شرح قراءات الصوم الكبير للمهندس فؤاد نجيب يوسف

 

الصوم الأربعيني المقدس

 

منهج الصوم الكبير بقراءاته هو خروج مع المسيح لبرية التجربة ، ممثلاً في خروج إسرائيل الجديد لبرية سيناء للحرية في المسيح لبلوغ أرض الموعد . يعتمد الخروج علي بنوتنا للآب التي تحققت في سر التجسد (قراءات الفصل الأول) .

الخروج يحمل فكرة عودة الابن من الكورة البعيدة لحضن الآب . بدأ الخروج بمعمودية المسيح ثم التجربة في البرية ، التي تماثل مراحل خروج بني إسرائيل لبرية سيناء بعد معمودية البحر الأحمر . تتوالي أسابيع الصوم في تحرك انتصاري مع المسيح وبه ، في برية العالم ضد إبليس والخطية ، نحو أرض الموعد حيث نبلغ الأردن يوم أحدٍ التناصر ، وفي يوم الجمعة السابعة -ختام الصوم- يفارق السيد المسيح الهيكل العتيق ، ” هوذا بيتكم يترك لكم خراباً ” معلناً تأسيس الهيكل الجديد غير المصنوع بأيدي ، أي هيكل جسده(الكنيسة) .

هدف الخروج هو بلوغ أرض الموعد الأرض التي تفيض لبناً وعسلاً ، والتحرك حتي موضع راحة الرَّب في أورشليم السماوية . الخروج يكتمل في أورشليم ، ” خروجه الذي كان عتيداً أن يكمله في أورشليم “(لو ٩: ٣١) ، لبلوغ أورشليم كان لابد من عبور نهر الأردن واجتياز أريحا ، نفس مسار بني إسرائيل لأرض الموعد ، حيث يبدأ أسبوع الفصح ، التقليد اليهودي وتعاليم الربيين ، تعطي علامات للمسيا عند مجيئه . من تلك العلامات أنه يقوم بأعمال يعقوب ، “إسرائيل ” فتاريخ بني إسرائيل هو رمز وظل لما سيقوم به المسيا ، ومن ذلك أنه يعطي مائدة سماوية ويعبر الأردن ثم يجتاز أريحا .

الصوم الكبير هو خروج للمواجهة مع النفس والجسد والعالم وإبليس ، خلف المسيح بهدف الحرية ، خروج مع بني إسرائيل من تحت عبودية الذات والآخر والمادة والشيطان . الهدف من الخروج كما حدده الله لموسي النبي ، …” أطلق شعبي ليعيدوا لي في البرية”(خر ٥: ١) ، ” أطلق شعبي ليعبدوني في البرية “(خر ٧: ١٦) . لا تستطيع النفس أن تُعيَّد للرب وتعبده بالروح والحق قبل أن تنال حريتها الداخلية . المسيح خرج من عند الآب لبرية العالم ليتقي بخروجنا إليه ، ” وحين تمت الأيام لارتفاعه ثبت وجهه لينطلق إلي أورشليم (لو ٩: ٥١) . ” اللذان ظهرا بمجد (موسي وإيليا) وتكلما عن خروجه الذي كان عتيداً أن يكمله في أورشليم “(لو ٩: ٣١) . الخروج يكتمل في أورشليم بالموت والقيامة مع المسيح . تبدأ رحلة الخروج يوم سبت الرفاع حتي دخول أورشليم يوم أحد السعف . في أيام القديس أثناسيوس كان سفر الخروج يُقرأ في يوم السبت العظيم ( الرسالة الفصحية الرابعة ) .

الخروج للحرية يبدأ بعبور البحر والتحرك في البرية لبلوغ أرض الموعد عبر نهر الأردن . فصول الصوم مرتبطة بالمعمودية وعملها لتجديد الخليقة ، كان هناك منهجاً روحياً خاصًا في فترة الصوم لطالبي العماد ، حيث كان يقدم لهم شرحًا للكتاب المقدس كله بعهديه ، مع التعليم الروحي المكثَّف تحت إشراف الأسقف ، حتي ينالوا المعمودية يوم سبت النور ، ثم التناول في قداس عيد القيامة ، لذلك فإن قراءات الثلاثة آحاد الأخيرة من الصوم تحوي حديثاً هاماً حول الماء والمعمودية .

 

القراءات في أيام الصوم تحوي فصولاً من العهد القديم أثناء رفع بخور باكر .

في القرون الأولي للمسيحية كانت القراءات اليومية تحوي فصولاً من الناموس والأنبياء ، لكنها بدأت تتقلص في الكنيسة القبطية حتي انحصرت في قراءات أيام الصوم الكبير وأسبوع الآلام ، حيث تُغَطِّي أجزاء كبيرة من العهد القديم . من الدراسات المفيدة متابعة ارتباط الفكر الروحي لقراءات منهج الصوم وقراءات كل كتاب من كتب العهد القديم علي حدة (مثلاً سفر التكوين أو الخروج أو أيوب أو إشعياء … ألخ) .

قراءات الصوم منظمة في مناهج أسبوعية ، تبدأ قراءات الأسبوع من باكر يوم الاثنين ، وتدور حول موضوع واحد خلال الأسبوع ، وتختم بقراءات يوم الأحد .

قراءات أسابيع الصوم تشتمل علي المواضيع الآتية :

الأسبوع الأول : الاستعداد للخروج للبرية مع المسيح ، فحص النفس علي ضوء الوصية المقدسة .

الأسبوع الثاني : التجربة والخروج مع المسيح إلي البرية ، دراسة كتابية عن التجربة بكل صورها ، وتبلغ كمال النصرة عليها بكلمة الله في تجربة المسيح .

الأسبوع الثالث : سقوط الإنسان في الخطية بسبب الضعف أمام التجربة، والعودة لحضن الآب بالتوبة .

الأسبوع الرابع : بركات المبادرة بالتوبة ، والاستجابة لدعوة المسيح – مياه العالم .

الأسبوع الخامس : تأجيل التوبة ومخاطرها – مياه الناموس .

الأسبوع السادس : ميلادنا الجديد وخليقتنا الجديدة – مياه المعمودية .

الأسبوع السابع : نهاية الناموس استعدادا للعبور .

الأسبوع الثامن : العبور مع المسيح أسبوع الآلام .

 

سبت وأحد الرفاع

 

الانتقال بالعبادة من العبودية إلي البنوة

” أطلق شعبي ليعبدوني في البرية “(خر ٧: ١٦)

مزامير يومي سبت وأحد الرفاع مزامير عزاء وترنم وفرح بالخلاص .” أذكر لعبدك القول الذي جعلتني أنتظره ، هذه هي تعزيني في مذلتي “(مز ١١٩: ٤٩ ، ٥٠) . ” اسمع يارب للحق أنصت إلي صراخي أصغ إلي صلاتي “(عشية مز ١٧: ١) .

تغير وضع الصوم من الحزن والنوح إلي دهن الرأس وغسل الوجه والاستعداد مع المسيح في خروج انتصاري ،” اعبدوا الرب بفرح ادخلوا إلي حضرته بترنم …”(باكر ١٠٠: ٢) . ” اعبدوا الرب بخوف واهتفوا برعدة ” (القُدَّاس مز ٢: ١١) ، كلا المزمورين يوضحان جوانب الصوم الفرح ومخافة الرب .

إنجيل باكر السبت يدعو للسهر ، ” اسهروا إذا لأنكم لا تعلمون متي يأتي رب البيت أمساءً أم نصف الليل أم صياح الديك أم صباحاً ، لئلا يأتي بغتة فيجدكم نياماً وما أقوله لكم أقوله للجميع اسهروا “(مر ١٣: ٣٥- ٣٧) .

البولس يدعو لتكميل القداسة ،” فإذ لنا هذه المواعيد أيها الأحباء لنطهر ذواتنا من كل دنس الجسد والروح مكملين القداسة في خوف الله “(٢كو ٧: ١) .

كاثوليكون السبت ، ” مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح الذي حسب رحمته الكثيرة ولدنا ثانية لرجاء حي بقيامة يسوع المسيح من الأموات ، لميراث لا يفني ولا يتدنس ولا يضمحل محفوظ في السموات … نائلين غاية إيمانكم خلاص النفوس ” (١بط ١: ٣- ٩) . أما إنجيل قداس يوم السبت فيحمل دعوة للتوبة ، ” كلا أقول لكم بل إن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون “(لو ١٣: ٣) .

إنجيل عشية الأحد يدعو للإيمان في الصلاة كما يربط بين أبوة الآب والمغفرة ، ” ومتي وقفتم تصلون فاغفروا إن كان لكم علي أحد شيء لكي يغفر لكم أيضاً أبوكم الذي في السماوات زلاتكم . وإن لم تغفروا أنتم لا يغفر أبوكم الذي في السماوات أيضاً زلاتكم “،(مر ١١: ٢٢- ٢٦) . وباكر يكرر دعوة المغفرة لكل من يخطيء إلينا ، وهذه هي خطوة ضرورية تعدنا للتوبة ، “احترزوا لأنفسكم ، وإن أخطأ إليك أخوك فوبخه وإن تاب فاغفر له ، وإن أخطأ إليك سبع مرات في اليوم ورجع إليك سبع مرات في اليوم قائلاً أنا تائب فاغفر له .” (لو ١٧: ٣- ٤) .

