” إن كان منكم نبي للرب، فبالرؤيا أستعلن له. في الحلم أكلمه وأما عبدي موسى فليس هكذا، بل هو أمين في كل بيتي ” (عد ١٢: ٧)
” إن السيد الرب لا يصنع أمرا إلا وهو يعلن سره لعبيده الأنبياء ” (عا ٧ : ٣)
(ربطتني بكل الأدوية المؤدية إلي الحياة. أنت الذي ارسلت لي الأنبياء من أجلي أنا المريض )
القدَّاس الغريغوري
” يقال عن الأنبياء الطوباويين أنهم عيوننا، إذ سبق فرأوا خلال الإيمان أسرار الكلمة، وصاروا خدامًا لتلك الأمور الخاصة بالأجيال المتعاقبة، فلا يتحدثون فقط عن الأمور الماضية، بل ويعلنون الحاضر والمستقبل…
لأن هؤلاء انتعشوا بالروح القدس، وتكرّموا كثيرًا بالكلمة ذاته، وهكذا كانوا كآلات موسيقى، وكانت لهم الكلمة دائمًا مثل آلة plectrum يعملون معًا في انسجام، وإذ كان الكلمة (المسيح) يحثهم يعلنون إرادة اللَّه، لأنهم لم يكونوا يتكلمون من ذواتهم، ولا حسب أهوائهم[1] ”
شواهد القراءات
(مز ١٠٤: ٨ )، (لو ١١ : ٣٧ – ٥١) ، (مز ١٠٤ : ١٢ )، (مت ١٧ : ١ – ٩ )، (عب ١١ : ١٧ -٢٧)،(٢بط ١ : ١٩ – ٢ : ١ – ٨) ، (أع ١٥ : ٢١ – ٢٩)، (مز ٩٨ : ٥ – ٦ )، (مت ٢٣ : ١٣ – ٣٦)
ملاحظات على قراءات اليوم
+ قراءة اليوم ( ٨ توت ) هي إحدي القراءتين اللتان تختصان بأنبياء العهد القديم ( القراءة الأخري هي يوم ٣٠ مسري تذكار ملاخي النبي )
+ مُحوَّل علي قراءة اليوم كل أنبياء وآباء العهد القديم ما عدا ملاخي النبي ( ٣٠ مسري ) لأن قراءة تذكار ملاخي النبي هي القراءة الخاصة بختم النبوَّة وتمام وكمال رسالة الأنبياء في الإعداد للخلاص لذلك جاءت مع تذكار ملاخي النبي
+ وبينما تُعْلِن قراءة ٨ توت إعلان الأنبياء ورسالتهم نجد علي الجانب الآخر قراءة يوم ٣٠ مسري تكشف عن مجد الأنبياء وكرامتهم
+ القراءة الوحيدة المُتشابهه في القراءتين ( ٨ توت ، ٣٠ مسري ) هي الكاثوليكون
الكاثوليكون في ٨ توت (٢بط ١ : ١٩ – ٢ : ١ – ٨) ، في ٣٠ مسري (٢بط ١ : ١٩ – ٢ : ١ – ٣)
القراءتان تتكلمان عن كرامة ومجد كلمة أنبياء العهد القديم ( وثابت عندنا كلام الأنبياء هذا الذي هو نعم ما تصنعونه إذا تأملتم إليه … بل تكلَّم أُناس بإرادة الله بالروح القدس ) ، وإن كانت الإضافة في القراءة الأولي ( من آية ٤ إلي آية ٨ في الإصحاح الثاني ) تُشير أيضاً إلي دينونة من رفضوا رسالة الأنبياء وذلك لأن هذا اليوم مُحوَّل عليه كل قراءات أنبياء العهد القديم ، بينما يوم ثلاثين مسري يخص ملاخي النبي فقط
+ قراءة إنجيل باكر اليوم (مت ١٧: ١ – ٩) هي نفس قراءة باكر عيد التجلّي ( ١٣ مسري )
وتأتي اليوم (٨ توت ) لأجل ظهور موسي وإيليا مع الرب علي الجبل ، وتأتي يوم ١٣ مسري لأجل التجلَّي ذاته
وهي تُشبه قراءة إنجيل عشيَّة في الأحد الأوَّل من بؤونه بزيادة أربع آيات (مت ١٧: ١ – ١٣) ، وهي هنا تحتوي علي موضوعين : أولهما من آية ١ – ٩ وهي القراءة الخاصة بتجلَّي رب المجد أمام تلاميذه القديسين وهو الجزء المتوافق مع موضوع شهر بؤونه ” الإمتلاء من الروح القدس ” ومجد البشرية في المسيح
أمَّا الجزء المُضاف أي الأربع آيات الزائدة ( عن يومي ٨ توت ، ١٣ مسري ) هو الجزء من آية ١٠ – ١٣ وهي القراءة الخاصة بيوحنا المعمدان ، ولعل السبب في إضافتها هو مجئ الأحد الأول من بؤونه مع تذكار يوحنا المعمدان ( ٢ بؤونه ) ، وهو الذي يوضِّح توافق قراءات بعض الآحاد مع أعياد القديسين المشهورين والأعياد السيدية وأعياد العذراء والملائكة ( يمكن الرجوع لباب نظره عامة في قراءات الآيام )
+ قراءة البولس اليوم (عب ١١ : ١٧ – ٢٧) تُشابه قراءة البولس ليوم ٢٧ بابه (عب ١١ : ١٧ – ٣١) الموافق لنياحة أنبا مقار الأسقف
والواضح أن القراءة الأولي ( ٨ توت ) تتكلم عن موسي النبي ، والقراءة الثانية ( ٢٧ بابه ) تُشير من خلال الأربع آيات الزائدة إلي عمل الله في قديسيه وخلاصه لأتقيائه
+ قراءة الكاثوليكون (٢بط ١ : ١٩ – ٢ : ١ – ٨) تُشبه قراءة الكاثوليكون ليوم ٣٠ مسري (٢بط ١ : ١٩ – ٢: ١ – ٣) ، وتُشبه قراءة الكاثوليكون (٢بط ١ : ١٩ – ٢ : ١ – ٩) للأحد الثالث من شهر بؤونه
وهنا الكلام عن كرامة الأنبياء ( وثابت عندنا كلام الأنبياء ) ووحي النبوَّة ( بل تكلَّم أناس بإرادة الله بالروح القدس )
لذلك جاءت القراءة مع تذكار موسي النبي ( ٨ توت ) ومعه أنبياء العهد القديم وجاءت في تذكار خاتم أنبياء العهد القديم ملاخي النبي ( ٣٠ مسري )
وجاءت في قراءة الأحد الثالث من شهر بؤونه للإشارة إلي أهمَّية الكلمة الإلهية في حياتنا ، ومصير رافضي الخلاص والمُجدِّفين
+ قراءة الإبركسيس اليوم (أع ١٥: ٢١ – ٢٩) تُشبه قراءة الإبركسيس ليوم ٣ مسري (أع ١٥ : ١٣- ٢٩) وهو اليوم الموافق لتذكار القديس سمعان العمودي
وأغلب الظن ما جاء في بداية القراءة هو سبب إختيار القراءتين :
” لأن موسي منذ الأجيال الأولي كان له من يكرز به في كل مدينة ” (أع ١٥: ٢١)
” سمعان قد أخبر كيف افتقد الله أولاً الأمم ” (أع ١٥: ١٤)
كما أنها تُشبه قراءة الإبركسيس (أع ١٥: ٢٢ – ٢٩) للأحد الثاني من شهر طوبة ، للإشارة إلي خلاص الأمم ” أيها الإخوة الذين من الأمم إفرحوا … ”
+ جاء تذكار موسي النبي وزكريا الكاهن اليوم في الدفنار والقطمارس والسنكسار ًوجاء أيضاً في السنكسار شهادة القديس ديميدس
+ الأيام المُحوَّلة علي قراءات ٨ توت
٤ توت نياحة يشوع بن نون ٦ توت نياحة إشعياء النبي
٢٥ توت نياحة يونان النبي ٢١ بابه نياحة يوئيل النبي
٥ كيهك نياحة ناحوم النبي ٢٠ كيهك نياحة حجي النبي
٢٣ كيهك نياحة داود النبي ١٥ طوبه نياحة عوبديا النبي
٢٦ أمشير نياحة هوشع النبي ٢٣ برمهات نياحة دانيال النبي
٥ برمودة نياحة حزقيال النبي ٧ برمودة نياحة يواقيم والد العذراء والدة الإله
٥ بشنس شهادة إرميا النبي ٩ بؤونه نياحة صموئيل النبي
٢٠ بؤونه نياحة إليشع النبي ٢٦ بؤونه نياحة يشوع بن نون
٢٦ أبيب نياحة يوسف النجار ٤ مسري نياحة حزقيا الملك
٢٢ مسري نياحة ميخا النبي
شرح القراءات
قراءات هذا اليوم (نياحة موسي النبي) خاص تقريباً بكل الأنبياء ومُحوّل عليه تذكارات أنبياء العهد القديم ( ما عدا ملاخي النبي )
لماذا إختارت الكنيسة تذكار موسي النبي ليُحَوَّل عليه معظم تذكارات الأنبياء؟
لأن موسي النبي هو رئيس الأنبياء (مجمع التسبيحة ) وليس عجباً في هذا ففي تَجلِّي الرب علي الجبل كانا معه موسي وإيليا وكان الرب يقول عن الناموس ” ناموس موسي ” تكريماً له برغم أنه ناموس الله
والأنبياء ليسوا فقط هم الذين يتنبأون بالمستقبل بل الأهم والأعظم هم الذين يُعْلِنون فكر الله للشعب (إن السيد الرب لا يصنع أمرا إلا وهو يعلن سره لعبيده الأنبياء – عا ٧:٣) لذلك كانت موهبة النبوة في الكنيسة الأولي من أهم المواهب ( وأما من يتنبأ، فيكلم الناس ببنيان ووعظ وتسلية من يتكلم بلسان يبني نفسه، وأما من يتنبأ فيبني الكنيسة – ( ١كو ١٤ : ٣ ، ٤)
وتشارك في نوال هذه الموهبة الرجال والنساء (مريم أخت موسي النبي (خر ١٥: ٢٠) ودبورة (قض ٤ : ٤) – وبنات فيلبس المبشر (أع ٢١ : ٩)
لذلك تُشير قراءات اليوم إلي رسالة الأنبياء في الشهادة للحق والإلتزام بكلام الله لهم والعمل بإرادته والثقة الكاملة فيه وقيادة روح الله لهم كما أنها تشير أيضاً إلي رعاية الله لهم ومجده فيهم ودفاعه عنهم والإنتقام لدمائهم
فنري في المزامير رعايته لهم ( مزمور عشية ) وفعله فيهم ( مزمور باكر ) وإستجابته صلواتهم ( مزمور القداس )
يوضح مزمور عشية رعاية الله لأنبياؤه في حمايتهم من الملوك ومن المعاندين والمقاومين
( لم يترك إنساناً يظلمهم وبكَّت ملوكاً من أجلهم قائلاً لاتمسّوا مسحائي ولا تسيئوا إلي أنبيائي )
بينما يكشف مزمور باكر عن الآيات والعجائب التي أظهرها الله من خلال أنبياؤه ومدي غني عمله فيهم
( أرسل موسي عبده وهارون الذي اختاره جعل فيهما أقوال آياته وعجائبه )
أما مزمور القداس فيُظهر دالة الأنبياء عند الله ومدي إستجابته لصلواتهم
( موسي وهارون في كلمته وصموئيل في الذين يدعون باسمه كانوا يدعون الرب وهو كان يستجيب لهم بعامود الغمام كان يكلمهم )
أما قراءات البولس والكاثوليكون والإبركسيس فتتكلم عن إيمان الآباء والأنبياء وشهادة نبوتهم ( البولس ) ووحي النبوة وأصالتها وروحها ( الكاثوليكون ) وإمتداد النبوة وإنتشارها ( الإبركسيس )
لذلك يسرد البولس أمثلة إيمانية فائقة للآباء والأنبياء وكيف شهدوا في حياتهم وبحياتهم لصدق دعوتهم وكمال محبتهم
( وبالإيمان قرب ابراهيم اسحق حين جُرِّب وقرّب ابنه الوحيد ذاك الذي قبل المواعيد بسببه … بالإيمان موسي لما كبر أنكر أن يُدعي ابناً لإبنه فرعون وشاء بالأحرى أن يتألم مع شعب الله أفضل من أن يتنعم بالخطيئة زمناً يسيراً إذ جعل عار المسيح عنده أنه غني عظيماً أوفر من كنوز مصر )
ويحكي الكاثوليكون معني وحي النبوة وروحها وكيف كان ينقاد الأنبياء بروح الله في كل ما كتبوه
( وثابت عندنا كلام الأنبياء هذا الذي هو نعم ما تصنعونه إذا تأملتم إليه … وهذا أولا فاعلموه أن كل نبوّات الكتب ليس تأويلها فيها من ذاتها خاصة وليست بمشيئة البشر جاءت نبوة في زمان بل تكلم أناس بإرادة الله بالروح القدس )
لكن يحذر أيضاً من التعليم الكاذب وخطورته مثل الأنبياء الكذبة في القديم ودينونة الذين رفضوا طريق الحق المُعلن في أنبياءه القديسين
( وقد كانت أنبياء كذبة في الشعب مثل ما يكون فيكم معلمون كذابون … وكثيرون ينجذبون نحو نجاساتهم ومن قبلهم يُجدّف علي طريق الحق … هؤلاء الذين دينونتهم منذ البدء لا تبطل … لكن نوحاً الثامن المنادي بالبر حفظه وأتي بماء الطوفان علي العالم المنافق )
بينما يوضح الإبركسيس مدي إنتشار النبوة وإمتدادها في كل مكان وموضع
( لأن موسي منذ الأجيال الأولي كان له من يكرز به في كل مدينة في المجامع إذ يقرأونه في كل سبت )
كما يكشف عن روح النبوة في العهد الجديد وقبول الأمم وإختيار خدام عندهم موهبة النبوة (أع ١:١٣) ليعلنوا خلاص الله للكل في العهد الجديد ودخول الأمم حظيرة الإيمان
( حينئذ رأي الرسل والقسوس وكل الكنيسة أن يختاروا رجالاً منهم ليرسلوهم إلي أنطاكية مع بولس وبرناباس يهوذا الذي يُدعي برساباس وسيلاس رجلين متقدمين في الإخوة … لأن الروح القدس قد ارتضي ونحن أيضاً أن لا نزيد عليكم ثقلاً أكثر غير هذه الضرورية احفظوا نفوسكم من ذبائح الأوثان ومن الدم الميت والمخنوق ومن الزني وهذه إذا حفظتم نفوسكم منها فنعم ما تصنعون )
وتأتي دينونة الرب للفريسيين الذين رفضوا رسالة الأنبياء وقاوموا الحق في إنجيل عشية وإنجيل القداس
ولكن بالرغم من عدم توبتهم وضلالهم أعطاهم الرب فرصاً كثيرة للتوبة ومراجعة النفس ولكنهم صلّبوا رقابهم
فيأتي إنجيل عشية من الإصحاح الحادي عشر من إنجيل القديس لوقا في ضيافة أحد الفريسيين للرب وطلبه أن يأكل عنده
( وفيما هو يتكلم سأله فريسي أن يأكل عنده فدخل وإتكأ )( لو ٣٧:١١ )- إنجيل عشيّة
وهذه هي المرة الثانية التي يذهب فيها الرب لفريسي في بيته في إنجيل القديس لوقا بعد زيارته الأولي لواحد منهم وجاءت إمرأة خاطئة في المدينة عند قدميه تقدم توبة بدموع وعتاب الرب للفريسي علي تمسّكه بالشكل ودينونته للمرأة رغم عِظَمْ توبتها وإعلانه غفران خطاياها (لو ٧: ٣٦ -٥٠)
لذلك جاءت المرة الثانية أكثر تبكيتاً لهم على تمسّكهم بالشكل والحرف علي حساب خلاص الناس ورحمتهم وشهادة الحق
(وتتجاوزون عن الحق ومحبّة الله وكان يجب أن تفعلوا هذه وأن لا تتركوا تلك الأخر) إنجيل عشية
والعجيب أن يذهب الرب للمرة الثالثة إلي بيت أحد رؤساء الفريسيين ويدعوهم بوضوح وبطول أناة للبعد عن الشكل والحرف في الإصحاح الرابع عشر من إنجيل لوقا
(و اذ جاء الى بيت احد رؤساء الفريسيين في السبت لياكل خبزا كانوا يراقبونه و اذا انسان مستسق كان قدامه فاجاب يسوع و كلم الناموسيين و الفريسيين قائلا هل يحل الابراء في السبت فسكتوا فامسكه و ابراه و اطلقه ثم اجابهم و قال من منكم يسقط حماره او ثوره في بئر و لا ينشله حالا في يوم السبت فلم يقدروا ان يجيبوه عن ذلك و قال للمدعوين مثلا و هو يلاحظ كيف اختاروا المتكات الاولى)( لو ١٤ : ١-٧)
لذلك جاء لقاؤه الأخير معهم واضحاً وحاسماً ليدين عناد قلوبهم وكمال رفضهم للخلاص بعد الفرص الكثيرة التي أعطاها لهم الرب في لقاؤه بهم في بيوتهم وجلساتهم معه
وهذا هو موضوع إنجيل القداس
( من أجل هذا هأنذا أرسل إليكم أنبياء وحكماء وكتبة فتقتلون منهم وتصلبون وتجلدون منهم في مجامعكم وتطردونهم من مدينة إلي مدينة لكي ما يأتي عليكم كل دمٍ زكيٍّ سُفك علي الأرض من دم هابيل الصديق إلي دم زكريا بن براخيا الذي قتلتموه بين الهيكل والمذبح الحق أقول لكم أنّ هذه جميعها تأتي علي هذا الجيل )
أي أن إنجيل عشية يحكي إحدي إنذارات الرب للفريسيين لرفضهم رسالة الخلاص وجوهر الحياة حسب فكر الله التي كانت موضوع رسالة أنبياء العهد القديم وهدف خدمته لهم
أما إنجيل القداس فالدينونة حضرت لكمال قساوة القلب والعناد والرفض ولن يُدانوا فقط لأجل خطاياهم بل سيحملون مع آبائهم أيضاً وزر خطاياهم ومقاومتهم لمن أرسلهم الله لهم
لذلك يعتبر إنجيل عشية تحذيري لمن يرفض الرسالة وإنجيل القداس حكم نهائي لإستمرار القساوة والعناد
كما يكشف إنجيل القدَّاس عن أخطاء القادة وخطورتها علي الشعب
١- التعليم دون العمل
٢- طلب المُتَّكآت الأولي
٣- ظلم الآخرين بزعم التدقيق في العبادة
٤- إعثار الدخلاء والجُدد
٥-النظرة والإستفادة المادّية
٦- الحرفيَّة
٧- الشكلية
لكن ليس معني هذا أيضاً التعميم ، وإتهام كل الكتبة والفريسيين بالشكلية ومقاومة الحق الإلهي ، فقد رأينا منهم من يقبل كلام الرب ، وشهادة الرب له أنه ليس بعيداً عن ملكوت الله (مر ١٢ : ٢٨ – ٣٢) ، ورأينا من أتي إليه ليلاً (يو ٣) ، ودخل في حوار معه ليتعرف عليه وكيف دافع علانية عن الرب (يو ٧ : ٥٠) ، وصار من شهود موته ودفنه في القبر (يو ١٩ : ٣٩) ، ومن دافع عن الرسل القديسين وحذَّر باقي الكتبة ليتركوهم لئلا يصيروا مُحاربين لله (أع ٥ : ٣٤) ، كما أن حدوث إنشقاق بين الفريسيين حول أعمال الرب وآياته لهو دليل علي شهادة بعضهم للحق (يو ٩ : ١٦) ، وأيضاً منهم من كانوا أمناء في شهادتهم للحق حتي الموت كقول الرب عنهم في ويلاته للكتبة والفريسيين المرائين ” لذلك ها أنا أرسل إليكم أنبياء وحكماء وكتبة، فمنهم تقتلون وتصلبون، ومنهم تجلدون في مجامعكم، وتطردون من مدينة إلى مدينة ” (مت ٢٣ : ٣٤) ، كما لا ننسي كيف واجهوا الصديقيين ليدافعوا عن التعليم الذي يُنادي به بولس الرسول (أع ٢٣ : ٩) ، وأيضاً قَبِلَ الكثيرين منهم الإيمان بعد القيامة وحلول الروح القدس وإنتشار الكرازة (أع ٦ : ٧).
