اليوم الثالث عشر مسري (عيد التجلّي المُقدَّس لربنا يسوع المسيح )

 

 

فهي (الحكمة ) تسبق فتتجلى للذين يبتغونها (حك ٦ : ١٤)

فهم في وقت افتقادهم يتلألأون (حك ٣: ٧)

بهاء اسمك القدوس: في أفواه قديسيك: يا ربى يسوع المسيح مخلصي الصالح

 

 

ابصالية السبت

” لما كان الصوت وُجد يسوع وحده، فبعد أن كانوا ثلاثة وُجد يسوع وحده. رأوا في البداية ثلاثة، أما في النهاية فرأوا واحدًا. بالإيمان الكامل يصير الكل واحدًا كما طلب يسوع من الآب: “ليكون الجميع واحدًا” (يو ١٧: ٢١). ليس موسى وإيليا وحدهما واحدًا في المسيح، وإنما نحن أيضًا واحد في جسد المسيح الواحد (رو ١٢: ٥)… ولعل هذا أيضًا يشير إلى أن الناموس (موسى) والأنبياء (إيليا) مصدرهما الكلمة… لأن غاية الناموس هي المسيح للبرّ لكل من يؤمن (رو ١٠ : ٤)[1]

شواهد القراءات

(مز ٩٨: ٥ ، ٦) ، (لو ٩ : ٢٨ – ٣٦) ، (مز ١٠٣ : ٢٩ ، ٣١) ، (مت ١٧ : ١ – ٩) ، (كو ١ : ١ – ٢٣) ، (٢بط ١ : ١٢ – ٢١) ، (أع ٧ : ٤٤ – ٨ : ١) ، (مز ٨٦ : ١ ، ٥) ، (مر ٩ : ٢ – ١٣)

ملاحظات على قراءات يوم ١٣ مسري

+ قراءة إنجيل باكر اليوم (مت ١٧: ١ – ٩) هي نفس باكر قراءة  يوم ٨ من شهر توت ( نياحة موسي النبي )

وتأتي يوم ٨ توت لأجل ظهور موسي وإيليا مع الرب علي الجبل، وتأتي يوم ١٣ مسري لأجل التجلَّي ذاته

وهي تُشبه قراءة إنجيل عشيَّة في الأحد الأوَّل من بؤونة (مت ١٧: ١ – ١٣) بإضافة أربع آيات ، وهي هنا تحتوي علي موضوعين : أولهما من آية ١ – ٩ وهي القراءة الخاصة بتجلَّي رب المجد أمام تلاميذه القديسين وهو الجزء المتوافق مع موضوع شهر بؤونه ” الإمتلاء من الروح القدس ” ومجد البشرية في المسيح

أمَّا الجزء المُضاف ( عن يومي ٨ توت ، ١٣ مسري ) هو الجزء من آية ١٠ – ١٣ وهي القراءة الخاصة بيوحنا المعمدان ، ولعل السبب في إضافتها هو مجئ الأحد الأول من بؤونه مع تذكار يوحنا المعمدان ( ٢ من شهر بؤونة )

+ إرتباط البولس هنا (كو ١ : ١ – ٢٣) بالتجلي يتكرَّر أيضاً في قراءة السبت الأول من الخمسين يوم المقدسة التي يرتبط أيضاً فيها البولس من (كو ١ : ١٢ – ٢٣) بالتجلي أيضاً في إنجيل القدَّاس (لو ٩ : ٢٨ – ٣٥)

+ قراءة الكاثوليكون اليوم (٢بط ١ : ١٢ – ٢١) هي نفس قراءة الكاثوليكون في أيَّام ٦ طوبه ، ٢٦ بشنس ، ٥ أبيب ، وتُشبه قراءة الكاثوليكون في يوم ٢٩ كيهك (٢بط ١ : ١٢ – ١٧)

جاءت القراءة اليوم لأجل شهادة القديس بطرس أن الآباء الرسل لم يتبعوا خرافاتٍ بل عاينوا عظمة الكلمة المُتجسّد ، لذلك جاءت أيضاً في تذكار توما الرسول ( ٢٦ بشنس ) وفِي تذكار القديسين بطرس وبولس ( يوم ٥ من شهر أبيب )

وجاءت في برامون الغطاس لأجل شهادة الآب عن الإبن أنه ” إبني الحبيب الذي به سُررت ( ١٠من شهر طوبة )

وجاءت في عيد الختان ونور إبن الله الذي أُستعلن للأمم (يوم ٦ طوبة )

وأيضاً في أعياد الظهور الإلهي لأجل إستعلان مجد الله للبشرية في عيد الميلاد ( ٢٩ كيهك )

+ قراءة الإبركسيس اليوم (أع ٧ : ٤٤ – ٨ : ١) هي نفس قراءة الإبركسيس ليوم ١٥ هاتور ، كما أنها تُشبه قراءة الإبركسيس (أع ٧ : ٣٥ – ٥٠) للأحد الثالث من شهر كيهك

وهي القراءة التي تكشف عن مجد التجلّي وهو نصيب البشرية في المسيح له المجد ( موضوع قراءات ١٣ مسري ) ، ومجد الله لأولاده كما حدث وقت استشهاد القديس إستفانوس الذي رأي مجد الله ويسوع قائماً عن يمين الله ومع الشهيد مار مينا الجعايبي الذي رأي السموات مفتوحة وعاين مجد الله قبيل ذهابه للإعتراف بالمسيح واستشهاده ( ١٥ هاتور )

بينما مجيئها في الأحد الثالث من كيهك للإشارة إلي الظهور الإلهي في العهد القديم كرمز لتجسُّد الكلمة ” بيد الملاك الذي ظهر له في العلِّيقة ”

+ آية ٥ في مزمور قدَّاس اليوم (مز ٨٦: ١ ، ٥) تكرَّرت في مزمور عشيَّة الأحد الرابع من شهر كيهك

الإشارة اليوم إلي الجبال المُقدَّسة (جبل التجلَّي ) ، بينما في قراءة الأحد الرابع من شهر كيهك الإشارة إلي تجسُّد الكلمة ” الأم صهيون تقول أن إنساناً وإنسان صار فيها . هو العلي الذي أسسها إلي الأبد ”

القراءة المُحوَّلة على قراءة هذا اليوم

الحادي والعشرون من شهر برمهات  تذكار حضور المُخلِّص مع تلاميذه في بيت عنيا حيث كان لعازر أحد المتكئين والتذكار الشهري لوالدة الإله وتذكار القديس أنبا فريج (رويس )

شرح القراءات

هذا اليوم هو أحد الأعياد السيّدية الصغرى وهو عيد التجلي المقدس لربنا ومخلصنا يسوع المسيح

تدور قراءات اليوم علي مجد الكلمة المُتجسِّد ومجد البشرية في المسيح

تبدأ المزامير بمجد الرب في استجابته الصلوات                 (مزمور عشيّة)

وفِي إدراك مخافته                                                 ( مزمور باكر )

وفِي تجسّده وفِي كنيسته                                   (مزمور القدَّاس)

 

في مزمور عشيّة يستجيب الله لصلوات شعبه وخدّامه كما كان في القديم بعامود الغمام وكما كان مع موسي وهارون وصموئيل

(موسي وهارون في كهنته وصموئيل في الذين يدعون باسمه كانوا يدعون الرب وهو يستجيب لهم بعامود الغمام كان يكلمهم )

وفِي مزمور باكر نري مجد الله في أعماله وخليقته المرتعدة أمامه

( فليكن مجد الرب إلي الأبد يفرح الرب بجميع أعماله الذي ينظر الأرض فيجعلها ترتعد الذي يمسّ الجبال فتدخن )

وفِي مزمور القدَّاس كمال وملء التجلَّي في كنيسته في العهد الجديد

(أساساته علي الجبال المُقدَّسة يُحب الرب أبواب صهيون الأم صهيون تقول أن إنساناً وإنسانٌ صار فيها هو العليُّ الذي أسَّسها إلي الأبد )

وتتكلّم القراءات عن مجد الخلاص والميراث والملكوت السماوي ( البولس )

ومجد الاختبار مع المسيح في التجلّي                              ( الكاثوليكون )

ومجد الامتلاء من الإيمان والروح القدس                           ( الإبركسيس )

 

يشرح البولس مجد النمو في معرفة الله والسلوك كما يحق للرب والخلاص واستحقاق ميراث القديسين في النور

( لتسلكوا كما يحق للرب في كل رضي مثمرين في كل عمل صالح ونامين في معرفة الله متقون بكل قوة بحسب قدره مجده بكل صبر وطول آناة بفرح شاكرين الله الآب الذي جعلنا كُفاة للدخول في نصيب ميراث القديسين في النور هذا الذي أنقذنا من سلطان الظلمة ونقلنا إلي ملكوت ابن محبته )

وفِي الكاثوليكون عن مجد التجلّي الذي اختبره القديس بطرس الرسول مع يعقوب ويوحنا وشهد عنه

( لاننا لم نتّبع خرافات فلسفية إذ عرفناكم بقوة ربنا يسوع المسيح وظهوره بل قد كنا معاينين عظمته لأنه أخذ كرامة ومجداً من الله الآب وإذ أقبل صوت كهذا من المجد الاسني العظيم قائلاً هذا هو ابني وحبيبي الذي أنا به سررت وقد سمعنا نحن هذا الصوت من السماء حين كنا معه علي الجبل المقدس )

وفِي الإبركسيس عن مجد الامتلاء من الإيمان والروح القدس الذي يجعل السماء مفتوحة ويُسْتَعلن مجد ابن الله

( وأما إسطفانوس فشخص إلي السماء وهو ممتلئ من الإيمان والروح القدس فرأي مجد الله ويسوع قائماً عن يمين الله فقال ها أنذا أنظر السموات مفتوحة وإبن البشر قائماً عن يمين الله )

 

وتتكلَّم الأناجيل عن ارتباط التجلّي بالصليب                      ( إنجيل عشيّة )

وارتباطه برموز العهد القديم                                             ( إنجيل باكر )

وتفوّقه وسموه عن أي مجد أرضي                                         ( إنجيل القدَّاس )

 

ينفرد إنجيل عشيّة بربط تجلّي الرب بالصلاة وبالصليب فيمكن أن يعيش الجميع تجلّي الرب عندما يكونون في حياة الصلاة ويدخلوا إلي عمق آلامه

( وفيما هو يصلي صارت هيئة وجهه متغيرة ولباسه مبيضاً كالبرق وإذا رجلان يتكلمان معه وهما موسي وإيليا اللذان ظهرا بمجد وتكلما عن خروجه الذي كان عتيداً أن يكمله في أورشليم أما بطرس واللذين معه فكانوا قد تثقلوا بالنوم فلما استيقظوا رأوا مجده والرجلين الواقفين معه )

وفِي إنجيل باكر عن رموز العهد القديم للمسيا الشمس – شمس البرّ ملا ١:٤ – وأيضاً السحابة النيرة كما في الحضور الإلهي في خيمة الاجتماع بقيادة موسي النبي

( وتجلَّي قدامهم وأضاء وجهه كالشمس وابيضت ثيابه كالنور وإذا موسي وإيليا قد ظهرا له يخاطبانه فأجاب بطرس وقال ليسوع يا رب إنه حسن لنا أن نكون ها هنا أتشاء أن نصنع هنا ثلاث مظال واحدة لك وواحدة لموسي وواحدة لإيليا فبينما هو يتكلم وإذا سحابة نيرة قد ظللتهم )

وفِي إنجيل القدَّاس عن عِظَمْ مجده وسموّه بما لا يُقارن عن أي شئ أرضي

( وبعد ستة أيام أخذ يسوع بطرس ويعقوب ويوحنا وصعد بهم إلي جبلٍ عالٍ منفردين وحدهم وتغيرت هيئته قدامهم وصارت ثيابه تلمع بيضاء جداً مثل الثلج لا يقدر قصار علي الأرض ان يبيّض مثل ذلك )

وكما يقول القديس أمبروسيوس :

” ربما كانت ثياب الكلمة هي العظات عن الكتب المقدسة، فهي بمثابة رداء الفكر الإلهي. فكما ظهر لبطرس ويوحنا بمظهر مختلف وكانت ثيابه تلمع بيضاء، هكذا تتضح الآن أمامك معاني الكتب الإلهية وتصبح الكلمة الإلهية كالثلج لا يقدر قصار على الأرض أن يبيض مثل ذلك[2]

ويقول أيضاً :

” من يرتفع فوق العالم، فوق أزمنة الدهر، ويثبت في الأعالي يتطلع إلى ثمار الأبدية التي للقيامة العتيدة. إذن فلنتخطى أعمال الحياة حتى نستطيع أن نرى الله وجهًا لوجه ”

نفس المصدر

ملخّص القراءات

تجلّي الرب في إستجابته صلوات أولاده وفِي مخافتهم له وفِي مجده في كنيسته      ( مزمور عشيّة وباكر والقدّاس )

الذي نقلنا إلي ملكوت إبن محبّته كما أعلن علي جبل التجلّي وكما شهد القديس استفانوس                                                                                                                                                  ( البولس والكاثوليكون والإبركسيس )

ونختبر مجد تجلّيه عندما نستيقظ ونصلّي فنعاين مشتهي الأجيال شمس البرّ بما لا يُقارن به أي مجد أرضي أو بشري                                                                                                                       ( انجيل عشيّة وباكر والقداس )

 

 

التجلّي في الأناجيل الثلاثة

كيف تميَّز كل إنجيل من الأناجيل الثلاثة (مت ١٧: ١)، (مر ٩ : ٢ )،( لو ٩ : ٢٨) في وصف قصة تجلِّي الرب علي جبل طابور ؟

إنجيل متي

(سحابة نيرة ظللتهم – أضاء وجهه كالشمس)

ذُكِرَ هنا فقط في متي كلمة سحابة نيرة ليعيد لأذهاننا تجلي الله مع شعبه في القديم في البرية في رحلة الخروج من مصر والسحابة هنا تشير الي كنيسة العهد الجديد (عب ١٢:١) التي تضم الأنبياء والرسل البتوليين مثل ايليا ويوحنا والمتزوجين مثل موسي وبطرس و الناريين مثل إيليا والهادئين مثل موسي

وذكر أيضاً أضاء وجهه كالشمس إشارة الي شمس البرّ (ملا ٢:٤) والشفاء في أجنحتها اي الصليب

إنجيل مرقس

(وصارت ثيابه تلمع بيضاء جداً كالثلج لا يقدر قصار علي الأرض أن يبيض مثل ذلك – إذ كانوا مرتعبين )

الكلام هنا موجه للرومان لذلك التركيز علي قوة وعظمة ابن الله لذلك بياض ثيابه مملوء بهاء ومجد لا يقترب اليه ولا يضاهيه اي شئ في العالم

كانوا مرتعبين إشارة إلي مدي عظمة مجده الذي جعل التلاميذ يشعرون بالخوف واحتاجوا للمسة ابن الله لهم لينزع عنهم الرعب

انجيل لوقا

( وفيما هو يصلي صارت هيئة وجهه متغيرة ولباسه مبيض لامع – اللذان ظهرا بمجد وتكلما عن خروجه الذي كان عتيداً ان يكمله في أورشليم – فكانوا قد تثقلوا بالنوم فلما استيقظوا رأوا مجده )

ربط القديس لوقا التجلّي بالصلاة ( مثلما ربط إنفتاح السماء وقت عماد الرب بالصلاة (لو ٢١:٣) لذلك قال هنا انه فيما هو يصلي صارت هيئة وجهه متغيرة وكأن الصلاة هي مفتاح ومدخل وطريق تجلي الطبيعة البشرية في المسيح