الكاثوليكون ، يعرض هبات الله ومواعيده العظمي والثمينة المدعوين إليها ، ” كما أن قدرته الإلهية قد وهبت لنا كل ما هو للحياة والتقوي بمعرفة الذي دعانا بالمجد والفضيلة ، اللذين بهما قد وهب لنا المواعيد العظمي والثمينة لكي تصيروا بها شركاء الطبيعة الإلهية هاربين من الفساد الذي في العالم بالشهوة “، فيحثنا علي الاجتهاد لنثبت في الدعوة حتي نكون مختارين ، ” لذلك بالأكثر اجتهدوا أيها الإخوة أن تجعلوا دعوتكم واختياركم ثابتين ، لأنكم إذا فعلتم ذلك لن تزلوا أبداً “(٢ بط ١: ١- ١١) .

إنجيل قداس أحد الرفاع من الموعظة علي الجبل :(مت ٦: ١- ١٨) ” احترزوا من أن تصنعوا صدقتكم قدام الناس لكي ينظروكم وإلا فليس لكم أجر عند أبيكم الذي في السموات … وأما أنت فمتي صليت فادخل إلي مخدعك واغلق بابك وصل إلي أبيك الذي في الخفاء … وأما أنت فمتي صمت فادهن رأسك واغسل وجهك … لكي لا تظهر للناس صائما بل لأبيك الذي في الخفاء …”

السيد المسيح يعرض في هذا الحديث الناموس الجديد للعبادة المسيحية في ” الصدقة والصلاة والصوم “، فيكشف عن زيف العبادة القديمة المقدمة أمام الناس وليست لله ، السيد المسيح ينقل النفس من حضرة الناس للحضور أمام الأب السماوي ، “فأبوك الذي يري في الخفاء هو يجازيك علانية ” . في الانتقال للحضور أمام الله كأب ، تحريراً للنفس من عبودية الناس ومن رغبة إشباع النفس بمديح الناس ، وفي ذلك بدءً للقداسة الحقيقية ، فبذلك تدرك النفس طريقاً عملياً للملكوت.

نلاحظ أن هذا الانتقال للحضور أمام الله ، تحرراً من رأي الناس ، الذي يتخلل فكر الموعظة علي الجبل ، موضوع في خلفية قراءات الصوم الكبير .

الصوم هو خروج من الكورة البعيدة من تحت عبودية إبليس والناس والذات ، لحضن الآب ، القوة الدافعة للخروج هو أبوة الآب السماوي التي أدركناها في ” سر التجسد ” خلال قراءات الفصل الأول من العام الليتورجي ، وفي الفصل الثاني نتحرك بنعمة البنوة مع المسيح لنبلغ شركة قيامته في الاتحاد بالله . لذلك تقدم الكنيسة في أحد الرفاع الصلاة الربانية ” أبانا الذي في السماوات ” ويظل لحن أبوة الله يتردد صداه في قراءات وصلوات الكنيسة وألحانها طوال فترة الصوم ، فهو القوة الدافعة للعودة لحضن الآب ، مجتازين برية العالم مع المسيح وبه لموضع الراحة ، وتبلغ مشاعر أبوة الله ذروتها في الأحد الثالث مع ” عودة الابن الضال ” ، وتستمر حتي تبلغ بنا لفرح القيامة .

قراءات مساء أحد الرفاع من إنجيل لوقا تعود لتؤكد أبوة الآب من خلال عطاياه ، ” فإن كنتم وأنتم أشرار تعرفون أن تعطوا أولادكم عطايا جيدة فكم بالحري الآب الذي من السماء يعطي الروح القدس للذين يسألونه “(لو ١١: ١٣) .

 

الأسبوع الأول من الصوم

 

الاستعداد للخروج للبرية مع المسيح ، بفحص النفس علي ضوء الوصية

أول قراءة في الصوم الكبير في باكر يوم الاثنين من سفر الخروج ، فالصوم يتمثل في رحلة خروج بني إسرائيل للبرية مع الله ،…” وصرخوا فصعد صراخهم إلي الله من أجل العبودية ، فسمع الله أنينهم فتذكر الله ميثاقه مع إبراهيم واسحق ويعقوب ، ونظر الله بني إسرائيل ، وعلم الله “(خر ٢: ٢٣- ٢٥) . الله هو الذي يبدأ المبادرة لخلاصنا ، فحالة العجز البشري أمام الخطية تتطلب أن يمد الله يده للإنسان ، لا يستطيع إنسان أن يبلغ لله دون دعوة ، لنتبع مسار قدميه ، الله يتذكر ميثاقه ، عهد محبته للإنسان ، هو الذي يدعو وهو الذي يُظهر لنا ذاته كما ظهر لموسي في العليقة ، الله نظر وعَلِم وتحرك نحونا في أبوته أولا فيحرك النفس نحوه ، الاستعداد للخروج يبدأ بالشعور بالعبودية ومذلتها كما يصف سفر الخروج .

أما إشعياء النبي فبعد أن يعرض حالة إسرائيل المتردية في الشر يقول ،” هلم نتحاجج يقول الرب إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيض كالثلج إن كانت حمراء كالدودي تصير كالصوف (إش ١: ١٨) ، نبوة إشعياء تحمل فكرة أبوة الله من أول آية ، ” اسمعي أيتها السماوات واصغي أيتها الأرض لان الرب يتكلم ، ربيت بنين ونشأتهم أما هم فعصوا علي ” . (إش ١: ١) ، الرب يتكلم فلتنصت السماوات والأرض ، الرب يدعو فمن ذا لا يستجيب ؟ ” ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله .” الرب يتكلم كأب ربي بنين ، فالدعوة للبنين ليرجعوا لأبوة الأب ، إشعياء يصف الحالة المتردية للإنسان تحت عبودية الخطية ، فحتي العقوبة لم تعد مجدية وغير ذات قيمة ، كل محاولات الإنسان للخلاص باطلة ومرفوضة وتنتهي بشكلية العبادة للهرب من واقع أثيم بلا جدوي ، دعوة الله تتلخص في ثلاثة أمور :

١- عزل الشر والكف عنه بفحص النفس في ضوء الوصية .

٢- تعلم فعل الخير تعلم إرادي من خلال الوصية المقدسة .

٣- المحاجاة مع الرب في حديث شخصي تقف فيه النفس أمام الله عارية من كل زيف لتعرض الواقع بالصدق ، وتأخذ بمشورته الفعالة في أمر خلاصها .

مخيف هو الوقوف في حضرة الله ، فلنصمت ، من يطيق أو يحتمل الوقوف أمام نور حق الله المُمحص للشر ؟ مزمور باكر وصلاة العشار ، القول الوحيد الممكن أن ننطقه ، ” يارب لا توبخني بغضبك ولا تؤدبني بغيظك ، إرحمني يارب لأني ضعيف اشفني يارب لأن عظامي قد رجفت “(مز ٦: ١ ،٢) .

في بداية الصوم نحن مدعوين لبدء جديد ، ” اجعلوا الشجرة جيدة وثمرها جيداً أو اجعلوا الشجرة ردية وثمرها ردياً لأن من الثمر تعرف الشجرة .”( مت ١٢: ٣٣) .

” لأن زمان الحياة الذي مضي يكفينا لنكون قد عملنا إرادة الأمم سالكين في الدعارة والشهوات وإدمان الخمر والبطر والمنادمات وعبادة الأوثان المحرمة .”(١بط ٤: ٣) .

” لذلك بالأكثر اجتهدوا أيها الإخوة أن تجعلوا دعوتكم واختياركم ثابتين لأنكم إذا فعلتم ذلك لن تزلوا أبداً “(٢بط ١: ١٠) .

قراءات الأسبوع الأول تعد النفس للخروج مع المسيح وتشرح المُعوقات والصعوبات التي قد تضل مسيرتنا ، وتدور حول تعاليم المسيح والوصية المقدسة ، فتُقدم الموعظة علي الجبل من إنجيلي متي ولوقا ، في نور كلمة الله الكاشفة يستطيع الإنسان أن يري نفسه ويفحصها بوضوح قبل أن يخرج للبرية مع المسيح، أيضاً كلمة الله هي الزاد الضروري للخروج للبرية ، ” مكتوب ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله “( مت ٤: ٤) ، وهي الدرع لمواجهة إبليس .

مواضيع قراءات الأسبوع الأول :

الاثنين : حالة الإنسان تحت عبودية الشر والفساد والحاجة المُلحة للخروج .

الثلاثاء : الله يدعو للعودة من حالة الفساد المذرية ، ويتعهد بخلاص شعبه .

الأربعاء : اجتهدوا أن تجعلوا دعوتكم واختياركم ثابتين ، هلم نسلك في نور الرب .

الخميس : نقوا منكم الخميرة العتيقة ، لأن الظلمة قد مضت ، والنور الحقيقي الآن يضيء .

الجمعة : اسمع يا اسرائيل – كلمة الله – واحترز لتعمل . وكانوا يواظبون علي تعليم الرسل والشركة وكسر الخبز والصلوات . الصلاة مع كلمة الله عنصران رئيسيان للإعداد للخروج مع المسيح في رحلة الصوم .

السبت : ” نصيبي الرَّب قلت أحفظ كلامك ” وصايا المسيح بالموعظة علي الجبل هي نصيبنا وزادنا في رحلة الخروج .

