أما أنت يا بيت لحم أفراتة، وأنت صغيرة أن تكوني بين ألوف يهوذا، فمنك يخرج لي الذي يكون متسلطا على إسرائيل، ومخارجه منذ القديم، منذ أيام الأزل (مي ٥ : ٢)
أيها النور الحقيقي الذي يضئ لكل إنسان آت إلى العالم
أتيت إلى العالم بمجدك للبشر وكل الخليقة تهللت بمجيئك.
خلصت آدم من الغواية وعتقت حواء من طلقات الموت.
أعطيتنا روح البنوة نسبحك ونباركك مع ملائكتك.
ذكصولوجية باكر
” أرجوكم إقبلوا حمله في داخلكم ( كما حملته العذراء في بطنها ) ، وإقفزوا فرحاً أمامه إن لم يكن مثل يوحنا المعمدان وهو في بطن أمه (لو ١ : ١) ، فعلى الأقل مثل داود أمام تابوت العهد (٢صم ٦ : ١٤) . وعليك أن تحترم الإكتتاب الذى بسببه كتبت أنت في السموات . واسجد للميلاد (لو ٢ : ١ – ٥) الذى بواسطتة فككت من ولادتك الجسدية . واكرم بيت لحم الصغرى التي أرجعتك مرة أخرى إلى الفردوس[1] ”
شواهد القراءات
(مز ٤٩: ٢ ،٣، ٢٣) ،(مت ١ : ١ – ١٧)،(مز ٧٥ : ١ ، ٢) ،(مت ١ : ١٨ – ٢٥) ،(غل ٣ : ١٥ – ٤ : ١٨) ،(١يو ٤ : ١ – ١٤) ،(أع ١٣ : ١٣ – ٢٥) ،(مز ١٠٩ : ٣ ، ٤) ،(لو ٢ : ١ – ٢٠)
ملاحظات على قراءات يوم ٢٨ كيهك
+ إنجيل القداس لهذا اليوم (لو ٢ : ١ – ٢٠) مُشابه لإنجيل عشية (لو ٢ : ١٥ – ٢٠) يوم ٦ طوبه ( عيد الختان )
القراءة الأولي تتكلم عن ميلاد المسيح له المجد ، والقراءة الثانية تتكلم عن رجوع الرعاة لبيوتهم بعد ما أخبروا والدة الإله بما قاله لهم رئيس الملائكة ، وهي التي حدثت في الأيام السابقة للختان
شرح القراءات
تأتي قراءات برمون عيد الميلاد لتتكلّم عن إبن الإنسان ومخلّص الإنسان فقراءات اليوم تشرح تجسد الكلمة وما هو عِظَم الخلاص الذي أخذته البشرية من تجسّده المجيد وظهوره في الجسد
نجد في المزامير الكلمة صار جسداً منظوراً ( مزمور عشية )
ومعروفاً بمدينة ومسكن في أرضنا ( مزمور باكر )
مع أن ولادته من الآب منذ الأزل ( مزمور القداس )
فيحكي مزمور عشيّة عن ظهوره في الجسد وإمكانية سماع صوته الإلهي مباشرة بعد أن كان خلال الأنبياء كما قال القديس أثناسيوس الرسولي والعلّامة أوريجانوس ويوسابيوس القيصري في تفسير هذا المزمور وكيف أنه في تجسّده سيُستعلن خلاصه
( من صهيون حسن بهاء جماله الله يأتي جهاراً وهناك الطريق حيث أريه خلاص الله )
وفِي مزمور باكر ترتبط حقيقة تجسّده بصهيون واليهودية وإسرائيل وإن كان بعد ذلك صار اسمه مٌُمجّدا في العالم كله وصارت قلوبنا وكنائسنا هي صهيون الجديدة موضع ابن الإنسان
( الله ظاهر في اليهودية وعظيم هو اسمه في إسرائيل صار موضعه بسلام ومسكنه في صهيون )
وفِي مزمور القداس نري حقيقة لاهوت ابن الإنسان وولادته الأزلية من الآب ومن البطن هنا أي من جوهر لاهوته كما قال القديس جيروم كما يُعْلِن غاية تجسّده بهاء القديسين الذي تحقق في يوم قوّته أي الصليب ( تفسير مزمور ١١٠ – القمص تادرس يعقوب ملطي )
( معك الرئاسة في يوم قوتك في بهاء القديسين من البطن قبل كوكب الصبح ولدتك )
وتتكلّم القراءات عن تدبير سر التجسّد وإعداد الله البشرية لظهوره في الجسد وكيف كان الناموس مهذِّباً لنا إلي المسيح ( البولس )
وكيف نفرِّق بين ظهوره الإلهي وظهور الأنبياء الكذبة في العالم والعقائد الغريبة ( الكاثوليكون )
وتدبير الله في اختيار القضاة والملوك والأنبياء في القديم للإعداد لمجيئه ( الإبركسيس )
يبدأ البولس بشرح قيمة ناموس العهد القديم في كشف الخطية والاحتياج الشديد لمجيء المُخلّص في ملء الزمان ليجعلنا أبناء الله وننال الفداء والميراث الأبدي
( فما سبب الناموس بعد قد وُضع من أجل التعديات إلي أن يأتي النسل الذي قد وُعِدَ له مُرتبّاً بملائكة في يد وسيط … إذاً قد كان الناموس مهذِّباً لنا إلي المسيح لكي نتبرر بالإيمان … ولكن لما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه مولوداً من إمرأة صائراً تحت الناموس ليشتري الذين هم تحت الناموس لننال التبني ثم بما أنكم أبناء أرسل الله روح إبنه إلي قلوبكم صارخاً يا أبا الآب إذا لست بعد عبداً بل إبناً وإن كنت إبناً فوارث لله )
وفِي الكاثوليكون يُحذِّر من الأنبياء الكذبة والعقائد الخاطئة التي لا تعترف بتجسّد الكلمة لأجل خلاص البشرية كلها
( يا أحبائي لا تصدقوا كل روح بل امتحنوا الأرواح هل هي من الله لأن أنبياء كذبة كثيرين قد أتوا إلي العالم بهذا تعرفون روح الله من روح الضلالة كل روح يعترف أن يسوع المسيح قد جاء في الجسد فهو من الله وكل روح لا يعترف بيسوع المسيح أنه قد جاء في الجسد فليس من الله … بهذا أُظهرت محبة الله فينا لأن الله قد أرسل إبنه الوحيد إلي العالم لكي يحيي به … ونحن قد رأينا ونشهد أن الآب قد أرسل الابن لخلاص العالم )
وفِي الإبركسيس نري العلاقة بين إختيار الله للأنبياء والملوك والقضاة وتدبير سر التجسّد
( وبعد ذلك أعطاهم قضاة حتي صموئيل النبي ومن ثمَّ طلبوا ملكاً فأعطاهم الله شاول ابن قيس رجلاً من سبط بنيامين أربعين سنة ثم عزله وأقام لهم داود ملكاً هذا الذي شهد لأجله إذ قال وجدت داود بن يسي رجلاً حسب قلبي هذا الذي سيصنع كل مشيئتي ومن نسل هذا الوعد أقام الله مخلصاً لإسرائيل يسوع إذ سبق يوحنا فكرز قبل مجيئه بمعمودية التوبة لجميع شعب إسرائيل )
ثم تسير بنا الأناجيل لتحكي سلسة أنساب إبن الإنسان ( إنجيل عشية )
وتأكيد رئيس الملائكة للقديس يوسف النجار للحبل بدون زرع بشر من والدة الإله ( إنجيل باكر )
ثم ولادته في مزود وبشارة الملاك للرعاة بميلاد المخلص ( إنجيل القداس )
يُقدم إنجيل عشية سلسلة أنساب ابن الإنسان وتأكيد حقيقة تجسّده ومجيئه من نسل إبراهيم ونسل داود
( كتاب ميلاد يسوع المسيح إبن داود إبن إبراهيم … ويعقوب ولد يوسف رجل مريم التي وُلد منها يسوع الذي يُدعي المسيح )
كما تختلف سلسلة أنساب إبن الإنسان في إنجيل متي (مت ١ : ٢ – ١٧) عنه في إنجيل لوقا (لو ٣ : ٢٣ – ٣٨) ، ونري هنا السبب في إختلاف بعض الأسماء :
( ” كتاب ميلاد”: أي جدول نسب، وهو مأخوذ من جداول الأنساب التي كان يهتم اليهود بحفظها انتظارا للمسيا الآتي، وقد فُقدت هذه الجداول عند خراب أورشليم عام ٧٠ م بيد تيطس قائد الرومان. وقد دبر الله اهتمامهم بهذه الجداول ليكون هذا إثباتا أن المسيح هو ابن داود، فيؤمنوا به.
يوحد في الكتاب المقدس جدولان بأنساب المسيح، أحدهما في لوقا (لو ٣ : ٢٣ – ٣٨) الذي يكلم الأمم، فيكتب النسب الشرعى، أي الذكور الذين تعتبرهم الشريعة آباءً، فلو مات واحد ولم ينجب، يتزوج أخوه بامرأته، ويُنسَب النسل للذى مات (تث ٢٥ : ٥-٦). فبعض الأبناء المذكورين هم أبناء بالتبني، ليعلن للأمم أنهم أبناء بالتبني ولهم الخلاص مثل اليهود.
أما متي (مت ١ : ٢ – ١٧) فلأنه يكلم اليهود، يكتب الآباء الطبيعيين لأنهم شعب الله المتسلسلين من آبائهم الطبيعيين، أي اليهود.
فنرى يوسف خطيب مريم له أب شرعي هو هالى المذكور في لوقا، الذي مات ولم ينجب. أما يعقوب المذكور في متى فهو أبوه الطبيعي كما يقول القديس ساويرس الأنطاكى. أما يوحنا (يو١ : ١ – ٢) فكتب نسبه الإلهي[2]. )
وإنجيل باكر الذي يؤكد علي الحبل من الروح القدس والمولود هو الله معنا ( عمانوئيل ) وهو المخلِّص ( يسوع ) كما أكّد ذلك رئيس الملائكة للقديس يوسف النجّار في ظهوره له في الحلم
( أما ميلاد يسوع المسيح فكان هكذا لما كانت مريم أُمُّه مخطوبة ليوسف قبل أن يجتمعا وُجِدَت حُبلي من الروح القدس فيوسف رجلها إذ كان باراً ولم يشأ أن يُشهرها أراد تخليتها سراً ولكن فيما هو مُتفكِّر في هذا إذا ملاك الربِّ قد ظهر له في حلم قائلا يا يوسف إبن داود لا تخف أن تأخذ مريم إمرأتك لأن الذي ستلده هو من الروح القدس فستلد إبناً وتدعو إسمه يسوع لأنه يُخلّص شعبه من خطاياهم وهذا كله كان لكي يتم ما قيل من الرب بالنبيِّ القائل هوذا العذراء تحبل وتلد إبناً ويدعون إسمه عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا )
ويختم إنجيل القداس بولادة المسيح الرب مُخلِّص البشرية في مزود بسيط وبشارة الملاك للرعاة بميلاده العجيب
( وبينما هما هناك تمت أيامها لتلد فولدت إبنها البكر ولفَّته ووضعته في مذود إذ لم يكن لهما موضع في المنزل وكان في تلك الكورة رعاة يرعون في الحقل ويحرسون حراسة الليل علي رعيتهم وإذا ملاك الرب وقف بهم ومجد الرب أضاء حولهم فخافوا خوفاً عظيماً جدّاً فقال لهم الملاك لا تخافوا فها أنا أُبشِّركم بفرح عظيم سيكون لجميع الشعب إنه ولد لكم اليوم في مدينة داود مُخلِّص هو المسيح الرب )
ويشرح القديس كيرلس الكبير معني ” إبنها البكر “
معنى ابنها البكر أي أول مولود، فلا يقصد به أنه أخ من بين عدة إخوة، ولكن واحد من بين الأبكار، فإنَّ الأسفار الإلهيّة تستعمل كلمة بكر أو أول في مواضع شتَّى، ولم يقصد بالكلمة إلا واحد فقط، فقد ورد “أنا الأول والآخر ولا إله غيري” (إش ٤٤: ٦).
فأُضيفت كلمة أول إلى المولود للدلالة على أن العذراء لم يكن لها ابن سوى يسوع ابن الله على حد قول الوحي “أنا أيضًا أجعله بكرًا أعلى من ملوك الأرض” (مز ٨٩: ٢٧)، ويقول أيضًا الحكيم بولس “وأيضًا متى أُدخل البكر إلى العالم يقول: فلتسجد له كل ملائكة الله” (عب ١: ٦).
وكيف دخل المسيح البكر إلى العالم وهو بعيد عن العالم بطبيعته، ويختلف عن الجُبْلة البشريّة بطبيعتها؟
دخله بأن الله صار إنسانًا، ومع أنه ابن الله الوحيد إلا أنه بكر لنا، لأننا جميعنا إخوة له وبذلك أصبحنا أبناء الله.
لاحظوا أن المسيح يُدعى بكرًا بالنسبة لنا. وابن الله الوحيد بالنسبة للإله الواحد، فالمسيح ابن الله الوحيد لأنه كلمة الآب، فليس له إخوة يشاركونه هذه البنوَّة، لأن الابن متَّحد مع الآب، إله واحد لا غيره ولكن المسيح بكر لنا لأنه شاء فنزل إلى مستوى المخلوقات الطبيعيّة، ولذلك تجدون الأسفار الإلهيّة تشير إلى المسيح ابن الله بالقول: “الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب” (يو ١ : ١٨). أما إذا استعمل الكتاب المقدَّس كلمة البكر فإنَّ الوحي يفسِّرها بما يبيِّن مضمونها فورد “ليكون هو بكرًا بين إخوة كثيرين” (رو ٨ : ٢٩)، وورد أيضًا “بكر من الأموات” (كو ١ : ١٨)[3].
ملخّص الشرح
الكلمة المُتجسِّد صار منظوراً ومعروفاً بمكان ومسكن رغم أزلية ولادته من الآب مزمور عشيّة وباكر والقدّاس
وتدبير تجسّده منذ القديم في إعداد البشرية للاحتياج للخلاص البولس
وظهوره في ملء الزمان وخطورة الأرواح الكاذبة والتعاليم الخاطئة الكاثوليكون
وتدبيره في أنبياء وقضاة وملوك العهد القديم لتنفيذ خطة الخلاص الإبركسيس
وهدف تجسّده خلاص البشر إنجيل القدَّاس
أفكار مقترحة للعظات
(١) إبن الإنسان ومُخلِّص الإنسان ( تأكيد مجيئه في الجسد وكمال ناسوته وتأكيد فعل لاهوته )
١- معروف مَنْشَأَهُ ( بالجسد ) ومُسْتَعْلَن كمال خلاصه
” من صهيون حسن بهاء جماله الله يأتي جهاراً وهناك الطريق حيث أُريه خلاص الله ” مزمور عشيّة
٢- مُعْلَن موضعه ( بالجسد ) ومُدركه أزليته
( صار موضعه بسلام ومسكنه في صهيون ) ، ( من البطن قبل كوكب الصبح ولدتك ) مزمور باكر والقدّاس
٣- مولوداً إنساناً وهو الإله المُخلِّص والذي وهبنا الخلاص والتبني والميراث
” فستلد ابنا وتدعو اسمه يسوع لأنه يُخلِّص شعبه من خطاياهم ” إنجيل باكر
” أرسل الله ابنه مولوداً من امرأة … ليشتري الذين هم تحت الناموس لننال التبني … وإن كنت ابنا فوارث لله البولس
٤- خطورة التعاليم التي تنكر حقيقة تجسّده لأنها تلغي فعل خلاصه
” كلُّ روح يعترف أنَّ يسوع المسيح قد جاء في الجسد فهو من الله … قد رأينا ونشهد أن الآب قد أرسل الإبن لخلاص العالم ” الكاثوليكون
٥- يُحْسَب في الأنسال والأنساب وهو الذي سيُخلِّصهم
” ومن نسل هذا حسب الوعد أقام الله مخلصاً لإسرائيل يسوع ” الإبركسيس
” إنه وُلِدَ لكم اليوم في مدينة داود مُخلِّصُُ هو المسيح الرب ُّ ” إنجيل القدَّاس
(٢) أجواء مسيح المزود
١- لم يكن لهما موضع
وهذا يحدث في كل جيل لمن يحملون رسالة ميلاد المسيح لا يكون لهم موضع وسط حسابات البشر وكراماتهم وسياساتهم وتوازناتهم ومصالحهم ومكاسبهم وذواتهم ومُتَّكآتهم الأولي
٢- يحرسون حراسات الليل علي رعيتهم
من ظهر لهم الملاك والجمهور من الجند السماوي ومن نالوا بركة الوجود في المزود إلَّا الساهرين علي رعيتهم وليس الساهرين علي منافعهم ومراكزهم ومراتبهم
٣- فرح عظيم سيكون لجميع الشعب – جمهور من الجند السماوي مُسبحين
سكيب الفرح ومجد التسبيح هو نصيب كل الذين يتبعون مسيح المزود وما أجمل كنيستنا التي جعلت صلواتنا وليتورجياتنا تسبيح وتمجيد لا ينقطع لنعيش علي الدوام في سر ميلاده العجيب
٤- يخلص شعبه من خطاياهم
هذا هو هدف مجيئه بالجسد خلاصنا ليس فقط من الخطية ولكن أيضاً من كل آثارها وتوابعها من قلق وحزن وإضطراب وخوف وشهوات ونزاعات وصراعات
٥- وأما مريم فكانت تحفظ جميع هذا الكلام مُتفكِّرةً به في قلبها
الهذيذ والتفكُّر والتذكُّر الدائم لعطايا الله. ومحبته يجعل النفس ساكنة ومُستقرِّة في أجواء المزود التي هي المجد والسلام والمسرّة
(٣) هدف التجسّد البولس
” أرسل الله ابنه مولوداً من امرأة … ليشتري ( يفتدي ) الذين هم تحت الناموس لننال التبني … وإن كنت إبناً فوارث لله ”
١- الفداء
هذه هي بشارة الملاك ليوسف النجار ليجعله مُطمَئِنّاً من جهة والدة الإله ( فستلد ابنا وتدعو اسمه يسوع لأنه يُخلِّص شعبه من خطاياهم )
وهذه هي بشارة الملاك للرعاة ( مُخلِّص هو المسيح الرب )
مُخلِّص من الخطية ومن آثارها وتوابعها ( الحزن والقلق والخوف والضيق واليأس … )
٢- التبني
( إذاً لست بعدُ عبداً بل إبناً )
راجع : (هو ١ : ١٠) ، (لو ٢٠ : ٣٦) ، (رو ٨ : ١٤) ، (غل ٣ : ٢٦ ، (١يو ٣ : ١)
٣- الميراث السماوي
” وإن كنت إبناً فوارث لله ”
راجع : (رو ٨ : ١٧) ، (غل ٣ : ٢٩) ، (تي ٣ : ٧) ، (يع ٢ : ٥)
عظات آبائية
القديس إيرينيوس: “يولد لنا ولد”
نفس النبي يقول أيضا: ” لأنه يولد لنا ولد ونعطي ابنا ويدعى اسمه عجيبا مشيرا إلها قديرا”.
