قراءات يوم الثلاثـاء من الأسبـوع الأول من الصوم الكبير

إله البــرّ والأمانــة

“لِيَكُنْ كُلُّ وَاحِدٍ بِحَسَبِ مَا أَخَذَ مَوْهِبَةً، يَخْدِمُ بِهَا بَعْضُكُمْ بَعْضًا، كَوُكَلاَءَ صَالِحِينَ عَلَى نِعْمَةِ اللهِ الْمُتَنَوِّعَةِ.” (١بط ٤: ١٠)

[وأنت هى التي أُئْتمِنت على سعة السماء والأرض صرت لنا سببا للصعود للسماء] (لبش الجمعة)

[الله وحده هو البار والذي يبرّر، يهب الإنسان البرّ إنهم يطلبون أن يُثبتوا برّ أنفسهم، بمعنى أنهم يظنّون بأن الصلاح هو من عندهم لا عطيّة إلهية. بهذا لـم يخضعـوا لبرّ الله، لأنهم متكبرون ويحسبون أنهم قادرون على إرضاء الله بذواتهم لا بما لله] (القديس أغسطينوس)[1]

شــواهــد القــراءات

(اش١: ١٩- ٣١ ) ،(اش ٢: ١-٣)، (زك٨: ٧-١٣)، (مز٢٢: ١-٢) ، (مت٩: ١٠-١٥)، (رو٩: ١٥-٢٩)، (١بط ٤: ٣-١١)، (أع ٥: ٣٤- ٤٢)، (مز٢٤ :١٥-١٦)، (لو١٢: ٤١-٥٠)

شــرح القـــراءات

تتكلّم قـراءات هــذا الْيَـوْمَ عن بــرّ الله الآب وأمانته وعــدله، وأيضاً عــن أبناء الآب الأمناء الأبـرار.

تبدأ القــراءات من سفر إشعياء عن كثرة الظلم والقتل والغش.

“كيف صارت صهيون المدينة الأمينة زانية، قد كانت مملوءة إنصافاً وفيها كان يبيت العدل وأما الآن فإنما فيها قتلة، فضتك صارت زغلاً وخمرك مغشوشة بماء”.

لكن يعطي رجاء في التغيير وإفتقاد الله ببرّه الإلهي.

“وبعد ذلك تـدعيـن مدينة العدل القـرية الأمينة صهيـون بالإنصاف ينجـو سبيها والتائبون منها بالعدل والـرحمة”.

ويعلن مصـدر بـرّ الآب ووسيلة إفتقاده للبشرية صليب رب المجـد.

“ويكون في تلك الأيام أن جبل بيت الـرب يكون ثابتاً في رأس الجبـل ويرتفع فـوق التلال وتنتظره جميع الأمم”.

وتؤكد نبـوءة زكريا على إرتباط بـرّ الآب بالصليب والخلاص.

“هذا مايقوله الله الضابط الكل إني هاءنذا أخلص شعبي من أرض المشرق ومن أرض مغرب الشمس وآتي بهم فيسكنون في أورشليم ويكونون لي شعباً وأنا أكون لهم إلهاً بالحكم والعدل”.

ويوضّح معني بـرّ الآب في أولاده.

“ويكون كما أنكم كنتم لعنة بين الأمم يا بيت يهوذا ويا بيت إسرائيل كذلك أخلصكم فتكونون بركة فلا تخافـوا ولتشدد أيديكـم”.

ويعلـن مزمور باكـر في مزمور الـرعاية الأبوية تسبيح النفس للآب راعيها الذي سدّد كل إحتياجاتها ورد نفسها بعد ضياع وهـداها إلى سبيل البـر.

“الـرب يـرعاني فلا يعـوزني شئ رد نفسي وهـداني إلى سبل البـر”.

أما إنجيل باكر فلقاء الـرب مع العشّارين والخطاة معلناً بـرّ الآب السماوي في قبول الكل وشفاء الخطاة ودعـوة الجميع إلى التـوبــة.

“فلما نظر الفريسيون قالوا لتلاميذه لماذا معلمكم يأكل مع العشارين والخطاة فلما سمع يسوع قال لهم لايحتاج الأقـوياء إلى طبيب بل الضعفاء فاذهبوا وتعلموا ما هـو إني أريد رحمة لا ذبيحة لأني ماجئت لأدعـو الأبـرار بل الخطاة إلى التوبـة”.

ويعلن البولس بـرّ الله في إختيار الشعـوب وقبـول الأمـم.

“فإنه قد قيل لموسي إني أرحـم من أرحمه وأترآءف على من أتراءف عليه، … فإن كان الله يريد أن يظهر غضبه ويعرفنا قـدرته، استحضر بأناة كثيرة آنية غضب مهيأة للهلاك، ولكي يبين غنى مجده على آنية الـرحمة التي سبق فهيأها للمجد، التي هى نحن الذين قـد دعانا ليس من اليهود فقط بل من الأمم أيضاً كما يقـول في هوشع إني سأدعـو الذي ليس شعبي شعبي والتي ليست بمحبوبة محبوبة، وسيكون في الموضع الذي قيل لهم فيه لستم شعبي أنهم هناك يدعـون أبناء الله الحي”.

ويُظهر الكاثوليكون مجـد بـرّ الآب في تغيير الشعوب من الخلاعة إلى القـداسة ومخافة الله. “لأنه قد يكفيكم الزمان الذي عبر إذ كنتم تعملون فيه هـوى الأمم متسكعين في الدعارة والشهوات والمسكرات بأنواع كثيرة واللهو والدنس والغواية وعبادة الأوثان المحرمة الأمر الذي فيه يستغـربون أنكم لستم تركضون معهم إلى فيض الخلاعة عينها مجدفين عليكم الذين سوف يعطون جواباً للمستعد أن يدين الأحياء والأموات”.

كما يعلـن أمانة أبناء الآب في خدمتهم بعضهم البعض.

“كل واحد وواحــد فبحسب النعمة التي أخـذهـا تخـدمـون بها من تلقاء أنفسكم كوكلاء صالحين لنعمة الله المتنوعة”.

ويظهر في الإبركسيس عـدل الله المعلن في أتقياء الناموس وعلماؤه الذين دافعـوا عن التلاميذ. “والآن أقـول لكم تنحـوا عـن هؤلاء الرجال واتركوهم لأنه إنه إن كان هذا الرأي أو هـذا العمل من الناس فسوف ينحل وإن كان من الله فلا تقـدرون أن تنقضوه لئلا توجدوا محاربين لله أيضاً فأذعنـوا له”.

كما يظهر عذوبة بـرّ الآب في قبول أبناء الله الألم بفـرح بل وبشعور عـدم الإستحقاق.

“أما هم فخرجـوا فـرحيـن من تجاه المحفل لأنهم حسبوا مستأهلين أن يهانوا من أجل هذا الأسم”.

وتتـرجى النفس في مزمـور القـدّاس فقط مراحـم الله.

“أنظر إليّ وإرحمني لأني إبـن وحيـد وفقيـر أنا”.

ويختم إنجيل القـدّاس بالمسؤولية التي يعطيها الآب لخدّامه والوكالة التي يستأمنهم عليها.

“فقال الـرب من هـو ترى الوكيل الأمين الحكيم الذي يقيمه سيده على عبيده ليعطيهم طعامهم في حينه طوبي لذلك العبـد الـذي إذا جاء سيده فيجـده يعمل هكـذا”.

كما تختم القــراءات كلّها ببـرّ الآب لأبناؤه في سكيب الـروح الناري في قلـوب الأبناء.

“إني جئت لألقي ناراً على الأرض فماذا أريـد وقـد اضطرمت”.

 

ملخّص القـــراءات

سفـر إشعياء كثرة مظالم البشر وإفتقاد بـرّ الآب لهم في الصليب
سفـر زكريا خلاص الابن أعلن برّ الآب وحـوّل اللعنة إلي بركة
مزمور باكر والقـــــدّاس إلتجاء النفس لمراحم الله الذي يُسدِّد كل الإحتياجات ويـــردّها لبـــرّه
إنجيل باكر برّ الآب في قبول الكل مهما كانت حالتهم كطبيب شافي
البولس برّ الآب في إفتقاد الشعوب وقبول الأمم كآنية رحمة
الكاثوليكون تحــوّل الأمم من الدعارة للقداسة بل والخدمة كوكلاء على نعمة الله
الإبركسيس قبول الألم كهبة ومسرّة وشعـور بعـدم الإستحقاق
إنجيل القدّاس بـر الآب في عطاياه لنا كوكلاء وعدله في محاسبته لكل وكيل

 

الكنيسة في قــراءات اليــوم

سفر أشعياء نبـوءة عن الصليب في ملء الزمان
البولس قبـول الأمم في شركة الكنيسة
الكاثوليكون دينـونة الأحياء والأموات
الإبركسيس المسحاء الكذبة
إنجيل القـدّاس نـار الـروح وصبغة الخلاص
إنجيل القـدّاس ووحـدة الكتاب كلّه

 

عظات ابائية

رسالة للانبا انطونيوس يحث أولادة على الجهاد ويذكرهم بجهادة

يا أيها الأحباء بالرب انا أكتب اليكم مثل الأبناء الأحباء عند آبائهم لأن الأبناء الجسدانيين اذا ما تأملوا آبائهم ووافقوهم فأن الآباء يحبونهم من كل قلوبهم ويكرمونهم غاية الأكرام أكثر من أبنائهم غير المطيعين لهم . واذا كان لهم شيء حسن أدخروه للأولاد الموافقين لهم والمتشبهين بهم . فاما أنتم يا أحبائى بالرب الذين أنا أحبهم بكل القلب أشتهى أن أكون عندكم في كل حين وأنظركم وأبارك عليكم . لأن تعهدكم لي وتشبهكم بي ورجوعكم إلى الله . فأنى أرى كل ذلك مستقيماً وقد حللتم بقلبي من أجل كل هذا ، ومن الآن فانا أطلب إلى إلهى بسببكم ليلاً ونهار لكيما يعطيكم مواهبه التي أعطانيها بنعمته فقط لا باستحقاق . لأن هذا هو الغنى العظيم الذى اعطانيه ربنا وأنا أسأله أن يعطيه لكم وهذا غاية شهوتي وطلبتي دائماً الليل والنهار ، أن تكونوا في الموضع الذى أكون فيه عند انتقالي من هذا الجسد  لأن ربنا دائماً من صغرى إلى هذا اليوم يسمع لى وأنا عالم أنه برحمته يجيب لي هذه أيضاً . وقد كتبت اليكم لعظم محبة قلبي فيكم لأنكم بجهادكم للرب تشبهتم بى في كل شيء .