تكلَّم ايضاً عن جوهر حوار التجلّي بين الرب وبين موسي وايليا الذي كان عن فداؤه وصليبه ولا عجب مع القديس لوقا الذي يرمز لانجيله بالثور إشارة للذبائح وذبيحة العهد الجديد

كما يُعْلِن الجانب الإنساني والضعف البشري في نوم التلاميذ، ولكن يربط هنا الوجود في التجلّي باليقظة من النوم وكأنها دعوة لأولاد الله في كل جيل بدوام اليقظة لنحيا تجلي ابن الله في حياتنا

عظات مقترحة

(١) تجلي الكنيسة في المسيح

١- بعامود الغمام كان يكلمهم                                                    مزمور عشيَّة

مجد الكنيسة يكمن في حضور الله الدائم فيها ومسيره أمامها ومعها ( إن لم يسر وجهك فلا تصعدنا من ههنا – (خر ١٥:٣٣ )

٢- سحابة نيرة قد ظللتهم                                                         إنجيل باكر

السحابة هنا هي كنيسة العهد الجديد التي تضم في المسيح السمائيين والأرضيين العهد القديم والجديد

٣- تمتلئوا من معرفة مشيئته .. مثمرين في كل عمل صالح .. متقوين بكل قوَّة .. شاكرين الله الآب .. ونقلنا إلي ملكوت إبن محبّته الذي نلنا الخلاص بدمه .. وفيه يقوم كل شئ وهو رأس الجسد الكنيسة ( يمكن أن تكون هذه عظة مُنفردة عن نصيبنا في المسيح له المجد )

ما أعظمها عطايا وهبات لكنيسة العهد الجديد ولكل من يؤمن ويعيش الخلاص في المسيح له المجد

٤- عرفناكم بقوة ربَّنا يسوع المسيح … حتي يظهر النهار والنور يُشرق ويظهر في قلوبكم     الكاثوليكون

هذا هو هدف الحياة إشراقة نور المسيح له المجد في قلوبنا وحياتنا وإستعلان قوته في ضعفنا ( ٢كو ١٢ : ٩ )

٥- أساساته علي الجبال المُقدَّسة يُحبُ الربُّ أبواب صهيون

كما يقول أيضاً في المزمور ( ههنا أسكن لأني اشتهيتها – مز ١٤:١٣٣ ) وما أجمل أن تكون هذه تسبحة الكنيسة في الصوم الكبير في لحن خشوعي مُعزِّي ومُفْرِح للنفس

(٢) تجلِّي الطبيعة البشرية وكل إنسان في المسيح له المجد

١- فيما هو يصلي صارت هيئة وجهه متغيرة

كُلًَّما نصلّي تتغير هيئة وجوهنا من الحزن إلي الفرح ، ومن اليأس إلي الرجاء ، ومن الخوف إلي الثقة والإيمان ، ومن البغضة إلي المحبّة والغفران

٢- فلما استيقظوا رأوا مجده

عندما نستيقظ من غفلتنا ونقوم من نومنا ( إنها الآن ساعة لنستيقظ من النوم – رو ١١:١٣ ) نري مجده وما أجمل أن تكون حياتنا يقظة دائمة وإذا نمنا لا يطول نومنا ونعيش في سهر دائم ( اسهروا إذا وتضرعوا في كل حين لكي تحسبوا أهلا للنجاة من جميع هذا المُزْمَع أن يكون وتقفوا قدّام إبن الإنسان – لو ٣٦:٢١ )

٣- قد صالحكم الآن في جسم بشريته بموته ليُقيمكم قديسين بلا عيبٍ وبلا لوم أمامه         البولس

هدف الصليب والخلاص مصالحتنا مع الآب ( الله كان في المسيح مصالحاً العالم لنفسه – ٢ كو ٥ : ١٩ ) وهدف كل معاملات الله حتي تأديباته المملوءة محبِّة لكي نصير قديسين ( عب ١٠:١٢ )

٤- قد كنا معاينين عظمته

حياتنا كل يوم هي انفتاح الأعين علي عظمة عمله وخلاصه فينا وتدبيره الإلهي لحياتنا

٥- فشخص إلي السماء وهو ممتلئ من الإيمان والروح القدس فرأي مجد الله ويسوع قائماً عن يمين الله

هذا هو نصيب ومجد أولاد الله في المسيح الامتلاء من الروح والعيون المرفوعة لفوق لتري مساءاً مفتوحة ومجداً مُعَدّ لهم

(٣) قوَّة وعظمة التجلّي

١- الذي ينظر الأرض فيجعلها ترتعد الذي يمسُّ الجبال فتُدخِّنُ                                 مزمور باكر

لا تحتمل الطبيعة والخليقة المجد الإلهي لذلك يسمح الرب بإشراقة مجده فينا قدر إحتمال طبيعتنا الضعيفة

٢- الذي أنقذنا من سلطان الظلمة ونَقَلنا إلي ملكوت إبن محبّته                                 البولس

هذه هي عظمة مجده أنه نقلنا من الموت إلي الحياة ومن الظلمة إلي النور

٣- لأننا لم نتبع خرافاتٍ فلسفيةً إذ عرَّفناكم بقوة ربِّنا يسوع المسيح وظهوره                  الكاثوليكون

مجد الله ليس خرافات فلسفية ولا غيبيات بل قوَّة وظهور ومجد في حياتنا وتعاملاتنا وسيرتنا

٤- يارب لا تحسب لهم هذه الخطية                                                                     الإبركسيس

هذه هي إحدي علامات القوَّة والعظمة في المسيحية وفِي مجد المسيح في أولاده الغفران والصلاة من أجل كل البشر (١تي ٢ : ١) حتي الأعداء (لو ٢٧:٦)

٥- وصارت ثيابه تلمع بيضاء جداً مثل الثلج لا يقدر قصارٌ علي الأرض أن يُبيِّض مثل ذلك … لأنهم كانوا مملوئين رُعباً                                                                                                                                  إنجيل القدَّاس

مجده فريد لا مثيل له وطبيعتنا ضعيفة لا تقوم إلَّا بلمسة نعمته ومحبته (مت ١٧ : ٧)

عظات آبائية

عظة للقديس مقاريوس الكبير عن عربون الحياة الأبدية في هذا الدهر ( تجلَّي الطبيعة البشرية في المسيح )

١-إن المسيحيين الكاملين الذين حسبوا أهلًا لان يبلغوا درجات الكمال ويصيروا أكثر دنوا من الملك، هولاء يكونون كل حين مكرسين لصليب المسيح، لأنه كما أن المسحة في زمان الأنبياء كانت أكثر كرامة من كل ما عداها، لانهم كانوا يمسحون بواسطتها ملوكاً وأنبياء هكذا الروحانيون الآن الممسوحون بالمسحة السماوية، يصيرون مسحاء بحسب النعمة، حتي إنهم يصبحون ملوكًا وأنبياء للأسرار السماوية.

هؤلاء يكونون أبناء وأرباباً وآلهة، مربوطين ومأسورين ومغمورين ومصلوبين ومكرسين. فإن كانت مسحة الزيت، وهي نبت ظاهر وشجرة منظورة قد صار لها من القدرة بحيث إن الممسوحين بها ينالون بلا مراء مرتبة جليلة-إذ قد بات يقيناً أنهم هكذا يقامون ملوكاً، الأمر الذي تحقق أيضاً في داود الذي بعدما مسح ضيق عليه للحال واضطهد، ولكن بعد سبع سنين أصبح ملكاً-فكم بالحري جميع الذين يمسحون في فكرهم وانسانهم الباطن بزيت البهجة المقدس المفرح السماوي الروحاني، يقبلون سمة ذلك الملكوت غير الفاسد والقدرة السرمدية، يقبلون عربون الروح، الروح القدس المعزي، وهو دعي “معزياً “لأنه يعزي المتضايقين ويفرحهم.

٢- فهؤلاء، حينما يمسحون من شجرة الحياة، التي هي يسوع المسيح ومن النبت السماوي، فإنهم يؤهلون لبلوغ قامات الكمال اعني قامات الملكوت والتبني، ويكونون شركاء للملك السماوي في اسراره، ويقتنون دالة لدي ضابط الكل، ويلحون- وهم بعد في هذا العالم-بلاطه حيث الملائكة وأرواح القديسين.

لانهم وإن لم يحوزوا بعد إرثهم الكامل المعد لهم في ذلك الدهر، إلا انهم يكونون علي يقين لأجل العربون الذي قبلوه الآن، وكأنهم بالفعل مكللون ويملكون. وهم لا يستغربون أنهم عتيدون أن يملكوا مع المسيح عند فيض الروح القدس ومجيئه. لماذا؟

لأنهم وهم بعد في الجسد كانوا يختبرون مذاقة حلاوته وقوة قدرته.

٣-فكما أنه حين يكون أحد صديقاً للملك قد ألف البلاط وبات علي دراية بأسراره وناظراً أرجوانه ثم يحدث أن يتوج هذا ملكا، فإنه لا يستغرب ولا يجفل لكونه تمرس زماناً طويلاً علي أسرار البلاط-إذ لا

يؤخذ أحد من الدهماء والعامة والذين لا عهد لهم بالأسرار الملوكية ليدخل به ويصير ملكًا، بل فقط المتمرسون والمتأدبون- علي هذا المنوال أيضاً المسيحيون المزمعون أن يملكوا في ذلك الدهر، فإنهم لا يستغربون هذا، كونهم بالفعل قد سبقوا فعرفوا أسرار النعمة. فلأن الإنسان كان قد تعدي الوصية، فقد أسدل الشيطان علي النفس برمتها حجاباً مظلما ولذا تأتي النعمة أخيراً وتهتك الستر بكماله،

حتي إن النفس أخيراً-وقد أضحت نقية واستردت طبيعتها الخاصة كخليقة بلا عيب ونقية-تري جليًا، كل حين بنقاوة وعينين طاهرتين، مجد النور الحقيقي وشمس البر الحقة ساطعة في ذات قلبها.

٤-فكما انه عند الانقضاء، عندما يزول جلد السماء، يعيش الابرار أخيراً في الملكوت والنور والمجد، ولا ينظرون شيئًا آخر سوي كيف يكون المسيح في مجد علي الدوام عن يمين الآب؛

هكذا أيضًا هؤلاء منذ الآن يكونون مختطفين ومأسورين إلي ذلك الدهر وشاخصين إلي كل

المحاسن والعجائب التي هناك. لأننا وإن كنا علي الأرض، إلا أن موطننا هو في السماوات، ومعيشتنا ورعويتنا- بحسب الفكر والأنسان الباطن-هما في ذلك العالم.

لأنه كما أن العين الظاهرة، إن كانت نقية، تنظر الشمس بصفاء علي الدوام؛ هكذا أيضاً العقل الذي تنقي بالتمام ينظر كل حين مجد نور المسيح، ويكون ليل نهار ملازمًا الرب ملازمة جسد الرب المتحد بلاهوته للروح القدس علي الدوام.

علي أن هذه القامات لا يدركها بنو البشر للتو، بل بتعب وضيقات وجهاد كثير. لأن هناك أناسًا تكون النعمة ملازمة لهم تعمل وتستريح فيهم، بينما يكون الشر أيضًا حاضرًا معهم في داخلهم، وتعتمل كلتا السيرتين-التي للنور والتي للظلمة- في قلب واحد[3].

القديس العظيم الأنبا أنطونيوس: مقالة من اجل التشبه بالقديسين والتمثل بأعمالهم

” انطونيوس يكتب إلى أولاده الأحباء ويبثهم السلام ” يا أولادي الأطهار الإسرائيليون بجوهرهم العقلي لست أحتاج أن اسمى اسمائكم الجسدانية التي تعبر مع الجسد بل اسميكم بنى الإسرائيليين حقاً .

اعلموا أن محبتي لكم روحانية وليست جسدية ولذلك لم أمل من الطلبة من الرب عنكم لكى تعرفوا النعمة التي صارت لكم لأن الله برحمته ينبه الكافة بأسباب نعمته .

فلا تملوا ولا تتكاسلوا يا أولادي عن الصراخ للرب نهاراً وليلاً لتستعطفوا صلاح الله الآب حتى ينعم عليكم بمعونة من العلاء وتعلموا ما يجب . لأننا نحن بالحقيقة يا أولادى قاطنين في بيت اللصوص ومرتبطين برباطات الموت وهو حاملنا .

فلا تعطوا من الآن نوماً لعيونكم ولا نعاساً لأجفانكم لترفعوا ذواتكم ذبائح الرب بكل طهارة وتعاينوه لأنه بغير الطهارة لا يمكن أحد أن يعاين الرب كما يقول الرسول . واعلموا يا أحبائي انكم اذا صنعتم الخير تنيحون سائر القديسين الأطهار لأنهم لم ينالوا بعد النياح الحقيقى ( الدائم) حتى نكمل نحن . وأيضاً تعطون سروراً لخدمة الملائكة وإتيان السيد المسيح .

وأما أنا الشقى الكائن في هذا البيت الترابى فانكم تعطون سروراً لقلبى وروحى . وأنا أعلم أن جميع القديسين الأطهار اذا رأونا نتوانى يحزنون ويقدمون دموعاً وتنهد أمام الخالق .

وأن ربنا لأجل تنهد الأطهار يغضب على أرواح الشر ويكسر عنا اعمالها الشريره واذا نظروا ( الاطهار ) منا التقويم والنمو فانهم يسرون كثيراً ويداومون بكثرة الطلبات عنا بالسرور والفرح أمام الخالق فيفرح ربنا بأعمالنا الحسنة وشهادات قدسيه وطلباتهم فيهب لنا مواهب كثيرة .

لأن ربنا دائماً مع خليقته العاملين بوصاياه كما تقدم القول منا عن ذلك في رسائلنا . فلنبكى الآن يا أولادى أمام صلاحه وتقول كنا قال المزمور ” بماذا أكافى الرب عن كل ما أعطانيه ” . ونقول مع داود النبى ” أي منفعة في دمى اذا هبطت إلى الجحيم ” . وأريدكم أن تعرفوا حينئذ ما أقوله لكم وأشهد به .

بالحقيقة يا أولادي أن كل من لم يبغض ما يختص بالطبيعة الهيولية الجسدية الأرضية وكل اعمالها من قلبه ، وكل من لا يبسط عقله نحو العلا لأب الكل فلن يستطيع أن يخلص ، ومن يعمل هكذا فانه يتراءف على اتعابه وينعم له بالنار الغير المرئية واللاهيوليه لتحرق كل الأوجاع ( الشهوات ) التي فيه وتطهر عقله وعند ذلك يسكن فيه الروح القدس ويكون معه ليستطيع أن يسجد للآب بالروح والحق كما يجب .

فان بقينا مصطلحين مع هذه الطبيعة الجسدانية فنحن أعداء الله وملائكة وجميع قديسيه. وأنا أطلب اليكم باسم ربنا يسوع المسيح أن لا تتوانوا عن حياتكم وخلاصكم ولا تدعوا هذا الزمان الوقتى اليسير يسرق منكم الزمان الأبدى الذى لا نهاية له . ولا تتركوا هذا الجسد اللحمى أن يحرمكم من المملكة النورانية التي لا تحد ولا توصف ولا هذا الكرسى الفانى الزائل أن ينزلكم عن الكرسى الذى في محفل الملائكة . يا أولادى أن نفسى مبهورة وروحى ساهية لأننا جميعاً أعطينا حرية الأختيار لنعمل أعمال القديسين .

