يوم ٣٠ طوبة (تذكار شهادة العذاري هلبيسا وبستة وأغابي وصوفيا أمهم)

بناتنا كأعمدة الزوايا منحوتات حسب بناء هيكل ” (مز ١٤٤: ١٢)

أفرحى أيتها العروس الحقيقية التي صارت هيكلا للروح القدس منذ طفوليتها

لأنك صرت ابنة للأب السماوى وصرت أيضاً ابنة لمريم العذراء

ذكصولوجية الشهيدتين بربارة ويوليانة

” طوبى للنفس؛ طوبى للعذراء التي لا يوجد في قلبها موضع للحب سوى حب المسيح، لأنه في ذاته هو الحكمة والطهارة والصبر والعدل وكل فضيلة أخرى[1]

” لقد قيل في الكتاب المقدس أن الله أعطى المرأة معينة للرجل. في رأيي أنه من الواضح أنها تقدر أن تقوم بعلاج جميع متاعب زوجها في تدبير خدمتها، وذلك خلال سلوكها الحسن وقدرتها.

فإن لم يخضع (متأثرًا بسلوكها) فإنها تسعى ما في استطاعتها أن تسلك في حياة طاهرة… آخذة في اعتبارها أن الله هو معينها والمساعد لها في سلوكها هذا، وأنه هو المدافع الحقيقي عنها، ومخلصها في هذه الحياة والحياة الأخرى.

لتأخذ الله قائدًا لها ومرشدًا لها في كل أعمالها، حاسبة الوقار والبرّ عملها، ناظرة إلى إحسانات الله غايتها[2]

شواهد القراءات

(مز ٦٧: ٢٤، ٢٥) ، (مت ٢٦ : ٦ – ١٣) ، (مز ٨ : ٢ ، ٣) ، (يو ٤ : ١٥ – ٢٤) ، (أف ٥ : ٨ – ٢١) ، (١بط ٣ : ٥ – ١٤) ، (أع ٢١ : ٥ – ١٤) ، (مز ٤٤ : ١٦) ، (مت ٢٥ : ١ – ١٣)

ملاحظات على قراءات يوم ٣٠ طوبة

+ قراءة إنجيل عشيَّة اليوم (مت ٢٦: ٦ – ١٣) للحديث عن محبَّة المرأة للرب والتي شهدت لها به في عطاؤها الكبير في سكب الطيب إشارة إلي عطاء الشهيدات بسكب الحياة كلها من أجل محبتهن للرب

ونفس موضوع القراءة جاء أيضاً ولكن من إنجيل مرقس في قراءة إنجيل عشيَّة (مر ١٤: ٣ – ٩) في يوم ٢٦ توت (تذكار حبل إليصابات ) وفي قراءة إنجيل عشيَّة للأحد الأوَّل من شهر كيهك ( البشارة بحبل إليصابات ومجئ يوحنا المعمدان )

+ تشابه قراءة إنجيل باكر اليوم (يو ٤: ١٥ – ٢٤) مع قراءة إنجيل عشيّة ثاني يوم عيد الصليب (يو ٤: ١٩ – ٢٤)

ومجئ القراءة في عيد الصليب لأجل كلام الرب عن الخلاص من اليهود، ولكنه سيشمل كل الشعوب الساجدين بالروح والحق

ومجيئها اليوم (بإضافة أربعة آيات) لأجل حديث الرب مع السامرية ودعوته لها لكي تُحْضِر زوجها

+ قراءة الكاثوليكون اليوم (٣٠ طوبة من(١بط ٣ : ٥ – ١٤ ) تُشبه قراءة الكاثوليكون (١بط ٣ : ٨ – ١٥) ليومي ٢٧ برمودة ، ٢٠ أبيب ، وقراءة الأحد الأوَّل من مسري

قراءة اليوم تأتي من بداية الإصحاح لتُشير إلي مكانه المرأة ورسالتها في خلاص زوجها وأسرتها (هكذا كانت قديماً النساء القديسات ) أما القراءة في يوم ٢٧ برمودة (تذكار بقطر بن رومانوس ) هي نفس قراءة ٢٠ أبيب ( تذكار تادرس الإسفهسلار ) فالتركيز فيها علي الذين لم يخشيا أمر الإمبراطور وكانوا شهوداً للمسيح له المجد ( وأما خوفهم فلا تخافوه )

بينما مجيئها في الأحد الأوَّل من مسري فهو للإشارة إلى الكرمة الواحدة موضوع قراءات ذاك الأحد ” كونوا جميعاً برأي واحد، وكونوا مشتركين في الآلام ”

+ قراءة الإبركسيس اليوم (أع ٢١: ٥ – ١٤) تُشبه قراءة الإبركسيس (أع ٢١: ٨ – ١٤) للأحد الثالث من مسري

قراءة اليوم تتكلم عن إستعداد النساء وإشتياقهم لكلمة الله، وموهبة النبوَّة لبنات فيلبس المُبشِّر، أمَّا في الأحد الثالث من مسري فالإشارة إلي عائلة الله ( فيلبس وبناته ) موضوع قراءة ذاك الأحد

القراءات المُحوَّلة علي قراءة يوم ٣٠ طوبة

٥ توت                      شهادة أجيا صوفيا

عاشر توت                  شهادة القديسة مطرونة

٢٠ توت                       نياحة القديسة ثاؤبستي

٢٩ توت                       شهادة أربسيما العذراء ومن معها

أول بابة                       شهادة القديسة أنسطاسية

٦ بابة                         نياحة حنة النبية أم صموئيل النبي

١٠ هاتور                     شهادة الراهبات الخمسين وأمهم

٢٦ كيهك                    شهادة القديسة أنسطاسية

٢٤ طوبة                     نياحة القديسة مريم الحبيسة الناسكة

تاسع وعشرين طوبة          نياحة القديسة اكساني الرومية

١٥ برمهات                      نياحة القديسة سارة الراهبة

٢٦ برمهات               نياحة القديسة براكسيا العذراء

٦ برمودة                 نياحة القديسة مريم المصرية

٨ برمودة                شهادة القديسات أغابي وايريني وسيونيه

١١ برمودة                 نياحة القديسة ثاؤذورا

٢٥ برمودة               شهادة القديسة سارة وولديها

أول أبيب                 شهادة القديسة افرونية الناسكة

١٧ أبيب                 شهادة القديسة أوفيمية

٢٨ أبيب                 نياحة القديسة مريم المجدلية

٢ مسري                نياحة القديسة بائيسة

٦ مسري                نياحة القديسة يوليطة

١٥ مسري              تذكار نياحة القديسة مارينا

٢١ مسري              تذكار والدة الإله نياحة القديسة ايريني

شرح القراءات

اليوم هو تذكار شهادة العذاري هلبيسا وبستة وأغابي وصوفيا أمهم ومُحوّل على هذا اليوم تذكارات ثلاثة وعشرون عذاري وقديسات

جوهر قراءات هذا اليوم هو قداسة المرأة وحكمتها ومحبتها للرب وكمال بتولية القلب للمرأة سواء لعذاري الجسد أو عذاري الروح

تبدأ المزامير بمكانة المرأة في الكنيسة (مزمور عشية) ورسالتها ( مزمور باكر ) ومكافأتها ( مزمور القداس )

يتكلّم مزمور عشيّة عن المرأة قلب الكنيسة مثل ما يتكلّم المزمور هنا عن الصبايا في الوسط وحياتهم الكنسية وتسبيحهم الدائم

(تُبادر الرؤساء إلي كل المرتلين في وسط صبايا ضاربات بالدفوف في الكنائس باركوا الله والرب من ينابيع إسرائيل )

وفِي مزمور باكر عن رسالة المرأة كأُم ومعمل القديسين الذي يظهر في أطفالها وأولادها

( من أفواه الأطفال والرضعان هيأت سبحاً لأني أري السموات أعمال يديك القمر والنجوم أنت أسستها )

وفِي مزمور القداس عن كرامتها مكافأتها في تواجدها الدائم في حضرة الملك وهو نفس المزمور لقداس تذكار والدة الإله في أوَّل بشنس

(يُدخلن إلي الملك عذاري في أثرها جميع أقربائها إليه يقدَّمن يبلغن بفرح وإبتهاج يدخلن إلي هيكل الملك)

 

وفِي القراءات حكمة المرأة ويقظتها (البولس ) وزينة خضوعها ( الكاثوليكون ) وتقواها ومواهب الروح لها ( الإبركسيس )

 

يبدأ البولس بالكلام عن الحكمة والإستنارة والشكر وكمال عمل الروح الذي يناسب قداسة المرأة كما أن أولادها هم أولاد نور وبر وحق

( سيرواً إذاً كأولاد النور لأن ثمر النور هو في كل صلاح وبرّ وحق … فأنظروا الآن يا اخوتي نظراً شافياً بالتدقيق كيف تسيرون لا كجهلاء بل كحكماء … بل كونوا كاملين بالروح … مُسبّحين ومرتلين للرب في قلوبكم شاكرين كل حين علي كل شئ … خاضعين بعضكم لبعض في خوف المسيح )

وفِي الكاثوليكون نري زينة الخضوع الواعي للمرأة وفطنة الرجال في تعاملهم مع زوجاتهم وإدراكهم لضعف طبيعتهن وأهميّة الرأي الواحد في الأسرة

( لأنه هكذا كانت قديما النساء القديسات أيضاً المتوكلات علي الله يزين أنفسهن خاضعات لرجالهن كما كانت سارة تُطيع إبراهيم وتدعوه سيّدي التي صرتُنَّ لها أولاداً صانعات الخير وغير خائفات خوفاً من أحد البتة كذلك أنتم أيضاً أيها الرجال كونوا ساكنين معهن عالمين أن النساء آنية ضعيفة معطين اياهن كرامة كالوارثات أيضاً نعمة الحياة بأي نوع لكي لا تُعاق صلواتكم والنهاية كونوا جميعاً برأي واحد )

وفِي الإبركسيس تقوي المرأة مع أولادها في الصلاة ومواهب المرأة في الكنيسة حتي أعلي المواهب مثل بنات فيلبس المبشِّر وموهبة النبوة التي كانت أعظم من التكلّم بالألسنة (١كو ١٤: ٥)

(ولكن حدث لما إستكملنا الأيام خرجنا ومشينا وهم يشيَّعوننا مع نساء أيضاً وأولادهم إلي خارج المدينة فجثونا علي ركبنا علي الشاطئ وصلَّينا … فدخلنا بيت فيلبس المبشِّر إذ كان واحداً من السبعة وأقمنا عنده وكان لهذا أربع بنات عذاري كن يتنبأن )

 

وفِي الأناجيل نري نموذج الحب الفائق للمرأة (إنجيل عشيّة ) ونموذج التوبة للخطاة ( إنجيل باكر ) ونموذج الحكمة والسهر والإستعداد ( إنجيل القداس )

 

في إنجيل عشيّة نري المرأة ساكبة الطيب علي رأس الرب والذي قبله الرب قبل صليبه بأيّام لأجل تكفينه وهي غير المرأة الخاطئة في المدينة التي دهنت قدميه بالطيب ومسحتهما بشعر رأسها (لو ٧: ٣٦ – ٥٠) والتي فعلت هذا لأجل توبتها أما هنا فالطيب الذي سكبته مريم كان لأجل حبها وتكريمها للسيد فسكبت قارورة طيب كاملة من أغلي أنواع الطيب ( ناردين خالص كثير الثمن – أجرة عامل لمدة سنة بالمقارنة بإنجيل متي ٢٠

( وفيما كان يسوع في بيت عنيا في بيت سمعان الأبرص جاءت إليه إمرأة معها قارورة طيب كثير الثمن فسكبته علي رأسه وهو متكئ … لأن هذه قد سكبت هذا الطيب علي جسدي لتكفيني الحق أقول لكم حيثما يكرز بهذا الإنجيل في كل العالم يُخبر أيضاً بما فعلته هذه المرأة تذكاراً لها )

وفِي إنجيل باكر نري المرأة السامرية في عطشها للخلاص وإنتظارها للمُخلِّص ولقاؤها مع الرب

( قال لها يسوع حسنا قلتي ليس لي زوج لأنه كان لك خمسة أزواج والذي معك الآن ليس هو زوجك هذا قلت بالصدق قالت له المرأة يا سيّدي أري أنك نبي … ولكن ستأتي ساعة وهي الآن حين الساجدون الحقيقيون يسجدون للآب بالروح والحق لأن الآب أيضاً يطلب مثل هؤلاء الذين يسجدون له )

وفِي إنجيل القداس نري الحكمة والسهر والتوبة الدائمة فتصير المصابيح مزيّنة ومنيرة والتكاسل والجهل والإستهانة يجعل المصابيح تنطفئ وتنتهي فرص التوبة والخلاص

( حينئذ يُشبه ملكوت السموات عشر عذاري أخذن مصابيحهنَّ وخرجن للقاء العريس وكان خمس منهن جاهلات وخمس حكيمات أما الجاهلات فأخذن مصابيحهنَّ ولم يأخذن معهن زيتاً وأما الحكيمات فأخذن زيتاً في آنيتهن مع مصابيحهنَّ … جاء العريس والمستعدات دخلن معه إلي العرس وأُغلِقَ الباب وأخيراً جاءت بقية العذاري أيضاً قائلات يا ربَّنا يا ربَّنا أفتح لنا فأجاب وقال الحق أقول لكنَّ إني لا أعرفكنَّ فإسهروا إذاً لأنكم لا تعرفون اليوم ولا الساعة )

وما أجمل ما قيل في تعاليم الآباء الرسل الإثني عشر ( الديداخي ) :

” إسهروا لحياتكم. لا تدعوا مصابيحكم تنطفئ، ولا أحقاءكم غير ممنطقة. بل كونوا مستعدين لأنكم لا تعلمون متي يأتي ربنا ، إجتمعوا دائماً ، وفتشوا عن الأمور النافعة لأرواحكم ، فزمان إيمانكم لا ينفعكم إلَّا إن وجد كاملاً في الوقت الأخير ” ( كتاب المسيحية في عصر الرسل صفحة ٢٩٨ – المتنيح الأنبا يؤانس أسقف الغربية )

ملخّص القراءات

المرأة مكانتها في الكنيسة في نقاوة العبادة وفِي بيتها معمل القديسين ولا تفارق حضرة الملك

مزمور عشيّة وباكر والقدّاس

وتتزين بحكمتها وسهرها وخضوعها ومواهب الروح لها                البولس والكاثوليكون والإبركسيس

ودائماً تُعطي أعظم نموذج للحب                                             إنجيل عشيّة

والتوبة والتغيير                                                                      إنجيل باكر

والسهر والإستعداد                                                                   إنجيل القدَّاس

أفكار مقترحة للعظات

(١) المرأة

١- تسبيح المرأة

” في وسط صبايا ضاربات بالدفوف في الكنائس باركوا الله ”             مزمور عشيّة

٢- غني الحب

” جاءت إليه إمرأة معها قارورة طيب كثيرة الثمن فسكبته علي رأسه وهو متكئ ” إنجيل عشيّة

٣- شجاعة وإستنارة التوبة

” قالت له المرأة يا سيدي أري أنك نبي ”                                       إنجيل باكر

٤- زينة الخضوع

” لأنه هكذا كانت قديماً النساء القديسات أيضاً المتوكلات علي الله يزين أنفسهن خاضعات لرجالهن ”                                                                                  الكاثوليكون

٥- مجد الموهبة

” وكان لهذا أربع عذاري بنات كنَّ يتنبأن ”

٦- حكمة السهر والإستعداد

” وأما الحكيمات فأخذن زيتاً في آنيتهن مع مصابيحهنَّ ”              إنجيل القدَّاس

(٢) إرادة الرب

١- طيب الحب للرب قبل الفقير

” قد عملت بي عملاً حسناً لأن الفقراء معكم في كل حين وأما أنا فلست معكم في كل حين ” إنجيل عشيّة

إرادة الرب هي سكب طيب الحب له قبل تقديمها للفقير لكي تنبع خدمة الفقير من محبة الله وليست من نشاط نفسي وعاطفي

٢- السجود بالروح والحق

” لأن الآب أيضاً يطلب مثل هؤلاء الذين يسجدون له ”                  إنجيل باكر

٣- إرادة الرب سلوكنا في النور

” سيروا إذاً كأولاد النور … مختبرين ما هو مرضي عند الرب … من أجل هذا لا تكونوا أغبياء بل افهموا ما هي إرادة الرب ”                                                          البولس

٤- إرادة الرب رفض الشرّ وسلوك الشرّ

” لأن عيني الرب تنظران الأبرار وأذنيه تنصتان إلي طلبهم وأما وجه الرب ضد فاعلي الشر ” الكاثوليكون

٥- إرادة الرب قبول كل شئ من يده حتي الموت

” ولما لم يقنع سكتنا قائلين لتكن إرادة الرب ”                           الإبركسيس

٦- السهر والإستعداد الدائم

” وقال الحق أقول لكن اني لا أعرفكنَّ فإسهروا إذاً لأنكم لا تعرفون اليوم ولا الساعة ” إنجيل القدَّاس

(٣) ثلاثية إيجابية ومُفْرِحة وثلاثية سلبية ومُحْزِنة

١- ثلاثية إيجابية

+ “وأما الحكيمات فأخذن زيتاً في آنيتهن ” – وزيَّن مصابيحهنَّ ” – ” والمستعدات دخلن معه إلي العرس ”

٢- ثلاثية سلبية

+ ” فإن مصابيحنا تنطفئ ” – ” وأغلق الباب ” – ” إني لا أعرفكنَّ ”

(٤) خرجن للقاء العريس

ما أجمل هذا التعبير الذي يُعبِّر عن طبيعة لقاء الله مع أولاده

+ فهو ليس لقاء دينونة

” إذا لا شيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع، السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح.” (رو ٨: ١)

+ وليس لقاء خوف كما مع الأشرار والمستهترين والمستبيحين

” مخيف هو الوقوع في يدي الله الحي! (عب ١٠: ٣١)

+ وليس لقاء عداوة

” فيقولون لله: ابعد عنا، وبمعرفة طرقك لا نسر.” (أي ٢١: ١٤)

” فحينئذ أصرح لهم: إني لم أعرفكم قط! اذهبوا عني يا فاعلي الإثم!” (مت ٧: ٢٣)

+ بل هو لقاء حب ومسرَّة الله الآب بأولاده

” لا تخف، أيها القطيع الصغير، لأن أباكم قد سر أن يعطيكم الملكوت.” (لو ١٢: ٣٢)

+ ولقاء إشتياق أولاد الله بوجودهم الدائم مع المسيح في الملكوت

” لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح، ذاك أفضل جدا.” (في ١: ٢٣)

+ ولقاء مُكافأة

“نعما أيها العبد الصالح والأمين! كنت أمينا في القليل فأقيمك على الكثير. ادخل إلى فرح سيدك.” (مت ٢٥: ٢١)

ولكن من هم الذين سيتمتَّعون بلقاء العريس؟

هم أصدقاؤه العاملون إرادته (يو ١٥: ١٤) ، وأصدقاؤه المُنْكِرون ذواتهم لأجل مجده (يو ٣ : ٣٠) ، وأصدقاؤه الذين شهدوا له في آلامهم وضيقاتهم (لو ١٢ : ٤ – ١٠)

والخروج للقاء العريس هو خروج يومي في العبادة متي كانت عن حب وإشتياق (في ٤: ٤ – ٧) ، وفي الحياة اليومية متي صارت دستور حياتنا في أن نكون رسالة فرح لكل إنسان (٢كو ٢ : ٣)

عظات آبائية

القديس أثناسيوس الرسولي: رسالة إلى العذارى

لا يليق بأي أحدٍ، ولا سيما العذارى المتحدات باللوغوس، أن يخفن بسبب اللاتي سقطن، أو أن يصرن أكثر في تراخٍ، بل أن يقمعن الجسد بزيادةٍ ويستعبدنه حسنًا، لكي يسلِّمنه للعريس مقدَّسًا ومُزَيَّنًا، شاهداتٍ له بأفكار (نِيَّات) النفس، لكي – كما هو مكتوب – يعرف الربُّ هؤلاء أنَّهن مقدَّسات في جسدهن وروحهن. لأنَّ يهوذا عندما خان، لم ينتبه إليه التلاميذُ، بل كانوا يحرسون أنفسهم ومقيمين عند الرب. كذلك عندما غرق هيمينايُس والإسكندر، كان الآخرون يبحرون جيدًا. مع بولس في خط ملاحة الحقيقة (١تي ١٩:١-٢٠). هكذا أنْتُنَّ أيضًا: إذا توانت أُخريات، صِرْنَ أنْتُنَّ متقدِّماتٍ، متمسِّكاتٍ بهدفكن الخاص بالبتولية، ناظراتٍ إلى جنب الراحة في النور الحقيقي، الذي هو المسيح.

الأسفار المقدَّسة كافيةٌ لنا، وهي تعلِّمنا أنَّها لنا هدفٌ كاملٌ و(تعلِّمنا) أنماط السلوك الخاص بالسموات، كذلك سيرة مريم أيضًا، والدة الإله. وبالمثل لَكُنَّ نصيبٌ عظيمٌ في هذا أيضًا، لأنَّ لديكن سمات مسلكها، وأشباهها قريبات منكن، أي اللاتي تقدمن في العمر عندكن وهُنَّ في البتولية، صائرات نافعات بلطفهن. لأنَّه من الممكن لَكُنَّ أيضًا، كما قال بولس، أن تنظرن إلى كمال جهاد هؤلاء وتتمثَّلن بمسلكهن وهُنَّ ينفذنه في البتولية.

