قراءات يوم الخميس من الأسبــوع الأول من الصوم الكبير

إله المجــد والقــوّة

“فَيُعْلَنُ مَجْـدُ الـرَّبِّ وَيَـرَاهُ كُلُّ بَشَرٍ جَمِيعًاً” (إش ٤٠ : ٥)

“وَنَحْنُ جَمِيعًا نَاظِرِينَ مَجْدَ الرَّبِّ بِوَجْهٍ مَكْشُوفٍ، كَمَا في مِرْآةٍ، نَتَغَيَّرُ إِلَى تِلْكَ الصُّورَةِ عَيْنِهَا، مِنْ مَجْدٍ إِلَى مَجْدٍ، كَمَا مِنَ الرَّبِّ الرُّوحِ” (٢كو ٣: ١٨)

[السماء والأرض مملوءتان من مجدك الأقـدس] (من صلوات وألحان القـدّاس الإلهي.)

[عمانوئيل إلهنا في وسطنا الآن بمجد أبيه والـروح القـدس] (ختام الثيئوطوكيات الآدام).

[ليكن للنفس مذبح في وسط القلب عليه تقـدم ذبائح الصلاة ومحروقات الرحمة فتذبح فوقه ثيران الكبرياء بسكين الـوداعة وتُقبَل عليه كباش الغضب وماعز التنعم والشهوات لتعـرف النفس كيف تقيم داخلها في قـدس أقـداس قلبها منارة تضئ بغير انقطاع] (العلامة أوريجانوس)[1]

شــواهــد القــراءات

(إش ٢: ١١-١٩)، (زك ٨ : ١٨)-الخ)، (مز١٣: ١-٢)، (لو ٨: ٢٢-٢٥)، (١كو ٤: ١٦) – الخ و(ص ٥: ١-٩)، (١يو ١: ٨) و(ص٢:١-١١)، (أع ٨: ٣-١٣)، (مز١١٧: ١٣-١٨)، (مر٤: ٢١-٢٩).

شــرح القـــراءات

تتكلّم قـراءات الْيَـوْمَ عن إستعلان مجـد الله وقوته.

تبدأ نبوءة إشعياء بالحديث عن مجـد قـوة الله فـوق كل تشامخ البشر وتعاليهم وفـوق كل العبادات الباطلة والكاذبة. “ويتعالى الـرب وحده في ذلك اليوم، وسيوضع تشامخ البشر ويحط ترافع الانسان ويتعالى الـرب وحـده في ذلك اليـوم وتزول الأصنام بتمامها ويدخلـون في المغائر وشقـوق الصخـور وحفائرالتـراب من أمام هيبة الـرب ومن مجـد قـوته”.

وتُوضّح نبوءة زكريا إشتياق الشعوب لوجه الله وجاذبية حضوره للبشر من كل مكان.

“ستأتي شعـوب كثيرة أيضاً وسكّان مدن كثيرة تجتمع، قائلين لنسير ونطلب وجه الـرب الضابط الكل وأنا أيضاً أسير فتأتي شعوب كثيرة وأمم أقوياء ليطلبوا وجه رب الجنود في أورشليم واستعطاف وجه الـرب”

كما يعلن مزمـور باكــر خضوع كل الأرض الخليقة والبشر لله.

“للرب الأرض وكمالها المسكونة وجميع الساكنين فيها هـو على البحار أسسها وعلى الانهار هيأهـا”

وفي إنجيل باكر جاءت معجزة إنتهار الريح وهـدوء البحر لتؤكد على سلطان الـرب على الخليقة وقـوّته الإلهية.

“فقـام وانتهـر الريح وتموج الماء فسكـن وصار هــدوء عظيم ثـم قـال لهم أين إيمانكم فخافـوا وتعجبـوا قائلين بعضهم لبعض تــري من هــو هــذا فإنه يأمر الــريـاح والمياه فتطيعه”

ويحذّر البولس من تشامخ البشر الذي يحسب لا شئ أمام قـوة الله.

“ولكني سآتيكم سريعـاً إن شاء الـرب فسأعـرف لا كلام المتشامخيـن بل قـوتهم لأن ملكوت الله ليس هو بكلام بل بقـوة”

كما يعلن مجـد وقـوة سلطان الكنيسة المجتمعة بإسمه، والواحدة فيه للتنقية وفرز الخمير العتيق الفاسد من العجين الجديد وفطير الطهارة والبر.