+ فهو يدعوه ” عجييا مشيرا” للآب، لأنه بمشورته وبه خلق الآب كل شئ، كما هو مكتوب في سفر موسى الذي يدعى التكوين: “نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا “”. هنا يبدو أن الآب يتحدث مع الابن الذي هو المشير العجيب” للآب. لكن في نفس الوقت هو مشيرنا الخاص لأنه يظل معنا، ينصحنا بدون أن يجبرنا بسلطانه (كإله)، بالرغم من أنه “إله قدير”. فهو ينصحنا بأن نتخلى عن ظلام الجهل ونقبل نور المعرفة، وأن نبتعد عن الضلال ونأتي إلى الحق، وأن نطرح الفساد ونكتسب عدم الفساد”.
+ ويقول إشعياء أيضا: “لأن كل سلاح المتسلح في الوغى وكل رداء مدحرج في الدماء يكون للحريق مأكلاً للنار. لأنه يولد لنا ولد وتعطى ابنا وتكون الرياسة على كتفه ويدعى اسما عجيبا مشيرا إلها قديرا أبا أبديا رئيس السلام. لنمو رئاسته وللسلام لا نهاية على كرسي داود وعلى مملكته ليثبتها ويعضدها بالحق والبر من الآن إلى الأبد”. من هذه الأقوال يتضح أن ابن الله سوف يولد (كإنسان) وسوف يدعى ملكا أبديا.
أما تعبير “يكون للحريق مأكلاً للنار” فيشير إلى أولئك الذين لم يؤمنوا به وفعلوا ضده ما فعلوه. هؤلاء سوف يصرخون في يوم الدينونة: ” كان الأفضل لنا أن نكون مأكلاً للنار قبل ميلاد ابن الله، عن أن نكون غير مؤمنين به”، لأنه يوجد رجاء للذين ماتوا قبل مجيء المسيح أن ينالوا الخلاص وذلك بعد قيامتهم أي في الدينونة.
وينطبق ذلك على الذين كانوا يخافون الله وقد ماتوا في البر وكان عندهم روح الله في داخلهم مثل البطاركة والأنبياء والأبرار. أما أولئك الذين لم يؤمنوا بالمسيح بعد مجيئه فإن عقابهم في يوم الدينونة سيكون بلا رحمة. أن تعبير ” وتكون الرياسة على كتفه” يشير رمزيا إلى الصليب الذي سمرت عليه يداه. فالصليب الذي كان له عارا وبسببه كان عارا لنا أيضا، هذا الصليب نفسه يشهد لرياسته، وهو راية مملكته. وأنه كان بالنسبة للآب هو: “ملاك المشورة العظمى”، كما يقول النبي، وهو الذي أعلن لنا الآب.
+ أما كون ابن الله سوف يولد والطريقة التي بها سوف يولد وعن ظهوره كمسيح، فهذا ما تحدث عنه الأنبياء الذين تنبأوا عنه، فأخبروا عن ولادته، وعن العائلة التي سيولد منها.
رئيس من يهوذا:
فموسى يتحدث في سفر التكوين قائلاً: ” لا يزول قضيب من يهوذا ومشترع من بين رجليه حتى يأتي شيلون وله يكون خضوع شعوب. رابطا بالكرمة جحشه وبالجفنة ابن أتانه غسل بالخمر لباسه وبدم العنب ثوبه” يهوذا جد اليهود كان ابن ليعقوب، ومنه أخذ اليهود التسمية . ولم يحدث في أية فترة أنهم كانوا بدون رئيس أو قائد حتى مجيء المسيح”.
لكن بعد مجيء المسيح فإن رجال حرب مقتدرون احتلوا بلادهم بالسلاح، وخضعت أرض اليهود للرومان، ولم يعد لديهم كأمة رئيس ولا ملك. لأنه أتى ذاك الذي له الملكوت في السموات، ذاك الذي غسل ” في الخمر لباسه وبدم العنب ثوبه”. اللباس والثوب هما هؤلاء الذين آمنوا به والذين غسلهم، عندما خلصنا الذي هو “دم عنب”” لأنه، كما أن دم العنب لا يصير بواسطة إنسان، لكن من الله الذي صنعه وهو يفرح من يشربه، بنفس الطريقة فإن جسد المسيح ودمه ليسا من صنع إنسان، بل من الله.
الرب نفسه أعطى نبوة عن ميلاده العذرى (نبوة إشعياء ١٤.١١:٧)، أي أن هذا هو الذي ولد من العذراء، عمانوئيل الذي أبهج هؤلاء الذين يشربون منه، أي يأخذون روحه، وبذلك ينالون الفرح الأبدي. لذلك فهو يمثل مشتهى الأمم، للذين يأملون فيه وينتظروا تأسيس ملكوته.
كوكب من يعقوب:
+ ويقول موسى أيضا: ” يبرز كوكب من يعقوب ويقوم قضيب من إسرائيل”. هذا يعلن بوضوح أن تدبير ميلاده بحسب الجسد سيكون بين اليهود، وأن ذاك الذي سوف يولد من بيت يعقوب ويهوذا، سوف ينزل من السماء، هو الذي سيتمم هذا التدبير. فقد ظهر “نجم” في السماء. و”قضيب” تعنى ” ملك “إذ هو ملك جميع المخلصين.
وعند ميلاده ظهر النجم للمجوس الذين جاءوا من المشرق. وبظهور النجم عرفوا أن المسيح قد ولد، فأتوا إلى اليهودية منقادين بواسطة هذا النجم، إلى أن وصل إلى بيت لحم، حيث ولد المسيح. وعندما أتوا إلى البيت حيث كان الطفل مقمطا، توقف النجم فوق رأسه لكي يعلن للمجوس أن هذا الطفل المولود هو المسيح ابن الله”.
قضيب من جذع يسي:
+ يعبر إشعياء عن هذا قائلاً: ” ويخرج قضيب من جذع يسى وينبت غصن من أصوله. ويحل عليه روح الحكمة والفهم روح المشورة والقوة روح المعرفة ومخافة الرب. ولذته تكون في مخافة الرب فلا يقضى بحسب نظر عينيه ولا يحكم بحسب سمع اذنيه. بل يقضى بالعدل للمساكين ويحكم بالإنصاف لبائس الأرض ويضرب الأرض بقضيب فمه ويميت المنافق بنفخة شفتيه. ويكون البر منطقة متنيه والأمانة منطقة حقويه.
فيسكن الذئب مع الخروف. ويربض النمر مع الجدي، والعجل والشبل والمسمن معًا ويلعب الرضيع على سرب الصل، ويمد الفطيم يده على جحر الأفعوان فلا يؤذيه… ” ويكون في ذلك اليوم أن أصل يسى القائم ليسود على الأمم، وعليه يكون رجاء الأمم، ويكون قيامه مجدا”. يتنبأ إشعياء بواسطة هذه الأقوال، إن المسيح سوف يولد من العذراء التي هي من بيت داود وإبراهيم.
لأن يسي كان من نسل إبراهيم وهو أبو داود. والعذراء التي حملت بالمسيح أتت من نفس العائلة. إذن هو المشار إليه بـ”القضيب”. لذلك يستخدم موسى أو القضيب” لكي يصنع المعجزات أمام فرعون. والعصا في الشعوب الأخرى علامة السيادة. أما كونها قد أنبتت كقول إشعياء فهذا يشير إلى جسد المسيح الذي “نبت” بواسطة فعل الروح القدس كما قلنا سابقا.
+ الكلمات ” فلا يقضى بحسب نظر عينيه ولا يحكم بحسب سمع أذنيه. بل يقضى بالعدل للمساكين ويحكم بالإنصاف لبائس الأرض” تظهر بالأكثر ألوهيته. لأن بر الله وحده هو الذي يحكم بالعدل، بدون تمييز للأشخاص وبدون محاباة للأشراف (العظماء)، ويعطى العدل للفقراء بالتساوى وبالحق وفق أوامر العلى وعدله الإلهي.
لأن الله لا يخضع لأى تأثير ولا يعمل سوى عدل وحق. والرحمة هي أيضا تليق بالله نفسه الذي في صلاحه يريد أن يقدم الخلاص. وتعبير ” بل يقضي بالعدل للمساكين… ويميت المنافق بنفخة شفتيه”.
يشير أيضا إلى الله الذي خلق الكل بكلمة. ويقول: “ويكون البر منطقة متنيه والأمانة منطقة حقويه” فهو يشير إلى الشكل البشرى للمسيح، وإلى بره الحقيقي والفائق[4].
وأيضاً للقديس إيريناؤس
“حين أخذ ابن الله جسداً وصار انساناً ، جمع فى نفسه تاريخ البشرية الطويل جالباً لنا نعمة الخلاص ، لذلك فانه فى المسيح يسوع نستطيع أن نستعيد ما فقدناه فى آدم ، الذى هو صورة وشبه الله ، لأنه اذا كان من غير الممكن للانسان بعد أن صار مجروحاً ومكسوراً بالعصيان أن يشفى ويستعيد غصن النصر، ولأن ذلك معناه أنه من غير الممكن له أن ينال الخلاص ،لأنه وقع تحت قوة الخطية فقد حقق ابن الله هاتين المهمتين، أنه “كلمة الله” أتى ونزل من عند الآب وصار جسداً ووضع نفسه حتى الى الموت وأكمل تدبير خلاصنا ” .
“لقد أغويّت حواء بكلمة الملاك الذى سقط وعصت كلمة الله لذلك هربت منه ،
بنفس الطريقة استقبلت مريم البشارة بواسطة كلمة من الملاك ، وأطاعت كلمة الله لذلك حملته فى أحشائها .
وبينما الأولى (حواء) قد أغويّت لتعصى الله ، قَبِلَت الأخيرة أن تطيع الله ، لذلك صارت العذراء مريم هى المحامية عن العذراء حواء.
وكما أن الجنس البشرى صار مربوطاً بالموت بسبب عذراء (حواء) هكذا قد تحررت من الموت بالعذراء (مريم).
لأن عصيان العذراء الأولى قد عالجه وأبطله اطاعة العذراء الثانية .
اذاً ، ان كانت خطية الانسان الأول قد شفُيّت وعولجت بحياة ابن الله الوحيد الجنس ، وان كان مكر الحيّة قد أُبطِل ببساطة الحمامة (مريم) وان كانت السلاسل التى ربطتنا بالموت قد تحطمت ، اذاً فالهراطقة (غير المؤمنين بالمسيح) الآن هم فى غباء شديد وهم جاهلون بتدبير الله وغير مدركين لتدبيره لخلاص الانسان ” .
آدم الجديد وحواء الجديدة
“فى رسالته الى أهل غلاطية يقول القديس بولس بكل وضوح ” أرسل الله ابنه مولوداً من امرأة ” (غل ٤:٤) وفى رسالته الى أهل رومية يقول ” عن ابنه الذى صار من نسل داود بحسب الجسد وتعيّن ابن الله بقوة من جهة روح القداسة بالقيامة من الأموات يسوع المسيح ربنا ” (رو١: ٣-٤) .
اذاً لم يكن قصده فى أن يأخذ جسداً من العذراء أمراً بلا فائدة ، لأنه لماذا ينزل الى أحشائها الا اذا كان يريد أن يأخذ منها شيئاً ؟
وعلاوة على ذلك اذا لم يكن قد أخذ منها جسداً (بشرياً) ما كان قد تعود على أن يأكل الطعام الارضي ولا كان بعد أن صام أربعين يوماً مثل موسى وايليا ، قد شعر بألم الجوع (مت٤: ٢) .
وأيضاً لم يكن جسده قد شعر بالحاجة الى الغذاء ، ولا كان تلميذه يوحنا قد كتب عنه ” واذ تعب يسوع من السفر جلس هكذا على البئر ” (يو ٤: ٦).
ولا كان داود النبى قد أخبر عنه قائلاً ” زادونى حزنا على وجعى ” (مز ٦٩ : ٢٧).
ولا كان يسوع قد بكى على قبر لعازر (يو ١١: ٣٥).
ولا كان عرقه تساقط كقطرات الدم (لو ٢٢ : ٤٤).
ولا كان قد قال ” نفسى حزينة جداً ” (مت ٢٦ : ٣٨).
ولا كان قد خرج دم وماء من جنبه المطعون بالحربة (يو ١٩ : ٣٤).
هذه كلها علامات على انه قد أخذ جسداً من الأرض (يقصد جسداً بشرياً )
جامعاً هذا الجسد فى نفسه (أى جمع الطبيعة البشرية فى نفسه)
ليخلص صنعة يديه(خليقته).
لأجل ذلك فان القديس لوقا يقدم نسب يسوع مبتدئاً من ميلاد الرب ، راجعاً به حتى آدم ذاكراً حوالى ٧٢ جيلاً (لو ٣: ٢٣-٣٨) هكذا ربط النهاية بالبداية ، وأوضح أن يسوع الذى جمع فى نفسه كل الشعوب المتفرقة منذ آدم ، جمع كل اللغات وكل الأجيال البشرية حتى آدم نفسه.
لذلك فان بولس يدعو آدم “مثال الآتى” (رو ٥: ١٤) لأن الكلمة ، خالق كل الأشياء ، قد شكّل فى آدم التدبير الخاص بالبشرية التى منها سوف يأخذ ابن الله جسداً.
فى البداية خلق الله انساناً (جسدياً) ليكون له الامكانية أن يخلص بواسطته (الروحانى) (١كو ١٥: ٤٦) ولأن المُخلّص كان كائناً قبل التَجَسُد ، فان خليقته التى احتاجت الى الوجود أيضاً وهكذا لم يكن مجىء المخلص بلا سبب.
وطبقاً لهذا التدبير قدّمت العذراء مريم طاعة حين قالت “هوذا أنا أمة الرب ليكن لى كقولك” (لو١: ٣٨) ، وحواء قدّمت المعصية وهى عذراء حواء ظلّت عذراء بالرغم من وجود آدم معها كزوج فى الفردوس لأنهما “كانا عريانين وهما لا يخجلان” (تك ٢: ٢٥).
لأنهما كانا فى بداية خلقتهما ولم يكونا يعرفا شيئاً عن ولادة الأولاد ، كان عليهما أن ينضجا أولاً ثم بعد ذلك ينجبا الأولاد.
بالعصيان صارت حواء سبباً للموت لها ولكل الجنس البشرى وبنفس الطريقة صارت مريم ، بالرغم من أنها هى أيضاً كانت تُحسَب أن لها زوجاً ، كانت دائما عذراء ، وبالطاعة صارت سبباً للخلاص لنفسها ولكل الجنس البشرى .
