت كل يوم كما يقول بولس الرسـول. وهنا ستبدأ بالإحساس بقوة الرب يسوع الفاعلة في حياتك. إنهـا قوة الروح القدس الفاعلة فينا، وليس نحن.

بعد الميلاد الجديد ـ المعمودية ـ يجـب أن يأتي القبول الشخصي للسيد المسيح كرب وسيد، وكذلك التزامك الشخصي تجاهه كإله، وهذا يتبعه التوبة عن خطايانا والتخلي عـن حياتنا السابقة، وهنا تكون حياتنا تحت تصرف إدارة جديدة. ليس هناك مدير في هذا الكون أفضل من ربنا يسوع المسيح. إن أحكم وأفضل ما يمكن فعله بالحياة التي وهبني الرب إياها أن أضعها تحت إدارته وهنا ستصبح بالحقيقة حياة جديدة وسبب نعمة حقيقية للبشرية.

الإنسان عندما يولد يكون فقط مجرد إنسان، لكن عندما يولد من جديد في السيد المسيح يصبح أكثر من هذا؛ يصبح إنساناً جديداً بحياة جديدة باسم جديد، فهو يسمى باسم جديد يكون منسوباً فيه للمسيح، فيصير مسيحياً CHRIST-ian!

“إذا إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة: الأشياء العتيقة قد مضت، هوذا الكل قد صار جديداً” ــ في المسيح، تحت إدارته! ليس دائماً في الحال.

يقول ألكسي خومياكوف Alexei Khomiakov “نحن لا نخلص منفردين لكننا نخلص سوياً”. نحن نخلص في تلك الشركة koinonia التي هي كنيسة المسيح، فنحن الأرثوذكس نؤمن أنه لكي يخلص أي إنسان، عليه أن يكون في شركة مع الآخرين في كنيسة يسوع المسيح؛ فالكنيسـة هي: “جسد المسيح”، هي: “الكرمة”، هي: “حظيرة الخراف”، هي: “هيكل الروح القدس”، فالكنيسة الأرثوذكسية هي قوس Ark خلاصنا، فهي حياة المسيح التي يبسطها للجنس البشري. الحيـاة الجديدة تؤسس بالمعموديـة، وتدوم بالإفخارستيا، وتصبح الطريق الذي يتبعه الإنسـان ما دام سالكا في هذا العالم.

هذا يعنى، كقاعدة، أن الخلاص ليس دائما فورياً. إنه يبدأ في يوم معموديتنا، عندما تجحد الشيطان، نقبل المسيح، نقبل الروح القدس. منذ هذه اللحظة، نبدأ في عملية النمو الروحي، وتمدنا الأسرار الكنسية بالنعمة التي نحتاج إليها لنكون كمثال الله: “شركاء الطبيعة الإلهية” كما يقول بطرس الرسول (۲بط١: ٤).

لقد دعينا لنكون شركاء الطبيعة الإلهية 

عقيدة الخلاص في الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية تعلمنـا أنّ المسيح المخلص أتى ليخلصنا، ليس فقط “من from” بل أيضا لأجـل for”. هو أتى ليخلصنا “من” الخطيئة “لأجل” المشاركة في حياة الرب.

هذه الرؤية العظيمة للحياة المسيحية عبر عنها القديس بطرس عندما كتب يقول إننا قد دعينا: “لكي تصيروا بها شركاء الطبيعة الإلهية” (٢بط١: ٤)، وهذا ما أكده القديس باسيليوس الكبير عندما وصف الإنسان بأنه: “المخلوق الذي تلقى الأمر بأن يصير إلهاً”.

التشديد الشامل في طريقة الحياة الأرثوذكسية هو على أن: “نلبس المسيح”، وأن نقبل الروح القدس من خلال الصلوات والأسرار المقدسة، حتى نستطيع أن نبدأ حياة جديدة متحدين بالمسيح وفي شركة الروح القدس.

لهذا، أن “تولد ثانية” هو حالة مستمرة لكـل إنسـان في الكنيسة، فالاكتمال يتأتى باقتناء الروح القدس، أو كما يقول بولس الرسول في رسالته: “خلصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس” (تي٣: ٥).