الأحد : كنز القلب وسراج الجسد ، يعتمدان علي سر كلمة الله :” لا تكنزوا لكم كنوزاً علي الأرض حيث يفسد السوس والصدأ وحيث ينقب السارقون ويسرقون ، بل اكنزوا لكم كنوزا في السماء حيث لا يفسد سوس ولا صدأ وحيث لا ينقب سارقون ولا يسرقون ، لأنه حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك أيضا . سراج الجسد هو العين فإن كانت عينك بسيطة فجسدك كله يكون نيراً ، وإن كانت عينك شريرة فجسدك كله يكون مظلماً فان كان النور الذي فيك ظلاماً فالظلام كم يكون ، لا يقدر أحد أن يخدم سيدين لأنه إما أن يبغض الواحد ويحب الأخر أو يلازم الواحد ويحتقر الآخر لا تقدرون أن تخدموا الله والمال ، لذلك أقول لكم لا تهتموا لحياتكم بما تأكلون وبما تشربون ولا لأجسادكم بم تلبسون أليست الحياة أفضل من الطعام والجسد أفضل من اللباس .”

وبكل هذا الكم من القراءات تُعِدنا الكنيسة للخروج مع المسيح للبرية .

 

الأسبوع الثانى من الصوم

 

الخروج مع المسيح إلى البرية لمواجهة إبليس في التجربة.

الخروج مع المسيح للبرية لابد أن تعترضه التجربة. تقدم قراءات الأسبوع  الثاني مفهوم الخروج وتحوي دراسة كتابية متكاملة من العهدين عن التجربة بكل صورها وأبعادها الروحية، إلى أن نبلغ النصرة عليها بكلمة الله في تجربة المسيح. أول قراءة لهذا الأسبوع أيضا من سفر الخروج، ” فقال الرب أني قد رأيت مذلة شعبي الذي في مصر وسمعت صراخهم من أجل مسخريهم، إني علمت أوجاعهم. فنزلت لأنقذهم من أيدي المصريين وأصعدهم من تلك الأرض إلى أرض جيدة وواسعة إلى أرض تفيض لبنا وعسلا” (خر٣: ۷-۸). “فقال الله من أنا حتى أذهب إلى فرعون وحتى أخرج بني إسرائيل من مصر. فقال إني أكون معك…”. من أنا حتى أواجه تجارب إبليس؟ لذلك نزل المسيح لينقذ أولاده، “إني أكون معك” فهو عمانوئيل الله معنا.

قراءات الأسبوع تشكل دراسة كتابية متكاملة من العهدين حول موضوع التجربة بصور متعددة ومتباينة سواء في تجارب القديسين أم الأشرار أم الذين يجربون الله (حنانيا وسفيرة)، “طوبي للرجل الذي يحتمل التجربة لأنه إذا تزكي ينال إكليل الحياة الذي وعد به الرب للذين يحبونه” (یع ۱۲:۱).

قراءات يوم الاثنين: موقف الله من الشر، وافتقاده البشرية لينقيها بروح القضاء وروح الإحراق (حنانيا وسفيرة). “إذا غسل السيد قذر بنات صهيون ونقى دم أورشليم من وسطها بروح القضاء وبروح الإحراق” (إش ٤:٤)، “فالآن أعرفكم ماذا اصنع بكرمي انزع سياجه فيصير للرعي أهدم جدرانه فيصير للدوس” (إش ٥:٥). “لأن غضب الله معلن من السماء على جميع فجور الناس وإثمهم الذين يحجزون الحق بالإثم. إذ معرفة الله ظاهرة فيهم لأن الله أظهرها لهم” (رو١ : ١٨ – ١٩) .

إنجيل قاضي الظلم عن الصلاة بلجاجة، الصلاة لازمة في التجربة. “أفلا ينصف الله مختاريه الصارخين إليه نهارا وليلا وهو متمهل عليهم” (لو۷:۱۸).

قراءات يوم الثلاثاء: “طوبى للرجل الذي يحتمل التجربة لأنه إذا تزكي ينال به إكليل الحياة، الذي وعد به الرب للذين يحبونه”. يقول أيوب في تجربته، “أما أنا فقد علمت أن وليي حي والآخر على الأرض يقوم. وبعد أن يفنى جلدي هذا وبدون جسدي أرى الله” (أي١٩: ٢٥-٢٦). حديث القديس يعقوب عن التجربة، احسبوه كل فرح يا إخوتي حينما تقعون في تجارب متنوعة. عالمين أن امتحان ايمانكم ينشئ صبرا… ” (یع ۱: ۱-۱۲).

الإنجيل يهدئ من روعنا في مواجهة التجربة، “فبهتوا إلى الغاية قائلين بعضهم لبعض فمن يستطيع أن يخلص. فنظر إليهم يسوع وقال عند الناس غير مستطاع ولكن ليس عند الله لان كل شيء مستطاع عند الله” (مر ١٠: ٢٦-٢٧)

قراءات يوم الأربعاء: أنظروا إلى أنفسكم لئلا نضيع ما عملناه بل ننال أجرا تاما (۲يو ٨:١). التسرع عند التجربة والتصرف بلا تدير يضر، وحدث في تلك الأيام لما كبر موسى أنه خرج إلى إخوته لينظر في أثقالهم، فرأى رجلا مصريا يضرب رجلا عبرائيا من إخوته. فالتفت إلى هنا وهناك ورأى أن ليس أحد فقتل المصري وطمره في الرمل” (خر ۲: ۱۱-۱۲)، خطورة تبرير الخطأ والدفاع عن الشر يعرضها إشعياء، “ويل للجاذبين الإثم بحبال البطل والخطية كأنه بربط العجلة…

ويل للقائلين للشر خيرا وللخير شرا الجاعلين الظلام نورا والنور ظلاما الجاعلين المر حلوا والحلو مرا. ويل للحكماء في أعين أنفسهم والفهماء عند ذواتهم.” (إش ٥: ۱۸-۲۱)، القديس بولس يعرض واقع الإنسان والخطية، “ليس من يفهم ليس من يطلب الله. الجميع زاغوا وفسدوا معا ليس من يعمل صلاحا ليس ولا واحد” (رو ۳: ۱۱-۱۲)

قراءات يوم الخميس: الخروج ورؤية الرب في طاعة الإيمان والوصية. وأذكر أنك كنت عبدا في أرض مصر فأخرجك الرب إلهك من هناك بيد شديدة وذراع ممدودة لأجل ذلك أوصاك الرب إلهك… (تث ٥: ١٥-٢٢). الوصايا العشر، وربط بين الخروج والوصية. الرب أعطي الوصية عندما أخرجنا من تحت العبودية، فالوصية مرتبطة بالحرية.

رفض الوصية يترتب عليه غلظ القلب وفقد الرؤية، فقال اذهب وقل لهذا الشعب اسمعوا سمعا ولا تفهموا وأبصروا إبصارا ولا تعرفوا، غلظ قلب هذا الشعب وثقل أذنيه وأطمس عينيه لئلا يبصر بعينيه ويسمع بأذنيه ويفهم بقلبه ويرجع فيشفى. فقلت إلى متى أيها السيد فقال إلى أن تصير المدن خربة بلا ساكن والبيوت بلا إنسان وتخرب الأرض وتقفر”. (إش ٦ : ٩ – ١١)

الخروج هو أن يحمل الرب شعبه ويقتادهم ويأتي بهم إلى نفسه، إلى راحته، “خلص شعبك وبارك ميراثك وارعهم واحملهم إلى الأبد” (مز ۹:۲۸). “أنتم رأيتم ما صنعت بالمصريين وأنا حملتكم على أجنحة النسور وجئت بكم إلى ” (خر ٤:١٩). “كل شيء قد دفع إلى من أبي وليس أحد يعرف الابن إلا الأب ولا أحد يعرف الأب إلا الابن ومن أراد الابن أن يعلن له” (مت ۲۷:۱۱)، هدف الخروج مع الابن هو معرفة الآب واستعلانه بالابن.

التجارب من الذين لا يطيعون الحق والتعليم الصحيح ويصنعون الشقاقات، وأطلب إليكم أيها الإخوة أن تلاحظوا الذين يصنعون الشقاقات والعثرات خلافا للتعليم الذي تعلمتموه ، واعرضوا عنهم، لأن مثل هؤلاء لا يخدمون ربنا يسوع المسيح بل بطونهم” (رو ١٦ : ١٧ – ١٨)

خروج بطرس من السجن (التجربة والخروج)، ورؤية الرب في التجربة مقارنة بين بطرس  وهيرودس، لنفرق بين مجد المسيح وغرور إبليس .

تختم قراءات الخميس بالإنجيل، “..ها نحن قد تركنا كل شيء وتبعناك…. و لكن كثيرون أولون يكونون آخرين وآخرون أولين” (مت ۱۹: ۲۷-۳۰).

قراءات يوم الجمعة: الخروج إليه خارج المحلة حاملين عاره، للراحة. جميع الوصايا التي أنا أوصيكم بها اليوم تحفظون لتعملوها لكي تحيوا وتكثروا وتدخلوا وتمتلكوا الأرض التي اقسم الرب لآبائكم. وتتذكر كل الطريق التي فيها سار بك الرب إلهك هذه الأربعين سنة في القفر لكي يذلك ويجربك ليعرف ما في قلبك… فأذلك وأجاعك وأطعمك المن الذي لم تكن تعرفه ولا عرفه آبائك لكي يعلمك انه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل ما يخرج من فم الرب يحيا الإنسان” (تث ٨: ١-٣).

العودة للراحة، القراءات تشرح الخروج والتجربة، “أرجعي يا نفسي إلى راحتك لأن الرب قد أحسن إليك. لأنك أنقذت نفسي من الموت وعيني من الدمعة ورجلي من الزلق” (مز١١٦: ٧، ٨). فلنخرج إذا إليه خارج المحلة حاملين عاره. لأن ليس لنا هنا مدينة باقية لكننا نطلب العتيدة… حتى أننا نقول واثقين الرب معين لي فلا أخاف ماذا يصنع بي إنسان. (عب١٣: ١٣-١٦). “أيها الأحباء لا تستغربوا البلوى المحرقة التي بينكم حادثة لأجل امتحانكم كأنه أصابكم أمر غريب.