لأجل هذا السبب ، الناموس يدعو المرأة المخطوبة لرجل ، يدعوها زوجته حتى لو كانت لا تزال عذراء وهذا يوضح المقابلة بين حواء ومريم تماماً مثلما يكون هناك شيء مربوطاً لا يمكن أن يحلّ الّا بأن نفك العقدة بطريقة عكسية .
لهذا السبب قال ربنا أن “الآخرون أولون والأولون آخرون” (مت ١٩ :٣٠) وداود النبى أيضاً أكّد نفس الشىء حين قال “ويكون لك أبناء عوضاً عن آبائك ” (مز٤٥ : ١٦) ولأن الرب قد صار “البكر بين الأموات” (كو١: ١٨) وقبل كل الآباء الأولين فى حضنه وجددهم ثانية بالحياة مع الله صائراً هو نفسه أول الأحياء (كو١: ١٨) مثلما صار آدم أول الأموات .
لذلك بدأ القديس لوقا أنسابه من الرب راجعاً الى آدم لكى يوضح أنه لم يكن الآباء هم الذين جدّدوا (الابن) ولكن بالحرى (الابن) هو الذى جدّدهم بانجيل الحياة وهكذا عقدة عصيان حواء قد حلّتها طاعة مريم وما ربطته حواء بعدم الايمان حلته مريم بايمانها[5] “.
الظهور الإلهي إشتياق الأبرار وفرح الأجيال عند القديس مار أفرام السرياني :
+ اشتهي ملكي صادق (تك ١٨ : ١٤) أن يري رب الكهنوت الذي يطهر العالم بزوفاه.
+ وبحث عنه هروب عندما رأي عصاه تبتلع الثعابين ( خروج ٧ : ١٢) فكم بالأكثر رأي يبتلع الصليب الأفعي التي أغوت آدم وحواء ،
+وموسي النبي – الذي احتفظ بلمعان وجهه – اشتاق ان يري الرب ” لانه قد تعلم من الرب انه هو الذي ستره ومد يده ” وخباً عنه مجد بهائه حتي لا يؤذيه بسبب محبته له (خروج ٣٣: ٢٢)،
+ واشتاق اليه إيليا النبي الذي رفعته الي السماء مركبه من نار بسبب طهارته النابعه من ايمانه ونقاوته
كل من الرجلين موسي الحليم وإيليا الغيور اشتاق ان يري الرب وقد تحقق لهما ماء أرادا .
موسي يرمز للأموات سيقومون أولا ” ايليا يرمز الي الأحياء الذين سيخطفون لملاقاه الرب ” (اتس ٤: ١٧).
جميع هؤلاء الأبرار اشتاقوا أن يروا ميلاد الرب في اجيالهم المختلفه . واشتاق ايضا آخرون ان يروه ”
+ ادم بحث عن الرب الكاروبيم ، وبكل عناء ومشقه استطاع ان يحصل علي مواطن بالقرب من أغصان شجره الحياه.
+واشتاق هابيل— الذي قدم قربانا للرب من ابكار غنمه ومن سمانها — ان يري حمل الله الذي يرفع خطيه العالم .
+ وايضا حواء بحثت عن المخلص لكي يغطيها ، لا بأوراق التين ، بل بالمجد ذاته الذي استبدلته بخزي العري ( بسبب الخطية).
+ والذين نجوا في فلك نوح بحثوا عنه كي يعطيهم الكنيسه المقدسه التي تجد فيها الأرواح ملجأها الحصين .
+ وبصمت بكت الارض لكي ينقذها رب السموات من الطوفان
+ واشتاق نوح الي الرب ، فقد عرف من تجربه الفلك أن الرب هو الذي نجاه اذ هو الذي امره ببناء الفلك .
+ وحينما علم أبراهيم بالروح ان ميلاد الرب لا يزال بعيدا جدا عنه ، واذ لم يتمكن من رؤيه السيد المسيح تهلل بشوق انيري حتي يوم الرب فرأي وفرح . (يو ٨: ٥٦).
+ واشتاق اسحق ان يري لأنه ذاق طعم الفداء (عب ١١ : ١٩) فاذا كان مجرد مثال الفداء يمنح الحياه فكم بالأكثر مانح الحياة ذاته
+ وبحث عنه الرعاة المتبدين الذين كانوا يحرسون حراسات الليل علي رعيتهم لأن ” ملاك الرب ” وقف بهم ومجد الرب أضاء حولهم فخافوا خوفا عظيما . فقال لهم الملاك لا تخافوا . فها انا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب . انه ولد لكم اليوم في مدينه داود مخلص هو المسيح الرب . وهذه لكم العلامه تجدون طفلا مقمطا مضجعا في مذود . وظهر بغته مع الملاك جمهور من الجند السماوي مسبحين الله وقائلين ” المجد لله في الأعالي وعلي الأرض السلام وبالناس المسرة “(لو ٢ : ٩-١٤).
+ وجاء المجوس من المشرق إلي أورشليم ليبحثوا عن المولود ، ملك اليهود لأنهم رأوا نجمه في المشرق وأتوا ليجسدوا له. (مت ٢: ٢)[6].
الشيخ الروحاني: من المزود إلي العلية
احمله في حضنك مثل مريم أمه ، أدخل مع المجوس وقرب قرابينك ومع الرعاة بشر بولادته ، ومع الملائكة ناد بتسبيحة ، خذه من سمعان الشيخ ، واحمله أنت أيضاً على ذراعيك ، احمله مع يوسف وانزل به إلى مصر ، كن تابعاً لصبوته في جميع أدوار تربيته ، قف معه في الهيكل واسمع كلماته المملوءة حكمة التي خاطب بها الشيوخ حتى انذهلوا من تعليمه . وحين يسأل ويجيب اصغ إليه واعجب لحكمته .
قف هناك عند الأردن واستقبله مع يوحنا . وادهش واعجب من تواضعه حين تراه يخفض رأسه ليوحنا ليقبل منه العماد بالماء . أخرج معه إلى البرية واصعد معه الجبال واجلس هادئاً عند قدميه مع الوحوش التي جاءت لتتآنس بربها . وهناك قم معه لتتعلم الحرب والقتال مع الأعداء .
قف على البئر مع السامرية لتتعلم السجود بالروح والحق . وأرفع الحجر عن لعازر لتتعلم ماهي القيامة من الأموات . قف مع الجموع المحتشدة وخذ لك لقمة من الخمس خبزات لتتعلم بركة الصلاة . اذهب أوقظه من نومه في قاع السفينة حينها تضطرب الأمواج حولك . إبك مع مريم وبل رجليه بدموعك فتسمع منه كلمة تسند قلبك ، ضع رأسك مع يوحنا على صدره لتسمع دقات قلبه الذي ينبض بحب العالم كله .
خذ لك كسرة خبز من الذي بارك عليه وقت العشاء لتتحد بجسده و تثبت معه إلى الأبد . قم مد رجلك ليغسلها لك لتتطهر من أدناسك وخطاياك ، اخرج معه إلى جبل الزيتون لتتعلم منه السجود وانحناء الركب حتى يتصبب عرقك مثله ، قم استقبل شاتميه وصالبيه ومد يدك معه للقيود ، اهمل وجهك مثله للطم والبصاق وعر ظهرك لضرب السياط وقم يا أخي لا تخر احمل الصليب فقد حان وقت الرحيل . مد يدك معه للمسامير ولا تمنع رجليك . اشرب معه المر .
قم باكراً والظلام باق واذهب إلى القبر لترى القيامة العجيبة . اجلس في العلية وانتظر مجيئه والأبواب مغلقة . افتح أذنيك لتملأها كلمات السلام التي خرجت من فمه ، هيا مع الباقين إلى مكان منفرد ، واحن رأسك لتأخذ البركة الأخيرة قبل الصعود[7]
ميلاد المسيح في فكر القديس كيرلس الكبير
أعلن جمهور الأنبياء ولادة المسيح بالجسد وأخذ صورة إنسان في ملء الأزمنة، وأنشدت جماهير السماء أنشودة الفرح والتهليل بميلاد المخلِّص الفادي، وكان الرعاة في بيت لحم أول من بُشِّروا بهذا النبأ السار. هؤلاء الرعاة هم رمز للرعاة الروحيِّين الذين يظهر لهم الرب يسوع المسيح فيبشِّرون باسمه في كل مكان كما بشَّر رعاة بيت لحم بالمسيح في بلدتهم هذه علي أثر سماعهم أنشودة الفرح والابتهاج من الملائكة الأطهار، فكان الملائكة كما ترى أول من أعلنوا ميلاد المسيح للعالم، ونادوا بمجد المسيح، وهو الإله المتأنِّس من امرأة بحالة عجيبة.
وقد يسأل أحد فيقول: كان المسيح طفلًا ملفوفاً بقماطٍ وضيعٍ، وموضوعًا في مذود، فلِمَ القوَّات السمائيّة تبجِّلُه إلهًا وربًّا؟
أيها الإنسان تعمَّق في فهم السرّ العظيم. لقد ظهر الله كما تظهر أنت، واِتَّخذ جسم عبد من الرقيق، ولكن لم تنفصل عنه أُلوهيَّته بحال من الأحوال. ألا تفهم أن ابن الله الوحيد تجسّد ورضيَ أن يولد من امرأة حبًا فينا ليَطرح اللعنة التي حلَّت علي المرأة الأولي، فقد قيل لها “بالوجع تلدين أولادًا” (تك ٣ : ١٦)؟! بولادة المرأة عمانوئيل المتجسّد اِنحلَّ رباط اللعنة عنها!
وليس ذلك فحسب، ولكن يقول الحكيم بولس “لأن ناموس روح الحياة في المسيح يسوع قد أعتقني من ناموس الخطيّة والموت، لأنه ما كان الناموس عاجزًا عنه فيما كان ضعيفًا بالجسد، فالله إذ أرسل ابنه في شِبه جسد الخطيّة، ولأجل الخطيّة دان الخطيّة في الجسد، لكي يتم حُكم الناموس فينا نحن السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح” (رو ٨ : ٣ ، ٤).
وما هو المُراد بالقول “شِبه جسد الخطيّة”؟
يُراد به أن ناموس الخطيّة كامن في الجسد مع الأهواء الباطلة والميول الفاسدة، ولكن ما أن تجسّد المسيح واِتَّخذ صورتنا أصبح جسده مقدَّسًا وطاهرًا. إذن أصبح المسيح مثلنا، ولكن ليس فيه ميولنا الباطلة، إذ تحرَّر المسيح من جميع الرغبات والنزعات الفاسدة التي تقودنا إلى فعل المُحرَّم المرذول والدنيء الممقوت. فكلما رأيت الطفل يسوع ملفوفًا بالأقمطة فلا تنظره وهو بالجسد، بل دقِّق النظر في مجده الإلهي. وارتفع بعقلك إلى سماء السماوات لتشاهد مجده الفائق “وهو جالس علي كرسي عالٍ ومرتفعٍ” (إش ٦ : ١)، وتسمع أناشيد السيرافيم مقدِّمين المجد والإكرام والسجود والعبادة للرب يسوع المسيح الذي يملأ الأرض بمجده وعظمته.
أنظر مجد المسيح علي الأرض وقد تلألأ بالنور، وسطع علي الرعاة، وجمهور الملائكة ينشدون أناشيد الفرح والسرور. فقد تنبَّأ موسى منذ قرون عديدة فقال: “تهلَّلوا أيها الأمم شعبه”.
ألم يولد أنبياء كثيرون ولكن لن تتهلَّل الملائكة في ميلاد أحدهم كما تهلَّلت عند ميلاد المسيح لأن هؤلاء الأنبياء كانوا من البشر مثلنا خُدامًا لله وحاملين الكلمة، ولكن لم يكن هذا شأن المسيح لأنه إله ورب مُرسل الأنبياء والقدِّيسين. أو كما يقول المرنِّم: “لأنه من في السماء يعادل الرب بين أبناء الله” (مز ٨٩ : ٦). فإنَّ المسيح شاء ومنحنا البنوَّة نحن الذين تحت نير العالم وبطبيعتنا أرِقَّاء، أما المسيح فهو الابن الحقيقي، فهو بطبيعته ابن الله الآب حتى بعد تجسّده، فقد ظلَّ كما قلت لكم كما كان قبلًا رغمًا عن أخذه جسدًا لم يكن له قبلًا. وما أقوله هو عين الصِدق فإنَّ إشعياء يؤكِّد متنبِّئًا: “ها العذراء تحبل وتلد ابنًا وتدعو اسمه عمانوئيل. زِبدًا وعسلًا يأكل، متى عرف أن يرفض الشرّ ويختار الخير، لأنه قبل أن يَعرف الصبي أن يَرفض الشرّ يختار الخير” (إش ٧ : ١٤ ، ١٥).
وما معنى هذا كله؟ معناه أن المسيح وهو بعد طفل رضيع أكل زبدًا وعسلًا، ولأنه هو الله المتجسّد، عرف فقط الخير وتجرَّد من خطيّة الإنسان، وهذه الصفة لا تلازم إلا الله العليّ فقد ورد “ليس أحد صالحًا إلا واحد وهو الله” (لو ١٨ : ١٠)، أو كما تنبَّأ إشعياء “فاقتربت إلى النبيّة فحبلت وولدت ابنًا، فقال لي الرب ادع اسمه مهير شلال حاش بز (أي أسرع واْسِر أسرًا واَغنم غنيمة) لأنه قبل أن يعرف الصبي أن يدعو يا أبي ويا أمي تحمل ثروة دمشق (إش ٨ : ٣) .
وبولادة المسيح كُسرت شوكة إبليس ونُهبت محلَّته، وقد صار له أنصار كثيرون في دمشق يعبدونه ويسجدون له، ولكن لما ولدت العذراء يسوع المسيح اضمحلَّت قوّة إبليس وتلاشى حُكمة الظالم الغشوم، فإنَّ الوثنيِّين أنفسهم علموا بظهور كوكب الصبح الرب يسوع، وسافر رسلهم “المجوس” من الشرق إلى أورشليم، ولم يكن لهم معلِّم سوى السماء، ولا مهذِّب سوى النجم ، فلا تنظروا إذن إلى الطفل المولود في المزود كأنه رضيع فقط، بل انظروا إليه إلهًا غنيًا قديرًا وفاديًا، مخلِّصا عظيمًا يفوق الأجناد السمائيّة قوّة واِقتدارًا، فحقَّ له أن تنادي الملائكة بولادته في فرح وسرور وابتهاج وحبور، فما أجمل تحيَّات الملائكة للطفل يسوع وهم ينشدون[8] ”
القديس غريغوريوس صانع العجائب: فرح عظیم
فرح لكل البشرية
اليوم تتغنى الطغيات الملائكية بألحان التسابيح المفرحة ، ويضيء نور البشارة بالمسيح متلألأ على المؤمنين . اليوم هو ربيعنا المفرح ، ويشرق شمس البر – المسيح – بأشعته الناصعة علينا ، مضيئًا أذهان المؤمنين اليوم تضىء نعمة الله والرجاء في غير المنظور خلال المناظر السامية المدهشة ، ويعلن بوضوح السر المكتوم منذ الأزل . اليوم يتحقق قول داود و لتفرح السموات ولتبتهج الأرض ليعج البحر وملؤه . . لتترنم حينئذ أشجار الوعر”
إختيار مريم :
اختارت النعمة مريم العذراء دون سواها من بين كل الأجيال لأنها لم تكن مثل العذراء الأولى حواء ، التي كانت في الفردوس لكن فكرها غير متزن : سمعت بحذر الكلمة الحية – مصدر كل شر ـ ففسدت أفكار ذهنها ، وحملت بانخداعها سم (الانخداع) وموته المهلك إلى العالم كله . أما هذه فبفضيلتها رفعت مضايقات القديسين .
في العذراء القديسة وحدها إنصلح سقوط هذه الأم الأولى ، ومع ذلك فإنها لم تكن كفء لتقبل العطية ، ما لم تتعلم أولا من هو مرسل العطية ؟ وما هي ؟ ومن الذي جاء يبشر بها ؟ .
لقد فكرت في نفسها في هذه الأمور ، وقد حل رئيس الملائكة لها ما استعصى عليها و الروح القدس يحل عليك وقوة العـلى تظللك فلذلك أيضا القدوس المولود منك يدعى ابن الله ، . لا تخافى يامريم لأنك وجدت نعمة عند الله . ولا تسألى عن النعمة حسب مقاييس الطبيعة لأنها لا تخضع لها . . .