“باسم ربنا يسوع المسيح إذ أنتم وروحي معاً مجتمعـون وقـوة ربنا يسوع المسيح، يسلم مثل هذا إلى الشيطان لهلاك الجسد لكي تخلص الـروح في يوم ربنا يسوع المسيح، إذا نقـوا منكم الخمير العتيق لتكونوا عجيناً جديداً كما أنكم فطير”

كما يظهر الكاثوليكون عِظم مجـد الآب في فاعلية خلاص وشفاعة إبنه لأجل العالـم كلّه.

“يا أولادي أكتب إليكم بهذا لكي لا تخطئوا، وان أخطأ أحد فلنا شفيع عند الآب يسوع المسيح البار وهـو كفارة عن خطايانا وليس عن خطايانا فقط بل عن خطايا العالم كله أيضاً”

كما يعلـن مجـد سلـوك أولاد الله في العهـد الجــديــد.

“وأيضاً وصية جـديـدة أكتب إليكم ما هـو حـق فيه وفيكم أن الظلمة قـد مضت والنـور الحقيقي الآن يضئ”.

أما الإبركسيس فيعلن مجـد الله في الكنيسة المقـدسـة.

“لأن كثيرين من الـذيـن كانت بهم الأرواح النجسة كانت تخرج منهم صارخة بصوت عظيم وكثيرون مُخلَّعـون وعُـرج كان يشفيهم وصار فـرح عظيـم في تلك المدينة”.

ورغــم إنخـداع البعض بقوة السحر والشيطان لكن أمام قـوة ومجـد حضور الله في كارزيه خضع الكل حتى الساحر نفسه وقبلــوا خلاص الإيمان عـن إنبهار السحر الكاذب.

“وكان ساحراً فحول أمة السامرة كلهّا مدّعياً أنه شئ عظيم فأصغوا إليه جميعهم من صغيرهم إلى كبيرهم قائلين هـذه هى قـوة الله التي تدعى عظيمة فلما آمنوا إذ بشرهم فيلبس بملكوت الله واسم يسوع المسيح اعتمدوا رجالاً ونساءً وسيمون نفسه أيضاً آمن واعتمد وكان ملازماً لفيلبس وإذ رأي الآيات والقـوات العظيمة الصائرة منه تعجب”.

وتعلن النفس في مزمور القـدّاس مجدها وفرحها وقـوّتها بالـرب وخلاصه. “قـوتي وتسبحتى هـو الـرب وقـد صار لي خلاصاً”.

ويختـم إنجيـل القـدّاس بضرورة وأهمّية إعلان مجـد الله في حياتنا وخطورة أن يختفي تحت المكيال (البيع والشراء ومشغوليات العالم) أو السريـر (الكسل ومحبّة الـراحة)

“ثم قال لهم هل يوقـد سراج ليوضع تحت المكيال أو تحت السريـر أليس ليوضع على المنارة”.

كما أن مجـد الله وفعله في القلـوب لا يأتي بمراقبة بل هو فعل سرّي داخل كل نفس إلى أن تنمو وتثمر في حياتها.

“هكذا ملكوت الله كمثل إنسان يلقي بذاره على الأرض وينام ويقـوم ليلاً ونهاراً والـزرع ينمو ويطول وهـو لايعلم لأن الأرض من ذاتها تعطي ثمراً أولاً عشباً ثم سنبلاً ثم يمتليء ما في السنبل”.