واعلموا أن سيدنا المسيح لأجل محبته العظيمة هكذا صنع بالتلاميذه . اذ قال اننى لست أدعوكم الآن عبيداً بل أخوة وأحباء وأبناء ولما صاروا له بنين طلب إلى الآب لأجلهم قائلاً : يا أبت أريد أن يكون هؤلاء حيث أكون أنا لانى أنا فيك وهم في لكى نكون أجمعنا كاملين في الوحدانية. فانظروا وأفهموا كيف طلب ربنا يسوع المسيح من أبيه لأجل تلاميذه لكونهم صاروا له بنين وان يكونوا معه حيث يكون هو . وهكذا الآن هي طلبتى يا أحبائى أن نكون جميعاً في المكان الذى ليس فيه حزن ولا مرض ولا ظلمة ولا أرواح خبيثة بل مملوءة من كل السرور والنور والحياة الأبدية والأكاليل التي لا تضمحل وأشياء أخر كائنه هناك لا يستطيع اللسان أن يصفها لأنها دائمة إلى أبد الأبد فيا أولادى صلوا إلى الرب أن يسهل طريقى اليكم دفعة أخرى وأقيم عندكم زماناً ما . لأنى أعلم أن هذا لبنيانكم وفرحكم بالإيمان .

فأنا أيضاً أفرح اذا أتيت اليكم لتفرحوا وتنموا بزيادة في الإيمان . وأعرفكم بأسرار أخر كثيرة لا يمكننى أن أكتب اليكم . وأمكم سارة التي هي الروح تفرح بكم . هذه التي أكملت حملها وولدت روحاً إلهياً فيكم وتشتهى أن تكملكم كما طلبت منها عنكم بذلك الروح النارى العظيم الذى قبلته أنا لتقبلوه أنتم أيضا .

واذا أردتم أن تقبلوه ويسكن فيكم فقدموا أولاً أتعاب الجسد وتواضع القلب وأرفعوا أفكاركم إلى السماء في الليل والنهار وأطلبوا باستقامة قلب هذا الروح النارى وحينئذ يعطى لكم . لأنه هكذا وصل اليه إيليا واليشع وكافة الأنبياء . ولا تفكروا في قلوبكم وتكونوا ذوى قلبين وتقولوا من يقدر أن يقبل هذا ! لا يا أولادى لا تدعوا هذه الأفكار تأتى على قلوبكم . بل أطلبوا باستقامة قلب وأنتم تقبلونه . وأنا أيضاً أبوكم أجتهد معكم وأطلب لأجكم أن تقبلوه لأنى أنا عارف انكم كاملين وقادرين على قبوله . لأن كل من يفلح ذاته بهذه الفلاحة فان الروح يعطى له في كل جيل وإلى الأبد .

وأعرف أن أناساً قبلوه ولما لم يكملوا هذه الفلاحة لم يثبت الروح فيهم فأما أنتم يا أحبائى الذين أشتهى من كل قلبي أن أنظر كم لأجل استقامة عقولكم على الطريق الحق داوموا على الطلبة باجتهاد من كل قلوبكم فانه يعطى لكم . لأن ذلك الروح يسكن في القلوب المستقيمة واذا قبلتموه فانه يكشف لكم أسرار علوية وأشياء أخر لا استطيع أن أعبر عنها بالكتابة بالقلم والمداد ، ويجعلكم أن تبتعدوا عن خوف البشر والوحوش الضارية وما يشبه ويكون لكم فرح سماوى ليلاً ونهاراً وتكونون في هذا الجسد كمن هم في ملكوت السموات . ولا تطلبوا عن أنفسكم فقط بل وعن الآخرين لأن كل من قبل الروح لا ينبغي له أن يطلب عن ذاته لكن عن الغير أيضاً .

كما صنع موسى لما قبل هذا الروح طلب من أجل شعبه قائلاً لله أن كنت تهلك هؤلاء فامحى اسمى من سفر الحياة الذى كتبت وهكذا تكون طلبة كل من وصل إلى هذا الحد من القديسين وغيرهم . فأنني لا أقدر أن اصفهم بأسمائهم واحداً واحداً . أما أنتم فحكماء وتعرفونهم وأنا فطلبتي الآن نهارًا وليلًا ليكون فيكم عظمة لذة هذا الروح الذى قد قبله جميع الاطهار  وانى يا أولادي الأحباء، بعد أن كتبت هذه الرسالة تحرك في روح الله أن أكتب لكم عن هذا الروح الناري في آخرها وعن المحبة الإلهية.

وإذا أتيت اليكم بمعونة الله عرفتكم أشياء أخر كثيرة عن الروح الناري هذا لكى تقتنوا جميعاً. وكما بثثتكم السلام في بداية الرسالة كذلك أيضاً ابثكم السلام بمحبة الرب في آخرها بهذا الروح النارى الذى قبلته أنا وأياكم بنعمة الرب . وأطلب اليكم تتركوا ارادتكم الحسية وتلزموا الهدوء بكل نوع لكى تسكن فيكم القوات العلوية بمؤازرة هذا الروح القدس وتعينكم على العمل بإرادة الثالوث الاقدس الآب والأبن والروح القدس له السبح دائماً سرمدياً إلى أبد الأبدين آمين .[2]

 

 

الجهاد الروحي للانبا انطونيوس  

يتطلَّب الجهاد للحصول على النقاوة الكاملة؛ جهاد النفس والجسد معًا في أعمال التوبة، بتناسٍق وتساٍو. فإذا وُهِب العقل نعمة ما، يستطيع عندئذ أن يُصارِع ضد الشهوات بلا هوادة أو تراٍخ، ويَتقبَّل أفكار الروح القدس وتوجيهاته وتعزياته، ويستطيع أن يطرد عن النفس الميول الدنسة النابعة عن شهوات القلب. وبفضل الشركة بين عقل الإنسان أو نفسه والروح القدس، يساعد الروح القدس الإنسان على تنفيذ الوصايا التي تعلَّمها، ويُرشِده لطرد كل الشهوات عن النفس، سواء النابعة عن النفس ذاتها مستقلة عن الجسد، أو تلك التي لحقت بها عن طريق الجسد.

الروح القدس يُعَلِّم الإنسان أن يحفظ جسده كله – من الرأس إلى القدمين – في تناسق: فيحفظ العينين لتنظرا بنقاوة.

ويحفظ الأذنين لتصغيا في سلام، أو تنصتا إلى الأمور الخاصة بالسلام دون أن تتلذَّذا بالأحاديث عن الآخرين والافتراءات وذمّ الغير.

ويحفظ اللسان لينطق بالصلاح فقط، معطيًا وزنًا لكل كلمة، فلا يسمح لشيءٍ دنس أو شهواني أن يختلط بحديثه.

ويحفظ اليدين لتتحرَّكا طبيعيًا فترتفعان للصلاة ولصنع الرحمة والكرم.

ويحفظ المعدة ليكون لها حدود مناسبة للأكل والشراب، وذلك حسب القدر الكافي لقوت الجسد، فلا يترك الشهوة أو النهم ينحرفان بها، فتتعدَّى حدودها.

ويحفظ القدمي ليسلكا ببر حسب إرادة اللّه، بهدف القيام بالأعمال الصالحة.