ونحن قد سكرنا بالأوجاع مثل قوم سكروا من تلذذ الخمر ولم نرد أن نرفع عقولنا لطلب المجد السمائى ولم نماثل القديسين جميعهم ولم نتبع آثارهم لنرث معهم الميراث الأبدى  . وأعلموا يا أحبائي أن القوات المقدسة العلوية العقلية والنورانية والطبائع الحسية مخلوقة من البدء لشئ واحد وهو تمجيد الله .

وان الملائكة ورؤساء الملائكة والكراسى والأرباب والشاروبيم والساروفيم والشمس والقمر والنجوم ورؤساء الآباء والأنبياء والرسل والشياطين والأبالسة وأراكنة الجو هؤلاء جميعهم أبدعهم الثالوث الاقدس الآب والأبن والروح القدس . فبعضهم لأجل حركتهم الحسية سماهم الله كأعمالهم . والذين نموا في الفضيلة بزيادة تمجدوا بزيادة من قبل الله له العز والأكرام مع أبيه الصالح وروح قدسه إلى أبد الآبدين آمين[4].

التجلِّي للقديس كيرلس الكبير

إن أولئك الماهرون في المصارعة يفرحون حينما يصفق لهم المشاهدون، وهم يرتفعون إلى مستوى عال ومجيد من الشجاعة بواسطة رجاء الحصول على إكليل النصر.  وهكذا أيضاً أولئك الذين يرغبون أن يحسبوا أهلاً للمواهب الإلهية، والذين يعطشون إلى أن يصيروا شركاء الرجاء المعد للقديسين، فإنهم يدخلون المعارك لأجل التقوى في المسيح، ويسلكون حياة ذكية ، ولا يركنون إلى الكسل في عدم شكر ، ولا يغرقون في جبن وضيع ، بل بالحرى يقاومون برجولة كل تجربة ، ولا يخافون من عنف الاضطهادات ، إذ هم يحسبونه ربحاً أن يتألموا من أجله ، لأنهم يتذكرون أن بولس المبارك يكتب هكذا : ” آلام الزمان الحاضر لا تقاس بالمجد العتيد أن يستعلن فينا (رو ٨ : ١٨) .

لذلك، لاحظوا كم هي جميلة جداً الطريقة التي يستعملها أيضاً ربنا يسوع المسيح لمنفعة وبنيان جماعة الرسل. لأنه قال لهم: ” إن أراد أحد أن  يأتي ورائي ، فلينكر نفسه ويحمل صليبه كل يوم ويتبعني ، لأن من يخلص نفسه يهلكها ، ومن يضيع نفسه من أجلى يجدها ” .

الوصية هي حقاً لأجل خلاص القديسين ولأجل كرامتهم معاً، وهى تؤدى إلى أعلى مجد، وهى طريق الفرح الكامل ، لأن اختيار التألم لأجل المسيح ، ليس واجباً لا شكر فيه ، بل بالعكس يجعلنا مشاركين في الحياة الأبدية وفى المجد المعد ولكن لأن التلاميذ لم يكونوا قد حصلوا بعد على قوة من الأعالي ، فربما يكون من المحتمل أنهم هم أيضاً سقطوا في ضعفات بشرية ، وحينما فكروا في أنفسهم في قول كهذا ربما سألوا أنفسهم : ” كيف ينكر الإنسان نفسه ؟ أو كيف يجد نفسه بنفسه ثانية إذ يكون قد ضيعها ؟ وأى مكافأة يعوض بها أولئك الذين يتألمون هكذا ؟ أو ما هي الهبات التي سيصيرون شركاء فيها ؟ لذلك فلكى ينقذهم ، من مثل هذه الأفكار الجبانة ، ولكى يصوغهم – كما لو كان – في قالب الرجولة ، بأن يولد فيهم رغبة في المجد العتيد أن يمنح لهم ، لذلك يقول : ” أقول لكم ، إن من القيام ههنا ، قوماً لا يذوقون الموت حتى يروا ملكوت الله ” .

هل هو يقصد أن حياتهم ستمتد جداً حتى تصل إلى ذلك الوقت الذى سيأتي فيه من السماء في نهاية العالم ، ليمنح القديسين الملكوت المعد لهم ؟ وحتى هذا كان ممكناً عنده ، لأنه كلى القدرة ، وليس هناك شيء غير ممكن أو صعب بالنسبة لإرادته الكلية القوة ، ولكنه يقصد بملكوت الله : رؤية المجد الذى الذى سيظهر به عند ظهوره لسكان الأرض ، لأنه سيأتي بمجد الله الآب وليس في الحالة المتواضعة  التي تمثل حالتنا ، لذلك ، كيف جعل أولئك الذين قد نالوا الموعد مشاهدين لأمر عجيب كهذا ؟

إنه يصعد إلى الجبل أخذاً معه ثلاثة تلاميذ مختارين، ويتغير إلى مثل هذا اللمعان الفائق والبهاء الإلهى ، حتى أن ثيابه كانت تتألق بأشعة من نار ، وبدت تضئ مثل البرق . وأكثر من ذلك ، وقف موسى وإيليا إلى جوار يسوع ، وتكلم أحدهما مع الآخر عن خروجه الذى كان عتيداً أن يكمله في أورشليم ، والذى يقصد به سر التدبير في الجسد ، وآلامه  الثمينه على الصليب .

لأنه حق أيضا أن شريعة موسى وكلمة الأنبياء القديسين، أشارت مسبقاً لسر المسيح: فالأول منها بواسطة أمثلة وظلال ، راسماً إياه – كما لو كان – في صورة بيمنا الآخر بطرق متنوعه معلنه قبل موعدها ، وكلاهما يفيد أنه في الوقت المناسب سيظهر في صورتنا ، ولأجل خلاصنا وحياتنا كلنا ، يرضى أن يعانى الموت على الخشبة .

لذلك، فوقوف موسى وايليا أمامه ، وكلاهما الواحد مع الآخر ، كان نوعاً من الإشارة الرمزية تظهر بصورة رائعة ، ربنا يسوع المسيح ، وله الشريعة والأنبياء كحارسين لجسده ، باعتباره رب الشريعة والأنبياء ، وكما أعلن عنه مسبقاً فيهما بواسطة تلك الأمور التي سبق أن بشر بها باتفاق متبادل . لأن كلمات الأنبياء ليست مختلفة مع تعاليم الشريعة . وهذا هو ما أتخيل أن موسى الكهنوتي العظيم وإيليا العظيم في الأنبياء كانا يتكلمان عنه أحدهما مع الآخر .

ولكن التلاميذ المباركين ينامون فترة قصيرة  ، بينما استمر المسيح طويلاً في الصلاة – لأنه مارس هذه الواجبات البشرية باعتبارها خاصة بالتدبير – وبعد ذلك عند استيقاظهم صاروا مشاهدين لتغيرات باهرة ومجيدة جداً ، إذ ظن ( بطرس ) جينئذ أن زمن ملكوت الله قد أتى الآن فعلاً فاقترح إقامة مساكن على الجبل ، وقال إنه من اللائق أن يوجد هناك ثلاث مظال : واحدة للمسيح ، والمظلتان الأخريتان للشخصين الآخرين موسى وإيليا ، ولكنه كما يقول الكتاب : ” وهو لا يعلم ما يقول ” .

لأنه لم يكن هو وقت نهاية العالم ، ولا الوقت الذى فيه يمتلك القديسون الرجاء الموعود لهم به ، لأنه كما يقول بولس : ” سيغير شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة الذى له ، أي صورة جسد مجد المسيح ” (في ٣ : ٢٢) . ولدلك إذ أن التدبير كان . لا يزال في بدايته ، ولم يكن قد تحقق بعد ، فكيف يكون مناسباً للمسيح أن يتخلى عن محبته للعالم ، ويتحول عن غرض التألم لأجله ؟ لأنه فدى كل من تحت السماء ، باحتماله الموت في الجسد وبإبادته الموت بالقيامة من الموت ، معاً . لذلك فبطرس لم يكن يعلم ما يقول.

ولكن إلى جانب منظر مجد المسيح العجيب والذى يفوق الوصف ، حدث شيء أخر ، نافع وضروري لتثبيت إيمانهم به ، وليس نافعا للتلاميذ فقط بل حتى لنا نحن أيضاً ، لأن صوتاً أعطى من السحابة من فوق من الله الآب ، قائلاً : ” هذا هو ابنى الحبيب له اسمعوا . وحينما كان الصوت ، وجد يسوع وحده ” كما يقول الكتاب .

فماذا يقول المجادل والعاصى إذن أمام هذه الأمور؟ ها هو موسى هناك ، فهل يأمر الآب الرسل القديسين أن يسمعوا له ؟ لو كانت إرادته هي أنهم ينبغي أن يتبعوا وصايا موسى ، لكان قد قال ، كما أظن، اطيعوا موسى ، احفظوا الناموس ، ولكن ليس هذا هو ما قاله الله  الآب هنا ، بل في حضور موسي والأنبياء ، فإنه يأمرهم بالحرى أن يسمعو للمسيح .

ولكن لا يقلب أحد الحق ويقول إن الآب طلب منهم أن يسمعوا لموسى وليس للمسيح مخلصنا جميعاً ، فإن البشير ذكر بوضوح قوله : ” وحينما كان الصوت ، وجد يسوع وحده ” لذلك حينما أمر الله الآب من السحابة التي ظللتهم ، الرسل القديسين قائلاً ” له اسمعوا ” كان موسى بعيداً جداً ، وإيليا أيضاً لم يعد قريباً ، ولكن كان هناك المسيح وحده لذلك فإياه وحده أمرهم الآب أن يطيعوا

لأنه هو أيضاً غاية الناموس والأنبياء: ولهذا السبب صرخ بصوت عالى لجموع اليهود: ” لو كنتم تصدقون موسى لكنتم تصدقون كلامى، لأنه هو كتب عنى ” (يو ٥ : ٤٦) . ولكن لأنهم استمروا إلى النهاية يحتقرون الوصية المعطاة بواسطة موسى الحكيم جداً، وبرفضهم كلمة الأنبياء القديسين فقد استبعدوا بعدل وحرموا من تلك البركات التي وعد بها لآبائهم لأن ” الطاعة افضل من الذبائح ، والإستماع أفضل من شحم الكباش ” (١صم ١٥ : ٢٢) .

وهكذا قد منحت كل هذه البركات بالضرورة لكثيرين من اليهود كما منحت لنا نحن أيضاً الذين قد قبلنا الإعلان الإلهى، بواسطة المسيح نفسه كهبه منه لنا ، الذى به ومعه لله الآب التسبيح والسلطان مع الروح القدس ، إلى دهر الدهور آمين[5] .

تجلِّي القديسين للقديس غريغوريوس النيسي

رؤية مجد الله

كيف رأى إسطفانوس مجد الله؟ من الذي فتح له أبواب السماء؟ ترى هل هذه النعم، محصلة قوة إنسانية؟ هل ملاك من الملائكة أصعد طبيعتنا التي كانت تنظر إلى أسفل، إلى ذلك السمو؟ لم يحدث أي شيء من كل هذا. فكل ما له علاقة بهذه القصة، لم يذكر شيئا مثل هذا، بمعنى أن إسطفانوس لم يرى ما رأه لأنه كان قويا للغاية أو لأنه نال معونة كاملة من الملائكة. فماذا قال النص الإنجيلي؟ قال: « وأما هو فشخص إلى السماء وهو ممتلئ من الروح القدس، فرأى مجد الله، ويسوع قائما عن يمين الله»(أع٧: ٥٥).

لأنه من غير الممكن، كما يقول داود النبي، أن يرى أحد النور، إن لم يكن قائما داخل النور «بنورك نری پورا»(مز٣٦: ٩). لأنه، من المستحيل رؤية النور، خارج النور.

أي كيف يمكن للمرء أن يرى الشمس، وهو موجود بعيدا عن أشعتها؟ لأن نور الإبن الوحيد الجنس، هو داخل نور الآب، أي داخل الروح القدس الذي ينبثق من الآب، لذلك بعدما إمتلأ أولاً من الروح القدس وأستنار، حينئذ أدرك مجد الآب والإبن. والا كيف سنقول إن الصياغة الإنجيلية، التي أكدت بأن: « الله لم يره أحد قط»(يو١: ١٨)، هي أمر حقيقي؟ وكيف سنتكلم؟ ألم ينادي الرسول بولس، بعكس كل ما ورد بحادثة رجم إسطفانوس، عندما يقول الذي لم يره أحد من النّاس»(١تيمو٦: ١٦).

بمعنى لو أن مجد الآب والإبن أمكن للطبيعة الإنسانية أن تسعه، فسيكون ذاك الذي أوضح، أن رؤية الله غير ممكنة لدى البشر، ولا تسعه طبيعتهم، كاذب.

لكنه في الحقيقة، ليس كاذبا، بل إن الحدث الخاص بإسطفانوس، بالضرورة، هو حدث حقيقي. إن إثم وشر أولئك الذين يحاربون الروح القدس، قد تجاوز الحد، لأن شهادة الكتاب تكشف عن أننا نرى الأمور المتماثلة بمثيلاتها. إسطفانوس، لم يرى مجد الله بالطبيعة والقوة الإنسانية، بل لأنه كان ممتلئا بنعمة الروح القدس.

لقد سما بواسطة الروح القدس، لإدراك مجد الله، وبناء على ذلك، فإن كان غير ممكن أن نرى ربنا يسوع، بدون الروح القدس، كما يقول الرسول بولس(١تيمو٦: ١٦)، فلن نستطيع أن ندرك مجد الآب. هكذا يصبح واضحا أنه، حيث يوجد الروح القدس، يمكن أن نرى الإبن، وندرك مجد الآب.

المساواة في الكرامة

لكن من خلال كل ما روي، فقد ظهر سلاح آخر للجحود والكفر من قبل محاربي المسيح. لأنهم يقولون، إنه من خلال هذا الحدث، يظهر أن الإبن وحيد الجنس، هو أدنى من الآب، إذ هو قائم عن يمين الآب، وهذا يعتبرونه دليلاً على أنه خاضع لسلطان الآب. ألم يخبر الرسول بولس هؤلاء، ومن قبله داود النبي، عن مجد الإبن الوحيد، بواسطة الروح القدس؟ لأن، داود النبي يقول: « قال الرب لربي: اجلس عن يميني»(مز١١٠: ١)، ويقول الرسول بولس « حيث المسيح جالس عن يمين الله»(كو٣: ١،عب ١: ٣). إذا لو أن المكان، يشهد عن وضع أقل، في أنه يجلس إلى جوار الآب، إلا أن هذا هو في كل الأحوال، دليل على المساواة في الكرامة. فإما أن تسقط الشهادات التي تشهد للعظمة والبهاء، والتي بها إستعلن سمو رتبته بكل وضوح، وإما أن تقبل هذه الشهادات بتقوى ووقار، إذ أن المعلم الصالح لكل ما قلناه، هو نعمة الروح القدس.