 

ملخّص القــراءات

نبـوءة إشعياء مجد الله يرتفع فوق كل تعالي البشر وتشامخهم
نبـوءة زكريا جاذبية مجد الله في الشعوب الغريبة
مزمور وإنجيل باكر خضوع كل الخليقة له وسلطانه عليها
البــولس تشامخ البشر يحسب لا شئ أمام قـوة الله
البــولس سلطان الكنيسة الواحدة في تنقية الفطير من الخميـر
الكاثوليكـون مجـد الآب في شفاعة إبنه الوحيد لخلاص العالـم
الإبركسيس مجد الآب في الكنيسة في شفاء الموجوعين والمتألّمين
الإبركسيس قوة ومجد الإيمان المسيحي أمام سحر العالم وزيف قوته
مزمور القـدّاس الـرب هو مجد النفس وتسبيحها وخلاصها وبهجتها
إنجيل القـدّاس خطورة طمس مجد الله بسبب الإنشغـال والكسـل
إنجيل القـدّاس مجد الله في النفوس فعل سرّي تظهر مع الوقت ثماره

 

الكنيسة في قــراءات اليــوم

سفر إشعياء يــوم الـدينـونــة
البولس سلطان الكنيسة ( الِحّل والـربط )
الكاثوليكون أهميّة حفظ الوصيّة وليس مجرد الإيمان الشكلي
الإبركسيس الإيمـان والمعموديــة

 

عظات آبائية :

ليس احد يوقد سراجًا للقديس كيرلس الاسكندري

 ليس احد يوقد سراجًا ويضعه في خفيه ولا تحت المكيال ، بل علي المناره لكي ينظر الداخلون النور ” (لو١١ : ٣٣).

ماذا كان القصد بالنسبة لهذه الكلمات ؟ إنه يقاوم اليهود باعتراض مأخوذه من غبائهم وجهلهم ، لأنهم قالوا إنه يعمل معجزات لا ليؤمن به الناس أكثر ، ولكن لكي يصير له اتباع كثيرون ، ويحصل علي ثناء وتصفيق أولئك الذين ينظرون أعماله الخارقة. والرب يدحض هذا الافتراض باستخدام السراج كمثل ، فهو يقول ان السراج يكون دائمًا مرفوعاًوموضوعاً علي المناره ، فيكون نافعاً لمن يبصرونه . ولنتأمل الان النتيجه التي يشير إليها هذا الكلام. فقبل مجيءمخلصنا ،كان الشيطان — أب الظلمه — قد أظلم العالم ،وجعل كل الاشياء سوداء بقتام عقلي ، ولكن وبينما العالم فيهذه الحاله ، فإن الآب أعطي ابنه ليكون نوراً للعالم ، ليسطع علينا بنور الهي ، ولينقذنا من الظلمه الشيطانيه . ولكن أيها اليهودي ، ان كنت تلوم السراج لأنه غير مخفي ، ولكن علي العكس هو موضوع علي مناره ، وهو يعطي نوره لمن ينظرون ، عندئذ يمكن ان تلوم المسيح لأنه لا يريد أن يكون مختفيًا ، بل علي العكس أن يراه الجميع ، منيرًا أولئك الذي نفي الظلمه ، وليفيض عليهم بنور معرفه الله الحقيقيه . فهو يصنع معجزاته لا لكي يعجب به الناس ، ولا يسعي بواسطتها إلي الشهره ، بل بالحري لكي نؤمن أنه بينما هو الله بالطبيعه ، إلا أنه صار إنساًنا لأجلنا ، دون ان يكف عن أن يكون كما كان ( اي الهاً ). ومن فوق الكنيسة المقدسه كمناره تشع بالتعاليم التي ينادي بها هو ، فإنه يعطي نورًا لأذهان الجميع بأن يملأهم بالمعرفه الالهيه .[2]

السراج هو الايمان للقديس امبروسيوس

 [السراج هو الإيمان، كما هو مكتوب: “سراج لرجلي كلامك ونور لسبيلي” (مز١١٩: ١٠٥).
كلمة الله هو موضوع إيماننا، وهو النور الحقيقي الذي يضيء لكل إنسان آتيًا إلى العالم” (يو ١: ٩)، هذا السراج لا يمكن أن ينير ما لم نستمد نوره من مصدر آخر (السيد المسيح).
السراج الذي نوقده هو قوَّة أرواحنا وعواطفنا، به نجد الدرهم المفقود (لو ١٥: ٨).
لا يليق بالإنسان أن يضع هذا الإيمان (السراج) تحت مكيال الناموس، لأن الناموس محدود أما النعمة فبلا حدود، الناموس يقدِّم ظلًا أما النعمة فتنير. ليته لا يغلق أحد إيمانه في حدود مكيال الناموس، بل يأتي إلى الكنيسة فتزيِّنه نعمة الرب.