بهذا يكون الجسد كله قد اعتاد على كل عمل صالح، وصار خاضعًا لسلطان الروح القدس، فيتغيَّر شيئًا فشيئًا حتى يشارك – إلى حدٍ ما – في النهاية في صفات الجسد الروحي الذي يناله في القيامة العادلة[3]

 

 

 

الوكيل الأمين الحكيم للقديس كيرلس الاسكندري

(لو١٢: ٤١ – ٤٨)

إنه أمر صالح ويؤدي إلى خلاصنا أن نوجه نظرة سريعة نفاذة من عقلنا إلى كلام الله، لأنه مكتوب عن الكلمات التي يقولها الله: ” من هو حكيم حتى يفهم هذه الأمور، أو فهيم حتى يعرف معناها ” (هو١٤: ٩)، لأن مجرد السماع وقبول الكلمة المنطوقـة في الأذن، هو أمر مشترك بين الناس: للحكماء ولغير الحكماء، لكن عادة النفاذ العميق إلى الأفكار النافعة يوجد فقط لدى من هم بالحق حكماء. لذلك فلنطلب هذا الأمر مـن المسيح، لنقتدى بالطوباوي بطرس ذلك التلميذ المختار، ذلك الوكيل الأمين، والمؤمن الحقيقي، الذي عندما سمع المسيح يقول كلاما له منفعة عظيمة لهم، طلب أن يشرح له (الرب) ما قاله، ولم يدع الأمر يعبر بدون فهم، لأنه لم يكن قد أدرك معناه بوضـوح بعد، لأنه قال: “يا رب ألنا تقول هذا المثل أم للجميع أيضا؟” (لو١٢: ١٤). إنه يـسأل: هل هذا قانون عام يسري على الكل بالتساوي، أم هو يناسب فقط أولئك الـذين هـم أعلى من الباقين؟ فما الذي أزعج التلميذ الحكيم، أو ما الذي جعله يرغـب أن يتعلم أمورا كهذه من المسيح؟ لذلك فسوف نناقش هذه النقطة أولا.

إذن توجد بعض وصايا تناسب فقط أولئك الـذين قـد وصـلوا إلـى الكرامات الرسولية، أولئك الذين امتلكوا معرفة أكثر من المعتاد وامتلكوا فضائل روحية أعظم، بينما هناك وصايا أخرى تخص من هم في حالة أدنى، ويمكننا أن نرى ممـا كتبـه المغبوط بولس إلى بعض تلاميذه أن هذا الكلام الصحيح ـ بحسب ما قلته: “سقيتكم لبنا لا طعاما لأنكم لم تكونوا بعد تستطيعون، بل والآن أيضا لا تستطيعون، أمـا الطعام القوي فللبالغين الذين بسبب التمرن قد صارت لهم الحواس مدربة على التمييز بين الخير والشر ” (كو٣: ۲)، (عب٥: ١٤). فمثلاً كما أن الأحمال الثقيلة جـداً يمكـن أن يحملها أشخاص لهم بنية قوية جدا، وهذا ما لا يقدر عليه ذوو البنية الضعيفة، هكـذا يمكننا أن نتوقع بصواب من أصحاب الذهن القـوي أن يتممـوا الوصـايـا البـسيطة والسهلة جدا والخالية من كل صعوبة، فإنها تناسب أولئك الذين لم يصلوا بعد إلى هذه القوة الروحية. لذلك فإن الطوباوي بطرس إذ فكر في نفسه في قوة الكلام الذي قالـه المسيح، سأل بصواب، هل يشير كلام الرب إلى كل المؤمنين، أم هم وحدهم أي الذين دعوا، وخاصة أولئك الذين شرفوا بعطية السلطات الرسولية؟

وماذا كان جواب ربنا؟ إنه استخدم مثالا واضحا صريحا جدا، ليظهر أن الوصية موجهة بنوع خاص إلى أولئك الذين يشغلون مركزا أكثر كرامة، وقد قبلوا في رتبـة المعلمين. لأنه يقول: “فمن هو الوكيل الأمين الحكيم الذي يقيمه سيده علـى خـدمـه ليعطيهم طعامهم في حينه” (لو١٢: ٤٢). إنه يقول: ” لنفترض رب بيت كان مزمعـا أن يسافر في رحلة، أوكل لواحد من عبيده الأمناء مهمة تدبير كل بيته، لكي يعطي أهل البيت (أي خدمه)، الطعام المستحق لهم في حينه. ويقول، لذلك عندما يعود إلى بيته، إن وجده يفعل هكذا كما أمره، سيكون ذلك العبد مغبوطا جدا ويقول إنه سوف يقيمـه على جميع أمواله. ولكن إن كان مهملاً وكسولاً ويسر بضرب العبيد رفاقـه ويأكـل ويشرب مستسلما لأهوائه وشهواته، فحينما يأتي سيد ذلك العبد في يـوم لا ينتظـره، وفي ساعة لا يعرفها فإنه سيشقه من وسطه، أي أنه سيعاقبه بأشر عقوبة”. هذا هو المعنى البسيط والواضح للفقرة، والآن إن ثبتنا ذهننا بدقـة فـي الـنص، سنرى ما هو المقصود به، وكيف أنه نافع لأولئك الذين دعوا إلى الرسولية، أي إلـى وظيفة المعلم. لقد أقامهم المخلص كوكلاء على خدمه ـ أي على أولئك الـذين تـم ربحهم بواسطة الإيمان لكي يعرفوا مجده –  أناس أمناء ولهم فهم عظـيم ومتعلمـين جيدا في التعاليم المقدسة، وقد أقامهم وأمرهم أن يعطوا العبيد رفقاءهم ما يحق لهم من الطعام، وذلك ليس اعتباطا وبدون تمييز، بل بالأحرى في الوقت المناسب وأقصد به الطعام الروحي كما يكفي لكل فرد ويناسبه. لأنه لا يليق أن نقدم تعليما عن كل النقاط لكل الذين قد آمنوا بالمسيح، لأنه مكتوب: “معرفة اعرف نفوس قطيعـك” (أم٢٧: ٢٣) س). لأن الطريقة التي بها نثبت في طريق الحق من قد بدأ الآن أن يصير تلميذا هي مختلفـة تماماً إذ أننا نستعمل فيها تعليما بسيطا لا يكون فيه شيء عميق أو صـعب الفهـم، ناصحين إياه أن يهرب من ضلال تعدد الآلهة، وبطريقة مناسـبة نقنعـه أن يعـرف بواسطة جمال الأشياء المخلوقة، الصانع والخالق العام الذي هو واحد بالطبيعة، وهو الله بالحقيقة. وتلك الطريقة تختلف عن الطريقة التي : نعلم بها أولئك الذين هم أكثر ثباتا في الذهن، ويقدرون أن يفهموا ما هو العلو والعمق والطول والعرض، وأن يـدركوا تعريفات اللاهوت الفائق. لأنه كما سبق وقلنا: ” وأما الطعام القوي فللبالغين”. لذلك فمن يقسم لرفقائه في العبودية بحكمة، في الوقت المناسب نـصيبهم بحـسب احتياجهم أي طعامهم، فإنه يكون مغبوطا جدا بحسب كلمة المخلص، لأنه سيحسب مستحقا لأمور أعظم، وسوف ينال مكافأة مناسبة لأمانته. إنه يقول “لأنه يقيمه علـى جميع أمواله”. وهذا قد علمنا إياه المخلص في موضع آخر، حيث يمتدح العبد الأمين والنشيط بقوله: “نعما أيها العبد الصالح والأمين، كنت أمينا في القليل فأقيمك علـى الكثير، ادخل إلى فرح سيدك” (مت٢٥: ٢١). 

ويقول الرب إنه لو أهمل واجبه في أن يكون مجتهدا وأمينا، وازدرى بالسهر في هذه الأمور كأن السهر ليس مهما، وجعل ذهنه يسكر بالاهتمامات الدنيوية، وسقط في سلوك غير لائق، فيتسلط بالقوة، ويظلم أولئك الخاضعين له، ولا يعطـيهـم نـصيبهم، فإنه سيكون في قمة التعاسة. لأني أظن أن هذا هو المقصود بأنـه يقطـع. ويقـول ويجعل نصيبه مع الخائنين”. لأن كل من أساء إلى مجـد المـسيح، أو تجاسـر أن يستخف بالقطيع المؤتمن على رعايته، فإنه لا يختلف من أي ناحية عن أولئك الذين لم يعرفوا الرب أبدا، ومثل هؤلاء الأشخاص سيحسبون بحق ضمن أولئـك الـذين لـم يعرفوا الرب أبدا، ومثل هؤلاء الأشخاص سيحسبون بحق ضمن أولئك الذين ليس لهم محبة نحو الرب، لأن المسيح أيضا قال ذات مرة للمغبوط بطرس: “يا سمعان بن يونا، أتحبني! ارع خرافي، وارع غنمي” (يو٢١: ١٦، ١٧). لذلك إن كان من يرعـى خرافـی يحبها، هكذا بالطبع فمن يهملها ويترك الخراف التي قد أؤتمن عليها بدون رعاية، فإنه يبغضها، وإن أبغضها فسيعاقب، ويكون عرضة للدينونة المحكوم بهـا علـى غيـر المؤمنين (الخائنين)، لأنه يدان بسبب إهماله وازدرائه، وهكذا كان ذلـك الـذي نـال الوزنة ليتاجر بها في الروحيات ولم يفعل، بل بالعكس أحضر ما قد أعطي له بدون ربح قائلاً “يا سيد عرفت أنك إنسان قاس تحصد حيث لم تزرع، وتجمع من حيث لم تبـذر، فخفت ومضيت وأخفيت وزنتك في الأرض، هوذا الذي لك” (مت٢٥: ٢٤ -٢٥).

لكن الذين أخذوا الخمس وزنات أو أكثر منها، وتعبوا وأحبوا الخدمة، قد شرفوا بكرامات مجيدة لأن واحدا منهم سمع القول: “ليكن لك سلطان على عشر مدن” (لو۱۹: ١٧-١٩) بينمـا ذلك العبد المستهتر والكسول لاقى أقصى دينونة. لذلك فهو خطر أو بالحري يسبب هلاك الناس، أن يكون الإنسان مهملاً في تأدية واجبات الخدمة، ولكن تأديتها بغيرة لا تكل يجلب لنا الحياة والمجد.