لأن، إسطفانوس، وهو ممتليء بالروح القدس، رأى كل ما رأه، وكل ما رأه، قد عبر عنه. أيضا فإن  داود النبي وهو ملهم بالروح، يدعوه ربا، كما يقول الإنجيل(مت٢٢: ٤٣). وكما يقول الرسول بولس نفسه، الذي يتكلم بالروح « يتكلم بأسرار»(١كو١٤: ٢). إذا، إن كان المعلم واحد، ولا يختلف أبدا مع نفسه، والمعلم هو روح الحق، ويأتي إلى الحاملين الله، فكيف يمكن أن يشتبه أحد، في أن يكون هناك إختلاف ما في العقائد؟

الطبيعة السامية

لكنه، هكذا يقول، بحسب التفكير البديهي، الجلوس يشير إلى معنى، والوضع أو المكان إلى معنى آخر. وأنا أيضا أتفق هذا الطرح، إذ أنه، ليس أمرا صالحًا، أن ما يتعلق بالطبيعة الجسدية، نفهمه في إطار الكلمات التي تشير معانيها إلى الأمور الجسدية. لأنه في حالة الإنسان، نرى أن الجلوس يتم بالتحميل على أعلى الفخذ، والعكس أيضا، الوضع الواقف بإستقامة يستند على الركبتين والساقين، أما بالنسبة للطبيعة السامية، فهي متحررة من هذه المعاني، سواء بالنسبة للجلوس أو الوقوف، فكل واحدة منهما، بحسب المعنى البديهي المفهوم الأخرى.

أما بالنسبة للطبيعة الروحية، فلا يمكن أن ينطبق هذا الوضع الإنساني عليها. إن الذي قال إن إبن الإنسان قائما، والذي قال إنه يجلس، لا يختلفان إطلاقا فيما بينهما في المعنى، الإختلاف في الكلمات فقط، فقد أوضحا، أن الواحد يقف إلى جوار الآخر، والآخر يجلس في ثبات. فكما أورد داود النبي، هكذا الرسول بولس، فقد تكلم كل منهما بكلماته الخاصة، ولم يتركاننا أن نفهم أن الآب يقف، والإبن يجلس، على الرغم من أنهما أشارا فقط إلى أن الإبن يجلس، وبنفس الطريقة في حالة إسطفانوس، عندما تسمع عن قيام الإبن، فلست في حل أو لا مبرر لك في أن تفكر أن الآب يجلس، الأمر نفسه يتضح عند الإشارة إلى جلوس الآب، فعبارة « قال الرب لربي إجلس عن يميني»، تتوافق مع تعبير « المسيح جالس عن يمين الله»، على الرغم من أن الكلام، لا يشير بشيء إلى الآب، وبنفس الطريقة، يتضح كلام إسطفانوس، من جهة قيام الإبن عن يمين الآب، إذ يبين مساواة الإبن في المجد مع الآب. وهكذا يمكن أن يتنقى معنى الصورة ويتضح، من جهة أن ما ندركه ونراه في الإبن الذي هو صورة الله غير المنظور، هذا نفسه، نؤمن به فيما يتعلق بالأصل. وكما أن الصلاح يتضح داخل الصلاح، والنور داخل النور، وفي كل شيء بشكل عام، فإن النموذج الأصلي، يرسم في الصورة بملامح قريبة، تعكس الأصل.

هكذا هو الحال مع تعبير جلوس الإبن، هكذا يجب أن نفهم هذه الكلمة « جلوس»، ونفهم أيضا جلوس الآب، ومع قيام الإبن، قيام الآب، حتى لا يضيع معنى الصورة، ومع تباين أو تغيير السمات والملامح، تُمحى أو تنزع عن الأصل. أيها الأخوة لنعتبر هذه الأمور، بعيدة عن الموضوع الذي يشغلنا. لكن رؤية إسطفانوس، هي التي جعلتني أضيف هذه الكلمات إلى حديثي. أما بالنسبة لنا، فياليتنا ألا نصير مشاهدين فقط لجهاد إسطفانوس، بل نكون ممتلئين بالروح القدس، نصير شركاء في النعمة، ومجد ربنا يسوع المسيح، الذي يليق به مع الآب والروح القدس المجد والقوة والكرامة إلى الأبد أمين[6]

عظات آباء وخدام معاصرين

قداسة البابا تواضروس الثاني: فرح التجلى

عيد التجلى المجيد : هو أحد الأعياد السيدية الصغرى ، وقد ذكرت الأناجيل هذا الحدث بكل تفصيل فى (مت ١٧ ، مر٩ ، لو٩ ، يو ١) ، ماعدا انجيل يوحنا فقد أقتصر على أيه واحدة  (يو١: ١٤).

ما قبل التجلى

+ السيد المسيح فى قيصرية فيلبس و يسأل تلاميذه : ( من يقول الناس انى أنا ) ؟؛

( و هناك يعلن بطرس اعترافه الشهير بلاهوت المسيح ) .

+ بعد ذلك تحدث حادثه التجلى و التى احتاجت الى 🙁 انفراد + ارتفاع + صلاه )

  • يقول الذهبى الفم : ” بدون صلاة يستحيل تماما أن يكون للنفس فضيلة “
  • كان البابا كيرلس السادس رجل صلاة ، وبصلاته أقتنى الكثير من الفضائل .
  • كان هذا الجبل أحد ٣ جبال رئيسية فى حياة المسيح : التطويبات ، التجلى ، الجلجثة ، وفى ذلك تعبير عن السمو .

شهد هذا الموقف ثلاثة تلاميذ : لأن الشهادة تقوم على فم اثنين أو ثلاثة ،

كما أن عدد ٣ يشير الى :

١- كل الأمم ( سام + حام + يافث ) ، كل البشرية لها التجلى .

٢- حاجتنا الى الثالوث لنرى التجلى .

٣- اشارة الى القيامة فى اليوم الثالث .

عيد التحلى هو ثانى الأعياد الصيفية الثلاثة : الرسل ، التجلى ، العذراء .

وفيه نحصل على ٣ امتيازات :

١- امتياز معاينة الله فى نور واشراق .

٢- امتياز الدخول فى فرح التجلى .

٣- امتياز التركيز على يسوع وحده .

وكل هذه الامتيازات لا ينالها الا الذين تابعوا طويلا وبأمانة طريق التلمذة للمسيح

جهاد وايمان ومحبة

اصطحب المسيح معه فى هذا الموقف ثلاثة من تلاميذه هم : بطرس ويعقوب ويوحنا .

وهم بمثابة رموز ( ايمان بطرس + جهاد يعقوب + محبه يوحنا ) ، فالنفس التى تستحق أن ترى المسيح يجب أن يكون لها هذه الثلاث صفات مجتمعة .

كما أن النور والثياب البيض ترمز الى كنيسة المسيح النقية ، فالشموع والأنوار فى المنيسة تذكرنا أنه طوبى لأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله .

ظهور موسى وايليا :

١- موسى أحب الجبل ــ رجل الشريعة ـــ نائب عن المتزوجين ـــ تميز بالوداعة ـــ ممثل الناموس ـــ يمثل الخدمة ـــ غلب فرعون ـــ جسده ميت بالأرض .

٢- ايليا أحب الجبل ـــ مقدم الأنبياء ـــ نائب عن البتوليين ـــ تميز بالغيرة ـــ ممثل الأنبياءــــ يمثل الرهبنة ـــ غلب آخاب ـــ جسده حى فى السماء .

وفى المسيح اجتمعت السماء والأرض ، وهو الذى غلب الشيطان وكان له الصوت السمائى .

هذا يسوع ” المخلص ”  :

١- دعته العذراء ” مخلصي ” في تسبيحتها

٢- بشارة الملاك للرعاة كانت : “مخلص ” ، هو الرب .

٣- الله خلاصنا فهو ” عمانوئيل الله معنا. [7]

المتنيح الاأنبا إبيفانيوس أسقف ورئيس دير القديس أنبا مقار العامر

تجلي المسيح وتجلي التلاميذ

بينما كان الرب يسوع بصحبة تلاميذه فى نواحى مدينة قيصرية فيلبس ، وهى مدينة بانياس الحديثة الواقعة عند سفح جبل حرمون ، سأل تلاميذه :”من يقول الناس انى أنا؟” . وبعد أن أجابوه بما يفيد حيرة الشعب وباختلاف آرىئهم، سألهم هم مباشرة :”وأنتم، من تقولون انى أنا؟” . وهنا اعترف التلاميذ على لسان بطرس الرسول :” أنت هو المسيح ابن الله الحى”(مت ١٦:١٦) .

بعد ذلك أعلمهم أن ابن الانسان سوف يأتى فى مجد أبيه مع ملائكته ، وأن بعضا منهم لا يذوقوا الموت حتى يروا ابن الانسان آتيا فى ملكوته. وكان بعد هذا الحديث بسته أيام أن اصطحب معه تلاميذه الثلاثة المقربين : بطرس ويعقوب ويوحنا ، وصعد بهم الى جبل عال منفردين ، وهناك تغيرت هيئته قدامهم ، وأضاء وجهه كالشمس ، وصارت ثيابه بيضاء كالنور . ثم ظهر لهم موسى وايليا وكانا يتكلمان مع الرب . أما التلاميذ فلم يستطيعوا أن يحتملوا هذا المنظر وسقطوا على وجوههم خائفين ( مت١٧: ١-٨) .

وقد عبر الانجيليون عن مفهوم التجلى بالفعل اليونانى(ميتامورفوأوماى). وهذه الكلمة تتكون من مقطعين : المقطع الأول (ميتا) ، وهو يحمل معنى التحول أو التغير أو التبدل.

والمقطع الثانى مشتق من كلمة (مورفى)، ومعناه “الصورة أو الشكل أو الهيئة الخارجية التى تعبر عن ، وتنبع من الطبيعة الداخلية “. من ثم يكون معنى هذا الفعل :”يتغير فى صورته الخارجية، حيث تصير هيئته الخارجية نابعة من طبيعته الداخلية ، وتمثلها تماما”. لذلك ترجمت هذه الكلمة فى العربية الى “تغيرت هيئته “.

لقد كان الرب يسوع فى حياته على الأرض فى صورة العبد ، الذى ليس له صورة ولامنظر فنشتهيه، ومحتقر ومخذول من الشعب . فقد جاء ليس لكى يخدم بل لكى يخدم ، ولكى يبذل نفسه فدية عن كثيرين (مر١٠: ٤٥) . لكن هنا على جبل التجلى حدث تغير فى هيئته أو شكله الخارجى ، فقد ظهر فى مجد لاهوته. وهذا هو مل يحمله معنى الفعل اليونانى ، فقد تغيرت صورة الرب الخارجية ، وهى صورة العبد التى اتخذها لنفسه، وأصبحت صورته الخارجية تعبر تماما عن حقيقته الداخلية أى تعبر عن مجد الاهوت الذى ظهر فى الجسد .

ولكى نفهم أكثر مفهوم التغيير الذى حدث ، نقارن هذا الفعل اليونانى الذى يعبر عن التغيير ، بفعل آخر ترجم أيضا الى”يتغي” .

ففى الرسالة الثانية لأهل كورنثوس (١١: ١٣-١٥) يقول القديس بولس :”لأن مثل هؤلاء هم رسل كذبة ، فعلة ماكرون ، مغيرون شكلهم الى شبه رسل المسيح، ولا عجب . لأن الشيطان نفسه يغير شكله(ميتاسخيماتيزو) الى شبه ملاك نور” .

الفعل اليونانى الذى ورد فى هذه الآية يتكون أيضا من مقطعين: الأول وهو نفس المقطع فى الكلمة الأولى والذى يحمل معنى التغيير أو التحول .

أما المقطع الثانى فهو مشتق من كلمة(سخيما) ، وهى تحمل أيضا معنى الشكل أو الهيئة . ولكن معنى الفعل هنا يضاد تماما معنى الفعل السابق، فهذا الفعل يمكن ترجمته الى : “يغير هيئته أو صورته الخارجية بأن يتخذ لنفسه شكلا أو صورة خارجية لا تنبع من ، ولا تعبر عن ، طبيعته الداخلية” .

ويمكن ترجمة هذا الفعل فى كلمة واحدة وهى “يتنكر”، أى يلبس وجها أو قناعا تنكريا يخفى به هيئته. فطبيعة الشيطان مظلمة، وعندما يظهر فى شبه ملاك نور ، فان منظره الخارجى فقط هو الذى يتغير ، وتبقى طبيعتة مظلمة كما هى دون أى تغيير . هكذا أيضا خدامه فهم يغيرون شكلهم الخارجى ليصيروا على هيئة رسل المسيح ، وهم فى طبيعتهم الداخلية كما هم ، فعلة ماكرون ، وذلك لكى يخدعوا قلوب البسطاء . فالفعل الأول يعبر عن التغيير الداخلى ، والفعل الثانى يعبر عن التغيير الخارجى .

ان تجلى الرب يسوع على جبل التجلى وظهوره فى صورة مجده، يمكن أن يفهم من التسبحة التى أوردها القديس بولس فى رسالته لأهل فيلبى ، والتى يشرح فيها كيف أن الرب يسوع الذى فى صورة الله ، اتخذ لنفسه صورة العبد ، حتى يفدى ذلك العبد . ونتيجة لطاعته المطلقة لله ، رفعه الله وأعاده الى صورة مجده .

“فليكن فيكم هذا الفكر الذى فى المسيح يسوع أيضا. الذى اذ كان فى صورة الله ، لم يحسب خلسة أن يكون معادلا لله . لكنه أخلى نفسه، آخذا صورة عبد صائرا فى شبه الناس . واذ وجد فى الهيئة كانسان ، وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب . لذلك رفعه الله أيضا ،  وأعطاه اسما فوق كل اسم ، لكى تجثو باسم يسوع كل ركبة…… ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب”         ( فى٢: ٥- ١١) .

تجلى القديسين :

يتكلم القديس بطرس الرسول عن تجلى الرب يسوع على الجبل ، وظهوره فى صورة مجده الحقيقى ، ويصف هذا المجد بالعظمة : “اذ عرفناكم بقوة ربنا يسوع المسيح ومجيئه، بل قد كنا معاينين عظمته . لأنه أخذ من الله الآب كرامة ومجدا ، اذ أقبل عليه صوت كهذا من المجد الأسنى : هذا هو ابنى الحبيب الذى أنا سررت به، ونحن سمعنا هذا الصوت مقبلا من السماء ، اذ كنا معه فى الجبل المقدس” (٢بط١: ١٦-١٨) .أما القديس بولس الرسول فانه يوصى جميع المؤمنين أن يتغيروا ، أى أن يصيروا فى حالة تجل كما حدث للرب يسوع . ففى رسالته الى أهل رومية(١٢: ٢) يطلب الى المؤمنين قائلا:”ولاتشاكلوا هذا الدهر ، بل تغيروا عن ذهنكم بتجديد أذهانكم ، لتختبروا ما هى ارادة الله الصالحة المرضية الكاملة”.

فى هذه الآية يستعمل القديس بولس الفعلين السابق الحديث عنهما فالفعل الأول “لاتشاكلوا ” هو نفس الفعل الذى ورد فى (٢كو١١: ١٥) عن الشيطان الذى يغير شكله الى شبه ملاك نور .

هنا يستحث القديس بولس المؤمنين أن لا يشاكلوا هذا الدهر، أى أن لا يكونوا على شاكلته بمعنى أن لا يتغيروا عن شكلهم الخارجى بصورة لاتنم ولا تنبع من طبيعتهم الداخلية . فهو ينهاهم عن التنكر فى صورة خارجية تماثل أبناء هذا الدهر ، ولكنها لا تعبر عن ” الانسان الجديد المخلوق بحسب الله فى البر وقداسة الحق “( أف٤: ٢٤) .

وفى باقى الآية يأمرهم أن يتغيروا عن شكلهم ، وهو هنا يستعمل نفس الفعل الذى ورد فى حادثة التجلى . أى أنه يأمر المؤمنين أن يصيروا فى حالة تجل .، أو أن يظهروا بمظهرهم الخارجى الذى يعبر عن الطبيعة الجديدة الحقيقية التى يعيشونها ، هذا المظهر الذى يظهر صورة المسيح المنطبعة على قلوبهم : “يا أولادى الذين أتمخض بكم أيضا الى أن يتصور المسيح فيكم” (١كو ١٤: ٢٥) .