كنت أريد أن أتكفَّل بالحديث، رافعًا صوتي، لكي أقدر أن أكتب باقتدارٍ عن البتولية كلَّ الكلام الذي ينبغي أن يقال عنها. ونظرًا لأنني أريد، لكن ليس في قدرتي أن أُعَبِّرَ عن سموها، فمن الضروري لي أن أتحدَّث إليكن أنتن أيضًا عن هذه الأمور حسبما سمعنا من أبينا (البابا) ألكسندروس، إنْ كنتُ سأقدر أن أتذكَّر. لأنَّ ذاك، عندما حضرت إليه عذارى مثلكن، وسألنه أن يسمعن منه كلمةً، وكان يراهن فائراتٍ (حارَّاتٍ) بالروح، وأبصر نعمة قلبهن المستعد، قَبِلَهُنَّ إليه. وكانت الأناجيل بين يديه، لأنه كان محبًّا للقراءة منذ عهدٍ بعيد. بعد ذلك، تكلَّم في الحال عن عريسهن، الذي هو عريسكن أنتن أيضًا، وأحضرهن إلى محبة اللوغوس وحماسة البتولية. لأنَّه أوصاهن أن يقتربن إليه، قائلاً لهُنَّ: “لو كان عريسكن بَشَرًا، لكان في مقدوركن أن تسألن عنه آباءكن أو أقاربكن أيُّ نوعٍ هو، ولارْتَبْتُنَّ بشأنه؛ لأنَّ حياة البشر مختلفةٌ. ونظرًا لأنكن تبحثن عن المجد الذي يسمو على البشر، راغباتٍ في أن ترتبطن بالمسيح، فمن اللازم عليكن أن تعرفنه، ليس عن طريق مجرَّد شخصٍ ما، بل بوساطة الذين تكلَّموا عن الله، كما تفعل الأسفارُ المقدَّسة. والآن، عريسكن هو الله وابن الله الوحيد، وهو كلمة (لوغوس) الآب وحكمته وقوته؛ لأنَّه هو وأباه واحدٌ. وهو صورة الآب ومماثلٌ له من كلِّ وجه، وهو الكائن حسب جوهر الآب. وليس هو كائنًا في زمنٍ بعينه، بل هو موجودٌ مع الآب ولا بداية له، مثل شعاع النور. وبهذا اللوغوس تثبَّتت السموات، وبهذه الحكمة أُرْسِيَتْ قواعدُ الأرض. لأنَّ الكلَّ صار به، وبدونه لم يصر شيءٌ. وتدبير الكلِّ كائنٌ فيه، وكلُّ شيءٍ صار بوساطته، والكلُّ قائمٌ فيه. هذا هو ديَّان الأحياء والأموات. هذا هو الذي ظهر لموسى وأعطاه الناموس من الآب. هذا هو الداخل لنفوس القدِّيسين في كلِّ جيل، ويُعِدُّهُم ليكونوا أخِلاء لله وأنبياء له. وعندما كان يحلُّ في الأنبياء، كان يسبق فيدلُّ على نفسه بوساطتهم. وهذا هو مُحِبُّ البشر الصالح. وفي آخر الأزمان، ولكي يبطل الخطية، صار (أتى) من العذراء مريم، مُتَّخِذًا منها جسدًا، وصار إنسانًا. لذلك، فقد قيل عنه إنَّه خُلِقَ (أي أن جسده مخلوق وليس أزليًّا)، على الرغم من أنَّه هو الخالق. ولكنَّه اتَّخذ الجسد الذي تبرَّر، لكي يسلم ذلك الجسد للموت، لكي يعتق كلَّ الذين كانوا يعيشون كلَّ زمان حياتهم في خوفٍ من الموت، خاضعين للعبودية. لكن لا تخفن البتة، إذا سمعتن أنَّه صار إنسانًا. لأنه على الرغم من أنه صار إنسانًا، إلا إنه لم يَنْقُصْ شيئًا في هذا، بل هو الله. وفي الجسد علَّمنا ما يخصُّ الجسد، أي أنه جاع، وعطش، ونام، وتعب، وتألَّم، وبكى، ومات. أمَّا في لاهوته فقد أظهر ذاته، مقيمًا لعازر من الأموات، وكان يومه الرابع وقد أنْتَنَ، ومُصَيِّرًا الماء خمرًا، وجاعلاً المولود من بطن أمه أعمى يبصر، ومطهرًا البرص، وعالمًا بأفكار الإنسان، ومنتهرًا البحر وماشيًا عليه. لأنَّ مثل هذه الأمور لا تُظْهِرُه من الآن فصاعدًا أنَّه إنسانٌ، لكنها تخبرنا عنه أنَّه هو الله. لأنَّه وهو يصنع مثل هذه الأشياء، كان يعرِّفنا أنَّ ما يلبسه هو جسدٌ بشريٌّ. هكذا وهو يصنع هذه القوات أيضًا كان يُظْهِر ذاته أنَّه هو الله وابن الله. هذا هو الذي أردتن أن تجعلنه لَكُنَّ عريسًا. هذا هو أخوكن، وهذا هو عريسكن، وهذا هو قريبكن. يا بنات أورشليم، لن تُدْعَيْنَ فيما بعد باسم آبائكن، بل من أجل إنكن قد ارتبطن به ستُدْعَيْنَ من الجميع ‘بنات أورشليم’. وإنْ كان من المستحيل أن يتَّحد الإنسانُ بالله، إلا إنَّه هو الذي جعل هذا ممكنًا أن يحدث، بأن صار هو إنسانًا. لأنه هو أخوكن، كما هو مكتوب، وكما سبق وقلتُ. هو أبيض وأحمر (نش ١٠:٥). هو أبيض بما إنَّه هو اللوغوس وهو النور الحقيقي الكائن في كلِّ شخصٍ. لكنه أيضًا أحمر بسبب الجسد الذي لبسه من أجلنا. لكن من الواضح بعشرة آلاف (دليل) أنه كان موجودًا، وأنَّ ميلاده لا يشبه ميلاد كلِّ البشر. لأنه أخذ جسدًا من عذراء لا غير، صائرًا إنسانًا، لكي تصرن أنتن أيضًا بهذه الطريقة معه، أمَّا هو فيصير لَكُنَّ أخًا وعريسًا. والآن، إذًا، هذا هو الذي أنْتُنَّ به ملتصقاتٌ، وعنده ماكثاتٌ، ومعه ساهراتٌ، وله متفرِّغاتٌ، وهو يكفيكن في كلِّ أمرٍ. فلا تتَّكلن على سواه، لأنَّه يتكفَّل بسماعكن حين تصلين، ويشفيكن حين تمرضن، وكذلك ينقذكن ممن يتآمرون عليكن، ويخلِّصكن حين تَكُنَّ في خطرٍ. لأنَّه هو الذي أعان بطرسَ حين كاد يغرق في لُجَّة البحر (لو ٣١:٢٢-٣٢)، وهو الذي ردَّ الشيطانَ وهو يريد أن يتآمر على التلاميذَ (يو ٢٥:٢، ١٦:٣٠). فإذًا، وأنْتُنَّ تملكنه في أفئدتكن، لن تعثرن في أفكار قلوبكن. لأنَّ نورًا حاضرًا عندكن بشأن وصاياه وأنْتُنَّ تنفِّذنها وسوف ترثن تطويبًا في ملكوت السموات. لكن انظرن، يا بناتي، ولا تدعن أحدًا، وهو يكذب، يشتكي على عريسكن في محضركن، حاسدًا ارتباطكن النبيل والمقدَّس والفكرَ الذي لَكُنَّ نحوه، راغبًا أن يفصلكن عن محبته. لكن إذا اشتكى عليكن (أحدٌ) وافترى، فلا تجزعن البتة؛ لأنَّه هو يعلم كلَّ شيءٍ قبل أن يحدث، ولا يحتاج أن يعلمه أحدٌ عن البشر، لأنَّه هو يعرف ما في قلوبهم. أمَّا أنْتُنَّ فاحترزن من الذين يأتون إليكن، لئلا يقوم أحدٌ، وهو راغبٌ في إفساد قلبكن، بالشكاية على عريسكن، ويكذب قائلاً: ‘كلمة الله مخلوقٌ، وقد كان مما لم يكن، وقبل أن يولد لم يكن موجودًا’، كذلك: ‘هو أيضًا صار (موجودًا) بمشيئة الله، حيث أنَّه واحدٌ مثل الباقين’، وأيضًا: ‘المسيح ليس إلهًا حقيقيًّا، بل هو أيضًا قد شارك (في اللاهوت)، مثله مثل (الأشياء) التي صارت موجودة، ودُعِي إلهًا’، وأيضًا: ‘ليس هو الكلمة (اللوغوس) الذي كان عند الآب، بل هو آخر، لكن هذا يُدْعَى كلمةً (لوغوسًا) بسبب المتكلِّمين (الوعَّاظ)’، وأيضًا: ‘هو غريبٌ عن جوهر الآب، وهو واحدٌ من المخلوقات.’ فانظرن، يا بناتي، لأنَّ هذه ليست كلمات الحقيقة، بل هي كلمات المضلِّلين، ويكذبون على الشريف أنَّه مخلوقٌ، جاعلين إيَّاه غريبًا عن جوهر الآب، لكي لا يضلونكن، أنْتُنَّ عرائسه. لذلك، إذا هزؤوا، ذكروا أعمال الناسوت، قائلين: ‘لقد مات’، و: ‘لقد سأل عن شيءٍ ولم يكن يعلمه’، و:‘كان مضطربًا من الموت، وكان يجزع. فكيف يكون هو الله وهو يفعل مثل هذه الأشياء؟’ أطلب إليكن: كُنَّ متيقظاتٍ. مثل هذه الضعفات لا تخصُّ اللاهوت، بل هي مختصَّةٌ بالجسد الذي لبسه. لأنَّه لو كان امتنع عنها (عن عملها)، لَمَا آمنوا بشأنه أنَّ ما يلبسه هو جسدٌ. كذلك لو كان لم يعمل الأُخرى (المعجزات)، لما آمنوا به أنَّه هو الله في جسدٍ. لكن هذه فعلها وتلك الأُخرى لم يمتنع عنها، لكي يؤمنوا بالأَمْرَيْن: أنَّ اللوغوس صار جسدًا، وأنه هو الله في جسدٍ. ومن ثَمَّ، إذا اشتكوا الآن على العريس بسبب أعمال الناسوت الخاصة بالجسد الذي كان يلبسه، فلماذا لا يتعجَّبون من أعمال لاهوته؟ لكن هذه الأفعال تنتمي للإنسان المُضِلِّ، نازعين الحقَّ خلسةً، وساردين الكلام الذي يحلو لهم، لكي يُضِلُّوا البسطاءَ. لأنَّهم يتكلَّمون عن أعمال ناسوت الربِّ، حاسدين فضيلة البتولية، غير عالمين المحبة التي في الله نحو البشر. فلو لم يصر اللوغوسُ جسدًا، كيف كنتن ستتَّحدن به وتلتصقن به الآن؟ لكن لمَّا لبس الربُّ جسد الناسوت، صار الجسدُ مستودَعًا للوغوس. من أجل ذلك، قد صرتن الآن عذارى وعرائس للمسيح [3].”

القديس مقاريوس الكبير

مثل العذراي للقديس مقاريوس الكبير

انظر، وفكر في الخمس عذراي الحكيمات اللواتي كن ساهرات مستيقظات وقد أخذن في أوعيه قلوبهن ذلك الذي لم لم يكن جزءاً من طبيعتهن الخاصه- وهو الزيت، الذي يعني نعمه الروح من فوق . اولئك تمكن من الدخول مع العريس الي العرس السماوي . ولكن الاخر الخمس الجاهلات اللواتي اكتفين بطبيعتهن الخاصه فلم يتيقظن ولم يشتغلن بنوال ” زيت البهجه ” في انيتهن اثناء وجودهن في الجسد، بل غرقن كما في نوم الاهمال والتغافل والكسل والجهل، أو لإدعائهن البر ، ولذلك اغلق امامهن عرس الملكوت اذ لم يتمكن من ارضاء العريس السماوي . فاذ قد ربطن برباط العالم وبمحبه أرضيه، لم يوجهن كل حبهن ولم يوجهن ولم يقدمن عواطفهن الحاره للعريس السماوي، فلم يزودن بالزيت . فالنفوس التي تطلب تقديس الروح الذي هو من خارج طبيعتها، تعلق حبها بالرب وتسير فيه ، وفي الرب تصلي ، وبه تنشغل افكارها ، تاركين كل ما هو سواه ، ولهذا السبب يحسبون اهلاً لنوال زيت النعمه السماويه ، وينجحون في عبور هذه الحياه بلا سقوط مقدمين ارضاء واشباعاً كاملاً للعريس السماوي ، وينجحون في عبور هذه الحياه بلا سقوط مقدمين ارضاء واشباعاً كاملاً للعريس السماوي ، واما النفوس التي يكتفي بما لطبيعتها الخاصه فقط فانها تهبط بفكرها علي الأرض ، وتنشغل افكارها علي الارض ، ويكون عقلها كله في الارض . وهي تظن في ذاتها انها تختص بالعريس وتتزين بفرائض الجسد، ولكنها غير مولوده من الروح القدس من فوق ولم تنل زيت البهجه.

فحواس النفس الخمس العاقله، ان هي حصلت من فوق علي النعمه وتقديس الروح كانت حقاً عذراي حكيمات حاصلات علي حكمه النعمه من فوق .  ولكن ان بقين في راحه مكتفيات بطبيعتهن فانهن يكن جاهلات وينكشف انهن من أبناء العالم . ولم يكن قد خلعن روح العالم، رغم انه في ظنهن انهن عرائس بسبب بعض المظاهر الخاصه والشكل الخارجي . فكما ان النفوس التي تلتصق بكليتها بالرب . تكون فيه بفكرها ، تصلي فيه وتسير فيه وتشتاق لمحبه الرب ،هكذا من الجهه الاخري ، تلك النفوس المقيده والم بوطه بحب العالم ، تريد ان تصرف وجودها علي الارض وتسعي علي الأرض وتفكر فيها و هناك يسكن ويوجد عقلها . ولهذا السبب فانهم لا يقدرون ان يتحولوا الي حكمه الروح الصالحة التي هي غريبه عن طبيعتهن – اعني النعمه السماويه – التي يلزم ان تلتحم بطبيعتنا وتمتزج بها ، لكي نستطيع الدخول مع الرب الي عرس الملكوت السماوي ولننال الخلاص الابدي .

لانه بمعصية الانسان الاول دخل فينا شيء غريب عن طبيعتنا ، الذي هو كارثه الفساد والأهواء وقد اتخذ هذا الفساد مكانه كأنه جزء من طبيعتنا بطول العاده والميل ، وهذا الشيء الغريب يحب ان يطرد ثانيه بواسطه ذلك الضيف الآخر ،ضيف طبيعتنا ، اي موهبه الروح القدس السماويه ، لكيما نستعيد النقاوه الأصليه ، وان لم نحصل الان علي محبه الروح من السماء بالتضرع الكثير ، والتوسل ، والايمان والصلاه ، والتحول عن العالم ، وان لم تلتصق طبيعتنا – التي كانت قد تلوثت بالشر – ان لم تلتصق بالمحبه ، التي هي الرب ، وتتقدس بمحبه الروح   وان لم نثبت الي النهايه  غير عاثرين ، سالكين بجد وتدقيق في كل وصاياه ، فلا يمكننا الحصول علي الملكوت السماوي  [4] .

القديس يوحنا ذهبي الفم

مفهوم المَثَلْ في فكر القديس يوحنا ذهبي الفم

إذًا لنسعى نحو هذا الجمال، ولنتزين بهذه الزينة، لكي نذهب إلي السموات إلي موضع عرس الروحيين، إلي مكان العرس غير الدنس.

لأن الجمال الخارجي، يكتسبه الجميع. وعندما يُحتفظ بالجمال الداخلي جيدًا فإنه لا يؤثر فيه المرض، ولا القلق الأمر الذي من المستحيل أن يحدث للجمال الخارجي لأنه لن يستمر عشرين عامّا، بينما ذلك الجمال يزهر دوما، ويزدهر باستمرار، وليس هناك خوفًا من التغيير فلا الشيخوخة بقدومها تستطيع أن تظهر فيها غَضَ ولا المرض يجعله يذبل، ولا الحزن يُفسده، بل هو أسمي من كل هذا.

بينما الجمال الجسدي يختفي بعد حين، وعندما يوجد لا يكون له مُعجبين كثيرين. لأن العقلاء لا يعجبوا به، والذين يُعجبون به يكون أعجابهم بدافع الفسق.

إذا ينبغي ألا نسعى في أثر هذا الجمال الجسدي، بل نسعى في أثر جمال النفس، ولنتمسك به، لكي نذهب إلي العرس بمصابيح مضاءة.

كذلك فإن الرب لم يعد (بالدخول إلى عرسه السمائي) للعذارى فقط، بل للنفوس النقية، لأنه إن كان العرس السمائي هو للعذارى فقط، ما كان له أن يدعو العذارى الخمسة.

إذًا هذا العرس السماوي هو لكل من يحمل نفسًا نقية، ولكل المتحررين بصفة عامة من الإهتمامات الأرضية، لأنها تُفسد النفوس.

إذَا إن ظللنا أنقياء، سنذهب إلى هناك، وسنصبح مقبولين (أمام الله).

يقول الرسول بولس “خطبتكم لرجل واحد لأقدم عذراء عفيفة للمسيح”. وهذا لم يقله للعذارى، بل قاله لكل ملء الكنيسة.

كذلك فإن نفس المرأة إِذًا ما كانت نقية، فهي عذراء، حتى وإن كان لها زوجّا، فهي عذراء ومستحقة للإعجاب، لأنها تحمل العذراوية الحقيقية، لأن العذراوية هي التابع والظل للنفس النقية، والنفس النقية هي العذراوية الحقيقية فلنزيد من هذه النقاوة، هكذا سنستطيع أن نري العريس (السماوي) بوجهه المفرح، ونأتي إلي محفل العريس بمصابيح، فإننا نكتسب هذا الزيت، الذي يجعل المصابيح منيرة ومُبهجة، وهذا الزيت هو محبة الناس، فإن أعطينا جزء من ممتلكاتنا للآخرين، إن جعلناها رحمة، عندئذ فإن الله سيقبلنا، ولن نقول في ذلك الزمن الآتي “اعطنا زيتًا فإن مصابيحنا تنطفئ”. ولن نترجى الآخرين، ولن نُعزل أو نُستبعد مع الذين ذهبوا إلي باعة الزيت، ولن نسمع ذلك الصوت المخيف والمرعب “لا أعرفكم”، ونحن نطرق الباب بل سيعترف بنا، وسندخل مع العريس، وبعدما ندخل إلي المحفل الروحي، سنتمتع بخيرات لا حصر لها.

لأنه إن كان مكان العرس هنا (في الحياة الحاضرة) مشرقًا إلي هذا الحد، وإن كانت غرفة العرس مشرقة وبهية إلي هذا الحد الذي معه لا يشبع المرء حين ينظر إليها، فكم بالأكثر يكون الحال هناك في الحياة الأبدية)؟

غرفة العرس، هي السماء، وأكثر جمالاً من السماء بكثير، هو مكان العرس، ونحن سندخل إلي هذا العرس السمائي. فإن كان مكان العرس جميلا إلي هذا الحد، فكم يكون العريس يا تري؟

وماذا أقول، بعدما تنزعّن عنكن الحلي الذهبية، لكي تعطونها لأولئك الذين يحتاجون لها؟ لأنه إن احتاج الأمر أن تصيروا عبيدًا بعد أن كنتم أحرارًا لكي تستطيعوا أن تكونوا مع ذلك العريس، وأن تتمتعوا بجماله، أن تنظروا فقط إلي وجهه، ألا ينبغي أن تقبلوا كل شيء برضي؟ إننا إذا رغبنا أن ننظر الملك الأرضي فكثيرًا ما نُلقي كل ما في أيدينا (من ذهب)، بالرغم من أنها ضرورية، أما من أجل الملك والعريس، حيث يوجد الأثنان (في شخص المسيح) في السماء، فإننا ليس فقط سنكون مستحقين أن نراه، بل أن نسير أمامه بمصابيح، ونكون إلي جواره، فهل بعد كل هذا يصح أن نتقاعس عن عمل أي شيء ينبغي علينا عمله؟ وهل هناك شيئًا لا ينبغي عمله أو احتماله؟

من أجل هذاء لنشتهي تلك الخيرات السمائية، لنشتهي ذاك العريس (السماوي)، لنكن عذارى من حيث مفهوم العذراوية الحقيقية، لأن الرب يطلب عذراوية النفس. لندخل بهذه العذراوية إلي السماء، بدون وسخ أو بقع أو أي شيء آخر من هذه الأدناس، لكي ننال الخيرات التي وعدنا بها الله، والتي أرجو أن تنالها جميعا بنعمة الله ومحبته للبشر  [5].

أيضاً لذهبي الفم: التمثل بالله

لكن كيف يمكننا ان نجذب إلينا معونتة الروح القدس ، وأن نطالبه بالبقاء داخلنا ؟ بالأعمال الحسنة ، والحياة الفاضلة. لأنه كما أن نور الصباح يستمر ويحفظ بالزيت ، وعندما ينفذ الزيت ، ينطفئ المصباح ، ويختفى النور هكذا نعمة الروح القدس ، فعندما تكون أعمالنا حسنة ، وتملئ انفسنا بأعمال البر الكثيرة ، تبقى مثل شعلة تغذى بالزيت لكن إن لم توجد أعمال البر ، تنسحب نعمة الروح وترحل ، الأمر الذى حدث مع العذارى الجاهلات . لأن أولئك العذارى ، بعد جهد ومتاعب كثيرة ، إذ لم يكن لديهن المعونة التي تأتى من الإحسان واعمال البر ، لم يتمكن من أن يتحفظن بنعمة الروح القدس ، لذلك طردن من العرس وسمعن ذلك الثوت المخوف ” إنى ما اعرفكن ” . الأمر الذى يعد أكثر فزعاً ورعباً من الجحيم ، لذلك فقد دعاهم جاهلات . وهذا أمر مبرر جداً ، لأنه وإن كن قد انتصرن على الشهوة الطاغيه ( أي الشهوة الجسدية) ، إلا انهن قد هزمن من الأمر الأضعف ( بسبب التراخى والكسل ) . لقد انتصرن على إندفاع الطبيعة، وألجمن هوس الشهوة المسعور ، وقمعن أمواج الشهوة الجسدية ، وبينما لازلن على الأرض ، عشن كالملائكة ، وبالرغم من أنهن كن يحملن جسداً ، إلا أنهن قد نافسن القوات غير الجسدانية في العفه ، وبعد كل هذا الجهاد ، لم يقمن بوااجبهن من نحو البر بالمحتاجين والفقراء وقد ظهر بالحقيقه حمقى وجاهلات ، ولذلك لم ينلن الصفح . فسقوطهن قد أتى فقط من الكسل والخمول كذلك فقد إستطعن أن يطفئن أتون نار الشهوة الذى كان داخلهن، وجاهدن أكثر جداً مما ينبغي ، وعشن في عفه أكثر مما أمر  به الرب ( لأن عدم الزواج أو البتولية ، ليس أمراً ألزامياً ، بل يرجع إلى رغبة وإرادة المؤمنين ) . بعد ذلك وبعدما قصرن في عطائهن للفقراء، ألسنا هكذا مستحقين للحزن والأسى، طالما أنهن من أجل أموال قليلة ، قد ألقين الإكليل من فوق رؤوسهن ؟ أقول هذا الكلام ، لا لكى أجعل حماس العذارى اللآتى كرسن حياتهن للرب ، يفتر ، ولا لأننى أرغب في أن أمحو حياة الوحدة ، بل حتى لا يجاهدن دون جدوى ، وحتى لا يغادرن مسرح الجهاد بلا أكاليل ، بعد جهد وتعب كثير ، بل ومملؤين بالخجل والخزى . إن الحياة العذراوية، هي أمر حسن ، وأنجاز فائق للطبيعة ، لكن هذا الأمر الحسن ، والعظيم والفائق للطبيعة ، إن لم يصاحب بأعمال البر والإحسان نحو البشر ، فمن غير الممكن أن تخطو ولا حتى عتبة العرس . أرجوا أن تنتبه إلى مدى تأثير أعمال البر وقوة الإحسان . فإن البتولية دون عمل الإحسان لم تتمكن أن تقدن أولئك العذارى الجاهلات، حتى إلى عتبة غرفة العرس . إلا أن الإحسان بدون حياة البتولية. قد قاد المحسنين في موكب إحتفالى إلى ملكوت الله الذي أعد قبل خلق العالم. ولأن أولئك العذارى الجاهلات ، لم يظهرن براً وإحساناً بغنى ، سمعن : ” إذهبن إنى لا أعرفكن ” . لكن أولئك الذين سقوا المسيح العطشان، واطعموه، بالرغم من أنهم لم يعيشوا حياة البتول ، سمعوا ” تعالوا يا مباركى أبى ، رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم ” . وهكذا له ما يبرره، لأن ذاك الذى عاش حياة النسك ، والصوم ، قد أفاد نفسه ، أما الذى يحسن إلى الآخرين ، وبار بالفقراء يصير ميناء لكل الغرقى ، ومسدد لإحتياجات الآخرين ومخفف لآلام الفقراء . الذى يمتدح بسبب تلك الإنجازات، هو فقط الذى يستطيع أن يفيد الآخرين.

ولكى تعرف أن هذه الوصايا ثمينة ، وعظيمة أكثر أمام الله ، فإنه عندما يتكلم عن الصوم ، والبترولية ، يشير إلى ملكوت السموات ، لكن عندما يقنن لعمل البر ، والإحسان ، وكيف نكون رحماء وحاملين لأحشاء الرأفة ، فإنه يضع مكافأة أعظم بكثير من ملكوت السموات ، حين يقول : ” لكن تكونوا أبناء أبيكم الذى في السموات ” . لأن هذه القوانين (الخاصة بالبر والإحسان )، تجعل البشر مشابهين لله في المحبة ، فعلى قدر ما يكونوا مشابهين الله ، على قدر ما يهدفون إلى تقديم الخير للجميع وهذا ما أوضحه المسيح له المجد ، بقوله : ” يشرق شمسه على الأشرار والصالحين ويمطر على الأبرار والظالمين ” . هكذا أنتم أيضاً ، فالخيرات التي لكم ، إذ أنتم تس تستخدمونها قدر طاقتكم ، لأجل تقدم ونمو كل أخواتكم ، فإنكم تتمثلون بالله الذى يهب خيراته للجميع بالمساواه . عظيمة هي قيمة الحياة البتولية. لا تتحصر فقط في رفض الزواج ، بل في أن يكون الناسك محباً للناس ، وللأخوة ، وله أحشاء رافة لأنه ماذا تفيد الحياة البتولية التي تكون مصاحبة بالقسوة ، وما الفائدة من التقوى والوقار ، بدون شفقة أو عندما يتم التعامل بقسوة وخشونة ؟ ويقول للبعض : أنت لم تحاط بالرغبة الجسدية بل يسيطر عليك البخل ومحبة المال ، لم يجذبك جمال الجسد ، بل بريق الذهب . إنتصرت على أعظم مقاوم ، لكنك هزمت أمام ما هو أصغر وأضعف ، لذلك جعل هزيمتك ، معينة ، وإن كنت قد جاهدت كل هذا الجهاد ، وانتصرت على طبيعتك ، لكنك هزمت من محبة المال ، واللذين بدون تعب أو جهد ، إستطاع العبيد والبربر أن ينتصروا عليها . ولأننا أيها الأحباء نعرف كل هذه الأمور ، فالنسرع بكامل إرادتنا إلى ممارسة أعمال البر ، والإحسان بالآخرين ، المتزوجين ، وغير المتزوجين ، لأنه بعكس ذلك ، لن نستطيع أن ننال ملكوت السماوات . لأنه إن كانت حياة البتولية ، بدون الإحسان وعمل البر ، لا تستطيع ان تضعنا في ملكوت السموات ، فهل يوجد عمل آخر يمكنه أن يدخلنا ملكوت السموات بدون هذا الإحساس ؟ لا يوجد على الإطلاق . إذاً فلنضع الزيت في المصابيح ، بكل ما فينا من قوة ، وليكن هذا الزيت بوفرة ، ومستمراً ، حتى نحتفظ بالنور البهى ، ويفيض أيضاً فلا ينبغي أن تنظر إلى الفقير الذى يأخذ ، بل إلى الله الذى يعوض ، لا تتطلع لمن يتلقى المال ، بل إلى ذاك الذى صار مسئولاً عن هذا الدين . لذلك فإن الذى يأخذ هو واحد ، وواحد هو الذى يعوض ، لكى يحثنا الفقير وكوارث المحسن إليهم ، إلى عمل الرحمة والبر بهم ، فهذا الغنى الذى سيقدم الإحسان ، يضمن أن سينال التعويض المضاعف . فعندما تقدم عطاياك تكون كمن يقرض الله الذى يعدك بأن يرد لك هذا القرض ، بالإضافة إلى أرباح كثيرة . أخبرنى ، من يتلقى وعداً ، بأنه سينال مائة ضعف ، ويثق بأنه سينالها ، ولا يقدم كل ما عنده ؟ إذاً ينبغي أن لا نمسك أيدينا عن مساعدة المحتاجين ، فهكذا نحن ندخر المال ؟ لأن من يريد يحفظ ويحمى أمواله ، عليه أن يضعها في أيدى الفقراء في هذه الخزينة الحصينة ، والتي هي محصنة من اللصوص ، والعبيد ، والمجرمين ، ومن كل هجوم .