بل كما اشتركتم في آلام المسيح افرحوا لكي تفرحوا في استعلان مجده أيضا مبتهجين” (١بط ٤: ۱۲-۱۳). “كل من يأتي إلي (الخروج مع المسيح) ويسمع كلامي ويعمل به أريكم من يشبه. يشبه إنسانا بنى بيتا، وحفر، وعمق، ووضع الأساس على الصخر. فلما حدث سيل صدم النهر ذلك البيت فلم يقدر أن يزعزعه لأنه كان مؤسسا على الصخر” (لو ٦: ٤٧-٤٨).

قراءات يوم السبت: العثرات والباب الضيق نار التجارب تملح الذبيحة بملح، وإن أعثرتك يدك فاقطعها خير لك أن  تدخل الحياة اقطع من أن تكون لك يدان وتمضي إلى جهنم إلى النار التي لا تطفا… لأن كل واحد يملح بنار وكل ذبيحة تملح بملح. الملح جيد ولكن إذا صار الملح بلا ملوحة فبماذا تصلحونه ليكن لكم في أنفسكم ملح وسالموا بعضكم بعضا (مر ٩: ٤٣-٥٠). ولكن كونوا عاملين بالكلمة لا سامعين فقط خادعين نفوسكم (يع ۱: ۲۲)

افتحوا لي أبواب البر ادخل فيها واحمد الرب.” (مز۱۹:۱۱۸). “أدخلوا من الباب الضيق لأنه واسع الباب ورحب الطريق الذي يؤدي إلى الهلاك وكثيرون هم الذين يدخلون منه، ما أضيق الباب وأكرب الطريق الذي يؤدي إلى الحياة وقليلون هم الذين يجدونه” (مت ۷: ١٣-١٤). الباب الضيق هو باب التجارب.

قراءات يوم الأحد: الخروج مع المسيح بعد الامتلاء من الروح للنصرة على التجربة، “ارحمني يا الله ارحمني لأنه بك احتمت نفسي وبظل جناحيك احتمي إلى أن تعبر المصائب” (مز ١:٥٧). “لا تحجب وجهك عني لا تخيب بسخط عبدك قد كنت عوني فلا ترفضني ولا تتركني يا اله خلاصي” (مز ۹:۲۷).

وتختم القراءات يوم الأحد بتجربة المسيح ونصرته التي اكتملت لحساب الإنسان ليمنحنا النصرة. تجربة المسيح اشتملت على ثلاثة أنواع من تجارب إبليس. أولا التجربة الجسدية ثم التجربة النفسية (أو الفكرية) ثم التجربة الروحية. وفي كل هذه التجارب كانت كلمة الله هي الدرع الواقي لكل مكايد إبليس. لهذا قدمت لنا قراءات الأسبوع الأول كلمة الله في تعاليم المسيح كإعداد ومصدر قوة قبل الخروج معه للتجربة. التجربة حتمية لذلك علمنا المسيح أن نطلب لا تدخلنا في تجربة

 

الأسبوع الثالث من الصوم

 

سقوط الإنسان في الخطية بسبب الضعف أمام التجربة، والعودة لحضن الآب بالتوبة، كحل أمثل لمشكلة الخطية (الابن الضال).

قراءات الأسبوع تشكل دراسة كتابية من العهدين حول مشكلة الخطية، فتشرح ماهيتها وتوضح صورها المتعددة الخفية والظاهرة، وتعرضها كمرض روحي يصيب النفس البشرية بأضرار بالغة. كما تقدم الحلول العملية من خلال الخلاص بالمسيح يسوع، وتختم القراءات بمثل الابن الضال، من خلال أبوة الله بتجسد المسيح أصبح لنا قيامة من موت الخطية ورجاء في العودة لبيت الآب، “لأنه يقول في وقت مقبول سمعتك وفي يوم خلاص أعنتك هوذا الآن وقت مقبول هوذا الآن يوم خلاص” (کو ٢:٦). “لا تذكر علينا ذنوب الأولين لتتقدمنا مراحمك سريعا لأننا قد تذللنا جدا..ونجنا واغفر خطايانا من أجل اسمك” (مز٧٩ :٩ – ٨).

قراءات يوم الاثنين: دعوة لمراجعة النفس؛ أنظر لئلا يكون النور الذي فيك ظلام. الحكمة تنادي في الخارج في الشوارع تعطي صوتها، تدعو في رؤوس الأسواق في مداخل الأبواب في المدينة تبدي كلامها، قائلة إلى متى أيها الجهال تحبون الجهل والمستهزئون يسرون بالاستهزاء والحمقى يبغضون العلم ارجعوا عند توبيخي هأنذا أفيض لكم روحي أعلمكم كلماتي، (أم ۱: ۲۰- ۲۳). سراج الجسد هو العين فمتى كانت عينك بسيطة فجسدك كله يكون نيراً ومتى كانت عينك شريرة فجسدك يكون مظلما”. ( لو ۱۱ :٣٣-٣٥).

قراءات يوم الثلاثاء: “طوبي أرجل لا يحسب له الرب خطية ولا في روحه غش” (مز ۲:۳۲)، “أجابهم يسوع الحق، الحق أقول لكم إن كل من يعمل الخطية هو عبد للخطية (يو ٨ : ٣٤) .

قراءات يوم الأربعاء: دعوة خروج من عبودية الخطية لحضن الآب بالمسيح .

قراءات يوم الخميس: دعوة لتصحيح المسار والعودة للطريق.

قراءات يوم الجمعة: النفس المفرغة من حضرة المسيح مثل بيت معد لسرقة إبليس، فيأتي ويجد البيت مكنوسا ومزينا.

قراءات يوم السبت: الشعور بالعوز في أرض الخطية والحاجة للعودة، لكن ليس كل شعور بالندم يؤول إلى توبة، فيلزم نور معرفة المسيح لتصحيح الفكر طبقاً لحق الإنجيل.

قراءات يوم الأحد: العودة لحضن الآب، بعد أن  قدمت قراءات الأسبوع الثالث دراسة عن الخطية، تختمها بعودة الابن الضال. المزامير الثلاثة تقدم صلوات خشوعية لطلب المغفرة، “يا رب إله خلاصي؛ بالنهار والليل صرخت أمامك، فلتدخل قدامك صلاتي. أمل يا رب سمعك إلى طلبتي” (مز ۸۸: ۱، ۲). “أنصت يا الله لصلاتي ولا تغفل عن تضرعي. التفت واستمع مني وأنا إلى الله صرخت والرب استجاب لي” (مز٥٥: ١، ١٦). “لا تذكر أثامنا الأولى فلتسبق لتدركنا رأفتك سريعا. لأننا قد افتقرنا جدا. أعنا يا الله مخلصنا من أجل مجد

اسمك ونجنا واغفر خطايانا من أجل اسمك” (مز٧٩: ۸، ۹).

أما إنجيل العشية فيعرض خطورة الخطايا التي تمتنع معها المغفرة مثل شكلية العبادة، “هذا الشعب يكرمني بشفتيه وأما قلبه فبعيد عني. فهم باطلا يعبدونني وهم يعلمون تعاليم هي وصايا الناس…أتركوهم هم عميان قادة عميان وإن كان أعمى يقود أعمى يسقطان كلاهما في حفرة (مت ١٦:٢٠). وإنجيل باكر، هكذا يكون الآخرون أولين والأولون آخرين لان كثيرين يدعون وقليلين ينتخبون” (مت ٢٠ : ١٦) .

البولس دعوة للتوبة كلها رجاء، “لأنه يقول في وقت مقبول سمعتك وفي يوم خلاص أعنتك، هوذا الآن وقت مقبول هوذا الآن يوم خلاص” (۲کو ٢:٦).

عودة الابن الضال: “فقال أصغرهما لأبيه يا أبي أعطني نصيبي من المال فقسم بينهما معيشته.” إن نصيبي في ميراث أبي السماوي كبير جدا، فهو كل ما لي من جسد وروح ونفس ومواهب وغرائز وخبرات في الحياة حتى المال. كيف أخذ نصيبى هذا وأخرج من بيت الآب؟ إنها رغبة التحرر من سلطان الله، وصيته ووصايته، عصاته وعكازه، رعايته وعينه الساهرة، إنه قرار عزل النفس عن حماية الله. نحن نتخذ هذا القرار المخيف فى لحظة انهيار الإيمان، وسوء تقديرنا لحب الله، وعدم الإدراك لمساحة الحرية المتاحة للأولاد التي ننعم بها في بيت الآب السماوي، فنسعى نحو حرية من صنع خيالنا، نتصور فيها أننا نملك أنفسنا تماما، بينما نحن نخرج بكل إرادتنا من تحت حماية الله وستره لنا، لنواجه وحدنا كل قوى الشر المخيفة في العالم.

“جمع كل شيء وسافر لكورة بعيدة”. جمع كل شيء من فكر وعواطف وروح وجسد وغرائز، ليعزل نفسه عن كل ما هو إلهي وروحي. أين توجد تلك الكورة البعيدة عن الله؟ “أين أذهب من روحك ومن وجهك أين أهرب؟ إن صعدت إلى السماوات فأنت هناك وإن فرشت في الهاوية فها أنت” (مز١٣٩: ٧- ٨). فقط في موت الخطية حيث العدم أنت غير موجود. هناك اتخذت لي موقعا حتى لا تراني، فبرك يخيفني وقداستك تؤذي مشاعري. لذلك خرجت من عندك لأهنا بمفاسدي، وأنعم بتحرري من تعبدي وترنمي لاسمك القدوس.