ليسلِّط رئيس الكهنة النور على عظائم اللاهوت الملوكي، فلا يخنقها ظل الناموس. قديمًا كان رئيس الكهنة يوقد الأسرجة حسب الطقوس اليهوديَّة بانتظام صباحًا ومساءً، لكنها قد انطفأت، لأنها وُضعت تحت مكيال الناموس، واختفت أورشليم الأرضيَّة التي قتلت الأنبياء (مت٢٣: ٣٧)، أما أورشليم السماويَّة فقبلت إيماننا ووضعته على أعلى قمم الجبال أي على المسيح، لذلك أقول أنه لا يمكن للكنيسة أن تخفيها الظلمة ولا ظلال هذا العالم إنما تشع ببهاء الشمس الأبديَّة وتضيء علينا بأشعَّة نعمة الروح[3]

عظات آباء وخدام معاصرون :

يوم الخميس من الأسبوع الأول لقداسة البابا تواضروس الثاني

(مر٤ : ٢١ – ٢٩) هل حياتك سراج ؟
سأل الرب يسوع في ثلاثية جميلة وقال : ” هل يؤتى بسراج ليوضع تحت المكيال أو تحت السرير ؟ أليس ليوضع على المنارة ؟” (مر٤ :٢١). وأود أن أوضـح أولا أن سـؤال هـذا النص الإنجيلي الموجـه لـك هـو : “هـل حيـاتـك سراج ؟ .
* معنی سـراج :
كلمة سراج هي المصباح ، وهذا المصباح من الفخار يملأ بالزيت ويوضع فيه فتيلة منيرة ، ويكون بيضاوي الشكل ، وقد يمسكه الفـرد مـن طـرف ، والطرف الثاني فيه اللهب أو الفتيلة ، وقديما كانوا يطلقون على أبنائهم بأسماء مثل سراج ، أو مصباح ، أو نـور، أومنير . وعليك أن تلاحظ جيداً السؤال الذي سأله السيد المسيح : “هـل يـؤتى بسـراج ليوضع تحت المكيال أو تحت السرير ؟ أليس ليوضع على المنارة ؟” (مر٤ : ٢١)، وبالتأكيد يكون المكان العادي للسراج هو أن يوضع على المنارة .
وعلى هذا الأساس نجد ثلاثة أنواع من الناس :
الأول : يتمثل في المكيال ، والمكيال هو ما يكيلون به ، ويرمز للإنسان المشغول بالحياة العالمية ، وقد يعتبر أداة من أدوات الوزن أو القياس ، وبالتالي يكون الإنسان مشغولاً دائماً بحياته في العالم ، فعندما تسأله عن أي شيء في حياته مثل الذهاب للكنيسة أو قراءة الإنجيل ، يجيـب بـأنـه مشغول وليس لديـه الـوقـت الكافـي لهـذا ، وبالتالي فهـو دائـم المشغولية.
الثاني : هـو مـن يؤتى ويُوضع تحت السرير، والسرير يرمز للراحة والنوم والكسل ، فالكسالي لا يريدون أن يفعلوا شيئا ، فهم كسالى في حياتهم ، فالشخص الكسول هـو كسول في أسرته ، في عمله ، حتى كسول في خلاص نفسه.
الثالث : أما النوع الثالث من الناس هـو مـن يوضع على المنارة ، والمنارة تعني النمو والوضوح ، لذلك في طقس كنيستنا يجب أن يكون للكنيسة منارة ، والمنارة لها ثلاث وظائف رئيسية هي :
+ المنارة تعني الإنارة : فقد يوضع النور في موضع عالي، لكي ينير أكبر مساحة مثل فنار البحر.
+ المنارة تعني الارتفاع والسمو : فالمنارة هنا تعلمك أن تكون في حالة من النمو والازدياد في النعمة ” حياة السمو “.