العذراء . . . والدة الإله :
لقد خاطبها الملاك بهذه التحية “السلام لك ياممتلئة نعمة الرب معك ” الله بنفسه معاك معطى السلام الحقيقي ، هذا الذي خلق الإنسان من أرض عذراء ، ومنه خلق له حواء . هذا الإله معك وفي نفس الوقت ( يتجسد ) منك. السلام لك . . معك مصدر النور الذي يضيء لكل المؤمنين به . السلام لك .. يامن يشرق فيك شمس البر وزهرة الحياة غير الدنسة . السلام لك .. يامن مرت بحق تابوت مغشى بالذهب من الداخل والخارج إذ قبلت كنز القداسة الكامل
الطفل المولود :
لقد قمطت ذاك الذي يغطيه النور كثوب لقد اضجعت في مزود ذاك الجالس على الشاروبيم وممجد من الطغات الملائكية . في المزود المخصص للحيوانات العجم اضطجع كلمة الله ليقدم للبشرية ، التي صارت غير عاقلة بإرادتها ، بصيرة العقل الحقيقي . في الموضع الذي يأكل فيه القطيع رقد الخبز السماوى لكى يقدم قوتاً روحياً للذين يعيشون على الأرض كالحيوانات لم يكن له مكانا في المنزل ، هذا الذي أسس السماء والأرض وإذ هو غنى افتقر ! واختار اتضاعا عجيبا من أجل خلاص طبيعتنا ، لكى نرث صلاحه . في السماء كان جالسا عن يمين الآب ؛ وفي المزود استراح كما لو كان على عرشه الشاروبيمي . وعلى كرسى ملكه . له المجد والكرامة والقوة مع الآب والروح القدس الآن وكل أوان وإلى دهر الدهور آمين[9].
القديس يوحنا ذهبي الفم: الميلاد العجيب
فلنسمع ما يقال بكل صمت وهيبة لأننا مزمعون أن نسلك في الدهاليز الجليلة لأنه إذا كان اليهود لما عزموا أن يقتربوا إلى جبل متقد بنار وضباب وظلام لم يستطيعوا الاقتراب لكنهم كانوا يبصرون ويسمعون من بعيد بعدما أوعز إليهم قبل ذلك بثلاثة أيام أن يعتزلوا ويتطهروا ويغسلوا ثيابهم ، فالأولى بنا نحن أن نعمل أكثر ما دعينا لنسمع الأقوال التي لها خطرها وليس لنا أن نقف من بعيد لننظر جبلا مدخناً لكننا مزمعون أن ندخل إلى السماء عينها ، ولا نغسل ثيابنا فحسب بل نغسل نفوسنا و نتبرأ من كل خلطة عالمية لأننا لن نبصر ضبابا ودخانا كما أبصر اليهود بل سنبصر ملكا جالسا على كرسي مجده الفائق الوصف وملائكة ورؤساء ملائكة وقوفا في حضرته مع محافل القديسين والربوات التي لا تحصى ، وقبلت السماء ما هو من الأرض وقبلت الأرض ما هو من السماء ووردت السلامة المأثورة عند الملائكة والقديسين في هذه المدينة ووقف علم الصليب الجليل وغنائم المسيح .
نزول الاله
نزل إلهنا من سمواته ومن كراسى ملكه ووصل الأرض ووقف في هذه المواقف وجربه إبليس المحتال الأول وهو لم يجرب عيانا إلها عاريا لكنه جرب إلها مستترأ في طبيعة انسانية والأعجب من هذا هو أنك تبصره وقد أحيانا بموته وأزال لعنة الناموس بلعنته فسبيلنا أن نسلك في دهاليز البشارة وهي كتاب ميلاد يسوع المسيح .
ابن داود
لعمرى إنه لأمر يفوق العقل جدا أن الإله العديم الوصف المعادل لأبيه جاء إلى مستودع البتول وتكون من إمرأة وهو لم يزل ابنا لله الأزلي ابنا خالصا له فاحتمل أن يدعى أبنا لداود ليجعلك ابنا لله وقبل أن يكون له عبدا ليجعل السيد أبا لك أيها العبد . فإذا سمعت أن الله هو ابن داود وابرهيم فلا ترتاب بعد ذلك في أنك وأنت ابن آدم قد صرت ابنا لله لأنه قصد أن يعلينا فولد بذات الجسد لنولد نحن بذات الروح ، ولو من إمرأة لكن حقيقة ولادته هي ليست من مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل بل من الله فتلك ولادة فائقة علينا إذ سبق فأظهر بها ميلادنا المنتظر الذي يهبه لنا من الروح القدس وأقرن طبيعته الإلهية بطبيعتنا الإنسانية . ولقد أخذ صورتنا لئلا يعرف فيهرب عدونا من مصارعته ويرجف أصحابه كلهم ، لأنه شاء أن يخلصنا ولم يشأ أن يرعبنا لذلك سمى يسوع أي المخلص الذي يخلص شعبه .
يشوع ويسوع
و لقد كان يشوع هو اسم القائد الذي أدخل شعب اسرائيل إلى أرض الموعد ، أما يسوع فقد أدخلنا إلى السماء وإلى النعم الصالحة التي في السموات . ذاك افتادهم بعد وفاة موسى وهذا اقتادنا بعد أن كمل الشريعة وأبطلها . ذاك كان محله محل قائد الشعب وهذا منزلته منزلة ملك الكل
غوامض كثير :
ولانقل كيف أبدع الروح هذا الجسم من البتول لأن الطبيعة إذا عملت شيئا يمتنع علينا أن نترجم عن أسباب إبداعها فكيف يمكننا أن نعرف كنه الروح القدس في عجيبة يعملها ولكن لكيلا تذم البشير ولا تندد عليه بمداومة سؤالك عن هذه الغوامض وصف لك و بين لك كنه الأعجوبة واستراح من إزعاجك إياه لأنه قال لست أعرف شيئا أكثرمن أن المولود تكون من الروح القدس فلا يسأل عن مولده العلوى لأن جبرائيل ومتى لم يستطيعا أن يقولا أكثر من أنه من الروح القدس فقط ، وإذا سمعت أنه من الروح القدس فلا تظن أنك تعرف كافة سره لأننا تغيب عنا غوامض كثيرة فلا تقول كيف يوجد في مستودع من يفوق الإدراك ؟ كيف تحبل إمرأة بمن يحتوى على البرايا ؟ كيف تلد البتول وتبقى بتولا ؟ كيف جبل الروح القدس ذلك الهيكل ؟ كيف هو ابن انسان وكيف أن أمه مريم وكيف أنه من نسل داود وكيف أخذ صورة عبد وكيف صار الكلمة جسداً وكيف قال بولس الرسول لأهل رومية عن اليهود أن منهم المسيح بذات جسمه الذي لم يزل إلها للبرايا كلها . والدليل على أنه منا ومن جهتنا ومن مستودع البتول فواضح من هذه الشواهد ومن غيرها أكثر منها[10].
القديس كيرلس الأورشليمي
بأى وسيلة ينزل الله للبشرية ؟
لقد قرأ اليهود كثيراً من النبوات عن مجيء المسيح ولكنهم لم يسمعوا لها لأنهم أوقفوا عن السمع اذان قلوبهم . ولكن لنؤمن بيسوع المسيح أنه جاء في الجسد وصار إنساناً . لأنه لم يكن ممكنا أن نقبله بطريقة أخرى . فإن لم نستطع أن ننظر إليه ونفرح به كما هو ـ إذ قد صار مثلنا ۔ فلن نستطيع أن نبتهج به .
لأنه إن كان لا يمكننا أن ننظر إلى الشمس التي صنعت في اليوم الرابع ، فهل كان ممكنا أن نتطلع إلى الله خالقها ؟ لقد نزل الرب في نار على جبل سيناء ، ولم يستطع الشعب أن يحتمل فقال لموسى ” تكلم أنت معنا ونحن نسمع ولا تدع الله يتكلم معنا لئلا نموت “. وأيضا لأنه من من جميع البشر الذي سمع صوت الله الحي يتكلم من وسط النار مثلنا وعاش . تث ٥ : ٢٦ فإن كان سماع صوت الله يتكلم هو سبب موت ، فكيف لا تكون رؤية الله سببا بالأولى للموت .
وأي عجب في أن موسى نفسه قال : “إنني خائف جدا ومرتعد ” ؟ ماذا كان ياترى سيكون إذا ؟ أن الذي جاء لخلاصنا كان سيصير سببا للهلاك لأن الناس لا يحتملونه ، أو كيف كان سيلائم بين نعمته وإمكانياتنا. إن دانيال لم يحتمل رؤية ملاك : وهل كنت تستطيع أن ترى رب الملائكة ، ودانيال يسقط حينما يظهر جبرائيل؟ وفى أى طبيعة وهيئة ظهر الملاك لدانيال ؟ ” وجــــــهه كمنظر البرق “، وليس كالشمس .. “وعيناه كمصباحی نار “، وليس كأتون نار ! . ” وصوت كلامه كصوت جمهور” وليس كصوت اثنتى عشر جوقة من الملائكة ! . ومع هذا فقد سقط النبى وجاء الملاك قائلا : لاتخف يا دانيال ، بل قم . . لقد سمع كلامك . . ويقول دانيال : ” لقد وقعت مرتعبا ” .
ولم يجب دانيال حتى لمسته يد شبه بنی آدم فلما تغيرت هيئة ذلك ، الذي ظهر ، إلى هيئة إنسان ، حينئذ تكلم دانيال . وماذا قال ؟ . يا سيدي ، بالرؤيا انقلبت على أوجاعي فما ضبطت قوة ، . فأن كان ظهور ملاك أفقد النبي صوته وقوته ، فهل تظن أن ظهور الله كان يسمح له حتى بالتنفس ؟ ! ويقول الكتاب أن دانيال لم ينشجع إلا بعد ان لمسته يد تشبه بنی آدم وهكذا وبعد أن تم اختبار ضعفنا، تعهد الرب أن يتمم ما تطلبه الإنسان فإنه إذا طلب الإنسان أن يسمع من شخص كمثل هيئته ، أخذ المخلص طبيعة ذات ميول متشابهة ، حتى يمكن للبشر أن يتعلموا بأكثر سهولة .
هناك أيضا سبب آخر. لقد جاء المسيح ليعتمد فيقدس المعمودية لقد أتى ليصنع عجائب ، سائراً على مياه البحر . فكما أن البحر إذ رآه هرب والأردن تراجع ، قبل ظهوره في الجسد ، لذلك أخذ الرب لنفسه جسداً حتى يحتمل البحر منظره ، والأردن يقبله دون خوف ! ! هذا إذاً سبب. لكن هناك سببا آخر فانه عن طريق حواء العذراء جاء الموت ، إذا فينبغي أن يشرق الحياة بواسطة ـ أو بالحرى من – عذراء أيضا حتى أنه كما خدعت الحيـة المرأة الأولى ، كذلك يأتى جبرائيل بالبشارة للأخرى . لقد ترك الناس الله ونحتوا لأنفسهم صورة البشر.
فاذا كانت صورة الانسان تعبد ـ ضلالا – على أنها هي الله ، فأن الله قد صار إنسانا ليبطل هذا الهلال . لقد استخدم إبليس الجسد كآلة ضدنا . وإذ عرف بولس بهذا قال : ” ولكني أرى ناموسا آخر في أعضائي يحارب ناموس ذهنی ويسبينى إلى ناموس الخطية الكائن في أعضائي ” . (رو ٧: ۲۳) . لقد خلصنا بذات الأسلحة التي استخدمها الشيطان ليقهرنا ، لقد أخذ الرب لذاته مثالنا ليخلص طبيعة الإنسان أخذ مثالنا ، ليعطى لذلك الناقص نعمة أعظم ، لتصير البشرية الخاطئة مشاركة لله “لأنه حيث كثرت الخطية . ازدادت النعمة جدا “(رومية ٥ : ٠)٢٠
– فهل كانت صيرورة المسيح إنسانا ـ إذا ـ بلا سبب ؟ هل إن تعليمنا هو مجرد كلام منمق وفكر بشرى ؟ أليست الكتب المقدسة هي خلاصنا ، أو ليست نبوات الأنبياء هي كذلك ؟ احفظ إذا ـ أتوسل إليك ـ هذا الذخر غير مضطرب ، ولا ندع أحداً يزعزعك ،آمن بأن الله قد صار إنسانا ولكن وإن كان قد تبرهن على إمكانية صيرورة الله إنسانا ، إلا أنه إن اليهود ما زالوا غير مؤمنين فلنتقدم إليهم متسائلين : –
ـ ما هو الأمر الغريب الذي نعلنه في قولنا أن الله قد صار إنسانا ، إذا كنتم أنتم بأنفسكم تقولون إن إبراهيم قبـل الرب كضيف ؟ وما هو الأمر الغرب الذي أعلنه إذا كان يعقوب يقول : إن نظرت الله وجها لوجه و نُجيت نفسی ، . (تك ٣٢ : ٣٠) ؟ إن الرب الذي أكل مع إبراهيم ، أكل معنا أيضاً .
ما هو الأمر العجيب إذا فيما نعلنه ؟ كلا ، بل إننا نستشهد بشاهدين ، أي اللذين وقفا أمام الرب على جبل سيناء . موسى الذي وقف في “نقرة من الصخرة ” (تك ٣٣ : ٢٢) وإيليا أيضا كان في مغارة فى جبل حوريب (١مل ۱۹ :۸) فإذ حضرا معه في تجليه على جبل طابور تكلما عن موته الذي كان مزمعاً أن يكمله في أورشليم .
ولكن كما قلت قبلا قد أثبتت إمكانية تجسده وأما باقى البراهين ففي إمكان المجدين أن يجمعوه[11].
عظات آباء وخدام معاصرين
المتنيح البابا شنوده الثالث
ولد لكم مخلص
قال الملاك للرعاة : ” ها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب … إنه ولد لكم مخلص هو المسيح الرب ”
” ولد لكم مخلص … ” إذن المسيح هو المخلص . وقد دعى اسمه ” يسوع ” ومعناها مخلص ، ” لأنه خلص شعبه من خطاياهم ” (مت ١ : ٢١) . وفى الحبل به سبحت القديسة العذراء قائلة : ” تبتهج روحى بالله مخلصى ” (لو ١ : ٤٧) . وكان السيد المسيح يقصد الخلاص الروحى ، سواء من الموت الذى هو أجرة الخطية ، أو الخلاص من الخطية ذاتها . والكتاب المقدس يتكلم باستمرار عن الله كمخلص ؛ فيقول المزمور : ” اللهم باسمك خلصنى ” ، ” خلصنى يارب فأن البار قد فنى ” ، ” يارب خلص شعبك ، بارك ميراثك ” ، بل يقول أيضاً ” قوتى وتسبحتى هو الرب ، وقد صار لى خلاصاً …
” الإنسان الروحى لا يعتمد على ذراعه البشرى ، ولا على ذراع الناس ، إنما في كل حروبه الروحية يعتمد على خلاص الرب . لا يعتمد على تدايبه الروحية ، ولا على إرادته القوية ، ولا على خبرته ومعرفته ، ولا على تصميماته ووعوده لله ونذوره .. إنما على الرب الذى ” صار له خلاصاً .. وهو في كل ذلك يقول مع المرنم ” إن لم يبنى الرب البيت ، فباطل يتعب البناؤون . إن لم يحرس الرب المدينة ، فباطلاً سهر الحراس ” .
تداريب الإنسان تصلح ، إن كانت نعمة الرب تسندها … اما إن عملت وحدها ، فإن الرب ذاته يقول : ” بدونى لا تقدرون أن تعملوا شيئاً ” . ” للرب الخلاص ” . ما أجمل قول موسى للشعب أمام البحر الأحمر . ” قفوا وانظروا خلاص الرب .. الرب يقاتل عنكم وانتم تصمتون ” . عليك باستمرار أن تدخل الرب في حياتك ، لكى يخلصك باستمرار في كل خطية وكل تجربة وكل هجمات العدو . ربما تعبت كثيراً في حياتك ، لأنك وقفت وحدك ، معتمداً على ذراع بشرى ، لم تختبر عمل الله فيك .. ! إن داود النبى ، مع أنه قال عن الرب ” علّم يدى القتال ، وأصابعى الحرب ” ، إلا أنه كان يؤمن دائماً بأن الحرب للرب .
والرب قادر أن يغلب بالكثير وبالقليل ” . وقد ظهر هذا في حربه مع جليات فقابله ” باسم رب الجنود ” . عندما ذهب الشعب لمحاربة عماليق ، ما أجمل قول الكتاب : ” للرب حرب مع عماليق من دور إلى دور ” (خر ١٧ : ١٦) . هكذا كل حرب بينك وبين العالم ، وبين الجسد ، وبين الشيطان ، لا تعتبر أنك الذى تحاربه ، إنما الله. الله الذى قال ” ثقوا ، أنا قد غلبت العالم ” ، هو أيضاً يغلبه فيك ، مادمت تعتبر أن الحرب للرب . والرب هو الذى يقودك في موكب نصرته. لكى تنتصر في حروبك الروحية ، لابد أن تشعر أنه ليست لديك القوة التي تنتصر بها وحدك .