إذن، نحن لا نصير ببساطة “صالحين” أو “ذوي خلق”، بل نصل تدريجياً لوعي ديني جديد، مستوى أعلى الطبيعة البشرية، نصـير “خليقة جديدة في المسيح يسوع”؛ فالكنيسة تخلق إنسانًا جديداً خلال الأسرار المقدسة، ومن خلال الحق الذي هو يسوع المسيح.  هنا تكون قوة الشفاء والمصالحة الوحيدة في العالم اليـوم. لقـد جربنا كل طريقة ممكنة من الأفكار الإنسانية المزيفة التي تجتاح العـالم شرقاً وغرباً، ففي المائة سنة الأخيرة أصبح لدينا كل أنواع الإجابـات الفلسفية لكل مشكلة من مشاكل الجنس البشري، وليس بينها إجابـة نافعة، فكلها إجابات مفلسة بدون استثناء. فقط قوة المسيح الشافية هي القوة الفعالة، وهو وحده القادر على تحويل شاول إلى بولس. إنها قوة الشفاء الوحيدة القادرة على إنقاذ كوكب الأرض من تدمير ذاته، بـل وتحويله ليصبح: “سماء جديدة وأرضاً جديدة”.

جرب الرب 

عندما تتعمق المشاكل،

ويصير عالمك مظلماً،

لا تيــــــأس

جرب الرب 

عندما تصير الحياة مرة،

وتفقد طريقك،

لا تيــــــأس

جرب الرب 

عندما تقع عليك التجارب،

ويبدو أن لا أحد يهتم،

لا تيــــــأس

جرب الرب 

عندما تسعى إليك التجارب،

وتتصارع معها بقدر استطاعتك،

لا تيــــــأس

جرب الرب 

فهو وحده يمكنه أن يغيرك،

وهو وحده يمكنه أن يجددك.

[5] المتنيح الدكتور نصحي عبد الشهيد

الروح والمعمودية – للدكتور نصحى عبد الشهيد[13]

“توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطابا فتقبلوا عطية الروح القدس..” (أع٢ : ٣٨، ٣٩).

“..جميعاً بروح واحد اعتمدنا إلى جسد واحد.. وجميعنا سقينا روحاً واحداً” (١كو١٢: ١٣).

قبل أن يمضى المسيح من العالم إلى الآب، أي قبل صعوده إلى السماء جسدياً – إذ أنه يملأ الكل بلاهوته – كان قد وعد تلاميذه أنه بعد صعوده سيرسل إليهم الروح القدس المعزى الذي يمكث معهم إلى الأبد (يو١٤: ١٦، ١٧). وحقق الرب يسوع وعده فعلاً يوم الخمسين بأن أرسل الروح القدس فحل على الرسل ومعهم العذراء القديسة وكل الجماعة التابعين ليسوع الحاضرين في العلية، وامتلأ الجميع من الروح القدس. ومنذ ذلك اليوم سكن الروح القدس وأقام إقامة دأئمة أبدية في الكنيسة تتميماً لوعد المسيح أنه عندما يرسل الروح فإنه (أي الروح): “يمكث معكم إلى الأبد” (يو١٤: ١٦، ١٧). وبعد حلول الروح القدس وعظ بطرس الرسول في اليهود الأتقياء المجتمعين حول العلية يوم الخمسين وقال لهم: “توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا فتقبلوا عطية الروح القدس” (أع٢: ٣٨). وهكذا نرى أن موعد الروح القدس الذى سكبه المسيح يوم الخمسين على الرسل، هو نفسه الروح الذى يناله كل من يعتمد تائباً ومؤمناً باسم يسوع، إذ يوضح الرسول بطرس في بقية حديثه إليهم: “فتقبلوا عطية الروح القدس، لأن الموعد هو لكم ولأولادكم ولكل الذين على بعد كل من يدعوه الرب إلهنا” (أع٢: ٣٨، ٣٩). فالموعد الذى وعد به المسيح الرسل هو نفسه يخص كل من يعتمد باسمه في كل العصور وليس منحصراً فقط في الرسل يوم الخمسين. وهكذا فإن المعمودية باسمه ارتبطت منذ العصر الرسولى بعطية الروح القدس. فكل من يعتمد باسم المسيح أو كل من يعتمد للمسيح في موته وقيامته أي يُدفن مع المسيح ويقوم معه بالمعمودية، إنما يتم له هذا بعمل الروح القدس في مياه المعمودية وفى داخل الشخص الذى يعتمد لينال غفران الخطايا وتطهير الحياة وتجديدها بقوة الروح القدس، كما يقول الرسول بولس: “اعتمدنا لموت المسيح. فدفنا معه بالمعمودية للموت حتى كما أقيم المسيح من الأموات بمجد الآب هكذا نسلك نحن أيضاً في جدة الحياة” (رو٦: ٣، ٤). وكما يقول أيضاً في رسالته إلى تيطس: “.. حين ظهر لطف مخلصنا الله وإحسانه لا بأعمال عملناها نحن بل بمقتضى رحمته خلصنا بغسل الميلاد الثاني (أي بحميم المعمودية). وتجديد الروح القدس…” (تي٣: ٤، ٥).