+ المنـارة تعنـي الاستقامة : المنارة دائماً مستقيمة ، فهي تعلم الإنسـان حـيـاة الاستقامة ، وقد بدأ وجود المنارات في كنائس مصر، فالمنارة هي تعديل للمسلة ، فقد بدأ فن المعمار وفن الأعمدة في مصر، حيث كانت المسلة المصرية القديمة ، ثم صارت مع المسيحية المنارة ، ومع دخول الإسلام مصر وجدت المئذنة ، فمصر هي الدولة الوحيدة في العالم التي يوجد بها المسلة والمنارة والمئذنة ، وهذا يعتبر تشكيل للأعمدة أو ما يمكن أن نسميه ” فن الأعمدة “. إذا هل حياتك سراج ، هل حياتك نور، على اعتبار أنك موجود في المجتمع ؟ هل حياتك بصورة السراج الذي يوضع على المنارة ؟ أم حياتك مثل النوعين الآخرين ، هل مثل المكيال الذي يتمثل في انشغالك الشديد ؟ أم من النوع الثاني الذي يتمثل في الكسل الشديد جدا ، وفي الحالتين لا تكون على دراية بنفسك.
* رموز السراج في الكتاب المقدس :
السراج له معان كثيرة في الكتاب المقدس ، نذكر منها الآتي:
۱ـ العقل سراج للإنسان :
السراج عند الإنسان هو نعمة العقل ، وفي الأمثال المصرية نقول : ” العقل زينة “، لذا السراج عند الإنسان هو نعمة العقل ، العقـل هـو سـراج الإنسان ونـوره ، هـو الـذي يقـوده ، لذلك نجد المجتمعات تهتم بتعليم العقل ، وأن يكون العقل منفتحاً ويستوعب علـوم العصر وينظـر للمستقبل ، ويتعلم كثيراً ودائماً ، ونجـد المقولة الشهيرة “العلـم نـور”، فالنور هو السراج .
إن كان العقل هو سراج الإنسان ، تُرى كيف يكون عقلك ؟ قد تجد شخصاً عقله ضيق أو عقل متعثر حتى ممكن يكون متعثراً في التعليم وليس الدين فحسب ، و قد تجد شخصاً آخر عقله منفتح واسع يستطيع أن يتقدم ، فلا تنس أن حضارات البشرية قامـت علـى العقل المتقدم، مثل الحضارة المصرية ، وحضارات الشرق الأقصى مثل الصين والهند واليابان ، كلها حضارات فيها العقل يفكر ومنها خرجت فلسفات عديدة موجودة في كل العالم .
۲۔ السيد المسيح سراج البشرية :
عندما ولد السيد المسيح وأتى متجسداً على الأرض صارسراجاً للبشرية ، والملاحظة الهامة في الموضوع أن في كل مرة كان السيد المسيح يتكلم يقول : “الحق الحق أقول لكم”، وتكرار هذه الكلمة يظهـر النـور الصافـي الـدائم ، أن السيد المسيح جـاء لـكـي مـا يفصل بين الحق والباطل ، وحـتـى فـي وقـت مـن الأوقـات قـال : “جئت سيفا”، قـد يسأل البعض كيف يكون المسيح سيفاً ؟
السيف مهمته الفصل بين الأشياء ، والسيد المسيح لا يعرف سوى الحياة الإيمانية الحقيقيـة ، فـلا يمكـن أن تعـرج بـيـن الـفـرقتين ، لا يمكن أن تكـون عينـك هـنـا ، والعـين الأخـرى هـنـاك “لأنـه حيـث يكـون كـنـزك هنـاك يـكـون قلبـك أيضاً” (مت ٦ : ٢١)، الحيـاة مع المسيح هي حياة مستقيمة، فالمسيح هو سراج البشرية الذي يخلص الإنسـان مـن الخطية
٣ – الصليب :
الصليب المقدس هـو سـراج الخلاص أو مفتاح الخلاص ، فالصليب هـو الـذي قـدم المسيح مصلوباً لكي يفدي الإنسان في حياته ، فيقول المزمور: “باركي يا نفسي الرب ، ولا تنسي كل حسناته . الذي يغفر جميع ذنوبك. الذي يشفي كل أمراضك. الذي يفدي من الحفرة حياتك . الذي يكللك بالرحمة والرأفة. الذي يشبع بالخير عمرك، فيتجدد مثـل النسر شـبابك” (مز۱۰۳: ۲-٥).