ومن الأمثلة الجميلة لذلك ، دانيال في جب الأسود : كان متأكداً تماماً أنه ليست لديه قوة على إنقاذ نفسه ، فقال ” إلهى أرسل ملاكه ، فسد أفواه الأسود ” . الله هو الذى قام بالخلاص . هو أرسل ملاكه فسد أفواه الأسود ، التي ما كان دانيال يستطيع سدها . نفس الوضع كان بالنسبة للأنبا أنطونيوس ، الذى كانت تهجم عليه الشياطين ، لذلك كان يرتل مزمور ” الرب نورى وخلاصى ، ممن أخاف ؟ ! ” . هكذا حدث أيضاً مع الثلاثة فتية في أتون النار : من كان يستطيع أن يخلصهم من النار وهم فيها ؟ ! لا أحد . وهم أعجز من أن يعملوا عملاً لأجل أنفسهم . ولكن ابن الله سار معهم في وسط النار ، وصنع لهم خلاصاً نتغنى به في الهوس الثالث في التسبحة كل صباح .
الحرب الروحية تحتاج إلى ركب منحنية أمام الله . تحتاج إلى دموع وانسحاق أمام الله ، وتحتاج إلى صراع مع الله قبل الصراع مع الخطية . تحتاج أن تأخذ من الله قوة لتستطيع أن تحارب بها حروب الرب . وهذه القوة هي من عمل روح الله معك ، لأنه قال : ” ولكنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم ” . إننا من أجل هذا نطلب في الصلاة الربية ، ونقول ” لا تدخلنا في التجارب ، لكن نجنا من الشرور ” شاعرين أن هذه النجاة هي هبة مجانية من عنده ، من عمل نعمته .. وشاعرين أننا بذاتنا وحدنا لا نستطيع أن ننجى نفوسنا … حقاً ، الله هو الذى يخلص وليس البشر .
اختبر داود النبى هذا فقال في ترنيمته المشهورة : ” يمين الرب صنعت قوة يمين الرب رفعتنى . دُفعت لأسقط والرب خلصنى . قوتى وتسبحتى هو الرب . الأتكال على الرب خير من الأتكال على البشر . الرجاء بالرب خير من الرجاء بالرؤساء ” (مز ١١٨) .
الذى يخلصه الرب يعطى المجد للرب ، وليس لغيره . أما الذى يخلصه الناس . والذى يشعر أنه خلص نفسه ، تتعبه أفكار المجد الباطل والأفتخار الردئ ، كإنما بقوته أو تقواه استطاع أن ينتصر !! هكذا نرى أن موسى النبى ، لما عبر البحر مع الشعب وابصر خلاص الرب ، رنم هو الشعب كله ومريم النبيه اخته قائلين : سبحوا الرب لأنه بالمجد قد تمجد . الخيل وركاب الخيل طرحهم في البحر الأحمر .
بطرس الرسول وهو يسقط في الماء ، ما كان يستطيع أن ينقذ نفسه ، لكن الرب مد يده وأصعده إلى فوق ، فمشى معه فوق الأمواج . أنه خلاص الرب… بطرس يمشى على الماء ، ولا يفتخر ، لأنه عرف ضعفه ، وعرف خلاص الرب . وعرف أن القوة التي فيه ليست منه .. إدخل الرب معك إذن في كل عمل ، ليعمله بك .
ليس معنى الخلاص أنك تنام وتطلب معونه الرب وخلاصه . فإن نعمة الرب لا تشجع على التكاسل … بل أنا تؤمن تماماً أن الخلاص للرب ، ولكن الرب يخلصك بتوجيه إرادتك نحوه ، وتشجيعك على العمل به . كما قال القديس أغسطينوس : إن الله الذى خلقك بدونك ، لا يشاء أن يخلصك بدونك … أصرخ إذن إلى الرب وقل له : كل ما عندى يارب أضعه في يدك وأنت تمسك يدى وتقودنى في موكب نصرتك .
إن كنت لا أستطيع يارب أن أحبك ، أعطنى هذه المحبة من عندك . أسكبها في داخلى بروحك القدوس . لا تتركنى وتعاتبنى قائلاً : عندى عليك أنك تركت محبتك الأولى . فكيف يارب أستطيع أن أحبك ، إن لم تعطنى أنت أن أحبك ؟ ! هل المحبة جهد بشرى أم هي أولى ثمار روحك القدوس في القلب .
إن كان لك على شيء فهو إننى لم أفتح قلبى ، لتسكب فيه محبتك . وحتى هذا يارب أطلبه منك : افتح قلبى ليتقبل محبتك ، كما تفتح شفتى لينطق فمى بتسبيحتك . أنا يارب أطلب منك كل شيء ، كما أطلب منك المحبة ، أطلب منك التوبة ” توبنى يارب فأتوب ” . لذلك أنا صرخ مع داود النبى قائلاً : ” انضح على بزوفك فأطهر . اغسلنى فأبيض اكثر من الثلج ” . أنت الذى تغسلنى وتطهرنى . بل أنت الذى تعطينى قلباً جديداً كما وعدت على فم نبيك حزقيال . ما أصدق قول ماراسحق حينما قال ” من كان يظن أن له باباً آخر للتوبة غير الصلاة ، فهو مخدوع من الشياطين ” .
ذلك لأن التوبة لا يصل إليها أحد إلا بمعونة من الله ، يأخذها بالصلاة .. فإن أتتك هذه المعونة ، حينئذ تخاف منك أومنها الشياطين ، فتهرب ، وتتركك لتتوب . حقاً إن الناس يسقطون ، إما لأنه ليست لهم صلاة ، أو لأن صلواتهم خالية من الإيمان ، أو من الحرارة ، أو هي صلوات غير جادة. أما الصلاة المؤمنة الجادة ، فإنها تدخل إلى الله في حياة الإنسان ، وتجعله يعطى خلاصاً كما أعطى من قبل لقديسيه .
ما الرأي إذن في إنسان لا يصلى ، أو لا يريد أن يصلى .. هل هذا الإنسان لا يخلص ويتركه الرب ليهلك ؟ كلا فالذى لا يصلى ، عليه أن يطلب صلوات القديسين . كالمفلوج الذى لم يستطيع أن يصل إلى المسيح لكى يخلصه من خطاياه ومن شلله ، فحمله أربعة إلى الرب . ومثل مريض بيت حسدا ، الذى كان يحتاج إلى إنسان يلقيه في البركة حينما يتحرك الماء ، لكى يبرأ . إن عمل المسيح الخلاصي قام به على الصليب من أجل غفران خطايانا .
ومازال يقوم به من أجل تطهيرنا . وهو في ذلك يقول : تعالوا إلىّ يا جميع المتعبين والثقيلى الأحمال وأنا أريحكم . لذلك تعالى إلى الرب بحملك كله كما هو لكى يخلصك منه . لا تقل أنا لا أستحق أن آتى إليه لأننى خاطئ بل تعال ليخلصك من خطيئتك . لا تضيع الوقت في الشكوى أو البكاء على الماضى بل استغل وقتك في الصلاة ، لتأخذ خلاصاً للمستقبل[12] .
قداسة البابا تواضروس الثاني
بساطة وأمانة
ونحن على مشارف استقبال ميلاد المسيح تلمع شخصيات مضيئة فى هذه القمة ومنها الرعاة ، فهم :
١- أمناء فى حراسة الليل ( حراسة الحياة من الثعالب الصغيرة ) .
٢- بسطاء قدموا قلوب نقية ويعيشون حياة التسليم .
٣- متجاوبون مع الصوت السمائى : انتهزوا الفرصة وقدموا قلوبهم للمسيح .
٤- استجابتهم سريعة : نشطاء بلا كسل أو تأجيل .
هؤلاء هم المنسيون عند الناس لا ينساهم الله ، تماما مثلما
أـــ اختار مريم العذراء ليولد منها وهى بكر
ب ــ اختار الرعاة ليكونوا بكر فى البشارة بالخلص .
من الرعاة نتعلم روح البساطة ( عدد١٥)
ومن مريم نتعلم روح التأمل (عدد١٩)
ومن الملائكة نتعلم روح الفرح (عدد١٠)
وهذه السمات الثلاث : البساطة / التأمل / الفرح تمثل صورة الانسان الذى يريده المسيح .
وبين كل شهود الميلاد : العذراء/ يوسف النجار / سمعان الشيخ / المجوس/ الملائكة/ النجم / ….يحتل الرعاة البسطاء الصدارة وأول من عرفوا……
نقدم لك الشكر
( السيد المسيح على الأرض فارفعوه ) . ماذا نقدم لك أيها المسيح ؟
لأنك ظهرت على الأرض كانسان لأجلنا فكل فرد من الخليقة التى أبدعتها يقدم لك شكرا :
فالملائكة التسبيح
والسموات النجم
والمجوس الهدايا
والرعاة التعجب
والارض المغارة
والفقر المذود
أما نحن فأما بتولا ” فيا أيها الاله الذى قبل الدهور ارحمنا” . ( صلاة من كنيسة الروم الأرثوذكس والسؤال لك : ماذا تقدم للمسيح ؟ …. انه يشتاق الى قلبك النقي ومحبتك الفياضة .فكن سريع الاستجابة وقدم للمسيح حياة تليق بفدائه الذى قدمه لك[13] .
قداسة البابا زكا الأول عيواص بطريرك الكنيسة السريانية
العذراء تلد الإله المتجسد
وتزف العذراء الي يوسف فتسكن في داره في الناصرة ، ويذهبان معاً الي بيت لحم (لو ٢: ٤- ٢٠) ليكتتبا بحسب الأمر الذي صدر من أغسطس قيصر ، وفي بيت لحم وفي مغارة بسيطة كانت تستعمل كاسطبل ، وملحقة بالنزل هناك ، وضعت مريم ابنها البكر ، وبحبلها به وبولادته منها وبعدهما بقيت بتولاً عذراء كما كانت قبلهما .
وكما يجب لجلال هذا الأمر العظيم أي تجسد الإله الكلمة فهي بتول قبل الولادة وعند الولادة وبعد الولادة ، وقد ولد الرب منها باعجوبة، وذلك كما تنفذ أشعة الشمس من الزجاج دون أن تثلمه أو تكسره ، وكما دخل الرب بعد قيامته علي التلاميذ في العلية والأبواب مغلقة ، وكما خرج من القبر وهو مختوم ، هكذا خرج بجسم الطفولة والخاتم مصان ، فلا عجب ان حافظت العذراء مريم علي بتوليتها بعد ولادة ابنها البكر الرب يسوع ، وهي التي قالت عن نفسها :” لأن القدير صنع بي عظائم ” وهي التي رأت هذه العظائم والعجائب التي صنعها القدير فيها ولها . لذلك دعيت العذراء الدائمة البتولية، وبما أنها ولدت الله الإله المتأنس فقد دعيت أيضاً والدة الله (لو ١: ٣٥-٤٣)- (غلا ٤ : ٤) -(اش ٧: ١٤).
جاء في صلاة القومة الأولي من ليلة الاثنين ما تعريبه :” لا أعلم بماذا أسميك يا بنت داود ، ولا أدري أي اسم أطلق عليك يا مريم ؟ هل أسميك بتولاً ؟ فهوذا ابن يرضع منك ! هل أسميك أماً ؟ وبكارتك ثابتة !؟ اذن أدعوك والدة الله وليخز المجادل المماحك الذي يتجاسر بالبحث عن سر ابنك هاليلويا محروم من حاول سبر غور سره .
وجاء في صلاة القومة الأولي من ليلة الأربعاء ما تعريبه :” ان العذراء ولدت عجباً فهلم نذهب ونتأمل بمن هو أقدم من الدهور وقد لف بالقمط ،الشيخ القديم الأيام قد ولدته العذراء ، الجبار الذي يزن الجبال حملته الشابة (علي دراعيها) الذي يمنح الجائعين خبزاً يرضع الحليب مثل طفل ، الابن (الأزلي ) الذي لا بداية له شاء وصارت له بداية وأتي للولادة وهو (أبدي ) لا نهاية له ” .
وجاء في صلاة مساء الأربعاء ما تعريبه :” قالت مريم(مناجية ابنها) ” لقد قوّيتني فحملتك ، ولما ولدتك في المغارة أظهرت لي مجدك ، فهوذا النار تحف بالمزود الصغير ، والساروفيون ذوو الأجنحة الستة يرفرفون فوقه فأصدر اليهم أمرك ليرفعوا أجنحتهم (ويفسحوا لي المجال ) لأدخل وأسجد لك وأرضعك حليبًا نقياً تستحسنه … قالت مريم انني فقيرة ، فليس لي بيت في الأرض ولا مضجع ولا فراش ، فقد لففت بالقمط الأقدم من كل شيء ، ووضعت في المذود رب الخلائق ، لا شريك لأبيه في السماء ، ولا مثيل لأمه علي الأرض وهو الرب وأنا أمته والكنيسة هي خطيبته ” …
وفي صلاة القومة الأولي لليلة الخميس نقرأ :” قالت مريم للمسيح لما ولدته لست أدري ، يا بني ، بما أدعوك ، هل أدعوك طفلاً وأنت أقدم من الدهور ؟ أم أدعوك شيخاً وأنت طفل ؟ انني أدعوك شعاعاً أشرق من الآب ، وجاء فأضاء الخلائق كلها هليلويا مبارك ضياؤك ومبارك اشراقك ، والسجود لأبيك الذي أرسلك لخلاصنا … قالت مريم للعذارى رفيقاتها : انني مبتهجة ومسرورة جداً لأنني أحمل حامل البرايا الذي تخدمه الملائكة ، وأناغي من علم اللحن للبشر ، فصفوف النورانيين تحيط بجلاله هليلويا وتهتف له : قدوس قدوس قدوس هو الرب مبارك وقاره ” .
وجاء في صلاة صبح الاثنين ما ترجمته :” لقد أشرق لنا الرب من الآب ، (وولدت ) بنت داود المخلص ، (ومنحت ) بيت لحم خبز الحياة للشعوب التي أمنت به ، السجود للآب الذي أرسل ابنه ، ومباركة مريم التي ولدته ، وطوبي للكنيسة التي اقتبلته وهي ترتل له (ترانيم ) المجد… إنني كنت ماراً ببيت لحم ، فسمعت ، في المغارة ، صوت مريم وهي تناغي ابنها قائلة له : الطوبي لي يا بني لأني صرت أمك ، ولأني أرضعتك الحليب ، ولن اقترب منك مالم تسمح لي بذلك[14] …
المتنيح الأنبا بيمن أسقف ملوي
ذهبا لبانا مرا
عندما جاء المجوس ، حكماء المشرق ، عابرين بلاد الفرس وصحراء فلسطين يقودهم النجم الهادئ ، حملوا بإرشاد من الروح ، ذهبا ولبانا مرا ، هدية للمولود العجيب ملك اليهود.. ذهبا
الذهب إشارة إلى أن الوليد ملك عظيم .. وبالرغم من أن جميع الملابسات والظروف في بيت لحم لا تنبئ بهذا ، إلا أن المجوس عرفوا بالروح أنهم أمام ملك اليهود فانحنوا وسجدوا وقدموا الذهب ..
وكما كان الرب في ميلاده فقيرا لا يملك مسكنا ولا جاها ، إلا أن تخليه وفقره وتجرده وشدة اتضاعه أعطته أن يملك على القلوب البسيطة المتضعة المحبة للسلام .. ومع أن دماء داود تجري في عروقه إلا أنه لم يأخذ ملکه بتسلسل وراثي ، ولكنه استحق رئاسة الكنيسة بتقواه وطاعته واحتماله وصلب وبذل نفسه لأجلها ..
وهكذا كان الصليب هو السلم الذي ارتقاه الرب يسوع إلى العرش ، وهو بعينه ما تنبأ عنه داود النبي بالروح أن المسيح قد ملك على خشبة (مز ٩٥) ..
ولقد كانت حياة السيد المسيح له المجد عثرة لليهود الطالبين ملكا أرضيا والطامحين في فاتح مغوار يسترد لهم ملكهم ووطنهم الجغرافي من الغاصب المحتل، أما يسوع فقد أعلن أن مملكته ليست من هذا العالم ، وعندما أرادوا أن يضعوا على رأسه تاجاً ويجعلوه ملكا مضى من وسطهم وانصرف (يو ٦ : ١٥) ..
وحتى يوم ظفره العظيم عندما استقبله الجماهير بتهليل وترنيم وكان قد ثبت وجهه نحوها وعزم على أن يصلب عند تخومها.. حتى في هذا اليوم الكبير كان يسوع وديعا راكبا على أتان وكان المصطفون لتكريمه الصغار والفقراء والبسطاء.. وإذا كان هدف المسيح من مجيئه هو إعادة المجد لآدم وبنيه .. ذاك الذي فقد في الجنة بسبب العصيان احتمل الرب الخزي والعار وكلل بالشوك لكي يعطينا بموته الحياة، وبخزيه المجد ، وبصليبه الملك والمجد الذي لا يفنى ولا يتدنس ولا يضمحل ..