فإن كنت رغم سماعك لكل هذه الأمور ، تتردد في أن تقدم مما تملكه ، ولا تتحرك مشاعرك بسبب أنك ستأخذ مائة ضعف ، ولا أمام مصائب الفقراء ، ولا أي شيء آخر . إذاً فلتنظر إلى زلاتك ، ولتدرك حجم خطاياك ، إًفحص كل أمور حياتك ، وإعرف أخطاءك بالتدقيق . فإنك حتى وإن كنت بعد أكثر قسوة من كل البشر ، فمع ذلك وأنت تتحرك في كل مرة بدافع الخوف من ثقل خطاياك ، مترجياً أن تغفر لك بواسطة عمل البر والإحسان ، فإنك سوف تقدم حتى جسدك ، وليس فقط أموالك . فإن كنا عندما نصاب بجروح ، ونريد أن نعالج الأمراض الجسدية ، فإننا لا نأسف على أي شيء من ممتلكاتنا ، حتى وإن إحتاج الأمر لأن نبيع معطفنا ، حتى نشفى من ذلك المرض ، فبالأكثر جداً إن تعلق الأمر بالرغبة في الشفاء من أمراض نفوسنا . وإصابات أو جروح الخطية البالغة ، فذلك لن يكون إلا عمل الرحمة والإحسان ، فلنفعل هذا من كل قلوبنا . وإن كان بالطبع في الأمراض الجسدية ، من غير الممكن أن نتخلص من المرض ، بمجرد أن ندفع المال . بل في مرات عديدة نحتاج إلى إجراء جراحة ، وادوية مرة المذاق وامتناع عن الطعام ، والأكثر إزعاجاً من كل ذلك ، تنفيذ أوامر الطبيب. بينما في مجال الحياة الزوجية ، لا يحدث هذا ، بل يكفى أن نضع المال في أيدى الفقراء ، وعلى الفور نتقى من كل الخطايا ، دون تعب أو ألم ، لأن الطبيب الذى يعالج النفس ، لا يحتاج إلى نهج أو طريقة تقنية ، وإلى أدوات ، ومكواه ، ونار ، بل يكفى أن يريد فقط وسترحل الخطايا من نفوسنا ، وتختفى .

أريت كم هي قاسية وصعبة حياة النساك الذين يشتهون حياة الوحدة ، ويرتحلون إلى قمم الجبال ؟ يفترشون الأرض ، يلبسون الخيش ، يضعون قيود في كل جسد ، يحبسون أنفسهم داخل القلالى ، يجاهدون في جوع مستمر ، ودموع غزيرة وسهر دائم لا يحتمل ، لكى يستطيع هكذا أن يطردون القليل من خطاياهم . لكن الأمر ليس على هذا النحو فيما يخصك أنت ، فمن الممكن دون أن تجتاز هذه الحياة الخشنة القاسية ، أن تجوز حياة سهلة ، وتحقق التقوى والورع . أخبرنى ما هو التعب ، بعدما تفرحون وتنعموا بخبراتكم ، أن توزعوا الفائض على الفقراء ، لأنه إن لم يعط أجراً ، وإن لم تحدد كل هذه المكافأة ، أليست الطبيعة ذاتها هي كافية ، أن تقنع أكثر من الناس وحشية وقسوة ، أن يعطوا من الفائض حتى يخففوا من آلام الفقراء ؟ لكن عندما تكون هناك كل هذه الأكاليل والمكافأت ، وغفران الخطايا الذى يتحقق بالإحسان للفقراء ، فأى دفاع سيقدمه أولئك الذين يحزنون على أموالهم ويهوون بنفوسهم إلى قاع الخطايا ؟ فإن لم يحركك شيء آخر ، ويحثك على أن تشارك الآخرين في آلامهم ، وترحمهم ، ففكر في الموت الذى سيأتى سريعاً وعندما تفكر في أنه ، إن لم تعط للفقراء ، عندما يفاجأك الموت دون إرادتك ، سيؤول كل مالك لآخرين ، فيجب أن يجعلك هذا التفكير محباً ومحسناً للفقراء . لأنه ستكون حماقة حقيقة ، إن لم تقدم للفقراء بإرادتنا ، خاصة عندما يتعلق الأمر بالفائدة التي ستعود علينا نتيجة عمل الخير هذا . هكذا يقول الرسول بولس : ” لكى تكون في هذا الوقت فضالتكم لإعوازهم ” . ماذا يعنى بقوله هذا ؟ يعنى أنك تأخذ ، أكثر مما تعطى ، فأنت تعطى أشياء مادية ، وتأخذ أموراً روحية ، تعطى مالاً ، وتأخذ غفران خطايا. أنت قد أنقذت الفقير من الجوع ، إلا أنه قد أنقذك من الغضب الإلهى. إن مساعدة الفقراء ، تعتبر تجارة رابحة تجنى منها أرباح أكثر بكثير جداً من النفقات ، ونافعة للغاية . لأن النفقات تتمثل في المال المقدم ، أمام الحصاد الذى يجنيه من وراء الإحسان ، لا يتمثل في المال ، بل في غفران الخطايا ، ودالة أمام الله ، وملكوت السموات ، والتمتع بالخيرات التي ” ما لم تر عين ولم تسمع أذن ، ولم يخطر على بال إنسان : ما أعده الله للذين يحبونه ” . إذاً كيف لا يكون أمر مخالف للعقل والصواب ألا يأسف التجار على أي شيء من أملاكهم ، فبينما ربحهم لن يكون مختلف أو أفضل ، بل مماثل بحسب طبيعته من جهة رؤوس أموالهم المستخدمة ، نجد أن الأمر مختلف بالنسبة لنا ، فبواسطة أشياء فانية ووقتية ، سنربح ليس أشياء فانية ومؤقتة ، بل عديمة الفناء وخالدة ،  سنربح خيرات ، ومع ذلك لا نظهر أي تقدير يوازى إهتمامنا بممتلكاتنا المادية . ينبغي أن لا نفكر أيها الأخوة بشكل سطحى هكذا من جهة خلاصنا ، بعدما نعرف وندرك ونفهم مثل العذارى ، والمثل الآخر الذى ذكر في مسالة النار المعدة لأبليس وأعوانه ، إذ أنهم لم يطعموا ، ولم يسقوا المسي ، فلنتمسك بلهيب الروح القدس ، حتى نقدم إحساناً بغنى ، وأعمال بر بالفقراء ، لكى لا نتعثر في موضوع الإيمان . لأنه من ناحية الإيمان يحتاج إلى معونة ورفقة الروح القدس ، حتى يبقى راسخاً ، ومن ناحية أخرى الروح القدس يسكن فينا ، ومن خلال الحياة النقية ، والسلوك المتميز المستقيم حتى أنه ، إن أردتنا أن يكون لنا إيماناً ثابتاً ، فيجب أن نسلك بإستقامة ، لكى نجعل الروح القدس يبقى فينا ، وتستمر قوته فينا . لأنه من غير الممكن لذلك الذى يحيا في الخطية ، أن لا يهتز إيمانه[6] .

القديس اغسطينوس

من هنَّ العشر عذارى اللاتي منهُنَّ خمس حكيمات وخمس جاهلات…؟ هذا المثل أو هذا التشبيه لست أظن أنه ينطبق على أولئك النساء اللواتي يُدَّعينَ “عذارى” في الكنيسة من أجل قداستهِنَّ العظيمة، وإنما اعتقد أنه ينطبق على الكنيسة كلها… إنه لا ينطبق على الكهنة وحدهم الذين تحدّثنا عنهم بالأمس ولا على الشعب وحده وإنما على الكنيسة بأجمعها.

لماذا كان عدد كل منهُنَّ خمس…؟ كل روح في جسد تعُرف برقم خمسة، إذ تستخدم الحواس الخمس، فالجسد لا يدرك شيئًا إلا عن طريق المدخل ذي الخمسة أبواب: النظر والسمع والشم واللمس والتذوّق. فمن يضبط نفسه في النظر والسمع والتذوّق واللمس والشم بعيدًا عمَّا هو غير طاهر يحمل لقب “عذراء”.

إن كان من الصالح أن يحفظ الإنسان حواسه عن المثيرات الدنسة، وبذا يصير لكل نفس مسيحيّة لقب “عذراء”، فماذا إذن خمس منهُنَّ مقبولات وخمس مرفوضات؟

إنه لا يكفي أن يكُنّ عذارى وأن يحملن مصابيح، فهنّ عذارى لحفظهن من ملذّات الحواس الدنسة، ولهن مصابيح لأجل أعمالهن الصالحة التي يقول عنها الرب “فليُضيء نوركم قدَّام الناس لكي يروا أعمالكم الحسنة، ويمجِّدوا أباكم الذي في السماوات” (مت ٥: ١٦). مرّة أخرى يقول لتلاميذه: “لتكن أحقَّاؤكم ممنْطَقة وسُرُجِكم موقَدة” (لو ١٢: ٣٥)، فبالأحقَّاء يعني البتولية والسُرُج الموقَدة يعني الأعمال الصالحة.

إن لقب “البتولية” عادة لا ينطبق على المتزوّجين، لكنّه هنا يعني بتولية الإيمان التي تمثِّل الطهارة المكلَّلة. لذلك لتعلموا يا أخوتي المقدَّسين أن كل إنسان وكل نفس لها الإيمان عديم الفساد الذي به تُمسِك عن الأشياء غير الطاهرة وبه تَصنع الأعمال الصالحة لا تُحسب خِلسَة أن تدعى عذراء، فكل الكنيسة التي يدخل في عضويَّتها عذارى وصبيان ومتزوِّجين ومتزوِّجات يطلق عليها لقب “عذراء”، كيف هذا؟ لتسمع قول الرسول عن الكنيسة عامة وليس عن النساء المتبتّلات وحدهُنَّ: “خطبتُكم لرجل واحد لأقدِّم عذراء عفيفة للمسيح” (٢كو ١١: ٢). ولأنه يجب الاحتراس من الشيطان مفسد الطهارة أردف الرسول قائلًا: “ولكنّني أخاف أنه كما خدعت الحيّة حواء بمكرها تُفسد أذهانكم عن البساطة التي في المسيح” (٢كو ١١: ٣). قليلون اقتنوا بتولية الجسد لكن يليق بالكل أن يقتنوا بتولية الروح. فإن كان التحفظ من الفساد أمرًا صالحًا لذلك تقبل النفس لقب البتولية، وإن كانت الأعمال الصالحة تستحق المديح وقد شُبِّهت بالمصابيح، فلماذا خمس منهُنَّ مقبولات وخمس مرفوضات…؟ وكيف نميِّز بين الاثنين؟

يميّز بينهُنَّ بالزيت؛ هذا الزيت هو شيء عظيم وعظيم جدًا، ألا وهو المحبّة… يقول الرسول: “وأيضًا أُريكم طريقًا أفضل: إن كنت أتكلّم بألسِنة الناس والملائكة ولكن ليس لي محبّة فقد صرتُ نحاسًا يَطِن أو صنجًا يَرِن” (١كو ١٢: ٣١؛ ١٣ : ١). هذه هي المحبّة، الطريق الأفضل، والتي شُبِّهت بالزيت، إذ يطفو على جميع السوائل. إن صبَبْت عليه ماءً يطفو الزيت….لأن “المحبّة لا تسقط أبدًا” (١كو ١٣ : ٨).

أن هؤلاء الجاهلات يمثِّلْن النُسّاك الذين بسبب نسكهم صاروا عذارى، لكنهم كانوا يُرضون الناس لا الله؛ يحملون المصابيح ليمدحهم البشر، وليس لهم في داخلهم الزيت الذي يراه الله في القلب [7]

وصايا الأم سنكليتيكي

أقوالها :

  • إذا كنت صائماً لا تتخذ المرض ذريعة لأن الذين لا يصومون قد سقطوا كثيراً في هذه الأمراض . هل ابتدأت بالعمل الصالح ؟ لا تتوقف لئلا يعترضك العدو لأنك بصبرك تبطله . فالذين يبحرون يواجهون الرياح الموافقة ، لكن عندما ينصبون الأشرعة ، تعترضهم رياح مضادة ، إلا أن البحارة لا ينزلون حمولة السَّفينة بسبب الرياح لأنهم بعد أن يرتاحوا قليلاً يواجهون العاصفة ويكملون الإبحار . هكذا نحن عندما يعاكسنا ريح ونرفع الصليب بدل الأشرعة ، فلنكمل الإبحار بلا فزع وخوف .
  • يخاطر من شرع يُعلِّم دون أن يرتقي إلي الساميات بسيرته العملية ، لأن من كان عنده بيت قد تصدّع ، وأضاف الغرباء ، فأنه سيؤذيهم بسقوط البيت .كذلك هؤلاء إذا لم يبنوا أنفسهم أولاً ، فإنه سرعان ما يهلكون زائريهم .
  • حسن أن لا تغضب . ولكن إذا حصل وغضبت ، لا يسمح لك الرب بغضب يوم كامل قائلاً :” لا تغرب الشمس علي غضبكم “(أفسس٤: ٢٦) . فهل تنتظر أنت إذن حتي يغرب زمان حياتك كله ؟ لماذا تمقت من أحزنك ؟ ليس هو الذي ظلمك بل الشيطان . فأنت مدعو أن تمقت المرض لا المريض .
  • عندما نكون في دير ذي حياة مشتركة ، يجب أن نؤثر الطاعة علي النسك ، لأن هذا يعلم التشامخ ، أما الأولي (أي الطاعة ) ، فمن شأنها أن تعلّم التواضع .
  • بالتمييز الروحي ينبغي أن نسوس أنفسنا . وعندما نكون في شركة من الإخوة ، لا ينبغي أن نطلب ما هو لنا ، ولا يليق أن نُستعبد لرأينا ، فالأحري أن نكون مطيعين لأبينا في الإذعان .
  • الحزن الجيد هو أن ينوح الإنسان علي خطاياه ولا يلتفت لخطايا أخيه أو قريبه . وأن يكون حريصاً علي ألا يبتعد عن هدفه ليصل إلي درجة عالية في الكمال . هذه هي الأشكال المختلفة للحزن الجيد ، ولكن أحياناً يتدخل عدو الخير في هذا الحزن الجيد ، فيثير في النَّفس حزناً بلا تعقل وهو ما يُسمي بالكآبة ، فيجب أن نطردها ونبعدها بالصلاة والتسبيح .
  • عادة يسبق خطية الكبرياء ، خطية عدم الطاعة ولذا فالطاعة هي التي تستطيع أن تُطهر هذه القرحة التي تأكل النَّفس. فكما يقول الكتاب:” إن الطاعة خير من الذبيحة ” (١صم١٥: ٢٢) .
  • فكما أنه من المستحيل أن تُصنع سفينة دون مسامير ، فكذلك يستحيل الخلاص دون الاتضاع لأنه صالح ومفيد ، فقد لَبْس السيد الرب المخلِّص الاتضاع ليكمل تدبير الخلاص للبشرية فقال:” تعلموا مني لأني وديع ومتواضع القلب “(مت١١: ٢٩) ليكن الاتضاع بالنسبة لك هو بداية وكمال الفضائل ، فالرب أوصي باتضاع الفكر ويقصد به اتضاع الإنسان الداخلي لأن الخارجي سيتبعه.
  • إننا لا نعرف أن نحيا في الاتضاع إلا عن طريق الإهانات والشتائم والضربات حتي ندرك ضعفنا وعجزنا وعدم قدرتنا علي أي شيء ، مُعوزين ، فقراء ، ضعفاء ، هزيلين ، حقيرين ولا منظر لنا ولا قوة ، هذه كلها أعصاب الاتضاع ، وهذا كله ما سمعه الرب وتألم به ، فكان يُنظر إليه كسامري وبه شيطان ، أخذ شكل العبد (في٢: ٦) لطموه ولكموه وبصقوا في وجهه (مت٢٦: ٦٧) .
  • إن الصليب هو شعار انتصارنا وفخرنا ، فليس لنا عمل سوي ترك العالم والتدرب كل يوم علي إماتة ذواتنا ، فالموتي لا يسلكون بعد حسب الجسد .
  • يجب علينا أن نسعي لتجميل نفوسنا في كل شيء ، مهتمين بالعمق في كل أمورنا الروحية ، فنحن قصصنا شعر رؤوسنا الذي يرمز إلي مجد العالم من كرامة ، صيت ، ثروة ، ملابس فخمة ، أطعمة شهية … الخ. لأن الرأس تُمثل النَّفس، لقد صممنا علي ترك كل ذلك ولكن يجب علينا قبل كل شيء أن نتخلص من الدودة التي تأكل نفوسنا، فما هي هذه الدودة؟ هي الأفكار الشريرة ، النميمة ، الحلف بالزور ، البخل ، فكما أن الأدوية الأكثر مرارة تقضي علي الآفات السامة كذلك الصلاة المقرونة بالصوم تطرد الأفكار الرديئة .
  • يملك العدو ثلاثة رؤوس أساسية منها تأتي كل رذيلة : الشهوة ، المتعة ، الحزن (الكآبة)

وكل واحدة مرتبطة بالأخري وتنتج عنها . إننا نستطيع بقدر معين أن نسيطر علي اللذة . أما السيطرة علي الشهوة ، فذلك مستحيل ، فالأولي فعل جسدي ، أما الثانية فمصدرها داخل النَّفس . والحزن ينتج من هاتين الرذيلتين . فلا تتركي السبيل إلي الشهوة يتسلل إليكِ ، حينئذ تختفي كل الرذائل الأخري ، لأنك إذا تركتها تسيطر عليكِ ، فستتحول إلي لذة ، وبذلك تُكَوَّن دائرة الرذيلة ، ولا تعد النَّفس قادرة علي القيام مرة أخري . ولذا قال الكتاب :” لا تجعل للماء مخرجاً “(سيراخ٢٥: ٣٤) [8] .

عظات آباء وخدام معاصرين

المتنيح الأنبا أثناسيوس مطران بني سويف والبهنسا

احاديث الاستعداد

هنا يستطرد الرب بثلاثة أمثلة عن الاستعداد :

ا- مثل العبد الأمين (مت ٢٤ : ٤٥ – ٥١)

۲ – والعذارى (مت ٢٥ : ١- ۱۳)

٣ – الوزنات (مت ٢٥: ١٤-٣٠)

ثم حديث المكافاة (مت ٢٥ : ۳۱ – ٤٦) وهو ختام الأمر كله

١-مثل العبد الأمين : (مت ٢٤ : ٤٥ – ٥١).

هو الذي يؤدي واجبه بدقة ، فاذا ما جاء سيده وجد عمله متقنا، حينئذ يرقيه ويقيمه على جميع أمواله . فليزمنا أن نقوم بواجبنا بدقة حتى اذا ما جاء وجدنا نفعل ذلك فنسمع الصوت القائل : ” ادخلوا لترثوا الملك المعد لكم منذ انشاء العالم ” (مت ٢٥: ٣٤) ، أما العبد غير الأمين فهو يظن أن سيده يبطىء . فيجب علينا الا نتوقع أننا نعيش لأنه من الغريب أن الناس يرون الموت حولهم كل وقت ، ولكن لا يتوقعونه لأنفسهم . هكذا فعل ذلك العبد ولذلك يأتي السيد في يوم لا ينتظره وفي ساعة لا يعرفها . هكذا فعل وذلك العبد الذي لا يتوقع قدوم سيده أخذ يضرب العبيد، ويبذر المال : وتبذير المال هنا هو إضاعة مواهب الرب لنا ، وضرب الرفقاء يسبب العثرة لغيرنا .

الاصحاح الخامس والعشرون

الاستعداد

۲- مثل العذاری : (مت ٢٥ : ۱- ۱۳)

ما أجمل منظر هؤلاء العذارى العشر وهن محيطات بزميلتهن العروس ، مرتديات الثياب المناسبة . ومع كل منهن مصباح زجاجه نظيف ، ممتليء بالزيت يشع منه الضوء وما أكرم تلك العائلات التي سمحت لبناتها بأن يسهرن مع العروس ورحبت بالتضحية بالمصباح والزيت .

وقد ظلت العذارى ساهرات الى وقت متأخر ، ولكن العريس أبطأ وهو آت من قرية أخرى أو من مكان بعيد في موكب من رفاقه الشبان يمرحون ويقفون عند بيوت الأصحاب يتهللون الى أن وصل ذلك الموكب ففتحت العذارى الحكيمات الأواني المملوءة بالزيت الاحتياطي ، وملأن المصابيح ، أما الجاهلات فخرجن الى خارج للبحث عن زيت جديد .

والمهم هنا أن منظر العذارى جميعهن واحد ، وصورة التضحية واحدة ولكن الفرق هو في آنية زيت احتیاطی تحمله كل واحدة من الحکیمات .

لعل الزيت الذي في المصابيح هو النعمة التي للمؤمنين جميعا ، أما الزيت الاحتياطي فهو امتلاء من الروح القدس والصلوات والأعمال الصالحة التي تعتبر زادا للمؤمن في وقت ضعفه الجسدي أو شيخوخته فيكون قادرا على أن يستمر في حياة مضيئة إلى أن يأتي العريس في الوقت غير المعروف .

ولعل البعض يقول أن هذا المثل ينطبق أيضا على تجارب الحياة وضيقاتها التي تصيب جميع الناس ، فمن كان لديه رصيد من النعمة عبر الضيقات ، ومن كان خاليا سقط .

وعلى المؤمن الا ييأس حين يتأخر العريس وتطول ضيقته فانه لابد أن يأتي كما أن عليه الا يتهاون لئلا يأتي العريس فيجد مصباحه منطفئا لأنه لابد من لحظة يغلق فيها الباب .

ولا يصلح هذا المثل للذين يستعملونه للاعتراض على مبدا صلوات القديسين من أجلنا ، لأن صلوات القديسيين تفيد لتقوية المؤمن وانماء شركته ، أما اذا كان خارجا وأغلق الباب فلا ينتظر شيئا. والكنيسة تضع هذا المثل أمامنا في كثيرمن أناجيل القداسات وفي صلاة نصف الليل انتظارا للرب .

٣- الوزنات : (مت ٢٥: ١٤-٣٠)

لم تكن الوزنات واحدة لجميع الناس ، وهذا يعني أن الله لا يثقل على أحد بل كل واحد على قدر طاقته ( آية ١٥ ) الذي أخذ خمس وزنات وربح خمسا مثلها فنتيجته مائة في المائة وكذلك الذي أخذ اثنتين وربح مثلهما . ومعني ذلك أن الرب لا يطالبنا بكمية الثمر بل بالأمانة في الحياة والجهاد ولا يجوز لنا أن نتكاسل ونلتمس لأنفسنا الأعذار أو نلقي اللوم علي الرب  ، لأنه هو مستعد لمساعدتنا وقد أعطانا كل الامكانية للنصرة •

وواضح أن الايمان غير المثمر میت ، بل يجب أن يظهر الايمان بالأعمال .

والكنيسة تحتاج الى المواهب المختلفة ، والى العاملين الأمناء الذين يعمل كل منهم في ميدانه ، وقدر الظروف المهيأة له ،ولا يليق أن يتطلع فرد ما إلي ما عند غيره ، بل كل انسان الى ما في يده ويتجر فيه بأمانة ونشاط والمواهب للمؤمن نوعان ، مواهب الروح القدس کالكهنوت وصنع المعجزات ، والتنبؤ ومواهب طبيعية وهي :

( أ ) روحية : كالايمان والرجاء والمحبة والفضائل

( ب ) عقلية : كالعقل والصحة والفطنة .. وجسدية كالقوة .

( ج ) مادية : كالمال والشرف والمركز .

وكل هذه تنمو بالاجتهاد وتضمر وتزول بالكسل •

ولا تؤخذ ( الآية ۲۷ ) أنها تحلل الربا ، بل هو المثل في أصله انه كان ممكنا لذلك العبد أن ينمى الوزنة ولو بأسهل طريق ولكن الله لا يقصد من ذلك أن يعلمنا أن نكون مرابين ، وهكذا من له نشاط وأمانة تزداد مواهبه ومن كان كسلانا يضيع مالديه من المواهب ولو كان قليلا .