ان وصية بولس الرسول للقديسين بأن يتغيروا عن شكلهم ، أى أن يتجلوا ، تسندها حقيقة هامة ، وهى أنه فى القيامة العتيدة سيحدث تجل للقديسين ، وسيصير منظرهم الخارجى معبرا عن طبيعتهم الجديدة التى سينالونها ، وذلك عندما تتغير أجسادهم لتصبح على صورة جسد مجده . ففى (٢كو٣: ١٨) يقول بولس الرسول :”ونحن جميعا ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف، كما فى مرآة ، نتغير الى تلك الصورة عينها ، من مجد الى مجد كما فى مرأة ، نتغير الى تلك الصورة عينها ، من مجد الى مجد كما من الرب الروح” . وهنا يستعمل القديس بولس نفس الفعل الذى يعبر عن التجلى ، ولكن التجلى هنا سيكون فى صورته الكاملة عندما تنطبع صورة الله على وجوهنا ، فيحدث تغيير أو تجل لطبيعتنا ، ولكن فى حركة ديناميكية مستمرة لا تنقطع :”من مجد الى مجد” بقوة عمل الرب الروح فى داخلنا [8] .

المتنيح القمص لوقا سيداروس

على جبل التجلي

يا ابني لقد رأيت عظمته بالحقيقة هذا الذي أخذ لنفسه شكل العبيد وعاش بيننا كأبسط إنسان.. هكذا كان شريكاً لنا في كل شيء ..لما تكلم معنا عن آلامه وصليبه وما سيأتي عليه من رؤساء كهنة اليهود لم أستطع أن أحتمل. حتى أني في عدم معرفتي أخذته إلي وانتهرته وقلت له: حاشاك يارب أن تصلب. لم أكن أفهم ولم أعرف.. اندفعت وانزلق لساني. لكنه دائماً كما هو.. انتهر الشيطان الذي أغواني حتى أرفض الصليب.

ووضع في فكري أن أستعفي المسيح منه. كان الشيطان يقاوم وأنا لا أدري. وقد كان في ذهني أن أطلب مجد الله وليس مجد الناس. كان هو مزمعاً أن يتألم ويتمجد.. لم يكن الصليب ألماً بل مجداً.لذلك بعد ذلك بأسبوع قادني مع يعقوب ويوحنا إلى رحلة خاصة لكي يداوي جراح نفسي. كان من عادته أن يصعد إلى الجبل ويصلي لكي نشرب نحن روح الصلاة هذه. وكم سألناه أن يعلمنا كيف نصلي، وقد علمنا كيف ننادي الآب أباه أباً لنا وأعطانا نعمة البنوة للآب ودالة البنوة لديه.

صعدنا معه على الجبل ظناً منا أنها مرة مثل مرات قبلها، لم يكن شيئاً متغيراً. كان كل شيء على ما هو عليه. ونحن على قمة الجبل. ثم ابتدأت هيئته تتغير من مجد إلى مجد ومن نور يخطف البصر إلی ومیض نور فائق يفيض بإعجاز حتى صار وجهه كالشمس وهي تضئ في قوتها. يا إلهي حتى ثيابه صارت تلمع كالثلج عندما تقع عليها أشعة الشمس. وقع علينا انبهار، بل ذهبنا في غيبة من فرط النور والخوف. رعبة رهيبة ورهبة فائقة.

لم أدر شيئاً مما حولي.. ذهب النور الوهاج بعقلي. أحسست أني خارج الجسد والعالم بأسره. تمنيت أن نكون هنا في الأبدية وهي بالحق كانت.

طلبت أن نمكث هناك بلا نهاية.. قلت: ” يارب، جيد أن نكون ههنا! “.وكنا منطرحين على الأرض لأنه إن كان دانیال رأى رؤياه فلم يعد يضبط قوة فكم يكون الحال معنا. إنه ليس ملاكاً ولا رئيس ملائكة، بل الابن الكلمة النور من النور والساكن في النور الذي لا يدني منه. ثم إن موسى وإيليا ظهرا معه يتحدثان عن شيء غريب.

أملت أذني لأسمع.. الصليب، الصليب، الفداء ، خطة الله، الكأس الذي رضي أن يشربها، خروف الفصح، العبور بالدم، خلاص الشعب من سطوة فرعون ( الشيطان )، فتح باب السماء أسرار أسرار .. غبت عن وعيي واكتشفت عدم فهمي وإدراكي. قلت: ” نصنع ثلاث مظال: للرب، ولموسي، ولإيليا “. ويحي لماذا أكثر الكلام.. جاء صوت من السماء.. لا تساوي ابني بأحد من البشر نبياً كان أو رئيس الأنبياء، بل هو ابني وحيدي حبيبي الذي صنع مسرتي وهو في جسد البشرية فصالح البشرية الساقطة وأعادها إلى حضني فيه.

صار الصوت من السماء : ” هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت. له اسمعوا “. ومن رهبة الصوت كنت مسبخاً بوجهي إلى الأرض. وبحرص ورهبة رفعت طرف عيني فلم أجد إلا يسوع وحده. توثق إيماني بلاهوته ذاك الذي كان مخفياً عنا رغم أنه أعلن لي من

الآب حين كان يسوع يسألنا عمن يقول الناس عنه من هو؟ فقال بعض التلاميذ إن الناس يقولون عنه إنه إيليا أو إرميا أو أحد الأنبياء. فلما سألنا وأنتم من تقولون؟ صرخت جهاراً قائلاً: ” أنتهو المسيح ابن الله الحي! “.

يومها طوبني المسيح وعرفني أنه ليس بعقلي أو فكري نطقت، بل بإلهام الآب كشاهد لابنه الوحيد. وهذا هو قانون إيماني بحسب خبرتي وحياتي معه يوماً فيوم. زادت الرؤيا السماوية على جبل التجلي من ملئي وحبي وخوفي واتضاعي ورسخ إيماني بأن الذي أحيا معه في هيئة الإنسان هو هو ابن الآب بالحق والمحبة وأنه من أجل خلاصي أخلى ذاته من مجده[9].

القديس الأرشيدياكون حبيب جرجس

+ التجلي  (مت١٧ : ۱ – ۱۳)

” هذا هو أبني الحبيب الذي به سررت “(مت ۱۷ : ٥)

(أولا) تجلى المسيح

وأظهر مجده أمام تلاميذه مقدمة لمجده الذي سوف يظهر به (راجع يو ١٢ : ١٦ و ۲۳ و ۱۷ : ٥ و ٢٤ و ۲کو٣ : ١٨) ومجد المسيح اصلي استتر بناسوته اتضاعاً وفى هذه الحالة ارتفع الحجاب وقتاً فظهر مجده الأزلي .

(ثانياً) ظهر موسى وايليا

لأن الأول واضع الشريعة الرمزية والثاني نائب عن الانبياء . وسجدا للمسيح واعترفا بأن وظيفتيها انتهتا بأتيان المخلص العظيم .

(ثالثاً) اذا كان بطرس من سروره بذلك المنظر اراد بقاءهم هناك .

فكم يظهر من المجد والرغبة في البقاء مع المسيح والقديسين والملائكة في السماء .

(رابعاً) شهد الآب السماوي لابنه

هنا مرة ثانية كما شهد له عند عماده في نهر الأردن (مت٣ : ۱۷) .

(خامساً) غايات تجلي المسيح

(١) تثبيت ايمان التلاميذ

(۲) تعزية المسيح نفسه استعداداً للآلام

(٣) بيان الاتفاق التام بين العهد القديم والعهد الجديد

(٤) البرهان على ان المسيح هو المخلص ابن الله الحي .

(سادساً) نستفيد من هذه الحادثة

(١) ثبوت تعليم الكتاب في شأن القيامة

(٢) ان المؤمنين الذين انتقلوا لايزالون أحياء

(٣) إن القديسين في السماء لا يزالون يهتمون بعمل الله على الأرض

(٤) يتبين لنا من الهيئة التي ظهر بها المسيح وقت التجلي ماذا تكون هيئة اجسادنا يوم القيامة (راجع ١کو١٥: ٤٤ – ٤٩). (فى٣ : ٢١).[10]

القمص بنيامين مرجان باسيلي

ثلاثة جبال

(سيناء والعذراء وتابور)

نحتفل فى شهر واحد بعيد تجلى ربنا يسوع المسيح على جبل تابور (١٣ مسرى) وكذلك عيد صعود جسد العذراء (١٦ مسرى) وثمة ارتباط قوى بين العيدين ، العذراء مريم هى (جبل الله الدسم) ، وحضور الله وظهوره على هذا الجبل يمتد قبل ذلك حتى يلاقى جبل سيناء فى العهد القديم ، ويمتد الى الأمام حتى يقابل ويتحقق بالكامل فى جبل تابور الذى تجلى عليه الرب أمام تلاميذه ، ثمة حضور لمجد اللاهوت هنا وهناك !

جبل سيناء :

“احترزوا أن تصعدوا الى الجبل أو تمسوا طرفه ” (خر ١٩ : ١٢) .

“وحدث فى اليوم الثالث لما كان الصباح أنه صارت رعود وبروق وسحاب ثقيل على الجبل وصوت بوق شديد جداً فارتعد الشعب الذى فى المحلة .. وكان جبل سيناء كله يدخن من أجل أن الرب نزل عليه بالنار وصعد دخان كدخان الأتون وارتجف كل الجبل جداً فكان صوت البوق يزداد اشتداداً وموسى يتكلم والله يجيبه بصوت ” (خر١٩: ١٦-١٩).

كان الله قد خلقنا لنحيا معه ، نحيا بحياته ، بذاته الالهية ، أن يكون اتحادنا به هو سر وجودنا وحياتنا وبقائنا ، ولكن الخطية دخلت الينا ، أردنا أن نؤكد ذواتنا وحدها فى محاولة للحياة بعيداً عن الله ، وبانفصالنا عن الله أصبح حضوره مرعباً لنا ، حينما صرنا خطاة لم نعد نحتمل الاقتراب من الله ، حضور الله للانسان الخاطىء حضور مرعب لأنه حضور دينونة وحكم وكشف للمصير الابدى. كان الانسان ساكنا مع الله فى الفردوس أما الآن فانه لا يستطيع الاقتراب ، ان طبيعة الله لا تتغير وانما طبيعتنا هى التى تغيرت ودخلت مجال الفساد والموت بانفصالها عن الله ، لذلك كان مستحيلاً أن يقترب الانسان من الله أو تكون له علاقة بينهما بسبب فساد طبيعتنا .

جبل التجسد ( العذراء ) :

“لأن كلمة الحى الذى لله الآب الذى نزل ليعطى الناموس على جبل سيناء … هو أيضاً نزل عليك أيها الجبل الناطق بوداعة ومحبة بشريّة ” ( ثيؤطوكية الثلاثاء ).

لم يَكُفَ الله عن محبته للانسان الذى خلقه ، رغبته دائماً أن يسكن معنا ويحل فينا ، أن يظهر مجد طبيعته فى طبيعتنا ، اشتياق قلبه أن نحيا معه كل حين بحضوره له حى وفعال فى حياتنا، وفى سعيه الدائم هذا نحونا،تسربل بحلة الاتضاع المذهل ليتمم حلولاً جديداً فينا ، انه حلول دائم وخفى لا يدركه الا المتضعون ، على جبل الاتضاع يأتى الله ليحلّ ويسكن فى الانسان ” الروح القدس يحل عليك وقوة العلى تظللك ” ( لو 1 : ٣٥ ) .

” الروح القدس ملأ كل موضع منك نفسك وجسدك يا مريم أم الله ” ( لبش السبت) .

وهكذا لم يكف الله فى شوقه الينا عن السعى لأن يحلّ فينا ، لسنا نحن الذين نبحث عنه بل العكس هو الذى يبحث عنّا ، انه دائماً مغلوب من تحننه يأتينا  يحملنا على منكبيه، فلما رآنا قد صرنا ترابيين لبس الحلة الترابية ( أجسادنا ) رآنا قد تعرّينا من المجد والكرامة أخلى ذاته بارادته وحده وأتى ، يشاركنا فقرنا ليشركنا فى مجده وكانت العذراء هى الجبل الذى حلّ فيه الله بمجده ليتحدّ فى أحشائها بطبيعتنا لبس هذه الطبيعة الترابية لينقل لها مجد لاخوته وينيرها بنوره وهذا هو ماحدث على جبل تابور أثناء تجلّى السيد.

جبل تابور :

باتحادنا مع الله بدأ يسكب فينا مجده الخاص ، تحولت طبيعتنا فى المسيح من ترابيتها وفسادها الى طبيعة سمائية نورانية ، تغيرّت عن شكلها القديم لتصير فى شكل جديد ، شكل نورانى مُمجّد “Transfiguration” ان لحماً ودماً لا يقدرأن يرث ملكوت الله ، ولكن شكراً لله الآب الذى جعلنا كفاة للدخول فى نصيب ميراث القديسين فى النور هذا الذى أنقذنا من سلطان الظلمة ونقلنا الى ملكوت ابن محبته ” ( كو١: ١٢، ١٣)  قراءات عيد التجلى

لم نعد بعد ترابيون نسعى ونفكر ونحيا فيما للأرض والتراب وانما نحن نتجلّى أو تتجلى طبيعتنا فى المسيح Transfigured

واذا حصرنا أنفسنا فى التراب أخفينا مجد الطبيعة الجديدة وانعدمت مذاقة ملكوت الله فى حياتنا ، اننا مدعوون أن نحيا ونفكر فيما للأحياء “عبيدك يارب الذين يخدمونك ويطلبون اسمك القدوس ويخضعون لك ..انهض قلوبهم من كل فكر ردىء أرضى، امنحهم أن يحيوا ويفكروا فيما للأحياء ويفهموا الذى لك “(صلاة يقولها الكاهن بعد التناول)

هكذا وببساطة شديدة سحابة واحدة قد ظللّت الجميع  الرب النور الباسط النور مثل الثوب ، الساكن فى النور الذى لا يدنى منه مع شعب العهد القديم وشعب العهد الجديد ، تظللوا جميعاً بسحابة واحدة لتظهر كنيسة واحدة مُمجّدة فى المجد الأسنى السمائى  ( انظر قراءات عيد التجلى ) وكانت السحابة الحقيقية هى العذراء القبة الثانية ، التى فى أحشائها قد تظللت الطبيعتين معاً فى اتحاد حقيقى غير مفترق بلا أختلاط انها السحابة التى ركبها الرب ليأتى الى أرضنا الى طبيعتنا( اش١٩: ١).

الطريق الى تابور :

وقبل أن يصعد السيد بتلاميذه الى جبل التجلي كان يقول لهم “ان أراد أحد أن يأتي ورائى فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعنى ” ( مت ١٦ : ٢٤ ) ، وهو بهذا كان يرسم لهم طريق الدخول الى النور ومعاينته

“وصعد الى الجبل ليصلى وفيما هو يصلى تغيرت هيئته قدامهم” ( لو ٩ : ٢٨، ٢٩ ).