ومنذ أن تجسد الرب يسوع وحل بيننا وصار إنسانا انفتحت السماء وهللت للمجد الذي أعطى لآدم وبنيه وأعلنت عن هذا المجد الذى لله في الأعالي والذي انسكب بغنی علی الإنسان معطيا إياه السلام والمسرة .. لأنه إن كان بخطية الواحد قد ملك الموت بالواحد فبالأولي كثيرا الذين ينالون فيض النعمة وعطية البر سيملكون في الحياة بالواحد يسوع المسيح.. فإذا كما بخطية واحد صار الحكم إلى جميع الناس للدينونة هكذا ببر واحد صارت الهبة الي جميع الناس لتبرير الحياة.. وكما ملكت الخطية في الموت هكذا تملك النعمة بالبر للحياة الأبدية بيسوع المسيح ربنا (رو ه: ۱۷ – ۲۱) .
وعلى الرغم من أن المعجزات العظيمة التي صنعها يسوع مثل إقامة لعازر، وتهدئة الرياح ، والسير على الماء ، وتفتيح عيني المولود اعمى تشهد له بأنه ملك الملوك ورب الأرباب إلا أن الرب يسوع صنع مملكته على الأرض بموته المحيی وقيامته المجيدة وإرسال روحه العزي .. وهكذا أعطى لكل من يؤمن به أن ينال معه المجد الذي له والكرامة التي له ، والسلطان والميراث الذي صار له في مجد الآب .
وكما ورث المسيح فنحن أيضا ورثة معه، وكما ملك المسيح فنحن سنملك معه.. والرب بنفسه وعد، عند صعوده ، أن يعد لنا مكانا حتى حيث يكون هو نكون نحن أيضا معه لأن أورشليم السمائية معدة للعريس والعروس معا ..
مبارك الرب إلهنا الذي جعلنا ملوكا وكهنة لله أبيه له المجد والسلطان إلى أبد الآبدين آمین (رؤ ١: ٦) .
کیف نملك معه؟
إذا كان ملك المسيح ملكا روحيا فإن الذين يملكون معه هم الجماعة الروحانية التي عاشت مدققة في طاعة وصاياه حريصة على أن تبيع كل شئ لتشتري الكنز الثمين واللؤلؤة الغالية الثمن..
فالرب يسوع عندما كان يبشر في الجليل و الناصرة كان يعلن عن اقتراب ملكوت الله، بل كان يقول لتلاميذه ها ملكوت الله داخلكم .. وهذا يعني أننا هنا نأخذ عربون الحياة الأبدية . والنفس التي خبأت المجد في الداخل واختزنت الفرح والبر في القلب سوف يكشف الرب نورها ومجدها وبرها، ويقول لها يوم مجيئه قومي وأستنیری وألبسی عزك لأن العريس أقبل وجاه أوان الزفاف ..
وطالما كان الصليب هو الوسيلة التي حقق بها الرب ملكوته على الأرض وتأسيس كنيسته في العالم فإن كل مؤمن يريد أن يملك مع سيده لابد أن يدخل من نفس الطريق .
يقول الكتاب المقدس إن كنا نتألم معه سنتمجد معه . إن كنا نصبر فسنملك معه..
وهذا يعني أنه كما أخذ المسيح مركزه كرأس للكنيسة بالصليب والآلام ، فنحن أيضا سنجلس معه ونملك معه أن أصطبغنا بهذه الصبغة أي أن كنا نعيش وظل الصليب على حياتنا وأفكارنا وسلوكنا وتطلعاتنا ، سنملك معه ان عشنا كما عاش فقيرا محتملا صابرا محبا متعففا .. فالشاب الذي يرفض الشهوات الجسدية وينكر المتع الأرضية المنحرفة متحكماً في غرائزه مسيطرا على دوافعه هذا سيملك مع الرب الذي قال كلمة الملك الحر ” رئيس العالم يأتي وليس له في شئ ” (يو ١٤: ٣٠) .
وبقدر ما يستوحي المسيحي إرادة المسيح ويسهم في تنفيذها يشارك رأس الكنيسة في حكم العالم . فلقد كان القديسون عبر العصور والأجيال أذرعا وأياديا وأفواها وقلوبا تعم بشركة تامة مع مقاصد الرأس الملكية . فليفهم كل واحد منا مهمته وبدلا من أن نتقاعس عن تتميم مشيئة الرأس مهما كانت شاقة ، علينا أن نتقبل الرسالة الموضوعة بحماس وهمة متطلعين إلى إكليل البر المعد لنا مع جميع القديسين ، وإذا كان الرب قد أعطى لبعض المختارين سلطانا على الطبيعة وتحكما ضخما على نواميس الكون في هذا الزمان وسمعنا عن السواح الذين كانوا يسيرون فوق الأنهار والجبال ويخترقون الحواجز المائية بأجسامهم التي نالت شفافية عجيبة ، وإذا كنا نسمع عن متوحدين نالوا سلطانا ضخما على الحيوانات في البرية واخضعوا طبيعة الحيوان لهم ، وإذا كنا قد رأينا قديسين وأنبياء يتكلمون فتستجيب الشمس والأرض لكل أوامرهم فإن هذا كله عربون الملك الذي أعده الله لنا وفي مجيئه الثاني المخوف المملوه مجداً سوف ندخل معه إلى ملکه الذي لا نهاية له وسوف نسجد له مع الأربعة والأربعين ألفا قائلين مستحق أن تأخذ القدرة والمجد والكرامة وسنعيش ونملك معه إلى الأبد .
ليت الله يكشف عن عيوننا فنرى ولو بصيصا من ملكه ومجده حتى تستهين نفوسنا بالأمجاد الأرضية الزائلة وتتعلق قلوبنا بالأكاليل المعدة لنا من قبل تأسيس العالم .
لباناً
واللبان إشارة إلى كهنوته .. فقد قيل عنه على لسان داود النبي ” أقسم الرب ولن يندم إنك كاهن إلى الأبد على رتبة ملكي صادق ” (مز ۱۱۰ : ٤) ، وإذا فهمنا معنى الكاهن بانه وسيط ، فنحن لنا إذا وسيط عظيم ابن الله الحي الذي اجتاز السموات وفتح الأقداس لكي يكون شفيعا عن كل الجنس البشري حتى إذا ما تقدمنا للآب السماوي نتقدم بثقة أمام عرش النعمة لنجد نعمة وعونا في حينه ، والكهنوت في العهد القديم كان رمزا وإشارة إلى الكهنوت الحقيقي الذي في شخص ربنا ومخلصنا يسوع المسيح ، فلم تكن خيمة الاجتماع إلا إشارة ورمزا للسمویات عينها التي يخدم فيها الكاهن بذبيحة نفسه .. ولم تكن ثياب هرون العظيمة إلا رمزا لثوب البر وحلة المجد التي التحف بها رئيس كهنتنا الأعظم ، وقد كتب أسماءنا في قلبه كما كانت أسماء الأسباط على صدر سترة هرون .
ولم تكن ذبائح المحرقة والخطية والاثم والسلامة إلا رموزا لذبيحة الصليب التي فيها وحدها وفي الأبن حق العدل الإلهي وقدم ذبيحة نفسه مرة واحدة فوجدت قبولا ورضي أمام الآب ونالت فداء أبديا ..
وإذا كان الكهنوت اللاوي في العهد القديم ينتهي بانتهاء العمر الزمني فإن لنا رئيس كهنة حي إلى الأبد يشفع فينا (عب ۷) وإذا كان كل رئيس كهنة في القديم يقدم ذبيحة عن خطاياه قبل أن يقدم ذبائح عن جهالات الشعب فإن كاهننا الأعظم لم يكن في احتياج إلى أن يقدم ذبيحة عن نفسه لأنه هو القدوس البار ..
وإذا كانت الذبائح في القديم تستمد قوتها من إنها تمارس كطاعة للأوامر الإلهية فإن ذبيحة الطاعة الحقة هي التي ملأت قلب الآب بالسرور والرضا عندما أكمل الابن كل مقاصد الآب وتممها بالتمام يوم ان اسلم نفسه وسيق کشاة إلى الذبح وكم يفتح فاه . وإذ تحمل بالآلام صار لجميع الذين يطيعونه سبب خلاص أبدى ..
وإذا كان الكهنة قديماً في الخيمة وهيكل سليمان يخدمون شبه السماويات فإن يسوع حصل على خدمة أفضل بمقدار ما هو وسيط لعهد أعظم لأنه لم يدخل إلى أقداس مصنوعة بين أشباه الحقيقة بل إلى السماء عينها ليظهر الآن أمام وجه الله لأجلنا .. وإذا كان كهنوت العهد القديم يؤخذ بالتوارث الجسدي فإن مسيحنا أخذ وظيفته بقسم من الآب ” أنت كاهن إلى الأبد على رتبة ملكي صادق .. ” مبارك الله إلهنا الذي تألم مجربا ليقدر أن يعين المجربين والذي شابهنا في كل شيء فيما خلا الخطية وحدها ليكون رئيس كهنة أمينا فيما الله ، وإذ لنا رئيس كهنة رحيم قادر أن يرثى لضعفاتنا يعطينا الدالة والجرأة أن نتقدم به إلى الأقداس الإلهية وأمجاد الآب بلا خوف أو انطراح في الدينونة .
كيف نمارس كهنوتنا ؟
إن المسحة التي جعلت يسوع کاهنا تفيض على جميع أعضاء جسده المبارك وتنحدر على كل المؤمنين لتقدسهم وتكرسهم لمجد الآب كما ينحدر الطيب النازل من الرأس على لحية هرون وعلى جيب قميصه ..هناك أمر الرب بالحياة إلى الأبد (مز ۱۳۲) .. وإذا كان الكتاب يعلن لنا إننا في المسيح ملوك وكهنة لله الآب إلا أن هذا لا يعني أننا كلنا خدام للأسرار الإلهية فقد رتب الرب يسوع في كنيسته أن يضع الآباء الرسل وممن بعدهم الأساقفة الأيدي على أشخاص يخصصون لخدمة المذبح والكلمة .. هؤلاء هم الاكليروس بالمعنى المعروف لنا ولكننا نحن جميعا اعضاء جسد المسيح لنا شركة في كهنوته بمعنى أننا جميعا مكرسون للرب وليس للعالم نصيب فينا ..
فالحياة كلها في كيانها العميق ذبيحة مقدمة للآب كما يقول الرسول ” قدموا أجسادكم ذبيحة حية مقدسة ” (رو ۱:۱۲) ويقول العلامة أوريجانوس إن أنا تركت كل ما أملك وأن حملت صلیبی خلف المسيح فقد قدمت تقدمة على المذبح ، وإن أنا أحببت أخوتي إلى حد بذل نفسي عنهم ، وإن جاهدت حتى الموت من أجل البر وإن صلبت العالم لي وأنا للعالم ، فأنني أرفع تقدمة على مذبح الله وأصبح الكاهن لذبيحتي النفسية . ويمارس المؤمنون كهنوتهم أيضا ليس بتقديم حياة التكريس فقط وإنما أيضا بتقديم ذبيحة التسبيح والعبادة العقلية ، والرسول بولس يعتبر التسبيح والعبادة ذبيحة حية مقدمة إلى الآب (عب ۱۳ : ١٥) ..
وأما ذاك الذي يخطف من الهلاك إنسانا فإنه يقدم للرب ذبيحة مسمنة . وفي يوم مجيء الرب العظيم سوف تتلألأ تيجان الخدام والمبشرين والعاملين في حقل الرب عندما يكشف السيد عن الدرر الغالية التي انتشلت من الحمأة لتكون جواهر غالية ترصع بها الكنيسة إكليلها عند زفافها للعريس يوم اختطافها ” والذين ردوا كثيرين إلى البر كالكواكب إلى أبد الدهور ” (دا ۱۲ : ۳) .
مراً
والمر يشير إلى أنه نبي سيقدم ذبيحة كما تساق الشاة إلى الذبح ، وكما يشوى الخروف على أعشاب مرة ليلة الفصح اليهودی . لقد كان الرب يسوع على الجلجثة كاهنا وذبيحة معا .. كان ذبيحة كاملة إذ قال على الصليب لقد أكمل .. نال في قلبه افظع الطعنات وتحمل في مشاعره أقسى الخيانات والجحود واحتمل في جسده أشد الضربات والجلدات ..ولكن هذه كلها تهون فإن الشهداء في كل العصور احتملوا الآما مثلما احتمل يسوع ،ولكن المر الحقيقي الذي لم يذقه إنسان ولا يستطيع أحد أن يقترب منه هو ما عاناه المخلص علی الصليب عندما حمل خطايانا على كتفه ، وسر الآب أن يسحقه بالحزن وحجب وجهه عنه .. نعم لقد أتمت الرأس كل الآلام ونالت أقسى التعاذيب ولكن أعضاء الجسد لا يزال أمامها المجال مفتوحا لكي تختبر ما اختبرته الرأس . وهذه هي وظيفة الزمان في الكنيسة ، وقد شرح الرسول بولس الملهم بالروح عن نصيبه في آلام الكنيسة بقوله ” الآن أفرح في آلامي لأجلكم وأكمل نقائص شدائد المسيح في جسمي لأجل جسده الذي هو الكنيسة (كو ١ : ٢٤) .
كيف نتألم معه ؟
إن الشهادة للحق عذاب ومرار ، و العالم لا يطيق الذين يحبون الحق ويعيشون للحق ولكن الرب علمنا قائلا : ” طوبي لكم إذا عيروكم وطردوكم وقالوا عليكم كل كلمة شريرة من أجلي كاذبين . افرحوا وتهللوا لأن أجركم عظيم في السموات ” (مت ٥ : ١١)
ونحن نتألم معه أيضا عندما نرفض مشيئتنا الخاصة ونجحد ذواتنا وننكر إرادتنا البشرية ، وقد يكون هذا أكثر الآلام صعوبة في حياة الإنسان ولكن ذبيحة الطاعة وإن كانت مرة في بداية اختبارها إلا إنها تصبح عذبة كلما انساق المؤمن في تيار الروح ، وتمرست إرادته في الخضوع لمشيئة الله وقصده المبارك .
ونحن نشترك مع المسيح في آلامه عندما نتناول من جسده ودمه الأقدسين فباشتراكنا في ذبيحة القداس نتحد بالمسيح المتألم إذ نتناول جسدا ذبيحا ودما مسفوكاً .. وبهذا الاتحاد تكون جميع شدائدنا مجدية نافعة إذ تتصل بآلام الرأس وتتحد مع الذي ذاقته ذبيحة الجلجثة ..
هناك مخطوطة من القرن السادس لا تحمل أسماً جاء فيها ” نحن ملوك بتحكمنا فی شهواتنا ” . ” وكهنة بتقدمة ذواتنا قربانا روحيا ” . ” وأنبياء بالآلام القاسية التي نجوزها والإعلانات والأسرار التي استنارت بها قلوبنا ” .