وهذا يعني أن نتكلم مع العبيد رفقائنا بطريقـة ســليمة وبدون خطأ في الأمور التي تخص الله، وكل ما من شأنه أن ينفعهم في الوصول إلى المعرفة والمقدرة على السلوك باستقامة. والمغبوط بطرس أيضا يكتب إلـى بعـض الأشخاص قائلاً: “ارعوا رعية الله التي بينكم، ومتى ظهر رئيس الرعـاة تنـالون مكافأتكم” (انظر (ابط ٥: ٢-٤).

ولأن بولس أيضا يعرف أن الكسل هو باب الهلاك، يقول: ويل لي إن كنـت لا أبشر” (١كو٩: ١٦). وكون تلك العقوبة المرأة والحتمية تهدد كل من هم كسالي في هذا الواجب، هذا ما أظهره المخلص في الحال بإضافة مثالين واحدا بعد الآخر فقال: “لأن العبد الذي يعلم إرادة سيده ولا يستعد ولا يفعل بحسب إرادته فيضرب كثيرا، ولكن الـذي لا يعلـم ويفعل ما يستحق ضربات يضرب قليلا”. والآن فإن الذنب لا جدال فيه في حالة مـن عرف إرادة سيده لكنه أهملها بعد ذلك، ولم يفعل ما كان يجب عليه أن يعمله. فإن هذا ازدراء واضح، لذلك يستحق ضربات كثيرة، لكن لأي سبب أوقعت ضـربات قليلـة على من لم يعرف إرادة سيده ولم يفعلها ! لأنه ربما يسأل أحد، كيف يمكن لمن لـم يعرف إرادة سيده أن يكون مذنبا؟ السبب، هو لأنه لم يعرفها رغم أنه كان في مقدوره أن يتعلمها. لكن إن كان الذي توقع عليه ضربات كثير بعدل وهو الذي عـرف إرادة سيده واحتقرها؟ ” فكل من أعطي كثيرا يطلب منه كثيـرا، ومـن يودعونـه كثيـرا يطالبونه بأكثر” (لو١٢: ٤٨). 

لذلك، فمن يعلمون دينونتهم كبيرة جدا، وهذا أوضحه تلميذ المسيح، بقولـه: “لا تكونوا معلمين كثيرين يا إخوتي عالمين أننا نأخذ دينونة أعظم” (يع٣: ١). لأن إعطاء المواهب الروحية يكون بسخاء لأولئك الذين هم رؤساء الشعب، لأنه هكذا كتب بولس الحكيم أيضا في مكان ما إلى تيموثاوس المغبوط: “ليعطك الرب فهما في كل شيء” (۲تی۲: ۷) و”لا تهمل الموهبة التي فيك التي أعطيت لك بوضع يدي” (٢تـی١: ٦). فهؤلاء الذين أعطاهم مخلص الكل كثيرا هكذا، يطالبهم بكثير. وما هي الفضائل التي يطلبها؟ الثبات في الإيمان، سلامة التعليم، أن يكونوا راسخين جداً فـي الرجـاء، صابرين بلا تزعزع ولهم قوة روحية لا تغلب، فرحين وشجعان في كل إنجاز ممتاز جدا، لكي بذلك نكون أمثلة للآخرين في الحياة الإنجيلية لأننا إن عشنا هكذا، فالمسيح سوف ينعم علينا بالإكليل، الذي به ومعه يليق الله الآب التسبيح والسلطان، مع الروح القدس إلى أبد الأبدين آمين. [4]

 

 

سهر الرعاة –القديس غريغوريوس النيصي 

[ ولذلك يدعونا الرب أن نسهر قائلاً ” طوبي لأولئك العبيد الذين إذا جاء سيدهم يجدهم ساهرين ” (لو ١٢ : ۳۷) . لأن النور حين يسطع في عيوننا فانه يبدد النوم ، والجسد يسهر حين تمنطق حقوينا ولا نغلب من النوم . وهذا الدرس واضح وهو أن الإنسان الذي يمنطق نفسه يضبط النفس فانه يحيا في نور نقاوة الضمير وسوف تشرق حياته بمصباح المحبة ، لهذا فإنه تحت أشعة الحق سوف تستيقظ روحه ولا تنام أو تخدع أو ترتبك بتلك الأشياء العالمية الزائلة . وإذا ما نحن أكملنا وصية السهر كما يوجهنا الرب يسوع المسيح عندئذ سوف نسلك في الحياة الملائكية . لأن الوصية الإلهية تشبهنا دائما بالملائكة ” وأنتم مثل ناس ينتظرون سيدهم متى يرجع من العرس حتى إذا جاء وقرع يفتحون له للوقت ” ] (لو١٢: ٣٦)  

  .انهم الملائكة الذين استقبلوا الرب حين رجع من عرس الصليب هم ظلوا ساهرين منتظرين أمام أبواب السماء . ووفقاً للمزمور الذي يقول ” هي مثل العروس الخارج من حجلته ” (مز۱۹: ٥) أي أن الرب يسوع المسيح قد خطبنا لنفسه عن طريق سر المعمودية المقدسة . نحن العروس التي ارتكبت الزنا سلكنا خلف الأوثان كما عبر عن ذلك حزقيال النبي ” لانهما زنتا وفي ايديهما دم وزنتا بأصنامهم ” (حز۲۳ : ۳۷) إلا أن العريس يحول طبيعتنا الخاطئة ويمنحنا البتولية غير الفاسدة . وإلا قد كمل طقس الزواج وتم زفاف الكنيسة للمسيح الكلمة كما يقول يوحنا الرسول ” من له العروس فهو العريس ” (يو٣ : ۲۹) . وقد دخلت الكنيسة في سر الزفاف والعريس كان فوق الصليب والملائكة انتظروا رجوع ملكهم (صعود المسيح) وهو الآن يقود الكنيسة إلى تلك البرية التي تناسب مكانتها .

نحن أيضا يجب أن نكون مثل الملائكة ونصير مثلهم بلا خطية ولا تجربة وهم ساهرين دائماً منتظرين رجوع ملكهم . ونحن يجب أن نكون دائماً مستعدين لدعوته لنا للانطلاق من هذا العالم ونظل يقظين حتى يأتي المجيء الثاني . ويقول « طوبى لأولئك العبيد الذين إذا جاء سيدهم يجدهم ساهرين » (لو۱۲ : ۳۷) 

يقول القديس غريغوريوس النيصي : [ ولذلك يدعونا الرب ان نسهر قائلاً ” طوبي لأولئك العبيد الذين إذا جاء سيدهم يجدهم ساهرين ” (لو١٢ : ۳۷) . لأن النور حين يسطع في عيوننا فانه يبدد النوم ، والجسد يسهر حين نمنطق حقوينا ولا نغلب من النوم . وهذا الدرس واضح وهو أن الإنسان الذي يمنطق نفسه يضبط النفس فانه يحيا في نور نقاوة الضمير وسوف تشرق حياته بمصباح المحبة ، لهذا فإنه تحت أشعة الحق سوف تستيقظ روحه ولا تنام أو تخدع أو ترتبك بتلك الأشياء العالمية الزائلة . وإذا ما نحن أكملنا وصية السهر كما يوجهنا الرب يسوع المسيح عندئذ سوف نسلك في الحياة الملائكية .

لأن الوصية الإلهية تشبهنا دائماً بالملائكة “وأنتم مثل ناس ينتظرون سيدهم متى يرجع من العرس حتى إذا جاء وقرع يفتحون له للوقت ” (لو۱۲ : ٣٦) . انهم الملائكة الذين استقبلوا الرب حين رجع من عرس الصليب هم ظلوا ساهرين منتظرين أمام أبواب السماء . ووفقاً للمزمور الذي يقول ” هي مثل العروس الخارج من حجلته ” (مز۱۹ : ٥) أي أن الرب يسوع المسيح قد خطبنا لنفسه عن طريق سر المعمودية المقدسة .