هنـا فـي المزمـور يـحـدد عـدة أسباب ومنهـا : “الذي يفـدي مـن الحـفـرة حياتـك”، والحفـرة هـي جهنم ، فالصليب أيضـاً سـراج هـو نـور، قـد نتذكر الصليب المنير الذي ظهر في السماء للملك قسطنطين وقال له : “بهذا تغلب”، وظهورات الصليب كثيرة في أماكن وأوقات مختلفة ومتعددة .
٤ـ الكتاب المقدس والكلمة المقدسة :
كلمة الإنجيل سراج للإنسان “سراج لرجلي كلامك ونور لسبيلي” (مز١١٩: ١٠٥) . فلا أستطيع أن أسير إلا بوصية ربنا ، لا أستطيع أن أتحرك إلا بمعرفة ربنا ، ويقول لنا القديس بولس الرسول : “فقط عيشـوا كـمـا يـحـق لإنجيـل المسيح” (في١ : ٢٧)، بمعنى أنه لا بد أن تحرص على أن يكون الإنجيل دليلك الذي تعمل به دائماً. في بعض التجارب العلمية في المعامل الكبرى عندما يقوم أحد العلماء بعمل تجربة يعطـى لـه كتيـب يـدون فـيـه خطـوات التجربة خطوة خطوة ؛ لأنه عندما يُريد تكرار التجربة يرجع إلى الخطوات المدونة ويكررها بنفس الخطوات حتى يستطيع أن يصل لنتائج . هكذا الكتاب المقدس هو دليلك ، هو سراج المعرفة بالخبز وحده يحيا الإنسان ، بل بكل كلمة تخرج من فم الله” (مت٤ : ٤) .
٥ – الكنيسة المقدسة سراج البشرية :
الكنيسة مؤسسة أوجـدهـا اللـه فـي حياتنـا عـلـى الأرض حيـث قـال : “علـى هـذه الصخرة أبني كنيستي” (مت ١٦: ١٨). فهي مملوكة للمسيح، وهذه الكنيسة الأرضية أوجدها الله على الأرض لكي تخدم الإنسان ، تخدمـه روحياً واجتماعياً ، هذا هو سبب وجود الكنيسة ، فالكنيسة مكان للخدمة وإن شئت الدقة هي مكان لغسل الأقدام ، هي سراج للعالم ، هي خادمة للعالم ، هـي نـور فـي وسـط العالم ، وعلى هذا الأساس يتكرر السؤال “هـل حياتـك سـراج ؟” هـل حياتك بالنسبة لمجتمعك ولأسرتك وللآخرين ولكنيستك منيرة ؟ هل نعم الله التي يعطيها لك تستثمرها جيداً ؟ نتذكر مـن أخذ الخمس وزنات وتاجر بهم واستثمرها حتى ربح خمس وزنات أخر، كذلك مـن أخـذ الوزنتين تاجر بهمـا وربح ، أمـا مـن أخـذ وزنـة واحـدة لم يربح شيئاً لذلك خسر كل شيء ، فلا بد أن تضع أمامك قانون نعم الله التي يعطيها الله للإنسان ، فهو ينطبق علينا جميعاً دون استثناء “لأن من له سيعطى ، وأما من ليس له فالذي عنده سيؤخذ منه” (مر٤ : ٢٥). وهذه الآية تكررت في إنجيل متى ومرقس ولوقا ، فكـل مـن لـه سيعطى أي كل من له جهاد روحي وتعب وبذل ومجهود ، ولديه أمانة . هناك من يخدم بطريقة ليس فيها أمانة وبالتالي لا يصح أن أُطلق عليه خادماً وكـل مـن لـه إحساس بالمسئولية وله قلب ملتهب فهـو مـن يقدم خدمة حقيقية ، فهذا الكلام ينطبق علينا جميعاً كل واحد بحسب ظروفه وحسب عمله وخدمته ووضعيته . كل من له سيعطى ويزداد ، وربنا يعطيه أكثر ، وأما من ليس له فالنعمة فـي يـده لكنه لا يستثمرها ، فالعطية التي أعطاها الله له لا يخدم بها لأنه كسلان ، وبالتالي من ليس له فالذي عنده يؤخذ منه ، من ليس له التعب ، من ليس له الجدية ، من ليس له العمل أو الرغبة.