ونرجع لإنجيل باكر فنري إعلان مجد رسالة الأنبياء ومكانتهم في كنيسة العهد الجديد ، كما يأتي إنجيل التجلَّي لأجل ظهور موسي وإيليا مع الرب وقت تجلِّيه
( وتجلي قدامهم وأضاء وجهه كالشمس وابيضت ثيابه كالنور وإذا موسي وإيليا قد ظهرا له يخاطبانه … وإذا سحابة نيرة قد ظللتهم )
فها هي السحابة النيرة كنيسة العهد الجديد في المسيح وفِي تجسده المجيد يظهر الأنبياء بمجد من خلال تجلي ابن الله
ولكن يأتي تساؤل هنا : لماذا إختارت الكنيسة قصة التجلِّي كما وردت في إنجيل متي ، وليس كما وردت في إنجيلي مرقس (مر ٩ : ٢) ، ولوقا (لو ٩ : ٢٨) ؟
رُبَّما يكون السبب هو مجئ ثلاث كلمات أو جمل لم تأتي إلَّا في إنجيل متي (الذي كتب إنجيله لليهود لذلك جاءت قصَّة التجلَّي منه في تذكار موسي النبي) :
١- أضاء وجهه كالشمس وهو إشارة إلي المسيح له المجد شمس البر كما ورد في نبوَّة ملاخي (ملا ٤: ٢)
٢- سحابة نيِّرة كما كانت السحابة تقود شعب الله في خروجهم من أرض مصر، ورحلتهم في البرية بقيادة موسي النبي (خر ٤٠: ٣٤، ٣٥ ، ٣٦)
٣- الذي به سررت وهو التعبير المشهور عن المسيَّا موضوع مسرَّة الآب
” هوذا عبدي الذي أعضده، مختاري الذي سرت به نفسي ” (أش ٤٢: ١)
مُلخّص القراءات
إعلان الأنبياء ورسالتهم ومكانتهم ورعاية الله لهم هو موضوع قراءات هذا اليوم
يعمل الله فيهم وخلالهم ويستجيب صلواتهم ويحميهم من المعاندين (مزمور عشية وباكر والقدّاس)
ويُظهر مجدهم فيه (إنجيل باكر)
ويدين من يقاوموهم (إنجيل عشية والقدّاس )
وهم ينقادوا بروح الله (الكاثوليكون )
وتُعلن حياتهم غني شهادتهم (البولس )
وتُعلنها الكنائس – المجامع اليهودية قديماً – في كل مكان (الإبركسيس )
أفكار مُقترحة لعظات
(١) إعلان الأنبياء
١-مُرسلين من الله (أني أُرسل إليهم أنبياء ورسلاً – إنجيل عشيَّة )
الإرسالية هنا دائمة تعتمد دائماً علي خضوع الأنبياء لفكر الله ورسالته لشعبه وترتكز علي حساسية الأنبياء لصوت الله وإعلانه للشعب كما يقول دائماً ايليا النبي (حي هو رب الجنود الذي أنا واقف أمامه – (٢مل ٣: ١٤ )
٢- مُرافقين لحضوره الإلهي حتي بعد الموت (وإذا موسي وإيليا قد ظهرا له يخاطبانه – إنجيل باكر)
لا عجب في ظهور موسي وإيليا لأن الله ليس إله أموات بل إله أحياء – (لو ٢٠: ٣٨) – مُضْطَهَدين وشهداء رسالتهم (ها أنذا أُرسلُ إليكم أنبياء وحكماء وكتبة فتقتلون منهم وتصلبون وتجلدون منهم) حمل الأنبياء شهادة إعلان الله لهم حتي الموت
(٢) عمل الله معهم وفيهم
١-رعايته لهم (لم يترك إنساناً يظلمهم وبكت ملوكاً من أجلهم … – مزمور عشيَّة)
هذا مثال ونموذج لرعاية الله لكل خدّامه ورعاته ومن كانوا أمناء في إعلان فكر الله لأولاده
٢- فعله فيهم (جعل فيهما أقوال آياته وعجائبه – مزمور باكر)
لا يتوقف الله عن تأييد خدّامه دائماً بعجائبه (يش بن سيراخ ٤:٤٨)، (دا ٢:٤) (أع ٤٣:٢ ) ( عب ٤:٢)
٣- دالتهم عنده وإستجابته لهم (كانوا يدعون الربّ وهو كان يستجيب لهم بعامود الغمام كان يُكلِّمهم – مزمور القدَّاس)
الدالّة هنا هي دالة البنين مع أبيهم وهي دالة الحب التي تتجلَّي بالإيمان والتسليم لفكره وتدبيره الالهي
(٣) من هو النبي وكيف تكون دعوته؟
١- كيف يُزَكَّي النبي؟ البولس
(وبالإيمان قرَّب ابراهيم .. بالإيمان يعقوب … بالإيمان يوسف.. بالإيمان موسي )
يتضح هنا أهميَّة الإيمان في حياة الأنبياء وفِي صدق رسالتهم وقوتها وفاعليتها
٢- كيف يُعْرَف النبي؟ الكاثوليكون
يُقدِّم الكاثوليكون الأنبياء الحقيقين والأنبياء الكذبة وما هي سمات كل منهم
(وليست بمشيئة البشر جاءت نبوة في زمان بل تكلَّم أُناس بإرادة الله بالروح القدس وقد كانت أنبياء كذبة في الشعب … هؤلاء الذين يأتون ببدع هلاك … وكثيرون ينجذبون نحو نجاساتهم )
هنا يتضح الفرق بين النبي الحقيقي والكذَّاب في أمانة الكلمة وقداسة الحياة
٣- تَجلِّي النبوة – الإبركسيس
إنتشارها في كل موضع وفِي كل المجامع
( لأن موسي منذ الأجيال الأولي كان له من يكرز به في كل مدينة في المجامع إذ يقرأونه في كل سبت )
وتتجلَّي أيضاً في قيادة الروح القدس لخدّامه
( لأن الروح القدس قد إرتضي ونحن أيضاً …. )
عظات آبائية
القديس كيرلس الأسكندري
كانوا يغتسلون قبل الطعام كمن يتطهَّرون من كل دنس. لكن هذا العمل كان فيه غباوة شديدة. فإن الاغتسال بالماء مفيد للغاية لمن هم غير أنقياء في الجسد، لكن كيف يمكنه أن يطهِّرالبشر من دنس الفكر والقلب…؟
اَخبِرنا أيها الفرِّيسي الغبي أين قدَّم موسى هذه الوصيَّة؟ أيَّة وصيَّة يمكنك أن تشير إليها بأن الرب شرَّعها لتطالب الناس بالاغتسال قبل الأكل، حقًا إن ماء الرش كان قد أُعطيَ بوصيَّة موسى لأجل التطهير الجسدي، بكونه رمزًا للمعموديَّة التي هي بالحق مقدسة ومطهرة في المسيح. الذين دعُوا للكهنوت اغتسلوا في الماء، إذ هكذا فعل موسى بهرون وباللاويِّين معه.
بهذا أعلن الناموس عن المعموديَّة خلال الرمز والظل، مظهرًا أن كهنوته لا يحمل ما يكفي للتقديس، وإنما على العكس كان في حاجة إلى المعموديَّة الإلهيَّة المقدَّسة لأجل التطهير الحقيقي. لقد أظهر لنا الناموس وبطريقة جميلة أن مخلِّص الكل قادر على التقديس والتطهيرمن كل الدنس خلال المعموديَّة المقدَّسة الثمينة، بالنسبة لنا نحن الجيل الذي تقدَّس لله وصارمختارًا له…
ماذا قال المخلِّص؟
كثيرًا ما انتهز الفرصة ليوبِّخهم، قائلًا: “أنتم الآن أيها الفرِّيسيُّون تنقُّون خارج الكأس والقصْعة، وأما باطنكم فمملوء اِختطافًا وخبثًا” … فإنه إذ كان وقت الأكل والجلوس حول المائدة، قدَّم مقارنة بالكأس والقصْعة (طبق) مظهرًا أنه يليق بالذين يخدمون اللهبإخلاص أن يكونوا أنقياء وأطهارًا ليس من الدنس الجسدي، وإنما أيضًا من الدنس الخفيفي الذهن، وذلك كالذين يخدمون في المطبخ ويعدُّون المائدة إذ يلزمهم إن يغسلوا الأدناس التي في الخارج كما يغسلون حسنًا ما هو في الداخل. أما قوله: “أليس الذي صنع الخارج صنع الداخل أيضًا؟” ، فيعني أن الذي خلق الجسد خلق النفس أيضًا…
لكن الكتبة والفرِّيسيِّن لم يفعلوا هذا… إذ قال المخلِّص: “تُشبهون قبورًا مْبيضَّة تظهر من خارج جميلة وهي من داخل مملوءة عظام أموات وكل نجاسة” (مت ٢٣: ٢٧). لا يريدناالمسيح أن نكون كهؤلاء بل بالحري نكون عُبَّادًا روحيِّين، مقدَّسين، بلا لوم في النفس والجسد. ويقول واحد من الذين في شركتنا: “نقُّوا أيديكم أيها الخطاة، وطهِّروا قلوبكم يا ذوي الرأيين” (يع ٤: ٨). ويتغنَّى النبي داود قائلًا: “قلبًا نقيًا اِخلقه فيَّ يا الله، وروحًا مستقيمًا جدِّده في أحشائي” (مز ٥١: ١٠). مرَّة أخرى يتحدَّث إشعياء النبي على لسان الله: “اغتسلوا، تنقُّوا،اعزلوا شرَّ أفعالكم (نفوسكم) من أمام عيني، كفُّوا عن فعل الشرّ” (إش ١ : ١٦). لاحظوا دقَّة التعبير: “اعزلوا شرّ نفوسكم من أمام عينيَ”. إذ يهرب الشرّ أحيانًا من عيني البشر، لكنه لنيقدر أن يهرب من أمام عينيّ الله. فمادام الله ينظر الخفيَّات، لهذا فمن واجبنا أن ننزع الشرّمن أمام عينيه
إن كان الغير يُعجبون بنا بلا فحص ولا إدراك وبغير معرفة لحقيقة حالنا، فإن هذا لن يجعلنا مختارين في عينيّ الله، العالم بكل الأشياء. لذلك ينصحنا المخلِّص: “الويل لكم لأنكم مثل القبور المختفية والذين يمشون عليها لا يعلمون”. أسألكم أن تلاحظوا قوَّة المثل بوضوح شديد. فإن الذين يريدون أن يحيُّوهم كل الناس في الأسواق، ويحسبوه أمرًا عظيمًا أن ينالوا المتكآت الأولى في المجامع، لا يختلفون قط عن المقابر المختفية التي تبدو من الخارج مزيَّنة حسنًا مع أنها مملوءة كل فساد. أسألكم أن تنظروا كيف يُلام الرياء تمامًا، فإنه مرض خبيث يكرهه الله والناس… ليتنا نكون عبادًا حقيقيِّين لا نطلب أن نرضي الناس، لئلاَّ نُفقد من مركزنا كخدَّام المسيح. يقول الطوباوي بولس: “أف أستعطف الآن الناس أم الله؟ أمأطلب إن أرضي الناس؟ فلو كنت بعد أرضي الناس لم أكن عبدًا للمسيح”(غل ١: ١٠)… كما أن العملات الذهبيَّة المغشوشة مرذولة، هكذا المرائي يحتقره الله والناس
كان الناموس بالنسبة للإسرائيليِّين محزنًا كما اِعترفوا، وقد عرف التلاميذ اللاهوتيُّون ذلك، إذانتهروا الذين سعوا لإرجاع الذين آمنوا إلى الطقوس الناموسيَّة، قائلين: “فالآن لماذا تجُرِّبون الله بوضع نيرٍ على عنق التلاميذ لم يستطع آباؤنا ولا نحن إن نحمله؟” (أع ١٥: ١٠)… وقدعلِّمنا المخلِّص نفسه ذلك، إذ صرخ قائلًا: “تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأناأريحكم. اِحملوا نيري عليكم وتعلَّموا منِّي، لأني وديع ومتواضع القلب، فتجدوا راحة لأنفسكم” (مت ١١: ٢٨-٢٩). إذن يقول بأن الذين تحت الناموس هم تعابى وثقيلوا الأحمال، بينما يدعو نفسه وديعًا لأنه ليس في شخصه شيئًا من الناموس. وكما يقول بولس: “من خالف ناموس موسى، فعلى شاهديْن أو ثلاثة شهود يموت بدون رأفة” (عب ١٠: ٢٨). إذن ويل لكم أيها الناموسيُّون -كما يقول- لأنكم تُحمِّلون من هم تحت الناموس أحمالًا عسِرة الحمل، وأنتملا تمسُّون الأحمال. لأنهم بينما يأمرون بالتزام حفظ وصايا موسى بلا كسر للوصيَّة، ويحكمون بالموت على من يستهين بها، إذا بهم لا يُبالون بتحقيق أصغر الوصايا الهيِّنة. وإذكان ذلك أمرًا عاديًا قال الحكيم بولس موبِّخًا إيَّاهم: “هوذا أنتَ تُسمَّى يهوديًا، وتتكل علىالناموس، وتفتخر بالله، وتعرف مشيئته، وتميِّز الأمور المتخالفة متعلِّمًا من الناموس، وتثق أنك قائد للعميان ونور للذين في الظلمة، ومهذب للأغبياء، ومعلِّم للأطفال، ولك صورة العلم والحقفي الناموس، فأنت إذًا الذي تعلِّم غيرك ألست تعلِّم نفسك؟ الذي تكرز ألا يُسرق أتسرق؟ الذي تقول أن لا يُزني، أتزني؟ الذي تستكره الأوثان، أتسرق الهياكل؟ الذي تفتخر بالناموس، أبتعدِّي الناموس تُهين الله؟” (رو ٢: ١٧ – ٢٣). فإن المعلِّم يُحتقر وتسوء سمعته حينما يكون سلوكه غير متَّفق مع كلماته
آباؤهم قتلوا الأنبياء، وإذ آمنوا أنهم أنبياء قدِّيسون صاروا قضاه ضد الذين قتلوهم. لقد صمَّموا أن يكرموا الذين حُكم عليهم بالموت، وبتصرُّفهم هذا أدانوا من أخطاؤا. ولكن الذين أدانوا آباءهم على جرائمهم القاسية كانوا في طريقهم أن يرتكبوا جرائم مشابهة، بل وأبشعمنها، إذ قتلوا رئيس الحياة، مخلِّص الجميع، وأضافوا إلى جريمة قتلهم له جرائم أخرى. فقد أُقتيد استفانوس للموت، ليس لاتهامه بشيء دنيء، وإنما لأنه نصحهم وتحدَّث معهم ممَّا وردفي الكتب الموحَى بها. وجرائم أخرى ارتكبت بواسطتهم ضد كل قدِّيس كرز بالإنجيل رسالةالخلاص. هكذا برهن الناموسيُّون والفرِّيسيُّون بكل طريقة أنهم مبغضو الله ومتكبِّرون ومحبَّون للملذَّات أكثر من حبِّهم الله، وبكل وسيلة يكرهون الخلاص لأنفسهم، لذلك أضاف السيِّد كلمة” الويل” لهم على الدوام[2]
أيضاً للقديس كيرلس الأسكندري
بينما يُطلب منَّا التعمُّق في فحص أنفسنا حتى ينطبق سلوكنا على أوامر الله وتعاليمه، نجد البعض يشغلون أنفسهم بالتدخُّل في شئون الآخرين وأعمالهم، فإذا وقفوا على خطأ في أخلاق الغير عمدوا إلى نهش أعراضهم بألسنة حدَّاد، ولم يدروا أنهم بذم الآخرين يذمونأنفسهم، لأن بهم مساوئ ليست بأقل من مساوئ الغير في المذلَّة والمهانة، لذلك يقول الحكيم بولس: “لذلك أنت بلا عذر أيها الإنسان كل من يدين، لأنك فيما تدين غيرك تحكم على نفسك،لأنك أنت الذي تدين تفعل تلك الأمور بعينها” (رو ٢ : ١) ، فمن الواجب علينا والحالة هذه أننشفق على الضعيف، ذاك الذي وقع أسيرًا لشهواته الباطلة، وضاقت به السُبل، فلا يمكنها لتخلُّص من حبائل الشرّ والخطيّة.
فلنُصَلِّ عن مثل هؤلاء البائسين القانطين، ولنَمِدْ لهم يدَ العون والمساعدة، ولنَسع ألاَّ نسقط كما سقطوا، فإنَّ “الذي يذم أخاه، ويدين أخاه، يذم الناموس ويدين الناموس” (يع ٤ : ١١). وماذلك إلا لأن واضع الناموس والقاضي بالناموس هو واحد، ولما كان المفروض أن قاضي النفس الشريرة يكون أرفع من هذه النفس بكثير، ولما كنا لا نستطيع أن ننتحل لأنفسنا صفة القضاة بسبب خطايانا، وجب علينا أن نتنحَّى عن القيام بهذه الوظيفة، لأنه كيف ونحن خطاة نحكم على الآخرين وندينهم؟!
إذن يجب ألا يدين أحد أخاه، فإن حدَّثتك نفسك بمحاكمة الآخرين، فاعلمْ أن الناموس لميُقِمك قاضيًا ومُحاكمًا، ولذلك فانت حالك هذه الوظيفة يوقِعك تحت طائلة الناموس، لأنك تنتهك حُرمته.
فكل من طاب ذهنه لا يتصيَّد معاصي الغير، ولا يشغل ذهنه بزلاَّتهم وعثراتهم، بل عليه فقطأن يتعمَّق في الوقوف على نقائصه وعيوبه، هذا كان حال المرتل المغبوط وهو يصف نفسهبالقول الحكيم: “إن كنت تُراقب الآثام يا رب يا سيِّد، فمن يقف” (مز ١٣٠: ٣). وفي موضع آخر يكشف المرتل عن ضعف الإنسان، ويتلمَّس له الصفح والمغفرة، إذ ورد قوله: “اذكرْ أنناتراب نحن” (مز ١٠٣: ١٤)
سبق أن بيَّن السيِّد الخطر الذي ينجم عن نهش الآخرين بألسنة حداد فقال: “لا تدينوا لكيلا تدانوا”، والآن أتى السيِّد على أمثلة كثيرة وبراهين دافعة تحضّنا على تجنُّب إدانة الآخرين، والحُكْم عليهم بما نشاء ونهوَى، والأجدر بنا أن نفحص قلوبنا، ونُجَرِّدها من النزعات التي تضطرم بين ضلوعنا، سائلين الله أن يطهِّرنا من آثامنا وزلاَّتنا.
فإنَّ السيِّد ينبهنا إلى حقيقة مُرَّة مألوفة، فيخاطبنا بالقول: كيف يمكنك نقد الآخرين والكشف عن سيئاتهم وشرورهم، وفحص أسقامهم وأمراضهم، وأنت شرِّير أثيم ومريض سقيم؟! وكيف يمكنك رؤيّة القذَى الذي في عين الغير، وبعينك خشبَة تحجب عينك فلا ترى شيئًا؟!
إنك لمتجاسر إذا قمتَ بذلك، فالأوْلى بك أن تنزع عنك مخازيك، وتطفئ جذوة عيوبك، فيمكنك الحكم بعد ذلك على الآخرين، وهم كما سترى مذنبون فيما هو دون جرائمك.
أتريد أن تنجلي بصوتك، فتقف على مبلغٍ ما في اغتياب الآخرين من مقت وشرٍ؟
كان السيِّد يجول يعمل خلال الحقول النضرة، فاقتطف تلاميذه المبارَكون سنابل القمح وفركوها بأيديهم، ثم أكلوا ثمارها طعامًا شهيًا لذيذًا، وما أن وقع نظر الفريسيِّين على التلاميذ حتى اقتربوا من السيِّد وخاطبوه بالقول: انظرْ كيف أن تلاميذك يعملون في السبت ما ليس بمحلَّل مشروع، نطق الفرِّيسيُّون بهذا القول وهم الذين عبثوا بحُرْمَة القدس، وتعدُّوا على وصاياه وأوامره على حد نبوَّة إشعياء عنهم: “كيف صارت القرية الآمنةزانية؟! ملآنة حقًا كان العدل يبيت فيها، وأما الآن فالقاتلون، صارت فضتك زغْلًا، وخمرك مغشوشة بماء، رؤساؤك متمرِّدون ولُغفاء اللصوص، كل واحدٍ منهم يحب الرشوة ويتبع العطايا، لا يقضون لليتيم، ودعوى الأرملة لا تصلْ إليهم” (إش ١: ٢١ – ٢٣).
بالرغم من هذه المُنكرَات المُخزيات التي ارتكبها هؤلاء الناس، تمادوا في خِزيهم ومكرهم، ودسُّوا لتلاميذ السيِّد المباركين، واتَّهموهم بالتعدِّي على يوم السبت المقدَّس، إلا أن المسيح ردَّخِزيهم، إذ أجابهم بالقول: “ويلٌ لكم أيها الكتبة والفرِّيسيُّون المراءون، لأنكم تعشِّرون النعنع والشبت والكمُّون، وتركتم أثقل الناموس الحق والرحمة والإيمان، أيها القادة العميان الذينيُصفُّون عن البعوضة، ويبلعون الجمل” (مت ٢٣: ٢٣ – ٢٤).
كان الفرِّيسي كما ترى مرائيًا غادرًا، يحاسب الناس على التعدِّيات الواهية، بينما يسمح لنفسه بارتكاب أشد المخازي نكرانًا، وأعظم الشرور فُجورًا، فلا غرابة أن دعاهم المخلِّص: “قبورًا مبيضَّة تَظهر من خارج جميلة، وهي من داخل مملوءة عظام أموات وكل نجاسة” (مت٢٣: ٢٧).
هذا هو شأن المرائي وهو يدين الآخرين، ويرميهم بأشنع المساوئ والعيوب، وهو عن نفسه أعمى، إذ لا ينظر شيئًا، لأن الخشبة في عينيه تحجب الضوء عنه.
إذن يجب أن نعني بفحص أنفسنا قبل الجلوس على منصَّة القضاء للحكم على غيرنا، خصوصًا إن كنَّا في وظيفة المُرشد والمعلِّم، لأنه إذا كان المُربِّي نقي الصفحة، طاهر الذيل، تزيِّنه نعمة الوقار والرزانة، وليس على معرفة بالفضائل السامية فحسب، بل يعمل بها ويسلك بموجبها، فإنَّ مثل هذا الإنسان يَصحُ له أن يكون نموذجًا صالحًا يُحتذَى به، وله عندذلك حق الحُكْم على الآخرين، إذا حادوا عن جادة الحق والاستقامة.
أما إذا كان المُرشِد مهمِلًا ومرذولًا، فليس له أن يدين غيره، لأن به نفس النقص والضعف الذي يراه في الآخرين، كذلك ينصحنا الرسل الطوباويون بالقول: “لا تكونوا معلِّمين كثيرين يا إخوتي، عالمين أننا نأخذ دينونة أعظم” (يع٣: ١) ، ويقول المسيح وهو يكلِّل هامات الأبرار بالتيجان المقدَّسة، ويعاقب الخطاة بشتَّى التأديبات: “فمن نقض إحدى هذه الوصايا الصغرى وعلَّم الناس هكذا، يُدعَى أصغر في ملكوت السماوات، وأما من عمِل وعلَّم، فهذا يدعى عظيمًا في ملكوت السماوات” (مت ٥ : ١٩)[3].