بدد أمواله بعيش مسرف”، ما هي هذه الأموال ؟ إنها عطاياك يا رب لي، ميراثي من مواهب وإمكانيات ومعرفة أعتز بها وأفتخر. لقد قررت أن استثمر نفسي بعيدا عنك، عن روح القداسة والتقوى, لم أكن أعلم أن استخدام طاقاتي بعيدا عنك هو تبديد واستنزاف لامكانياتي لا يعوض. فحتى الزمن يضيع بلا عودة .

حدثت مجاعة عظيمة ، مجاعة للحق، للخير، لكلمة الله المشبعة للنفوس. تذبل النفس ثم تموت بعيدا عن حق الله ومعرفته، لكني اخترت ذلك لنفسي.

التصق بواحد من أهل تلك الكورة ، في وادي ظل الموت البعيد عن الله. فمن هم أهلها إلا إبليس وجنوده؟ لقد استنزفوا كل إمكانياتي من ميراث أبي، حريني إرادتي سلطاني على نفسي. كيف صرت غبيا؟ فقراراتي ليست ملكي. صرت عبدا في أرضي، وصارت نفسي حقلا للخنازير ترعى فيه، فتقتات بإمكانياتي التي هي هبات الله والتي فصلتها عنه بإرادتي. ميراثي من أبي لم يعد ملكي، توقف فيه النماء لم أعد أملك إمكانياتي لأستثمرها.

“فرجع إلى نفسه”، أخطر وأشجع قرار ممكن أن يتخذه الإنسان هو عودته لنفسه التي سلبت منه. الإنسان ينفصل عن نفسه بدفاعه عنها، فبمحاولاته تبرير نفسه يلقي بمسئولية الخطأ على الظروف أو الآخرين. بذلك يتنكر لنفسه ويرفضها عندما لا يستطيع أن يتحمل عار خطاياها. الإنسان يعود لنفسه عندما يقر أمام نفسه وأمام الله عن مسئوليته الشخصية عن أفعاله بغض النظر عن الظروف. وعندما يقر بواقعه الأثيم الذي يحتاج إلى تغيير بذلك فقط يقبل نفسه كما هي دون تجميل، فيرجع إلى نفسه ويجمع شتاتها، ويعيد تقييم الأمور، فيستطيع أن يقرر خطوات الإصلاح الضرورية للعودة.

“وقال كم من أجير لأبي يفضل عنه الخبز وأنا اهلك جوعا.” قرار العودة لا يمكن أن يتخذه إنسان بدافع عن شروره. الصدق مع النفس مع خبرة الأيام . الأولى في بيت الآب لازمان لاتخاذ قرار العودة. من المؤكد أن الإنسان لا يعمل وحده، لكن النعمة تدعوه والروح القدس يبكته، لذلك تصلي الكنيسة، “سهل لنا طريق التوبة ، حقا بيت الآب السماوي يمتلئ بطعام الحياة الأبدية بينما الإنسان البعيد عنه يموت جوعا. كرامة الإنسان الزائفة  تعوق تحركه للعودة. بينما أبوة الآب هي القوة الجاذبة مع الإدراك للغنى الأبوي ومحبته هم الدافع القوي لعودة الابن لبيت الآب، “أقوم وأمضي إلى أبي وأقول له يا أبي أخطأت إلى السماء وقدامك. ولست مستحقا بعد أن أدعى لك ابنا، اجعلني كأحد أجراك”. قرار الخروج من الكورة البعيدة للعودة لحضن الآب هو موضوع الصوم الكبير كله.

وإذ كان لم يزل بعيدا رآه أبوه فتحنن، وركض ووقع على عنقه وقبله”. الأب ينتظرنا ويفرح بعودتنا إليه لأنه أب. وهنا يظهر عظمة الفكر المسيحي وتفرده بمحبة الله الأب للخطاة. الله أب محب لكن كرامتنا المزيفة تمنعنا من العودة إليه، وبذلك نقر أننا نفتقر لفهم الإيمان المسيحي. لقد كان من اللازم أن يعود الإنسان لنفسه ليتخلص أولا من الأكاذيب التي تصورها له كرامته. الأب المحب لم يسمح لإبنه أن يكمل اعتذاره فلم يدعه يقول، “ولست مستحقا بعد أن أدعى لك ابنا، اجعلني كأحد أجراك”. لأنه أب حقيقي يرفض أن يكون ابنه أجيرا عنده وفي هذا شموخ وعظمة المسيحية.

فقال الأب لعبيده أخرجوا الحلة الأولى والبسوه، “بل البسوا الرب يسوع المسيح ولا تصنعوا تدبيرا للجسد لأجل الشهوات” (رو١٤:١٣). واجعلوا خاتما في يده (سلطان البنوة وخاتم العرس). وحذاء في رجليه، “وحاذين أرجلكم باستعداد إنجيل السلام” (اف١٥:٦). خلع الابن الحذاء لما صار عبدا، فأعاد له سيادة البنوة. “وقدموا العجل المسمن واذبحوه فنأكل ونفرح”. ذبيحة المسيح لمغفرة الخطايا . هي الخلفية التي نتحرك في رحابها أثناء رحلة الصوم الكبير للخروج. ان ابني هذا كان ميتا فعاش وكان ضالا فوجد فابتدءوا يفرحون.”

الابن الأكبر لم يخرج من البيت، فكان حاضرا في الكنيسة يمارس كل الطقوس طائعا لحرفية الناموس. لكن عودة أخيه أظهرت أن مشاعر أبيه المحب ليست عنده، فهو منفصل عن الآب رغم أنه لم يغادر البيت. “وأما أنا فأقول لكم أحبوا أعداءكم باركوا لاعنيكم أحسنوا إلى مبغضيكم… لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السماوات..” (مت ٥: ٤٤، ٤٥) فشعور الابن الأكبر نحو أخيه أثبت أنه ليس ابنا للأب السماوي. فكلا الابنان انفصلا عن الآب بالخطية، لكن الأصغر عرف طريق العودة، “فرجع إلى نفسه..”. الله يفتح أحضانه للجميع، لكن المغفرة تقوم على مقدرة الحب، “من أجل ذلك أقول لك قد غفرت خطاياها الكثيرة لأنها أحبت كثيرا والذي يغفر له قليل يحب قليلا (لو٤٧:٧). من يطلب المغفرة ينالها أما من يشمخ قلبه ويتعالى بالغيرة والحسد فلن ينال شيء نافعاً له.

بعد الحديث الهام عن التوبة، وعلى أساس التوبة، تقدم القراءات في الثلاثة أسابيع التالية ثلاثة أحداث حول الماء لتعد للمعمودية والخليقة الجديدة في المسيح يسوع. التوبة هي الأساس للمعمودية لذلك ففكر التوبة يتخلل قراءات الأسابيع التالية .

 

الأسبوع الرابع من الصوم

 

مياه العالم وعطية الآب، بركات المبادرة بالتوبة استجابة لدعوة المسيح .

(السامرية). المياه الأولى هي مياه العالم عطية الآب: “إذ لم تأخذوا روح العبودية أيضا للخوف بل اخذتم  روح التبنى الذي به نصرخ يا أبا الآب” (رو ١٥:٨ الاثنين). “إله وأب واحد للكل الذي على الكل وبالكل وفي كلكم ولكن لكل واحد منا أعطيت النعمة حسب قياس هبة المسيح لذلك يقول إذ صعد إلى العلاء سبي سبيا وأعطى الناس عطايا ” (ف ٤ : ٧ – ٩) .

دعوة للتوبة : “إن كنتم قد سمعتموه وعلمتم فيه كما هو حق في يسوع أن تخلعوا من جهة التصرف السابق الإنسان العقيق الفاسد بحسب شهوات الغرور وتتجددوا بروح ذهنكم ( إف ٤: ٢١-٢٣ الأربعاء).

السامرية :

إنجيل السامرية يقدم في قراءات الكنائس الأرثوذكسية والكاثوليكية وبعض الكنائس البروتستانتية في الخماسين المقدسة، فهو إنجيل البشارة المفرحة بالخلاص، هلموا أنظروا إنسانا قال لى كل ما فعلت، العل هذا هو المسيح؟ فخرجوا من المدينة وأتوا إليه” (يو٤: ۲۹، ٣٠)، كما أنه إنجيل عطية الآب، الماء الحي الذي يشير لعطية الروح القدس، أما الكنيسة القبطية فترى فيه إلى جانب ذلك أنه إنجيل افتقاد المسيح للبشرية الخاطئة الاستجابة السريعة الدعوة الخلاص، لذلك تقدمه في قراءات الأحد التالي للابن الضال، ، مع تقديم قراءات  مصاحبة خلال الأسبوع الرابع من الصوم للتوضح المعاني الروحية المقصودة لتلك الفترة، ثم تقدمه مرة أخرى في الخماسين مثل باقي الكنائس، مع قراءات مصاحبة أخرى من الكتاب الشرح معاني روحية تناسب فترة الخماسين .

ولللأعداد لحلول الروح القدس. وهنا نرى الغني الروحي للكنيسة في قراءاتها .