  • قصة
يحكى عـن أحـد الآباء الأساقفة وكان يُدرس فـي الكلية الإكليريكية ، وحصـل طالب في مادة هذا الأسقف على. ٤٩،٥ من ١٠٠ وهذا يعني أنه راسب في هذه المادة ، فأتى والد الطالب لسيدنا الأسقف وقال له : “يا سيدنا يعني على نص درجة يسقط ابني ، لـو كانت النص درجة كان نجـح “فـرد الأب الأسقف الجليل وقال له : ” اعلـم يـا ابـني أن ابنك لم يرسب على نصف درجة ، بل رسب على خمسين درجة ونصف “. إذا لاحظت هذه القصة نجـد أن مـن يحصـل عـلـى ١٠٠ / ١٠٠ هـو كـل مـن لـه تعـب وجهـد وسهر ورغبة  وجدية في العمل.
هذا الأمر ينطبق علـى كـل واحـد فـي أي عمل ، سواء كانت الأم فـي المطبخ أو الطالب فـي دراسته ومذاكرته أو الأب الكاهن فـي خدمته ، أي إنسـان فـي أي عمـل فـي المجتمع ، حتـى مـن يعمل عملاً بسيطاً ، كل من يجد سوف يأخذ نعماً ، كـل مـن لـه سيعطى ويزداد ، وأما من ليس له فالذي عنده يؤخذ منه ، تؤخذ منه مواهبه الطبيعية عقابا لتقصيره ويفقد كل شيء.
اعلم أن العطايا والنعم التي يعطيها الله لك هي التي تجعل منك سراجاً فـي المجتمع، ولذلك قـد نـسـمـع عـن وجـود خـدمـة تطوعية ، هذه الخدمة الجميلة تخـدم المجتمع ، ومن يُقدمها يكون حسب ظروفه ولكنها تكون بنـوع مـن الجدية ، وقد يطلقون عليها ” الخدمة العامة “، ونلاحظ أن كثير من المجتمعات قد بنيت علـى أسـاس هـذه الخدمة .
مـن فـترة أتـى مجموعـة مـن شـباب وشابات دول أوروبا يريدون أن يخـدمـوا عـنـدنا شباب جامعة ، ولكن كانت إمكانياتهم محدودة ، فبدأوا يبحثون على بعض التبرعات وذهبوا لأحد البنوك وعرفـوه أنهـم مجموعة من الشباب يتبعـون إحـدى الكنائس فـي إحـدى البلدان وأنهـم يرغبـون أن يقدموا مجموعـة مـن الخـدمـات فـي القـرى الفقيرة الموجودة في مصر، وطلبوا منه المساعدة ، نظرة البنك لهؤلاء الشباب كانت جميلة جدًا ، حيث وجد لديهم روح النشاط والجدية ، فطلب منهم أن يعرضوا عليه طلباتهم وكيفية مساعدة البنك لهم ، فاقترح الشباب عليهم في البنك أن يساعدهم بشنط أطفال ، فقدم لهم البنك كمية كبيرة من الشنط ، ولكنه طلب منهم أن يضعوا اسم البنك على كل شنطة بلغة البلد الأجنبي …. ماذا أقصد من هذه القصة ؟
أقصد أن جديتك تأتي لك بثمر كثير، نحن لم نولد لأنفسنا، فكل إنسان فينا يجب أن يكون سراجاً ، وطوبى للأسرة التي يكون فيها الأب والأم سراجاً لأولادهم .
منذ حوالي عشر سنوات عندما كنت في زيارة لإحدى الدول الثلجية ، قمت بزيارة بيت من بيوت أبنائنا الأقباط في الخارج ،  فوجدت جميع أنوار البيت مضيئة ٣ طوابق كل الأنوار فيها مضيئة، فسألته : ” لماذا كل هذه الأنوار ؟”، قال لي : “إن والده علمه في الصعيد أن سيدنا عندما يأتي لزيارتهم لا بد من إنارة كل مصابيح المنزل” وهذا نـوع تصور أن هذا الشخص ترك بلده من حوالي ٣٠ سنة لكنه متذكر كل ما تعلمه من والده