بالروح نعتمد ثم يسكن فينا بعد المعمودية

عندما تحدث بطرس الرسول يوم الخمسين ودعاهم للتوبة والإيمان بالمسيح قال لهم أن “يعتمد كل واحد… باسم المسيح لغفران الخطايا”، ثم أضاف بعدها: “فتقبلوا عطية الروح القدس” (أع٢: ٣٨). فنوال عطية الروح القدس ليسكن فينا ينتج عن المعمودية باسم المسيح أولاً. فالروح يعمل في مياه المعمودية أولاً للغفران والتطهير والتجديد باسم المسيح، وكما ذكرنا فإن الروح هو الذى يتمم دفننا مع المسيح وقيامتنا معه بالمعمودية (رو٦: ٤). حياة جديدة والروح أيضاً هو الذى يجعلنا نلبس المسيح في المعمودية ولذلك نصير أبناء الله بالتبني. كما يقول الرسول بولس “لأنكم جميعاً أبناء الله بالإيمان بالمسيح يسوع. لأن كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح” (غل٣: ٢٦، ٢٧). وبعد أن نعتمد بفعل الروح فننال الغفران والتطهير وإمكانية السلوك في جدة الحياة ونلبس المسيح ونصير أبناء، بعد ذلك ننال عطية الروح القدس ليسكن فينا سكنى دائمة ونصير هيكلاً للروح القدس. هاتان المرحلتان المرتبطتان معاً ذكرها الرسول بولس بوضوح عندما قال لأهل كورنثوس: “لأننا جميعاً بروح واحد اعتمدنا إلى جسد واحد… وجميعنا سقينا روحاً واحداً” (١كو١٢: ١٣). وهاتان المرحلتان تتممهما الكنيسة في سري المعمودية والميرون (المسحة) اللذين تعطيهما الكنيسة للمعمدين بدون أي تأجيل للميرون بل بعد المعمودية مباشرة. أي أننا اعتمدنا بالروح القدس الواحد إلى جسد واحد هو جسد المسيح – الكنيسة – فصرنا بالمعمودية أعضاء جسد المسيح. ثم بعد أن اعتمدنا بالروح سقينا روحاً واحداً أي أن المسيح سقانا روحه أي سكبه علينا وأسكنه فصرنا هيكلاً للروح القدس كما يقول الرسول: “أنتم هيكل الله وروح الله يسكن فيكم” (١كو٣: ١٦)، “جسدكم هو هيكل للروح القدس الذى فيكم الذى لكم من الله..” (١كو٦: ١٩). فبعد أن نصير أبناء لله بالمعمودية والإيمان بالمسيح يرسل الله الروح القدس إلى قلوبنا صارخاً يا أبا الآب كما قال الرسول: “ثم بما أنكم أبناء أرسل الله روح ابنه إلى قلوبكم صارخاً يا أبا الآب” (غل٤: ٦).