يأتي المسيح ليلتقي بالسامرية في موقع ضعفها، فتتحدث عن عطية يعقوب لابنه يوسف وعلامتها البئر (مياه العالم المعطشة). السيد المسيح ينقلها لعطية الآب السماوي والمياه الحية، الأب الأرضي (يعقوب) عطاياه أرضية زائلة والآب السماوي عطاياه أبدية، “أجاب يسوع وقال لها لو كنت تعلمين عطية الله ومن هو الذي يقول لك أعطيني لأشرب لطلبت أنت منه فأعطاك ماء حيا… كل من يشرب من هذا الماء يعطش أيضا. ولكن من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا فلن يعطش إلى الأبد بل الماء الذي أعطيه يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية .

“لأنه كان لك خمسة أزواج والذي لك الآن ليس هو زوجك هذا قلت بالصدق” سقطت البشرية تحت الشهوات الخمس للنفس: شهوة الطعام، والشهوة الجنسية، وشهوة الاقتناء والغني وحب المال والجاه، وشهوة المعرفة، ثم شهوة السلطان والشهرة، التي هي أم كل شرور العالم. اختبرت البشرية الشهوات الخمس وتزوجتهم فلم تشيع، فكل من يشرب من هذا الماء يعطش أيضاء السادس هو إبليس الذي خضعت له النفس قهرا وعجزا، وأتى السابع، إنه العريس يسوع الذي جاء ليخطبها عند البئر تاركا لها كل تعدياتها وشرورها الأولى، فإني آغار عليكم غيرة الله لأني خطبتكم لرجل واحد لأقدم عذراء عقيقة للمسيح (٢كو ١١ : ٢).

تسائلت عذراء النشيد، أخبرني يا من تحبه نفسی این ترعی این تریض عند الظهيرة؟ لماذا أنا أكون كمقنعة عند قطعان أصحابك؟” (نش، ٧:١) أما يسوع فبكر وسار حتى جاع، وحمت عليه شمس الساعة السادسة ، ساعة الصليب، كل ذلك ليلتقي بنا نحن الخطاة عند البئر، من فرحة اللقاء بالعريس المسيا تركت جرتها وجرت تدعو أهل القرية. نست عارها وخجلها وخطيئتها. لقد كانت تذهب للبئر وقت الظهيرة ، حتى لا يراها أحد، فيجرح كرامتها بنظرات الازدراء. فمن أين لها كل هذه الشجاعة ليس فقط لمواجهة الناس بل وأيضا لتكرز لهم بالمسيا ؟

“الروح والعروس يقولان تعال ومن يسمع فليقل تعال ومن يعطش فليأتى ومن يرد فليأخذ ماء حياة مجانا” (رؤ ۱۷:۲۲)، “هلموا انظروا، إنسانا قال لي كل ما فعلت ألعل هذا هو المسيح؟ ، بماذا تكرز المرأة؟ إنها تنادي بما فعلته، بخطيئتها جهرا ولا تخجل، النفس المبررة لا تخجل من خطيتها، بل تشهرها لتكرز بير المسيح، لهذا كانت كرازتها ناجحة، وأيضا ناجعة إذ تركت جرتها تحت أقدام المسيح ومعها قلبها ليملأهما بالماء الحي.

لماذا يفشل تعليمنا عن المسيح لأننا نستخدم مهاراتنا ومواهبنا بل وبرنا الذاتي، النفس التي تعلم ببرها الذاتي لم تعرف بعد فاعلية بر الله الذي يبرر الفاجر, وقالوا للمرأة إننا لسنا بعد بسبب كلامك نؤمن لأننا نحن قد سمعنا ونعلم أن هذا هو بالحقيقة المسيح مخلص العالم” (يو ٤٢:٤).

 

الأسبوع الخامس من الصوم

 

مخاطر تأجيل التوبة وعواقبها (المخلع) المياه الثانية هي مياه الناموس.

تأجيل التوبة : “لا تكن حكيما في عيني نفسك اتق الرب وابعد عن الشر. فيكون شفاء لسرتك وسقاء لعظامك. يا ابني لا تحتقر تأديب الرب ولا تكره توبيخه، لأن الذي يحبه الرب يؤدبه وكأب بابن يسر به” (أم ٧:٣ الاثنين). “لأنه الوقت لابتداء القضاء من بيت الله فان كان أولا منا فما هي نهاية الذين لا يطيعون إنجيل الله، وإن كان البار بالجهد يخلص فالفاجر والخاطئ أين يظهران (١بط ٤ :١٧ – ١٨ الأربعاء)، فقال للكرام هوذا ثلاثة سنين أتي اطلب ثمرا في هذه التينة ولم أجد. اقطعها لماذا تبطل الأرض أيضا. فأجاب وقال له يا سيد اتركها هذه السنة أيضا حتى أنقب حولها وأضع زبل فإن صنعت ثمرا وإلا ففيما بعد تقطعها” (الأربعاء) “فقلت لكم إنكم تموتون في خطاياكم لأنكم إن لم تؤمنوا أني أنا هو تموتون في خطاياكم” (الجمعة)،

الناموس : “لأن الناموس ينشئ غضبا إذ حيث ليس ناموس ليس أيضا تعد (بولس الأربعاء).

بركة بيت حسدا : كانت الذبائح الهيكلية تغسل في مياه تلك البركة، ثم تدخل من باب الضان للهيكل لتقدم فوق المذبح. كان لهذه البركة خمسة أروقة في هذه كان مضطجعا جمهور كثير من مرضى وعمي وعرج وعسم يتوقعون تحريك الماء”، كانت البركة تحيطها الأروقة من الجهات الأربع على جوانبها بالإضافة إلى رواق كان يقسمها من منتصفها، وتحت الأروقة الخمسة استلقى عدد كبير من المرضى يطلبون الشفاء لهذا سميت بيت حسدا وتعني بيت الرحمة . تحت الأروقة الخمسة كان هناك مرضى كثيرون فلو تصورنا واحد منهم فقط يرقد في موقعه لمدة ثمان وثلاثين سنة بدون أحد يعوله أو يعاوده أو ينظفه لتصورنا حجم المحنة والمهانة التي كان يعيش فيها المرضي تحت الأروقة الخمسة، فلعل حالة السامرية تحت نير الخمسة أزواج كانت أكثر احتمالا، فالأروقة الخمسة تمثل حالة العبودية التي سقطت تحتها البشرية، تنتظر خلاصا من أمراضها المستعصية، التي نتجت عن الفساد الذي دخل إلى العالم بحسد ابليس بالخطية. فاستلقت بجوار مياه الناموس المختلطة بدم الذبائح ترجو التكفير عن خطاياها والشفاء لأمراضها.

وكان ملاكا ينزل أحيانا في البركة ويحرك الماء، فمن حين لآخر كان نبيا يظهر ليحرك ماء الناموس الأسن معطيا رجاء بالخلاص، في هذا الجو العفن الملوث بجميع أنواع الأمراض كان الكل يتوقع خلاصا طال انتظاره دون بارقة أمل. وفجأة ظهر يسوع الذي تكلم عنه الأنبياء وأرشدنا إليه الناموس “إذ قد كان الناموس مؤدبنا إلى المسيح لكي نتبرر بالإيمان” (غلا ٢٤:٣). ودخل السيح برائحة بره الذكية إلى عالم فسادنا حيث رائحة الخطية الكريهة تزكم الأنوف. لكن بره الذي لا يتدنس بفسادنا قادر أن يطهرنا من كل خطية مهما بلغ فسادنا من حال.

“وكان هناك إنسان به مرض من ثمان وثلاثين سنة (كممثل للبشرية الشقية) هذا رأه يسوع مضطجعا، وعلم أن له زمانا كثيرا، فقال له أتريد أن تبر ا ؟! السؤال غير متوقع، فهل هناك شك في أن المريض يريد أن يبرأ؟ الواقع يقول أن هناك من يعتاد حالته المرضية، والتأقلم مع الواقع يجعله لا يريد تغيير وضعه، إجابة المريض على المسيح لا توحى بأنه كان يطلب أو يتوقع الشفاء أجابه المريض يا سيد ليس لى إنسان يلقيني في البركة فبدأ يبرر أسباب بقائه في حالته المرضية كل هذه المدة الطويلة دون شفاء ونستطيع ان نتفهم هذه الحالة بالمقارنة مع بارثيماوس الأعمى، فصرخ قائلاً يا يسوع ابن داود ارحمني، فانتهره المتقدمون ليسكت أما هو فصرخ أكثر كثيرا يا ابن داود ارحمني، فوقف يسوع وأمر أن يقدم إليه ولما اقترب سأله، قائلا ماذا تريد أن أفعل بك فقال يا سيد أن أبصر. فقال له يسوع، أبصر إيمانك قد شفاك” (لو١٨: ۳۸- ٤٢).

ليست هذه هي حالة مريض بيت حسدا، فعدم مبالاته تشكل خطورة خاصة في حالة المرض الروحي. فكثيرون من الخطاة لا يريدون الشفاء من خطاياهم بعكس ما يدعون. لذلك تسوء حالتهم وتطول وتتردي جدا مثل حالة مريض بيت حسداء المشكلة أن المريض يحب مرضه وقانع بوضعه سرا، ويشكو منه جهرا، وفي هذا خطورة روحية شديدة أراد أن يكشفها لنا المسيح في تعامله مع هذا المريض. لذلك شفاه دون طلب ودون ايمان.

المسيح لا يفرض علينا الخلاص لكنه يستشيرنا في أمر خلاصنا، فكثيرا من المرضى استمرأ وضعه الطويل مع المرض والشر والخطية ولا يريد أن يتغير، بعد أن حقق المسيح خلاصنا فوق الصليب، وضعه في أيدينا لكي نقبله أو لا نقبله, فوضع مسئولية خلاصنا في أيدينا بكل حرية.