٤ – حديث المكافأة : (مت ٢٥ : ۳۱ – ٤٦) ختام الأمر كله . لقد نطق الرب سابقا في (مت ١٦ : ۲۷) أن ابن الإنسان سوف يأتي الانسان في مجد أبيه ، وهنا يقول : متى جاء ابن الانسان في مجده. ذلك لأنه هو والآب واحد •

واضح أن الملكوت معد أصلا للبشر” منذ تأسيس العالم .وان النار معدة أصلاً لأبليس ورفاقه ( اية ٤١ ) فما أجمل أن نتمتع بالملكوت المعد لنا .

وها هو هنا يتكلم عن ثمار الحياة ” جعت فأطعمتمونی ، عطشت فسقيتموني ، كنت غريبا فآويتموني ، عرياناً فكسوتموني ، مريضا فزرتمونی ، محبوسا فأتيتم الى ” أو عكس ذلك للاشرار . وليس معنى هذا أنه لا يطلب الايمان ،بل أنه يطلب الايمان مع ثمره في الناس . ولنلاحظ أن نیره هین ووصاياه كريمة ، اذ لا يقل مريضا فشفيتموني أو محبوساً  فحررتمونی ، بل طلب العمر الميسور ، وما اكرمه لأن مكافآته عظيمة جدا إذا قورنت بالعمل البسيط الذی قدمناه. ولنلاحظ أن المكافأة الكبيرة هي نتيجة النعمة والرحمة وأن العقاب هو نتيجة الوقوف قدام الاله خالين من النعمة [9].

المتنيح الأنبا بيمن أسقف ملوي

العريس السماوي

ان علاقة الرب بالكنيسة وبالنفس البشرية تشبه بعلاقة العريس بالعروس.. في العهد القديم لم تكن هذه العلاقة واضحة تماما ،ولكنه منذ أن تجسد الإبن الكلمة وصار إنسانا مثلنا في كل شيء ، فيما عدا الخطية وحدها ، برزت هذه العلاقة ، وتكلم الرب يسوع نفسه عنها في مواضع كثيرة..

في العهد القديم :

يقول هوشع النبي عن إسرائيل إنها عروس ويسمع هوشع الله ينادي ” أخطبك لنفسي إلي  الأبد ، وأخطبك لنفسي بالعدل والحق، بالاحسان والمراحم، أخطبك لنفسي بالأمانة فتعرفين الرب ” (هوشع ۱۹:۲ ،۲۰). ويقول أشعياء النبي : “لأن بعلك هو صانعك رب الجنود إسمه “(أش ٥:٥٤) “کفرح العريس بالعروس يفرح بك إلهك” (أش٥:٦٢) وفي موضع آخر يقول بروح النبوة ” فرحا أفرح بالرب ،تبتهج نفسي بالهي لأنه قد ألبسني ثياب الخلاص ، كساني رداء البر ، مثل عريس يتزين بعمامة ، ومثل عروس تتزين بحليها ” (أش ۱۰:٦١) . أما سفر المزامير ففيه كثير من هذه التعبيرات، ولكن سفر نشيد الأناشيد كله سيمفونية روحية تنشد لحن الحب والفرح الإلهي للشركة القائمة بين الله والكنيسة بسر لا ينطق به ” قد سبيت قلبي يا أختي العروس ، قد سببت قلبي بأحدى عينيك بقلادة واحدة من عنقك، ما أحسن حبك يا أختي العروس . کم محبتك أطيب من الخمر ، وكم رائحة أدهانك أطيب من كل الأطياب . شفتاك يا عروس تقطران شهدا أختي العروس جنة مغلقة عين مقفلة ينبوع مختوم” (نش ٤:۹ ،١٠). وحين كانت إسرائيل ( العروس ) تذهب وراء الهة غريبة ، كان هذا يعد زنی روحی مثلما يقول الكتاب ” بل زنوا وراء آلهة أخرى، وسجلوا لها، حادوا سريعا عن الطريق التي سار بها آباؤهم ، (قض ۱۷:۲ )وكان بعد موت جدعون أن بني إسرائيل رجعوا وزنوا وراء البعليم ( قض ٣٣:٨). لذلك يوبخهم ناحوم النبي قائلا ” ويل لمدينة الدماء كلها ملآنة كذبا وخطفا.. من أجل زني الزانية الحسنة الجمال صاحبة السحر البائعة أمم بزناها وقبائل بسحرها ” (ناحوم ١:٣-٤) وفي مواضع كثيرة يعلن الوحي حزنه وأسفه على حالة إسرائيل ويدعوها زانية لأنها خانت الذي إختارها من بين الأمم وجعلها شعبا مختارا له “فإتكلت علي جمالك وزنيت علي إسمك، وسكبت زناك علي كل عابر فكان له” (حز ١٥:١٦ ،أر ١:٣ ،أر ٦:٣-١٠).

كم أن مشاعر الله رقيقة نحونا نحن البشر، كم يهتم بنا وكم يحزن لتركنا ينبوع ماء الحياة وجرينا وراء آبار مشققة لا تضبط ماء. إنه غيور وقلبه مليئ بالحب والوفاء، ويريدنا أن نبادله حبا بحب وإخلاصا بإخلاص، وتكريسا وتقديسا وعبادة تجاه الدعوة الإختيار الإلهي المقدس.

في العهد الجديد :

أما في العهد الجديد فقد تكلم الرب بصراحة عن هذه العلاقة عندما قال في رده على الفريسين” هل يستطيع بنو العرس أن يصوموا والعريس معهم ، مادام العريس معهم لا يستطيعون أن يصوموا ” (مر ۱۹:۲) . ويقول الرب أيضا “وأنتم مثل أناس ينتظرون سيدهم متى يرجع من العرس ، حتى إذا جاء وقرع يفتحون له للوقت .. طوبى لأولئك العبيد الذين إذا جاء سيدهم يجدهم ساهرين ” (لو ٣٦:١٢). وفي إنجيل معلمنا متی البشير عندما ضرب الرب الأمثلة عن ملكوت السموات قال : يشبه ملكوت السموات إنسانا صنع عرسا لأبنه وأرسل عبيده ليدعوا المدعوين إلى العرس فلم يريدوا أن يأتوا ” (مت ۲:۲۲) . وفي تشبيه نفسه بالعريس الذي سيأتي لأخذ العذاري قال “إن هناك

عذاری حکیمات وعذاري جاهلات، أما الحكيمات، فقد أخذن في آنيتهن

زيتا انتظارا للعريس، ذاك الذي أغفلته وأهملته الجاهلات ، ولما جاء العريس

في منتصف الليل إستيقظن العذاري جميعا. والخمس الحكيمات دخلن معه إلي العرس، أما الجاهلات فبينما هن ذاهبات ليبتعن زيتا، جاء العريس والمستعدات وحدهن هن اللواتي دخلن معه إلي العرس وأغلق الباب” (مت ٢٥). وقد شهد يوحنا المعمدان كخادم لأنبياء العهد القديم بأن الذي عمده هو العريس السماوي؟، وأنه ينبغي أن يزيد بينما يوحنا نفسه ينقص.ويقول من له العروس فهو العريس وأما صديق العريس الذي يقف ويسمعه فيفرح فرحا من أجل صوت العريس.إذا فرحي هذا قد كمل (يو ٣ :٢٩). وبولس الرسول كان يشعر في خدمته أنه يقوم بدور الإشبين كما كان الحال قديما في أفراح العرس . ومهمة الأشبين أن يقدم العروس عذراء واثقا متأكدا من طهرها ، سعيد أن يرتبط بعريسها ، وأما هو ففرحه يكمل بهذا الدور . يقول ” إني أغارعليكم غيرة الله ، لأني خطبتكم لرجل واحد لأقدم عذراء عفيفة للمسيح” (۲کو ۲:۱۱) .

التزامات هذه العلاقة المقدسة:

١- الوفاء والأمانة :

إن الخطية ليست مجرد كسر وصايا الله ، ولكنها كسر لقلبهالمحب .. إن الله أمين إلى المنتهی ، وعدم أمانتنا لا تبطل أمانته .. إن مجرد التأمل في الصليب وآلام الرب في أسبوعه الأخير كفيل أن يلهب القلب بلواعج الحب والإخلاص والأمانة .. يقول الكتاب : “وهو مات لكي يعيش الأحياء فيما بعد لا لأنفسهم بل للذي مات لأجلهم وقام ” العروس إن خانت عريسها ترجم في العهد القديم ، وتطلق في العهد الجديد ،والنفس التي تخون عريسها السماوي تحرم من الأبدية وتحيا في عذاب أبدي.

٢- العشرة المقدسة:

كيف نتصور عروسا لا تطيق أن تحيا مع عريسها ؟ وكيف يمكن أن نقبل أن عروسا تهرب من لقاء عريسها؟ إن العروس المخلصة لعريسها تتلهف تتلهف علي ساعة تقضيها مع من أحبها. إن عمرها كله يقاس بساعات العشرة والألفة بينهما.لهذا تستعلن هذه الشركة المقدسة أن نقضي ساعات طويلة في المخدع للصلاة والمناجاة والحوار مع الرب .. أن نتأمل في حديثه لنا في الكتاب المقدس ؛ ونتلذذ به، ونصغي إليه جيدا وتطبعه وننفذ وصاياه .. أن نأخذ فترات، خلوة وإعتكاف للهدوء والصلاة والعبادة. إن هذا ليس فرضا أو واجبا قهريا ، وإنما هو دلالة على الحب والإخلاص وصدق في الإحساس بالشركة المقدسة بين العروس وعريسها السماوى .

٣- أن نحيا في الفرح والنور :

ليس من عرس إلا ويرتبط بالأفراح والأنوار . وليس من عروس إلاوتتزين لعريسها دائما . والقديس أبو مقار عندما شاهد امرأة زانية طلب من أبنائه الرهبان أن يتطلعوا إليها ثم قال : « إنظروا كم هذه تتعب في تزيين نفسها لعشاقها، ونحن لا نتعب لتزيين قلوبنا وحياتنا الداخلية لعريسنا السماوي” وأنتفع أبناؤه من هذا الكلام كثيرا. إن الذين يعيشون في الدرس الذي لا يتعلق به ومجيد هم أولئك الذين احتقروا أباطيل العالم لأن الفرح مرتبط كيانيا بالتجرد ،والحزن الرديء مرتبط بالشهوة وحب الأقتناء . ومسيحيتنا بشارة مفرحة ودعوة إنجيلية تدعو النفس إلي أن تدخل في الفرح ويدوم فرحها. وسر الفرح الحقيقي هو اللقيا السماوية” سترونني وتفرحون ولا يستطيع أحد أن ينزع فرحي منكم”..والذين يعيشون في الفرح هم أيضا الذين يعيشون في النور. أنهم أبناء نور أبناء القيامة. الذين أحبوا النور ورفضوا أعمال الظلمة ووبخوها . هم وحدهم الذين يتمتعون بأفراح العرس الداخلي. أما الذين يعيشون في الحقد والكراهية والكبرياء والتعالي وهموم الحاة فهؤلاء هم الذين ينتزع الفرح منهم، ولا يقبلون إلي العرس، مثل أولئك الذين إعتذروا لأن لديهم سبع بقرات أو عندهم حقل.. هذه العلل التي يتعلل بها القلب ليبرر حالته وبؤسه وسأمه وحزنه العميق.

٤-أن نحفظ ثوب العرس طاهرا:

العروس تعتز بثوب الزفاف. إنه جميل ورائع. إنه ناصع البياض إشارة إلي الطهارة والعفاف الداخلي.وسفر الرؤيا يمتدح الذين حفظوا ثيابهم طاهرة وغسلوها في دم الحمل.يطوب الذين هربوا من الثوب المدنس..والذين آمنوا بقدسية العلاقة القائمة بين نفوسهم والحق يحرصون علي أن يبقي ثوب العرس بلا دنس..إنهم يعرفون أن الذين لم يكونوا لابسين ثوب العرس طردوا من الحقل كما قال الرب..هكذا يحرص المؤمنون القديسون علي طهارة سيرتهم ونقاوة سريرتهم وعذراوية قلوبهم وأفكارهم ومشاعرهم.

٥- أن نعد أنفسنا للوليمة السماوية:

العرس حاضر ومستقبلي أيضا. الملكوت قائم بيننا وننتظر مجيئه بمجد عظيم مصلين دائما في الصلاة الربانية “ليأت ملكوتك” والذين أدركوا أنهم مدعوون للعرس السماوي يدربون أنفسهم علي الإشتراك في الوليمة السماوية هنا في هذا الزمان الحاضر. القداس الإلهي وليمة سماوية ودعوة للعرس والفرح المجيد”عندما نقف أمامك نحسب كالقيام في السماء” . والذين إتسعت قلوبهم بالحب الإهي للصلاة وممارسة الليتورجيات وصارت فرحتهم ومتعتهم في التسبيح والترنيم هؤلاء هم الذين يؤهلون للتسبيح مع خورس السمائيين في أورشليم السمائية. لقد سمع يوحنا الرائي تطويب هؤلاء عندما قال له الملاك ” أكتب طوبی للمدعوين إلى عشاء عرس الخروف” (رؤ ۱۹: ٩) .. وفي مطلع الكتاب المقدس نجد الكتاب يعلن لنا عن العرس السماوي ووجود الله مع آدم في الجنة متمتعا بالأكل من يديه الطاهرتين. وفي ختام الکتاب المقدس يطالعنا الرائي بقوله « وأنا يوحنا رأيت المدينة المقدسة أورشليم الجديدة نازلة من السماء من عند الله مهيأه كعروس مزينة لرجلها ، وسمعت صوتا عظيما من السماء قائلا “هوذا مسكن الله مع الناس وهو سيسكن معهم ،وهم يكونون له شعبا ، والله نفسه يكون معهم إلها لهم” (رؤ ٢١ : ٢، ٣) [10].

المتنيح القمص يوسف أسعد

فرح ميراث البركة

ان ساعة توزيع الميراث هى دائما فرح لان فيها يأخذ الانسان ما يعتبرة بركة، فيقول الكتاب المقدس :”البيت والثروة ميراث من الاباء”(ام ١٩ : ١٤) فلا شك ان الميراث بركة ، فكم يكون فرح القديسين لا بالميراث وحدة كبركة، بل بميراث البركة ايضا، إنة فرح حقيقى يعرف اولئك الذين يقدرون معنى البركة.

فالبركة يا احبائى لا ترى ولا توزن ولا تشترى ، لكننا نعرف انها سمة سرية يمنحها اللة متى شاء ….اينما شاء….لمن شاء، والبركة التى تتحول الى ميراث للقديسين هى مصدرأ من مصادر فرحهم.

وفى مثل العشر عذارى ينطبق ميراث البركة على الدخول مع العريس (مت٢٥: ١-١٣).

و رقم عشرة رقم رمزى يعنى كمال الاعداد، فمليارات من النفوس منذ بدء الخليقة والى نهايتها مدعويين الى الملكوت، فاذا كان تعداد الصين فى جيلنا الحالى الف مليون نسمة…فكم اعداد المدعوين الى السماء في لوجود كلة ؟!!!!

والعشرة جميعهم اخذنا مصابيحهن، والمصباح هو النور الذي يمنحه الرب في العقل ، وهو الذي يشرق في الضمير ، وهو الذي يبهج العاطفه، هذا الصباح أعطاه الرب للجميع، والجميع مدعوين للقاء العريس.

إنه عرس قائم تسندنا فيه أمنا العذراء التي تري احتياجاتنا وازماتنا واحزاننا تطلب عنا حتي دون أن نطلب منها ، إذ إنها الأم التي تكون معنا بفكر واحد وحس واحد ، وتظهر شفاعتها من أجلنا ومن أجل المؤمنين في الوجود كله ،وتفعل كل هذا بلطف ورقه وحشي حنون ، انما تمارس ذلك لأن العريس قائم، والدعوه للجميع بلا استثناء.

لكن الذي فرق العشره إلي قسمين….والذي يقسم ميراث البركة إلي فريقين هو ما سماه الكتاب المقدس كسمه صارت لاصقه بأصحابها وهي سمه الحكمه وسمه الجهل.

و المقصود بالحكمه ليست فلسفه الناس، انما الحكمه النازله من فوق، الحكمه الروحيه التي تجعل الإنسان حريصا علي مصابيحة إلا يكون زينه أو منظرا، بل يكون كفئا للعمل متي يطلب للعمل ، وهذه الحكمه هي التي جعلت الفريق الأول يجتهد من أجل ملئ مصابيحة بالزيت.

والزيت في فهم الآباء المفسرين هو الروح الذي يفحص كل شئ حتي أعماق الله، ويعطي مفهوما جديدا لكل شيء مهما كان ، وهو الحياه الروحيه التي هي الحكمه ،من يختارها يختار لنفسه ميراث البركة.

ويتحدث معلمنا مار بطرس الرسول عن فهمه لبعض أساليب الحياة الروحيه المكونه للزيت فيقول:”و النهايه كونوا جميعا متحدي الرأي بحس واحد ذوي محبه أخويه مشفقين لطفاء غير مجازيين عن شر بشر أو عن شتيمه بشتيمه بل بالعكس مباركين عالمين انكم لهذا دعيتم لكي ترثوا بركة” (١بطرس ٩،٨:٣).

فالعناصر التي تحدث عنها بطرس الرسول لميراث البركة هي :

١-اتحاد الرأي :

اتحاد الرأي هو الذي يجعل افقر بيوتنا جنه علي الارض، والذي إذا افتقر إليه بيت – مهما حوي من اثاث ومجوهرات – يتحول إلي خراب ،لأن الذي يعمر البيوت ليس الطوب انما القلوب.

فاتحاد الرأي هام جدا في الحياه الزوجيه ، وهو جزء من عمار النفوس، وعمار البيوت، فالنفس العامره هي النفس التي تعمل لكي يكون بينها وبين الاخرين اتحاد في لرأي.

والله قد وضع في البيت أساسا إن يكون الرجل رأس المرأه ، كما أن المسيح رأس الكنيسه (أف ٢٣:٥) والتحديد هنا ليس للتمييز ،بل يمكن أن يكون الإثنان قديسان وباران ونقيان امام الله ،ولكن لكي يسير البيت لآبد إن يكون هناك قياده يخضع لها الاخر بمحبه، وهذا ما يجعل البيوت تعمر بالبركة.

وليس معني قياده الرجل في البيت إن تصير المرأه مواطن من الدرجة الثانيه ،بل بالعكس، إن هناك أراء للنساء تجعلهن في صفوف الحكماء ،وهنيئا للرجل الذى يعطيه الرب أمرأه حكيمه متعقله ،إن كلماتها توزن بالذهب ولها تقديرها عند رجلها.

٢-الحس الواحد :

الحس الواحد معناه إن يكون عند الإنسان بصيره ،أي يستطيع أن يري بالبصيره ويحس بشريكة أو اخاه أوأباه في وقت الضيق أو الاحتياج أو التعب ،وهذا هام وضروري للحياه الروحيه.

فلنتصور مثلا زوجان ولهما أبناء يحتاجون لمصاريف وتدابير للمدارس ،فإذا ذهب الرجل في وقت احتياج أولاده ليبذر امواله علي السجائر أو القهوه ولعب القمار.. فهل لهذا الإنسان حس واحد ؟! واذا طالبت أمرأه زوجها في وقت ازمه ماليه، بفرو تضعه علي رقبتها أوزينه خارجيه أو شيئا مما ليس له ضروره وليس من الاحتياجات الاساسيه ،فهل لهذه المرأه حس واحد ؟! أوالأبناء الذين يطلبون من ابائهم طلبات تجعل قلوب الابوين تتمزق لأن امكانياتهم محدوده ولا يستطيعوا إن يوفوا التزامات أولادهم ، فهل هؤلاء الأولاد لهم حس واحد؟!

لقد قال لنا الكتاب المقدس :”فرحا مع الفرحين وبكاء معالباكين” (رو ١٥:١٢)لكي يوجهنا إلي الحس الواحد الذي نفتقر إليه الان.

ذهبت يوما لعمل خطوبه ف أحد البيوت ،وكان بجوارالمنزل الذي فيه الخطوبه يوجد جنازه لأخواتنا غيرالمسحيين ،صدقوني إني لم ادخل بيت الخطوبه الا بعد إن ذهبت إلي بيت الميت لاعزيهم ،لإنه كيف يوجد في شارع واحد خطوبه وميت ؟!

لقد فقدنا فى روحياتنا الحس الواحد الذى يجعلنى أشعر بأخى الذى فى اقصى الارض واشعر بمعاناتة ، فكم و كم بأخى الذى بجانبى او يرقد على سرير بجوارى و تحت سقف واحد.

٣-المحبة الأخوية :

كل منا بالتاكيد قد اختبر المحبة الاخوية ، و كيف يتشاجر الإخوة ، وهم صغار ، ثم ينتهى موضوع الشجار ببساطة و ينسوا كل شئ ، و حينما يكبرون ويتزوج كل منهم و يذهب الى مكان اخر تظل علاقتهم بعضهم ببعض مملوءة بالحب فيتذكرون فيها الأيام الحلوة التى عاشوها معأ كإخوة .

المحبة الاخوية لا يوجد فيها مسئولية الأبوة التى ترهق كاهل الأبوين ، لكن يوجد فيها فرحة اللعبة و التسلية والعصا الواحدة ، فكل شئ يكونوا فية معآ – حتى لو كان الشجار – تجد لة فرحة عندهم.

 

صدقونى يا احبائى ان كلمة المحبة الاخوية هى قمة مسيحيتنا ، فهناك علاقة الزمالة ، تلك التى ننصح الشباب فى الجامعة ان علاقتهم معآ هى علاقة زمالة ولايدخل فيها أية علاقات اخرى ، و هناك علاقة الجيرة ، بمعنى ان جارى الذى يمكن ان اقول اننى لا احتاج إلية قد يجعلنى الزمن احتاج إلية ، فحينما تكون العلاقة بيننا سيئة او يتخللها شجار و خلاف … ففي وقت الحاجة لن اجدة الى ججوارى و لن ينظر الى وقت الشدة او الاحتياج ، هذا لانى لم احسن معة علاقة الجيرة ، فحتى لو قلنا ان كل منا فى دارة .. لكن يوجد جيرة لها كرامة و لها حسن معاملة .

اما المحبة الاخوية فهى شئ أخر نلعب سويا و نأكل سويا و ننام سويا ، الكبير فينا يحنوعلى الصغير والصغير يحترم الكبير .

المحبة الاخوية نعرف قيمتها فى الحياة الروحية حينما عاشرنا اخوة  لنا فى مدارس الاحد ، كانوا اكبر منا لكنهم كانوا قدوة لنا فى الصلاة و فى الخدمة وفى التعب، بعضهم وصل الى السماء و البعض الاخر متفرق في الارض …. لكن صورتهم وهم يتحركون أمامنا كإخوة روحيين مازالت تعلق بأذهاننا كنماذج روحية قدمت لنا الحياة في محبة أخوية.

المحبة الاخوية لا تعرف الغدر او الخيانة او المكر …..

اتذكر مرة مرضت وانا فى الجامعة ، و بلغ قداسة الانبا كيرلس بمرضى ، و كان حينئذ ياكل (سميط) فقطع من فمة جزءآ منها ، و كان معة تفاحة فكسر نصفها و ارسله لى مع الاخ وديع الذى كان يخدمة ، كلما اتذكر هذه الواقعة اشعر ان المحبة جعلتنى اقفز فرحآ ، و اثرت في جدااا و بعد ثلاثة شهور عندما قمت من السرير وذهبت الية فقال لى “انت اغلى من اخى” و كنت مندهشا لان عمرة هو كان فوق الستين عامآ ، و كنت طالبآ فى الجامعة ، فظهرت هذة المحبة فى وقت المرض حتى انه قسم لى اللقمة التى يأكلها … هذة يااحبائى المحبة الأخوية .

لذلك لا اعتقد ان احدآ منا فى مصباحة يفتقر الى هذه المحبة الاخوية ، فكلنا نحتاج الى بعضنا البعض ، وعلى رأى احد القديسين الذى قال :”اذا كانت الكنيسة كلها كهنة او اساقفة فعلى من يقومون او من يرعون ؟

واذا كانت كلها كهنة ، فهؤلاء الكهنة بدون شعب من يخدمون؟ و اذا وجد شعب كلة بدون كهنة او اساقفة فمن يخدم لهم الاسرار ؟ إن الكنيسة قيام بعضها ببعض ، وهذة هى المحبة الاخوية ، و هى قمة فى الحياة الروحية المسيحية أن نشعر بمحابتنا بعضنا لبعض كاخوة.

٤-الشفقة :

الشفقة الحقيقية فيها احساسات رائعة فى الشخصية الروحية ، لان مفهوم الشفقة ليس أن اعطيك ما تحتاجة ، لكن ان اعطيك ما يساعدك على خلاص نفسك .