استمرار فاعلية المعمودية بالتوبة

عندما تحدث بطرس الرسول يوم الخمسين إلى الجموع التي نخسها الروح القدس قال لهم أنهم لكى ينالوا عطية الروح القدس يلزم أن يتوبوا ويعتمد كل واحد منهم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا (أع٢: ٣٨). والتوبة وتغير الحياة أمر ضروري ولازم في جميع الأحوال لأجل تطهير الحياة من الخطية وتجديد الروح القدس في القلب ففي حالة الذين يعتمدون كباراً لابد من توفر الإيمان الحي بالمسيح وقبوله والاعتراف به وكذلك لابد من توفر التوبة وتغير الفكر وتغير إتجاه الحياه من محبة الخطية ومحبة العالم والرجوع بقلب صادق إلى المسيح المخلص لنوال نعمته وخلاصه ونوال عطية الروح القدس. حتى أن القديس كيرلس الأورشليمى يحذر الموعوظين من التصور الخاطئ الذى قد يطرأ على عقولهم وهو التصور بنوال النعمة وقبول الروح في المعمودية بدون التوبة “لقد أعطيت لكم أربعين يوماً فرصة للتوبة: وصار لكم فرصة كاملة لكى تخلعوا شكلكم السابق وتغسلوا من كل نجاسة وتلبسوا ثوب العفة البهي. ولكن إن ظللت على قصدك الشرير، فالذى يكلمك ليس مسئولاً، إنما لا ينبغي أن تنتظر الحصول على النعمة: لأنك حينئذ ستنزل في الماء ولكن الروح لن يقبلك، وإذا اتخذت دور المرائى فبالرغم من أن الناس سيعمدونك الآن لكن الروح القدس لن يعمدك. وأى واحد منكم يشعر بجرحه فليسرع إلى تضميد جرحه وإذا كان أحد ساقطاً فليقم… فإن اقتربت بإيمان فإن الروح القدس يهبك ما هو غير منظور رغم أن الناس يخدمون فيما هو منظور. أما في حالة كل من اعتمد في طفولته فإن الروح يدعوه ويناديه بلسان بطرس الرسول ولسان آباء الكنيسة وكهنتها وخدامها أن يتوب ويرجع بكل قلبه إلى المسيح الذى صلب من أجل خطايانا وأقيم لأجل تبريرنا – يناديه أن يقبل المسيح المخلص المصلوب لأجله قبولاً شخصياً ويتوب مسلماً قلبه وحياته للمخلص المحب الذى باسمه اعتمد في طفولته ودفن معه في المعمودية لكى يعيش بعد ذلك في جده الحياة . إن الروح القدس الذى عمل في المعمودية لكى يعيش بعد ذلك في جده الحياة . إن الروح القدس الذى عمل في المعمودية هو الذى يعمل في القلب للتوبة فيبكت على خطية كما قال الرب يسوع نفسه “ومتى جاء المعزي يبكت على خطية ” (يو١٦: ٨). وهكذا فإن الروح القدس يكشف للنفس محبة المسيح الفادي على الصليب ويوبخ القلب على الابتعاد وعدم إيمانه. والذي يسمع نداء الروح ويقبل فإن الروح القدس يجدد حياته بالتوبة. وبالإيمان يكشف له مجد الرب يسوع فيعترف على المسيح ويعرفه معرفة شخصية ويصبح المسيح بالنسبة للإنسان التائب ليس إلهاً قديماً كان يعيش في الماضى البعيد على الأرض بل يصير المسيح بالنسبة إليه إلهاً حقيقياً حاضراً وشخصاً حياً حقيقياً يستطيع الإنسان أن يحبه ويثق برعايته ومحبته وقدرته ويستطيع أن يسلم له كل الحياة لكى “لا يعيش هو فيما بعد بل يحيا المسيح فيه”. أو باختصار فإنه يعرف تماماً وبطريقة يقينية وأكيدة أن يسوع هو الرب، وهذا من عمل الروح القدس في المؤمنين لأنه “لا يستطيع أحد أن يقول أن يسوع رب إلا بالروح القدس” (١كو١٢: ٣). وكما قال المسيح نفسه “متى جاء المعزي… روح الحق فهو يشهد لي” (يو٥: ٢٦). ويكون هو اختبار المعمودية والإيمان اختبار الموت والقيامة مع المسيح. هو نفس الاختبار ولكنه يتحقق بطريقة محسوسة نشعر بها في قلوبنا بالتوبة والإيمان والصلاة. ولهذا وجدنا بعض الآباء القديسين يتكلمون عن التوبة “كمعمودية ثانية” وهذا ما قاله أيضاً مجمع قرطاجنة في القرن الرابع إذ بالتوبة يتجدد فعل الروح القدس الذى حصلنا عليه أولاً في المعمودية. يقول القديس أنطونيوس “إن يوحنا عمد بالماء للتوبة لمغفرة الخطايا ليجتذبنا إلى معمودية ربنا يسوع الذى يعمد بالروح القدس والنار. فلنستعد إذن بأن ننقى ذواتنا جسداً وروحاً لنقبل معمودية ربنا يسوع بالروح.. والروح المعزي يعزينا ليردنا ثانية إلى حالتنا الأولى فنستعيد الميراث وملكوت الروح المعزى نفسه”. لذلك فعندما تحدث التوبة الصادقة والرجوع القلبى إلى المسيح تنسكب في القلب عطية الروح القدس من جديد، الروح القدس نفسه الذى حل فينا بالمعمودية وكان متعطلاً لعدم التوبة فعندما يستجيب القلب لنداء التوبة ويرجع الإنسان ويتطهر يظهر فيه تجديد الروح القدس الكامن فيه ويبدأ الإنسان يعيش حياة جديدة بقوة الروح القدس، هي حياة المسيح القائم من الأموات.