القديس يوحنا ذهبي الفم:
إتضاع موسي النبي
يقول الله عن موسى: “وأما الرجل موسى فكان حليمًا جدًا أكثر من جميع الناس الذين على وجه الأرض” (عد ١٢: ٣). لم يكن من هوأكثر منه اتضاعًا، هذا الذي مع كونه قائدًا لشعب عظيم كهذا، وقد أغرق ملك المصريين (فرعون) وكل جنوده في البحر الأحمركالذباب، وصنع عجائب عظيمة هكذا في مصر وفي البحر الأحمر وفي البرية، وتسلم شريعة عظيمة هكذا، ومع ذلك كان يشعر أنه إنسان عادي، وكزوج ابنة كان أكثر اتضاعًا من حميه؛ أخذ منه مشورة دون غضب. لم يقل له: ما هذا؟ هل تأتي إليَّ بمشورتك بعد أنقمتُ أنا بكل هذه الإنجازات الضخمة؟ هذه مشاعر أكثر الناس، فقد يقدم إنسان مشورة حسنة لكنها تُحتقر بسبب خسّة مركزه، أماموسى فلم يفعل ذلك، وإنما في اتضاع فكره تصرف حسنًا.
ازدرى موسى بالبلاط الملكي (عب ١١: ٢٤ – ٢٦) من أجل اتضاعه الحقيقي، لأن التفكير السليم والروح العالية إنما من ثمرة الاتضاع.أيّ سمو وأي عظمة أن يحتقر موسى القصر الملوكي والمائدة الملوكية؟! فقد كان الملوك عند المصريين يكرَّمون كآلهة، ويتمتعون بغنى وكنوز لا تُقدّر. لكنه ترك هذه كلها، ملقيًا بصولجان مصر، ومسرعًا إلى الالتصاق بالمستعبَدين والمثقَّلين بالأتعاب،الذين يستهلكون كل طاقتهم في الطين وعمل اللّبن، هؤلاء الذين يشمئز منهم عبيده. لقد جرى إليهم، وفضَّلهم عن سادتهم! حقًا إن كلإنسان متضع إنما يحمل روحًا سامية وعظيمة… فإن الاتضاع يصدر عن فكر عظيم ونفس عالية!
ترك موسى هذه القصة – أي قبوله مشورة حميه – للعالم، منحوتة كما على عمود، إذ عرف أنها نافعة لكثيرين… إن كان موسى قد تعلمعن حميه أمورًا لائقة لم يكن يدركها، فكم بالأكثر يحدث هذا داخل الكنيسة؟! (أي يستفيد كل واحد من الآخرين). كيف حدث هذا أنغير المؤمن أدرك أمورًا لم يدركها الشخص الروحي؟[4]!…
أيضاً للقديس يوحنا ذهبي الفم موسي النبي كراعٍ وقائد وشفيع:
قال (الله لموسى) “أصيرك شعبًا عظيمًا” (خر ٣٢: ١٠)، لكنه لم يقبل، بل التصق بالخطاة وصلى من أجلهم. كيف أصلي؟ إنهاعلامة الحب يا إخوتي! كيف صلى؟ لاحظوا أن تصرفه كان كمن يحمل حنان الأم، الأمر الذي أتحدث عنه كثيرًا. لقد هدد الله الشعب الذي دنس المقدسات، لكن قلب موسى اللطيف ارتعب، معرضًا نفسه لغضب الله بسببهم، إذ قال: “يا رب، والآن إن غفرت خطيتهم وإلاَّ فامحني من كتابك الذي كتبت”. بهذا نظر إلى عدل الله ورحمته في نفس الوقت. فبكونه عادلًا لا يهلك الإنسان البار (أي موسى)، وبكونه رحيمًا يغفر للخطاة.
يا لقوة الحب! يا لكماله الذي يفوق كل كمال!
العبد يكلم سيده بكل حرية، طالبًا العفو عن الشعب أو يهلك مع الجموع.
يا لعظم كماله، فإنه يود أن يموت مع الشعب ولا يخلص بمفرده!
” يقول: سهل عليّ أن أهلك معهم عن أن أخلص بدونهم!
حقًا إنه حب حتى الجنون، إنه حب بلا حدود!
ماذا تقول يا موسى؟
أما تبالي بالسموات…؟ نعم، فإني أحب الذين أخطأوا في حقي!
أتصلي أن يُمحي اسمك؟ نعم، فإنه ماذا أقدر أن أفعل أمام الحب؟! ….
لقد نطق بهذا لكونه صديقًا لله، يحمل طابعه (الحب) ! …
هكذا كان الاهتمام الأول للرجال العظماء النبلاء إنهم لا يطلبون ما لأنفسهم بل كل واحد ما لقريبه. بهذا ازدادوا ضياءًاوبهاءًا!
لقد صنع موسى عجائب وآيات كثيرة عظيمة، لكن أمر واحد جعله عظيمًا هكذا هو حديثه الطوباوي مع الله قائلًا: “إنغفرت خطيتهم وإلاَّ فامحني…” …
ماذا فعل موسى؟
أليس هذا هو الذي هرب بسبب خوفه من مصري واحد (فرعون) وذهب إلى منفى؟ ومع هذا فإن هذا الهارب الذي لميحتمل تهديدات إنسان واحد، إذ ذاق عسل الحب بكل نبل ودون التزام من أحد تقدم ليموت مع محبوبيه قائلًا: “إنغفرت خطيتهم وإلاَّ فامحني من كتابك الذي كتبت” …
هكذا هي أحشاء القديسين، أنهم يحسبون الموت مع أولادهم أعذب من الحياة بدونهم[5].
أيضاً للقديس يوحنا ذهبي الفم إيمان الأنبياء
شهود الإيمان :
لنأتى الى موضوعنا الآن ، لماذا قال الرسول بولس : “فإذ لنا روح الإيمان عينه ؟ فبينما أجتاز التلاميذ شرور كثيرة من المضطهدين ،إلا أنهم رغم كل هذا كانوا يترجون الأمور الحسنة فقط ، وبينما كانت هذه الشرور قريبة منهم ، فإن الأمور المرجوة كانت بعيدة عنهم ،وبينما هذه الآلام قد تمت ، فإن خيرات الدهر الآتى قد عاشوها بالرجاء . وما هو الغريب في هذا ، لو أن البعض قد عانى من هذه الآلام آنذاك في بداية الكرازة ، طالما أنه الآن ، بعد كل هذا الزمن الذى عبر ، وبعد أعطيت تأكيدات بالوعود الإلهية ، يوجد كثيرونيعانون من نفس الآلام؟
وليس هذا ما أزعجهم وأثارهم ، بل وأمر آخر ، ليس يأقل منه ، إذ قالوا لأنفسهم إن الحقائق في العهد القديم لم تكن قد نظمت علىهذا النحو ، ومع ذلك فإن جميع الذين أرادوا وقرروا أن يحيوا بالحكمة والبر ، تذوقوا على الفور عطايا ومكافأت الفضيلة . لأن كلالوعود قد تجسدت ليس بعد قيامة الأموات ، وليس في الحياة الأخروية ، بل هنا في الحياة الحاضرة . يقول الكتاب : ” ومن أجل أنكم تسمعون هذه الأحكام وتحفظون وتعملونها .. ، يحبك ( الرب ) ويباركك ويكثرك ويبارك ثمرة بطنك وثمرة أرضك : قمحك وخمرك ونتاجبقرك … مباركاً تكون فوق جميع الشعوب . لا يكون عقيم ولا عاقر فيك ولا في بهائمك . ويرد الرب عنك كل مرض ” . وأيضاً : ” يأمر لكالرب بالبركة في خزائنك وفى كل ما تمتد إليه يدك ، ويباركك في الأرض التي يعطيك الرب إلهك ” . يقول أيضاً أعطى مطر أرضكم في حينه : المبكر والمتأخر . فتجمع حنطتك وخمرك وزيتك ” يقول أيضاً : ” ويلحق دراسكم بالقطاف ، ويلحق القطاف بالزرع ،فتأكلون خبزكم للشبع وتسكنون في أرضكم آمنين ” . وأمور آخرى كثيرة وشبيهه بذلك قد وعدهم الله بها ، وكلها قد أعطاها لهم فيهذه الحياة الحاضرة . إن الأكثر ذكاءً يدرك الإجابة والحل لما قد يبدو متناقضاً لأنهم كانوا يتمتعون بصحة جيدة ، ولديهم حقولمثمرة وأبناء كثيرين وصالحين ، وشيبة قوية ، وتعاقب لفصول السنة هادئ ومريح ، وسنوات سعيدة ، وأمطار نافعة وقطعان من البقروالأغنام ، وتمتعوا بكل ما هو خير وحسن بشكل عام في هذه الحياة الحاضرة ، ولم يترك لهم شيئاً يعتمد على الرجاء ، ولا وعدهم بشئ بعد الموت . إذاً فقد تكون المؤمنون قد فهموا كيف أن أسلافهم قد إمتلكوا كل الخيرات ، بينما بالنسبة لهم فإن المجد ، والمكافأتهي محفوظة في الحياة الأخراوية ، وتحقيق هذه الوعود ، كان يستند الى الإيمان فقط ، لذلك فقد شعروا باليأس ، لأنهم كانوا مضطرين أن ينقادوا إلى التجارب . ولأن الرسول بولس كان مدركاً لهذه الأمور ويفكر فيها ، وكذلك المآسى والشدائد التي مروا بهاوهددت حياتهم ، وكيف أن الله قد وعدهم بالمجازاة عن أتعابهم بعد الرحلة إلى الأبدية ، بينما كافأ أسلافهم في هذه الحياة ، وكانيعرف جيداً مدى إحباطهم بسبب ذلك ، فقد أراد أن يشددهم وأن يعلمهم كيف أنه بالنسبة لأسلافهم هكذا كانت الأمور ، وهكذاصارت ، وكيف نال الكثيرون مكافأتهم بالإيمان ، دون المرور في التجارب أو دون أن يجرب هذا الإيمان ، ولذلك ذكرهم بالعبارة النبويه: ” فإذ لنا روح الإيمان عينه حسب المكتوب آمنت لذلك تكلمت ” قائلاً : كيف أن دواد هذا النبى العظيم الشجاع لم يختبر المكافأة أوالمجازاة ، لكنه عاشها بالإيمان . لأنه إن لم يكن الأمر كذلك ، ما كان له أن يقول ” آمنت لذلك تكلمت ” . لأن الإيمان هو قناعة وثقة راسخة لا تهتز ، ويقين بوجود حياة أخرى نترجاها ، وأمور غير مرئية ، لأن ما يراه الإنسان لا يمكن أن يترجاه في كل الأحوال ، أيإن كان قد آمن بحقائق يترجاها . لكن إن كان قد آمن بما يرجو تحقيقه ، فهذه بالتأكيد أمور غير ظاهرة ، بل ولم يتذوق بعد ما آمن به. لذلك قال الرسول بولس : ” إذ لنا روح الإيمان عينه ” ، وهذا يعنى أن لنا نفس الإيمان الذى كان في العهد القديم . ولذلك يتكلم في مواضيع أخرى ، عن القديسين آنذاك ، قائلاً : ” رجموا ، نشروا ، جربوا ، ماتوا قتلاً بالسيف .. مكروبين مذلين ، وهم لم يكن العالم مستحقاً لهم ” . بعد ذلك يعلمهم كيف إحتملوا العذبات ، لكنهم لم يذوقوا بعد المكافأت ، ثم أضاف : ” فهؤلاء كلهم ، مشهوداً لهم بالإيمان ، وهم لم ينالوا المواعيد ، بل من بعيد نظروها وصدقوها وحيوها ” . وكيف نظروها طالما أن هذه المواعيد لم تتحقق بعد ؟بعيون الإيمان التي تصل إلى أعلى من السماء ، وتنظر كل ما هناك .
لكن عليك أن تنتبه إلى الحكمة الإلهية ، فإن كان الله قد أظهر لهم المواعيد والمكافأت من بعيد ، إلا أنه لم يمنحها لهم على الفور ، حتىيدربهم على الصبر والإحتمال . وهو أظهرها من بعيد ، لكى يقويهم في الرجاء ، حتى لا يشعروا بثقل متاعب وآلام الحياة الحاضرة .
لكن قد يكون من بينكم من هو أكثر إنتباهاً لموضوعنا الذى نتحدث فيه . ويرى أننا لا نتكلم بالصواب بقدر كبير . لأنه – هكذا – يقول– لو أن القدماء لم يتمتعوا بالخيرات والمكافأت بشكل مباشر ، فكيف يعدد لنا هذه الخيرات التي نالوها ، أي فصول السنة الهادئة ،والصحة الجسدية الجيدة ، والأبناء الكثيرين البارين ، الأزمنة السعيدة المفرحة ، الثمار الغنية ، قطعان البقر والأغنام ، وكل الرخاءالمادى والسعة في العيش ؟ ماذا سنقول في هذا ؟ سنقول إن الله قد عامل جموع الشعب الضعيف بطريقة مختلفة ، وبطريقة آخرىعامل الرجال العظام الذين عاشوا آنذاك حياة الفضيلة التي نعرفها في العهد الجديد . لأنه من جهة الكثيرين الذين سحبوا كالحشرات ، ولم يستطيعوا أن ينظروا إلى ما هو أسمى ولا إستطاعوا ان يترجوا خيرات الدهر الآتى ، أعطاهم هذا الرجاء المادى ،حتى تقوى نفوسهم الضعيفة ، ويقودهم بهذه الطريقة إلى ممارسة الفضيلة ، وجعلهم مشتاقين ومتلهفين إلى ممارسة الأعمال الحسنة.
لكن إيليا ، وإليشع ، وإرميا ، وإشعيا ، وكل الأنبياء بشكل عام ، وكل الذين شكلوا خورس القديسين ، والرجال العظام قد دعاهم إلىالسماء ، ليتمتعوا بالخيرات المعدة للذين غيروا في حياة الفضيلة . لذلك لم يشر الرسول بولس إلى الجميع بشكل عام بل أشار إلى الذين إرتدوا جلود غنم وجلود ماعز ، الذين ألقوا في أتون النار ، وفى السجون ، الذين عذبوا ورجموا ، الذين عاشوا في فقر وعوز ،الذين تاهو في البرارى والجبال والمغاير وشقوق الأرض ، الذين عانوا من عذابات لا حصر لها . ثم أضاف أن هؤلاء جميعاً قد ماتوا مشهوداً لهم بالإيمان ، وهم لم ينالوا المواعيد . بهذا قد أظهر لنا إيليا وكل من هو على مثال إيليا ، وليس من الشعب اليهودى . وإذا تساءل البعض ، لماذا لم يذق هؤلاء ولا أعطاهم الآن أيضاً المكافأت المستحقين لها ؟ فليأخذ الإجابة من الرسول بولس نفسه ، لأنه يقول: ” في الإيمان مات هؤلاء أجمعون ، وهم لم ينالوا المواعيد ” ، ثم أضاف : ” إذ سبق الله فنظر لنا شيئاً أفض ، لكى لا يكملوا بدوننا ” لأن الإحتفال مشترك – هكذا يقول – إذ أن فرح النفس أخآذ ومدهش عندما ننال كلنا معاً ، الأكاليل . وهذا ما يحدث في المنافسات الأولمبية ، فإن المصارعين ، والملاكمين ، يتصارعون في فترات زمنية مختلفة ، لكن ينادى بفوزهم ، في نفس اللحظة ، أي في وقت واحد. ويحدث ذلك أيضاً في الولائم. لأنه عندما يحضر بعض المشاركين في نفس المائدة مبكرًا ، والبعض الآخر يأتي متأخرًا . فإن المضيفين الداعين لهذه المائدة ، يترجون الحاضرين الملتزمين ، أن ينتظروا المتأخرين ، حتى يكرمونهم في معيتهم . هكذا يفعل الله ،لأنه عندما دعى كل الذين عاشوا طوال حياتهم بالتقوى ومرضاة الله ، ومن كل أطراف المسكونة ، إلى فائدة روحية واحدة ، فإن الذينرحلوا من هذه الحياة الحاضرة وصلوا إلى هناك ، يحثهم الله على إنتظار كل الذين سيتركون الحياة الأرضيه ، حتى أنه عندما يجتمع الكل معاً حول مائدة واحدة ، يكون المجد ، والفرح الروحى ، هو واحد للجميع . لأنه ، يجب أن نفكر في كم هي عظيمة هذه الكرامة ،حين يكون الرسول بولس وكل المتمثلين به ، وإبراهيم وكل المتشبهين به ، بل والمجاهدين أيضاً ، والذين فازوا بالفضيلة من قبله ،ينتظرون الآن إرتقاءنا وسمونا في الحياة الأبدية[6] .
العلَّامة إوريجانوس
الابرار يستقبلون الأنبياء في الأدوار العليا للعلامة أوريجانوس
أمر منطقي أن يضرب إرميا كما ضرب بولس و كما ضرب السيد المسيح. فضرب فشحور إرميا النبي و جعله في المقطرة التي في باب بنيامين الاعلي. أن المقطرة كانت في باب بنيامين و في الدور الاعلي ( العلوي) . إن نصيب سبط بنيامين من الميراث كان ” أورشليم ” حيث يوجد هيكل الرب ، ذلك كما موضح في تقسيم الميراث الموجود في سفريشوع. بما ان الهيكل كان في سبط بنيامين ، لذلك فإن النبي قد جعل في المقطرة أو بحسب الترجمة من النص الفرنسي : قد القي في الجب الذي في باب بنيامين . و اسم بنيامين معناه ” ابن اليمين. و هذا الباب موجود بالقرب من الدور العلوي عند بيت الرب . و بالرغم من وجود دور علوي في بيت الرب ، إلا أن فشحور لم يلق إرميا في الجب السفلي. أما نحن فإننا نريد ان نأخذ إرميا الان و نصعده الي الدور العلوي من بيت الرب هذا الدور العلوي أقصد به المعني الروحي المرتفع و ذلك كما سأوضح من خلال نصوص عديدة من الكتاب المقدس تؤكد ان الابرار يستقبلون الأنبياء في الأدوار العليا . يذكر سفر الملوك ان ارملة صرفة صيدا التي جعلها الرب لاعالة إيليا استضافة عندها في العلية الموجودة في منزلها (١مل ١٧: ١٩)
المرآة الشونمية التي كانت تستضيف أليشع النبي كلما مر عليها ، عملت له عليه صغيرة لكي يستريح فيها كلما يجئ. (٢مل ٤: ٨ – ١٠). و علي العكس من ذلك فإن اخزيا الخاطئ سقط من الطابق العلوي (٢مل ١: ٢) . يوصيك يسوع المسيح أنت أيضآ ألا تنزل من السطح ، فيقول : ” و الذي علي السطح فلا ينزل ليأخذ من بيته شيئآ ( راجع مت٢٤ : ١٥ – ١٧) .
إذا الوجود في الأدوار المرتفعة و علي الاسطح هو أفضل شيء جاء عن الرسل الاطهار في سفر الاعمال ، أنهم كانوا موجودين في العليه حينما كانوا موجودين للصلاة و التأمل في كلمة الرب و حينما حل الروح القدس عليهم في شكل ألسنة من نار. كذلك الحال بالنسبة للقديس بطرس عندما أراد أن يصلي صعد بطرس علي السطح ليصلي نحو الساعةالسادسة” (أع ١٠: ٩) إذا لم يكن قد صعد علي السطح ، لما استطاع أن يري ” السماء مفتوحة و إناء نازلآ عليه مثلملاءة عظيمة مربوطة بأربعة أطراف و مدلاة علي الأرض”.
نفس الشئ يقال عن المراة التي كانت ممتلئة اعمالا صالحة و التي كان اسمها طابيثا فهي لم تكن في الطابق الأرضيبل كانت في عليه (أع ٩ : ٣٧) حيث صعد أليها بطرس ليقيمها من الأموات . كذلك السيد المسيح حينما كان يستعد ليأكل الفصح مع تلاميذه ، و عندما سأله تلاميذه : ” اين تريد أن نعد لك لتأكل الفصح” أجاب : ” اذا دخلتما المدينة يستقبيلكما انسان حامل جرة ماء . اتبعاه الي البيت حيث يدخل و قولا لرب البيت يقول لك المعلم أين المنزل حيث أكل الفصح مع تلاميذي ، فذالك يريكما عليه كبيرة مفروشة ، هناك أعدا”(لو ٢٢ : ٩ – ١٢) إذا من يريد ان يحتفل بالفصح مثل يسوع المسيح لا يختار أبدآ الطابق الأرضي إنما كل من يحتفل بالعيد مع السيد المسيح لابد أن يكون مرتفعأ وجالسآ في العليه الكبيرة ، في العلية المفروشة في العليه المزينة و المعدة إذا صعدت معه لتحتفل بالفصح يقدم لك كأسالعهد الجديد و خبز النعمة ، يهديك جسده و دمه.
لهذا فإننا ننصحكم بالصعود الي المرتفعات : ارفعوا عيونكم إلي الجبال كل ذلك ، لآن فشحور لم يصعد النبي الي الطابق العلوي بل ألقاه في الجب السفلي[7] .
القديس يعقوب السروجي
موسى يهيئ عرس كنيسة العهد القديم للقديس يعقوب السروجى
+ تأمل في هذا الجبار القابض على الجهات : أية علة دعته لينزل على جبل سيناء ؟
مراحمة جذبته نحو الإنسانية ، ليصبح شبيهاً بها ، وبمحبته جاء ليخطب ، ويأخذ بنت الأرضيين . تاق إلى الجماعة بنت الأبرار ، لأجلجنسها ، ليقترب من قبيلة بيت إبراهيم .وجد بأن الشابة يلعب بها المصريون ، ولم يشمئز ذاك القدوس في الزانية . أرسل وراء الفاجرةليعيدها إليه ، لتتقدس بنت الأبرار باختلاطها معه .