قال له يسوع قم احمل سريرك وامش” وكما لم يستخدم السيد المسيح ماء العالم مع السامرية، لم يستخدم المسيح هنا ماء البركة التي تشير للناموس. لأنه جاء ليبطل ناموس الذبائح بذبيحته الواحدة المقدمة عن العالم.

بعد ذلك وجده يسوع في الهيكل وقال له ها أنت قد برئت فلا تخطئ أيضا لئلا يكون لك أشر”. المسيح شفاه دون طلب لكنه أعطانا جميعا تحذيرا مخيفا من حالة الاستهتار والتراخى والكسل التي يمثلها هذا المريض، المسيح يجدنا في المكان والوقت المناسب، ويعطى لكل واحد الرسالة المناسبة لحالته بالضبط كما سنرى في حالة المولود أعمى. الرسالة لمريض بيت حسدا، ها أنت قد برئت فلا تخطئ أيضا لئلا يكون لك أشر” (يو ١٤:٥) .

 

الأسبوع السادس من الصوم

 

المعمودية والخليقة الجديدة (المولود أعمى) – المياه الثالثة مياه المعمودية في أوائل القرن الرابع الميلادي كانت مدة الصوم المقدس في مصر ستة أسابيع شاملة أسبوع الآلام، حسب الرسالة الفصحية الثانية للقديس أثناسيوس الرسولى بهذا كان عيد القيامة يوافق الأحد السادس من الصوم. وكان يعمد كل الداخلين  للمسيحية الذين استوفوا شروط عمادهم يوم سبت النور، ثم يتناولون في قداس عيد القيامة، بعد إضافة أسبوعي الاستعداد والآلام للصوم الكبير احتفظت الكنيسة القبطية بطقس المعمودية في الأحد السادس من الصوم، لذلك يسمىالأحد السادس أحد التناصير. وقد انعكس ذلك على قراءات هذا الأسبوع.

موضوع قراءات الأسبوع تدور حول المعمودية كما نجد قراءات عن التوبة والوصايا اللازمة للإعداد للمعمودية، “هائذا صانع أمرا جديدا الآن ينبت ألا تعرفونه أجعل في البرية طريقا في القفر أنهارا” (أش١٩:٤٣ الأثنين). كما نجد قراءات عن سر الإفخارستيا (الخميس)، المعمودية والافخارستيا معا يحملان القيامة والشركة في الحياة الجديدة في المسيح.

وفي يوم الجمعة تقدم القراءات حديث المسيح مع نيقوديموس عن الميلاد من فوق، وفي يوم السبت يعبر المسيح الأردن إلى أريحا، إسرائيل الجديد يدخل إلى أرض الموعد حاملا البشرية في جسده الذي أخذه منا، حتى يأخذنا فيه (أي في جسده) إلى موضع راحته، بعد عناء الخروج معه في البرية (الصوم). عند عبوره يتفى بارثيماس الأعمى ويفتح عينيه رمز للخليفة الجديدة، فقال له يسوع اذهب إيمانك قد شفاك فالوقت أبصر وتبع يسوع في الطريق (مر ٥٢:١٠)، الإيمان ضروري للشفاء  من الخطية، ولخلق العين الروحية الخليقة الجديدة لنرى الحق، حتى نتبع يسوع في الطريق .

المولود أعمى :

قراءات يوم الأحد تقدم مع المولود أعمى شرحا لمفهوم الخليقة الجديدة (المعمودية): فأميتوا أعضاءكم التي على الأرض الزنى النجاسة الهوى الشهوة الردية الطمع الذي هو عبادة الأوثان… إذ خلعتم الإنسان العتيق مع أعماله. ولبستم الجديد الذي يتجدد للمعرفة حسب صورة خالقه.” (کو ٣ :٥-١٠ البولس). ونعلم أن ابن الله قد جاء وأعطانا بصيرة لنعرف الحق ونحن في الحق في ابنه يسوع المسيح” (١يو ٢٠:٥ الكاثوليكون).

“أجاب يسوع لا هذا أخطأ ولا أبواه لكن لتظهر أعمال الله فيه” (يو ٣:٩). البشرية كلها أخطأت وأفسدت وجاء ابن الله ليعيد لها صورة بره. لذلك نراه هنا يدافع عن الإنسان في شخص المولود أعمى، “لا هذا أخطأ ولا أبواه” إذ جاء يسوع ليحمل كل الخطايا، فصار مدافعا وشفيعا، “فلنا شفيع عند الآب يسوع المسيح البار” (١يو ١:٢). جاء المسيح ليعطي نورا للبصيرة، “ما دمت في العالم فأنا نور العالم. قال هذا وتفل على الأرض وصنع من التفل طينا وطلي بالطين عيني الأعمى. وقال له اذهب اغتسل في بركة سلوام الذي تفسيره مرسل فمضى واغتسل وأتى بصيرا”.

أراد السيد المسيح أيضا أن يصحح مفهوما خاطئا عن العلاقة بين المرض والخطية. لقد دخل الفساد للعالم بالخطية بحسد إبليس، ونتج عن الفساد المرض والموت. ليس معنى ذلك أن كل مرض هو نتيجة لخطية مباشرة، فقد تكون هناك أسباب طبيعية أو وراثية أو نفسية وأيضا هناك أسباب روحية. “لا هذا أخطا ولا أبواء لكن لتظهر أعمال الله فيه”.

مناقشة الفريسيين تعكس الجهل وعدم القدرة على إدراك الحقائق الروحية البسيطة. العمي الروحي لا يمكن أن يقتنع بالمناقشة والحوار الواضح لأنه أعمى، لهم عيون يبصرون ولا يبصرون وآذان يسمعون ولا يسمعون. أخاطئ هو لست أعلم إنما أعلم شيئا واحدا أني كنت أعمى والآن أبصر” سر الخليقة الجديدة، واقع بسيط  يعلوعلي المنطق والبرهان العقلي. لذلك استمرت المسيحية وعاشت رغم كل الصعوبات اللاهوتية التي يعثر منها كثيرون. فبرهان الروح والقوة أقوى من منطق المعرفة والبرهان العقلي.

فسمع يسوع أنهم أخرجوه خارجا فوجده” المسيح هو الذي يجدنا، فنحن لا نستطيع أن نجده قبل أن يظهر لنا ذاته. فهو الذي وجد السامرية كما وجد مريض بيت حسدا، إنه يجد كل واحد منا في موقع متاعبه ويعطى راحة لكل واحد في الوقت المناسب له.

من المهم أن نتفهم الظروف الدقيقة لكل حالة. وحديث المسيح الذي يناسب كل واحد.

السامرية وجدها يسوع وعرفها بنفسه فكرزت باسمه للمدينة كلها. فعند استعلان المسيح لها تركت جرتها، وخرجت على التو، ودعت كل المدينة. كما وجد مريض بيت حسدا، “بعد ذلك وجده يسوع في الهيكل وقال له ها أنت قد برئت فلا تخطئ أيضا لئلا يكون لك أشر. فمضى.. وأخبر اليهود أن يسوع هو الذي أبرأه. ولهذا كان اليهود يطردون يسوع ويطلبون أن يقتلوه لأنه عمل هذا في سبت”. (يو ٥: ١٤-١٦).

ووجد المسيح المولود أعمى بعد شهادته له أمام السنهدرين، “فسمع يسوع أنهم أخرجوه خارجا فوجده وقال له أتؤمن بابن الله. أجاب ذاك وقال من هو يا سيد لأومن به. فقال له يسوع قد رأيته والذي يتكلم معك هو، هو. فقال أومن يا سيد وسجد له”. إنه لقاء الأبوة والتعزية عن طرده خارج المجمع وتثبيته بعد شهادته الشجاعة للحق.

فلنخرج إذا إليه خارج المحلة حاملین عاره” (عب ۱۳: ۱۳).

 

الأسبوع السابع من الصوم

 

نهاية الناموس والهيكل القديم، إعدادا لعبور الأردن ودخول أورشليم، لقيام الهيكل الجديد غير المصنوع بيد .

قراءات يوم الإثنين، عن رفض إسرائيل للمسيح ودعوة الأمم للخلاص.

نبوة إشعياء تحمل دعوى المسيح للأمم مع إسرائيل لقيام الهيكل الجديد. تبدأ بأسفه على إسرائيل الذي لم يصغي لكلام الرب فذهب للسبي. “ليتك أصغيت لوصاياي فكان كنهر سلامك وبرك كلجج البحر” (اش١٨:٤٨). ثم يقول، “اسمعي لي أيتها الجزائر وأصغوا أيها الأمم من بعيد الرب من البطن دعاني من أحشاء أمي ذكر اسمي. وجعل فمي كسيف حاد في ظل يده خبأني وجعلني سهما مبريا في كنانته أخفائي. وقال لي عبدي إسرائيل الذي به أتمجد.” (اش٤٩: ١-٣). إنجيل باكر، ” فقال له إن كانوا لا يسمعون من موسى والأنبياء ولا إن قام واحد من الأموات يصدقون” (لو٣١:١٦). الكاثوليكون “هكذا تكلموا وهكذا افعلوا كعتيدين أن تحاكموا بناموس الحرية. لان الحكم هو بلا رحمة لمن لم يعمل رحمة والرحمة تفتخر على الحكم” (يع ۲: ۱۲-۱۳). الابركسيس “وأما الكنائس في جميع اليهودية والجليل والسامرة فكان لها سلام وكانت تبنى وتسير في خوف الرب وبتعزية الروح القدس كانت تتكاثر” (اع٣١:٩). يختم الإنجيل بحديث السيد المسيح لليهود، كيف تقدرون أن تؤمنوا وانتم تقبلون مجدا بعضكم من بعض والمجد الذي من الإله الواحد لستم تطلبونه. (يو٤٤:٥).