هناك فتاة كانت لها زميلة فى ثانوى ، و حدثت اثناءالمرحلة الثانوية ان سقطت زميلتها فى خطية الدنس ، فما كان من هذة الفتاة التى تحب زميلتها الا ان لطمتها على وجهها لطمة قوية و قالت كيف تجرؤين على هذا الفعل و نحن بنات للمسيح و انت تريدين ان تعيشى للمسيح … فتقول صاحبة هذة اللطمة انها صححت أتجاهها و جعلها هذا القلم تفيق من غفلتها و تتوب عن سقطتها.

فهذة شفقة من اخت محبة تخاف على صديقتها من الانحراف.

مثال ذلك ايضا الاب الذى يعطى لابنة كوب من اللبن ، ويرفض الطفل و يبكى و لكن يظل الاب يحاول معة باللطف او بالشدة حتى يشرب كوب اللبن ، فهذا الاب يشفق على ابنة ، لانة لو لم ياخذ فى هذا السن كمية الكالسيوم التى تبنى اسنانة و عظامة فسيكبر بصحة غير سليمة.

هكذا تضمن الشفقة ليس ان اعطى الانسان ما يحتاجة انما ان اعطية ما يساعدة على خلاص نفسة .

٥-اللطف :

اللطف فى الحياة الروحية ينفع الانسان ولازم للخدمة ، فإبتسامة حقيقية غير مصطنعة تنم عن لطف يعيش فيةالانسان مختبرأ للطف اللة فى حياتة ، و هو فى اعماقة يشعر انة لا ذنب للناس ان ترى وجهة عابسأ او غيرمبتسم … فنحن فى الحقيقة مطالبون ان نجتهد في روحياتنا لنحافظ على لطف المسيح فينا ، و نحافظ على الابتسامة الغير مصطنعة الخارجة من قلب واثق فى اللة حتى فى الامراض او شدة الاحزان و التجارب ، فيظهر لطف اللة على وجوهنا و فى معاملاتنا و كلامنا.

٦-غير المجازاة عن شر بشر :

حينما تجد انسانا يشتمك او يفترى عليك او يظلمك ، وتصلى من اجلة ، و تطلب لة البركة ، فهذا فى حد ذاتة لة ميراث بركة، و ذلك لانك بعد ان تصلى تجد نفسك في الحال مستريحا و هادئا، بينما الذى شتمك ربما يذهب لينام فلا يعرف ، و يظل طوال الليل تتعبة الشتيمة وتتعب اعصابة.

فالانسان الذى يشتم لا يخسر شيئا ، اذا ان الشتيمة سوف لا تلتصق بة ولا تضرة ،  لذلك قال الكتاب :”من يظلم فليظلم بعد… و ها انا اتى سريعا واجرتى معى لاجازى كل واحد كم يكون عملة ” (رؤ ٢٢:١١,١٢)

لاجل هذا كان الحكيمات فى مصابيحهن زيت الحياة الروحية، وانتصاف الليل معناة ان هناك ظلام عجيب والكل نائم فى بيتة ، اى انة اذا صرخ انسان لا يسمعة احد ، لذلك نصت الشريعة فى الكتاب المقدس على ان عقوبة من يقتل السارق فى نصف الليل تختلف عن عقوبتة فى النهار ، وذلك لانة فى النهار اذا صرخ يمكن ان يسمع ، اما فى الليل فلا يسمعة احد.

ان مجئ العريس يكون فى نصف الليل ، وذلك يقول الاباء الروحيين انة حينما تظلم الدنيا و تضيق المشكلة وتتازم ، يكون وقت الفرج قريب وهو وقت مجئ العريس، فالوقت الذى يجد فية المعونة من احد ولا يجد بصيرة فى عينية او قلبة ، ولا يجد قوة لدية لعمل اى شئ، يجد فية المعونة من العريس السماوى ، مثلما فعل هؤلاء الاخوة الذين جاء عليهم جمهور كثير لمحاربتهم فقالو :”ليس فينا قوة امام هذا الجمهور الكثير الاتى علينا و نحن لا نعلم ماذا نعمل و لكن نحوك اعيننا” (٢اخ٢٠:١٢)

لهذا اذا ضاقت بكم مشاكلكم و زادت متاعبكم فلاتضغفوا ، ولا تلقوا سلاحكم و تسكبوا الزيت الذى في المصابيح، انما انتظروا سياتى سريعا ، فانتظاركم لمجئ العريس سيمنحكم البصيرة نحو الاشتعال و الاضرام ، وسيجعلكم تعرفون كيف تضيئون مصابيحكم.

اما الجهل و البعد عن الحياة الروحية و الذين يقولون ان هذا الكلام لاينفع فى هذا العصر، بل من شتمك شتيمة رد علية باثنين، ومن يضربك ضربة فاعطة بدلا من الواحدة اثنين، والكبير لابد ان ياكل الصغير، وهذا هو الطريق في العالم ، فتقول لهؤلاء ان كان هذا هو مبدا الحياة على الأرض ، فنحن عازمين على الذهاب الى السماء والملكوت .

لهذا اطمئنوا فالعريس اتى عند منتصف الليل “هوذ العريس مقبل فاخرجن للقائة. فقامت جميع أولئك العذارى واصلحن مصابيحهن”(مت ٢٥: ٦،٧) فلقد قامت الحكيمات و قامت الجاهلات ايضا، ولست محتاجا ان اعطيك مثالا حينما تجد ابنك فى الشارع وتاتى امامة سيارة مسرعة … كيف ستجرى علية و تفدى ابنك ، و هكذا حينما تظلم الدنيا و ياتى منتصف الليل وتجد العريس اتى، فالمهم ان يكون مصباحك فية زيت ، وستجد ان فيك يقوم كل شئ روحى سليم.

ان الحياة الروحية شخصية تماما، وهى لا تعتمد على قائد او كنيسة او خدام او اشخاص ، و كل من يشعل مصباحة لانتظار العريس سيعرف قيمة الوقت الذى قضاة فى الصلاة والدموع التبكير، حتى لو تهكم علية الناس، و سيعرف قيمة الوقت الذى قضاة فى قراءة الكتاب المقدس وفى العطاء حتى ينفق، وسيجد ان هذا الوقت لم ينفق بل رد الية ليفرحة عند مجيئة الثانى .

حياتك الروحية شخصية تماما، فلو قلت ان زوجتك لاتصلى او لا تعترف او لا تصوم، فلا تنظر اليها ، صلى أنت و صلى عنها واعترف انت، وشجعها لتصلوا معاً، ولكن إن رفضت اتركها فأنت من جهة المسئولية في الحياة الروحية أنت مسئول عن نفسك فقط ، مسئول عن زيتك أنت ، أما زوجتك وأختك وابنتك فساعدهم فقط ، فسيأتى الوقت الذي يطلب منك الناس أن تعطيهم من زيتك ، وسـتـقـول لـهـم إنه لا يكفينى ويكفيكم ، وحينئذ سيتم قول الكتاب : والمستعدات دخلن معه إلى العرس» (مت ٢٥ : ١٠).

إن ميراث البركة ياأحبائي سيأتي في وقته وفي موعده.. فاستعدوا إذا فهو ينتظركم ، وافـرحـوا بـهـذا، فمجرد أن تعرف أن هناك ميراث بركة ينتظرك سـتـفـرح ، ربما يكون فمك مـراً من الجوع ولكنك ستشبع ولا يكون هناك جوع.

ياعزيزي إن ميراث البركة مفرح للقديسين ، فقد كانوا يفرحون حينما يذكرون ذلك ، فلا تنسوه أنتم ، ونحن في أوقات كل شواهدنا تؤكد أن الساعة تقترب جداً منا ، فهكذا نحن نحتاج إلى الإستعداد الروحي وملء المصابيح . فإذا وجدت شخص تعرض عليه مرة وإثنين وثلاثة محبتك ويرفضها فلا تدينه ، ولكن اتركه وسر أنت في طريقك واملأ مصباحك وهيئ نفسك لساعة مجئ العريس .

إنها ساعة سيعرف فيها قيمة الكلمة : «وأغلق الباب» (مت ٢٥ : ۱٠) فلا يوجد من يستطيع أن يفتح ولا أحد ينفع أحد ، لهذا كونوا جميعاً مستعدين .. رجالاً ونساءاً.. شباباً وشابات، صغار وكبار، لنستعد جميعنا، فإن ميراث البركة ينتظرنا ، فلماذا نضيع حياتنا لهوا ولعباً ولا نستعد بملء المصابيح إنتظاراً لمجئ العريس .

افرحوا بهذا، ومهما تكن أتعابكم أوتجاربكم فافرحوا أن لكم ميراث بركة ينتظر جهادكم.

إلهنا الصالح يعدنى ويعدكم ويملأنا جميعاً بزيت الإستعداد الروحي من جهة إتحاد الرأى، والحس الواحد، والمحبة الأخوية ، والشفقة النافعة لخلاص النفس ، واللطف، وغير المجازاة عن شر بشر أو عن شتيمة بشتيمة ، كونوا جميعاً أهلاً لميراث البركة [11].

المتنيح القمص لوقا سيداروس

مثل العشر عذارى (مت ٢٥:١–١٣)

” حينئذ يشبه ملكوت السموات عشر عذارى ، أخذن مصابحهن وخرجن للقاء العريس. وكان خمس منهن حكيمات، وخمسة جاهلات . أما الجاهلات فأخذن مصابيحهن ولم يأخذن معهن زيتاً، وأما الحكيمات فأخذن زيتاً في آنيتهن مع مصابيحهن . وفيما أبطأ العريس نعس جميعهن ونمن. ففي نصف الليل صار صراخ: هوذا العريس مقبل، فاخرجن للقائه ! فقامت جميع أولئك العذارى وأصلحن مصابيحهن. فقالت الجاهلات للحكيمات: أعطيننا من زيتكن فإن مصابيحنا تنطفئ . فأجابت الحكيمات قائلات : لعله لا يكفى لنا ولكن ، بل اذهبن إلى الباعة وابتعن لكن وفيما هن ذاهبات ليبتعن جاء العريس ، والمستعدات دخلن معه إلى العرس وأغلق الباب . أخيراً جاءت بقية العذارى أيضاً قائلات: يا سيد يا سيد ، افتح لنا ! فأجاب وقال: الحق أقول لكن : إنى ما أعرفكن . فاسهروا إذاً لأنكم لا تعرفون اليوم ولا الساعة التي يأتي فيها ابن الإنسان”.

صلاة نصف الليل :

اختارت الكنيسة هذا المثل لنصلى به في نصف الليل ضمن خدمة الصلوات اليومية أي أن الكنيسة جعلت هذا المثل أيقونة تضعها أمامنا في الصلاة كل يوم .

تتحول الكلمات في هذا المثل إلى قوة دافعة للسهر والاستعداد لملاقاة العريس . وقد جعلت الكنيسة بعد تلاوة هذا الإنجيل في الخدمة الأولى من صلاة نصف الليل قطع توسلية كترجمة لكلمات الإنجيل وتحويلها إلى صلوات خاصة .

” ها هوذا العريس يأتي في نصف الليل ، طوبى للعبد الذى يجده ساهراً ، أما الذى يجده متغافلاً ، فإنه غير مستحق المضي معه . فانظرى يا نفسى لئلا تثقلى نوماً ، فتلقى خارج الملكوت . بل اسهرى قائلة : قدوس قدوس قدوس أنت يا الله من أجل والدة الإله ارحمنا” .

” تفهمو يا نفسي ذلك اليوم الرهيب ، واستيقظى ، وأضيئى مصباحك بزيت البهجة ، لأنك لا تعلمين متى يأتي نحوك الصوت القائل : ها هوذا العريس قد أقبل . فانظرى يا نفسى لا تنعسى ، لئلا تقفى خارجاً قارعة مثل الخمس العذارى الجاهلات با اسهرى متضرعة ، لكى تلتقى المسيح بدهن دسم ، وينعم لك بعرس مجده الإلهى الحقيقى ” .

إن هذه الصلاة التي نصليها كل يوم ، ونحن قائمين سهارى في نصف الليل هي بمثابة تفتيش الأوانى وفحصها ، هل يا ترى امتلأت من الزيت أم هي خاوية فارغة ، وهكذا يفحص الإنسان نفسه ويفتش قلبه ، اين خزين الزيت الذى به يلاقى عريس نفسه ،  فإن وجد هناك قليل من الزيت فإنه بالدموع في الصلاة والتوسل يجتهد أن يكمل مسيرتة ليجمع زيتاً للحياة الأبدية ، لا سيما أن الفرصة ما زالت سانحة وما زال الوقت يدعى اليوم .

وإن فتش الإنسان قلبه ووجد آنيته قد فرغت من الزيت فماذا عساه يعمل ؟ !

ليطلب الباعة بأكثر اجتهاد قبل ان يغلق الباب ، ويا لحسن الحظ إن الباعة في زمان غربتنا ما أكثرهم ، وما أسهل الحصول على الزيت وملء الآنية .

فإن كنا قضينا زماناً محسوبين مع العذارى الجاهلات فقد تناهى الزمن والوقت منذ الآن مقصر ، هيا ننفض عنا غبار الكسل ونستيقط من غفلتنا وبحكمة روحية نسلك في جهاد روحى ، وسهر في الصلاة ومحبة بلا رياء وصبر كامل ورجاء ثابت ونية نقية وقداسة السيرة … كل هذا سيملأ آنيتنا يوماً فيوماً حتى إذا ما حان وقت خروجنا من الجسد نفرح مع الفرحين الداخلين إلى العرس الأبدى .

ملكوت الله عرس ابدى :

إنه فرح حقيقى دائم إلى الأبد لا ينتهى ، أليس هو الموضع الذى هرب منه الحزن والكآبة ووجع القلب ؟ حيث يمسح الله كل دمعة من عيونهم ويكلل محبيه بالكرامة ويعترف بالذين اعترفوا به ولم ينكروا اسمه .

لأنه قال في الرؤيا : ” لن يجوعوا بعد ، ولن يعطشوا بعد ، ولا تقع عليهم الشمس ولا شيء من الحر ” (رؤ ٧ : ١٦) .

 

الفرح في السماء دائماً لا يشوبه كدر، حيث لا جسد يشاغب ولا شيطان يحارب ولا عالم يغرى ويضاد .

المسيح هو العريس:

قال القديس يوحنا المعمدان عن السيد المسيح ” من له العروس فهو العريس ” (يو ٣: ٢٩). هو عريس الكنيسة الذى اقتناها بدمه ودفع مهرها واشتراها لا بفضة ولا بذهب من سيرتكم الباطلة، بل بدم كريم كما من حمل بلا عيب، دم يسوع المسيح معروفاً سابقاً قبل تأسيس العالم ” (١بط ١: ١٨) .

وقد استعلن المسيح المبارك عريساً للكنيسة منذ القديم ويكفى أن نتأمل في سفر نشيد الأنشاد حيث يتجلى المسيح العريس ، معلماً بين ربوه ، بعلامتة العجيبة وهى صليبه ، وهو كما تصفه العروس أبيض وأحمر ، فتى كالأرز ( باقى الأوصاف من سفر نشيد الأنشاد ) وقد أقترن الرب بشعبه الذين اختارهم ورفعهم من المزبلة كما نقرأ في حزقيال ١٦ ” خطبتك لنفسى ” .

كذلك عتاب الرب لعروسه في سفر إرمياء (إر ٢: ٢) ” ذكرت لك غيرة صباك ، محبة خطبتك ، ذهابك ورائى في البرية ” .

والقديس بولس الرسول يقول: ” خطبتكم لرجل واحد ، لأقدم عذراء عفيفة للمسيح “(٢ كو ١١ : ٢) .

الكنيسة هي العروس:

قال الملاك للقديس يوحنا الرائي: هلم أريك العروس امرأة الخروف (رؤ ٢١: ٩) ، فرأى وكتبت عنها مثل عروس مهيأة مزينة  لرجلها ، لها مجد الله زينتها مصنوعة بدمه .

مشرفة مثل الصباح، جميلة كالقمر، طاهرة كالشمس مرهبة كجيش بألوية (نش ٦: ١٠) .

فهى إن كانت طاهرة كالشمس، فالفضل يرجع للذى غسلها بدمه وقدسها بغسل الماء بالكلمة، لكى يقتنيها لنفسه كنيسة مجيدة بلا غضن أو شيء مثل ذلك ، بل تكون مقدسة ولا عيب .

وهى إن كانت جميلة كالقمر، فالفضل يرجع إلى إنعكاس نور وجه المسيح الذى أنار ظلمتها بقيامته وأشرق في قلبها لإنارة معرفة مجد الله في وجه يسوع المسيح وهى إن كانت مشرفة كالصباح، فبسبب فجر قيامته الذى بدد الموت عن الجالسين  في الظلمة وظلال الموت عائشين كل حياتهم في خوف ومذلة .

وإن كانت مرهبة كجيش بألوية ، فالفضل يرجع إلى الذى غلب كل جيوش الظلمة وقوات الشر وكسر مصاريع الجحيم وسحق الشيطان بالصليب . لذلك رآها يوحنا الحبيب ليس لها مجد من ذاتها بل لها مجد الله .

وتستطيع أن ترجع إلى جميع الأوصاف العجيبة التي سجلت في سف الرؤيا عن مجد الكنيسة في السماء أو تعرف تماماً أن سر هذا المجد الكائن في المسيح عريسها مصدر كل عطية صالحة وكل موهبة تامة.

العذارى :

هم أعضاء الكنيسة، المدعوون للدخول إلى الوجود الأبدى مع المسيح العريس السماوى. المدعوون للأتحاد بالمسيح في سرلا ينطق به . عشر عذارى قال الرب، ولكن فصلهم إلى فرقتين، قد يبدوا للناظر إلى جميعهن بحسب المظهر الخارجي أنه لا فرق ، فكلهن عذارى لهن مصابيح  ولهن زينة وخارجات لاستقبال العريس .

فماذا يكون الفرق إذن ؟

إن الناظر إلى العذارى لا يستطيع أن يفرق بينهن، فكلهن عذارى ممسكات بالمصابيح ولهن أوانى ، وجميعهن خارجات للقاء العريس ليس في قدرة الإنسان أن يعرف أيهن حكيمات وأيهن جاهلات فالإنسان ينظر من الخارج ، أما الرب فينظر إلى القلب. الله وحده الفاحص القلوب ومختبر الكلى ، هو وحده الذى يستطيع أن يكشف ما في الآنية من ملئ أو فراغ ، هذا الفرز والتمييزهوعمل المسيح الديان وحده .

لقد فرق الرب بين الأثنين فجعل للمغبوطات صفة الحكمة بينما وصف الأخريات بالجاهلات .

حكيمات :

الحكمة بنت بيتها (أم ٩: ١) . بدء الحكمة مخافة الله (أم ٩: ١٠) .

لقد اختص سفر الأمثال كله في التفرقة بين الحكيم والجاهل، وإن كانت الأوصاف في المعانى في هذا السفر تبدوا جسدية تختص بالحياة الحاضرة إلا أنها في طياتها يكمن سر الحياة الأبدية والحكمة التي توصل النفس حتى إلى داخل العرس والفرح الإلهى حيث تسمع الصوت القائل: أدخل إلى فرح سيدك (مت ٢٥ : ٢١) .

والرب يسوع قال: أن الذى يسمع كلامه ويعمل به يشبه برجل حكيم وعاقل بنى بيتاً ، وحفر وعمق ووضع الأساس على الصخر (لو ٦ : ٤٨) . أما الذى يسمع ولا يعمل فشبهه برجل جاهل بنى بيته على تراب الجسد والسطحيات الخارجية فسقط وكان سقوطه عظيماً (لو ٦: ٤٩) .

مجئ العريس :

إن مجئ المسيح الثاني يكون بمثابة فرز وتمييز بين الذين استحقوا للفرح السمائي وبين الرافضين لملكوت المسيح . قال الرب : إنه متى جاء في مجده وجميع الملائكة القديسين معه ، فإنه يميز بين الشعوب في الدينونة ، كما يميز الراعى الخراف من الجداء ، فيقيم الخراف عن يمينه والجداء عن يساره (مت ٢٥ : ٣٢) .

قال القديس يوحنا الرسول في رسالته الأولى: ” الآن نحن أولاد الله ، ولم يظهر بعد ماذا سنكون ” (١يو ٣ : ٢) . أي أن سر أولاد الله سيستعلن في مجئ المسيح لأننا سنكون مثله، سنراه كما هو حيث أنه هو نور العالم فاستعلان أبناء الله يكون باستعلان نوره فيهم ، والعكس فإن الخاضعين لروح الظلمة يكون لهم خجل عظيم إذ لا شركة للنور مع الظلمة (٢كو ٦ : ١٤) . بل الظلمة تهرب منه.

فالعذارى الحكيمات إذن هن النفوس التي متى جاء المسيح يجدهن قد زين مصابيحهن بالنور الذى هو إشراق المسيح وحلوله في النفس البشرية، أي أن هذه النفوس صارت مسكناً للنور .

” سراج الجسد هو العين ، فإن كانت عينك بسيطة فجسدك كله يكون نيراً ” (مت ٦: ٢٢) .

وقد ملأت العذارى الحكيمات المصابيح والآنية بالزيت ، ومعلوم أن الزيت يشير دائماً إلى مسحة الروح القدس الذى فينا ، الذى به ختمنا بروح الموعد القدوس ليوم الفداء لعربون الروح لفداء المقتنى .

لقد صارت المسحة ملئاً ، ملأت المصابيح والآنية ، النفس والروح معاً ، وهذا لا يحدث إلا بالسهر المتواصل والجهاد القانوني والصلاة المتواترة ، إنه مثل الوزنات التي تربح فتتضاعف ، لأن السلوك بالروح يدفع الإنسان للفرح وهذا بالتالى ينشئ حماساً لمواصلة السير والمجاهدة للوصول .

+ إن المسحة التي لنا من القدوس ، بزيت الميرون في المعمودية ختمت على كل أعضائنا ، فصارت آنيه كرامة ونستطيع أن نلمس من كانت آنيته ملئيه بالنعمة وأعضاؤه مسلمة لها .

+ فالعقل والفكر وكل قوى النفس تفيض من ينبوع الخيرات وكنز الصالحات .

+ واللسان يصير ينبوع نعمة ، يفيض كلاماً صالحاً كما من كاتب ماهر ” لسانى قلم كاتب ماهر ”  (مز ٤٥ : ١) .

+ والعين ممسوحة بالروح في بساطة الحمام والقلب يصير كنز للصلاح ، ومركز للحب الطاهر ، وكل ما هو جليل وكل ما هو طاهر وكل ما صيته حسن تكون فيه تجارة الإنسان الروحانى .

وعلى العكس من ذلك ، فالذى ينتمى إلى فريق العذارى الجاهلات فإنه من جهة كل أعمال الروح وثمر الروح فهو فقير معوز يبحث عن هذه الأمور بعد الوقت ولا يجدها .

موقف الجاهلات :

ياللحسرة والندم . ولكن بعد فوات الأوان ، أين خزين زيت الروح لإنارة الوجه في حضرة المسيح ؟ لقد انقضى العمر كله لحساب الجسد ، فلما فتشوا عن ما ادخروه بالروح كانت المفاجاة القاتلة … ليس شيء لحساب الروح ، أما ما كنزوه في الأرض فقد ترك مدفوناً في التراب ، كل وقت وجهد لحساب الجسد …. دفن مع الجسد ، كل جهاد للحصول على كرامه في العالم …يفنى مع العالم  .

كل سعى وراء الشهوات يسلب النفس قدرتها على الاستنارة ويترك الإنسان في الظلمة ، كل طمع وسعى وراء المال والشهرة والصيت والغنى واللذة والفرح العالمى كان وبالاً على الروح فصارت بلا زيت بلا نور .

كل كسل وتوانى وتفريط وإهمال . كل عزوف عن الصلاة وتضيع للوقت واستهتار بالوصايا وتدليل للذات صار كل هذا على حساب الروح فذبلت وانطفأ نورها .

كمن يهمل وقت الزرع ويستهين بالسهر والسقي والعناية بزرعه . ماذا يجد وقت الحصاد سوى حقل خاو وعديم الثمر . أليس ما يزرعه الإنسان إياه يحصد ؟ إن من يزرع للجسد فمن الجسد يحصد فساداً (غل ٦ : ٧ – ٨) .

+ إن سلوك الجاهلات ينم عن رعونه حقيقة وعدم حكمة ، لقد اكتفت الجاهلات بالمظهر الخارجي واللحظة الحاضرة وبعدم حكمة خرجن للقاء العريس دون حساب دقيق أو احتياط واجب ، فلم يأخذن زيتاً في الآنية . المظهر كان يبشر بالخير بينما الداخل فارغ تماماً هذا هو الخطر بعينه … الآنيه تعبر عن القلب وملؤها يصير كنزاً وفراغها يورث الحيرة والموت .

+ وثمة سؤال ، هل فكرت الجاهلات – ولو إلى لحظة – ماذا يعملن في المستقبل وليس لهن زيت ؟ ماذا لو تأخر العريس ؟ ماذا لو انطفأت المصابيح ؟

+ لقد انطفأ نور البصيرة قبل أن تنطفئ المصابيح بزمان …. ! !