لم يتحول الرسل الى صورة المجد بعد على الجبل ، ان هذا لم يكن قد أتى أوانه لكنهم امتلأوا حرارة وشوقاً وبهجة لا ينطق بها جعلت بطرس يقول “جيد يا رب أن نكون هاهنا ”

هكذا حينما نسير خلف السيد في درب الصليب الضيق نصعد معه جبل الاتضاع وانكار الذات نتبعه فى شركة صلاة حقيقية سريّة مع الآب ومعه ، تحترق قلوبنا من الداخل فرحاً وشوقاً ولهفة معه ، نصرخ جيد يارب أن نكون ها هنا ، جيد يا رب أن أبقى معك الى أن يحين وقت مجيئك فى المجد فتتجلى طبيعتي بالكامل فيك وترث مجدها السمانى ، الى أن تجئ يا ربنا الحبيب سأصعد معك ، بنعمتك ، على جبل الوداعة وانكار الذات التي تحجب مجد لاهوتك عنى ، لأقبلها من جديد منك ، اتبعك حيثما سرت حاملاً صليبي خلفك ناظراً لك وحدك وليس لأنسان ، سأسكن معك تظللنا معاً سحابة واحدة ، روحك القدوس ، في مخدع الصلاة تسكبه بغنى فيشتعل القلب حرارة ومحبة للآب ولك استظل بسحابة معك لأصير واحداً فيك مع الآب … فلا يكفيني العمر كله ! عَبّر عن شوقى الى أن تجىء .

يا أمى العذراء :

علمينى كيف اكتفى بيسوع وأصمت معه فى وداعة ، علمينى يا من صرت جبلاً دسماً لحلول ابن الله أن أكون هيكلاً مقدساً يليق به وبجلاله ، صلى لأجلى أمام ابنك والهك لكى يهبنى قلبك ودسم حياتك[11] .

المتنيح الدكتور سليمان نسيم

المؤمن الحقيقى يعيش رؤيا دائمة

المؤمن الحقيقي يعيش في المسيح رؤيا دائمة . فالسماء مفتوحة أمامه . وعربون الملكوت موجود في داخله . يقول الرب : ” ها ملكوت الله داخلكم ” (لو ١٧: ٢١).

ويقول أيضاً : ” الحق الحق أقول لكم من الآن ترون السماء مفتوحة وملائكة الله يصعدون وينزلون على ابن الانسان ”  (يو ١ : ٥١). وكما بدأت البشارة بالمسيحية بظهور الملائكة ، وانفتاح السماء عن جمهورهم معلنين العظائم الثلاثة المرتبطة بميلاد الرب : المجد والسلام والعزاء ؛ هكذا كانت خاتمة حياة المسيح ، بصعوده أمامهم ثم ظهور ملاكين لتلاميذه الشاخصين وراء هذا المنظر السماوى العظيم ليعلنا أن ” يسوع هذا الذى ارتفع عنكم إلى السماء سيأتى هكذا كما رأيتموه منطلقاً إلى السماء ”  (أع ١: ١٠ ، ١١).

فالبداية بشارة والنهاية بشارة وكلتاهما تحملان الحب والسلام والرجاء . ويعنى هذا أن تظل السماء …… ومتجه أنظارة إليها فتطلع ، ومنها نستلهم العزاء والنصرة إلى أن نرى يسوع مرة أخرى في مجده .

لقد قال …….. ” أيها الآب مجد أسمك فجاء صوت من السماء مجدت وأمجد أيضاً ” (يو ١٢ : ٢٧ ، ٢٨).

وهكذا ارتبط انفتاح السماء بتمجيد اسم الرب وربط الإنسان ، بسر الغلبة ففي هذا الموقف نفسه أكد الرب هذا المعنى بقوله : ” ليس من أجلى صار هذا الصوت بل من أجلكم . الآن دينونة هذا العالم الآن يطرح رئيس هذا العالم خارجاً (يو ١٢ : ٣٠ ، ٣١). وكانت الكرازة أعظم مجال تتضح فيه ثمار هذه الرؤى وهذه العلاقة بالسماء .

فهوذا اسطفانوس بعد عظته الجهارية في اليهود وكهنتهم ورؤسائهم ” يشخص إلى السماء وهو ممتلئ من الروح القدس ” فرأى مجد الله ويسوع قائماً عن يمين الله ” واستمر هذا المنظر السماوى وهم يرجمونه وهو يقول : ” أيها الرب يسوع أقبل روحى ”  (أع ٧ : ٥٥ – ٥٨). ولما زاد الاضطهاد على الكنيسة بواسطة شاول الطرسوسى ، وانطلق إلى دمشق ليسوق المسيحين موثقين إلى اورشليم ، ” حدث أن أبرق بغتة حوله نور من السماء فسقط على الأرض وسمع صوتاً قائلاً له شاول شاول لماذا تضطهدنى ”  (أع ٩ : ٣ ، ٤).

وكان بولس بعد تغيره يحكى عن هذا المنظر قائلاً : ” رأيت في نصف النهار في الطريق نوراً من السماء أفضل من لمعان الشمس قد أبرق حولى (أع ٢٦ : ١٣) وكان حين يقارن بين سماء العهد القديم ، وسماء العهد الجديد يقول : ” لأنكم لم تأتوا إلى جبل ملموس مضطرم بالنار ، وإلى ضباب وظلام وزوبعة بل إلى مدينة الله الحى اورشليم السماوية إلى ربوات هم محفل ملائكة وكنيسة أبكار مكتوبين في السموات وإلى أرواح أبرار مكملين ”  (عب ١٢ : ١٣ – ١٨) وهذه هي التي عاينها يوحنا الرائى حين وصفها قائلاً : ” ثم رأيت سماء جديدة وأرضاً جديدة . لأن السماء الأولى والأرض الأولى مضتا …

وسمعت صوتاً عظيماً من السماء قائلاً: هوذا مسكن الله مع الناس ، وهو سيسكن معهم وهم يكونون له شعباً والله نفسه يكون معهم الهاً لهم (رؤيا ٢١ – ٣). هذه كلها ، وبركات أخرى كثيرة ، هي معطيات حب الله لنا في عهد النعمة . يقول القديس يوحنا ” انظروا أية محبة أعطانا الآب حتى ندعى أولاد الله ” (١ يو ٣ : ١). ولذلك قدم لنا خبرته مع هذه المحبة وهذه البنوة بقوله: ” الذى سمعناه .

الذى رأيناه بعيوننا . الذى شاهدناه ولمسته أيدينا من جهة كلمة الحياة … الذى رأيناه وسمعناه نخبركم به لكى تكون لكم أيضاً شركة معنا (١يو ١: ١ – ٣). وهكذا تحقق خبرة القديسين تلامساً حياً ومباشراً مع محبة الله ، بل وتحقق ما هو أكثر من ذلك فعن طريق الشعور برؤيا الله وملكوته في باطن الإنسان يمتلئ رجاء روحياً عميقاً به – كما يقول القديس يوحنا – ” يطهر نفسه كما هو طاهر ” (١يو ٣ : ٣) ” ويطرح رئيس هذا العالم خارجاً ” (يو ١٢ : ٣١) وهكذا تصبح محبة المؤمن لله مصدر تلامس ورؤيا وسر تطهير له ، كما تصبح منبعاً روحياً لقوة الرجاء ، وللشهادة لعمل النعمة والإيمان أمام الآخرين … ” هذا نخبركم به ” … وكان أن استكملت أبعاد المحبة ، وعرف المؤمنون عن قرب ما هو العرض والطول والعمق والعلو … لقد عرفوا محبة المسيح الفائقة المعرفة .

عرفوها وهم في الجسد ، لتكون لهم عربون مجد في السماء … وإذ يحمل المؤمنون في أجسادهم سمات الرب يسوع ، تصبح لهم الحاسة الدقيقة التي تستقبل مناظر السماء وأصواتها ، مقارنين الروحيات بالروحيات ، مميزين فكر المسيح لأنهم بعمل النعمة يستأسرون كل فكر لطاعة المسيح لأن الله – كما يقول القديس بولس – ” الذى قال أن يشرق نور من ظلمة هو الذى أشرق في قلوبنا لإنارة معرفة وجه الله في وجه يسوع المسيح ” (٢كو ٤ : ٦).

وبأنواع وطرق كثيرة تعلن السماء رسالاتها للمؤمنين. للرعاة ظهر جمهور الملائكة، وللمجوس لمع نجم المشرق ، والمعمدان . عرف أن الذى يعمده هو حمل الله من رؤية ” الروح نازلا ومستقراً عليه مثل حمامة من السماء ” . أما بشارة ميلاد رب المجد ويوحنا المعمدان فقد تولاها رئيس الملائكة جبرائيل ، حتى إذا حانت بشارة القيامة تولاها ملائكة ” يلبسون ثياباً بيض ” وهكذا عند الصعود لكن قمة الرؤي بحق ظهرت فوق جبل طابور فقد تجلت رؤيا الرب في مجد وبهاء عظيمين : لقد تغيرت هيئته ، وأضاء وجهه كالشمس ، وصارت ثيابه بيضاء كالنور … ثم إذا بسحابة نيره تظلل الموجودين وصوت منها يقول : هذا هو إبنى الحبيب الذى به سررت  له إسمعوا .

أما في العهد القديم فكان صوت الرب إلى أنبيائه يأتي مباشراً . آدم تفتحت عيناه على نور رؤيا الرب في الفردوس ، وعلى رؤيا شجرة الحياة في وسطة ، وتفتحت أذناه على سماع وصية الله . ونوح سمع صوت منذراً …. ” نهاية كل بشر قد أتت أمامى …. إياك قد وجدت باراً … ” أما رؤى الرب لابراهيم فما أكثرها لعل أشهرها وهو جالس عند بلوطات ممرا ثم عندما هم بتقديم ابنه ذبيحة… أما يعقوب فقد كانت له رؤيا السلم المنصوبة على الأرض ورأسها يمس السماء وملائكة الله صاعده ونازله عليها فاذا تركنا رؤساء الآباء إلى الأنبياء وموسى على رأسهم وجدناه يرى رؤيا الرب في جبل حوريب متمثلة في عليقة مشتعله بالنار دون أن تحترق فقال : ” أميل الأن لأنظر هذا المنظر العظيم . لماذا لا تحترق العليقة ” … (خر ٢ : ٢) والملاحظ أن هؤلاء جميعاً كانت تنتهي بهم الرؤى إلى بناء مذبح للرب .

فالرؤى السماوية قرينة المذبح في العهد القديم … فنوح بعدما نجا من شر الطوفان ” بنى مذبحاً للرب ” …. ولما رفع عليه ذبيحة الشكر ” تنسم الرب في ذبيحته رائحة الرضا ” (تك ٨ : ٢١) وإبراهيم بعد وعد الرب له بأنه سيعطيه أرض كنعان ولنسله من بعده ” بنى هناك مذبحاً للرب ” (تك ١٢ : ٧) في بيت إيل وكذلك يعقوب بعد أن رأى سلمه المشهور بكر في الصباح وأخذ الحجر الذى وضعه تحت رأسه وأقامه عموداً وصب زيتًا على رأسه ودعا إسم ذلك المكان بيت إيل ونذر … أن هذا الحجر الذى أقامه يكون بيتاً لله … (تك ٢٨ : ٢٢)  وعندما خرج بنو إسرائيل من مصر كان الرب يسير أمامهم نهاراً في عمود سحاب ليهديهم في الطريق ، وليلاً في عمود نار ليضئ ، لهم لكى يمشوا نهارًا وليلًا. ولم يبرح عمود السحاب نهارًا وعمود السحاب ليلًا أمام الشعب (خر ١٣: ٢١ – ٢٢).

أما في العهد الجديد فهى قرينة المسيح ، الذبيح نفسه ، كما حدث عند ظهور النجم للمجوس أو ظهور الملائكة وقت القيامة والصعود . أما سفر الرؤيا فقد تحدث صراحة عن الخروف الذبيح والمجد المحيط به قائلًا : ” ورأيت في وسط العرش والحيوانات الأربعة وفى وسط الشيوخ خروف قائم كأنه مذبوح …. ولما أخذ السفر خرت الأربعة حيوانات والأربعة والعشرون شيخاً أمام الخروف ولهم كل واحد قيثارات وجامات من ذهب مستحقين أنت أن تأخذ السفر وتفتح ختومه لأنك ذبحت وإشتريتنا لله بدمك من كل قبيلة ولسان وشعب وأمك ” (رؤ ٥ : ٦ – ٩).

وأقترنت رؤى السماء دائمًا بالنور والضياء الامع … فموسى لما نزل من جبل سيناء ولوحا الشهادة في يده عند نزوله من الجبل لم يعلم أن جلد وجهه يلمع … (خر ٢٤ : ٢٩). كما أقترنت بوجود السحب … ميثاق الرب مع نوح كانت علامته سحابة … فقد قال الرب لنوح … هذه علامة الميثاق الذى أنا واضعه بينى وبينكم … وبين كل ذوات الأنفس الحية التي معكم إلى أجيال الدهر … وضعت قوسى في السحاب فتكون علامة ميثاق بينى وبين الأرض فيكون متى أنشر سحابا على الأرض وتظهر القوس في السحاب أنى أذكر ميثاق الذى بينى وبينكم وبين كل نفس حية في كل جسد فمتى كانت القوس في السحاب أبصرها لأذكر ميثاقاً أبدياً بين الله وبين كل نفس حية في كل جسد على الأرض (تك ٩ : ١٢ – ٢٦).

وكذلك في قيادة بنى إسرائيل كان الرب يسير أمامهم نهاراً في عمود السحاب (خر ١٣ : ٥١). أما عند إكتمال الاجتماع فقد ” غطت السحابة خيمة الاجتماع وملأ بهاء الرب المسكن (خر ٤٠ : ٤٣).

وبعد انتقال موسى وأقتراب بنى إسرائيل من أرض الموعد ” كانت السحابة تغطى المسكن – خيمة الشهادة عند إقامتها … وفى المساء كان على المسكن كمنظر نار إلى الصباح . هكذا كان دائماً . السحابة تغطيه ومنظر النار ليلاً ” (عد ٩ : ١٥ ، ١٦). وحين نصل إلى تدشين الهيكل الذى بناه سليمان يقول مؤرخ سفر الملوك الأول : ” وكان لما خرج الكهنة من القدس أن السحاب ملأ بيت الرب ولم يستطع الكهنة أن يقفوا للخدمة بسبب السحاب لأن مجد الرب ملأ بيت الرب ” (١مل ٨ : ١٠ ، ١١) ولما تحدث أشعياء بروح النبوة عن مجئ الرب إلى مصر قال : ” هوذا الرب راكب على سحابة سريعة وقادم إلى مصر فترتجف أوثان مصر ويذوب قلب مصر داخلها (إش ١٩ : ١).

وفى العهد الجديد نرى منظر السحابة على جبل التجلى (متى ١٧ ) . وعند الصعود ، وكذلك عند المجئ الثانى أيضاً (راجع أع ١ : ٩). وقد عبر القديس بولس عن وجود القديسين والملائكة حول المؤمنين بقوله : ” لذلك نحن أيضاً إذ لنا سحابة من الشهود بمقدار هذه محيطة بنا لنطرح كل ثقل والخطيئة المحيطة بنا بسهولة ولنحاصر بالصبر في الجهاد الموضوع أمامنا ” (عب ١٢ : ١)

بعد هذا نختم هذا التصدير بأنه ليس للرؤى وقت أو زمن محدد . إننا في ظلال عهد النعمة نحيا في المسيح في رؤيا دائمة . هي رؤيا …….. – الذين انتقلوا من الظلمة إلى النور العجيب – والذين يملأهم الفرح السماوي غير الموصوف . ومنذ انتشار بشرى المسيحية وحتى مجيء الرب لم ولن تنقطع الرؤى عن المؤمنين . يرونها بأساليب وصور متباينة . تقويهم عند التجربة وترفع من درجة إيمانهم أو ترد لهم على المشكلات .