+ محبته الفائقة للبشرية دعته ، فتنازل إلى مستوى إدراكها .برأفته وحنانه ظهر ليخطب ابنة البشر من عشيرة إبراهيم .
هي ابنة الأبرار ، نسبها جليل . شاهدها وهى رمز بنى إسرائيل … لم يأبه هذا القدوس لسيئاتها ودنسها ، بل . دعاها إليه … لكىتتقدس به ، وتنتسب إليه ابنه الأبرار .
جعل من موسى خاطباً ، وأرسله إليها . ليجدد معها العهد فتستقيم … كُلف موسى ليخطبها ، وأرسله كوسيط معها عهداً . نزل موسى اللاوى ، واجترح المعجزات ، وأخذها وصعد . وضع في إصبعها الخاتم الذى استلمه عند شجرة العليقة. خطبها للعلى القدوس ، وأخرجها من مصر ، ليحفظها طاهرة لله … استقبلها على جبل حوريب ، وقدم لها هدايا غير عادية . وسجد القفر لها . عندما دخلته قدم لها قرابينه … عمود هائل من نور لإثارة الطرق أمامها . كان كسراج يرافق العروس ! … أرسل لها العلى المن ، ومن الحو طيور السلوى . قدمت لها الصخرة مياها ، داهمت الطبيعة برفاهيتها. أجمعت المخلوقات كافه على مرافقتها. لمشاهدة العرس الكبير التي سيُقام لها . رفيقاتها أحطن بها ، وسرن معها . حتى جبل سيناء المكان الموعود !
+ استقبلها حوريب واخرج هدايا غير اعتيادية ، وسجدت لها الصحراء بقرابينها عندما دخلت إليها .
كانت البرية كلها قد شعرت لمن خُطبت ، وجاءت كل الطبائع لترافقها وتحتفل بها . كل العناصر حملت الهدايا ، وذهبت أمامها مزدوجة، لتأتى معها عند القدوس . ارتكض عمود النور العظيم لينير أمامها ، ورافق العروس مثل مصباح ، ومشى معها . كانت ترافقها الهدايا كل يوم من الخلائق ، وهى تتنعم بأطعمة فاخرة كان العلو يمدها بالمن الذى أرسله إليها ، والعمق يسمنها بالسلوى التي كانيقدمها لها . كانت تجرى لها المياه المباركة من الصوان ، وكل الطبائع تعول هذه المتباهية . تواعدت كل الخلائق لتذهب معها ليرى العالم العرس الكبير الذى صار لها .
+ تركها موسى امام الجبل وصعد اليه بمفردة .
أصغى لصوت الإله المحبوب الذى أمره بالنزول ثانية . أنزل وأخبر العروس التي أنقذتها من مصر ، وجئت بها . والتي حُملت كمنتُحمل على أجنحة النسور في الهواء . أبلغها مما أقول : جعلتك مكرمة في كل البلاد ، وحميتك من السوء ، فلنتحابب ! يوجد شرط بينى وبينك : القداسة أساس علاقتنا … كونى قديسة عفيفة طاهرة بدون عيب ، نظيفة ونقية ، صافية قلباً وقالباً ،ظاهراً وباطناً . نشيطة معصومة ، هادئة رزينة يقظة ، عاقلة وبهية لا تشوبها شائبة. فإذا أتيت إلى هكذا ، وبهذه الصفات . فستكونين سيدة الكل ، لا يأمرك أحد . وسأعطيك تاجاً فاخراً ، ومنطقة الملوك . وستكونين مخزن القداسة ومنهل الكهنة . ويكون لكوفيك الأنبياء الذى يعلنون الخفايا … فلا الجبابرة يخيفونك ولا السلاطين يُرهبونك … بمثل هذا العهد أرسل العريس موسى …
+ نزل موسى ليأخذ موافقة العروس … دعاها موسى ، وسألها بحضور الشيوخ . أبتهجت الفتاة ، وأبدت رغبتها للذهاب معه . وتأكد موسى أنها بإرادتها وافقت . فعاد إلى الجبل فرحاً ينقل ما تم لربه . وهتف : ربى ، إن الفتاة مستعدة لكل ما طلبت ! …
+ ربى قبلت الصبية سرنا كما طلبنا منها ، ولا تعتذر من أن تصير ( عروساً ) بقداسة.
قد أبرمت الشرط الصالح كما أخبرتنى ، وإن هي صادقة كما تقول لن تُسرق . رد على موسى وقال له : عُد إليها وانزل ، وزينها أيضاً ظاهراً وخارجاً . لتلبس من الخارج ( الثياب ) البيضاء لتتزين بها ، ومن الداخل أفكار القداسة لتتجمل بها . لتتقدس لى سرياً اليوم وغداً ، وفى اليوم الثالث آتى عندها بقوة ( خر ١٩ : ١١ ) .
+ نزل موسى وشرع يزين العروس ، وقد تعب وشقو من توبيخ الهائجة . كان يعلم الفاجرة ويأمرها بألا تتدنس ، حتى لا يرى ذلكالختن الخفى . افرشى له القداسة في دربه ليُحتفل به ، حتى تعاينى وجهه بنقاء عندما تستقبليه . ضعى الإكليل المقدس على رأسك عندما يراك ، لتدخلى معه بنقاء إلى خدر النور .
+ نزل إذاً موسى ليزين العروس التي جبلها ، ليراها الختن الذى خُطبت له جميلة . أمرها ولبست ونظر إليها وجملت ، وزينها وصارت بهية ، وحذرها كثيراً ، وأرشدها وثقفها ، وأنهى زينتها . أهتم بها موسى لمدة ثلاثة أيام ، وهو يأمرها ويعلمها بأى نمط ترى ربها . نحت لها كلمات حكيمة ووضعها في فمها ، ( ولقنها ) كيف تجيب المجيد إذا دعاها . موسى مرشدها ومربيها ثقفها ليحرز بواستطها على بشاشة الوجه أمام القدوس . عندما تعلمت بأى نمط ترى الختن ، وأى شكل تلبس امامه عندما تبلغ إليه . ولما تهيأت مدة ثلاثة أيام بقداسة ، خرج الختن من موضعه لينزل عندها
+ دعته العله لينزل قوته على حبل سيناء حتى تتزوجه الجماعة بسبب منظر الكرامة . لو لم ينزل لكانت تقول بعد زناها : مازالت لا أشاهده كيف انتظره ؟ ومادام الأمر هكذا ، فقد ركب حجة الاستعارات ، فذاعت الكلمة : هوذا الرب ينزل على الجبل .
أبان عجباً كما لو كان كله حالاً على الجبل ، وارتجف سيناء ، لأن الجبار القوى مشى على قمته . تصاعد الدخان من كل الجبل لتتأكد بأن النارى حال هناك . ذابت الحجارة بالنار التي شبت فيها ، ليُصدق بأن لابس اللهيب كان هناك . البروق مسرعة والرعود مستمرة والأصوات مخيفة ليجعلهم يظنون بأن الشكينة هناك مد الغيمة الحجاب المضاعف ، ولف الجبل كما لو كان هو هناك داخلهابكل ملئه . فرش الضباب كالمناديل في كل الجهات خارجاً عنها باحترام ، لأنه خدرها . أضرم في الهواء أشعة النور كالمصابيح التي اشتعلت أمامه بالحقيقة كما لو كان لإكرامه …
عندما تيقنت بأنه جاء عندها وحل لديها ، صاغت بعد وقت قصير عجلاً لتزنى به .
+ ترتجف الجماعة وموسى يشجعها خائفاً ، والجبل يدخن والسامى قوى ، وسيناء تحترق . الأصوات مخيفة ، والمناظر عجيبة ،والرعود مسرعة ، والرُتب مصفوفة ، والصفوف ممدودة والطغمات ممجدة . والأفواج محيطة ، والألوف مجتمعة ، والقوات متأهلة ،والسيرافيم يقدسون ، والكاروبيم يرفرفون والمستيقظون ( السماويون ) يطيرون . والمنظر عجيب ، والهيئة عجيبة والشكينة خفية ،والغيمة واقفة ، والنار تشتعل والصرخة عالية . والبهاء منتشر ، والنور مصبوب ، والمجد مسكوب ، والنور منتشر ، والصوت قوىو الضجة تتعالى . وموسى متواضع ، والختن عزيز ، والعروس محتقرة ، والخدر مزين ، والقبة مضروبة والجمال بهى والندماء متكئون ،والعوالم مبتهجة ، والعرس مهيأ ، والمسروقة ترفض العرس . يقف الكاتب ، ويحمل القلم ليوقع الشرط ، وينتظر الختن ، لأن صديقة العجل لم تكن راغبة في عشرته … اخرج الختن ثياب اللهيب العجيبة من صندوق الثياب الخاص بالله الذى أنزله معه . الخدر دافئ بالثياب المنسوجة من قبل اللهيب ، ومغطى بها سرير النار غير الملموس كانت تحيط بها حجُب لا تُلمس ، لكونها قد وُعدت بنوال الله . وكان ممدوداً من خارج ثوب الغيوم المظلم : لونه أسود ، وجسمه متلبد ، وبأسه هزيل . انزاحت الريح قليلاً لتسمح للجماعة حتى ترىهذا الجمال الموجود داخلها . في الداخل ضباب ونار محترقة ، وعلى قمة الجبل وخارجه يوجد هواء متلبد إكراماً لها . كان المجد مستتراً في أساس الغيوم الذى كان يظهر ولا يظهر كما هو… سترت الغيمة داخلها بهاء وجهه عندما كانت تدخل قليلاً من الضوء على المشاهدين. كان يفيض من أكنافها نور مبارك : جزء قليل من المجد الذى شاهد الشعب . عندما فاض الضوء ليظهر منعته الغيمة ، لقد دخل جبل سيناء ، وهوذا الرمز يسنده لئلاً يذوب . عندما كان يظهر قليل من المجد من الضباب كانت الغيمة تمنعه ، لئلاً يفيض على المشاهدين . كانوا يرونه ولا يرونه بالضبط حتى يشتعل أيضاً المجد الداخلى في أفكارهم . ذاك المشهد الذى كان مستتراً عن عيونهم صار دافعاً ، ليعرفوا بواسطته بأن الذى في الداخل هو أعظم . كان يدور قليل من الضوء في الضباب ، وكانوا خائفين ، لأنه لو فاضل أحرق العالم . كانوا يرونه من خلال غطاء الغيمة ، ولأنه كان مستتراً كان يحير جميع من كانوا حوله. عندما يكون الشئ بعيداً ومستتراً يكون ثميناً جداً ، ولهذا صارت الغيمة ستاراً للجبل . تصاعد الدخان ليظهر بأن النار لبدت الضباب هناك ليبرد اللهيب . صدرت الأصوات كما لو صرخ القرن عنده ، فأرتجف الجبل كنا يرزح أحد تحته ثقله . حدث الدخان ليظهر اللهيب ، وأرعد سيناء كما لو كانت شكينته حالّة فيه. أرتجت هناك أصوات السماويين الصاخبة ، لأن رب الأعالى حل في الجبل مع معسكره . ارتجت الخلائق بالأصوات والرؤية الرهيبة ، لأن رب البرية حل في سيناء وفى الضباب انتشرت الرعود بعيداً على قمة الجبل ، وأشارت صارخة : الملك موجود هنا . صرخت الأبواق بقوة داخل الغيوم ، ليجعل الخارجيين يظنون بأنه موجود في الداخل . عندما دار ضوء النار داخل الضباب ، طرده الغيم لئلا يفيض خارجه . عندما سُكب اللهيب على قمة الجبل ، أغلقته الغيمة لئلا ينهمر على السفليين . عندما كانت ترتفع أمواج الجمرات على قمم سيناء ، كان الهواء العليل يستقبلها بسرعة. كانت الغيمة في الخارج ، وكان اللهيب داخله لتبردالحرارة بالبرودة . كان يلتهب المنظر الرهيب على قمة الجبل ، وكان يختبئ لئلا يظهر بقوة . كان النور مربوطاً في كنف الغيوم المضاعب ومجتمعاً ومحتوياً لئلا يغرق كل الأرض .
+ هذا هو السر العظيم ! إنه يحير العقول ويفتن الألباب …
ألم ينزل فادى البشر ، المسيح الرب ، من عليائه . كما نزل موسى من الجبل ؟ أو ليست وساطة موسى رمزاً لوساطة ابن البشر ؟ أنصتوا أيها الحكماء إلى ما قيل: ” وسيقيم لكم الرب نبياً مثلى ، به نجت ابنة إبراهيم من مصر . وبه خُطبت لتكون عروسا ًللقدوس . إن المسيح أصبح وسيطًا بين الله والبشر بفدائه غفر الآب للجنس البشرى. فالأبن نزل لينقذ أعادها البشرية. أعادها إلىابيه نقيه ، مطهراً إياها . ألبسها ثياب البر، أنقذها وطهرها وخطبها أليس موسى ابنة يعقوب الثياب البيضاء ، رمز النقاوة . وألبسالمسيح النفس الطهارة بمياة المعمودية. قدس موسى شعبه مدة ثلاثة أيام وبالرب يسوع دامت القداسة إلى الأبد. قدمه الذكى المسفوك وجسده الطاهر ما زال يمثلانه إلى نهاية العالم. ولكى يرمز موسى إلى هذه الحقيقة تجرأ أن يدعو الله ابن الله” نبياً مثلى[8] ” .
القديس جيروم
كل إنسان يسلك لكي ينظره الناس هو كاتب وفرّيسي… ويل لنا نحن البائسين ورثة رذائل الفرّيسيّين. عندما أعطى الله شريعته لموسى وأوصى “اربطها علامة على يدك، ولتكن عصائببين يديك” (تث ٦ : ٨). وهذا هو المعنى: لتكن تعاليمي على يدك لتتأمّلها نهارًا وليلًا؛ لكن الفرّيسيّين فسّروا الوصيّة حرفيًا فكانوا يكتبون الوصايا العشرة على أربطة صغيرة من الجلد ويطوُونها ويربطونها على رؤوسهم ليحملوها كل يوم أمام الناس. هذه العادة نشاهدها في أيامنا هذه عند الهنود والبابليّين الذين يحملون هذا التاج ليعبروا به أمام الناس… وكانت هذه الأربطة تسمى Phylatères، وهي كلمة مأخوذة عن اليونانيّة تعني “حماية”. وحسب مفهومهم أن من يحملها يقتني حماية خاصة. هكذا لم يفهم الفرّيسيّون أنه يجب حمل الوصايا في القلب وإنما على الجسد. هذا وكانت خزائنهم وصناديقهم مملوءة كتبًا، ولكن ليسلهم معرفة الله[9]
القديس أغسطينوس
فى (فصل) الانجيل ، خاطب يسوع اليهود وقال لهم : ” ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون ؛ لأنكم تبنون قبور الأنبياء وتزينون مدافن الصديقين ، وتقولون : لو كنا فى أيام آبائنا لما شاركناهم فى دم الأنبياء . فأنتم تشهدون على أنفسكم أنكم أبناء قتلة الأنبياء . فاملأوا أنتم مكيال آبائكم “(مت ٢٣: ٢٩ــ ٣٢)
ان قولهم : ” لو كنا فى أيام آبائنا لما شاركناهم فى دم الأنبياء ” يؤكد أنهم أبناء قتلة الأنبياء . ولكن بالنسبة لنا اذا وجهنا مسارنا على نحو قويم ، فلن نقول : ان آبائنا هم قتلة الأنبياء ؛ بل بالأحرى نقول : ان آبائنا قتلوا بواسطة الآباء الذين كان يخاطبهم الرب . تماما مثل انسان ينحط بسبب أخلاقه ، فهو أيضا يكسب البنوة بسبب أخلاقه . أيها الاخوة ، لأننا دعينا أبناء ابراهيم بالتأكيد ــ رغم أننا لمنرى وجه ابراهيم ولا استمددنا نسبنا من أصله العرقى ــ ففى أى شكل نحن أبناء ابراهيم ؟ ليس فى اللحم ولكن فى الايمان ؛ اذ ” آمن ابراهيم بالله فحسب له برا ” (رو ٤: ٣) ، وأيضا فى (تك ١٥: ٥) لذلك ان كان ابراهيم انسانا بارا لأنه آمن ، فان الذين يحاكمون ايمان ابراهيم قد صاروا أبناء ابراهيم . ورغم أن اليهود مولودون منه بالجسد ، الا أنهم قد فقدوا بنوتهم . ولكننا اكتسبنا ( البنوة لابراهيم ) بالتشبه بما فقدوه ( اليهود ) بسبب فسادهم ، رغم أننا مولودون من غرباء . ومع أنهم ينحدرون من نسل ابراهيم بالجسد ،الا أنهم بعيدون كل البعد عن كون ابراهيم أبا لهم . ان آبائهم هم الذين اعترفوا عندما قالوا : ” لو كنا فى أيام آبائنا لما شاركناهم فىدم الأنبياء ” (مت ٢٣ : ٣٠) . وكأن الرب كان يقول لهم : كيف لم تشتركوا مع أولئك الذين تدعونهم آبائكم ، لأنهم ان كانوا آبائكم فأنتم أبناؤهم ، وان كنتم أبناءهم فأنتم تشتركون معهم ؟ ومن ناحية أخرى : ان لم تشتركوا معهم فلستم أبناءهم ، وان كنتم لستم أبناءهم ،فليسوا آباءكم . ولذلك من الحقيقة ذاتها أنهم دعوا قتلة الأنبياء آباءهم ، وقد أوضح لهم الرب أنهم فعلوا ما اقترفه قتلة الأنبياء ؛ اذ قاللهم : ” فأنتم تشهدون على أنفسكم أنكم قتلة الأنبياء ، فاملأوا أنتم مكيال آبائكم (مت ٢٣: ٣١)[10] .
القديس غريغوريوس النيسي
التقدم غير المحدود
نحن هنا أمام موسى ، ذلك الرجل الذى استمتع بعدة رؤى فيها رأى الله بوضوح ، ويصف ذلك كأنه امام الله وجها لوجه كما يتحدث الصديق مع صديقه ، ولكنه تجاسر بعد ذلك وطلب أن يرى الله وسأله أن يكشف له ذاته كما لو كان مرئيا ، وقد أخبره الله ” هوذاعندى مكان فتقف على الصخرة . ويكون متى أجتاز مجدى أنى أضعك فى نقرة من الصخرة . واسترك بيدى حتى أجتاز . ثم ارفعيدى فتنظر ورائى وأما وجهى فلا يرى ” (خر٣٣: ٢١-٣٣) وتأكد موسى أن هذا الوعد بصوت الله شخصيا وليس ما سمعه كان خيالا. ونحن لو فسرنا ذلك حرفيا لكان اكتشاف الأمر صعبا وسيكون التفسير متعارضا مع طبيعة الله لأن الله ليس له أمام وخلفلأنها أبعاد محدودة مثل أى جسد ، ولكن الله غير محدود ولذلك فليس له أى أبعاد ، ولو نسبنا لله أى أبعاد فاننا سوف ننسب لهالطبيعة الجسدية ، وكل الطبيعة الجسدية هى مكونة والطبيعة المكونة توجد بأتحاد أجزائها المختلفة ، والشىء المركب لا يمكن أن يكونغير فاسد وكل ما هو فاسد لايمكن أن يكون آبديا لأن الفساد هو انفصال الاجزاء من تكوينها . ولذلك لا يمكن أن نأخذ كلمة خلف الله بالمعنى الحرفى ، لأن الأمام والخلف كما قلنا هى أبعاد خاصة بالأجساد مثل العناصر كلها قابلة للفساد ، واذا اكتفينا بالتفسيرالحرفى فاننا سوف ننحرف فى نسبة الفساد لله وحاشا لأن الله غير جسدى وغير قابل للفساد .
ولذلك يجب أن نعرف ما يرمز اليه النص وهذه هى طريقتنا فى تفسير ذلك النص والنصوص الأخرى أيضا وتفسير النص كما يلى: أن كل الأجساد ثقيلة وتنجذب الى أسفل وعندئذ تجد أمامها عقبة فى الارتفاع والانتقال الى فوق الى السماء ولذلك يلزم أولا الانفصال عن الأرض ثم ضرورة أن تأتىقوة من فوق لتجذب الانسان الى أعلى السماء . وهذا ما عبر عنه بولس الرسول ” أفعل شيئا واحدا اذ أنسى ما هو وراء وامتد الى ماهو قدام ” (فى٣: ١٣) وهذا هو ما يعلمنا اياه الرسول بولس ان الروح تستمر تحلق الى فوق ولكن هناك حدا تقف عنده الروح ولاتستطيع أن تتخطاه حتى مع رغباتها فى ذلك وهذا هو ما حدث مع موسى النبى الذى استمر فى تسلق الجبل ولم يصنع لنفسهحدودا فى صعوده ولكنه فقط وضع رجليه على ذلك السلم الذى يصل الأرض بالسماء واستمر فى الصعود ” واذا سلم منصوب علىالأرض ورأسها يمس السماء وهوذا ملائكة الله صاعدة ونازلة عليها وهوذا الرب واقف عليها ” (تك٢٨: ١٢-١٣) هذا السلم الذى كشفهلنا يعقوب ابتدأ موسى فى الصعود عليه درجة تتلوها درجة واستمر فى الصعود الى أعلى لأنه اكتشف وجود درجات أخرى يمكن أنيصعد اليها بعد تلك التى وصل اليها . ان موسى النبى رفض أن يحيا كأبن لأبنه فرعون ، ولما ذهب لينتقم لليهود لم يوفق فى ذلك فأنتقل ليحيا فى البرية بلا خلطة مع أى من البشر وأشتغل فى رعاية الغنم الأليفة ليجد لنفسه مرعى هناك . ورأى نور العليقة المشتعلة ولم يحترق حينما أقترب لينظر ذلك بعد أن خلع حذائه . وقاد موسى أهله وعشيرته الى الحرية وراى الأعداء يغرقون تحت موج البحر ،وعاش على سفح الجبل فى السحاب ، وروى عطشه من الماء الخارج من الصخرة وحصد الخبز النازل من السماء ، وحارب العدو حينرفع يديه الى فوق وسمع صوت البوق ودخل فى الظلام ونفذت رؤيته ليعاين خيمة الأجتماع غير المصنوعة بيد بشرية ، وتعلم أسرار الكهنوت وحطم الآوثان وتوسل الى الله وأخذ لوحى الشريعة بعد أن حطمهما بسبب خطية اليهود وأشرق وجهه بالمجد وارتفع الىأعلى ، وظل يشتهى الصعود ويتوق الى الملء الكامل وكأنه لم يحصل على شىء ، وظل يتوسل الى الله أن يعطيه أكثر فطلب من اللهأن يكشف له ذاته بأى صورة أو طريقة وهنا طلب موسى الله ذاته . ورغم أن موسى النبى قد أختبر الكثير واملأت نفسه بالخبراتالروحية العظيمة وكان يتقوى بالرجاء الفائق ليرتفع فوق الجمال الذى لمحه ، الا أنه كان يلتهب شوقا ليرى ما هو مخبأ وهذه هى المحبةالمتقدة للجمال الالهى التى تتسلق المرتفعات لتصل الى الصورة الآصلية الذى هو الله وليس فقط خلال المرآه أو الانعكاس.