+ ألا يحسب جاهلاً حقاً الذى يعيش بهذا الفكر المظلم ، يستهين بالموقف ولا يحسب حساب للدينونة ، ويحسب أن تنعم اليوم لذة ، ولا حساب للغد ؟ انظر إلى النملة وتعلم منها أيها الكسلان كيف تجمع في الصيف لأيام الشتاء … هكذا قال الحكيم سلبمان لينبه النفس الجاهلة .

أعطيننا من زيتكن :

إن إجابة الحكيمات ، لعله لا يكفى ، تشير إلى حكمة القديسين واتضاعهم ، إن ظنهم وحكمهم على ما جمعن من فضائل وما خزنوه من زيت النعمة ومحصول الروح هو قليل وقد لايكفى ( لنا ولكن ) ، أو هو بالكاد يصل بهم إلى لقاء العريس ، وهذا الشعور بالعوز والحاجة كان يدفعهم بالأكثر لمواصلة السعي ويحثهم على السهر والجهاد .

+ والامثلة على ذلك كثيرة فالقديس بولس الرسول ، رغم ما وصل إليه من نعم وما بذله من جهاد محبة في المسيح حتى فاق الرسول الأطهار … رغم كل ذلك يقول : ” لست إنى قد نلت أو صرت كاملاً … ” وبهذا الروح العالى ينسي ما هو وراء ويمتد فيما هو قدام … لا شعور بالاكتفاء ولا اعتداد بكبرياء أن الإنسان بلغ إلى مراده أو وصل … هذا ليس منهج القديسين … لم يقل أحد أن عنده ما يكفيه ويفيض بل شعور المحتاج يسعى إلى آخر نفس .

+ لقد ظلت الشياطين تحارب القديس مقاريوس الكبيير بهذا الفكر الردئ حتى احظات موته ، تقول له : ” طوباك يا أبو مقار أكملت جهادك ” ، وظل هو إلى آخر رمق يرفض الفكر كمن هو محتاج لآخر قطرة من زيت النعمة يجمعها وهو على فراش الموت بصبر واحتمال المحتاج والمترجي .

+ ألا يصير هذا تبكيتاً للذين يظنون في أنفسهم أنهم شيء ، إن من يظن في نفسه أنه شيء وهو ليس شيئاً يضر نفسه كما قال الرسول بولس .

المستعدات دخلن معه إلى العروس :

إن ملكوت ربنا يسوع المسيح لا يدرك إلا بالدخول اليه ، فلا يستطيع أحد من خارجه أن يتخيله حتى بالعقل والتصورات البشرية مهما سمت ، فأمور الملكوت اختبارية بعيدة المنال عن خيال البشر .

إذ أنه ما لم تره عين ، وما لم تسمع به أذن ، وما لم يخطر على قلب بشر (١كو ٢ : ٩) . والمطوبون الذين استحقوا هذه الكرامة يدخلون إليه دخولاً هو بذاته النعيم الأبدى فعندما ينادى الرب مختاريه يقول هذه العبارة : ” أدخل إلى فرح سيدك ” وحالما يسمع الإنسان هذه الكلمة من فم الرب يدخل إلى الفرح الإلهي ويجد ذاته في عمق الفرح ، فالدخول إلى الفرح هو انتقال النفس من حالة المسكنة إلى حال الوجود الدائم في نور وجه يسوع المسيح ، فالفرح الأبدى إذن هو دخول إلى  دائرة لم يكن للإنسان خبرة بها أو معرفة وليس في طاقة البشر أن يدركوا كمال سرها .

موكب العريس :

من العادات القديمة عند الشرقيين في احتفالاتهم بالعريس ، أن تكون العروس مع وصيفاتها في حالة انتظار – كما شرح الرب بالمثل – ويأتي العريس كذلك في موكب مع أصدقائه ، ويتلاقى الاثنان في مشهد الفرح بالغ العذوبة لكى تزف العروس إلى عريسها … وما أشهى أن تفتكر النفس في موكب عريسها السماوى آتياً من السماء محفوفاً بالمجد والكمال مع جميع الملائكة القديسين معه ، آتياً على سحاب السماء ، جالساً على كرسى مجده .

+ وسيعلن عن مجيئه المجيد ، صوت بوق رئيس الملائكة الجليل ميخائيل ملاك القيامة وملاك الفرح معاً .

” لأن الرب نفسه بهتاف ، وبصوت رئيس ملائكة وبوق الله ، سوف ينزل من السماء والأموات في المسيح سيقومون أولاً ثم نحن الاحياء الباقين سنخطف جميعاً معهم في السحب لملاقاة الرب في الهواء ” (١تس ٤ : ١٦ – ١٧) .

+ سيأتي الرب ولا يبطئ كما يظن قوم التباطؤ ، فالعربس قادم لا محالة ، مهما تأخر إنها ساعات قليلة .

+ ومجيئه في نصف الليل ، سينير خفايا الظلام ، ويشرق بنوره في ليل الخطية ويبدد ظلمته إلى الأبد ، فلا يوجد الظلام فيما بعد والمحسوبين عذارى حكيمات قيل عنهم إنهم ليسوا من ليل ولا من ظلمة جميعهم أبناء نور وأبناء نهار ، فلا ننم اذاً كالباقين ، بل لنسهر ونصح (١تس ٥ : ٦) .

لقاء العربس :

قال القديس بولس الرسول إنه لا بد لنا جميعاً أن نظهر أمام كرسى المسيح ليعطى كل واحد منا حساباً عما قدمه بالجسد خيراً كان أم شراً وهذا اللقاء لابد أن يكون فماذا أعددنا له ؟

أما الذين للمسيح فهذا هو العريس ، وهذا هو يوم عرس وفرح أرواحهم يوم اللقاء الأبدى . وأما الذين ليسوا للمسيح فهذا اللقاء مخيف انه يوم تهرب الظلمة من النور وتدان جميع أعمال الظلمة والفجور ، ويقولون للجبال اسقطى علينا وللآكام غطينا من وجه الجالس على العرش (رؤ ٦ : ٦) .

أغلق الباب :

لقد ظل الباب مفتوحاً على مصرعيه حين كانوا في الجسد ، لقد قال السيد المسيح  أنا هو باب الخراف إن دخل بى أحد يدخل ويخرج ويجد مرعى ، وصار ينادى خرافه الخاصة بأسمائهم يدعوها للدخول ، وقد فتح الباب إلى أقصى اتساعه حين علق ابن الله على الصليب وفتح ذراعه وسلمها للمسامير ، وصار كمن يستعد لاحتضان كل من يأتي إليه هارباً من نير العالم أو مقهوراً من الخطايا مهاناً من الشيطان .

وقد بدأ باحتضان اللص على الصليب وفتح أمامه باب الرجاء وباب الفردوس . ونادى الرب بالإنجيل ” تعالوا إلى ياجميع المتعبين والثقيلى الأحمال ، وأنا أريحكم ” (مت ١١ : ٢٨) .

إذن نفهم أن دعوة الصليب ودعوة الإنجيل هي دعوة للدخول من الباب أي بالمسيح وهو باب مفتوح للجميع ولا سيما الخطاة فما بالنا نسمع هذه العبارة ” أغلق الباب ” دون الجاهلات .

إن زمان وجودنا بالجسد قبل مجئ المسيح العريس هو زمان توبة ورجوع وإصلاح السيرة والندم على الشر والباب المفتوح .

أما ان نقضى زمان توبتنا دون أن ندخل فلن يكون هناك دخول بعد ولكن سيغلق الباب .

قال الرب لملاك الكنيسة في سفر الرؤيا ” هنذا قد جعلت أمامك باباً مفتوحاً ” (رؤ ٣ : ٨) . لقد دخلت الحكيمات وهن في الجسد في زمان الجهاد دخلن الباب الضيق اجتهدن فوجدنه وحينما وجدنه صار هو طريقهم .

” باب ضيق ولكنه يؤدى إلى الحياة الأبدية ” لم يرفضوه ولم يتذمروا من ضيقه بل حملوا صليبهم وصبرن على الضيق ، وها قد تبدل هذا الباب الضيق إلى  مسرات ابدية وصار صليب الباب الضيق والطريق الكرب هو ينبوع الفرح الأبدى والخلاص .

أما الذين رفضوا هذا الباب الضيق ، رفضوا الدخول ، استثقلوا الصليب وضيق حياة الصلاة والصوم وضيق باب القداسة وضيق إنكار الذات والاتصاع وفرحوا بالباب الواسع وساروا في الطريق الرحب . هذا الباب الضيق الذى رفضوه بإرادتهم وهم على الأرض أغلق أمامهم في السماء .

+ غلق الباب بالنسبة للحكيمات فرح ما بعده فرح لقد تأكد لهم الوجود الدائم مع العريس فلا انفصال بعد ولا تخل ولا حرمان إلى الأبد ولا شيء سيكدر هذا الصفاء اللانهائي . أما بالنسبة للجاهلات فما أقساها كلمة ” أغلق الباب ” لا توجد فرصة أخرى ، إنه حرمان أبدى ، وعذاب لا ينتهى ، ظلمة خارجية ، بكاء وصرير أسنان لا أمل ولا رجاء فيما بعد .

إنه حقاً أمر مخيف ومرعب ، وهذا النصيب التعس والنهاية الأسيفة التي لا ينفعها الندم ولا قرع الصدور .

دعوة لليقظة والسهر :

قال الرب تعليقاً على هذا المثل اسهروا إذن لأنكم لاتعرفون اليوم ولا الساعة التي يأتي فيها ابن الإنسان . فدعوه ربنا مجددة لنا كل يوم أن نسهر . لقد طلب الرب من التلاميذ وهو في البستان أن يسهروا  ويصلوا وكررها مرات وعاتبهم قائلاً : ألم تقدروا أن تسهرو معي ساعة ؟ !

قد تفقد النفس إكليلها فيسرق منها بسبب تهاونها وكسلها ، وعدم يقظتها وسهرها .

قد يفرغ الزيت بسبب الغفلة والنوم في الأباطيل وضياع الوقت في الباطل بينما الإنسان متغافل عن خلاص نفسه مثقلاً بنوم عميق والسهر معناه اليقظة الروحية والخوف الحريص على ألا يفقد الإنسان ما عنده ولا يفرط في الذى اقتناه بالتعب والجهد . إن ما يقتنيه الإنسان بجهاد طويل في الفضيلة ربما لو تغافل يسرق منه في لحظة فيسقط في مزالق الشر ويصير فقيراً من النعمة .

العريس قد يأتي في أي وقت ، هذا حق ؟

فهل صارت عروسه في حالة استعداد للقائه ؟

هذا هو السؤال الذى يجب أن تجيب النفس عليه كل يوم مادامت في حالة انتظار .

+ذكرت لى فتاه مخطوبة أن عريسها فاجأها بزيارة غير متوقعة في يوم من الأيام لم تكن مستعدة ومهيأة للقائه ، بل كانت مرتبكة بخدمة ونظافة البيت ولم تكن في هندامها وصورتها التي تحب أن يراها فيها ، فحصل لها خجل كثير وربكة وصارت تبكى من فرط تأثرها ، ثم اتجه ذهنها في ذات اللحظة إلى الحال التي تكون عليها النفوس التي يفاجأها قدوم العريس السمائى وهى على غير استعداد فصارت تبكى أكثر ، وقد استمدت من هذه الحادثة قوة أكبر على الجهاد والسهر الروحى والاستعداد للقاء العريس الحقيقي . ألا نحسب أنفسنا أننا في زمان الخطبة للعريس الحقيقى .

” خطبتكم … لأقدم عذراء عفيفة للمسيح ” (٢كو ١١ : ٢) .

ونجتهد في هذه الأيام أن الأيام أن نهئ أنفسنا لكى نلاقيه بفرح المستعدات .

اتحاد بالعريس السماوى :

من اتحد بالرب صار روحاً واحداً هكذا يقول الرسول ، فسر الاتحاد الأبدى بالعريس السماوى كائن في أن العذارى الحكيمات كان لهن سر الروح وسر الحياة بالروح وسر الاتحاد بالرب .

فلما كمل الزمان ، وجاء وقت استعلان الاتحاد الذى كان يعمل فيهم سراً وهم عائشون في غربة العالم وانتظار وسهر وتوقع ، لما جاء اليوم الموعود لتزف العروس لكمال الاتحاد الأبدى أغلق الباب إلى الأبد وصار الاتحاد لانهائياً .

لا وجود للزمن المتقلب ولا للجسد المشاغب ولا للشيطان المجرب … ولا تستطيع هذه القوى أن تتسرب لتكد هذا الفرح أو تعكر صفو الاتحاد بالحق إلى الأبد وإلى أبد الأبد ،

والذين عرفوا الرب بالروح ، خلوا من كل تصورات الجسد والأحاسيس المادية وأدركوا الحب الإلهى حب الصليب هم وحدهم الذين يدركون ملكوت الاتحاد بالله .

أما الذين عبدوا الله بعتق الحرف ، بالحس واللمس المادى محصورين في الجسد عائشين في التراب . فمن أين لهم أن يدركوا أسرار الملكوت ؟

حقاً إنه يستحيل على الإنسان الطبيعي أن يدرك ما لروح الله لأن عنده جهالة ولا يستطيع أن يحكم في شيء لأنه إنما يحكم فيه جسدياً . فما أن تبلغ إلى مسامعه كلمه عرس . وعذارى وعريس ، حتى يتجه ذهنه المادى الأرضى إلى عرس الأرض وأفراح المسرات العالميه والتلذذ بشهوات الجسد واتحاده … يا للحسرة وعمى البصيرة .

اما الذين لهم باكورة الروح فإنما يحكمون بالروح في كل شيء والروح يفحص كل شيء حتى أعماق الله .

خرجن … ودخلن :

لا يتم لقاء العريس إلا بالخروج ، ولا يتم الاتحاد به إلا بالدخول إلى ملكوته دخولاً حقيقياً ، وهذان الفعلان الخروج لاستقبال العريس ثم الدخول إلى ملكوته هما فعلان متلازمان كوجهى العمله الواحدة .

ففي حال خروجنا وسعينا نحو العريس لاستقباله نكون بالضرورة مقتربين نحو الدخول الى عرس مجده الإلهى .

وفى حال كسلنا وتقاعسنا عن السعي تقل فرص دخولنا وقد يغلق الباب  دوننا .

الخروج هنا يحمل جميع المعانى الروحية في رحلة النفس التي تستحق للدخول إلى العرس السماوى . فأنت تقرأ عن خروج إبراهيم من أهله وعشيرته ، فخرج وهو لا يعلم إلى أين يأتي وكان هدفه الواحد يشده ويجذبه إليه ، وكلمة الذى دعاه تشجعه وتدفعه ” سر أمامى وكن كاملاً ” ، وبالإيمان بلغ الموعد وقبل ما أقسم الرب به ثم خرج بنى إسرائيل بيد قوية وذراع رفيعة تجذبهم مواعيد عظمى وثمينة عن أرض ميراث تفيض لبناً وعسلاً .

على النفس إذن أن تنسلخ من عتقها وتخرج خارج الدائرة ، دائرة جذب العالم ، وشهوات الجسد وإغراءات المادة.

لابد من الخروج للقاء العريس حتى تستحق النفس الدخول إلى عرس مجده الإلهى .

الحق أقول لكن إنى ما أعرفكن :

أخيراً جاءت الجاهلات قائلات يا ربنا يا ربنا افتح لنا فأجابهن الرب من الداخل بهذه الكلمات إنى ما أعرفكن . هذا معناه انه لن يتمتع برؤية شخص يسوع الذى هو بهاء مجد الله  ورسم جوهره سوى النفوس المختارة ، أما الجاهلات فلا يستطعن بأى حال من الأحوال أن يرين وجهه ولا مجده … كيف تلتقى الظلمة بالنور ؟ لأنه أيه شركة للظلمة مع النور ؟ (٢كو ٦ : ١٤) .

لكن كيف يقول الرب إنى ما أعرفكن ؟+

إن كثيرين يدعون أنهم يعرفون الرب ، وكثيرون سيأتون في اليوم الأخير يقولون أليس باسمك تنبأنا أليس باسمك أخرجنا شياطين . فيقول لهم الملك تباعدوا عنى يا جميع فاعلى الإثم إنى لا أعرفكم من أين أنتم .

فمعرفة المسيح ، معرفة فائقة ، والموضوع ليس أسماء واشكال ولا حتى آيات وعجائب تصنع … ولكن معرفة المسيح هي حياة بالمسيح وفى المسيح .

فالشيطان يستطيع أن يغير شكله إلى شبه ملاك نور ، ولكن هذا مجرد منظر خارجى أما الواقع الداخلى روح ظلمة وظلام . فليس عجباً إن كان خدامه يغيرون شكلهم إلى شبه رسل المسيح هكذا يقول القديس بولس الرسول .

فالجاهلات صرن حسب الظاهر في منظر العذارى ونداءهن ” يا ربنا يا ربنا افتح لنا ” كأنهن من التابعات الحقيقيات ، ولكن الله لا يشمخ عليه ، ليس كل من يقول  يارب يارب يقدر أن يدخل ملكوت الله .

فالع برة إذن ليست بكلمات الصلاة ولا الشكل الخارجي ولا الأسماء الرنانه أو المراكز الظاهرة للناس أو أثواب القداسة وأشكال الحملان أن مجئ المسيح سيكشف كل شيء لأنه لا يدين بحسب الظاهر.

ولا ينظر إلى العين بل ينظر إلى القلب (١صم ١٦: ٧) .

يفحص القلوب ويختبر الكلى (رؤ ٢: ٢٢)  [12].

المتنيح القمص تادرس البراموسي

اليوم الثلاثون من شهر طوبه المبارك

(جاء العريس والمستعدات دخلن معه إلى الغرس وأغلق الباب ) (مت ٢٥ : ۱ – ۱۳)

حياة الإستعداد كلمة جميلة نرددها دائما في حياتنا الروحية والجسدية فما أجمل من أن يكون الإنسان مستعدا في كل شئ كما قال الكتاب كونوا مستعدين لمجاوبة كل من يسألكم عن سـب الرجـاء الـذي فيكم (١بط ۳ : ١٥) ؛ وكلمة ” إستعداد ” لهـا إتـصال مباشـر بكلمـة ” رجاء ” ؛ في كل أمور الحياة نحتاج إلى إستعداد ؛ إسـتعدادنا للأبدية يحتاج إلى تفكير ودراسة وسهر حتى يضع الإنسان النقط على الحروف .

إستعداد الإنسان المسافر لمكان آخر لازم له نظام به يهتم الإنسان كثيراً ويجهز ما يحتاج إليه ؛ الطالب لولا إستعداده لا يمكـن أن ينجح في الإمتحان بل يسهر ويستذكر دروسه ويرى ما يحتاج إليه ؛ كذلك التاجر والمزارع وكل حرفة لها إستعداد ولها أشياء معينة تحتاج إليها ؛ الإستعداد للقاء الرب إن لم يكن عندنا إستعداد لا يمكن أن يكون لنا نصيب مـع الرب . لقاء الرؤساء والمحاولة لأرضائهم لنسمع كلمة تشجيع منـهم ؛إن كان ملك يذهب لمحاربة ملك آخر عنده عـشرة آلاف جنـدي والملك الأخر يلاقيه بعشرين ألف يدرس الأمر كيف يكون تسليح الجيش الآخر وإلا يرسل سفراء للصلح ونحن أمامنا عدو يتربص بنا .

في الليل والنهار إن لم نكن مستعدين ومسلحين لمواجهته كيف نقـدر نتغلب عليه ؟ يقول الكتاب عن هذا العدو أنه كأسد يجول يلتمس من يبتلعه ؛ إن لم نكن مسلحين كيف نواجه هذا العدو الـذي يقـف لنـا بالمرصاد ويتفنن كيف يسقطنا في الخطية وينتصر علينا ؟ حارب القديسين ولولا إستعدادهم لانتصر عليهم ؛ وتكلم معلمنا بولس الرسول قائلا إن في محاربتنا ليست مع لحم ودم بل مع الرؤساء مع السلاطين مـع أجنـاد الشر الروحية في السماويات (أف ٦ : ١٢) . طريق الإستعداد شـاق جدا يحتاج لدراسة وتضحية وأن يكون الإنسان ساهراً يقـاوم عـدوه ببسالة وإلا يسقط في الميدان ؛ نحتاج لمساعدة الرب يسوع لأننا ضـعفاء وعدونا قوي يعرض علينا بضاعته بكل نوع ؛ يلقي بذاره لكي تنمـو في حياتنا ؛ ظهر كثيراً لبعض القديسين مرات بشكل ملاك ليخدعه بمنظـره ويبث فيه فكرة الإنتصار وقبول الله لصلوائه لكي يجعلـه يتكاسـل في العبادة ويتراخي في الإستعداد ؛ مرات يظهر لهم بشبه سفينة نارية لكـي يتشبه بإيليا النبي الذي صعد في مركبة نارية فإن أطاعه يعـرض نفـسه للهلاك ؛ ومرات يظهر في هيئة أشباح ومناظر قبيحة ؛ فهو لم يترك حتى كبار القديسين مثل الأنبا أنطونيوس وأنبا مقار وكثير مـن القديسين لكنهم كانوا مستعدين لذلك فتغلبوا على كل حيلة .

وإنجيل اليوم يقول والمستعدات دخلن معه إلى الغـرس وأغاـق الـبـاب (مت ٢٥: ١٠) ؛ كانوا عشر عذارى لم يدخل العرس إلا خمس منهن لا تعتقد يا أخي أنك مستعد وأحسن من غيرك في العبادة ؛ لا تنسى أنك محتاج إلى إعادة الحساب مع نفسك ؛ هل لو جاء الرب يسوع اليوم يجدك مستعد ؟ فإن بالغت وقلت نعم أنا مستعد فأين ثمار الإستعداد؟ ربما الشيطان يوهمك أنك مستعد لكـن لا يعـرف الإنسان إلا روح الإنسان الساكن فيه ؛ كن مستعداً إذاً لأنك لا تعرف اليوم أو الساعة التي يأتي فيها إبن الإنسان (مت ٢٤ : ٤٢ – ٤٤) . ثمار الإستعداد هي كما فعل الخمس عذاري الحكيمات مصباح نقي ملـئ بالزيت؛ قلب طاهر مملوء بالمحبة ؛ جسد مبذول وطـاهر لم يتلـوث بالخطيـة ؛ سهر متواصل لدحر الشيطان وأعوانه ؛ عقل مستنير لا تخدعه الخرافات ؛ طاعة عمياء لحفظ الوصايا ؛ عزيمة قوية لا تلين للحفاظ علـى التقوى والفضيلة . هلم معي يا أخي نبدأ حياة التوبة والإستعداد ونطلب من الرب القوة والمعونة لكي ننتصر على الشر كما إنتصر الرب يسوع علي الموت ونصرخ معه قائلين أين شوكتك يا موت أين غلبتك يا هاوية[13].

القديس الأرشيدياكون حبيب جرجس

تهيئـة النفس ذاتهـا لسكنى العريس الالهی

أحبى يانفسى النعمـة وابغضى الخطية ، أتبعى النـور واتركي الظلام ، تنبهی ، تيقظی ، قومی استنيري ليشرق الرب عليك نور الصباح المبهج ، اغمضي عينيك عن خداعات العالم وغرور الحـياة سدي أذنيك عن تملقات الخطيئة ، أوسعى مكان قلبك لفرح الروح افتحى أبوابك ليدخل النور الازلي بأشعة الحق ، فيعزيـك ويفرحك وينزع حزنك واكتئابك ويؤهلك للخلاص ويعطيك عربون الراحة والحياة الأبدية ويحجب عنك ظلمة الخطية وشوكة الموت وقوة ابليس والجحيم افحصي قلبك بتأن وفتشى ضميرك بتدقيق كي ينكشف كل خفى مستور فيك لتطرديه بنعمة الروح ، وحينئذ تفتحين بابك لسلام الله الفائق كل عقل ، المنتظـر الدخول اليـك ليسعدك ويمنحك الراحة والسـلـوان والعذوبة الفاتنة العقول والألباب يهطل كالمطر نعمته عليـك ويشرق بنوره في قلبك ، ويضيء باشراقه حواليك فيستنير داخلك وتكوني حرة من عبودية الخطية اطردي الوحوش الردية من قلبك ، وانفضى غبار الاثم من مسكنك ، وهيئي المسكن للعريس المقبل ليأتي ويسكن معك انتظريه بسرور وبهجة ، بعد قليل يأتي اليك انتظريه سيقبل قريباً ولا يبطيء.ها أنظرى يانفسى وتطلعي ، تنصتي هلا تسمعين صوته المفرح هو آت ببهائه في مركبة قوته وجلاله بين هتاف شجى ! ما أجمله وأبهى سناء طلعته ، ها قد أقبل العريس فاخرجي للقائه ! أقبـل يا الهي تعال يامخلصی « تعال أيها الرب يسوع » (رؤ ۲۲ : ۲۰) « ليقبلني بقبلات فمه لأن حبك أطيب من الخمر لرائحة أدهانك الطيبة اسمك دهن مهراق لذلك أحبتك العذاري اجذبنى وراءك فنجرى . أدخلني الملك الى حجاله نبتهج ونفرح بك نذكر حبـك أكثر من الخمر ، بالحق يحبونك » (نش ۱ : ٢ – ٤) « كالتفاح بين شجر الوعر كذلك حبيبي بين البنين . تحت ظله اشتهيت أن أجلس،وثمرته حلوة لحلقي أدخلني الى بيت الخمر وعلمه فوقى محبة أسدوني بأقراص الزبيب انعشوني بالتفاح فأني مريضة حباً شـماله تحت رأسي ويمينه تعانقنی » (نش ۲ : ٣ – ٥) « حبيبي لي وأنا له الراعي بين السوسن الى أن يفيح النهار وتنهزم الظلال » (نش ١٦:٢و١٧) .