ليعطنا الرب أن نقدم له المجوس ذبيحة التسبيح وقربان الطاعة وليهب حياة مشتعلة غيرة على خلاص الآخرين کی نملك معه ونتمجد معه عند مجيئه الآتي سريعا،،[15]
المتنيح الأنبا إبيفانيوس أسقف ورئيس دير القديس أنبا مقار
ملء الزمان
” ولكن لما جاء ملء الزمان ، أرسل الله ابنه مولوداً من امرأة مولوداً تحت الناموس ، ليفتدي الذين تحت الناموس ، لننال التبنى ” (غل٤: ٤و٥)
” لكل شيء زمان ولكل أمر تحت السموات وقت “(جا ٣: ١) ، هكذا يقرر سليمان الحكيم في سفر الجامعة اذ يرى أن” للولادة وقت وللموت وقت “، وأن الله “صنع الكل حسناً فى وقته” (جا ٣: ٢و ١١) ويتكلم الملاك جبرائيل مع دانيال النبي عن خطة الله وتدبيره فىتعيين الأوقات وتحديد الأزمنة ، اذ يخبره عن الوقت الذى حدده الله لمجيء الرب يسوع فيقول : “سبعون أسبوعاً قضيت على شعبك وعلى مدينتك المقدسة لتكميل المعصية وتتميم الخطايا ، ولكفارة الاثم ،وليؤتي بالبر الأبدي ، ولختم الرؤيا والنبوة ، ولمسح قدوس القدوسين ” (دا ٩: ٢١: ٢٤) وهكذا نرى الرب يسوع ، بعد أن اعتمد فى نهر الأردن ، يبدأ خدمته قائلاً : ” قد كمل الزمان ” (مر ١: ١٥) والقديس بولس الرسول يؤكد على اكتمال الزمان هكذا قائلاً : “ولكن لما جاء ملء الزمان ، أرسل الله ابنه مولودا من امرأة ” (غل٤:٤) ولكن ما معنى عبارة ” قد كمل الزمان ” ؟ أو ما هو قصد القديس بولس من عبارة ” ملء الزمان ” ؟ هل يقصد تاريخاً عشوائياً ؟أم أنه كان يرى بالأحرى ، أن العالم قد أصبح الأن مهيئاً أكثر من أى وقت مضى لتدخل الله ومجيء المسيا المنتظر ؟ قد يكون من العسير أن نحيط احاطة كاملة بما يقصده بولس الرسول من “ملء الزمان” ولكننا اذا حاولنا دراسة أحوال العالم وقت ولادة الطفل يسوع ، والأمور التي أدت الى سرعة انتشار الانجيل ، أمكننا معرفة بعض المعاني التي كانت تراود فكر الرسول بولس
الحالة الروحية :
كان الشعب اليهودي يحلم منذ قرون عديدة بالملك الذى من نسل داود ، الذى سيأتي ويعيد اليهم مجدهم الضائع ولكن بسبب خضوع اليهود المرة تلو الأخرى للغزو العسكري من الشعوب المجاورة ، تبدد الأمل فى مجيء هذا الملك الأرضي لذلك تولد عندهم أمل آخر فمجيء ملك له صفات الهية ، كما بشرهم اشعياء النبي :
+ “لأنه يولد لنا ولد ونعطى ابناً ، وتكون الرياسة على كتفه ، ويدعى اسمه عجيباً ، مشيراً ، الهاً قديراً ، أباً أبدياً ، رئيس السلام لنمو رياسته ، وللسلام لا نهاية على كرسي داود وعلى مملكته ، ليثبتها ويعضدها بالحق والبر، من الآن الى الأبد “(اش ٩: ٦و ٧) هذا الملك سوف يأتي فى “يوم الرب” ، ويدين أعداء اسرائيل ، ويحقق السلام والعدل بين شعبه اسرائيل:
+” لذلك يقول السيد رب الجنود عزيز إسرائيل : آه انى أستريح من خُصمائى وأنتقم من أعدائي وأعيد قضاتك كما في الأول ،ومُشيريك كما فى البداءة بعد ذلك تُدعين مدينة العدل ، القرية الأمينة ” (أش ١: ٢٤- ٢٦) ولم يكن اشعياء النبى فقط هو الذى بعثفيهم هذا الأمل ، فقد تنبأ لهم حزقيال النبي أيضاً برسالة من الله يخبر فيها الشعب أن الله سينزل بنفسه ليرعى شعبه اسرائيل :
+”وكان الىّ كلام الرب قائلا : يا ابن آدم ، تنبأ على رعاة إسرائيل ، تنبأ وقل لهم هكذا قال السيد الرب للرعاة : ويل لرعاة إسرائيل ،الذين كانوا يرعون أنفسهم ألا يرعى الرعاة الغنم ؟ تأكلون الشحم ، وتلبسون الصوف وتذبحون السمين ، ولا ترعون الغنم المريض لمتقووه ، والمجروح لم تعصبوه ، والمكسور لم تجبروه ، والمطرود لم تستردوه ، والضال لم تطلبوه ، بل بشدة وبعنف تسلطتم عليهم فتشتت بلا راع وصارت مأكلاً لجميع وحوش الحقل ، وتشتتت ضلت غنمي فى كل الجبال ، وعلى كل تل عال ، وعلى كل وجه الأرض تشتتت غنمي ولم يكن من يسأل أو يفتش فلذلك أيها الرعاة اسمعوا كلام الرب : حي أنا يقول السيد الرب هأنذا على الرعاة وأطلب غنمي منيدهم ، وأكفهم عن رعى الغنم هأنذا أسأل عن غنمي وأفتقدها كما يفتقد الراعى قطيعه يوم يكون في وسط غنمه المشتته ، هكذا أفتقد غنمي وأخلصها أنا أرعى غنمي وأربضها ، يقول السيد الرب ” (حز ٣٤: ١- ١٥) وحتى وقت ميلاد المسيح كان هذا الأمل نفسه قدخفت ، على الأقل فى الأوساط الكهنوتية التي لم يكن يعنيها من الدين سوى تتميم الفرائض الطقسية والتمسك بتقليدات الشيوخ البالية ولم يعش هذا الأمل الا فى النفوس التقية التى كانت تنتظر مجيء المسيّا وتحيا كل يوم بهذا الرجاء وخير مثال على هذه الفئة المتيقظة لمواعيد الرب ، سمعان الشيخ الذى كان باراً تقياً ينتظر تعزية اسرائيل”
فبعد أن أخذ الطفل يسوع على ذراعيه ، بارك الله وقال : “عينىّ قد أبصرتا خلاصك ، الذى أعددته قدام وجه جميع الشعوب نور اعلان للأمم ، ومجداً لشعبك اسرائيل” (لو ٢: ٢٥- ٣٢) وهذه امرأة أخرى تقية وهى حنة بنت فنوئيل ، التى عاشت على هذا الرجاء ، عندما علمت بمجىء الرب : ” وقفت تُسبح الرب ،وتكلمت عنه مع جميع المنتظرين فداء فى أورشليم ” (لو ٢: ٣٦ – ٣٨) أما الكهنة الذين كانت مهمتهم دراسة الشريعة ومعرفة الأزمنة والأوقات فكانوا منشغلين باهتماماتهم الخاصة ، لذلك فاتهم ادراك ملء الزمان الذى حدّده الله لافتقاد شعبه بَيدَ أن الأمل فى مجىء المسيّا كان له مفهوم آخر عند البعض ، فالله سيأتى فى الزمان الذى حدده ، ليس لكى يفتقد شعبه وينجيه من أيدى أعدائه فقط ، بل ليصب غضبه على الأشرار وينتقم من فاعلي الاثم وها هو يوحنا المعمدان الذى أتى ليعدّ طريق الرب ، والذى كان مجيئه وظهوره فى البرارى احدى الخطوات التي مهددتا لاكتمال الزمان ، ها نراه يحذّرّ الشعب أن مجيء المسيا هو للانتقام من فاعلي الشر :
+”يا أولاد الأفاعي ، من أراكم أن تهربوا من الغضب الآتي ؟ فاصنعوا أثماراً تليق بالتوبة أنا أعمدكم بماء للتوبة ، ولكن الذى يأت بعدى هو أقوى منى هو سيعمدكم بالروح القدس ونار الذى رفشه فى يده وسيُنقى بيدره ، ويجمع قمحه الى المخزن،وأما التبن فيحرقه بنار لا تطفأ “(مت ٣: ٧- ١٢) لقد جاء يوحنا المعمدان لكى يُمهد الطريق لمجيء المسيا ، لكن المستوى الذى وصل اليه حال الشعب ،وخاصة الكهنة وقادة الشعب ، حتّم عليه أن يبشّرهم بسرعة مجيء الرب للانتقام فالناموس أو التوراة التي كانت تمثّل حجر الزاوية فى حياة كل الشعب اليهودي ، صارت أداة فى يد الكهنة والفريسيين ليحكموا بها الشعب حسب مصلحتهم الخاصة وأهوائهم الشخصية والشريعة التي نزلت لتكون خادماً للشعب تعينه على الخلاص ، صارت سيداً قاسياً لا يرحم وبدلاً من أن تكون منهجاً للتوجيه والارشاد في الطريق الروحى ، صارت هي في حد ذاتها الطريق الذى به نظن أننا نترضى وجه الله لقد حوّل الفريسيون الشريعة الى حمل ثقيل أرهقوا به كاهل الشعب ، ونصّبوا أنفسهم رقباءَ على الشعب ليجبروهم على تتميم الشريعة واحترام التقاليد والتفاسير والشروحات التي فرضوها عليهم وهكذا سلبت الشريعة بهجة الحياة ، وخلقت فى الشعب الاحساس بالخطية والذنب لعدم امكانية تتميم متطلباتها القاسية الأمر الذى وبّخ عليه يسوع الفريسيين عندما قال لهم : ” انهم يَحزمُونَ أحمالاً ثقيلةً عسرة الحمل ويضعونها على أكتاف الناس ، وهم لا يريدون أن يحركوها بأصبعهم “(مت٢٣: ٤) وقد كتب بولس الرسول الى أهل غلاطية يذكرهم أن الناموس” قد زيد بسبب التعديات لأنه لو أعُطى ناموس قادر أن يُحيى ، لكان بالحقيقة البرُ بالناموس ” ، وأنه قبل نزول الناموس بأربعمائة وثلاثين سنة عاش ابراهيم في سلام مع الله بالأيمان وأن الناموس بهذه الطريقة التى مارسها الفريسيون لم يحقق للشعب سويا لوقوع تحت اللعنة والدينونة (غل ٣: ٦- ٢١)
ان صراخ الشعب وأنينه نتيجة ثقل الناموس ونيره القاسي وعدم جدوى التوجيه الروحي لقادة الشعب ، كان من العوامل الهامة التى مهّدت لاكتمال الزمان ولسرعة مجيء المخلص ، تماماً كما كان صراخ الشعب من أجل مسخريهم في مصر سبباً في اكتمال الزمان لتدبير خلاصهم واخراجهم من أرض مصر وارسال موسى النبي لإنقاذهم (خر ٣: ٧ –١٠)
الواقع السياسي والثقافي :
من المحتمل أن الرسول بولس كان يقصد أيضاً ب “ملء الزمان” ، الوضع السياسي والثقافي الذى كان عليه العالم وقتئذ فقد كان العالم ثقافياً مُمهّداً لظهور المسيا فاللغة اليونانية أصبحت هي لغة الثقافة السائدة فى العالم المتحضر المعروف آنذاك ، أي داخل حدود الامبراطورية الرومانية وقد ساعدت اللغة اليونانية الرسل والكارزين فى سرعة انتشار الكرازة بالإنجيل ، وذلك في مقابل اللغة العبرانية والآرامية التى لم تكن معروفة الا فى حدود أرض فلسطين أما عن الوضع السياسى فقد ساد السلام الرومانى أرجاء العالم ،وأصبحت طرق الاتصال ممهدة ومتيسرة ، بل ومأمونة أيضاً وقد سهل ذلك على الرسل الانتقال براً وبحراً داخل حدود الامبراطورية ،بل والذهاب الى روما نفسها لتبشيرها بالمسيح لأنه بالرغم من الاضطهادات التي واجهها الرسل ، فان الدولة الرومانية كانت مستعدة لتقبل أية ديانة جديدة بل ان الفلاسفة اليونان أنفسهم كانوا قد مهدوا بتعاليمهم لاستقبال الدين الجديد الذى سيحقق لهم السلام ويمتعهم بالحياة في ” المدينة الفاضلة ” التي كانوا ينادون بها ” أما الوضع السياسي داخل حدود الدولة اليهودية فكان يعانى من المخاض ، وكان في أشد الاحتياج لظهور المسيا فقد وُلِدَ المسيح فى أيام الملك هيرودس الكبير ، هذا الملك الذى كان يمثل الشر بعينه فقد كان يستخدم سلطانه لسحق أى تمرد سواء كان حقيقياً أو حسب تخيلاته وقد أراق دماء خمسة وأربعين من أعضاء المجمع اليهودى ( السنهدريم ) فى بداية حكمه ، كما أنه قتل زوجته وحماته وثلاثة من أشقائه بدافع الغيرة حتى في موته كان قد أمر بقتل مجموعة من أعيان الشعب ليضمن أنه سيكون هناك مناحة كبيرة في المدينة يوم وفاته ولا ننسى الاجراءات التي اتخذها بعد عودة المجوس الذين حضروا للسجود لطفل المزود ، فقد أمر بقتل جميع أطفال بيت لحم حتى يتأكد من القضاء على هذا الطفل الملك الذى أعلمه المجوس ، بل والكهنة أيضاً ، أنه سيولد في بيت لحم لقد كان هيرودس يمثل بالحقيقة “رئيس هذا العالم” ، الذى شحذ كل قواته لقتل طفل المزود البريء وفيه تحقق قول يوحنا الإنجيلي أن النور جاء الى العالم وأنه أضاء فى الظلمة والظلمة لم تدركه انه في حكم الملك هيرودس كان ” ملء الزمان “قد اقترب ليُظهر الله قوته ويعلن حضوره
التلاميذ والرسل :
يمكننا أيضاً أن نقول ان الله كان يهيئ لنفسه آنية سبق فأعدها ليكون لها دور في ” ملء الزمان ” ، كما يوضح لنا بولس الرسول فىرسالته الى أهل غلاطية : ” ولكن لما سرّ الله الذى أفرزني من بطن أمى ، ودعاني بنعمته ، أن يعلن ابنه في لأبشر به بين الأمم “(غل١: ١٥و ١٦) لقد كانت الكرازة بالمسيح تحتاج الى أشخاص مثل بطرس واندراوس ، ويعقوب ويوحنا ، وأكيلا وبريسكلا ، لكى تُنشركلمة الخلاص وتُبشر الشعب بمجىء المسيا وبالأحرى كانت تحتاج الى شخص مثل بولس الرسول ، الذى نادراً ما يجود الزمان بمثله، الذى فيه اجتمعت الديانة اليهودية والثقافة اليونانية والمواطنة الرومانية ، حتى يحمل الانجيل بلا عائق ويجول فى جميع أرجاءالمسكونة ينادى لهم ببشرى الخلاص لقد وجد الله فى شاول الطرسوسى ، الذى صار بولس الرسول ، اناءً مختاراً ليحمل اسمه أمام أمم وملوك بنى اسرائيل (أع ٩: ١٥) أخيراً وليس آخراً ، كان الله يعد لنفسه فى ملء الزمان ، فتاة عذراء قديسة ، تكون أهلاً لأن يتجسد فى أحشائها وتكون أمينة على سر التجسد هذه العذراء التى سبق فرآها اشعياء النبى قبل التجسد بسبعمائة عام وتنبأ قائلاً: “ها العذراء تحبل وتلد ابناً وتدعو اسمه عمانوئيل “(أش ٧: ١٤) ، والتى رآها حزقيال النبى فى الرؤيا وقال :”هذا الباب يكون مغلقاً(نبوة عن بتولية العذراء) ، لا يُفتح ولا يدخل منه انسان ، لأن الرب اله اسرائيل دخل منه فيكون مغلقاً “(حز ٤٤: ٢ ) قد يكون هذا هوما دار بفكر القديس بولس عندما كتب لأهل غلاطية عن “ملء الزمان” ، وبالأولى بفكر الرب يسوع عندما أعلن أنه ” قد كمل الزمان” لكننا نؤمن أنه عندما وجد الله الوقت قد حان ، وأنه هذا هو الميعاد المناسب والوقت المقبول ، أرسل الله ابنه الى العالم ليفتدى الذين فى العالم لننال التبنى.