ورغم أنطلب موسى قد رفض حين قال له الله ” لا تقدر أن ترى وجهى لأن الانسان لا يرانى ويعيش ” (خر٣٣: ٢٠) الا أن الله تحدث معه في كلمات قليلة لكى يكمل له جزء فقط من رغبته وهذا ليس معناه ان روية الله تسبب الموت لأنه كيف يصير وجه الحياة سبب موت لأولئك الذين يقتربون منه، ولكننا نقول أن الله هو مانح الحياة ، وهذا يعنى أن الانسان الذى يظن أنه ممكن أن يدرك طبيعة الله أنه كاذب وقد انحرف من الوجود الحقيقى الى الخيال ، لأن مانح الحياة يفوق المعرفة وأن ما يحصل عليه عقلنا فى ذلك ليس هو الحياة ولذلك لم يستطع موسى النبى أن يرى الله فى جوهره وطبيعته والا كانت طبيعة الله محدودة ، لأن كل شىء هو محدود بشىء آخر فالطيورمحدودة بالهواء ، والسمك محدود بالماء ، وحدود السمك محدودة بسطح الماء المحيط به وهذا هو وعاؤه ، وهكذا أيضا الطيور بالهواء الذى هو وعاؤها أيضا . وهكذا اذا خدعنا وقلنا أن الله محدود فيجب أن يكون محدودا بشىء آخر والوعاء دائما يكون أكبر من الشىءالموجود داخله . ولكن كل أحد يتفق معنا أن الله هو الجمال والخير ، وكل ما هو مختلف عن الجمال والخير سيكون غير جميل وغيرصالح ، واذا عرفنا أن الوعاء يجب أن يكون أكبر من الشىء الذى بداخلع وهذا يقودنا الى الانحراف بأن نقول أن الله محدود بالشر وسينحرفون أيضا بالقول أن الجمال سوف يتحول ويتغير . ولذلك علينا أن نتأكد بأن طبيعة الله غير محدودة وكل ما هو غير محدود هو فوق ادراكنا المحدود . وكل رغبة فى الصعود نحو غير المحدود الذى هو الله لا يمكن أن تكمل بالتمام بل هو مجرد سعى فقط لأن نثبتعيوننا لرؤية السمائيات ونضع فى أنفسنا الرغبة فى أن نرى ونرى المزيد . ولا يوجد أى حدود فى تقدمنا نحو الله ، لأنه أولا لا يوجدأى حدود للجمال الالهى ثانيا لأن زيادة رغبتنا لهذا الجمال لا يمكن أن تقف عند حدود رضا الحواس فقط .
– ما ترمز اليه الصخرة والنقرة
ما هو المكان الذى يمكن أن نكون فيه مع الله ؟ وما هو معنى الصخرة؟ وما هو معنى مرور الله ؟ وما هو معنى الخلف الذى وعد اللهموسى بأن يراه حين طلب أن يرى وجهه ؟ كل هذا سطره سفر الخروج (خر٣٣: ٢١-٢٣) وكل معنى هذه الأشياء يرمز الى شىء عميق ومهم ويشير الى غنى الله الذى يوهب للانسان . لأنه بعد كل هذه الرؤى التى منحت لموسى خادم الله أعطى له هذا الوعد العظيم الرائع . ان موسى النبى وصل الى هذه القمة بعد صعوده درجات كثيرة ونحن نسترشد بما وصل اليه لنصل نحن أيضا لأن ” كلالأشياء تعمل معا للخير للذين يحبون الله ” (رو٨: ٢٨) .
أنظر الى قول الله لموسى النبى ” وقال الرب هوذا عندى مكان ” (خر٣٣: ٢١) وحينما يتحدث الله عن المكان لا يقصد قطعة من الأرضلها مساحة محدودة ولكن الله يقود القارىء الى الحقيقة غير المحدودة بأى حدود وهذا هو معنى النص أى نتقدم بلا حدود وبلا قيودنحو البر حسب تزايد شوقنا نحو ذلك . هذا هو المكان الفسيح جدا بلا نهاية لمن يسير فيه . ومن ناحية أخرى فان هذا المسير ثابتلأنه فوق الصخرة ” فتقف على الصخرة “(خر٣٣: ٢١) وهنا نحن نجد أنفسنا أمام تناقض نريد أن نفسره وهو كيف يكون المسير والحركة شيئا واحدا مع الثبات ، لأنه لا يمكن أن يكون الانسان واقفا وجالسا فى آن واحد . ولكن المعنى هو أن الانسان حين يتقدمأكثر فى طريق الكمال فانه يصير كأنه ثابت لم يتحرك وكأنه لم يدرك أى شىء بعد نظرا لعدم محدودية الكمال ، ويستحيل علىالانسان أن يحلق فى أعلى الفضيلة اذا انزلق وسقط فى الخطية وعندئذ يظل يتخبط كما يقول الرسول بولس ” كى لا نكون فيما بعد أطفالا مضطربين ومحمولين بكل ريح تعليم بحيلة الناس بمكر الى مكيدة الضلال ” (أف٤: ١٤) هؤلاء مثل البشر الذين يحاولون أنيتسلقوا الجبال الرملية فهم يفقدون كل قواهم لأن أرجلهم سوف تنزلق الى قاع الرمل ويفقدون كل طاقتهم ولا يصنعون أى تقدم ،ولكن هكذا يقول المزمور ” أصعدنى من جب الهلاك من طين الحمأة وأقام على صخرة رجلى ثبت خطواتى ” (مز٤٠: ٢) وكأن الله قدانتشلنا من بالوعة الوحل التى هى الخطية الى الصخرة . والصخرة هى المسيح الذى يرمز الى الكمال . فالثبات فى البر الذى هو الله يجعل نفوسنا مثل الطير فى طيرانه نحو السماء يكمل بسرعة مسيرة نحو الهدف[11].
عظات آباء وخدام معاصرين
قداسة البابا تواضروس الثاني
مت (٢٢ : ١٣ – ٣٦ ) أيهما أعظم في نظرك : السماء أم الأرض ؟
وهـذا الأصحاح معـروف عنـه أنـه مـن أصـعـب الأصحاحات مـن حيـث اللهجة التي يتكلم بها السيد المسيح ، وهو يسمى ” أصحاح الويلات “، وكلمة ” ويل ” هي كلمة تحذيريـة كررها المسيح ٨ مـرات فـي هـذا الأصحاح ، ولهذا فإن كلامـه كـان توبيخاً للقادة المرائين، وهذا الأصحاح يقابله أصحاح ويلات أيضاً في العهد القديم في (إشعياء ٥ : ٢٠ – ٢٢) ” ويل للقائلين للشر خيرا وللخير شـرا ،الجاعلين الظلام نـوراً والنور ظلاماً ، الجاعلين المر حلوا والحلـو مـرا . ويل للحكماء في أعين أنفسهم ، والفهماء عند ذواتهم . ويل للأبطال على شرب الخمر ، ولذوي القدرة على مزج المسكر “، وعلى الجانب الآخر يوجد أصحاح تطويبات في بشارة (متى ٥).
الجزء الإنجيلـي بـرغم توبيخه الشديد للقادة اليهود المرائين إلا أننـا مـن الممكن أن نجعـل السـؤال لهذه الفقرة لحياتنا الروحيـة هـو : ” هـل السـماء عظيمـة فـعـلا فـي حياتك ؟” أو بصيغة أخـرى أكثر تحديـدا : ” أيهمـا أعظـم فـي نظـرك السـماء أم الأرض ؟”.
قد نجيب قائلين : ” السماء “، لكن هل هذا فعلا المعنى الحاضر في حياتك ؟
على الرغم من أن جميع الناس وبـدون استثناء تقول أن السماء عظيمة ، ولكن الناس على مستوى العالم كلـه فـي حالـة مـن حـالات الحروب والصراعات الداخلية والخارجية . فقد نسمع مثلا عن الحرب الباردة وهي التي فيها شكل من أشكال التهديد ، ونسمع عن حرب الطعام بأن تحرم بلاد من الطعام . ونسمع عن حرب المياه فقـد يعاني العالم من أزمة المياه . ونسمع عن حرب المعلومات وهكذا . وهذا معناه أن جميع الناس يتحاربون على أمور أرضية ، ومن هنا يسأل السيد المسيح : ” أيهما أعظم الذهب أم الهيكل الذي يقدس الذهب ؟” فالذهب هنا يرمز إلى الأرض ، والهيكل يرمز إلى السماء . إذا مـن الأعظـم فـي نظـرك السماء أم الأرض ؟ ثم سألهم سؤالاً آخر : ” أيهما أعظم القربان أما المذبح الذي يقـدس القربان ؟” القربـان هـو القمـح الـذي يـرمـز لـلأرض والمذبح يرمـز للسماء ،للأسف هؤلاء اليهود سقطوا في عادات شكلية “الرياء “. وأنـت فـي عبـاداتـك الروحيـة خـلال هـذا الصـوم أيهمـا أعظـم عنـدكالسماء أم الأرض ؟ هل أفكارك وأقوالك وأفعالك سمائية أم أرضية ؟
+ من هم الفريسيون :
جماعة الفريسيون يعادلون الحاصلين على أعلى الشهادات ” الدكتوراه “، وكلمة فريسـي تـعـنـي مـفـرز أو مخصص ، وفـي المسيحية معناهـا مكـرس ، وكانت مشكلتهم الشخصية أنهم كانوا يعيشون في خطية مزدوجة وهي خطية الرياء الممزوج بالعناد ، أو العناد الممزوج بالرياء ، بمعنى أن كـل واحـد مـن هـؤلاء الفريسيين بالرغم من تعليمه العالي إلا أنه كان أسلوب حياته وسلوكه مزيج من الرياء المخلوط بالعناد ، لدرجة أنه يرى النور ويقـول عليه ظلام ، ويذوق الحلو ويقـول علـيـه مـر ، وهذا هو العناد هو تغيير للحقائق، والإنسان الذي يقـع فـي هـذا الـفـخ تعتبر حياتـه مقضـي عليهـا ، ولذلك يسألك المسيح : ” أيهما أعظم السماء أم الأرض ؟”،وأرجـوك لا تتعجـل وتُجيـب قـائلاً : ” السماء “، لأنك إذا عشت في الأرض ستكون بهذه الصورة الشريرة .
+ الويلات الثمانية :
هناك ثمانية أخطاء رئيسية وقع فيها هؤلاء الفريسيون بحسب النص الإنجيلي لمعلمنا (متى ٢٣) وهـو مـا يعـرف بـ ” إنجيـل الـويلات”، وممكن أن نقول عنهم سبع طرق لاستجلاب غضب الله :
(ع ١٣) ” لأنكم تغلقون ملكوت السماوات قدام الناس فـلا تدخلون أنتم ولا تدعون الداخلين يدخلون “. وهذا معناه أنهم لا يدعون الداخلين يدخلون الملكوت ، ولا هـم يـدخلون ، فكـل اعتباراتهم أرضية ، ويمنعـون الـنـاس مـن دخـول السماء عـن طريق العثرة أوالخطية .
(ع ١٤) ” لأنكم تأكلون بيوت الأرامل ولعلة تطيلون صلواتكم . لذلك تأخذون دينونة أعظم “. فهم يأخذون أموال الأرامل ، ويطيلونالصلاة لينالوا مديح الناس .
( ١٥) ” لأنكم تطوفون البحر والبر لتكسبوا دخيلاً واحداً “، هذا معناه أنهم يبحثون عن الشعبية ، فهم يحولون الناس بعيداً عن اللهليكونوا مثلهم .
( ١٦) ” ويل لكم أيها القادة العميان “. هم يقودون الشعب وهم عميان ، تخيل معي أن أعمى يقود آخرين فكيف يقودهم ؟
قد يكـون الخـادم أعمـى فـي المعرفة الروحية أو الخبرة الروحية ، فمـاذا تـكـون النتيجـة ؟ هـل يمكـن لأعمـى أن يقـود أعمـى ؟كلاهمـا يسـقطان كنتيجـة طبيعية ، وهكذا كان الفريسيون .
(٢٣ ) ” لأنكم تعشرون النعنع والشبت والكمون وتركتم أثقل الناموس : الحق والرحمة والإيمان “. كانوا ينشغلون بالتفاصيل غيرالمهمة ، وتجاهل ما هو مهم ، بمعنى أنهم يهتمون بالأمور الصغيرة التي بلا قيمة ويتركون مـا هـو مـهـم ، وهـذا شكل من أشكالالرياء وعدم الحكمة ، فتجدهم يتحدثون عن الشبث والكمون والنعناع ، وهي نباتات تُزرع على ضفاف البحيرات والأنهار علىمساحات صغيرة ، واستخدام الإنسان فيهـا قـلـيـل ، وهـم يقـولـون لا بـد مـن تـقـديـم عشـور النعناع والشبث والكمون ، وماذا عنالأمور المهمة الرحمة والحق والإيمان ؟ ماذا عن أن يتسم الإنسان بالحق ويكون رحيم ولديه إيمان قوي ؟ فيجيب : ” أنها بلا فائدةوأنها خارج الصورة ” فينشغلون بالتفاصيل التافهة أو القليلة الأهمية ويتركون ما هو مهم .
(ع ٢٥) ” لأنكم تنقون خارج الكأس والصحفة وهما من داخل مملوآن اختطافاً ودعارة “. وهذا معناه أنهم يحافظون علىالمظاهربينما حياتهم الداخلية فاسدة ، وهذه نسميها ” آفة الحياة الروحية “، فالشخص يهتم بالشكل ويترك الجوهر .
( ٢٧) ” لأنكم تُشبهون قبـوراً مبيضة تظهر من خارج جميلة وهي من داخل مملوءة عظام أموات وكل نجاسة “. هم يتظاهرون بالروحانية لتغطية الخطية .
(٢٩ ) ” لأنكم تبنون قبور الأنبياء وتزينون مدافن الصديقين “. هم يدعون التعلم مـن الماضي ، بينما سلوكهم الحاضر يظهر أنهم لم
يتعلموا شيئاً .
هذه الويلات الثمانية في حياة الفريسيين كشفها السيد المسيح ، ولا أنسى أن أعيد عليك السؤال : أيهما أعظم في نظرك السماء أمالأرض ؟ اعلم يا أخي أنه كلما تتعاظم السماء في نظرك ، كلما تنال التطويبات لهذا ، في حين أنه كلما تكبر الأرض في عينيك وتصغر السماء تجد نفسك تميل للويلات ، ولهذا فإن التطويبات فـي (متى ٥) أما الويلات فـي (متى ٢٣) وكل منهما يمثل حياة السماء وحياة الأرض .
إذا يمكن أن نقول أن كل ما كان يشغل هؤلاء الفريسيون هو القوة والمال والمركز وانتهت الحكاية بالنسبة لهم ، ولهذا هم عاشوا حياتهمما بين العناد والرياء ، وتسببوا في خمس صفات أو نتائج وهي التي يحاول كل واحد فينا أن يتجنبها .
+ صفات الفريسيين :
١- صفة الظلم
هم ظالمون لأن السيد المسيح قال عنهم: ” أنهـم يـأكلون بيوت الأرامل “، وكانـت أضعف فئات المجتمع في العهد القديم هي فئةالأرامل. قد يظلم الإنسان دون أن يدري ، ممكن يظلم شعبه أو أسرته أو يظلم نفسه أو يظلم المجتمع الصغير الذي يعيش فيه ،وممكن يكون الإنسان ظالم في أفكاره وفـي وجهات نظـره ، ولهذا تعلمنا الكنيسة خلال الصـوم عـن الرحمة وتقـول : ” طوبى للرحمـاعلـى المساكين “، فهل عندك فكر الأرض الذي يظلم أم الفكر السماوي الذي يرحم ؟ وأيهما أعظم في حياتك السماء أم الأرض؟
۲۔ صفة العثرة :
مـن الممكن أن يخدم الإنسان ولكن تكون خدمته مليئة بالعثرات، وأحياناً يخفي عدوالخير عن عينيك أنك تسبب عثرة معينة للآخرين ،ويرتدي الخادم المعثر ثوباً كأنـه مـن السماء ، ويأخذ ألقاب ، فمثلا الفريسيون كانوا يلقبوهم بـ ” لقـب معلم ” وكان يطلب منهم العلم .
ولهذا عندما يعثر الإنسان من معلم تكون العثرة كبيرة جداً لأنها تجعل الإنسان ابناً لجهنم، ولذلك مطلوب منا جميعاً كخدام ومعلمينأن الشخص لا بد أن ينتبه لتصرفاته ، وقد قال بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس : ” لاحظ نفسك والتعليم وداوم على ذلك ” (١ تي٤:١٦).
٣- صفة المادية
بمعنى أن حياتهم صـارت مـاديـة فـي كـل شـيء ، وأقـرب مـثـال أمامنـا هـو ” يهـوذا الإسخريوطي “، “، عندما قاس قيمة السيدالمسيح فـي عينيـه بـثلاثين مـن الفضة ، فمـن العلامات التي تكشف الإنسان لنفسه أن يقدركل الأشياء بمقاييس أرضية ، وقد تكلمت معكم قبل ذلك عن المزمور ( ٤١) ” طوبى لمن يتعطف على المسكين فـي يـوم الشـر ينجيه الرب “، وسواء يتعطف بأمور مادية أومعنوية ، تكون النتيجة أو المكافأة غالية جداً ، وهو أنه في يوم الشر ينجيه الرب، أي مقياس لهذه البركة ؟ ولأن الفريسيين كانوا لصوصاً فوضعوا أمامهم المقياس المادي فـي كـل شـيء ، فيقـول عنهم الكتاب : ” ويل لكم أيها القادة العميـان القائلون : مـن حـلـفبالهيكل فليس بشيء ، ولكـن مـن حـلـف بـذهب الهيكل يلتـزم ! ـ مقيـاس مـادي ـ أيها الجهال والعميان أيما أعظـم : ألذهب أم الهيكلالذي يقدس الذهب ؟” (مت ٢٣: ١٦، ١٧)، وبالتأكيد الإجابة واضحة .
٤ـ صفة الحرفية :
هم كانوا حرفيين فـي كـل شـيء، ونعلم أن الحرف يقتل والـروح يحيي، والرياء المصحوب بالعناد دائماً ما يسبب ضيق الفكر ، وضيقفي الأفق ، ففي (ع ٢٣) ركزوا على النعناع والشبث والكمون وتركوا الرحمة والحـق والإيمان ، فكيـف يـقـاس هـذان أمـام بعضهماالبعض ؟! لذا الإنسان الفريسي دائما حرفي في كل شيء. أحياناً في خدمة الآباء يأخذ الأب الطقوس بحرفية شديدة ، في حين أن الطقوس وضعت لكي ما تشرح لنا الإيمان ، ولكي ما تكون وسائل معبرة ومساعدة في حياتنا وفـي عبادتنا ، ومن وظائف الطقوس أيضاً أنها تجمل العبادة ” تجعل العبادة جميلة “، حيث يظهر ذلك في ملابس الكهنة والشمامسة وترتيـب أماكن الوقوف ونغماتالألحان والقراءات التي تتلى وترتيب الصلوات والطقوس المصاحبة ، كل هذا يشكل جمال العبادة .
ذكرت معكم مرة سابقة أن الفريسي وصلت به الحياة اليهودية أنه عندما يأكل بيضة يسـأل عـن مـا هـو الـيـوم الـذي باضـت فيـه الدجاجة ! فإذا كـان يـوم سـبـت تـكـون الدجاجة قد كسرت الشريعة ولا يأكل البيضة، وهذه هي الحرفية . ولكن المسيحية هي ناموس الحرية ، مثلما عبر القديس بولس الرسول في رسائله بصفة عامة .
لذلك فـي مسيحيتنا يوجد أب الاعتراف؛ لأن المسيحية تؤمن بالفروق الفردية بين الأشخاص ، فمن الممكن أن أقول لأب اعترافـي ظروفاً صحيحة معينة تمنعني عن الصـوم . قـد أتـذكر شخص كان يقـدم ميطانيات باستمرار ولكن لظروفه الصحية أصبح غيرمناسب أن يكمل ، فسأله أب اعترافه عن مكان سكنه ، فأجابه بأنه يسكن فـي أحـد الأدوار العلويـة نسبياً ، فقـال لـه أب اعترافـه : اعتبر صعود السلم كأنك تقـدم العبـادة بهذه الصورة ، وعليك أن تُـردد هـذه الصلاة القصيرة : ” يـا ربـي يسـوع المسيح ارحمني أنا الخاطئ ” وأنت صاعد .