نحن العروس التي ارتكبت الزنا سلكنا خلف الأوثان كما عبر عن ذلك حزقيال النبي “لانهما زنتا وفي ايديهما دم وزننا بأصنامهم ” (حز۲۳ : ۳۷) إلا أن العريس يحول طبيعتنا الخاطئة ويمنحنا البتولية غير الفاسدة . وإلا قد كمل طقس الزواج وتم زفاف الكنيسة للمسيح الكلمة كما يقول يوحنا الرسول ” من له العروس فهو العريس ” (يو۳ : ۲۹) . وقد دخلت الكنيسة في سر الزفاف والعريس كان فوق الصليب والملائكة انتظروا رجوع ملكهم ( صعود المسيح ) وهو الآن يقود الكنيسة إلى تلك البرية التي تناسب مكانتها . نحن أيضا يجب أن نكون مثل الملائكة ونصير مثلهم بلا خطية ولا تجربة وهم ساهرين دائماً منتظرين رجوع ملكهم . ونحن يجب أن نكون دائما مستعدين لدعوته لنا للانطلاق من هذا العالم ونظل يقظين حتى يأتي المجيء الثاني .ويقول ” طوبى لأولئك العبيد الذين إذا جاء سيدهم يجدهم ساهرين “(لو١٢: ٣٧).[5]

عظات اباء وخدام معاصرون :

هل كلام الله لك ؟ – قداسة البابا تواضروس الثاني

يوم الثلاثاء من الأسبوع الأول لقداسة البابا تواضروس الثاني

في إنجيل يوم الثلاثاء من الأسبوع الأول نجد سؤالاً واضحاً جداً في أوله ” فقال له بطرس : يا رب ألنا تقول هذا المثل أم للجميع أيضاً ؟ ”  (لو١٢ : ٤١) . بصيغة أخرى : هل كلام الله وكلام الكتاب المقدس ووصاياه هي لك ؟ هل هي مكتوبة لك بصورة خاصة ؟ أم مكتوبة للجميع أيضاً ؟ هل تشعر في داخلك أن الكلمة المقدسة هي موجهـة لـك بصـورة شخصية ؟ أم تنظـر للكتاب المقدس علـى أنـه أحـداث وتواريخ وشخصيات ومعجزات وأمثال لا بد أن أعرفها فقط؟؟ …. هنا توجد مشكلة يا أحبائي وهي مشكلة التراخي أمام كلمة الله، أو بصورة أخرى هي مشكلة إهمال كلمة الله ، بمعنى إهمالهـا فـي بيوتنا ، وإهمالهـا فـي حياتنا ، وفـي ذاكرتنا ، قد نهتم بالطعام والشراب والملبس ومذاكرة أولادنا ، كذلك يهتم البعض بالقراءات العامة ، والبعض يهتم بالوسائل المتاحة له من تكنولوجيا …. وغيرها.

بطرس الرسول يسأل ويقول :  يا رب ألنا تقول هذا المثل، أم قلته للجميع ؟! يظن البعض أن وصايا الكتاب المقدس خاصـة بالخـدام الموجودين في الكنيسة فقط، ولكن ما موقف البقية منهم ؟ وبنفس الفكر سأل القديس بطرس الرسـول هـذا السؤال : ” ألنا تقول هذا المثل ؟ ” ويبدأ ربنا يسوع المسيح في فقرة إنجيلية يشرح كيف أن هذا الكلام لكل إنسان ، لكي ما يكون كل إنسان مستعداً.  في صـلاة الـنـوم تـصـلـي بعبـارة مهمـة جـداً ونقـول : ” العمـر المنقضـي فـي الملاهـي يستوجب الدينونة “. والملاهـي هـي الأمـور الـتي تشغل الإنسان، حتـى لـو كـانـت أمـوراً جيدة ، حتى لو كانت أمور الخدمة ذاتها . هناك من تكون اهتماماته تبدو طيبة وجيدة ، ولكن ما مقدار ومساحة اهتمامك بكلمة الله ؟ وهـذا على المستوى الشخصي ، فعندما تحضر القداس وتسمع القراءات الكنسية ، وعند قراءة الإنجيل الكل يقف ، وهـذا حـسـن جـداً ، ولـكـن أعـود وأسأل : مـا هـو اهتمامك الشخصي ؟ ما هو اهتمامك بكلمة الله ؟ 

الإنجيل يا إخوتي ليس رسالة فقط، بل هو شخص ربنا يسوع المسيح ذاته ، أنت عندما تقرأ في الإنجيل فأنت تسعى لكي ما تُقابل المسيح ذاته ، فالإنجيل هو مقياسك كل يوم . إذا كانت خطية الإهمال والتراخي أمام كلمة ربنـا وتركها ونسيانها ، فاحذر وانتبه ؛ لأن عندما يسمح ربنـا بـأن تكمـل حياتـك علـى الأرض فكيـف تـعـرف السـماء ؟ كيف تنكشف أمامك السماء ؟

الكتاب المقدس هو فم المسيح، فإهمالك معناه أن هناك من يكلمك وأنت تُهمل، وهو أيضاً حضور المسيح بيننا، ففي اجتماعاتنا سواء كانت اجتماعات الكنيسة في مستوياتها، أو اجتماعات المجمع المقدس، أو اجتماع الخـدام ، لا بد أن يكون الكتـاب المقدس حاضراً ؛ لأنه هو حضور المسيح . وأيضاً الكتاب المقدس هو مستقبلنا ، فأبديتنا مرتبطة بالإنجيل ، فلا بد أن نستعد للسماء ، ولذلك مستقبلك وأبديتك ونصيبك السماوي مرتبط تماماً بالكلمة المقدسة.

لماذا يهمل الناس كلمة ربنا ؟

(١) بعض الناس لا يعرفون القراءة، والبعض الآخر لا يعرف النطق ، ويمكن البعض لا يعرف المعنى أو الربط بين أجزاء في الكتاب ، وهناك بعض الناس لم يعتادوا عليه . ولذلك أحد مسئوليات الأب والأم مـن يـوم المعمودية تجاه أولادهم أنهم يسلمونهم الكلمة المقدسة (الإنجيل) ،  فبمجرد أن ينطبع في ذهن الطفل الصغير أن هناك من هو أكبر منه فاتح أمامه الكتاب المقدس باستمرار، يتواجـد فـي ذهنه صورة ذهنية عن ضرورة وجود الكتاب المقدس في حياته اليومية  

(٢)  هناك أناس لم يعتادوا ، ولكن لا بأس ولا مانع حتى لو كنت لم تتعود 

(٣) هنـاك مـن تكون حجته أن ليس لديـه وقـت للقراءة بالرغم مـن تـوافر الوقـت لأمـور كثيرة جدا 

(٤) هناك أيضاً أنـاس يـكـون الكسـل هـو دسـتور حياتهم ، ولهذا نجـد أنـه عنـدما يبتعـد الإنسان عن الكتاب المقدس يسهل على الشيطان أن يهاجمه ، وهذا ما جعل القديس بولس الرسـول يـقـول : ” لأن كلمـة اللـه حيـة وفعالة وأمضـى مـن كـل سـيـف ذي حدين ” (عب٤ : ١٢) . نحن نهتم دائماً بالإنجيل في الكنيسة وفي صلواتها ، فمثلاً هناك أوشية الإنجيل ، كذلك الإنجيل موجود داخل البشارة التي يمسكها الأب الكاهن ويضعها على المذبح ، هناك أيضاً مقدم البشارة ، ووقـت قـراءة الإنجيـل تُضيء الشموع ، كذلك هناك رتبة كنسية تطلق عليها : ” أغنسطس ” ومعناها : ” قارئ ” ، وهناك أيضاً فصول كتابية كثيرة من العهد القديم والعهد الجديد. أتمنى أن هذه الرسالة تصل لكل إنسان وهي  ضرورة اهتمامك الشخصي بكلمة الله

 أسباب الاهتمام بالكتاب المقدس 

الأسباب عديدة لضرورة الاهتمام بالكتاب المقدس وهي 

(١)  الكتاب المقدس سراج ، وكلمة سراج تعني إضاءة ونور ، ومن صغرنا حفظنا الآية التي تقول : ” سراج لرجلي كلامك ونور لسبيلي ” (مز ١١٩ : ١٠٥). فكلمة الله سراج تعرفك طريقـك فـي الحياة التي تعيشها ، وفـي تعاملاتـك مـع الآخرين ، مـن يـنـير لـك الطريق ؟ فكل خطوة تخطوها قدمك تحتاج لوصية 

(٢) أمر آخر: أن الوصية شبع ، فكلمة الله تشبع الإنسان على المستوى الروحي والنفسي ، يقول : ” وجد كلامك فأكلته ” (إر ١٥ : ١٦).  لقد جعلت على الدوام هذه الكلمة موجودة في فمي ، قد تتناول جسد الرب ودمه ، لكن في الكتاب المقدس نجد أن الكلمة المقروءة وجدت على المنجلية ، وأكلته على المذبح . 

(٣)  إن الكتاب يمثل حياة الإنسان، فالكتاب المقدس حيـاة ، وبحسب تعبير ربنـا يسـوع المسيح ” الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة ” (يو٦ : ٦٣م) .  وهذا يعني أن فـي كـل مرة تقرأ الكتاب المقدس تأخذ نسمة حياة . ا في عمليات الإسعاف والإنقاذ يقولون ” قبلة الحياة “، وقبلة الحياة تكون من الإنسان المسعف للإنسان المصاب، حيث يقـدمهـا لـه وتعتمـد علـى وجـود هـواء وأكسجين  للشخص المصاب ، في كل مرة أنت تقرأ إنجيلك على المستوى الشخصي ، وبالتالي سوف تأخذ روح وحياة ، وتكون إنسانا جديرا بالحياة الحقيقية .  

(٤)  الكتاب المقدس حصانة لـك ، فكلمـة اللـه تحصنك ” إسـم الـرب بـرج حصين ” (أم ١٨: ١٠) ، قديماً  كانوا يبنـون الأبـراج كنـوع مـن التحصين حـول المدن ، وكأن بمعرفتك لكلمة الله على المستوى الشخصي فأنت تبني برجاً حصيناً ، واقرأ داود النبي عنـدمـا يقـول : ” لو لم تكن شريعتك لـذتي ، لهلكت حيـنئذ فـي مـذلتي ” (مز۱۱۹: ۹۲) .  فعليك أن تجعل لسانك يلهج نهارا وليلا ، ترى كم آية من الكتاب المقدس ذكرتها في قلبك طوال ٢٤ ساعة ، وكم كلمة تكلمت بها ؟

لو لم تكن الوصية حاضرة باستمرار أمامي وأنا أتذكرها وأتلذذ بها ، لهلكت حينئذ في مذلتي وفي خطيتي ، وبالتالي أسير مثل التائه ، الكتاب المقدس حصانة.