قراءات يوم الثلاثاء، خلاص الأمم والعمى أصاب إسرائيل، “فقال قليل أن تكون لي عبدا لإقامة أسباط يعقوب ورد محفوظي إسرائيل فقد جعلتك نورا للأمم لتكون خلاصي إلى أقصى الأرض” (اش ٦:٤٩). الكاثولييكون، “لا يتباطأ الرب عن وعده كما يحسب قوم التباطؤ لكنه يتأنى علينا، وهو يشاء أن يهلك أناس بل أن يقبل الجميع إلى التوبة ( ٢ بط ٣ : ٩) .

الابركسيس، فرأيته قائلا لي أسرع واخرج عاجلا من أورشليم لأنهم لا يقبلون شهادك عني… فقال لي اذهب فإني سأرسلك إلى الأمم بعيدا” (اع ۲۲: ۱۸،۲۱). يختم الإنجيل، لهذا لم يقدروا أن يؤمنوا لأن إشعياء قال أيضا. قد أعمى عيونهم وأغلظ قلوبهم لئلا يبصروا بعيونهم ويشعروا بقلوبهم ويرجعوا فأشفيهم… ولكن مع ذلك آمن به كثيرون من الرؤساء أيضا غير أنهم لسبب الفريسيين لم يعترفوا به لئلا يصيروا خارج المجمع. (يو١٢: ٣٩-٤٢).

قراءات يوم الأربعاء: الدعوة لبر الله بين القبول والرفض، “ناد بصوت عال لا تمسك ارفع صوتك كبوق وأخبر شعبي بتعديهم وبيت يعقوب بخطاياهم. وإياي يطلبون يوما فيوما ويسرون بمعرفة طرقي، كأمة عملت برا ولم تترك قضاء إلهها يسألونني عن أحكام البر يسرون بالتقرب إلى الله” (اش ٥٨: ١-٢). مزمور باكر “ارحمني يا الله ارحمني لأنه بك احتمت نفسي وبظل جناحيك احتمي إلى أن تعبر المصائب” (مز٥٧: ١). الإنجيل يحذر من الذين يعتبرون أنفسهم معلمين ومختارين، “الملح جيد ولكن إذا فسد الملح فبماذا يصلح. لا يصلح لأرض ولا لمزبلة فيطرحونه خارجا من له أذنان للسمع فليسمع” (لو١٤: ٣٤- ٣٥)

البولس عن بر الناموس وبر المسيح، “لأن غاية الناموس هي المسيح للبر لكل من يؤمن. لأن موسى يكتب في البر الذي بالناموس أن الإنسان الذي يفعلها سيحيا بها. وأما البر الذي بالإيمان فيقول هكذا لا تقل في قلبك من يصعد إلى السماء أي ليحدر المسيح. أو من يهبط إلى الهاوية أي ليصعد المسيح من الأموات”(رو١٠: ٤-٧).

إنجيل القداس، “فأجاب يسوع وقال لهم لا تتذمروا فيما بينكم. لا يقدر أحد أن يقبل إلي إن لم يجتذبه الآب الذي أرسلني وأنا أقيمه في اليوم الأخير” (يو ٦: ٤٣ – ٤٤) .

قراءات يوم الخميس: معجزة قيام الكنيسة من إسرائيل كمملكة أبدية للمسيح: “هكذا قال الرب كما أن السلاف يوجد في العنقود فيقول قائل لا تهلكه لان فيه بركة هكذا أعمل لأجل عبيدي حتى لا أهلك الكل. بل اخرج من يعقوب نسلا ومن يهوذا وارثا لجبالي فيرثها مختاري وتسكن عبيدي هناك” (اش٦٥: ٨ – ٩). المسيح هو البركة في عنقود يعقوب والنسل المختار الذي من أجله لم يهلك يهوذا فمنه يخرج الوارث.

مزمور باكر يعلن ملكوت الله، “للرب الأرض وملؤها، المسكونة وجميع الساكنين فيها، وهو على البحار أسسها، وعلى الأنهار هيأها” (مز ٢٤: ۱، ۲).

مملكة المسيح تقوم على مبادئ لا تختلف عن الناموس فقط بل تتسامى عن كل تنظيم بشري، “فدعاهم يسوع وقال أنتم تعلمون أن رؤساء الأمم يسودونهم والعظماء يتسلطون عليهم. فلا يكون هكذا فيكم بل من أراد أن يكون فيكم عظيما فليكن لكم خادما. ومن أراد أن يكون فيكم أولا فليكن لكم عبدا. كما أن ابن الإنسان لم يأت ليخدم بل ليخدم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين” (مت ٢٠: ٢٥-٢٨).

التطبيق العملي لذلك في البولس، “فإننا لسنا نكرز بأنفسنا بل بالمسيح يسوع ربا ولكن بأنفسنا عبيدا لكم من أجل يسوع. لأن الله الذي قال أن يشرق نور من ظلمة هو الذي أشرق في قلوبنا لإنارة معرفة مجد الله في وجه يسوع المسيح. ولكن لنا هذا الكنز في أوان خزفية ليكون فضل القوة الله لا منا.” (كو ٤: ٥- ٧)

وكذلك الكاثوليكون يظهر طبيعة مملكة المسيح المغايرة لفكر العالم “لا تتعجبوا يا إخوتي إن كان العالم يبغضكم. نحن نعلم أننا قد انتقلنا من الموت إلى الحياة لأننا نحب الإخوة من لا يحب أخاه يبق في الموت” (١يو٣: ١٣-١٤).

جمعة ختام الصوم: قيام ملكوت المسيح وهيكله وخراب الهيكل: “أنتم قصدتم في شرا أما الله فقصد به خيرا لكي يفعل كما اليوم ليحيي شعبا كثيرا”(تك ۲۰:٤٩) حديث يوسف لإخوته يعبر بدقة عن موقف المسيح من اليهود.

نبوة إشعياء عن دعوة الله للأمم مع إسرائيل في مملكة المسيح، “افرحوا مع أورشليم وابتهجوا معا يا جميع محبيها افرحوا معا فرحا يا جميع النائحين عليها.

لكي ترضعوا وتشبعوا من ثدي تعزياتها لكي تعصروا وتتلذذوا من درة مجدها. لأنه هكذا قال الرب هانذا أدير عليها سلاما كنهر ومجد الأمم كسيل جارف فترضعون وعلى الأيدي تحملون وعلى الركبتين تدللون. كإنسان تعزيه أمه هكذا أعزيكم أنا وفي أورشليم تعزون” (اش٦٦: ١٠-١٣). ثم يقول، “وأجعل فيهم آية وأرسل منهم ناجين إلى الأمم إلى ترشيش وفوط ولود النازعين في القوس إلى توبال ویاوان إلى الجزائر البعيدة التي لم تسمع خبري ولا رأت مجدي فيخبرون بمجدي بين الأمم… وأتخذ أيضا منهم كهنة ولاويين قال الرب. (اش٦٦: ١٩ – ٢٠).

إنجيل باكر عن الملكوت وانتشاره، “ولما سأله الفريسيون متى يأتي ملكوت الله أجابهم وقال لا يأتي ملكوت الله بمراقبة. ولا يقولون هوذا ههنا أو هوذا هناك لأن ها ملكوت الله داخلكم… لأنه كما أن البرق الذي يبرق من ناحية تحت السماء يضيء إلى ناحية تحت السماء كذلك يكون أيضا ابن الإنسان في يومه (لو١٧: ٢٠ – ٢٤)

الكاثوليكون، “فتأنوا ايها الإخوة إلى مجيء الرب هوذا الفلاح ينتظر ثمر الأرض الثمين متأنيا عليه حتى ينال المطر المبكر والمتأخر. فتأنوا أنتم وثبتوا قلوبكم لان مجيء الرب قد اقترب” (يع ٥: ٧-٨).

الإبركسيس يعرض حديث وحوار مجمع أورشليم الذي فيه تقرر قبول الأمم في الكنيسة بشكل قانوني، وبذلك قامت الكنيسة على أساس اليهود والأمم، وبدأت الكنيسة بخطى ثابتة نحو نشر الإيمان بالمسيح في كل الأرض. لهذا يترنم المزمور، “الجبال ترنم أمام وجه الرب، لأنه أتى ليدين الأرض، يدين المسكونة بالعدل، والشعوب بالاستقامة” (مز ۹۸: ۸، ۹).

ويختم الإنجيل بإعلان خراب أورشليم والهيكل فكان لا بد من انقضاء الهيكل القديم حتى يقوم الجديد. ومن الناحية الواقعية لم يعد للهيكل قيام كهيكل الله بعد أن فارقه روح الله بمغادرة المسيح. أما من الناحية التاريخية فلم يقم صرح الكنيسة لتثبت بشكل مستقل إلا بعد خراب الهيكل عام ٧٠ ميلادية على يد تيطوس القائد الروماني. فيقول السيد المسيح في إنجيل القداس، “يا أورشليم يا أورشليم يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين أليها كم مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ولم تريدوا. هوذا بيتكم يترك لكم خرابا. والحق أقول لكم إنكم لا ترونني حتى يأتي وقت تقولون فيه مبارك الآتي باسم الرب” (لو ١٣: ٣٤-٣٥).

 

 

 

المرجع :

 

كتاب دراسة منهجية للقراءات الليتورجية للكنيسة القبطية من صفحة 147-187 – مهندس فؤاد نجيل يوسف