فتلهمهم الحل الأمثل لها . في القرن العاشر مثلاً ظهرت العذراء مريم لسمعان الدباغ في حادث جبل المقطم . في القرن العشرين كان الانبا ابرآم اسقف الفيوم يتراءى للمستشفعين به بعد انتقاله . في يوم ٦ هاتور من كل عام تظهر سحب فوق الدير المحرق في ذكرى تكريس كنيسة العذراء التي قامت محل المغارة التي أقامت بها فترة وجودها بديارنا .

في ذكرى عيد أبى مقار بديره المعروف باسمه بوادى النطرون ، وقد حضر أحد البابوات في هذه الذكرى إلى الدير ، ظهر القديس العظيم بشيبته الوقورة فكانت رؤيا إلهية مباركة تماماً كما ظهر موسى وإيليا مع الرب فوق جبل طابور يوم التجلى … أما مارجرجس ، والقديسة دميانة ، والقديس برسوم العريان ؛ فظهروهم في مناسبات أعيادهم معروف للكثيرين

ويقودنا هذا إلى هذا التأمل في مكان القديسين في كنيستنا الخالدة[12].

المتنيح الدكتور راغب عبد النور

كيف نشاهد التجلى

التجلى موضوع عالجه الانسان بفكره وفنه وهو يحول كشف الحجاب عن روائعه ودقائقه … وعبثاً حاول فطاحل الشعراء ، ولم يكن حظ الرسامين بأكثر توفيقاً منهم … واقصى ما استطاعوا هو انهم صوروا ناحية او جانباً من التجلى استطاع خيالهم ان يحسه … والانسان في كل ما يعيه او يتخيله قاصر كل القصور عن ادراك أمور الله العظيم .

طريق واحد يؤدي بنا إلى التجلى ورؤية امجاده ، طريق رسمه الرب اذ يقول الكتاب ” أخذ بطرس ويوحنا وصعد إلى الجبل ليصلى ” . هذا هو طريق الإعلانات . طريق يأخذنا اليه الرب يسوع ويجناز بنا دروبه ويصعد بنا .. لنصلى وسيبقى التجلى ابداً موضوع تأمل وحديث وتعزية أولاد الله ، وسيظل الانسان ابداً في عجز عن وصف مشاهد التجلى لانها ” لا ينطق بها ” (٢كو١٢ : ٤) . ان التجلى هو ما ينطبق عليه قول الرسول بولس ” ما لم تراه عين ولم تسمع به اذن ولم يخطر على بال انسان ما اعده الله للذين يحبونه ” (١كو  ٢ : ٩) .

ومع هذا العجز في إمكانيات البشر في الوصف أو التصوير . أو الادراك أو الإخراج ، فالتجلى هو عطية عذبة وثمرة حلوه لعبادة يقودنا فيها الرب ويصعد بنا في رفعة الجبل ووحدته .

لان الرب هو الذى امسك بالرسل ، وقادهم ، وارتفع بهم إلى القمة ليصلوا معه ويدركوا إلى ما يريدهم ان يدركوه . ” اخذ بطرس ويعقوب ويوحنا وصعد إلى جبل ليصلى ” . وإذ يصلى الرب نصلى نحن ايضاً معه ” كنت في الروح وفى يوم الرب وسمعت ورائى صوتاً عظيماً كصوت بوق ” (رؤ ١ : ١٠) . واننا نؤمن ان إعلانات السماء للمؤمنين في كل جيل هي مظاهر جديدة أو معادة للتجلى ، ويبقى التجلى على مر الأيام والسنيين ينبوع تعزية وتشجيع للمؤمنين ينهلون من معين اختباراته نهلاً .

ان الصلاة هي احدى وسائط الشركة بالرب المجيد والممجد من السمائين على الجبل ليشاركوه الصلاة .

والصلاة هي شركة في الطبيعة الإلهية ، وخروج بالإنسان من شركة الجسد او رباطات الظلمة … هي تحرير للقلب لينطلق حرا في سماء التسبيح والترنيم . هذه الشركة تأتى فعلاً بالإنسان إلى نور اعلان امجاد الله … لذلك لم يدخل الرب على مخادع الصلاة بانوار تضئ المخدع وتنحصر فيه ، وتشيع القلوب التي تظللها خوافى الرب وتحميها اجنحته ، من نعمته الغنية .

يسوع المثل الأعلى للصلاة

والامثلة الكتابية للصلاة كبيرة ، نتأمل منها ما يتصل بحياة الرب يسوع في الجسد لان الرب سيدنا في كل شيء هو مثالنا الصالح الذى نتبع خطواته . وفى هذا المعنى يقول القديس باسيليوس الكبير في نسكياته ” كل الاعمال ياحبيبى وكل الاقوال التي لربنا يسوع المسيح هي قوانين للعبادة والفضيلة ، فلهذا صار الله انساناً . فيتشبه به كل واحد منا حسب الاستطاعة البشرية ” .

اجمل الأمثلة للصلاة ومجازاة الصلاة وامجاد الصلاة نجدها في حياة الرب يسوع … ولنا فيها تأمل وتطبيق وعزاء … وفضلاً عن صلاة الرب في التجلى نقرأ عن الرب المصلى …

صعد الرب من المعمودية ، كما صعد غيره ، الذين اعتمدوا من يوحنا المعمدان … اما يسوع بعد ان خرج من الماء ” وإذ كان يصلى انفتحت السماء ، ونزل عليه الروح القدس بهيئة جسمية مثل حمامة وكان صوت من السماء قائلاً انت ابنى الحبيب بك سررت ” (لو ٣ : ٢١ – ٢٢) .

وحلول الروح القدس وانفتاح السماء وشهادة الاب هي مجازاة الصلاة وامجاد الصلاة … اليست لنا نفس العطية بعد المعمودية. اذ نولد مرة ثانية ميلاد جديداً في بنوة للاب وابوته العزيزة … وننال ختم الروح القدس بسر المسحة .

وعندما نتأمل جبل التجربة وبريتها ، نتأمل الرب أربعين يوماً يصوم ويصلى ويجرب من ابليس . ثم في نهاية الأربعين يوماً ونهاية التجارب ” ثم تركه ابليس واذا ملائكة قد جاءت تخدمه ” (متى ٤: ١١) .

قيل عن التجارب انها احجار ثقيلة تهوى بنا إلى عمق اليأس أو عمق السقوط، وقيل عن الصلاة أنها السكين التي تفك القيود التي تربطها بالاحجار ، وهى ايضاً الاجنحة التي تطير بنا فوق سلطان التجربة وقسوتها . وبالصلاة نغلب ، وحين نغلب يعطينا الرب مجد الانتصار بالصلاة ” واذا ملائكة قد جاءت تخدمه ” . هذا صدق . لأن الكتاب يقول ” ملاك الرب حال حول خائفيه وينجيهم ” (مز ٣٤ : ٧) .

في جثيمانى حارب الرب وكافح تجربة الصليب . واى تجربة.. ولم يجد الرب رفيقاً أو صديقًا يسهر معه ساعة واحدة . والكأس قاسية مرة ، فتصبب عرقه كقطرات دم . ولنا في جهاد جثيمانى تعزية ما بعدها تعزية ، اذ رسم لنا الرب طريق الصليب . ولابد لنا من الكأس ، ولابد ان نشربها … وان كفاح الرب في جثيمانى هو دعامتنا لكى لا نيأس في جهادنا ، لأن الرب قد تجرب مثلنا في كل شيء  .

وإذ نصلى ونلقى كل همومنا عليه فأنه يقدر ان يعين المجربين ايضاً . ووسط الظلمة تتلألأ انوار ملاك يرسله الرب ليعزينا ، كما جاء ليعزى الرب يسوع في جثيمانى .

هل تكرر التجلى

ان الكتاب لم يذكر الا حادثة واحدة للتجلى ، مع ان الجبل استحوذ على نصف خدمة الرب تقريبًا … قضى الرب اعذب لياليه في أحضان الجبل ، في صلاة وشركة ، فضلاً عن أربعين يوما في الصوم والصلاة .. ولست اظن ان التجلى اقتصر على الحادثة فقط … ان ليالى الرب الطويلة في الجبل ليس لها شهود يسجلون امجادها وروائعها .

اما هذه الحادثة فقد دخل في تدبير الله إعلانها لاسباب واعتبارات ، لذلك اخذ الرب معه شهود التجلى الذين تحدثوا عنه بعد قيامته . وفضلاً عن التفصيل الذى نقرأه في الإناجيل فقد سجله بطرس الرسول في رسالته الثانية ” لانه اخذ من الله الاب كرامة ومجداً اذ اقبل عليه صوت كهذا من المجد الاسنى هذا هو ابنى الحبيب الذى انا سررت به ، ونحن سمعنا هذا الصوت مقبلاً من السماء اذ كنا معه في الجبل المقدس ” (٢بط ١ : ١٧ – ١٨) .

اما الليالى الأخرى التي احتفظ بها الجبل بسرها ، وطوى الكتمان اعلاناتها ، لا نظنها خلت من نواح مماثلة للتجلى ، او صورة أخرى للمجد الالهى الذى للاقنوم الثانى … فيكون التجلى احد المشاهد التي سمح بها ابن الله ، ولم يسمح بأكثر منها . لان شهود التجلى من التلاميذ لا يحتملون اكثر من هذا الإعلان… لانهم بعد جسديون …. اكاد أقول ان التجلى الذى شهده التلاميذ حدده ضعف التلاميذ وقيده ادراكهم .. – اما يسوع فعندما يعتلى عرشه في المجد ، ويأخذ مكانه العظيم ، فحينئذ تجثو باسم يسوع المسيح كل ركبة ممن في السماء ومن على الأرض ، ومن تحت الأرض … ” وليس احد صعد إلى السماء الا الذى نزل من السماء ابن الانسان الذى هو في السماء ” (يو ٣ : ١٣) .

وتغيرت هيئته . الله نور

تغيرت هيئة الرب واضاء وجهه كالشمس ، ولمعت ثيابه لمعان الثلج الأبيض الناصع ، والنور القوى الساطع . وهكذا شاهد الرسل الرب ، بل هذه هي استطاعة الرسل في وصف ما شاهدوه . ان التجلى هو عملية اعلان لنور الله الذى استتر بالناسوت واتحد به ، فأشرق النور الالهى من وجه الرب ، وايضاً من خلال ثيابه . وليس في التجلى اى غرابة على الرب يسوع ، اذا علمنا انه الله ظهر في الجسد … ” والله نوروليس فيه ظلمة البته ” (١يو ١ : ٥) . ” الذى وحده له عدم الموت ، ساكناً في نور لا يدنى منه الذى لم يره احد من الناس ، ولا يقدر ان يراه  ، الذى له الكرامة والقدرة الأبدية . أمين ” (١تي ٦ : ١٦) ، او كما قال الرب عن نفسه ” انا هو نور العالم ”

متى حدث التجلى ؟

في أي ساعات اليوم حدث التجلى … ؟ امساء ام نهارا ، في ظلمة الليل ، ام في سطوع الشمس … ؟ يميل الكثيرون إلىالاعتقاد بأن التجلى حدث مساء ولهم في ذلك اكثر من حجة .. ان الرب عودنا ان يذهب إلى الجبل ليقضى الليل كله فيالصلاة ، ويكون التجلى هو معجزة احدى الليالي .

وايضاً عندهم حتى يكون التجلى واضحاً رائعاً في ظهوره واعلاناته ،تشرق انواره فتتبدد ظلمات الليل الدامس ، وهذا سبب ثان جعلهم يعتقدون ان التجلي حدث ليلاً . ثم ان التلاميذ تثقلوا بنوم ، والنوم عادة لا يكون الا ليلاً … ولا اعتراض على كل هذه الأسباب . الا ان التجلي لا يمنع ان يكون قد حدث نهاراً… لان الرب وأربعين ليلة في الصلاة والصوم يجرب من ابليس … ثم ان امجاده لا يتحتم لإعلانها ان تكون في ظلام الليل… لان الظلام المقارن لا يعلنها ، وكما ان وهج الشمس اللامع لا يقلل من سطوعها .

ان نور الله هو النور الذى تذبل بجواره انوار الشمس … ويصبح النهار المتوهج بالضياء كأنه الليل الدامس اذا ما مست الأرض أضواء الله. وحين فاجأ الرب شاول الطرسوسى وهو في طريقه إلى دمشق بنوره ، اظلمت الشمس بجوار مجد الرب . هذا أقوله ، لاؤكد ان نورالتجلى ، جعل الجبل المقدس يقف وحيدًا متميزًا دونه شمس النهار أو روعة القمر بالليل . ويرى هذا الرأي القديس يوحناذهبى الفم ويقول في ذلك : … ” قد اظلمت الدنيا حول التلاميذ من شدة وهج الضوء الدى انبثق من تجلى الرب . والوقتلم يكن ليلاً بل كان نهاراً ، ولشدة نور التجلى لم يكن شيء حول التلاميذ يمكن رؤيته ، لان نور التجلى اصابهم بذهولوعمى عن كل ما هو غير التجلى ” .

عطية التجلى

هذا النور المجيد الذى انبعث ، كان عملاً الهياً صميماً … الرب يصلى ويستغرق في الصلاة ويوغل في امجادها فتغيرتهيئته ، فالتجلى هو مجد الصلاة وثمرها الشهى … صلاة الابن للأب .

وما هي الصلاة بالنسبة للابن الكلمة الازلي .. ؟

هي اعلان لحقيقة الابن ، انه الذى صعد وهو الذى نزل ، ابن الانسان ، الذى هو في السماء .

فالصلاة اذا هي اعلان لحقيقة جلوس الابن في المجد الاسنى واذا علمنا ان الصلاة للابن الازلى هي حقه في السماء ،وفى الاب ، وفى المجد الازلى والابدى ، لا يدهشنا ابداً انه حين يصلى يستغرق في الصلاة وينطلق النور الالهى الطاهرمن الله في الجسد . وينتشر بلا عائق في الوجه المقدس فيضئ كالشمس ، وينفذ خلال الجسد المبارك والثياب ايضاً ،فتلمع كالثلج . ولم يكن التجلى انعكاساً لمجد السماء على الأرض او سطوعاً لنور يصدر من مكان آخر … بل هو مجدالمسيح نفسه انطلق ليعلن بعض اسرا التجسد ، فاشرق الوجه والجسد اشراق اللاهوت . هذه هي الوحدة الكاملة بيناللاهوت والناسوت ، وحدة الاردة والمشيئة ، وحدة الاتفاق في الصفات .

استطيع القول أن التجلى هو فكاك لبعض صفات الله … والتي كان يعلنها الرب عن نفسه قطرة فقطرة ، في النعمة والحقوالحب … وهو نفسه الإعلان الرائع لبر ابن الله ، ابن الله الذى لم يستطع احد ان يبكته على خطية. ان اللاهوت اعلن نورهخلال الناسوت ، فاستجاب الناسوت لكماله للاشراق والاعلان ، وهذه الوحدة ، وهذا التجاوب سيرتفع على الصليب فيتمام الصفاء من غير عثرة او لوثة … ولو كان الرب وهو في الجسد ابسط الضعفات ، لتعطل اعلان هذا المجد ، وما كانتجلى ، وما كان صلب .

بين المجد والهوان

اضاء وجه الرب بالتجلى ….

هو نفس الوجه الذى لم يرد الرب عنه خزى البصاق  …

هو نفس الوجه الذى انغرست في جبهته الاشواك ….