[6] دياكون يسَّي حنا

ليس لأحد حب أعظم من هذا[14]

“ليس لأحد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه » ( يو ١٥ : ١٣)

هكذا أحب الله العالم ـ رغم ما قدمه العالم لله من شر، وما حاوله أبناء الناس من الابتعاد عن الله، وما اختاره آدم و بنوه من السير في طريق التعالى والكبرياء. رغم كل ذلك أحب الله العالم، حباً يزيد في حدوده عن كل ما في مقـدور البشر من عواطف ويتلاقى مع كل ما لجلاله من قداسة فلا يسمح ببقاء الشر ولا يسمح بفناء الشرير.

هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد ـ بذل ينبع من حياة وتضحية حتى الموت تعيد إلى المائتين الخلود، واتضاع حتى الهوان والصلب، و ليخلص من في الجحيم ويعيدهم إلى فردوس النعيم.

هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكى لا يهلك كل من يؤمن به ـ من يؤمن به إيماناً ايجابياً ـ عاملاً يراه في حبه الذي لا يحـسد فيحب، ويراه في وداعتـه فيتعلم منه ويسعى في ذات الطريق الذي سلك فيها ذاك حتى يصل إلى الحياة الأفضل.

هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية كيف نحبه كما أحبنا؟! ـ

«عندما نثبت فيه ونأتى بثمر» «ونقبل طواعية أن ينقينا لنأتي بثمر كثير» «عندما نحفظ و صاياه داخل القلب» «ونحب بعضنا بعضاً كما أحبنا»

وكيف نحب بعضنا بعضاً؟!.

عندما نسعى لتوسيع دائرة اهتمامنا بمن هم حولنـا ـ فنمتـد من حب الأبناء إلى حب الأهل والأقرباء ـ ومن حب القريب إلى حب الغريب، ومن حب الغريب إلى حب العدو.

وهو وحده القادر «أن ينمينا ويزيدنا في المحبة بعضنا لبعض وللجميع»

وكيف نصل إلى حب الجميع؟!

عندما لا نعتمد على ذواتنا، ولا نركز تفكيرنا في مصالحنا، فتتحول صلواتنا من أجل أنفسنا إلى الصلاة من أجل الغير كأفراد وجماعات «فنشعر بالسعادة إذ نحيا في شركة القديسين إذ نتعزى بالإيمان الذي فينا جميعاً» (رو۱:۲۱).

وما هي غاية هذا الحب؟!