تكريس القلب ليسـوع

لست لنفسك وانما أنت لله الذي أبدعك وصورك كما أنت كل ما عندك وفيك ولديك انما هو من الله،فمن العدل أن تحيا لمجده . ان من خلقك يريدك ، والذي صنعك يطلب قلبك،فكرس له ذاتك وسلم له قلبك قال الرسول « أنكم لستم لأنفسكم لأنكم قد اشتريتم بثمن فمجدوا الله في أجسادكم وفي أرواحكم التي هي لله ، (اکو۱۹:٦و۲۰) كرس قلبك ليسوع خصوصا في ابان شبيبتك فتفرح وتسر طول أيام حياتك ، وتكون في شيخوختك سعيداً لأنك تكون قد أدخرت لنفسك فرح الروح ، وسكينة القلب ، وهـدوء الضمير ، وقهـرت شهواتك وميولك ، وما تدخره من شيء في سني حياتك الأولى يكون لك ذخرا مدى حياتك .

لأجلك صلب الرب،ولأجلك احتقر ،ولاجلك سلم نفسه،فسفك دمه،وقد اشركك في مجده وأوحدك في ذاته ، فماذا ترد للرب من أجل كل حسناته (مز ١١٦ : ٣) انه لا يريد منك شيئا سوى قلبـك ومهما أعطيته عدا ذاتك لا يقبله ، ولا يرضى به،هو غني عن عطاياك، ولكنه يريدك أنت ذاتك ، فسلمه وحده قلبك فأنت خليقته، فاذا اعطيته ذاتك فلست بالمتفضل أو المنعم عليه بشيء ، فكل شيء له وان سلمته قلبك فقد أسلمت كل شيء عندك رغائبك ميولك عقلك ، فكرك ارادتك حواسك ، وكل شيء تشعر به أو تحسه في ذاتك . ان أعطيته قلبك لا يغتصبه منك بل يأخذه ويطهره ، وحينئذ تعود مرتقيا اليه متصلا به ، وكل أفكارك عنده فاذا أنت مغتبط سعيد ، شـان كل تحد معه ومرتبط به فاذا كان قد وهبك ذاته فهل يصعب عليك أن تسلمه ذاتك وقلبك لا تبق لنفسك شيئا ،بل ليكن كل شيء لله وحده، سلم ذاتك تنل ربحا أوفر وجزاءا أعظم ، هو ملكوت السموات . أعط نفسك لله ، فتملك الله نفسه .ان تكريس القلب ليسوع يوجب عليك السير في اثر خطواتته والسلوك في طريقه ، والركوض الى محبته وشفقته ، حنانه وغيرته تواضعه وطهارته ويقتضى منك ان تكون سجيتك الصفح والغفران لأعدائك وشيمتك الشجاعة والأمانـه والجرأة ، والأنتصار للحق ومساعدة المتضايقين والمنكوبين ، وتكون لك شركة مع الله . وبالجملة يكون لك روح المسيح لتحيا له لا لذاتك لأنه «مات لأجل الجميـع کی يعيش الأحياء فيما بعد لا لأنفسهم بل للذى مات لأجلهم وقام (۲کو ٥ : ١٥) .حين تقدم قلبك ، وتكرسه الله تعالى ، تعلن أنك لست لذاتك قط. بل كل ما لك وفيك وعندك هو من حقوقه تعالى وليس لك أن تدعي بحق لذاتك مطلقا فليس لك حق في نفسك، ولا في عقلك ، لا في فكرك ولا في ارادتك لا في عواطفك ، ولا في انفعالاتك ، ولا – في جسمك ، ولا في أي عضو من أعضائك لا حق لك في لسانك ولا في يديك ،ولا في قدميك لا حق لك في حواسك أو في نظرك أو في سمعك ، أو في شمك وذوقك ولمسك ، اذ قد أنكرت نفسك ونسيت كل ما يخص ذاتك وزهدت في كل شيء وصرت ملكا لله وحده فأجعـل. يسوع وحده غرضك الى الأبد لا تنظر الى السعادة في سواه وأتخذه مخلصك ورئيس ايمانك ومكملة ملتصقا به وحده ، متكلا عليه . دون سواه لتكن نفسك طوع ارادته في كل شيء دون أن يكون . لك ارادة في شيء يعاملك بمقتضى مشيئته، سواء أفرحك أم أحزنك . رفعك أم أخفضك كيف شاءت مسرته فأنك ملك له وطوع يمينه وكل شيء كائن له كما يشاء .أعلم أيضا أن جسدك هو مسكن الروح القدس ، وليس آلة للشهوات ، فيجب أن تستخدم كل قواك لمجد الله ، تستخدم قدميك وتسعى بهما لعمل الخير والرحمة ، ويديك لفعل الاحسان ، وعينيك لرؤية البائسين والمحتاجين ، وأذنيك لسماع أنين المنكوبين والمكلومين. وليكن كل شيء فيك واسطة لتمجيد الله – قال الرسول « لا تقدموا أعضـاءكم آلات . أثم الخطية بل قدموا ذواتكم لله كأحياء من الأموات وأعضاءكم آلات برلله» (رو ٦ : ١٣) لتكن الذاكرة خزانة لكلمة الله والعقل والفكر والضمير والمخيلة والوجدان والقوة الحاكمة فينا كلها مكرسة لله ، مسخرة لمجده الأقدس [14] .

المتنيح الدكتور موريس تاوضروس

الاصحاح الخامس والعشرون

عدد١: مصابيح (Lampadas) “يشبه ملكوت السموات عشر عذارى أخذن مصابيحهن”  :

من المحتمل أن يكون المصباح عبارة عن قاعدة صغيرة من الخشب تمسك فى اليد وعليها طبق به قطعة من القماش مغموسة فى زيت ، وشبيه بهذا ما تستعمله الكنيسة القبطية الأرثوذكسية فى صلاة مسحة المرضى حيث يستعمل طبق به زيت تغمس فيها قطع من القطن ترتفع الى فوق الزيت ، وتشعل على التوالى مع الصلوات الطقسية لهذا السر.

عدد ٣: أما الجاهلات (Ai gar murai) “أما الجاهلات فأخذن مصابيحهن ولم يأخذن معهن زيتا”:

الترجمة الحرفية :لأن الجاهلات ، وليس :أما الجاهلات . وبذلك يكون العدد الثالث تفسيرا لما تضمنه العدد الثانى . فقد قيل فى العدد الثانى : كان خمس منهن حكيمات وخمس جاهلات. وفى هذا العدد الثالث ، يفسر لماذا سماهم بالجاهلات فهن جاهلات لأنهن أخذن مصابيحهن ولم يأخذن معهن زيتا.

عدد٥: تعبن … ونمن (Enustaxan……. Kai ekadeudon)”وفيما أبطأ العريس تعبن جميعهن ونمن”.

الترجمة الأدق : تعبن … وشرعن فى النوم ، إذ يلاحظ عنا اختلاف فى زمن الفعلين ، فالفعل (تعب) يوضع فى زمن الماضى اشارة إلى حدث وقع فى الماضى وانتهى ، واما الفعل (نام) فيوضع فى زمن الماضى الناقص ، وهذا يشير الى استمرار الفعل فى الماضى اى أن النوم استغرق زمنا…….

 

عدد٦: صار صراخ (Kraugy gegonen) “صار صراخ هوذا العريس مقبل”

الترجمة الدقيقة للنص :قد صار صراخ . حيث أن الفعل يوضع فى زمن المضارع التام ، ويعنى هذا أن الصراخ ما زال قائما ، صار ولا يزال يملأ المكان . ولقد نتج عن الصراخ تغيير جوهرى فى الموقف : لانوم بعد – انتظار وترقب – انهماك – تحرك بسرعة –إعداد المصابيح – اكتشاف نقص الزيت والتوجه لابتياع الزيت ثم فوات الفرصة على العذارى الجاهلات. للقائه (Eis apantysen) “هوذا العريس مقبل فأخرجن للقائه” .

ان الترجمة هنا لاتغطى كل المفهوم من العبارة اليونانية التى تتضمن نوعا من الترتيب المعتاد أو الحفل الخاص بهذا اللقاء. وقد استعملت هذه العبارة فى مواضع أخرى بما يتضمن هذا المعنى . فمثلا فى (أع٢٨: ١٥) قيل “ومن هناك لما سمع الاخوة بخبرنا خرجوا لاستقبالنا” كما استعملت أيضا مرتبطة بالمجىء الثانى للرب يسوع حيث قيل “نحن الأحياء الباقين سنخطف جميعا معهم فى السحاب لملاقاة الرب فى الهواء” (١تس٤: ١٧) . وعلى ذلك فالعبارة فى النص الذى نحن بصدده يمكن أن يترجم “خرجن لاستقباله أو للإجتماع به”

عدد٧ : فقامت جميع أولئك العذارى :

Tote ugerthysan pasai ai parthenoi ekeinai

من هنا “أولئك العذارى” هل هن العذارى الحكيمات أو العذارى الجاهلات ؟ ان اسم الاشارة أولئك يشير إلى من هم فى وضع أبعد . وبالرجوع إلى النص (مت٢٥: ١-٧) يتبين لنا أن المقصود “بأولئك” العذارى الحكيمات اللواتى قمن وأصلحن مصابيحهن . ومن الملاحظ أيضا أن ترتيب الكلمات فى النص اليونانى له مدلول هام ،ذلك أن اسم الإشارة “أولئك” يوضع فى نهاية الجملة بعد عبارة “جميع العذارى” وذلك يقصد التأكيد . فالعبارة اذن تؤكد على ما فعله العذارى الحكيمات عندما أقبل العريس: لقد قمن وأصلحن مصابيحهن . وكلمة أصلحن (Ekosmysan) من كلمة (Kosmos) التى تعنى “نظام” أى أنهن رتبن وأعددن  مصابيحهن . وكلمة “مصابيحهن” تشير الى الاهتمام الشخصى بالالتزامات الشخصية ، وهذا ما بدا من الحكيمات اللواتى أظهرن اهتماما بإعداد مصابيحهن ، بينما أن الجاهلات لم يفعلن ذلك ، بل اتجهن للاعتماد على زميلاتهن من العذارى الحكيمات .

عدد٨: تنطفىء (sbennutai) “إن مصابيحنا تنطفىء” :

من المثير هنا استعمال زمن المضارع وهو يتحدث عن انطفاء المصابيح، فهو يشير هنا إلى فعل استغرق مدة ، وكان قائما فى الحال عند وقت التكلم . انه لم يقل ان المصابيح انطفأت بل قال انها تنطفىء، أى شيئا فشيئا تفقد ضوءها. لقد كانوا يرون لهب المصابيح وهى تهتز وتتضاءل وتتناقص وتقل وتضعف . وفى أثناء ذلك كانوا يصرخون ويصيحون “إن مصابيحنا تنطفىء” . ونحن هنا ازاء صورة تعبيرية رائعة توصف الحدث  [15].

ارشيدياكون رمسيس نجيب

معاملات المسيح مع الخطاة

قبل أن يأتى الانقضاء

قبل أن يأتى الانقضاء:

نؤمن بمجئ المسيح الأول ومجيئه الثاني. الأول تم ولم يفهمه اليهود والثاني آت وكلنا نرجوه. الأول المسيح فيه حمل الله الوديع لانه مسيح الفداء والثاني المسيح فيه غالب والأسد الخارج من سبط يهوذا الله لأنه مسيح القضاء.

حين يأتي ثانية للقضاء ترتعد السماء لأن قوات السماء تتزعزع فكيف لا يرتعد البشر. يا منتظري الرب الساعين إلى لقائه انتصبوا وارفعوا رؤوسكم لأن نجتكم تقترب، ارفعوا رؤوسكم إلى مسرات الوطن السماوي الذي ينتظركم. فحينما تتحرك الأشياء نحو نهايتها يطمئن السيد قلوبكم قائلاً “السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول”.

أ – شجرة بغير ثمر

شجرة التين تحكى حياة الإنسان وقد عضته الحية القديمة وعرته وألبسته لون الشجر وورقها لا يمكن أن يستر خزى الإنسان. شجرة التين هي التي ستظل رمزاً إلى الإغراء الدائم لمسرات العالم وجنونه.

لقد أضعت النعمة كآدم أبي لذلك لزم على أن أسمع السيد وهو يعلم “وقال لهم هذا المثل: كان لواحد شجرة تين مغروسة في كرمه، فأتى يطلب فيها ثمراً ولم يجد… الخ (لو ١٣: ٦-٩) “هوذا ثلاث سنين أتى أطلب ثمراً ولم أجد”. السنوات الثلاث فيها مسرات العالم عمت عيناى، فكم مرة صاح خلفی صاحب الكرم ومد لى يده، هو يقترب إلى وأنا ابتعد عنه وأزداد في إثمي.

قبل أن يأتي الانقضاء، ويمضى النهار فلا شئ يفرحني في الأرض، لا شئ يمكن أن يعزي قلبي.

“اتركها يا سيد هذه السنة أيضاً حتى أنقب حولها وأضع زبلا”.

إبق يا سيد على الخطاء الضالين غير تأسفات القلب المتضرع ممتزجة بحلاوة الاتضاع، هذا السلاح الفعال ضد الخطية. أردد ما قال داود المقيم المسكين من التراب. الرافع البائس من المزبلة”.

ب – عذرای بغیر سهر

لماذا العذاري؟ لماذا أخذت أيها العريس العذاري تشبيهاً لنساعين إلى الكونك ومجدك؟ هل أردت أن تمجد البتولية، لم تقصد النفس البتولية التي نعيش في عذراوية سمحة، فإن بتولية النفس دعوة للكل أن يتبعها. ودعوة لكل نقى وضع في نفسه البلوغ إلى الملكوت، عذراوية الروح والنفس عذرواية ختم الحواس سالمة من هجمات اللصوص. نظر ظاهر خال من الشهوة وحب التملك خال من الفراغ خال من الياس.

عذاری يحملن مصابيح يتحلين بعزراوية بيضاء سمحة. يفتحن باب قلوبهن للجائع والغريب ويتعاهدن على عمل الخير وسكب الطيب.

الجاهلات والحكيمات :

“أما الجاهلات فأخذن مصابيحين ولم يأخذن معهن زيتاً وأما الحكيمات فاخذن زيتاً في أنيتهن مع مصابيحين. الزيت هو الذي يميز بينهما، الذي قال عنه بولس الرسول : “جدوا للمواهب الروحية وأنا أريكم طريقاً افضل الزيت هو الطريق الأفضل هو المحبة التي تنبع من الضمير الصالح.

والحكيمات أخذن زيتاً في آنيتهن . كم تضىء الشمس في العمل الصامت الباذل وفي الضمير الصالح. عذاري اضاء نورهن المسكونة، لا ليتمجدن هن ويأخذن شينا لأنفسهن، بل ليتمجد الآب السماوي، الساهر ليلة الفصح.

رقاد المــوت:

“لما ابطأ العريس نعسن جميعهن ونمن” هذا النعاس هو الرقاد والذي يجتازه الجميع، رقاد الموت. الموت الذي داسه المخلص بموته وغلب لنا، ولكن شتان بين رقاد ورقاد. رقاد الذين عاشوا للعالم ورقاد الساهرين المترقبين لليل الفصح. موت الجسد هو انفصال الروح عن الجسد. وموت الروح هو تغرب الروح عن خلقها، الموت المخيف حقا.

ليت الذين ينامون يقتنون معهم زيتاً، حتى بزيت ثمرهم وصلاحهم ومحبتهم يحسبون أهلا للوقوف أمامه مستعدين لملاقاته.

أغلق الباب :

يا لحزن الجاهلات وهن يبحثن عن الزيت. أيكون الإنسان ثريا في العالم الزائل وعريانا هنا في ساعة القضاء. ونسين أنه قد انتهى زمان السعي، لم يكن في مقدور الحكيمات أن  بعطين من زيتهن .إنهن يحاسبن فقط من أجل نفوسهن.

اليوم :

اليوم أيها الإخوة لنسهر بالفرح نحن جميعاً عمل اليوم، يومي أملكه أملاه بالثمر، يومي أقتنى فیه زيتاً أقتنى فيه صلاحاً.

ج – ابن بغير طاعة

إنه أمر بالغ الصعوبة أن نقدم طاعة كاملة الله. يا إخوتي لقد كلفت الطاعة السيد المسيح، وهو ابن الله، كلفته حياته ووضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب. الطاعة هي أعظم اختبار دعى السيد لمواجهته. فقد كانت دعوة الشيطان له على جبل التجربة كلها دعوة إلى العصيان والخروج عن إرادة الله الآب .هو العصيان، إذن، خطيئة الإنسان ومنذ الابتداء فمنذ آدم العتيق إلى إنسان هذا العصر وكل عصر. هو العصيان الذي لازم قادة اليهود من الكتبة والفريسيين فحكموا على أنفسهم بالموت الأبدى.

د – سكارى بغير حب

يا سكارى بغير حب أفيقوا قبل أن يأتى الانقضاء. شهوة التراب ستمضي سريعا ولا يبقى منها شئ. كن يقظاً لعدوك لئلا يطعن قلبك بشهوة غير لائقة، قاومه بترس الإيمان. البس خوذة الخلاص استل سيف الروح.

صاحب الوزنة الواحدة :

أيها العبد الكسلان ماذا عملت بعطية سيدك؟ ألا تخاف الحساب مهما أبطأ مجيئه وتمهل. ها قد جاء سيدك فماذا أنت قائل؟ خفت ومضيت وأخفيت وزنتك في الأرض، “هوذا الذي لك”. لقد قدمت حجة منطقية. وما أكثر ما أهزأ من نفسي حينما أهدر كرامة العقل وأتزرع بالحجج أخفى بها ومن تحتها قضايا خزیی وعاری.

ألا يعلم أيها العبد الكسلان، يا من طمرت وزنتك في الرمال أن مجازاة السيد للحياة النافعة أن يتيح فرصة أوسع لنفع أهم، لأن كل من له يعطي ريزاد.

الإخـوة الستة:

كانوا ستة إخوة يعيشون في العالم حياة العالم. وسبقهم إلى الدينونة الغنى الذي طالما عذب لعازر، هذا المطروح عند بابه مضروبا بالقروح، والمتكبر في حياته يستعطى في جحيمه.

كم طال شقاء لعازر، وكم دام غنى الغني العائش كل يوم في رغد ويلبس الحرير .فقد تبدل الحال في لحظة، وأخذ الحرير . كل منهما ما كان للأخر إلى الأبد.

الوقت الآن هو وقت رحمة هو أبقاك لزمن التوبة. فكن صارماً مع نفسك يكون الله معك رحيماً.

جاهـل أنكر إلهه :

غنى أخصبت كورته.. إن هذا ان هذا الغنى الذي ظن أنه استراح من شبح القحط لستين عدة قادمة، متكلا على ما هو فيه، جاهل ينكر إليه “قال الجاهل في قلبه ليس إله” (مز ١٤). إنه يتمسك بالذي يزول فيزول معه تماماً كمياه النهر وهي تتب سريعا وتلقى بنفسها في البحر وسريعا ما يجرفها البحر إلى العمق، لقد طلب الراحة هنا واغتر، ولم يعرف أنه ضيف شاء هو أم لم يشا.

يا أغنياء هذا الدهر تعلموا، استخدموا هذا العالم استخدموا الخيرات الجسدية، فقد دخلتم العالم لتخرجوا منه لا لتبقوا.

الخاتمة :

حينما تطرق التجربة بابي، فأغلق الباب امامها واهرب منها لا ألتفت اليها.فهى نعمتك يا الهى التي تحاصرني وقوتك التى تساندني .

انت يا الهى الذي احببتني أولاً ،انت دوماً صاحب المبادرة صاحب الدعوة الأولى. أنت يا إلهي الذي تحبني وبغير حدود إلى الحد الذي تعطيني فيه ذاتك. ليت الخطاة في كل زمان يبادلون حبك بحب وعطاءك بعطاء [16].

الأستاذة ايريس حبيب المصري

ولنصغ الآن الي سيدة من الكاميرون(بأفريقيا ) اسمها جريس إنييمي ، وهي تتحدث عن ” الحجارة الحية ” إن صورة الحجارة الحية تستثير صورًا مختلفة تبعاً للأوساط المتباينة التي نعيش فيها ، لذلك سأتكلم تبعاً لبيئتي .

إنني أنتمي الي جماعة تعيش في منطقة تحيط بها الغابات في الجنوب الغربي من الكاميرون ، ونحن نقسّم الحجارة الي قسمين : الحية والميتة ، فالميتة هي تلك الغائرة في أعماق النهر أو المنغرسة وسط الصخور ، أما الحجارة الحية فهي المستعملة والتي يمكن نقلها واستخدامها ، وأهمها الحجر الثلاثي الأجزاء .

وحينما يتزوج شاب ، فمن الاحتفالات التي ” تطعم ” العروس ضمن عائلتها الجديدة الاحتفال بإرساء الحجر الثلاثي ، وأول حجر منها يُرسيه العروسان معاً رمزاً الي الوحدة التي جمعتهما ، والحجر الثاني ترسيه العروس وأكبر سيدات العائلة الجديدة : إشارة الي تقبّلها كعضو منهم والي اندماجها في مجتمع القرية التي ستعيش بينه ، وهذا الأرساء يتضمن الإشارة أيضاً الي مشاركة العروس مشاركة عملية في أمور العائلة التي أصبحت عضواً منها والي تبادل الاحترام والتفاهم بينها وبينهم .

أما الحجر الثالث فترسيه العروس وأشبينتها رمزاً الي إقامة جسر من التفاهم بين العائلتين ، وبهذا الحجر الثَّالث تعلن عائلة العروس تضامنها مع عائلة العريس في السرّاء والضرّاء .

وكما أنه بالحجر الثلاثي تتضامن العروس وعائلتها مع العريس وعائلته هكذا السيد المسيح الحجر الحي : حجر الزاوية يبني كل شخص مسيحي داخل عائلة الله ، وهذه العائلة تعلو علي الحدود الجغرافية والجنس واللون ، إنها تشمل العالم كله ، وعلي مدي أجياله ، والي الانقضاء ، والروح القدس هو الذي يربط بين كل أعضائها .

ونحن في أشد الحاجة الي النور ، ولكن هذا النور يجب أن يشرق علينا والشفاء في أجنحته ، فنحن النسوة قد عشنا أجيالاً لقّنونا فيها أننا ” أتباع ” وبالتالي يجب أن نكون ” ملائكة صغاراً ” لا غير ! والسيد المسيح وحده هو الذي يؤكد لنا شخصيّتنا : إنه المعلم الوحيد الذي لم يبعد المرأة عن التتلمذ له . وكما أنه سمح لسوسنة وليؤنا وللمجدلية أن يخدمنه كذلك منحنا الحق والميزة لأن نعمل معه ، ومادام هو حجر الزاوية الحي فارتباطنا به يجعل منا حجارة حية ، ولكي نكون بالفعل حجارة حية علينا أن نتحرك وننتقل ، وأن نكون دوماً مستعدات للخدمة ، فنحن مُنادي علينا أن نكون حجارة حية ، بل أن نكون فوق ذلك أعمدة للكنيسة : الكنيسة التي هي في صراع مستمر ضد قوي الشر لهذا فأنا علي يقين من أن النصر علي هذا القوي كامن في داخلنا ، ويمكننا أن نقول بكل تواضع وخشوع أن المرأة المرفوضة من المجتمع ( في فكره الموروث) هي الحجر الأساسي للكنائس .

إذن فالصراع لاستمرار أنتصار كنيسة السيد المسيح ملقي علينا نحن النسوة ، ولدينا إمكانيات عظمي مازلنا نجهلها ، فليس هناك رجل عظيم لم يمّر تحت رعاية امرأة من المهد الي اللحد ، ولقد غرس الله في عمق المرأة منحة التفهّم الباطني وتلقائية العمل . ولهذا السبب عينه اختار السيد المسيح النسوة ليكنّ أولي المبشرات به :” فالمجدلية حملت أذهل بشارة حين سارعت لتخبر الرسل بالقيامة المجيدة ، وحين قال لها :” إذهبي وأعلمي إخوتي ” قالها لنا بالمثل .

ومعرفة السيد المسيح ليست نظرية ، إنها اختبار شخصي ، وعلينا أن نتخذ من هذا الاختبار الأساسي لكياننا ، ولن يمكننا أن نتفهّم قيمتنا الشخصية وكرامتنا ومسئوليتنا نحو الكنيسة والمجتمع بغير هذا الاختبار الأساسي : أي أن يحيا المسيح فينا .