٥- صفة الشكلية
الفريسيون كانوا شكليين ، بمعنى أن الشكل الخارجي هو اهتمامهم الأول ، ولهذا نـحـن فـي الـصـوم نـحـاول أن ندخل إلى الأعمـاق، ففـي يـوم الرفاع تكـون قـراءة جـزء مـن الكتاب وهي : ” ادخل إلى مخدعك وأغلق بابك ” (مت ٦ : ٦ ) . وتعني ادخل إلى العمق وابتعد عن الشكل الخارجي ، ويظهر ذلك من الآية الجميلة التي قالها ربنا يسوع : ” ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه ؟” (مـر ٨: ٣٦)، وكلمـة نفسـه هنـا تـعـنى أنه خسر السماء ، ويتضح فعل الآية إذا استبدلت كلمة ” إنسان ” باسمك . هذا هوحال الفريسيون يهتمون بالشكل دون الجوهر مثـل مـن يصلون فـي زوايا الشوارع، ومثـل مـا نقـرا فـي العهد الجديد أن السيدالمسيح يقول : ” متى صمت ومتى صليت ومتى قدمت صدقة ، قدمها في الخفاء فهو ( الله ) يجازيك علانية “. هذه الصورة تضع الإنسان أمام نفسه ، وتضعه أمام السؤال : أيهما أعظم فـي نظـرك السماء أم الأرض؟ وهـذا مـا جـعـل بـولس الرسـول يـقـول تعبيره الجميل: ” إنسـان الله “، بمعنى أن كل واحد فينا يأخذ جنسية إنسان الله ، فتصير أنت في حياتك إنسان الله ، بمعنى إنسان له نصيب في السماء ، ولا تنس أن الإنسان عندما يولد وينال سر المعمودية نقول عليه ” الولادة الجديدة ” من فوق ، فصارت السماء مفتوحة أمامه ويبقى أن يجاهد ليحافظ عليها .
وأنت عندما تقرأ أصحاح التطويبات (مت ٥)، وأصحاح الويلات (مـت ٢٣)، وإشعياء النبي (إش ٥) وما شرحه لنا بصورة واضحة ” ويل للقائلين للشر خيراً وللخير شراً، الجاعلين الظلام نوراً والنُور ظلاماً، الجاعلين المر حلوا والحلو مرا ويل للحكماء في أعين أنفسهم، والفهمـاء عنـد ذواتهم ” (إش ٥ : ٢٠ – ٢١)، كان هؤلاء الفريسيون حكماء عند أنفسهم ، والفهماء عند ذواتهم ، فقد وقعـوا فـي خطية الشكلية ، وبهذه الصورة أصبحت حياتهم أرضية ونهايتهم في الأرض .
ضع هذا السؤال أمامك خاصة ونحن في النصف الثاني من الصوم ومتجهين إلى أسبوع الآلام وإلى الصليب والقيامة، واجعل فكرك فـي السـماء وروحـك فـي السـماء وقلبك في السماء وقس نفسك على أي ضعف ناتج من هذه الويلات .
لإلهنا كل مجد وكرامة من الآن وإلى الأبد. أمين[12]
المتنيح الأنبا أثناسيوس مطران بني سويف والبهنسا
ويلات متتالية: (مت ۲۳: ۱۳ – ٣٦)
ان الكلمة اليونانية « Ouai » المترجمة هنا « ويل » تؤدي معنى التوبيخ مع شعور الأسى كأن تقول: « لهفي عليك ، أو وأأسفاه عليك » فحتى في تأنيبه لهم ظهر حبه وأسفة عليهم.
ولقد ألقي الرب الضوء واضحا على نواحي حياتهم الشكلية المتزمتة الغريبة التي بها يغلقون بابالملكوت فلا يدخلون ولا يدخل تابعوهم ، وكان هذا الويل الأول مقدمة كسائر الويلات التالية التي تتكلمعن تفصيلات الأخطاء التي تجعلهم لا يدخلون باب السماء.
١- الطمع في مال الفقير والأرملة ، أما رب المجد فقد علم تلاميذه الا يحملوا كيسا ولا مزودا ، مجاناأخذوا مجانا يعطون ، وأن الطمع عبادة أوثان .
٢-يتظاهرون بالتقوى والصلوات الطويلة لكى ينخدع بهم الناس فيظنوهم حملان أتقياء وهم منداخل ذئاب خاطفة .أما الرب فقد أوصى تلاميذه ” تعلموا مني لأني وديع ومتواضع القلب” و ” طوبي للودعاء لأنهم يرثون الأرض “.
٣- لم يكن عملهم من أجل تخليص النفوس بل من أجل ضم أتباع الطريق ، وفي الداخل يتعلمون الشر الدفين . أما تلاميذ الرب فغايتهم خلاص النفوس ولا يطلبون أتباعا لذواتهم لأن المسيح يسوع لم ينقسم ، وليس بولس وأبولس وبطرس سوي خداما لاسمه .
٤ – التفسيرات المبتدعة وتحريف الكتاب : فقد نوعوا القسم وجعلوا القسم بالهيكل لا شيء وبذهبه شيئا ، هكذا يعظمون التقدمة ” الذهب والقربان ” لأنها تؤول اليهم ، وجعلوا نفعهم المادي فوق أقداس الله .
٥-تمسكوا بالشكليات من غسل كؤوس وأباريق ، وتمسكوا بالماديات كالعشور . وتركوا الفضائل كالحق والرحمة والايمان . أما تلاميذ الرب فيعملون هذه وتلك .
٦- يهتمون بالبريق الخارجي في الألفاظ ويكسبون الأمور قيما جوفاء ليخفوا الشر الدفين في القلب . أما في الديانة الصحيحة فالانسان الصالح من كنز قلبه الصالح يخرج الصلاح .
٧- وهكذا تراكم الشر في القلب ، واختفي وراء المظهرية الخادعة حتى صار القلب كقبر يحوي النتانة والنجاسة مشحونا رياء واثما
۸ – وهم يبنون قبور الأنبياء ويزينونها متبركين بها ، معلنين أسفهم على تصرفات أبائهم مع الأنبياء ولكنهم يرفضون رب المجد وتلاميذه ويضطهدونهم ” تقتلون وتصلبون وتجلدون وتطردون” وهكذا يأتي عليهم كل دم زکی سفك على الأرض من دم هابيل الصديق الى دم زكريا بن برخيا .
ولا شك أن أولئك الكتبة والمعلمين الذين تلك تصرفاتهم ، يأتي عليهم غضب الرب . ولكننا لا ننسى أنهفي كل كلامه كان يخاطب الجموع وتلاميذه (مت ۱:۲۳) وفي ختام الكلام يقول انه يرسل أنبياء وحكماء وكتبة ( اية ٣٤ ) فهو يعطى الدرس مدويا في عقول التلاميذ أن يكونوا معلمين وكتبة من نوع جديد روحی والا يحيدوا الى تلك الانحرافات الخانقة للروح •
وجدير بالذكر أن الرب هاجم السلوك المنحرف ولم يهاجم النظام الموضوع من الشريع . فلم ينطق بالويل على الكهنة لأن الكهنوت نظام ، بل نطق على الكتبة والمعلمين المنحرفين. ( آية ٣٥ ) من هو زكريابن برخيا ؟
( أ ) لعله زكريا ابن يهوياداع الذي واجه الشعب بخطاياهم في أيام يوآش الملك وقاموا عليه ورجموه بالحجارة في دار بيت الرب (۲ أي ٢٤: ٢٠-٢٢) وهذه قالها جيروم : أن ” يهوياداع”معناها « مبارك منالله وهي ذات معنی براخيا.
( ب ) أو هو زكريا النبي بن براخيا بن عدو (زك ۱ : ۱) وهذه قالها فم الذهب.
( ج ) أو هو زكريا أبو يوحنا أذ يقول هيبوليتس وأوريجانس وابيفانيوس وباسيليوس أن أباه كانبراخيا ، وقالوا أن هيرودس قتله لأنه أخفي يوحنا ابنه حين طلبوا قتله مع أطفال بيت لحم .
ويكون الرب قد قصد أن متاعب جميع القديسين من هابيل الى خاتم الأنبياء زكريا تطلب من ذلك الجيل لأنهم لم يستفيدوا من الدروس السابقة وسلكوا كأسلافهم نحو الأنبياء والرسل . أردت ۰۰۰ ولم تريدوا : (مت ۲۳ : ۳۷۔ ۳۹)
وأورشليم نفسها التي ستنقض عليه هو في نهاية الأمر لتسفك دمه ، يأتي عليها يوم يندك هيكلها وتبطل عبادتها ويشرد ساكنوها . وقد حدث ذلك جميعه في العام ۷۰ م حين أحاط بها جنود الرومان بقيادة القائد تيطس ودمروها تماما وتشتت الشعب الساكن فيها .
( آية ۳۹ ) ولاشك أن من يرفض الرب يرفض الى أن يجيء وقت يعترف فيه بخطيئته ويقول : مباركالآتي باسم الرب ، فينال الغفران أو يخضع له مرغما في يوم الدينونة حين ” تنظره كل عين والذين طعنوه وينوح عليه جميع قبائل الأرض ” (رؤ ١ : ٧)[13]
المتنيح الأنبا بيمن أسقف ملوي
الديان العادل
“وجلس عن يمين أبيه وأيضا يأتي في مجده لیدین الأحياء والأموات” إن مجئ المسيح للدينونة عقيدة هامة من عقائد الكنيسة الواحدةالمقدسة الجامعة
الرسولية وقد سجل في قانونها الإيماني هذه العبادة ” وأيضا يأتي في مجده لیدین الأحياء والأموات ” . وفي الليتورجيات سواء التي إستعملت في القرون الأولى أوالتي وصلت إلينا بعد المجامع المسكونية نجد صلوات تؤكد حقيقة المجيء الثاني المخوف المملوء مجدا.
ففي تسابيح الكنيسة الأولى نقرأ” أفرحوا بالرجاء المجيد، سيأتي يسوع
الديان، ويأخذ خدامه عاليا . إلى منزلهم الأبدي. وسنسمع فی الحال صوت
رئيس الملائكة وسيبوق بوق الله قائلا أفرحوا “. وفي القداس الباسيلي المستعمل في الكنيسة الشرقية يقول الكاهن ” وقام من الأموات وصعد إلى السموات وجلس عن يمينك أيها الآب ورسم يوما للمجازاة هذا الذي يظهر فيه ليدين المسكونة بعدل ويعطي كل واحد كنحو أعماله ” ويقول الكاهن أيضا ساعة حلول الروح القدس على القرابين “ففيما نحن أيضا نصنع ذكرى آلامه
المقدسة وقيامته من الأموات وصعوده إلى السموات وجلوسه عن يمينك أيها الآب
وظهوره الثاني الآتي من السموات المخوف المملوء مجدا نقرب لك قرابينك من الذي لك على كل حال ومن أجل كل حال وفي كل حال. وفي قداس القديس أغريغوريوس يقول الكاهن ” أظهرت لي إعلان مجيئك
الذي تأتي فيه لتدين الأحياء والأموات وتعطي كل واحد كأعماله”. وكان الرسل يشهدون للرب في كرازتهم أنه هو المعين من الآبديانا للأحياء والأموات وبولس الرسول يقول لتلميذه تيموثاوس ” أنا أناشدك أمام الله والرب يسوع المسيح العتيد أن يدين الأحياء والأموات عند ظهوره وملكوته ” (۲تی ٤: ١).وفي موضع آخر يقول ” أخيرا وضع لى إكليل البر الذي يهبهلی فی ذلك اليوم الرب الديان العادل وليس لي فقط بل لجميع الذين يحبون ظهوره أيضا ” (۲ تي ٤: ٨).
كما يقول رسول الأمم في الرسالة الثانية لأهل كورنثوس”لأنه لابد أننا جميعا نظهر أمام كرسي المسيح لينال كل واحد ما كان بالجسد بحسب ماصنع خيرا كان أم شرا” (۲ کو ه: ۱۰). ومعلمنا بطرس الرسول يعزى المؤمنين الذين في الشتات بقوله ” إن الذين يضهدونكم سوف يعطون حسابا للذي هو على إستعداد أن يدين الأحياء والأموات ” (١بط ٤:٥ )
بينما يعقوب الرسول يزيدهم تعزية بقوله “هوذا الديان واقف قدام الباب (يع ٥: ۹).
منذ القديم
ومنذ القديم وإسرائيل يعرف جيدا أن الله ديان عادل. فقد طلب جدعون من الله أن يقضي بينه وبين العمونيين “فأنا لم أخطئ إليك، وأما أنت فأنك تفعل بی شرا بمحاربتی ، ليقضى الرب القاضي اليوم بين بني إسرائيلوبنی عمون (قض ۱۱ : ۲۷). وحين خاصمت سارة إبراهيم وهاجر قالت ” يقضى الرب بيني وبينك (تك ١٦-٥).
وقال داود لشاول ” يقضى الرب بيني وبينك وينتقم لي الرب منك، ولكن يدي لا تكون عليك ” (١ صم ٢٤: ۱۲).
أمثال السيد المسيح عن الدينونة
لقد جاء المسيح يسوع إلى البشرية فاديا ومخلصا، رقيقا وحنونا، مشجعا غافرا، داعيا الجميع إلى التوبة والخلاص. ولكنه نبه البشريةإلى أنه في مجيئه الثاني سيأتي قاضيا ديانا عادلا. وقد أورد الرب في تعاليمة أمثالا تتحدث عن الدينونة المزمعحدوثها عند مجيئه المخوف الآتي:
مثل الحنطة والزوان (مت ۱۳: ٢٤ – ۳۰) ” إنسان عدو زرع زوانا طلب العبيد من رب البيت أن يقلعوه، رفض قائلا في وقت الحصادأقول للحصادين إجمعوا أولا الزوان إحزموه حزما ليحرق وأما الحنطة إجمعوها إلىمخزني “. ومثل الغني الغبي الذي أضاع حياته في جمع الأموال والرغبةفي توسيع المخازن وفي لحظة أخذت روحه وقيل له أيها الغبي هذه التي أعددتها لمن تكون (لو ۱۳:۱۲ – ٢١)
مثل الشبكة المطروحة في البحر. وهذه التي أمتلأت فجمعوا الجياد فی أوعية وأما الأردياء فطرحوها خارجا. هكذا يكون في انقضاء العالم يخرج الملائكة ويفرزون الأشرار من بين الأبرار ويطرحونهم في أتون النار هناك يكون البكاء وصرير الأسنان (مت ۱۳: ٤٧ – ٥٠). وفي مثل العذاري الحكيمات والجاهلات (مت ٢٥: ۱- ۱۳) لما جاء العريس المستعدات دخلن معه إلى العرس وأغلق الباب وأخيرا جاءت بقية العذارى أيضا قائلات يا سيد يا سيد أفتح لنا فأجاب الحق أقول لكم أني ما أعرفكن ويقول معلمنا متى أيضا ومتى جاء أبن الإنسان في مجده وجميع الملائكة القديسين معه فحينئذ يجلس على كرسي مجده ويجمع أمامه جميع الشعوب فيميز بعضهم عن بعض كما يميز الراعي الخراف عن الجداء. ويقول للذين عن يمينه “تعالوايا مبارکی أبی رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم ” ويقول للذين عن اليسار” أذهبوا عني يا ملاعين إلى النار الأبدية المعدة لإبليس وملائكته “. راجع (لو ١٤: ١٥ – ٢٤،( لو ۱۹ : ۱۱ – ۲۸) (لو ۱۷: ۲۰ – ۲۷) .
الدينونة آنية ومستقبلية معا
عندما تحدث الرب عن الدينونة أعطاها بعديها المميزين في المسيحية البعد
الزمني، والبعد الإسكاتولوجى (الآخروی) .
لقد أوضح أنه الآن ساعة الإنتفاضة من موت الخطية وعبودية الجسد والآن إلى حرية مجد أولاد الله إذ يقول “تأتي ساعة وهي الآن حين يسمع الأموات صوت
أبن الله والسامعون يحيون” (يو ٥: ٢٥).
فالمسيح بتجسده المبارك أدان البشرية الساقطة واللاهية وكسر شوكة الخطية
وحطم قوة العدو. لقد أدان كبرياء الإنسان باتضاعه، وأدان الحقد والكراهية
والبغضاء بالحب الباذل حتى الصليب
ويقول القديس أغسطينوس في شرحه لكلمة الله الحية ذات الحدين . إن لها حد التشجيع للتوبة والخلاص، ولها حد الإدانة إذ تحتفظ الكلمة بفاعليتها حتی المجيء الثاني لكي يستد كل فم وفي هذا يقول الرب “الكلام الذي أكلمكم به هو الذي يدينكم” .وفي اليوم العظيم في ملئ الأزمنة عند انقضاء الدهر سيأتي الرب علی السحاب متوشحا بجسده ومحتفظا بآثار جراح الجلجثة . هذه ستكون نبعا للحب والفرح الذي لا ينضب لجماعة المفديين إذ سيدخلون معه الى عرش عشاء الخروف وأما الهالكون واللاهون والمجدفون واللذين إحتقروا صليب الربف سوف يقولون للجبال أسقطی علينا وللأكام غطينا من وجه الجالس على العرش. هذه هي الدينونة الرهيبة . لقد وعد أنه آت سريعا ومن له أذنان للسمع فليسمع[14].
المتنيح الأنبا إبيفانيوس أسقف ورئيس دير القديس أنبا مقار
اطلبوا الرب
فى منتصف القرن الثامن قبل الميلاد، كانت المملكة الشمالية لاسرائيل فى حالة من الفوضى الاجتماعية والسياسية والدينية . وكانت من احى الحياة الثلاثة هذه، وما زالت ، مرتبطة ببعضها البعض بطريقة معقدة . فالمشاكل الاجتماعية والسياسية فى أيام عاموس النبى أى فى تلك الفترة أثرت تأثيرا مباشرا فى الحياة الدينية . وكانت آمال وطموحات الأمة والمواطنين ، وما يطلبونه ويبحثون عنه ،السبب الرئيسى فى تفاقم مشاكلهم الدينية .
وكانت الكلمات التى كتبها عاموس النبى على هذه الأمة، هى رسالة الرب لاسرائيل . فلم تكن كلمات انسان ، بل كلمات الرب القديرالذى أعلن عن نفسه صراحه فى (عاموس٥: ٤) انه الرب :”لأنه هكذا قال الرب لبيت اسرائيل : اطلبوا (الرب) فتحيوا” .
الكلمة العبرية التى ترجمت “الرب” هنا هى “يهوه” . وهذا هو الاسم الشخصى لله. ففى سفر الخروج (٣: ١٤، ١٥) . عرف الله نفسه لموسى بهذا الاسم ، عندما سأله موسى عن الاسم الذى يخبر به بنى اسرائيل ، قال له الله:”أهية الذى أهية”، أو “أكون الذى أكون”، أو “أنا هو الكائن بذاتى”، أو كما قال الرب يسوع فى العهد الجديد “أنا هو “.
وبغض النظر عن المعنى الحرفي لهذا الاسم الذى استعمله بنو اسرائيل للتعريف بالاله الذى يعبدونه فى مقابل الآلهة الوثنية الكثيرة التى كانت منتشرة فى منطقة الشرق الأوسط قديما. لذلك بين الله لبنى اسرائيل تفرده ووحدانيته فى بداية الوصايا التى أمر بها شعبه، والمعروفة باسم “الشماع” (من كلمةاسمع) :”اسمع يااسرائيل : الرب الهنا رب واحد” (تث٦: ٤) . وكلمة واحد فى هذه الوصية تعنى الوحدة والتفرد ، والمعنى واضح ،فالله واحد أى ليس هناك اله آخر غيره.
أما “طلب الرب” فهذه هى رسالة الأنبياء والكارزين على مدى العصور، فما معنى عبارة طلب الرب فى أيام عاموس النبى ؟
يأتى الفعل “أطلبوا” فى اللغة العبرية “درش darash” . وهذه الكلمة تعنى أكثر من مجرد الطلب. فهى تعنى: يطلب بعناية واصرار،يطلب من النبى أو الكاهن أو الرائى من أجل الحصول على قرار أو اجابة لسؤال . فمن يطلب يبحث عن حل الهى لمشكلة ما . والطلب يستلزم عناية فائقة من الطالب. فالمعنى يتضمن الاتجاه لله فى الطلب، والاستمرار فى التوجه اليه وذلك كمنهج دائم للحياة . فطلب الله والبحث عنه يعنى مسيرة حياة تخضع لارادة الله، وتسير حسب توجيهاته . والشعب الذى يطلب الله، يتخلل العدل والبر كلتعاملاته، ويصبح الله هو الموجه لكل تصرفاته وباختصار، فان طلب الرب هو صنع مشيئته.
لقد أمر الرب شعبه على فم عاموس النبى أن “اطلبوا فتحيوا. ولا تطلبوا بيت ايل والى الجلجال والى بئر سبع لا تعبروا”(عا ٥: ٤-٥) . فقد وضعت بيت ايل والجلجال وبيت سبع كبديل لطلب الله . كان بيت ايل والجلجال أماكن مقدسة مشهورة فى مملكة اسرائيل الشمالية. كان ابراهيم أبو الأباء هو الذى أسس بيت ايل (تك١٢: ٨، ١٣: ٣- ٤) ، وارتبطت الجلجال بعبادة الشعب العبرانى منذ أيام يشوع بن نون (يش٤: ١٩- ٢٤) وأثناء حكم القضاة(قض٢) . أما بئر سبع فتقع على الحد الجنوبى لمملكة يهوذا ، على بعد حوالى٦٤كيلو متر جنوب أورشليم. وقد ارتبطت هى أيضا بابراهيم أبى الآباء (تك٢١: ٢٥- ٣٣) . وقد مثلت هذه الأماكن الثلاثة أماكن مقدسة للعبادة على مدى عدة عصور مرورا بأيام عاموس النبى.