(٥) كلمـة اللـه أيضـاً هـي سـبـب فـرح للإنسان ، فقـد يتعرض الإنسان للقلق والخـوف والاضطراب الـداخلي و غيـاب السلام القلـبي ، اعـرف أن كتابـك المقـدس علـى المستوى الشخصي يمنحـك فـرح ” أبتهج أنـا بكلامك كمـن وجـد غنيمة وافرة ” (مز ۱۱۹ : ١٦٢) كلمة ربنا بتفرح . أتعجب على بعض البيوت الموجود فيها روح الكآبة ، فقد أشعر أن كل أفراد البيت متوترون ، والسبب هو أن هذا البيت ليس فيه كلمة الله ، وهواء البيت وأجواءه لم تتقدس بكلمة الله  

كلمة الله فرح تجعلك دائماً إنساناً فرحاناً ومتهللاً بالروح 

(٦)  كلمة ربنا أيضاً صلاة ، فكـل صـلواتنا هـي مـن الإنجيل ، فأنت عندما تقرأ الكتاب المقدس على   علمنا.مستواك الشخصى فأنت ترفع قلبك بصلاة عندما ذهب التلاميذ لربنا يسوع وقالوا له : علمنا يارب  كيف نصلي ؟، قال لهم يسوع : ” متى صليتم فقولوا : أبائـا الـذي في السماوات … ”  (لـو١١ : ٢) وكانـت هـي ” الصلاة الربانية ” المكتوبة في الكتاب المقدس. إن صلوات كثيرة مبنية على الكتاب المقدس، حتى تسابيحاتنا، فمثلا الهوس الأول من التسبحة نجده في (خر١٥) ، وتصير الصلاة إنجيلا ، ويصير الإنجيل صلاة . يقول داود النبي : ” كم أحببت شريعتك ! اليوم كله هي لهجي (مز١١٩ : ٩٧) كم أنا يا رب أحببت وصيتك ، وكلمتك هي لهجي اليوم كله الكتاب المقدس قطعة واحده لكل إنسان فينا ، فلا تفترض أن فيـه أجـزاء ليست خاصة بك ، بل كل جزء فـي كـل سـفـر مـن أسفار الكتاب المقدس موجه لك بصورة شخصية ، لذلك قال القديس بولس الرسول في (كولوسي ٣ :١٦) :  ” لتسكن فيكم كلمة المسيح بغنى.

نلاحظ أن أول كلمة في هذه الآية الصغيرة ” لتسكن ” أي السكن ، فكلمة الله سوف تسكن فـي ، وأرجـوك استطعم هذا التعبير ، بمعنى أن كلمة الله تسكن وتقـيـم عنـدك وهذا يعني المعرفـة ، معرفة كلمة الله وحفظها ، ويصير قلبـك مـقـراً دائما للكلمـة المقدسة ، ويظل قلبك هو مقر كلمة الله ، يا لروعة وجلال هذا الإنسان ، فأي إنسان قديس صار قلبه مقراً لكلمة الله . لتسكن وتعيش ولتقيم الكلمة داخلك، يعجبني الآباء والأمهات الذين يجعلون أولادهم يرتبطون بالكتاب المقدس هناك اب يعلم ابنه كيف يكون له كل يوم آيه في الكتاب المقدس  

هل كلمة ربنا ساكنة في بيتك، وفي قلبك، ووسط أسرتك ؟ و أما الكلمة الثانية فهي ” فيكم ” ويقصد بها المجموع سواء عائلات أو أسر أو الكنيسة ، فلتسكن كلمة الله في داخلك بمعرفة وبوعي ، اقض حياتك كلها مع الله ، فكـل يـوم سوف تعرف فيه معرفة جديدة يقول ” لتسكن فيكم كلمة المسيح “، وكلمة المسيح معناه كلمة الحياة ووصية المسيح ، وعندما أقول وصية المسيح يعني نعمة المسيح ، أي حضور نعمته ، شيء جيد جدا أن تكون حياتنا وكل بيوتنا مملوءة بكلمة ربنا في القديم أيام عزرا الكاتـب عنـدمـا عـاد مـن السبي وقف الشعب أمامه ليسألوه : ” لماذا فعل بنا الله هكذا ؟ لماذا جعلنا مسبيين ونعيش في السبي سنين وسنين ؟!”  أجابهم قائلاً : إن ذلك لسببين 

الأول : لأنكم أهملتم كلمة الله 

الثاني : لأنكم عشتم في أسر مفككة ، وهذه الأسر منحلة بسبب الخطية. لذلك أيها الحبيب لا تحرم نفسك من كلمة الله ، ولا تهمل إنجيلك وتُحمل نفسك خطية ، وعدم معرفة الكتب المقدسة سبب لكل الخطايا وكل الشرور.

نشكر ربنا أن الكتاب المقدس متعدد الأشكال في وقتنا هذا . لتسكن فيكم كلمة المسيح بغنى ، بمعنى أن تسكن كلمة المسيح فيكم بوفرة أو بكمال … يابختك بكلمة المسيح التي تسكن فيك بغنى  

اسمع أيها الحبيـب هـذه الوصية : لتسكن فيكم كلمة المسيح بغنى وبكثرة ؛ لأن كلمة المسيح في الصباح وفي المساء في فمك وفي بيتك على الدوام حتى في حياتنا اليومية وفى كل المناسبات  

وعلاقتك بالإنجيل تمر بعدة خطوات هي على النحو التالي :  

(١) يكون لك الكتاب المقدس الشخصي الخاص بك . 

(٢) أن يكـون عنـدك باستمرار هذه المحبة الفياضة لكلمة الله ، ولتسكن فيكم كلمة المسيح بغنى فلتكن هدفاً لك.  

(٣) القراءة اليومية ، فلا تجعل يوماً من حياتك يمر بدون أن تفتح إنجيلك .

(٤)  تتقدم وتدرس وتحاول تفهم إنجيلك .

(٥) أحفظ بأى وسيلة تفضلها وتكون كلمة الله في فمك .

(٦) تتكلم في أحاديثك وكلامك ستسير بهذا الغنى الذى سكن فيك .

(٧) الحفظ والحياة والعمل ، وتبدأ تطبيق الكلمة المقدسة والتي تعتبر جزءاً من الكلام اليومي ، وصرت أنت إنجيلا مقروءاً من جميع الناس ، وصار سلوكك وكلامك وملامحك وقرارتك كلها تنبع من خلفية الكتاب المقدس

من فضلك تذكر هذا السؤل الذي سأله القديس بطرس الرسول : ” ألنا يا رب تقول هذا المثل،  أم للجميع ؟” وكانت إجابة ربنا يسوع المسيح هي إنجيل يوم الثلاثاء من الأسبوع الأول من الصوم المقدس ، وهي رسالة شخصية لك ، ولا بد أن تضع أمامك هدفاً في أيام الصوم أو غير الصوم ، وهو ” لتسكن فيكم كلمة المسيح بغني “[6]

 

 

مثل العبد الأمين الحكيم للمتنيح القمص لوقا سيداروس

 (مت ٢٤ : ٤٢-٤٤)

” اسهروا اذاً لأنكم لا تعلمون فى أية ساعة يأتى ربكم واعلموا هذا : أنه لو عَرَفَ ربُ البيت فى أى هزيع يأتى السارق ، لسهر ولم يَدَع بيتهُ يُنقبُ لذلك كونوا أنتم أيضاً مُستعدّين ، لأنه فى ساعة لا تظنون يأتى ابن الانسان ” (مت٢٤: ٤٢-٤٤).

  • المثل 

” فمن هو العبد الأمين الحكيم الذى أقامه سيدُهُ على خَدمه ليُعطيهم الطعام فى حينه ؟ طوبى لذلك العبد الذى اذا جاء سيّدُهُ يفعل هكذا إإ الحق أقول لكم : انه يُقيمُهُ على جميع أمواله ولكن ان قال ذلك العبد الردىء فى قلبه : سيدى يُبطىء قدومه فيبتدىء يضرب العبيد رُفقاءه ويأكل ويشرب مع السكارى يأتى سيد ذلك العبد فى يوم لا ينتظره وفى ساعة لا يعرفها ، فيقطعُهُ ويجعل نصيبه مع المرائين هناك يكون البكاء وصرير الأسنان “(مت٢٤: ٤٥-٥١).

فى مقدمة المثل بحسب انجيل القديس متى جاءت هذه الكلمات عن مجىء المسيح وزمن مجيئه

فى أى هزيع يأتى رب البيت :

أمساء أم نصف الليل أم صياح الديك أم صباحاً متى يأتى ؟

هو لابد أنه آت ومجيئه الثانى المخوف المملوء مجداً ، حيث يجتمع اليه الكل ويقف أمام منبر المسيح المخوف ديان الأرض كلها كل واحد ليُعطى حساباً عما قدمه بالجسد خيراً كان أم شراً

فهل يعمل الانسان حساب هذا اليوم وهل يستعد بماذا يجاوب ديّانه ؟ المجىء العام للدينونة أمر مؤكد لدى جميع البشر.

أما قول الرب ” لا تعلمون متى يأتى رب البيت” فقد أخفى هو بحسب تدبيره موعد مجيئه وقالها بوضوح شديد للرسل الأطهار أن ليس لهم أن يعرفوا الأزمنة والأوقات التى جعلها الآب فى سلطانه وحده وأن يوم مجيئه لا تعرفه ولا الملائكة الذين فى السماء .