وكما أن العروس تؤلف جسرًا بين عائلتها وعائلة زوجها هكذا ينبغي علينا نحن المسيحيين أن نكون جسرا بين العالم وبين الله .

وأهم ما تتميّز به الحجارة المستعملة في البناء هي قوتها علي المقاومة ، فهي تقاوم الحرارة الشديدة والمطر والثلج والرياح العاتية – أي أنها سيدة علي كل هذه العوامل .

والسيد المسيح في توجيهاته عن ثمن التلمذة يذكرنا بأن ننسي أنفسنا ونستعد لمقابلة كل ما يأتي علينا . وبولس الرسول يقدّم كشفاً عجيباً عن كل ما قاساه في سبيل الخدمة . وفي كل خطر وكل ضيق ثبتت خدمته ونجحت .

ونحن – معشر النسوة – المتحركات في عالم يتغير سريعا ، كيف نري أنفسنا في الخدمة ؟ وإلي أي مدي نحن مستعدات لأن نسير مع السيد المسيح ؟ أنحن متهيئات لأن نقبل الإهانة والتعليقات الجارحة حتي من أصدقائنا ومن بعض المسئولين في الكنيسة ؟ أنحن علي أهبة لأن يُساء فهمنا حتي ونحن سائرات في الطريق الصح ؟ ثم هل نحن مستعدات لأن نقضي ليلنا في الأرق بل وفي الدموع تحت ضغط تفكيرنا فيما يعانيه أخواتنا وأخوتنا ؟

إننا بوصفنا حجارة حية يجب أن نقاوم مستمدات القوة من الروح القدس ، ومتطلعات نحو السيد المسيح رجائنا ومحّررنا وقائدنا علي الطريق ، إذن فلا نخاف ، ولنُصغ الي كلمات واحدة من أخواتنا :

إن الطريق وعرٌ للغاية ، إنه متصاعد باستمرار ، وبدلاً من الزهور تتجرّح قدماي بالأشواك ، والسماء فوقي ملبّدة بالغيوم . ولكن شخصاً أمسك بيدي عند البداية المُعتمة ، وما أحلي الطريق الذي سرته معه !

إن الصليب ثقيل ثقيل ، أثقل من يحتمله ظهري ، إنه خشن عريض شائك ، وليس هناك من يهمّه أمري .

ولكن شخصاً انحني في رقَة ، ولمس يدي ، وهمس ” أنا أعرف وافهم ويهمني أمرك !

إذن فلماذا نتأوه ونتضجّر – نحن حاملات الصليب ؟!

فالطريق سينتهي عما قريب .

سينتهي عند أعز مكان .

وكل خطوة في الرحلة ستقضيها بصحبة الرب

أنها مجاري المياة وسط الصحراء.

أكرم رفعت حبيب

اسهروا…فاللص يأتى بغته

ركز السيد المسيح له المجد في أيامه الأخيرة على تعليمنا أن نسهر، وكمـا قـال بفمه الطـاهر للتلاميذ “اسهروا إذا لأنكم لا تعلمـون في أيـة سـاعة يـأتي ربكم”(مت ٢٤: ٤٢).

والسهر بالمعنى الحرفي هو عدم النوم، أو تقليـل سـاعات النـوم، وقضـاء تلـك الساعات مع الرب في أي مـن مـجـالات العمل الروحي سواء كانت الصلاة والتأمل أو قراءة الكتاب المقدس أو الدراسـة أو غيرها، وإن كان السهر مصحوبـا دائما بالانتظار لتحقيـق مواعيد الله، سواء كـان هذا الانتظار لتحقيق وعده بالبركة والفيض او وعده بالمعية الدائمة ووصولا إلى وعـده بالمجئ الثاني. وللسهر أيضاً معنی رمـزی معنوی، وتأتي بعكس معنى كلمـة النـوم أي الغفلة، فالسهر هو الاحتراس والتدقيق والبقاء الدائم على حالة الاستعداد، كمـا قـال الله لإرميا “أحسنت الرؤية لأني أنا ساهر على كلمتي لأجريها” (إر ۱ : ١٢) فالله مستعد دائمـاً للعمل بكلمته في قلوب مستمعيها.

وبالطبع عندما أوصانـا الـرب أن نسهر إنما كان يقصد كلا من هذين المعنيين معا، فالزب يوصينا السهر الجسدي أي بتقليـل ساعات النوم، وتخصيص تلك الساعات في الصـلاة والقراءة الروحية، كذلك يوصينـا بالتدقيق والاحتراس الدائم من الانحراف إلى أي طريق يختلف عن طريقـه فـي حياتنا.

ونخطئ كثيرا لو فهمنا أن الرب يوصينا بالسهر بالمعنى الرمزي فقط، فقد يؤدي ذلك إلى تسليم أجسادنا إلـى حيـاة مستريحة مسترخية، كما أن هـذا المفهـوم القاصر لوصية الرب تفصـل بيـن كيان الإنسـان الواحـد وتجزئـه، فالإنسـان كـائن متكامل يشترك جسده مع روحه ونفسه في العمل الروحـي، فكمـا تشـترك النفـس والـروح بالسهر الرمزي المعنوى يشـارك الجسـد بالسهر الحرفي المادي.

ومن الجدير بالذكر أن العهد القديـم لـم يعرف وصيـة السهر ولو كمجرد أسلوب مفضل في الحياة الروحية، فـلا نـجـد تعـاليم واضحة أو مباشرة عن تلك الفضيلة، وربما يجد الدارس مجرد آيات أو مواقف قليلة قـد تشير إلى السهر مثل قول النبي داود عن توبته “أعوم في كل ليلة سريري، بدموعي أذوب فراشي” (مز ٦: ٦) والذي يفهم منـه أنه اعتاد على السهر.

أما الرب يسوع فقد تحدث كثيراً عنها، ووضعها كلبنة أساسية في السلوك المسيحي المؤمن، وقد دعا الرب يسوع إلى السهر سواء في تعاليم ووصايا مباشرة (كمثل) أو في تعاليمه بالأمثال (كما فـي مثـل العـذاري الحكيمات ومثل العبد).

كما نلاحظ أن غالبية وصايا الرب عن السـهـر قـد جـاءت فـي أيامـه الأخـيرة، وبخاصة في نهايـة تعليمـه الطويـل عـن الأمور المقبلة ونهاية العالم، حتى أن أغلـب المفسرين يرون أن هذه الوصية الخاصة بالسهر الدائم إنما جاءت لتلخص كل ما قيل سابقا وتؤكد عليـه بـل وتضعه في صورة عملية تطبيقية.

وكما نرى في الإنجيل فقـد أحـب الـرب يسوع السهر ومارسه كثيراً، فنقرا عنـه أنـه في بداية خدمته، وقبل أن يختار التلاميذ مباشرة، قضى الليل كله في الصلاة (لو ٦: ۱۲)، وكذلك في أيامه الأخيرة عندما ذهب إلى بستان جثسيمانى قال للتلاميذ “امكثوا ههنا واسهروا معى” وعندما ناموا عاتبهم قائلاً لبطرس “أهكـذا مـا قدرتم أن تسهروا معى ساعة واحدة” (مت ٢٦: ۳۸ -٤٠).

لقد سهر الرب يسوع بالجسد وكثيراً ما قضى الليل كله في العمل والصلاة فـي العديد من الأيام، وذلك كي يعطينـا نـحـن مثالا نتبعه في رحلة حياتنا، وكذلك كي يثبت أن الخليقـة الجديـدة التـي أوجدهـا بتجسده، وكان بنفسه باكورتها، قادرة على حياة السهر. والبعض يخلطون بيـن وصيـة السـهر وبين الاستيقاظ المبكر، فالكتـاب المقـدس يعلمنا في عدة مواضع أهمية التبكير في الصباح لقضاء وقت مع الله كما يقول حكيم الأمثال على لسان الحكمة الذي هو الله: “أنا أحب الذين يحبونني و الذين يبكرون إلى يجدونني” (أم ٨ : ١٧)، وهو أيضاً سلوك روحي كان الرب يسوع يتبعه (مر١: ٣٥).

والله نفسه يسهر من أجلنـا ومـن أجـل إتمام كمالنا الروحي، كما وعد بنفسه في سفر ارميا “اسهر عليهم للبناء و الغـرس يقـول الـرب” (ار ۳۱: ٢٨)، وبالطبع فللسهر هنا معنى رمزى، أي أن الله يهتم جداً بمتابعة تنمية حياتنا وإثمارها.

لماذا السهر؟

لماذا علمنا الرب يسوع أن نسهر ؟؟ وهل أراد الرب لنا جميعنا أن نسهر؟؟ أم أن هذه وصية خاصة للبعض فقط؟؟ ومتى سهرنا ماذا تفعل؟؟

هذه أسئلة نجد إجاباتها في تعاليم الرب يسوع وفي باقي أسفار العهد الجديد، ومن تلك التعاليم نرى بوضوح أن هناك ثلاثة أهـداف للسهر: السهر لانتظـار المجـي الثاني، والسهر كطريـق للنمو الروحـي، وسهر الخدام للرعاية الروحية.

وبداية نقول أن حديث الرب يسوع عن السهر كان موضوع وصية عامة لجميـع المؤمنين باسمه، سواء كانوا في مختلف العصور أو الأزمنة أو الأمكنة، فكمـا قـال للتلاميذ “مـا أقولـه لكـم أقولـه للجميـع اسهروا” (مر ۱۳: ٣٧).

السهر انتظارا للمجئ الثاني:

قصد الرب كثيراً بالتعليم عن السهر أن يتحدث تحديداً عن انتظار مجيئه الثاني، بـل يمكن القول إن تعليم الرب عن السهر كـان في أغلب الأحيان كنصيحـة منـه لنـا عـن كيفية سلوكنا حتى نستعد لهذا المجـي المرتقب.

قال الرب يوما “أسهروا إذا لأنكم لا تعلمون في أية ساعة يأتي ربكم” (مت ٢٤: ٤٢)، وبحسب ما كتبه لنا القديس مرقس البشير فقد قال أيضاً “اسهروا إذا لأنكم لا تعلمـون متى يـأتي رب البيـت أمسـاء أم نصف الليل أم صباح الديك أم صباحا” (مر١٣: ٣٥). وهذا التعليم الذي ركز علـيـه الـرب يسوع يعني عدة حقائق إيمانية أساسية:

فأولا الرب يسوع سيأتي بالتأكيد مـرة أخرى، ومهما تخيل البعض أنه لن يأتي فإن ردنا المناسب هو أن نسهر نحـن منتظرينه، أو كما يفعل البعـض مـثـل العبد الشـرير الذي قال عنه السيد المسيح “لكن إن قال ذلك العبـد الـردي في قلبه سيدي يبطئ قدومه” (مت ٢٤ : ٤٨) فمثله لا يعرف السهر وستكون نهايته كما هو مكتوب “ياتي سيد ذلك العبد، … فيقطعه و يجعل نصيبـه مـع المرائين هنـاك يكون البكاء و صرير الاسنان”.

– وثانياً أن هذا المجئ قد يكون في أي وقت، لأنه سيأتي مفاجأة مثـل اللـص”هاأنا آتي كلص. طوبى لمن يسـهر ويحفظ ثيابـه لئلا يمشي عريانـا فيروا عريته” (رؤ ١٦: ١٥)، “واعلموا هذا أنه لو عرف رب البيت في أي هزيع يأتي السارق لسهر و لم يدع بيته ينقب (مت ٢٤ : ٤٣)، فعلينا أن نسهر بـلا تهاون أو تقصير لئلا يفوتنـا، “وأمـا الأزمنة و الأوقات فـلا حـاجـة لكـم أيهـا الإخوة أن أكتب إليكم عنها، لأنكم أنتم تعلمون بالتحقيق أن يـوم الـرب كلـص في الليل هكذا يجيء، … و أما أنتم أيها الإخـوة فلسـتم في ظلمة حتى يدرككـم ذلك اليـوم كلص، جميعكم أبنـاء نـور وأبناء نهار لسنا من ليل و لا ظلمة، فلا ننم إذا كالباقين بل لنسهر و نصـح، لأن الذين ينامون فبالليل ينامون و الذيـن يسكرون فبالليل يسكرون، و أمـا نـحـن الذيـن مـن نـهـار فلنصـح لابسين درع الإيمان والمحبة و خـوذة هـي رجـاء الخلاص” (١تس٥: ١-٨ ).

وثالثاً فالتعليم عن السهر الدائم انتظـارا للمجئ الثاني يعني أننا سنظل دائمـاً جاهلين لموعـد مجيئه، وكمـا قـال هـو “أما ذلك اليوم و تلك الساعة فلا يعلم بهما أحد و لا ملائكة السموات الا أبي وحـده (مت ٢٤: ٣٦)، وبالتالي فـلا طريـق أمامنـا ســوى السهر الدائـم والاستعداد “فاسـهروا إذا لأنكـم لا تعرفون اليـوم و لا الساعة التـي يـأتـي فيها ابن الإنسان” (مت ٢٥ : ١٣). وهناك أمران هامان متعلقان بالسـهر انتظـاراً للمجـئ الثـانـي لـلرب، فالسـهر والاستعداد هو الوسيلة التي تجعلنا مستحقين للنجاة من الضيقات والضربات والعقوبات التي ستلحق بالمسكونة كلهـا سـاعة المجئ الثاني، “اسهروا إذا وتضرعوا في كل حيـن لكي تحسبوا أهـلا للنجـاة مـن جميـع هذا المزمع أن يكون وتقفـوا قـدام ابن الإنسان” (لو ٢١: ٣٦).

كذلك يتعلق السهر الروحـي بمشـاعر الرب نفسه عند مجيئه، فالرب سيتطلع إلى شعبه وأبنائه راجياً أن يجدهم منتظرينه في

سهر عندمـا يعـود مـرة أخـرى، وسيضع الرب مكافآت خاصة لأولئك الذين سيجدهم حافظين للوصية ومنتظرينـه علـى سـهر، “طوبي لأولئك العبيد الذين إذا جاء سيدهم يجدهم ساهرين الحق أقول لكم إنه يتمنطـق ويتكئهم و يتقدم و يخدمهم” (لو ۱۲: ٣٧). الاستعداد في الحياة الروحية:

يرى الكثير من الدارسين والمفسرين أن الـرب عندمـا قـال “اسـهروا إذا لأنكـم لا تعلمون في أية ساعة يأتي ربكـم” (مت ٢٤: ٤٢) قد يكون قد عنى بها موعد انطلاق روح الإنسان، كذلـك فالوصيـة تنصحنـا بالسـهر مـع الصـلاة حتـى نتغلب علـى الشيطان وتجاربه المختلفة “اسهروا وصلوا لئلا تدخلوا في تجربة” (مر ١٤: ٣٨).

والقديس بطرس الرسـول يكتـب فـي رسالته منبها على أهمية السهر حتى نتجنب ضربات إبليس “اصحوا واسهروا لان إبليس خصمكم كأسد زائر يجول ملتمسا من يبتلعه هو” (ابط ٥: ٨).

ويرى القديس مرقس الناسك أن السهر مثله مثل الصـلاة واحتمال الضيقات هي ثلاث فضائل مختلفـة عـن بـاقـي وسـائط النعمة، إذ أن كل منها يساعد الإنسان على النمـو الروحـي دون أن تعرضـه لخطـر السقوط في أي ضربات مضـادة بسـبب ممارستها، وكما يقول “يوجد انسحاق للقلـب حقيقي ومفيد، وهذا يلمس القلب في أعماقه، ويوجد انسحاق آخر مضر وقلق، هذا يقـوده إلى الهزيمة (كاليأس) فقط، والانسحاق الذى لا يجرح القلـب بـل يفيـده هـو: السـهر، والصـلاة، واحتمـال الأحـزان مـن غـم ومصائب”. ومن اختبارات وحيـاة الآباء نعرف أن هناك علاقة بين حياة السهر وبيـن حـفـظ العقل طاهراً أمام الله واستخدام اللـه لـه، فيقول القديس لنجينـوس “السهر يطهـر العقل”، كذلك يقول يوحنا القصير “اخـتر السهر أفضل من الأعمال، …لأن السهر يضئ العقل”. ويجب أن يقترن السهر بالبعض الآخر من الممارسات الروحية وبخاصـة الصـلاة كما يوصينا الكتاب: “مصلين بكـل صـلاة وطلبة كل وقت في الروح و ساهرين لهذا بعينه بكل مواظبة” (أف ٦: ١٨)، واظبـوا على الصلاة ساهرين فيها بالشكر” (كو ٤: ۲).

والسهر مع الصلاة والتسبيح هـي مـن سمات المؤمنين مهما كانت الظروف، وما أروع مـا سـجلـه لنـا سـفر الأعمـال عـن الرسولين بولس وسيلا وهما في السجن “ونحو نصف الليـل كـان بولس وسيلا يصليـان و يسبحان اللـه و المسـجونون يسمعونهما” (أع ١٦: ٢٥).

السهر كأحد متطلبات الخدمة:

الخادم في العهد الجديد لا يعرف النوم، سواء كان ذلك بالمعنى الرمزي والمعنوى أي بالاحتراس والتدقيـق فـي كـل شـي، أو بالمعنى الحرفي والطبيعي للكلمة أي بتقليل ساعات نوم الجسد والانكباب على أعمـال الرعاية والصلاة من أجل المخدومين.

وفي وصيته لملاك كنيسة ساردس يقـول الرب كن ساهراً وشدد مـا بقي الذي هو عتيد أن يموت لأني لم أجد أعمالك كاملة أمام الله” (رؤ٣: ٢).

ونحن نرى في العهد القديـم بـعـض الإشارات عن السهر وأهميته في تحمـل مسئولية الخدمة وبناء بيت الرب الذي هو الكنيسة، فمثلاً بعدما اختار عزرا مجموعة من الكهنة كي يتحملوا مسئولية توصيـل الأشياء اللازمة لبناء وتأسيس بيت الرب مثل الفضة والذهب والأواني أوصاهم قائلاً: “فاسهروا و احفظوها حتى تزنوهـا أمـام رؤساء الكهنة و اللاويين و رؤسـاء آباء إسرائيل في أورشليم في مخادع بيت الرب” (عز ۸: ٢٩).

والسهر في الخدمة يعني الاحتراز للنفس ورعاية المخدوميـن مـن خـطـر التعـاليم الغريبة والمزيفة والمضلـة التـي يحـاول الشيطان أن يزرعها في الكنيسة، فالسهر هو الثبات في الإيمان الصحيح الذي تسلمناه من الرسل والقديسين.

وقد كان القديس بولس الرسول مدركاً بالكامل لهذا المعنى للسهر، فمارسه بنفسه كمـا كـان دائم النصح لأبنائه الخـدام، بـل ولشعب الكنيسة جميعا، لممارسة السهر على حفظ التعاليم الصحيحة، فعندمـا كـان في ميليتس حيث تقابل مع أساقفة كنيسة أفسس نصحهم قائلاً: “احترزوا إذا لأنفسكم ولجميع الرعية التي أقامكم الروح القدس فيها أساقفة لترعوا كنيسة الله التي اقتناها بدمه، لأني أعلم هذا أنه بعد ذهابی سیدخل بينكم ذئاب خاطفة لا تشفق على الرعية، … لذلك أسهروا متذكرين أني ثلاث سنين ليلا و نهارا لم أفتر عن أن أنذر بدموع كـل واحد” (أع ٢٠: ٢٨-٣١).

كما اختتم الرسول رسالته الأولى إلى اهل كورنثوس بنصيحة مماثلة بقوله لهم اسهروا اثبتوا في الإيمان كونوا رجـالا تقووا” (اکو ١٦ : ۱۳).

والسـهر مـن أجـل المخدوميـن أمـر إلهـي سيعطى عنـه الخـادم حسـاباً أمـام اللـه، “أطيعـوا مرشديكم واخضعـوا لأنهم يسهرون لأجـل نفوسـكـم كـأنهم سوف يعطـون حسـابـا لكـي يفعلـوا ذلـك بفرح لا أنين لأن هـذا غير نافع لكـم (عـب ۱۳: ۱۷).

كما تظهر أهمية السهر في حيـاة الـخـادم عند اتخاذه لقرارات هامـة فـي الخدمـة، فالرب قضى الليلة السابقة لاختياره التلاميذ كلها في السهر والصلاة (كما رأينا سابقاً في لو ٦: ١٢)، فكيف لا نسلك نحن أيضاً مثله وهو رئيس ايماننا “لاحظوا رسول اعترافنا ورئیس كهنته المسيح يسوع” (عب ۳: ۱) الذي يجب أن ننظر إليه في كل شئ متبعين خطواته.

لكي لا يبطل سهرنا:

أخيرا فالسهر مثلـه مثـل كـل عمـل نقوم به قد يكون مجرد جهـد بشـرى لا يثمر ولا يـجـدى شيئاً، ويحـدث ذلـك مؤكداً متى اعتمـد الإنسـان علـى قـواه الخاصة وقدراته الذاتيـة، فالسـهـر بـدون عمل نعمة الله لا يفيد، كمـا يقـول المرنم الذي جرب السـهـر إلـى أيـام طويلة “إن لـم يـحـفـظ الـرب المدينـة فبـاطـلا يسـهر الحارس” (مز ۱۲۷: ۱)، بل قد يقودنا إلى الكبرياء الزائفة والإعجاب بالذات[17].

من وحي قراءات اليوم

” فإن مصابيحنا تنطفئ – وزين مصابيحن ”           إنجيل القدَّاس

+ أعطانا الله المصابيح لنملأها زيتا

+ نهتم أحيانا بجمال مصابيحنا وبريقها وخطفها للأنظار

+ بل نفرح عندما تكون مصابيحنا أجمل من مصابيح الآخرين

+ لكن ما أصعب وما أخطر أن تكون خالية من الزيت

+ ماذا يُطفئ مصابيحنا إلا الإنشغال بها عن الزيت

+ ماذا يُطفئ مصابيحنا إلا التعطُّش لمدح الناس في جمالها

+ جمال مصابيحنا لايعبر عن فيض زيتنا ، كما أن غني الزيت يجمل ويتوج أبسط مصابيحنا

+ زيت مصابيحنا هو محبة الله فوق كل شئ ومحبة الآخر رغم أي شئ

+ زيت مصابيحنا هو طهارة قلوبنا قبل حواسنا وقصدنا كما فكرنا

+ أحيانا تخفي مصابيح بسيطة زيتا ملآن حتي الفيض ، وتخدع بريق مصابيح فراغها من الزيت


١٢٧- القديس جيروم – تفسير مزمور ٢٧ – القمص تادرس يعقوب ملطي

١٢٨- القديس إكليمنضس السكندري – تفسير بطرس الأولي ٣ – القمص تادرس يعقوب ملطي

١٢٩- ترجمها عن اللغة القبطية د. صموئيل القس قزمان معوض – قسم الدراسات القبطية – جامعة مونستر بألمانيا

١٣٠- كتاب عظات القديس مقاريوس الكبير – مركز دراسات الآباء – دكتور نصحي عبد الشهيد

١٣١- المرجع : كتاب تفسير الرسالة إلي العبرانيين للقديس يوحنا ذهبي الفم – ترجمة دكتور سعيد حكيم يعقوب ومراجعة دكتور جورج عوض إبراهيم – المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية

١٣٢- المرجع : كتاب الحقيقة والظلال للقديس يوحنا ذهبي الفم – ترجمة دكتور سعيد حكيم يعقوب

١٣٣- المرجع : كتاب تفسير إنجيل متي – القمص تادرس يعقوب ملطي

١٣٤- كتاب نظرة شاملة لعلم الباترولوجي في الستة قرون الأولي – القمص تادرس يعقوب ملطي

١٣٥- المرجع : كتاب دراسات في الكتاب المقدس – إنجيل متي – أنبا أثناسيوس مطران كرسي بني سويف والبهنسا

١٣٦- المرجع : كتاب ألقاب المسيح ووظائفه – أنبا بيمن أسقف ملوي وأنصنا والأشمونين

١٣٧- المرجع : كتاب الفرح – القمص يوسف أسعد

١٣٨- المرجع : كتاب وكلَّمهم أيضاً بإمثالٍ – القمص لوقا سيداروس – كنيسة مار جرجس سبورتنج

١٣٩- المرجع : كتاب تأملات وعناصر روحية في آحاد وأيام السنة التوتية ( الجزء الرابع ) – إعداد القمص تادرس البراموسي

١٤٠- المرجع : كتاب سر التقوي – القديس الأرشيدياكون حبيب جرجس – مشروع الكنوز القبطية

١٤١- كتاب المدلولات اللاهوتية والروحية في الكتاب المقدس بحسب إنجيل متي – دكتور موريس تاوضروس أستاذ العهد الجديد بالكلية الإكليريكية

١٤٢- المرجع: مجلة مدارس الاحد شهر ابريل ٢٠٠٣

١٤٣- مجلة مدارس الاحد عدد شهر ابريل لسنة ٢٠٠٠