كان عاموس النبى ، المتحدث بأسم الله ، يأمر الشعب بالتوقف عن اسشارة الكهنة والمنجمين فى هذه الاماكن الثلاثة، والاتجاه لطلب الله وحده . وقراءة كلمات عاموس النبى توضح الممارسات التى كانت تجرى باسم يهوه والتى كان يرفضها الله . فالنشاط الدينى الذى كان يمارس فى بيت ايل والجلجال اعتبر على مستوى المعصية والتمرد على الله ، بالرغم من أنه كان نشاطا دينيا . فالشعب فى محاولته لاظهار بره الشحصى ، كان يحاول أن يقدم أكثر مما هو مطلوب منه فى الناموس .
“هلم الى بيت ايل ، وأذنبوا الى الجلجال ، وأكثروا الذنوب ، وأحضروا كل صباح ذبائحكم ، وكل ثلاثة أيام عشوركم . وأوقدوا من الخمير تقدمة شكر ، ونادوا بنوافل وسمعوا . لأنكم هكذا أحببتكم يابنى اسرائيل، يقول السيد الرب “(عا٤: ٤ -٥).
لذلك أوضح لهم الرب على فم عاموس النبى رفضه لهذه الممارسات الدينية حتى ولو كانت تجرى باسم الرب:
“بغضت ،كرهت أعيادكم، ولست ألتذ باعتكافاتكم . انى اذا قدمتم لى محرقاتكم وتقدماتكم لا أرتضى ، وذبائح السلامة من مسمناتكم لا ألتفت اليها . أبعد عنى ضجة اغانيك، ونغمة ربابك لا أسمع”(عا٥: ٢١-٢٣) .
لقد صارت عبادة الله عبادة آلية خالية من الروح . وأصبح الاهتمام بالطقس والآلحان بديلا للعلاقة الشخصية الحية مع الله . لذلك كان صراخ النبى عاموس للشعب أن يتوقف عن مظاهر العبادة الخارجية، ويلتفت الى عبادة الله من القلب . لقد أوضح الله مشيئته منجهة الشعب بهذه الكلمات :” وليجر الحق كالمياه، والبر كنهر دائم ” ( عا٥: ٢٤ ) . ثم يعود النبى ويوضح اكثر ما المقصود بطلب الرب، وذلك فى قوله : “أطلبوا الخير لا الشر لتحيوا” ( عا٥: ١٤) . هنا يعقد النبى مقارنة ، فطلب الرب يمثله طلب الخير ، وطلب الشر يمثله طلب بيت ايل والجلجال وبئر سبع . فبالرغم من أن تلك الأماكن كانت فى نظرهم أماكن مقدسة يقدم فيها العبادة لله ، فان الله رفض هذه العبادة، لأنها لم تكن عبادة حقيقية . لم تكن سوى عبادة شكلية ، ولم يكن وجه الله هو المطلوب فى العبادة بل تتميم فرائض وطقوس خارجية باطلة.
هذه الصورة القاتمة ليست ببعيدة عنا اليوم . فالبعض يظن أن مجرد الذهاب للكنيسة ، وتتميم الطقس ، ودفع العشور والنذور ، هوالعبادة المطلوبة . فى القديم نصح عاموس النبى الشعب أن يدخلوا فى علاقة شخصية مع الله، لا أن يمارسوا الطقس بطريقة شكلية فقط ، فالطقس فى حد ذاته مطلوب ، أما العبادة الحقة فلازمة . لقد وبخ الرب يسوع الكتبة والفريسين الذين يعشرون النعنع والشبث والكمون ، لكنهم تركوا أهم واثقل ما فى الناموس :”الحق والرحمة والايمان”( مت٢٣:٢٣) .
لقد اهتموا بشدة بتنفيذ تعاليم الناموس والهيكل التى تحض على اعطاء عشر ما يقتنيه الانسان، وهم فى ذلك لم يخطئوا، بل كانت خطيئتهم أنهم نفذوا وصايا الله بطريقة شكلية دون الدخول فى جوهر وصية الله :”انى اريد رحمة لا ذبيحة” (مت٩: ١٣ ) . لقد كانت حياة بنى اسرائيل اليومية وممارساتهم صورة حية لما يؤمنون به ويطلبونه. كانوا فى حياتهم اليومية ” يحولون الحق أفسنتينا ” (عا٥: ٧). وكانوا يضايقون البار آخذين الرشوة (عا٥: ١٢) . ولم يكن العدل الاجتماعى والسياسى موجودا فى قاموس حياتهم. لذلك طالبهم النبى بالعدل الاجتماعى قائلا: “ثبتوا الحق فى الباب”(عا٥: ١٥) .
ومن الغريب أن هذا الشعب البعيد عن الله، الطالب شكل العبادة دون جوهرها ، كان يشتهى يوم الرب :”ويل للذين يشتهون يوم الرب” ( عا٥: ٨) . لقد كانوا يتوقعون أن يوم الرب سوف يأتى لهم بالعدل ، وبالقضاء على أعداء اسرائيل ، ولرد اسرائيل الى مركزها المرموقبين الأمم المجاورة . وربما كان يظنون أن يوم الرب سوف يكون يوم عبادة للرب ، يقدمون فيه عبادة نقية من قلوبهم ، وبلغة اليوم كانوا يعتقدون أن يوم الرب هو الحل .
وبغض النظر عن مفهوم يوم الرب عندهم ، فلقد كان للنبى عاموس وجهة نظر أخرى فى بوم الرب . لقد أخبرهم أنه سيكون يوم ظلام لانور (عا٥: ١٨) ، وقضاء الله لن يكون حسبما يتوقعون . فالنبى كان يتكلم عن دينونة الله لشعب اسرائيل . فلم يكن يوم الرب فى نظر النبى يوما مستقبليا، بل يوم حاضر بينهم . ولم تكن نظرة النبى سوداوية تشاؤمية ، بل كانت نظرة مفعمة بالرجاء :”اطلبوا الرب فتحيوا”. وأساس طلب الرب هو حياة التوبة والتغيير بمعنى الاستجابة لقضاء الرب وتغيير نمط الحياة ليتوافق مع ارادة الله. ومظاهرهذا التغيير ستظهر فى ترسيخ الحق فى الأرض، والرحمة، والأمانة فى حياة الناس . الأمور التى سيظهر تأثيرها المباشر فى حياة الناس الدينية والسياسية والاجتماعية.
ان يوم الرب ليس يوما مستقبليا ، بل هو يوم حاضر . انه يوم نعيشه كل يوم ونحس به . ألا يأتى علينا يوم الرب فى كل يوم نسمع فيه كلمته ونحس بحضرته؛ ألا يحل علينا يوم الرب فى كل يوم نقترب من مائدته المقدسة ونتحد به. هذا هو يوم الرب، وهذا هو صراخ النبى لنا لكى نطلب الرب فتحيا قلوبنا، نتحد به ، ونحيا معه وفيه[15] .
المتنيح القمص لوقا سيداروس
دالة موسي رئيس الانبياء
أما موسي الكليم فقد اختصه الرب بما لم يتمتع به أحد من البشر لقد كان الرب يتكلم مع الآباء بالأنبياء بطرق متنوعة ، أو بالأحلام والرؤي والوحي والإلهام ولكن ليس مثل موسي الذي يكلمه حسب شهادة الكتاب ” كما يكلم الرجل صاحبه ” الي هذا الحد يخص الله قديسيه بميزات فريدة من نوعها لقد كان في بني اسرائيل في ايام موسي اتقياء وغيورون وحافظوا شريعته ، وكان هارون ومريم النبية ويشوع القائد العظيم خادم موسي . ولكن كان موسي يصعد علي الجبل وحده … ويعيش مع الله اربعين يوماً صائماً فيحضرة القدير واستلم لوحا العهد المكتوبة باصبع الله ونزل من الجبل وكان جلد وجهه يلمع حتي لم يستطع بنو اسرائيل ان ينظرواالي وجهه فكان يضع برقعاً . ولا نستطيع ان نحصي المواقف التي انفرد بها موسي في دالة خاصة ومعاملة خاصة مع الله . وهنانضع امامنا بعض المواقف لندرك قصد الله من المكتوب ونتعرف علي الحق .
تأمل موقف موسي كشفيع عندما وقف بين الله والشعب يوم أن غضب الرب ليهلك الشعب العاصي وقال دعني افنيهم واجعلك أمة عظيمة … لقد صار موسي وسيطاً لدي الله وتكلم بدالة قوية قائلاً ان كنت تفنيهم أمح اسمي من كتابك الذي كتبت (راجع خر ٣٢: ٣٢) فرجع الرب عن حمو غضبه.
هذا موسي الذي توسل عن مريم اخته حينما اصيبت بالبرص قائلاً ” اللهم إشفها ” فقال له الرب إن كان ابوها بصق في وجهها …الخ .
اي ان كانت قد ارتكبت اقل المعاصي الم تكن تستحق عقاباً ، اما وقد تكلمت عليك فانها تستحق اكثر ولكن لسبب شفاعة موسي برئت مريم النبية من برصها هذا هو موسي الذي صار شفيعاً للشعب المحارب حينما رفع يديه علي الجبل وصارت هذه اليد كأنها وصلت الي عرش القدير لان اليد علي كرسي الرب (خر ١٧: ١٦) . وبعد انتقال موسي الي السماء قال الرب بفم ارميا النبي عندما تعاظمت خطايا الشعب ” لو وقف موسي وصموئيل امامي لا تكون نفس نحو هذا الشعب ” (ار ١٥: ١) .
أرأيت أيها الحبيب كيف أن للقديسين دالة في وقوفهم امام الله لتسكين الغضب الالهي[16] .
المتنيح القمص تادرس البراموسي
اليوم الثامن من شهر توت المبارك كان ينبغى أن تفعلوا هذه ولا تتركوا تلك (متى ٢٣- ١٣-٣٦ )
لقد تحدى الرب يسوع معايير المجتمع فالعظمة عنـده تـأتى من الخدمة والبذل والتضحية تأتى بخدمة الله والتفاني في خدمة الآخرين فالخدمة تجعلنا ننتبه للإشتراك في إحتياجات الآخرين ونحفظ أنفسنا من الإتكال على ذواتنا فقد جاء الرب يسوع ليخدم الآخرين ولـيس ليخدم. فمن أي نوع هذه العظمة في ذلك لكي يـسعى إليهـا فـرق شاسع بين وضع القائد في الخدمة في أورشليم ووضع أيراعي في مجتمع وثنى أخر فقد كان تاريخ الأمة وثقافتها وحياتها اليومية يدور حول علاقتنا بالله وكان القادة الفريسيين أكثر القـادة شـهرة وقـوة واحتراماً وقد وجه إليهم الرب يسوع هذه الإتهامـات المؤلمـة لأن جوعهم إلى القوة والمال جعلهم يتحدثون عن رؤية الله وعن عماهم ينتشر في كل الأمة كان تلاميذ الفريسيين ينحازون إلـى الفريـسية وليس إلى الله ويأشقاهم بتفاصيل قوانينهم وتعاليمهم التي أضافوها للشريعة. وأخطأوا رؤية الله التي تشير إليه كل النواميس والقـوانين والشرائع. وفي بعض الأحيان تندفع الناس إلى تجاوزالآخرين فيما يعرفون فيما يفعلون وهكذا كان من المحتمل أن يكون للمعلم أعد في تلاميذ أشد منه رياء. فلنحترس إذا من التزمتالذائد الذي يحولنـا إلى الفريسية ونخرج عن طاعة الله وعمل الفضيلة.
من الممكن جدا أن طيع أوامر الناموس ومع ذلك تعصى أوامر الله في مواضع كثيرة وأعمال أخرى مثلاً نستطيع أن نكون ملتـزمين ومدقيقين في تقديم العشور من أموالنا لله لكننا نرفض العطاء دقيقـة واحدة من وقتنا لخدمة الآخرين ومساعدتهم. نعم أن تقديمالعشور مهم جداً لكن إعطاء العشور لا يعوقنا عن طاعـة الله فـى أمور أخرى. كان الفريسيين يصفون المياه حتى لا يبتلعوا بعوضة. وهي حشرة نجسة حسب الشريعة. إلى هذا الحد يهمهم القوانين من جهـة تفاصيل الطهارة حتى تحولت أنظارهم عن معرفة الطهارةالحقيقية فكانوا أنقياء من الخارج، ولكن كانت لهم قلوب فاسـدة نجسة وأن أدان الرب يسوع الفريسيين لظهورهم أنقياء ومقدسين من الخارج لكن من الداخل مملوئين قساوة وطمعاً فلنحترس أن نكون أنقياء من الداخل. لا تكن نقاوتنا من الخارج كاذبة قال لهم الرب يسوع ها أنا أرسل لكم أنبياء وحكماء ومعلمين فمنهم من تقتلون ومن تـصلبون ومن تجلدون أمثال إستفانوس وبولس وغيرهم من الرسل والتلاميذ في الكنيسة الأولى وعلى مدى الأيام كما قال رب المجد يأتي وقـت يظن من يقتلكم أنه قدم خدمة الله (يو ۱۱-۲)[17]
المتنيح الأرشيدياكون بانوب عبده
لماذا الويلات للكتبة والفريسيين؟
نهب الأرامل
ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون لأنكم تأكلون بيوت الأرامل، ولعلة تطيلون صلواتكم ، لذلك تأخذون دينونة أعظم.
أخذ المخلص يحمل علي الفريسيين فاتهمهم بابتزاز أموال الأرامل اللواتي يعجزن عن مقاومتهم ، ثم ستر تحايلهم بأطالة الصلوات حتي يحسبهم الناس أتقياء فيسلموهم أموالهم ، ويقول بعض الشراح في بيان هذا التحايل أنهم كانوا يدعون إلي منزل أهل الميت للصلاة فيطيلون فيها ليكثر الأجر الذي يدفع لهم ، وهو من مال هؤلاء اليتامي – والأرامل وهم به أحق .
ولا ريب أن جزاء مثل هذا التصرف صارم لأن اليتامي والأرامل لضعفهم هم موضع عناية خاصة من الله الذي يقول علي لسان أشعياء موجها الخطاب إلي اليهود ” أنصفوا المظلوم، أقضوا لليتيم، حاموا عن الأرملة “(أش ١: ١٧) .
ويقول يعقوب الرسول مؤيدا ذلك ” الديانة الطاهرة النقية عند الله الآب هي هذه افتقاد اليتامي والأرامل في ضيقتهموحفظ الإنسان نفسه بلا دنس من العالم “(يع ١: ٢٧) .
افساد الضمائر
ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون لأنكم تطوفون البحر والبر لتكسبوا دخيلا واحدا، ومتي حصل تصنعونه ابن الجهنم أكثر منكم مضاعفا .
واصل يسوع حملته علي الكتبة والفريسيين فقال إنهم كانوا يطوفون في كل مكان لدعوة الوثنيين للتهود ، فأذا ما ظفروا بواحد منهم لم يلقنوه وصايا الناموس وما أمر موسي ، إذ لا خير فيهم يخبرون الناس به ، بل لقنوه ما تفيض به قلوبهم من الشرور وعبادة المادة ، فيصبح هذا التلميذ بالضرورة أشد رياء من معلمه ، لأن تشبه التلميذ بمعلمه الصالح ليسبمثل سهولة تشبهه بالطالح في شره ومجاوزته فيه ، لأن الناس إلي الشر أميل منهم إلي الخير ، ومتي أوصلته تعاليمهم الفاسدة إلي هذا الحد أصبحت دينونته أشد مما لو بقي وثنيا ، وهذا معني قوله ” تصنعونه ابنا لجهنم أكثرمنكم مضاعفا “.
القيادة العاجزة
ويل لكم أيها القادة العميان القائلون من حلف بالهيكل فليس بشيء ، ولكن من حلف بذهب الهيكل الذي يقدس الذهب . ومن حلف بالمذبح فليس بشيء ولكن من حلف بالقربان الذي عليه يلتزم . أيها الجهال والعميان أيام أعظم القربان أمالمذبح الذي يقدس القربان . فأن من حلف بالمذبح فقد حلف به وبكل ما عليه . ومن حلف بالهيكل فقد حلف به وبالساكن فيه . ومن حلف بالسماء فقد حلف بعرش الله وبالجالس عليه .
ثم استرسل المخلص في توبيخه للكتبة والفريسيين باعتبارهم قادة الشعب ومعلميه الروحيين ، فشبههم بالقادة العميانلأنهم يريدون اقتياد الناس إلي الحق وهم عميان عنه . ويظنون أنهم غير محتاجين إلي إصلاح وهم أحوج الناس إليه . وقد دلل علي صحة دعواه بأيراد مسائل ثلاث من تعاليمهم الباطلة تبين جهلهم وعماهم وعجز قيادتهم :
أولا: ذهب الهيكل : فلقد أمر موسي قديما أن يأخذ من أفخر الأطياب مقادير يصنع منها دهنا مقدسا للمسحة يمسحبه خيمة الاجتماع ومحتوياتها ، ويكون كل ما مسها مقدسا (خر ٣٠: ٢٩) ، ولذا كان الهيكل يقدس الذهب الذي فيه ،لأن العلة أشرف من المعلول ، أما الفريسيون فبتعليمهم أن من حلف بذهب الهيكل لا بالهيكل نفسه يلتزم فقد عكسواالقضية ودلوا بذلك علي جهلهم
ثانيا : قربان المذبح : كذلك أمر موسي قائلا ” سبعة أيام تكفر علي المذبح وتقدسه ، فيكون المذبح قدس أقداس ، كل مامس المذبح يكون مقدساً “(خر ٢٩: ٣٧). أما الفريسيون فجعلوا قرابين المذبح أقدس من المذبح نفسه ليزيدوا اعتبارهافي نظر الناس فيزيد ربحهم منها .
ثالثا: الهيكل والسماء: وقياسا علي ما تقدم يكون من حلف بالهيكل كأنه حلف بالساكن فيه، ومن حلف بالسماء كأنهحلف بالعرش وبالجالس عليه ، لأن الله قد اختار هذه الأماكن لسكناه ، كما يتضح ذلك من قول المزمور ” لأن الرب قداختار صهيون اشتهاها مسكنا له . هذه هي راحتي إلي الأبد ههنا أسكن لأني أشتهيتها “(مز ١٣٢: ١٣- ١٤)، ومنقول داود ” الرب في هيكل قدسه، الرب في السماء كرسيه “(مز ١١: ٤)، ومن قول أشعياء ” هكذا قال الرب السمواتكرسي والأرض موطيء قدمي ، أين البيت الذي تبنون لي وأين مكان راحتي “(أش ٦٦: ١) .
ارتكاب الكبائر
ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون لأنكم تعشرون النعنع والشبت والكمون وتركتم أثقل الناموس الحق والرحمة والإيمان، كان ينبغي أن تعلموا هذه ولا تتركوا تلك. أيها القادة العميان الذين يصفون عن البعوضة ويبلعون لجمل .
تابع السيد سرد نقائص الكتبة والفريسيون فأشار إلي حرصهم علي تجنب الصغائر، وإغضائهم عند اقتراف الكبائر، ومن قبيل ذلك مسلكهم في مسألة النعنع والشبت والكمون التي أشار إليها . فلقد أمر الله اليهود أن يؤدوا عشر دخلهم نفقة علي اللاويون (لا ٢٧: ٣٠) ، وعشر آخر منه لخدمة الهيكل (تث ١٤: ٢٢، ٢٤) ، وعشرا ثالثا كل سنة ثالثة للفقراء(تث ١٤: ٢٨- ٢٩) . واختلفوا في تأدية عشر النعنع والشبت والكمون، فحكم الكتبة والفريسيون بوجوب تأديته ، ولكنهم في الوقت نفسه غفلوا عن الحق والرحمة والإيمان ، ويريد بالحق العدل ، وبالرحمة الشفقة علي الناس ، وبالإيمان الإيمان بالله والاتكال عليه ، والسيد لم يلمهم علي تعشير تلك الأشياء بل علي تشاغلهم بالاستقصاء عنها . ونبذ الحق والرحمة والإيمان وهي أولي بالاهتمام، كذلك وبخهم علي التمسك بالوصايا السهلة وترك الصعبة مشبها إياهم بمن يصفون الماء والخمر قبل تناولهما لئلا يكون فيهما بعوضة يعدونها نجسة ، ويتهاونون في أمر خلاص نفوسهم ، فهم يتحاشون الصغائر ويرتكبون الكبائر مطمئنين ، أو كما قال ” يصفون عن البعوضة ويبلعون الجمل ” .
الرياء
ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون لأنكم تنقون خارج الكأس والصحفة وهما من داخل مملوآن اختطافا ودعارة. أيها الفريسي الأعمي نق أولا داخل الكأس والصفحة لكي يكون خارجهما أيضا نقيا ، ويل لكم أيها الكتبة والفريسيونالمراؤون لأنكم تشبهون قبورا مبيضة تظهر من خارج جميلة وهي من داخل مملوءة عظام أموات وكل نجاسة ، هكذا أنتمأيضا من خارج تظهرون للناس أبرارا ولكنكم من داخل مشحونون رياء وإثمًا .