هو نفس الوجه الذى انهالت على وجنتيه اللطمات …

ان مقاييس الرب في القوة والنصرة والبهاء والمجد ، غير ما اصطلح عليه البشر الماديون … وعند الرب ، ان الصليب بكلما اكتنفه من أسباب الهوان والعار والهزيمة هوسبيل القوة والنصرة والحياة في بهاء المجد …

يقيس الرب الكسب بقدر ما تهب، ويقيس الخسارة بقدر ما تأخذ … ” ان من أراد أن يخلص نفسه يهلكها ومن يهلكنفسه من اجلى يجدها ” (مت ١٦: ١٥) . لذلك فأن الصليب هو طريق النصرة المجيدة التي لامثيل لها في التاريخ.

لم يكن على وجه اسطفانوس ايه علامة تميزه.. إلى ان امسك به المضطهدون فتغير وجه اسطفانوس إلى وجه ملاك .

قبلاً قلنا ان الرب قبيل التجلى بثمانية أيام تحدث بصراحة عن الصليب والموت والقيامة ، ونحن الان امام التجلى والاعلانالصريح عن لاهوت الابن ، فليؤكد الرب للذين يرون مجده أو ” الذين آمنوا ولم يروا ” ان الذى يرتفع على الصليب هو” اللهفي الجسد ” .. الله المجيد في نفسه الذى وضع نفسه ، وهو الذى اطاع حتى الموت ، فهو تطوع وكمل خلاصنا ، بل اننا لا نجد  أروع من الصليب اعلاناً لمجد الله الذى ظهر على الجبل . على الجبل رأى التلاميذ مجد الرب وكانوا خارج دائراته ،اما بالصلب فرأينا مجده ، مجداً كما لوحيد الآب … وبالصليب دخلنا إلى قلب المجد والاعلانات[13]

المتنيح الدكتور موريس تاوضروس

المعاني اللاهوتية والروحية لما جاء في إنجيل القدَّاس

عدد٢ : تغيرت (Metemorphywthy) “تغيرت هيئته قدامهم” .

تركب الكلمة من جزئين (Meta) وتشير إلى التغير والتحول ، و (Morphy) (مورفى) وتعنى الهيئة.على أن كلمة هيئة (مورفى) لا يجب أن تفهم على أنها تشير إلى الشكل الخارجى للشىء . فهناك فى الانجيل كلمة يونانية أخرى تدل على خارج الشىء أو الشكل الخارجى للشىء ، وهى سخيما Schyma . أن كلمة هيئة (مورفى) تعنى طبيعة الشىء وخصائصه التى تميزه . وبهذا تتميز عن كلمة (سخيما) التى تدل على المظهر الخارجى للشىء القابل للتغير ، فمثلا بالنسبة للرجل: ملابسه ، كلماته ، أعماله .أما كلمة (مورفى) التى قيلت هنا عن السيد المسيح ، فهى تشارك فى جوهر الشىء.

فكلمة (سخيما) (الشكل الخارجى) تشير إلى أمر عرضى يمكن أن يتغير ، تاركا الـ “مورفى” بلا تأثر . ولعل ذلك يتضح من الاستعمال المختلف فى اللغة اليونانية للكلمتين، وان كانا يترجمان أحيانا بكلمة واحدة وهى “هيئة” . فلقد جاء عن “المورفى” فى (مر١٦: ١٢) “وبعد ذلك ظهر بهيئة أخرى لاثنين منهم وهما يمشيان منطلقين إلى البرية” وأما عن استعمل كلمة ( سخيما) فلقد قال الرسول بولي “الذين يستعملون هذا العالم كأنهم لا يستعملونه لأن هيئة (سخيما) هذا العالم تزول (١كو ٧: ٣١).

ويستمرهذا التمييز فى العهد الجديد بين الكملتين ، أيضا فى مركباتهما ، ففى الرسالة إلى رومية يقول الرسول بولس “ولا تشاكلوا Suschymatizesthe هذا الدهر (رو ٢: ١٢).أى لا تتشكلوا حسب شكل هذا العالم الزائل . ومن الرسالة الثانية إلى كورنثوس يقول الرسول بولس ” لأن مثل هؤلاء هم رسل كذبة فعلة ماكرون يغيرون شكلهم إلى شبه رسل المسيح ، ولا عجب لأن الشيطان نفسه يغير شكله إلى شبه ملاك نور، فليس عظيما إن كان خدامه أيضا يغيرون شكلهم كخدام للبر” (٢كو ١١: ١٣-١٤- ١٥).

وبلا شك فان التغيير المذكور فى هذه الآيات هو تغير فى الشكل الخارجى وفى المظهر ، فالرسل الكذبة ظهروا فى المظهر الخارجى كرسل المسيح ، والشيطان يتخذ المظهر الخارجى للملاك ، وخدامه الأشرار يغيرون شكلهم كخدم صالحين . وجميع هذه التغييرات تمس أعراض الحياة ولا تمس داخلها أو كيفيتها الجوهرية .

ومن الناحية الأخرى ، فان التغير فى الحياة الداخلية يوصف على أنه تغيير فى الـ “مورفى” Metamorphousthe ـ ويفسر هذا التغيير بأنه تغيير يتم عن طريق “تجديد الذهن ” حيث يقول :”تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم” . وفى غير هذه المواضع التى ذكرناها ، فان الرسول بولس يستعمل كلمة “مورفى” أو مركباتها ، ليشير دائما إلى التغير الداخلى الذى يمس الجوهر وليس الشكل الخارجى على النحو التالى:

(رو٨: ٢٩) “لأن الذى سبق فعرفهم ، سبق فعينهم ليكونوا مشابهين (Summorphous) صورة ابنه ليكون هو بكرا بين إخوة كثيرين” .

(٢كو ٣: ١٨) “ونحن جميعا ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف كما فى مرآة تتغير Metamorphoumetha إلى تلك الصورة عينها ، من مجد الى مجد كما من الرب الروح.

(فى٣: ٢١) “الذى سيغير شكل Metaschymatisia جسد تواضعنا ، ليكون على صورة Summorphon جسد مجده ، بحسب عمل استطاعته أن يخضع لنفسه كل شىء”.

وعن السيد المسيح قيل:

(فى ٢-٦-٧) “الذى إذ كان فى صورة Morphy الله ، لم يحسب خلسة أن يكون معادلا لله ، لكنه أخلى نفسه آخذا صورة Morphyn عبد ، صائرا في شبه الناس .

ونعود الآن للآية التي نحن بصددها ، والتي تتحدث عن تجلى السيد المسيح فتشير إلى تغير هيئة المسيح أمام التلاميذ ، وكيف أضاء وجهه وصارت ثيابه بيضاء كالنور ، فنتساءل :إذا كان التغيير هنا ، كما هو واضح ، هو تغير فى الظاهر ، مس وجه السيد المسيح وثيابه ، فلماذا لم تستعمل كلمة (سخيما) التى تشير إلى التغير الظاهري، واستعملت كلمة (مورفى) التى كما قلنا تشير إلى التغير الباطني؟ وهنا يمكن أن نجيب فنقول:

إن استعمل كلمة (سخيما) التى تشير إلى المظهر الخارجي وإلى ثياب المسيح ، لا تكون كافية للتعبير عن عمق حالة التجلى، ذلك لان هذا التغير الظاهري يحصل على معناه الحقيقي وعلى خصائصه مما هو جوهري في طبيعة السيد المسيح ، أي من طبيعته اللاهوتية.

ان ما يشير أو ينبىء بحقيقة هيئته ، وبصفاته المميزة ظهر بوضوح في تجليه . لقد تجلى فى هيئة تكشف عن لاهوته وتشير إلى ما هو عليه بالحقيقة ، وبتعبير القديس يوحنا اللاهوتي :”كما هو” (١يو ٣: ٢). “لقد ظهر فى المجد الذى كان له مع أبيه قبل أن يكون العالم” (يو١٧: ٥) . ان استعمال كلمة(مورفى) هنا، والتى كما قلنا تشير إلى الحقيقة وليس إلى المظهر الخارجي كان أمرا ضروريا ودقيقا .

لقد كان مدلول التجلى أمرا أخطر من مجرد ما قيل عن تغير هيئة السيد المسيح وأن وجهه أضاء كالشمس ، وأن ثيابه صارت بيضاء كالنور وأن موسى وإيليا قد ظهرا يتكلمان معه. ان التأثير العميق لظاهرة التجلي على التلاميذ ، كان أخطر من كل هذه الظواهر التى تابعت التجلي.

لقد كانت هناك حقيقة وكان هناك عمق في التجلي لا تستطيع كل هذه الظواهر أن تغطيه. ان لاهوت السيد المسيح قد تكشَف وأًعلن للتلاميذ فى وجه السيد المسيح وثيابه البيضاء ، ولكن بما هو أكثر من مجرد رؤية العين .

لا بد أن يكون قد صحب كل هذا اعلان الهى باطني ، كانت هذه المظاهر الخارجية مجرد اشارات وعلامات عليه . لابد  أن يكون قد صحب التجلى اعلان للتلاميذ يؤكد كلمات الآب السماوى “هذا هو ابنى الحبيب الذى به سررت”.لأجل ذلك استعمل القديس متى وهو يتكلم عن التغير، كلمة (مورفى) ولم يستعمل كلمة (سخيما) ، لأن الكلمة الأولى تشير إلى الحقيقة وإلى مار وراء الظاهر والحس، وأما الكلمة الثانية فتشير إلى ما يقع تحت الحس وما يتعلق فقط بالمظهر الخارجى للشىء. من أجل ذلك ينظر الآباء الى التجلى على أنه اعلان عن مجد ملكوت السموات، فجبل التجلى هو جبل الملكوت السماوى المتحقق فى عالمنا الأرضى ، ولهذا يقول مار افرام السريانى:

“أضاء وجهه ليس كما أضاء وجه موسى من الخارج ، وانما أشع مجد لاهوته من وجهه، ومع هذا بقيت أمجاده فيه. من ذاته يشع نوره ويبقى نوره فيه. أنه لا يأتيه من الخارج ليزينه .. ولا يقبله لاستخدامه الى حين.. انه لم يكشف لهم أعماق لاهوته التى لا تدرك وانما كشف لهم قدر ما تقدر أعين التلاميذ أن تتقبل وتميز.

القوم الذين قال عنهم أنهم لا يذوقون الموت حتى يعاينوا صورة مجيئه ورمزه، هم هؤلاء التلاميذ الثلاثة الذين أخذهم معه إلى الجبل وأعلن لهم طريقة مجيئه فى اليوم الأخير فى مجد لاهوته وجسد اتضاعه.

صعد بهم إلى جبل عال لكى يظهر لهم أمجاد لاهوته .. فلا يتعثروا فيه عندما يرونه في الآلام التي قبلها بإرادته ، والتي احتملها بالجسد من أجلنا.

صعد بهم إلى الجبل لكى يظهر لهم ملكوته قبلما يشهدوا آلامه وموته ، فيرون مجده قبل عاره ، حتى متى كان مسجونا ومدانا من اليهود ، يفهمون أنه لم يصلب بواسطتهم عن عجز ، بل لأنه سر بصلاحه أن يتألم لأجل خلاص العالم.

أصعدهم إلى جيل لكى يظهر لهم قبل قيامته مجد لاهوته حتى متى قام من الأموات يدركون انه لم يتقبل هذا المجد كجزاء مع الآب والروح القدس ، وكما سبق وقال عندما ذهب إلى الآلآم لعمله ، كمن لم يكن له هذا المجد ، وانما له هذا المجد منذ الأزل بإرادته “الآن مجدني أيها الآب بالمجد الذى لي قبل إنشاء العالم” (يو١٧: ٩).

ونفس هذه الحقيقة تبدو من استعمال كلمة (مورفى) فى (مر١٦: ١٢) ،حيث قيل أن السيد المسيح ظهر بهيئة أخرى (en etera Morphy) بعد قيامته، لاثنين من تلاميذ. والانجيل لم يتحدث عن هذه الهيئة الأخرى ، ولكن الأمر المؤكد أن وراء هذا الظهور تكشفت للتلاميذ حقيقة لاهوت السيد المسيح[14].

من وحي قراءات اليوم

” فيما هو يصلي صارت هيئة وجهه متغيرة ولباسه مبيضاً لامعا ”     إنجيل عشيّة

+ صلاة التجلّي التي تجعل هيئتنا دائماً مُتَغيِّرة هي صلاة هدوء الجبال وسُمُّوَها بعيدا وفوق كل أمور العالم

+ وصلاة التسليم لإرادة الآب وقبول كل شيء من يده الإلهية

+ هي صلاة الغفران والقلب المملوء محبة للجميع

+ وصلاة الإيمان والتمسك بقوته الإلهية في واقعنا اليومي

+ صلاة تكاد تكون خالية من الأمور التي تزاد لكم لانشغالها بملكوت الله وبرّه

+ صلاة الشركة المُقدَّسة والفكر والقلب الواحد

+ صلاة الجهاد والعرق الذي يتصبب دم

+ أيضا هي صلاة مساكين الله الذين يجدون فيه وحده كل غناهم وكفايتهم

+ هي الصلاة لأجل كل الضالين والتائهين والبعيدين

+ هدفها إدراك غني محبة الله وتدبيره الصالح في الحياة

 

 

 

المراجع

 

١٣- تفسير مرقس ٩- القديس أمبروسيوس – القمص تادرس يعقوب ملطي

١٤- تفسير إنجيل مرقس إصحاح ٩ – القمص تادرس يعقوب ملطي

١٥- المرجع : كتاب العظات الخمسون للقديس أنبا مقار الكبير ( العظة السابعة عشر ) – ترجمة الراهب يونان المقاري

١٦- المرجع : كتاب من مقالات الأنبا أنطونيوس ( صفحة ٤٦ ) – القمص بيشوي كامل – كنيسة مار جرجس سبورتنج

١٧- المرجع : تفسير إنجيل لوقا للقديس كيرلس الأسكندري عظة ٥١ صفحة ٢٥٠ – ترجمة دكتور نصحي عبد الشهيد

١٨- المرجع : كتاب الشهيد إسطفانوس أول شهداء المسيحية للقديس غريغوريوس النيسي ( صفحة ٣٦ ) – ترجمة دكتور سعيد حكيم يعقوب

١٩- المرجع : كتاب المنجلية القبطية الأرثوذكسية ( صفحة ١٥٥ ) – قداسة البابا تواضروس الثاني

٢٠- المرجع : كتاب مفاهيم إنجيلية ( صفحة ١٥٠ ) – الأنبا إبيفانيوس أسقف ورئيس دير القديس أنبا مقار

٢١- المرجع : كتاب القديس بطرس الرسول يعلمني ( صفحة ٣٦ ) – القمص لوقا سيداروس

٢٢- المرجع : كتاب الكنز الأنفس للارشيدياكون حبيب جرجس ( الجزء الثالث صفحة ١٠٥ ) – مشروع الكنوز القبطية

٢٣- المرجع : كتاب العذراء في فكر الآباء (صفحة ٤٠) – إعداد القمص بنيامين مرجان باسيلي

٢٤- المرجع : كتاب مصر تستقبل العذراء ( صفحة ١٩ ) – الدكتور سليمان نسيم

٢٥- المرجع : كتاب مع الرب علي جبل التجلي ( صفحة ١٨ ) – دكتور راغب عبد النور

٢٦- المرجع : كتاب المدلولات اللاهوتية والروحية في الكتاب المقدس بحسب إنجيل متي ( صفحة ١٢٣ ) – دكتور موريس تاوضروس