«أن نتأصل ونتأسس في المحبة حتى نستطيع أن ندرك مع جميع القديسين، ما هو العرض والطول والعمق. ونعرف محبة المسيح الفائقة المعرفة لكى نمتلىء إلى كل ملء الله» (أف٣: ١٨، ١٩). فلنركع تحت صليبه، ونرفع عيونا إلى جنبه المجروح».. ونتوج هامتنا بسلطان حبه ذلك الذي حمل على هامته إكليل الشوك. ونضع أنفسنا كما وضع ذاته من أجلنا لكي يكون لنا بموته الحياة الأبدية.

من وحي قراءات اليوم

“لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ” (إنجيل القدَّاس).

محبة الله الآب

❈ البشارة بمحبة الله الآب للبشر هي إفتتاحية أنافورا القدَّاس، ودليل صحة التعليم ونقاوته، ومجد الرعاية والخدمة.

❈ أعظم إعلان عن حضور الله هو بساطة المحبّة الإلهية وتعمّقها بين شعب الكنيسة.

❈ تتجلّي المحبّة الإلهية في الكنيسة عندما يجد الضعيف والفقير والمُزدرى مكانه ومكانته وسط إخوته.

❈ القبول غير المشروط للجميع هو أيقونة محبة الآب في الكنيسة.

❈ إحدى أسباب الإلحاد هو غياب الصورة الصحيحة عن الله في معاملاتنا اليومية.

❈ كثرة التعليم (وليس عدم التعليم) عن العقاب والدينونة أكثر من تعليم النعمة والمحبّة الإلهية هو جريمة في حق محبة الله للبشر.

❈ “لم آت لأدين العالم بل لأخلّص العالم” (يو١٢: ٤٧) آية تعلن رسالة الخادم تجاه من يخدمهم.

❈ تخزين المواقف لسنين وعدم الغفران يعلن زيف خدمتنا وإبتعادها عن محبّة الله الآب.

❈ ينسى المخدومون بعد سنين عظاتنا وأنشطتنا بينما لا ينسون أبداً مواقفنا معهم إيجاباً أو سلباً

❈أقوى سلطان في الكنيسة هو سلطان الحب.


[1]  تفسير اشعياء ٦١ – القمص تادرس يعقوب ملطي.

[2]  كتاب عطية الروح القدس – صفحة ٢٨ ، ٢٩ – القمص تادرس يعقوب ملطي.

[3]  تفسير إنجيل يوحنا – الإصحاح الثالث – القمص تادرس يعقوب ملطي

[4]  تفسير سفر أعمال الرسل – الإصحاح الثامن – القمص تادرس يعقوب ملطي.

[5]  تفسير يشوع بن سيراخ الإصحاح السادس عشر – القمص تادرس يعقوب ملطي.

[6]  كتاب الكرازة الرسولية للقديس إيرينيوس – صفحة ٢٢٠ – ترجمة دكتور نصحي عبد الشهيد ودكتور جورج عوض إبراهيم.

[7]  كتاب الخوف أنواعه وعلاجه في الحياة الروحية الأرثوذكسية – صفحة ٣١ – تقديم القمص أنطونيوس أمين راعي كنيسة مار مرقس مصر الجديدة.

[8]  كتاب من مجد الي مجد للقديس غريغوريوس النيسي – صفحة ٦٠ – ترجمة القمص إشعياء ميخائيل.

[9]  كتاب سر التقوي – صفحة ٦ – الأرشيدياكون حبيب جرجس – مكتبة المحبة.

[10]  كتاب القديس بطرس يعلمني – صفحة ١٣٣ – القمص لوقا سيداروس.

[11]  مقالتين من كتاب حياتنا في المسيح – صفحة ٥ ، ٩٨ – القمص لوقا سيداروس

[12]  كتاب كنوز من رسائل بولس الرسول -الجزء الاول صفحة ٨١ – الأب أنتونى م.كونيارس – إصدار مطرانية بني مزار والبهنسا.

[13]  الكتاب الشهري للشباب والخدام – عدد يونيو ويوليو ٢٠٠٤ – إصدار بيت التكريس لخدمة الكرازة

[14]  مجلة مدارس الأحد عدد شهر أبريل لسنة ١٩٦٢