أتذكر أن أتى لي أب كي يقدم تبرع ومعه ابنه الصغير، وكنت محرجاً فقلت له : ” من فضلك عندما تُحب أن تقدم شيئاً لربنا قدمه بمفردك “، فقال لي : ” لا لابد أن أحضر ابني معي “، فسألته : ” لماذا ؟”، قال لي : ” إن والده كان بيعمـل نفس العمـل وهـو اتعلم منه ، وبالتالي هو يريد أن ابنه يتعلم مثلما تعلم هو من والده “.
قد تتذكروا معي القدوة السيئة عندما جاء لأحد الأباء تليفون ، ورد ابنه على المكالمة ، وكان أحد الأشخاص يسأله عن والده ، فالأب قـال للولد : ” قـل لـه : بابـا مـش موجود “، وبكل براءة قال الطفل للشخص في التليفون : ” بابا بيقولك هو غير موجود ” كيف يكون هذا الأب قدوة ؟
هـل حياتـك سـراج فـي وسـط أسرتك ؟ وأنـت يـا مـن تـدرس فـي الجامعة أو فـي التعليم العام أو أي درجـة مـن درجات التعليم … هـل أنـت سـراج فـي حياتك ؟ هـل أنـت سراج في مكان عملك ؟
الجميع يخدم المجتمع بكل ما لديه من معرفة … هـل أنـت سـراج في المكان الذي توجد فيه ؟ هل أنت سراج في خدمتك ؟! لا تنس هل يؤتي بسراج ويوضع تحت المكيال أو تحت السرير؟ لا بل يوضع على المنارة ، ضروري أن يكون السراج منيرا ، ما فائدة السراج وهو غير مضيء ؟ لذلك كان هذا السؤال ونحن في بداية الصوم وفي وقت التوبة.
اسأل نفسك هل أنا نور وقدوة لمن حولي ؟ لذا حاول أن تبدأ في هذه الأيام الغالية ، أيـام الـصـوم يـا إخـوتـي يجـب أن تكون مختلفة تماماً عن الأيام العادية ، فهي أيـام معدودة ، ولذلك على قدر الإمكان لا بد أن يحاول الشخص أن يضبط حياته الروحية كي يستطيع أن يسترجع قوته الروحية ، ويتمكن من أن يشحن حياته بطاقة روحية جيدة.
يقول في نهاية الفصل الإنجيلي لهذا اليوم : إنسان كان يلقي البذار على الأرض ، وعندما وضع البذرة أنبتت نباتا ثم سنابل ، وامتلأت السنابل بالقمح ، ولاحظ الترتيب نبات صغير ثم سنابل والسنابل تمتلئ بالقمح ، يريد أن يقول لك هذا المثل أن البداية كانت نباتاً وهذا ما نسميه بداية التوبة ، وعندما سنبلت وصارت سنابل فهي تعبير عن الأعمال الصالحة ، وعندما اكتملت السنابل وامتلأت بالقمح فهي تعبير عن الإنسان الذي يستطيع أن يخدم الآخرين ويكون قدوة ونوراً لهم .

 يجب أن تلاحظ هذه العملية التدريجية في النمو، هذا الصوم صوم للتوبة ولا بد أن تضع أمامـك هـدفـاً هـو أن تكـون سـراجاً لأسرتك ولخدمتك ولكنيستك ولمكان عملك ومكان دراستك، اطلب من ربنا أن يجعل حياتك دائماً سراجاً ، كالذي يوضع علـى المنـارة ، وإن كـان هـذا السـراج فـي حاجـة إلى بعـض الإصلاحات أو التعديلات ، فالصوم فرصة أنك تراجع نفسك وتجدد حياتك مثلما تصلي كل يوم ونقول :”قلباً نقياً اخلق في يا الله وروحاً مستقيماً جدده في أحشائي “.[4]

 

 

 

المراجع

 

[1]– مجـلة مـرقس  –  ص 25- عـدد مـايـو 1986.

[2] – تفسير انجيل لوقا للقديس كيرلس الاسكندري – ترجمة الدكتور نصحي عبد الشهيد

[3] – تفسير انجيل لوقا الاصحاح الحادي عشر – القمص تادرس يعقوب ملطي

[4] – اختبرني يا الله – صفحة ٥١ – قداسة البابا تواضروس الثاني