والمطلوب من الانسان أن لا ينشغل بهذا الأمر الا من جهة الاستعداد وأن يوجد الانسان فى ذلك اليوم وتلك الساعة بغير خوف ولا اضطراب ، بل يكون له ثقة ولا يخجل من المسيح عند مجيئه

أما وقد قسّم الرب ساعات الليل الى مساء أم نصف الليل أم صياح الديك أم صباحاً

فهذا ما أخذته الكنيسة ورتبت عليه صلوات السهر من المساء صلاة النوم الى صلوات نصف الليل بالثلاث خدم ثم صلاة (صياح الديك) السحر وهى فجراً ، وقد ضُمت الى صلاة باكر التى قال عنها الرب صباحاً ، وقد جهزت الكنيسة أولادها المختارين بالتسابيح لتفهم الألحان ومصابيحهم موقدة فى حالة استعداد يومى لملاقاة المسيح.

فلا غفلة ولا نوم ولا كسل بل جهاد وسهر وصحو وانتظار ، هكذا عاش أولاد الله حياة الصلاة والسهر وانتظار مجىء المسيح .

وقد قيل أن هذه الساعات قد تعنى مراحل عمر الانسان المختلفة ، فالمساء هو مقتبل العمر ونصف الليل هو نصف العمر وهكذا صياح الديك وصباحاً يعنى اكتمال العمر فى الشيخوخة.

وهكذا قد يترك الانسان هذا العالم فى أى لحظة فأى وقت وفى أى مرحلة من مراحل الحياة .

والأمثلة لا تقع تحت حصر أو عد فقد رأينا المئات والآلاف يتركون العالم فى جميع الأعمار وتحت كافة الظروف والمسببات وبدون أسباب والأمر يحتاج الى يقظة وتفهم وصية المسيح واعتبارها بكل الاعتبار ” ما أقوله لكم أقوله للجميع : اسهروا ” (مر١٣: ٣٧).

   هنا يأتى السهر بمعنى اليقظة الروحية مع الانتظار والتوقع لئلا تأخذ الانسان غفلة فينام ، فيسرق العدو خلاصه ويفقده اكليله.

المسيحى الحقيقى انسان سهران دائماً يقظ دائماً بحسب وصية المسيح وبحسب قلب عروس النشيد المغبوطة حتى فى نومها الا أن قلبها دائماً مستيقظ لا ينام.

قال الرب هذا الكلام ثم أردفه بالمثل موجهاً كلامه الى رسله وقد أورد القديس لوقا الانجيلى هذا المثل بعينه فى (لو١٢: ٤١-٤٨).

” فقال له بطرس : يارب ، ألنا تقول هذا المثل أم للجميع أيضاً ؟ فقال الرب : فمن هو الوكيل الأمين الحكيم الذى يُقيمه سيده على خَدَمه ليُعطيهم العُلوفة فى حينها ؟ طوبى لذلك العبد الذى اذا جاء سيّده يجدُهُ يفعل هكذا إ بالحق أقول لكم : انه يُقيمه على جميع أمواله ولكن ان قال ذلك العبد فى قلبه : سيدى يُبطىء قدومه ، فيبتدىء يضرب الغلمان والجوارى ، ويأكل ويشرب ويسكر يأتى سيد ذلك العبد فى يوم لا ينتظره وفى ساعة لا يعرفها ، فيَقطعُهُ ويجعل نصيبه مع الخائنين ” (لو١٢: ٤١–٤٦).

  • المَثَل 

هذا المثل يخص بالدرجة الأولى الخُدام الذين أوتوا وكالة واؤتمنوا من قبل السيد الرب على اخوتهم العبيد مثلهم لكى يعطوا رفقاءهم طعام الحياة الأبدية فى حينه الحسن وهو من أمثال الدينونة التى يظهر فيها المسيح الملك فى مجيئه الثانى المخوف حين يعطى الطوبى للأمناء الأحباء ويجازى الأردياء.

وهو أمر يدعو الى الانتباه والسهر والحرص والأمانة وانتظار المسيح الذى لابد وأنه آت ، وان كان طويل الأناة وبطىء الغضب

فحديث المسيح المبارك كان للرسل وقد فهموا وأدركوا كلام الرب ووعوده ولكن القديس بطرس فى معرض حديث الرب سأله سؤاله الشهير : ألنا تقول هذا المثل أم للجميع ؟ وعلى عادة الرب لم يجب على القديس بطرس بالأجابة المباشرة ولكن أجاب بهذا المثل على السؤال ، وهو ان كان يؤكد على مسؤلية المسئولين الا أنه أيضاً يخص الجميع على اعتبار أن كل واحد منا مسئول فى حدوده ، ومُكلّف من قبل الرب على وكالة ان كبرت وان صغرت فالذى لم يؤتمن على كنيسة وجماعة مؤمنين فهو قد أؤتمن على بيت وأولاد ، والذى لم يُعطَ بيتاً وأولاداً فقد أعطى بطريق آخر مسئولية محددة لابد أن يُعطى حساباً عنها ويسأل فى الوكلاء بصفة عامة أن يوجد الوكيل أميناً فمن أثبت أمانته فى القليل فانه يُقام على الكثير ومن وُجد ظالماً فى القليل فكيف يؤتمن فيما بعد ؟

ولنبدأ المثل بالسيد الرب الذى يُقيم العبيد ويحسبهم أمناء ، وكأنه مسافر غائب فى حين أنه دائم الحضور وواجب الوجود ، لا يخلو منه زمان ولا يفتقر اليه مكان بل انه فوق المكان والزمان فهو غير المحصور وغير المحدود ولكن غياب السيد كان فى قلب العبد الردىء وفكره فقط ، فقد غاب السيد عن بصره بل غاب عن بصيرته ، وظن فيما يظن قوم التباطؤ ، فحسب امهال السيد تباطؤ وحسب طول أناته كأنه غير عارف أو غير معاقب وغير محاسب ولكن هذه هى صفات الرب التى لا بد أن ندركها أنه حاضر دائماً ، يكتب الأعمال فى سفر التذكرة الأبدى ، فالأقوال والأفعال محسوبة علينا مسجلة فى سجلات الأبد وان كانت الآن غير مرئية ولكنها ستُفتح حين يُفتح سفر الحياة وتُكشف حين تُكشف سرائر الناس.

وقد يسأل السائل لماذا يأتمن الرب مثل هذا العبد الردىء وهو يعرف سابقاً ما انعقدت عليه نية العبد البطال من الخيانة وعدم الأمانة ؟ والجواب على ذلك أن معرفة الله للأمور قبل كونها هى سابق علمه اذ لا يُخفى عليه شىء وهذه المعرفة هى خاصة به وحده ولكنها لا يؤثر بحال من الأحوال على ارادة الانسان وتدبيره ، وحرية اختياره وحرية سلوكه.

وقد يقرب الأمر الى الفهم مَثَل المُدرس الحصيف الكثير الخبرة بأمور التلاميذ وقد يعرف المدرس بسابق خبرته فى بداية العام الدراسى من هو التلميذ الأول الممتاز ومن هو التلميذ البليد الأخير ومع ما يبذله المدرس من جهد وما يعطيه من علم للجميع على قدم المساواة فانه يَصدُق حَدس المدرس وما سبق فأنبأ به اذ يتفوق الأول ويرسب الأخير، وفى هذه الحالة لا دخل لسبق معرفة المدرس بهذه النتيجة التى توقعها وأنبأ بها ، ومسرة المدرس دائماً فى نجاح جميع تلاميذه لأنه لا يُسر مطلقاً بالفشل على هذا يؤخذ الأمر أن ربنا رغم سابق علمه بما سيكون من شأن العبد البطال فانه يأتمنه ويقيمه ، هذا أمر عجيب يظهر سخاء نعمة ربنا ويظهر ارادته الحسنة نحو الجميع اذ هو يريد أن الجميع يخلصون والى معرفه الحق يقبلون.

وهكذا كما قيل فى مثل الزارع ، أنه فى الأماكن المحجرة والطريق والأرض التى بها شوك لم تعدم منها أن يلقى الرب بذاره عليها ، لعلّها تأتى بثمر أو لعلها تعود فتنصلح وتغيّر ما بها ، فلو أنها تنقت لأثمرت للرب ثمراً جيداً.

فياليت عطايا ربنا ومواهبه تصير لنا بالأكثر سبب خلاص ونجاة وتجعل فينا روح المثابرة والأمانة فيما وضع بين أيدينا

نعود الى قول الرب : من هو يا تُرى العبد الأمين والحكيم ؟ ففى مقابلة المسئولية يحتاج الأمر الى ركيزتين :

الركيزة الأولى هي الحكمة :                                                                                 

أما من تعوزه الحكمة فليطلب من فوق فستعطى له ، ولا يوجد طريق آخر لاقتناء الحكمة النازلة من فوق سوى الصلاة والتضرع الى الله وسكب النفس فى اتضاع وتوسل حتى يُعطى الانسان هذه العطية العظمى والثمينة.

والرب يُسر بطالبى الحكمة مثل سليمان حين لم يطلب سواها فانه حازها باقى العطايا ، وحين يتربى العبد على كلام الكتب التى هى أنفاس الله وحين يَجلس الى الشيوخ المدبرين حسناً أى يتتلمذ على قدمى الآباء يزداد حكمة.