تناول المخلص ناحية أخري من نواحي النقص في الفريسيين فوبخهم لأنهم ينقون خارج الكأس دون باطنها ، ويريدبالخارج الجسد وبالداخل النَّفس . ولما كان من يحفظ جسده من الخطية ولا يصون قلبه من التعلق بها لا مفر له من ارتكابها ، وكما أن الأجرب إذا استعمل الدهان من الخارج دون تعاطي الدواء الذي ينقي الداخل لا يستفيد كثيرا ،هكذا الذي تعمل الخطية في داخله لابد أن تظهر خارجه . وقد بلغت صراحة المخلص أشدها حين شبه مظهر الفريسيين الخادع ببياض القبور الخارجي ، وقلبهم المشحون بالحسد والشهوات والطمع والبغض والانتقام بباطنها الممتليء بالعظام والنجاسة . فلقد كانوا يظهرون للناس بمظهر البررة في حين كانوا في نفوسهم مشحونين بالأثم والمكر والخداع، ولا يخفي أن الأدب الظاهر لا قيمة له مالم يكن صادرا عن الأدب الباطن .
نية القتل
ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون لأنكم تبنون قبور الأنبياء وتزينون مدافن الصديقين ، وتقولون لو كنا في أيام آبائنا لما شاركناهم في دم الأنبياء . فأنتم تشهدون علي أنفسكم أنكم أبناء قتلة الأنبياء . فاملأوا أنتم مكيال آبائكم ،أيها الحيات أولاد الأفاعي كيف تهربون من دينونة جهنم . واستطرد رب المجد يوجه اتهامه الأخير للفريسيين وهو نيةالقتل فلامهم لا علي بناء قبور الأنبياء وتزيين مدافن الصديقين ، وهو أمر ممدوح في حد ذاته ، بل لأنهم كانوا يشاركون آباءهم في نية قتل الأنبياء والأتقياء ، بما كانوا يضمرونه من الشر نحوه ونحو رسله ، وذلك رغم ما صرحوا به كذبا من كراهيتهم لأعمال آبائهم ، مع ما ينطوي عليه تصريحهم هذا من اعتراف ضمني بأنهم أبناء قتلة الأنبياء ، وقوله ” فاملأوا أنتم مكيال آبائكم ” هو من قبيل الأخبار بقتله الذي سوف يقدمونه عليه ، لا القطع عليهم بفعله ، وحدوث هذاالقتل يكمل مكيال شرور آبائهم ، أي أن اليهود لا ينقصهم ليتم مكيال شرهم إلا قتل ابن الله ، وحينئذ يحل زمان عقابهم، ثم شبههم بالحيات لسببين أولهما أن الحيات تقتل من لا يسيء اليها ، إذ أنها عند الحبل بها تقتل الأنثي الذكر ، وعند الولادة تأكل الأولاد جوف أمها وتخرج من موضع تصلحه لنفسها ، فتموت الأنثي ، وهكذا الفريسيون قتلوا الأنبياء آباءهم وكانوا بقتلهم المسيح سببا في خراب أورشليم أمهم التي تجمع شملهم ، أما ثانيا فلأنها تزحف علي الارض وزحفها إشارة إلي أن أفكارهم منصرفة إلي الشهوات الأرضية ، ثم نسبهم إلي الأفاعي بقوله ” أولاد الأفاعي ” ويريدبهم الشياطين الذين يستميلونهم إلي تلك الشهوات ويتخذون منهم أولاداً وأذنابا، وعقوبة مثل هؤلاء الآباء والأبناء جهنم .
عظم التبعة
لذلك ها أنا أرسل إليكم أنبياء وحكماء وكتبة فمنهم تقتلون وتصلبون ومنهم تجلدون في مجامعكم وتطردون من مدينةإلي مدينة لكي يأتي عليكم كل دم زكي سفك علي الأرض من دم هابيل الصديق إلي دم زكريا بن برخيا الذي قتلتموه بين الهيكل والمذبح ، الحق أقول لكم إن هذا كله يأتي علي هذا الجيل .
وبعد أن أتم المخلص توبيخه أخذ يبين لهم مغبة أعمالهم بقوله ” ها أنا أرسل إليكم أنبياء وحكماء وكتبة فمنهم تقتلون ” لكي يأتي عليكم كل دم ذكي ” . ويقصد بالأنبياء رسله الذين بعد ما حل عليهم الروح القدس نالوا روح النبوة والحكمة والعلم كما يتضح ذلك من قول سفر الأعمال ” وبينما نحن مقيمون أيامًا كثيرة إنحدر من اليهودية نبي اسمه أغابوس وتنبأ عن بولس قائلا ” الرجل الذي له هذه المنطقة هكذا سيربطه اليهود في أورشليم ويسلمونه إلي أيدي الأمم ” (أع٢١: ١٠- ١١) ، وقول بولس ” فإنه لواحد يعطي بالروح كلام حكمة ولآخر كلام علم بحسب الروح الواحد “(١كو ١٢: ٨) ، والمراد بذلك تفسير الكتب وتعليمها ، وقد فعل اليهود بالرسل خاصة وبالمسيحيين عامة ما أنبأ به المسيح ، فبولس قطعت رأسه ، وبطرس صلب منكسا ، واستفانوس رجم ، والرسل جلدوا (أع ٥: ٤٠) وطردوا من مدينة إلي مدينة (مت١٠: ١٧) . ويستدل من هذا علي أن قولهم ” لو كنا في أيام آبائنا لما شاركناهم في دم الأنبياء ” هو محض خرافة باطلة إذ هم علي شاكلة آبائهم . ورب متسائل يقول كيف يجلب السيد علي رأسهم دم المقتولين بأسرهم من هابيل إلي زكريا ،والعدالة تأبي أن يؤخذ المرء بجريرة غيره ، وكيف لا يتعارض هذا مع الآية القائلة ” النَّفس التي تخطيء هي تموت ،الأبن لا يحمل من أثم الأب والأب لا يحمل من اثم الأبن ، بر البار عليه يكون وشر الشرير عليه يكون (حز ١٨: ٢٠) ؟ويرد علي ذلك بأن نياتهم في إساءة الأبرار كنيات آبائهم القاتلين ، ولذا استحقوا مثل عقابهم ، وقد يقال أيضاً أن اللهقد عاقب الإسرائليين علي آثامهم وقت ارتكابها بعض العقاب (أش ٩: ١٢) وأبقي إيقاع بعضه علي أولادهم التابعينخطواتهم الأثيمة وفقا لقوله ” أفتقد ذنوب الآباء في الأبناء في الجيل الثالث والرابع من مبغضي “(خر ٢٠: ٥) ، ووفق القول التلاميذ عن المولود أعمي ” من أخطأ هذا أم أبواه حتي ولد أعمي “(يو ٩: ٢) . وبما أنه قد سبق في علمه أنهم سيقتلونه هو وتلاميذه بلا ذنب فقد قال لهم هذا القول حسب نياتهم . وختم السيد خطابه بقوله ” الحق أقول لكم أن هذاكله يأتي علي هذا الجيل ” فأكد وقوع القتل والهلاك والدمار بالسامعين وغيرهم من اليهود ولكنه لم يحدد وقتا لذلك ،ويذكر التاريخ بأن هذا تم علي يد تيطس الروماني الذي دمر أورشليم وقتل الكثيرين من أهلها[18] .
المتنيح الدكتور موريس تاوضروس
المدلولات اللاهوتية والروحية لما جاء في إنجيل القداس
عدد ٢ : کرسی (Kathedras) “علی کرسی موسی جلس الكتبة والفريسيون”
الاشارة هنا إلى عمل المعلمين وهم يباشرون التعليم جالسين.
عدد ٥: لكي تنظرهم (Pros to theathynai) “وكل أعمالهم يعملونها لكي تنظرهم الناس”
انظر مت٦: ١ ، حيث يستعمل نفس الكلمة “احترزوا من أن تصنعوا صدقتكم قدام الناس لكي ينظروكم ” . لقد فصل الكتبة والفريسيون أنفسهم عن باقي الشعب ؛ وكما لو أنهم اتخذوا وضع الممثلين في المسرح ينظرهم الناس ويحدقون بهم في إعجاب وإطناب.
عصائبهم .. أهداب ثوبهم ( ……… Kraspeda Phulaktyria) فيعرضون عصائبهم ويعظمون أهداب ثيابهم .
كانت هذه العصائب تربط على الذراع الأيسر تجاه القلب وعلى الجبهة ، وكانت عبارة عن علب من الجلد، تحتوى على أربع آيات منسفرى الخروج والتثنية ، تكتب على ورق نفيس شبيه بالرقوق، وتكتب كل آية على ورقة منفردة من هذه الأوراق ، وأما هذه الآيات فهي: خر١٣: ١-١٠، ١٣: ١١-١٦ ، تث٦: ٤-٩، ١١: ١٣-٢١ . وأما الأعصاب التي تربط على الجبهة ، فقد كانت تتكون من علبة مقسمةإلى أربعة أقسام وكل قسم يتضمن ورقة كتبت عليها إحدى الآيات المشار إليها سابقا وكانت كل ورقة تثبت بشعر من ذيل العجلمغسولا غسلا جيدا . أما عصائب الذراع ، فقد كانت تتكون من ورقة واحدة تتضمن نفس الآيات الأربع السابقة تكتب في أربعة أعمدة، كل عمود يتكون من سبعة سطور . وأما السيور الجلدية السوداء التي كانت تثبت بها هذه العصائب ، فقد كانت تلف على هيئة لولب سبع مرات حول الساعد وثلاث مرات حول اليد أي تمتد من مرفق اليد اليسرى حتى الخنصر.
وكانت هذه العصائب تبجل من قبل الربانيين شأنها شان الكتاب المقدس، وأما الكلمة اليونانية التي ترجمت بها هذه العصائب (Phulaktyria) فهي من الفعل (Phulassw) بمعنى “يحرس” ، أي أن العصائب تقصد إلى تحصين المرء والمحافظة عليه وحراسته ،فكان يستعملها الربانيون كما لو أنه نوع من “الحجاب” أو “التعويذة” . ولقد قيل أن حشية ملك ما، أرادت قتل واحدا من الربانيين ،ولكنهم ردوا عن ذلك عندما رأوا سيور العصائب كأنها لهب من النار ، وقيل أيضا أنها تمنع الشياطين من إيذاء أي يهودي.
والسيد المسيح في هذا الموضع يشير إلى أن الكتبة والفريسين كانوا يستعملون العصائب لكي تنظرهم الناس، فكانوا يعرضون العصائب ويعظمون أهداب ثيابهم . بينما أن العصائب أعطيت لهم لكي تذكرهم بعمل الله العظيم معهم ، أي لأسباب روحية وليس لطلب مجد ذاتي ، وذلك يبدو من المناسبات التي طلب فيها استعمال العصائب ، فجاء في سفر الخروج ” ويكون لك علامة على يدكوتذكارا بين عينيك، لكي تكون شريعة الرب في فمك” (انظر خر١٣: ١-١٠) وجاء في سفر التثنية “فتحب الرب إلهك من كل قلبك ومنكل نفسك ومن كل قوتك” ولتكن هذه الكلمات التي أنا أوصيك بها اليوم على قلبك وقصها على أولادك وتكلم بها حين تجلس في بيتكوحين تمشي في الطريق وحين تنام وحين نقوم ، واربطها على قوائم أبواب بيتك وعلى أبوابك ” (تث ٦: ٥-٩)
وأما بالنسبة لاهداب الثوب ، فقد سبق وتحدثنا عنها (انظر مت ٩: ٢٠).
عدد ٦ : المتكأ الأول (Prwtoklisian) “يحبون المتكأ الأول في الولائم ” .
أي الأماكن الرئيسية أو المقاعد الأولى أو التي توجد في أعلى وأرفع المواضع.
عدد ٢٣ : المراءون (Hupokpital) “ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراءون “.
من الفعل (Hupokrinw) ويعني أن الفعل أصلا : يجيب على “. تساؤل – يؤدي دورا على المسرح ، ومن ثم يتضمن الفعل معنىالتظاهر – الاختلاق – التلفيق ، اتخاذ وضع زائف . تمثيل دور ما.
وعلى ذلك فالمرائي من حيث الاشتقاق اللغوي ، هو الممثل . وقد استعمل الفعل في (لو٢٠: ٢) ليشير إلى الذين يتراءون أنهم أبرار. قدام (Emprosthen) :”تغلقون ملكوت السموات قدام الناس”
يحمل الحرف هنا معنى تصويريا ، فهو يعني أمام أو في وجه ، أي يغلقون الباب في وجوه الناس.
نعنع (Yduosmon) “تعشرون النعنع والشبت ، وتركتم أثقل الوصايا” .
تتكون الكلمة من جزئين (Ydus) بمعنى حلو و Osmy بمعنى رائحة . والنعنع هو نبات شرقي طيب الرائحة وكان في بعض الأحيانينثر على أرض المجمع.
الشبث (Anython) من التوابل وله رائحة طيبة.
إن عشور هذه النباتات كان بلا شك ضئيل القيمة ، لكنه من ناحية أخرى يشير إلى الضمير الحي اليقظ ، ويشير التلمود إلى أن أحدالربانيين قد درب حماره على أن لا يأكل من الغلال التي لم تدفع عشورها بعد.
ولقد كان تبكيت السيد المسيح للكتبة والفريسين انهم يظهرون اهتماما نحو الامور البسيطة فيخدعون الناس بها وهم يتغافلون عنالامور الهامة والحيوية ، ولذلك قال لهم ” كان ينبغي أن تعملوا هذه ولا تتركوا تلك”.
الإيمان (Pistin) “تركتم أثقل الناموس الحق والرحمة والايمان”.
تعنى الكلمة اليونانية الايمان او الامانة ، ويمكن في هذا الموضع أن يعنى الأمانة كما في (رو٣: ٣) “فماذا إن كان قوم لم يكونوا أمناء، أفلعل عدم أمانتهم تبطل أمانة الله”.
عدد ٢٤: يصفون (Diulizontes) “يصفون عن البعوضة ويبلعون الجمل” .
يتركب الفعل من جزئين : di” بمعنى تام أو كامل ، **ulizw بمعنى : ينقى يقطر ، يصفى ، يرشح ، يطهر وكانت الحشرات تعتبرنجسة (لا١١: ٢٠، ٢٣، ٤١، ٤٢) ولذلك كان اليهود يصفون الخمر حتى لا تعلق بها حشرة ما، وبالاضافة إلى ذلك فان هناك بعضالحشرات التي تتكاثر في الخمور .
وفي نفس الوقت الذي يغلقون فيه أفواههم عن البعوضة وهي صغيرة الحجم ، فانهم يفتحون أفواههم ويكونون على استعداد لأنيبلعوا الجمل ، وهو بالنسبة لهم حيوان نجس (لا ١١: ٤).
عدد ٢٧: قبور مبيضة (Taphois Kekomiamenois) “لأنكم تشبهون قبورا مبيضة تظهر من خارج جميلة وهي من داخل مملوءةعظام أموات” .
لم تكن فقط قبور الأغنياء المبنية من الأحجار هي التي تبيض ، ولكن القبور على العموم كانت تغطى بالجبس . وكانت المقابر تقامخارج المدينة ، على أنه إذا وجدت جثة في الحقل . فيجب أن تدفن في المكان الذي وجدت فيه . انسان مثلا يتوجه إلى أورشليم فيعيد الفصح، يمكن أن يقابل في طريقه قبرا . ويتعرض هنا لأن يتنجس وفق ما قيل في سفر العدد “كل من مر على وجه الصحراء قتيلا بالسيف أو ميتا أو عظم انسان أو قبر يكون نجسا سبعة أيام” (عدد١٩: ١٦)،، ولذلك كان يؤمر أن تبيض جميع القبور شهرا قبل عيدالفصح حتى تصير واضحة ظاهرة فلا يعترض المسافر لأن يتنجس . وبلا شك فان حديث السيد المسيح عن القبور المبيضة يوافق ماكان يجري في تلك الأيام. على أنه يلاحظ أن الكلمة اليونانية المستعملة هنا في تبييض القبور ، تتكون من كلمة (Konis) التي تعنى”غبار” . وهذا يعني أن عملية التبييض كانت تتم بمسحوق كمسحوق الجير.
عدد ٢٩: قبور الأنبياء
بهذا الاسم يشار إلى أربعة قبور في أسفل جبل الزيتون في وادی يهوشافاط قبران منهما من حجر واحد مقطوع من الصخر. والآخران محفوران. وفي هذا الموضع الذي نحن بصدده ، يشار إلى أن القبور كانت تبنى وتزين، كما يشار في مواضع أخرى إلى النظام الذي كانت تقام به القبور ، ففي (لو١١: ٤٤) يشار إلى القبور المختفية التي يمشي عليها الناس ولا يعملون ، وفي (يو١١: ٣٨) يشار إلى قبر ، كان مغارة وقد وضع عليه حجر[19].
من وحي قراءات اليوم
” بالإيمان موسي لما كبر أنكر أن يُدعي ابناً لإبنه فرعون “البولس
(إعداد القائد الكنسي )
+ ماذا فعلت يوكابد لموسى إبنها في طفولته (خر ٢: ٩) حتي يأبي عندما يكبر أن يدعي إبن ابنه فرعون مفضلا بالأحرى أن يذل مع شعب الله؟
+ أعد الله موسي أربعين سنه في البرية ليقود الشعب أربعين سنة أخري!! ما أصعب تكلفة إعداد قائد ناجح.
+ إعداد القائد الكنسي يحدث إمَّا بالطريقة المباشرة وهي الإعداد الواعي المدقق المنظم لمجموعة معينة بهدف إعدادهم كقادة.
+ أو الطريقة غير المباشرة وهي تهيئة جو الأمان والحب والتفويض والمشاركة في المسؤولية مع طول البال والتشجيع المستمر يمكن أن يخلق قادة ناجحين.
+ فرق بين قيادة العاطفة والحماس التي تتأثر كثيرا بالعواطف والمخاطر سلبا وإيجابا وبين قيادة المدعو للخدمة التي يقودها الروح وسط كل الصعوبات وتتميز بالثبات وعدم التغير.
+ إنصات موسي النبي لنصيحة يثرون حمية يعلمنا كيف نستفيد كخدام وقادة من تدبير العالم وإدارته.
” + قفوا وانظروا خلاص الرب … الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون ” (خر ١٤: ١٣ ، ١٤) قالها موسي النبي قبل ان يعرف خطة الخلاص (ما أعظمه إيمان وما أقواها ثقة)
+ أخطأ موسي النبي بزواجه من إمرأة كوشية ولكن عاقب الله مريم أخته لإعتراضها عليه علانية (عد ١٢: ١) لأن فيهذا هَدْم الكيان (عظة علي سفر العدد ص ١٢ للمتنيح أنبا أثناسيوس مطران بني سويف)
+ مثل ما يختلف شخص مع قائد كنسي فيترك الكنيسة أو يشوه صورة القائد أمام الآخرين ويعثرهم فيه.
+ ” يا ليت كل شعب الرب كانوا أنبياء ” (عد ١١: ٢٩) آية تُعْلِن وتشرح لماذا إختار الله موسي النبي ودعاه للخدمة رغم إعتذاراته المتكررة.
المراجع
١- الأب هيبوليتس – تفسير بطرس الثانية إصحاح ١ – القمص تادرس يعقوب ملطي
٢- المرجع : تفسير إنجيل لوقا الإصحاح الحادي عشر – القمص تادرس يعقوب ملطي
٣- المرجع : تفسير مزمور ١٠٣ – القمص تادرس يعقوب ملطي
٤- المرجع : تفسير سفر الخروج ( الإصحاح الثامن عشر ) – القمص تادرس يعقوب ملطي
٥- تفسير سفر الخروج إصحاح ٣٢ – القمص تادرس يعقوب ملطي
٦- المرجع : كتاب الحقيقة والظلال للقديس يوحنا ذهبي الفم ( صفحة ٨١ ) – ترجمة دكتور سعيد حكيم يعقوب
٧- كتاب عظات علي سفر أرميا للعلامة أوريجانوس صفحة ١٣٢ – ترجمة جاكلين سمير كوستا – كنيسة مار جرجسإسبورتنج
٨- المرجع : كتاب الحب الإلهي ( الجزء الثالث صفحة ٢٠٦ – ٢١٢ ) – القمص تادرس يعقوب ملطي
٩- المرجع : تفسير إنجيل متي (الإصحاح الثالث والعشرون ) – القمص تادرس يعقوب ملطي
١٠- المرجع : كتاب المسيح مجد الشهداء ( صفحة ٢٨ ) – ترجمة الباحث ريمون يوسف رزق
١١- المرجع : كتاب من مجد إلي مجد للقديس غريغوريوس النيسي (صفحة ٨٢) – ترجمة القمص إشعياء ميخائيل
١٢- المرجع : كتاب إختبرني يا الله ( صفحة ٢٨٤ ) – قداسة البابا تواضروس الثاني
١٣- المرجع : كتاب دراسات في الكتاب المقدس – إنجيل متي صفحة ٢٣٦ – الأنبا أثناسيوس مطران كرسي بني سويف والبهنسا
١٤- المرجع : كتاب ألقاب المسيح ووظائفه ( صفحة ١٣٦ ) – أنبا بيمن – مطرانية ملوي وأنصنا والأشمونين
١٥- المرجع : كتاب مفاهيم إنجيلية ( صفحة ١٢٤ ) – أنبا إبيفانيوس أسقف ورئيس دير القديس أنبا مقار
١٦- المرجع : كتاب محفل الملائكة وسحابة الشهود صفحة ٢٥ – القمص لوقا سيداروس
١٧- المرجع : كتاب تأملات وعناصر روحية في آحاد وأيام السنة التوتية ( الجزء الثاني صفحة ٣٧ ) – إعداد القمص تادرس البراموسي
١٨- المرجع : كتاب كنوز النعمة لمعونة خدام الكلمة ( الجزء الأول صفحة ١٥٣ ) – الأرشيدياكون بانوب عبده
١٩- المرجع : كتاب المدلولات اللاهوتية والروحية في الكتاب المقدس بحسب إنجيل متي ( صفحة ١٦٢ ) – دكتور موريس تاوضروس أستاذ العهد الجديد بالكلية الإكليريكية