ولكن شتان بين حكمة الروح وحكمة العقل ، بين حكمة أولاد الله وحكمة حكماء هذا الدهر الذين يُبطلون ، يكفى أن نعرف أن الحكمة النازلة من فوق هى أولاً طاهرة ثم مُسالمة مترفقة مذعنة مملوءة رحمة وأثماراً صالحة عديمة الريب والرياء.

هذه هى صفات الحكمة الروحية اذا سكنت الانسان فانها تزينه بهذه الفضائل ولا سيما فى خدمة النفوس التى يؤتمن عليها.

صفتها الأولى القداسة لأنها حكمة تصدر من ملء الروح القدس ، فان شابتها شائبة النجاسة فقد انتفى أن تكون حكمة الله ، فان افتقر الانسان الى الطهارة فان حكمته مهما بلغت فى أعين الناس فهى حكمة ليست نازلة من فوق بل هى أرضية نفسانية شيطانية.

صفة الخادم الحكيم الأولى هى تمسكه بروح القداسة والعفة ، هى كنزه ورأس ماله فهو طاهر فى قلبه ، طاهر فى فكره ، طاهر فى نظره ، طاهر فى كلامه ، طاهر فى صمته ، ثم يتبع الامتلاء من الحكمة السلام فخادم الرب الحكيم انسان مُسالم بعيد عن العداوة والحقد والكيد والضغينة والسيايات والمؤمرات والتحزبات والتشويشات.

صفة الحكمة الروحية أنها مترفقة ومطيعة ومملوءة رحمة بالعبيد رفقائه ، ياليت الروح يُغنى الكنيسة بمثل هذه النعم التى نفتقر اليها فى غالب الأحيان.

 الركيزة الثانية هى الأمانة 

وفى اللغة العربية كلمة الايمان والأمانة شىء واحد فالأمانة تعنى أن يحفظ الانسان ما عنده بدون اضافة أو نقصان ليسلمه كما هو أى ليس لذاته دور فى الأمر ، ما استلمه يحفظ ليسلمه.

كقول الرسول بولس ” سلّمتُ اليكم فى الأول ما قبلتُه أنا أيضاً “(١كو٣ :١٥) فالعبد الأمين لا يُضيع ولا يُفرّط فى ما أخذه من الله من عطايا وهبات بل يتاجر بها ويربح بزيادة وبلا نقصان وهو عكس الذى يخون الأمانة ويتصرف فيما ليس له كأنه يخصه

أما من جهة الذين ائتمنهم الله على كنيسته ، فالأمانة هى الركيزة العظمى ، فالحفاظ على الايمان المُسلم مرة للقديسين بلا انحراف وبلا تغيير، والحفاظ على تُراث الكنيسة كما تسلم اليهم من الآباء من طقس وألحان وأعياد على بيت سيده يحفظه كما هو فى ترتيبه وفى تدبيره

ليس للعبد أن يُغير العوائد ولا أن يُدخل الى بيت سيده ما يستحسنه هو أو يستغنى عن شىء مما فى بيت سيده كأنه بلا قيمة ، بل الأمانة تقتضى أن يحفظ كل شىء كما هو على يوم مجىء سيده ، الأشياء التى لا يعرف قيمتها ويفتكر أنها بلا قيمة قد تساوى الكثير فى عين سيده صاحب البيت وعارف قيمة الأشياء.

مع تغيّر الزمن والأجيال قد تبدو بعض الممارسات الكنسية أو الألحان الطويلة أو العبادات أو السهر أو التسبيح أنها لم تَعُد مناسبة للجيل أو لظروف الناس أوالخ فيبتدأ المؤتمنون فى التخفيف والتقليل والحذف والاستغناء ، هذه ليست أمانة فان كان أحد لا يعرف قيمة الجواهر ، فانه يبيعها بأبخس الأثمان.

فالذى لا نستسيغه أو لا نعرف قيمته ليس من حقنا أن نتخلص منه أو نلغيه أو نهمله أو نستغنى عنه ما لا نعرف قيمته ليس أقل من أن نتركه كما هو ، ونحتفظ به بأمانة كمثل انسان ورث قصراً كبيراً عن أجداده فيدخل الى القصر وهو لا يعرف قيمة النفائس والأشياء غالية الثمن ويفتكر فيها أنها قديمة بالية غير ذات قيمة ، فيبتدىء يلقى بها الى خارج بينما هى لا تقدر بثمن ولكنها تحتاج لعين خبير محنك ، أو أقل ما يقال أنها غالية فى عين الآباء الذى وضعوها بالروح بل وفى عينى صاحب البيت

يسأل فى الوكلاء أن يوجد الوكيل أميناً ، هكذا تعلمنا من الآباء القديسين الذين حفظوا لنا الكنيسة بكل ما فيها من كنوز حتى وصلت الينا وسلّمونا اياها فهل نكون أمناء حتى نسلمها كما هى لمن يأتى بعدنا ؟

وما يُقال عن التفريط فى الأشياء الثمينة ، يُقال أيضاً عن الاضافات التى يستحسن البعض أن يعملها فى الكنيسة لكى يرضوا الناس أو لكى يُحببوا اليهم العبادة بأساليب غير كنسية مثل التراتيل والأنغام العالمية أو الغريبة أو الطرق والاختراعات والتطورات التى لا تمت الى روح الكنيسة والآباء كل هذا يُعتَبر عدم أمانة لأن الزيادة أو النقصان يضران بالأمانة على حد سواء .

ان تاريخ كنيستنا حافل بأمثلة الآباء الذين حفظوا الأمانة حتى النفس الأخير وفرطوا حتى فى حياتهم ولم يُفرطوا فى الأمانة ، يكفى أن تدرس حياة أثناسيوس وديسقورس وكيرلس الكبير بل كان الآباء البطاركة القديسون يضربون المثل الأعلى فى الحفاظ على كل ما فى خزائن الكنيسة من نفائس وذخائر الطقس والعقيدة والألحان والأعياد والصلوات ووقفوا بحزم ضد كل تغيير أو كل ما كان يَرد على الكنيسة من بدع أو هرطقات أو ما يَهب على الكنيسة من رياح غريبة.

ومن أجمل الكلمات المتداولة فى الحياة الكنسية كلمة ” التسليم ” ” والتقليد ” ، وهو التسليم الشفاهى للحياة المسيحية ،

فالشماس مثلاً يستلم الألحان انها أمانة سُلمت له لكى ينقلها كما هى بروحها ونصها ولحنها لمن يأتى بعده والكاهن يستلم الذبيحة ويستلم الأسرار انها أمانة أولاً وأخيراً ومتى استلم الانسان الأمانة سيأتى ساعة يقف فيها أمام رب البيت يُسأل هل كان أميناً أم لا ؟

مكافأة الأمانة :

الحق أقول لكم : انه يُقيمه على جميع أمواله هكذا قال الرب

لا يَخطر على فكر البشر نوع المكافأة التى سيُكلل بها الرب مُختاريه الأمناء ، اذا وجدهم أمناء فى القليل فانه يعطيهم ملكوته ويُكللّهم بالكرامة.

مابالنا لا نفكر فى هذا النصيب الفاخر ، وانحصر نظرنا فى زوال العالم ان الأجرة التى تنتظرنا لا تخطر على بال انسان ، لماذا لا نتشجع فى طريق الحكمة والأمانة ونترجى ملكوت الله ؟ لماذا نتكاسل ونُهمل ؟ ولا نحفظ الأمانة بسَهر ؟ ان عوض الأتعاب الزمنية التى أظهرها الأبرار والصديقون والشهداء والنساك ولباس الصليب فانهم نالوا بهاء ومجد وكرامة فى السماوات ، شىء لا يُعبّر عنه إإ فالأتعاب وقتية والتنعم أبدى.

والضيقة خفيفة اذا ما قورنت بثقل المجد الأبدى ” خفّة ضيقتنا الوقتية تُنشىء لنا أكثر فأكثر ثقَل مجد أبدياً ” (٢كو ٤ :١٧) والآلام يسيرة وبعدها هو يكلمكم بالكمال الذى لا يشوبه نقص ولا كدر

ويكفى أن نتأمل كيف وعد الرب ملائكة الكنائس السبع فى سفر الرؤيا: كل من يَغلب كيف سينال مكافأة فائقة للادراك ولا يعرفها سوى الذى ينالها ويتمتع بها[7]

 

 

 

المراجع

 

[1]– تفسيـر رسـالـة روميـة ١٠ : ٣ –  القمص تـادرس يعقـوب ملطي.

[2] – المرجع كتاب من مقالات الانبا انطونيوس صفحة ٥٨ – القمص بيشوي كامل

[3] – تفسير يشوع بن سيراخ إصحاح ١٤ للقمص تادرس يعقوب ملطي

[4] – تفسير انجيل لوقا صفحة ٤٤٣ – للقديس كيرلس الاسكندري

[5] – نقاوة القلب في المفهوم الكتابي والابائي – الجزء الثاني صفحة ١٢٠٨ ,١٢٥٢ – اعداد احد الاباء الرهبان بدير السيدة العذراء – برموس

[6] – اختبرني يا الله – صفحة ٣٧ – قداسة البابا تواضروس الثاني

[7] – وكلمهم ايضا بامثال صفحة 322 – القمص لوقا سيداروس