غصن من أصل يسي
من يطالع نبوة اشعياء النبى القائلة : “ويخرج قضيب من جذع يسى ، وينبت غصن ɿɹϫד (ونصر) من أصوله “(أش ١١: ١)، يشعر أنها تتعارض – ولو سطحياً – مع الآية السابقة لها مباشرة في نهاية الأصحاح العاشر : ” هوذا السيد رب الجنود يقضب الأغصان برعب ، والمرتفع القامة يُقطعون ، والمتشامخون ينخفضون ويُقطع غاب الوعر بالحديد ، ويسقط لبنان بقدير “(أش ١٠: ٣٣- ٣٤) ففىهذه الآية يشير اشعياء النبى الى غابات لبنان المشهورة بأشجار الأرز الشامخة المعمرة ، وهو يرمز بشجر الأرز الى الدولة الأشوريةبكل بهائها وعظمتها فى ذلك الوقت وهو عندما يتكلم عن قطع هذه الأشجار فإنما يرمز الى اضمحلال الامبراطورية الأشورية وشجر الأرز من الأشجار دائمة الخضرة ، لكنها عندما تُقطع قريباً من الأرض فأنها لا تُخرج أغصاناً ، بل تجف وتموت أما شجرة اشعياءالتى يتكلم عنها ( ١١: ١) والتى اجتُثت من أصولها فانها سوف تنبت من جديد ويخرج من جذرها غصن ونبوة اشعياء النبى الخاصة بالشجرة التى نبتت من جديد لها مفهوم نبوى خاص وليست مجرد مقارنة بين مملكتي أشور واسرائيل فالنبوة تشير الى بيت داود ،وعبارة “جذع يسى” تُذكّر بأن بيت داود ترجع أصوله الى بيت لحم ، حيث كان داود ابناً ليسى وحيث وُلد وتربى هناك تقرر النبوة أن عائلة داود سوف يأفل نجمها نجمها وأن الملوكية سوف تزول من هذه العائلة لكن اشعياء يتنبأ أن الحكم سوف يعود لهذه الأسرة مرة أخرى وسوف يكون له بداية جديدة كنمو جديد يخرج من جذر الشجرة
لمحه تاريخية:
يرجع سبب رسالة اشعياء النبي هذه عن بداية مملكة داود الجديدة ، الى المواجهة التي واجه بها اشعياء النبي آحاز الملك فقد كان أحاز ملك يهوذا فى ضيقة عظيمة ، اذ أن ملكي سوريا واسرائيل كانا قد تحالفا معاً لمواجهة جيوش الأشوريين وعندما دعا ملك اسرائيل الملك آحاز للاشتراك معهما فى التحالف ورفض ، قررا الاتحاد معاً ومهاجمة أورشليم وقتل الملك آحاز وتنصيب ملك آخر على يهوذا يوافق على التحالف معهما فلما صعد الجيشان معاً وحاصرا أورشليم ، وأدرك آحاز العواقب الوخيمة التى ستحل بأورشليم وشعبه ، “رجف قلبه ، وقلوب شعبه ، كرجفان شجر الوعر قدام الريح ” (أش ٧: ٢) وهنا تقابل اشعياء النبى مع آحاز وأبلغه رسالةً من الرب ،
وكانت الرسالة تتكون من شقين :
الشق الأول ، هو تشجيع لآحاز حتى لا يخاف من الملكين المتحالفين ضده ، وهما رصين ملك الأراميين ( ملك سوريا ) وفقح ملك اسرائيل : فانه ” هكذا يقول السيد الرب : ( ان الخطة التي أعداها ضدك ) لا تقوم لا تكون “(أش٧:٧) وحتى يتيقن قلب آحاز من هذه الرسالة طلب منه النبي أن يطلب آية (أي معجزة أو عجيبة) من الله ، لكن آحاز رفض أن يطلبآية
أما الشق الثاني ، من رسالة الرب ، فهي تتعلق بعدم تصديق الملك لرسالة الله له ، أن الله قادر أن يخلصه من الملوك المتحالفين ضده :”ان لم تؤمنوا فلا تأمنوا”(أش ٧: ٩) أما استجابة آحاز فقد كان لها صدى أبعد من ملكه الشخصي فان رفض أن يثق في كلام الله له ، فان مملكة داود نفسها سوف تزول وبالرغم من تحذير الله ، فقد رفض الملك تصديق مواعيده لذلك رأى الله أن يعطيه آية من اختيار الله نفسه ، آية تخص شخص الله وتتعلق بخطته الأزلية : “ولكن يُعطيكم السيد نفسه آية : ها العذراء تحبل وتلد ابناً ،وتدعو اسمه عمانوئيل “(أش٧: ١٤) ثم يسجل اشعياء النبي فى نبوته ( الأصحاح الثامن ) ميلاد طفل له ، ومن خلال هذا الطفل يعود الله فيعطى تأكيداً آخر لآحاز حتى لا يرهب اسرائيل وسوريا : ” لأنه قبل أن يعرف الصبى أن يدعو : يا أبى ويا أمي ، تُحمل ثروة دمشق وغنيمة السامرة قدام ملك أشور”(أش ٨: ٤) ثم يعود اشعياء فى الأصحاح التاسع ويسجل مرة أخرى رسالة تحذير للملك ،وهى ان رفض الملك آحاز تصديق كلام الله ، فستكون نهاية مملكة داود حتمية ثم يتنبأ النبي بميلاد ابن لبيت داود الذى سيثّبت مملكة داود الى الأبد :
+ “لأنه يولد لنا ولد ونعطى ابناً ، وتكون الرياسة على كتفه ، ويدعى اسمه عجيباً ، مشيراً ، الهاً قديراً ، أباً أبدياً ، رئيس السلام لنمو رياسته ، وللسلام لا نهاية على كرسي داود وعلى مملكته ، ليثبتها ويعضدها بالحق والبر ، من الآن الى الأبد غيرة رب الجنود تصنع هذا “(إش ٩: ٦ – ٧) هنا تبدو المضادة ، فقد أخبر اشعياء الملك آحاز أن مملكة داود سوف لا تثبت ، لكنه فى هذه الآيات يبشره بميلاد ابن لبيت داود الذى سيثبت مملكة داود وتبدو هذه المضادة واضحة فى الآية الأولى من الأصحاح الحادى عشر : “ويخرج قضيب من جذع يسى ، وينبت غصن من أصوله ” (إش ١١: ١) فجذع يسى اشارة الى بيت داود الذى سيُقطع من أصوله ، والغصن اشارة الى استمرار المملكة مرة أخرى
ظاهرة طبيعية :
والسؤال الذى يطرح نفسه الآن : هل كان اشعياء يتوقع حدوث معجزة من الله يحافظ بها على مملكة وعرش داود من الانقراض ، أم أنه كان يتوقع استمرار المملكة كظاهرة طبيعية مثلما يحدث لنمو غصن من أصل الشجرة ؟
من الواضح أن اشعياء كان يتكلم عن ظاهرة طبيعية تستطيع بها بعض الأشجار النمو من جديد فبالرغم من قطع هذه الأشجار فانها تعاود الحياة عن طريق نمو أغصان جديدة من الجذر المتبقي في التربة وهذه الظاهرة لم تكن خافية أيضاً عن أيوب ، فهو يقول : “لأن للشجرة رجاء ان قُطعت تُخلف أيضاً ولا تُعدم خراعيبها ولو قدُم فى الأرض أصلها ، ومات في التراب جذعها ، فمن رائحة الماء تُفرخ وتُنيت فروعاً كالغرس “(أى ١٤: ٧- ٩) ربما كان اشعياء على دراية كافية بصفات أشجار الزيتون التى كانت تنمو بكثرة فى منطقة فلسطين ، والتي ورد ذكرها فى الكتاب المقدس أكثر من خمسين مرة فبالرغم من أن شجر الزيتون ينمو ببطء فانه يستطيع أن يواصل الحياة لأكثر من ألف سنة وأشجار الزيتون تتميز بأنها حتى لو قطعت بالقرب من سطح الأرض ، فان أغصاناً جديدة تنمو من الجذر حول جذع الشجرة وتحمل ثماراً بعد ذلك من جديد وهذه الخاصية لا تتميز بها شجر الزيتون فقط ، بل نجدها أيضاً فى أشجار أخرى كثيرة مثل التين والجوز والرمان ، وأيضاً كروم العنب التي تُقطع عندما لا تعود تحمل ثماراً طيبة فعنما يتم سقى هذه الجذور فأنها تُخرج أغصاناً جديدة في العام التالي وتحمل ثماراً جيدة لقد استقى اشعياء درساً من الطبيعة عندما أورد نبوته عن نمو الغصن الذى سيسمح باستمرارية مملكة بيت داود وهو لم يتكلم عن عملية تقليم الأشجار التي تجرى كل عام لكى تأخذ الشجرة قوتها فى النمو ، لكنه كان يتكلم عن امكانية بعض الأشجار على مواصلة الحياة حتى بعد أن تُجتث من على سطح الأرض ومع ذلك فان رسالة اشعياء قد فُهمت على أنها رسالة من الله وذلك لأنها اعتمدت على أمانة الله الذى وعد داود أن مملكته سوف تدوم الى الأبد : ” ويأمن بيتك ومملكتك الى الأبد أمامك كرسيك يكون ثابتاً الى الأبد “(٢صم ٧: ١٦) وينبغي أن نلاحظ أن اشعياء لم يستنتج أو يستخرج هذه النبوة من رؤيته لظاهرة طبيعية تحدث من حوله ، لكن الطبيعة أمدته بصورة توضيحية لما سوف يعمله الله حتى يثبت مملكة داود الى الأبد حتى بعد زوال الملك عن بيته فبالرغم من أن مملكة داود ستنتهى من خلال نسل آحاز ، فان هذه المملكة ستقوم من جديد من خلال الغصن الذى ينمو من أصل يسّى
تحقيق النبوة :
من العجيب أن نبوة اشعياء النبي بكل تفاصيلها لم تتحقق الا في شخص الرب يسوع فقد وُلد الطفل يسوع من القديسة مريم العذراء التي من نسل داود فى بيت لحم ، وهى مدينة الملك داود بن يسّى ، وفيه تحققت الآية : ” ويخرج قضيب من جذع يسّى ، وينبت غصن( ونصر من أصوله “(أش ١١: ١) ويخبرنا انجيل القديس لوقا بالترتيب الإلهي الذى قاد القديس يوسف والعذراء مريم الى بيت لحم حيث ولد الطفل يسوع هناك أما القديس متى فيخبرنا في انجيله أنه بعد ميلاد الرب يسوع فى بيت لحم ، هربت العائلة المقدسة الى أرض مصر ثم عادت وسكنت فى مدينة الناصرة ، لذلك دعي يسوع ناصرياً ويرجح علماء الكتاب المقدس أن كلمة “ناصرة” مشتقة من الكلمة العبرية ” نصر ” والتي تعنى “غصن” وارميا النبى يدعو الرب يسوع صراحة “غصناً” ، وذلك فى نبوته التي يتنبأ فيها بقيام ملك من نسل داود تكون مهمته تثبيت مملكته الى الأبد : ” ها أيام تأتى ، يقول الرب ، وأقيم لداود غُصن برّ، فيملك ملك وينجح ،ويُجرى حقاً وعدلاً فى الأرض فى أيامه يُخلصُ يهوذا ،”لأنه يُخلصُ شعبه من خطاياهم “(مت ١: ٢١) ويسكن اسرائيل آمناً وهذا هو اسمه الذى يدعونه به : الرب برنا ” (ار ٢٣: ٥) فمن من جميع نسل داود تحققت فيه النبوة ودُعى ” الرب برنا ” الا الرب يسوع وحده: ” الذى صار لنا حكمة من الله وبراً وقداسةً وفداءً ” (١كو ١: ٣٠) هذا : ” الذى اسُلم من أجل خطايانا وأقُيم لأجل تبريرنا ” (رو ٤: ٢٥) كما يصفه زكريا النبي أنه هو غصنُ الربّ ” هكذا قال رب الجنود : “هوذا الرجل الغُصنُ اسمه ومن مكانه ينبُتُ ويبنى هيكل الرب” (زك ٦: ١٢) وهو نفس اللقب الذى دعاه به اشعياء النبي : “فى ذلك اليوم يكون غُصنُ الرب بهاءً ومجداً ، وثمر الأرض فخراً وزينةً للناجين من اسرائيل” (أش ٤: ٢) وحتى لا يحتار شعب الله ويختلط عليه الأمر ويحاول أن يطبق نبوات اشعياء النبى على أى ملك يقوم من نسل داود ، أوضح اشعياء ، بما لا يدع مجالاً للشك ، أن هذا المولود الذى سيخرج من جذع يسّى سوف تكون له صفات الهية ، أى أنه سيكون الهاً وانساناً فى نفس الوقت ولا نعرف كيف نطق اشعياء بهذه النبوة ، هل كان فى حالة من الصحو أم فى حالة اختطاف ؟ أم تراه كان قد دخل فى مجال الهى لغى كل حواسه الأرضية وامكانياته البشرية ، وأعطى له حساً سماوياً مرهفاً ليشعر بقوة الكلمات التي ينطق بها اسمعه وهو يتكلم عن ابن داود الذى سيقوم بتثبيت المملكة :
” لأنه يُولد لنا ولد (من دمنا ولحمنا) ، ونُعطى ابناً ، (ابن لنا أى له نفس طبيعتنا البشرية) ، وتكون الرياسة على كتفه ، ويدعى اسمه عجيباً ، مشيراً ، الهاً قديراً ، أباً أبدياً ، رئيس السلام لنمو رياسته ، وللسلام لا نهاية على كرسي داود وعلى مملكته ،ليُثبتها ويُعضدها بالحق والبر ، من الآن الى الأبد غيره رب الجنود تصنع هذا ” (أش ٩: ٦- ٨) نعم ، انها غيرة رب الجنود الذى أحب خاصته ، بل أحبهم الى المنتهى ، فأرسل ابنه الوحيد متجسداً من العذراء ، آخذاً طبيعتنا البشرية ، حاملاً خطايانا وكل ما لنا ففى جسده ، ليهبنا كل ما له ، حتى كما صار هو ابناً للإنسان ، يمنحنا أن نصير نحن أبناء لله فيه وكما صار هو غصناً ، بل كرمة حقيقية ، نصير نحن أغصاناً ثابتين فيه ، متغذين من عصارته وحاملين ثماره : ” أنا الكرمة وأنتم الأغصان الذى يثبت فىّ وأنا فيه هذا يأتى بثمر كثير” (يو ١٥: ٥) هذا هو الغصن الذى خرج من جذع يسّى ، ليحمل شجرة يسي وكل بيت داود في جسده وبدلاً من أن يثبّت مملكة داود الأرضية ، افتتح بجسده طريقاً للملكوت السماوى لكل بيت داود وذرية داود، اسرائيل الجديد ، أى المؤمنين باسم ابن الله.
المسيح البكرُ
تتكرر كلمة البكر كثيراً فى الكتاب المقدس ، سواء كان المقصود بها بكر الانسان أو بكر الحيوان ، أو حتى أبكار المزروعات وكان للبكر مكانة خاصة فى العهد القديم بين عائلته وأيضاً أمام الله حسب الوصايا التى أعطاها الله لأنبياء العهد القديم وعندما كتب بولس الرسول رسالته الى أهل كولوسى ، ذكر لهم أن المسيح هو: “بكرُ كل خليقة “(كو ١: ١٥) فماذا كان يعنى بولس الرسول بهذا اللقب ،وكيف يكون المسيح بكر الخليقة ؟ تأتى كلمة بكر فى اللغة اليونانية ԚѠϯΟϯΟҚΟϛπ ( بروتو – توكوس ) وترجمتها الحرفية ” الحَمل للمرة الأولى ” ، وهى من الكلمات الخاصة بالترجمة السبعينية للعهد القديم ، اذ أنها لم ترد فى أية نصوص يونانية قبلها ، وقدور دت فى السبعينية حوالى ١٣٠ مرة بمعنى ” الابن البكر ، أو الابن المولود أولاً ” وهذه الكلمة هى ترجمة للكلمة العبرية ” بوكير ” ومعناها ” بكر ” وذلك عندما تأتى لتصف بكر الانسان أو الحيوان ، وفى الجمع ” بكوريم ” ومعناها “أبكار” عندما تصف أبكار المزروعات
أما في العهد الجديد فأنها ترد ثماني مرات ، مرتان منها فى صيغة الجمع (عب ١١: ٨ و ١٢: ٢٣) أما الست مرات الباقية فتأتى فى صيغة المفرد وتشير الى الرب يسوع وعندما نقرأ هذه الآيات ، لا نجد صعوبة فى فهم معناها ، فمعظمها تحمل المعنى الشائع فى العهد القديم لمفهوم البكر ، أى الابن الأكبر ، أو الابن المولود أولاً فهي ترد فى انجيل لوقا عن ميلاد الرب يسوع من العذراء مريم : ” فولدت ابنها البكر وقمطته وأضجعته فى المذود كما هو مكتوب فى ناموس الرب : أن كل ذكر فاتح رحم يُدعى قُدُوساً للرب “(لو ٢: ٧و ٢٣) والجدير بالملاحظة هنا أن كلمة البكر اليونانية ( بروتوكوس ) تحكم ما قبلها وليس ما بعدها ، أى أنها تعطى معنى أن المولود هنا هو المولود الأول ، وليس بالضرورة أنه لحقه آخرون فى الولادة كما ترد كلمة البكر أيضاً عن المسيح كبكر من بين الأموات أو كبكر بين اخوة كثيرين (رؤ ١: ٥ و رو ٨: ٢٩) ولكن الصعوبة في فهم كلمة البكر تقابلنا هنا فى آية بولس الرسول في رسالته لأهلك لوسى ، وأيضاً في الرسالة الى العبرانيين : “وأيضاً متى أدخل البكر الى العالم يقول : “ولتسجد له كل ملائكة الله “(عب ١: ٦)
+ان الآيات الواردة فى رسالة كولوسى (كو ١: ١٥- ٢٠) تمثل ترنيمة أو قصيدة شعرية ، يرى كثير من الباحثين أنها كانت تستعملفى الصلوات الليتورجية أو الطقسية فى الكنيسة الأولى وهذه القصيدة تظهر أنها تدور حول أول كلمة فى العهد القديم فى لغتهالعبرية : ” فى البدء ( براشيت ) ” وهى الكلمة التى تحمل فى داخلها معنى البدء أو الرأس تنقسم هذه الترنيمة الى جزئين ، الأول منها (كو ١: ١٥- ١٧) يظهر فيه المسيح كمصدر للخليقة :”الذى هو صورة الله غير المنظور، بكر كل خليقة ، فانه فيه خُلقَ الكُلُ ما فىالسّموات وما على الأرض ، ما يرى وما لا يرى ،سواء كان عُروشاً أم سيادات أم رياسات أم سلاطين الكل به وله قد خُلق الذى هو قبلكل شىء ، وفيه يقوم الكل ” أما الجزء الثانى من الترنيمة (كو ١: ١٨- ٢٠) فيظهر فيه المسيح كمصدر للخليقة الجديدة ، أو ينبوعالفداء :” وهو رأس الجسد : الكنيسة الذى هو البداءة ، بكر من الأموات، لكى يكون هو متقدماً فى كل شىء لأنه فيه سُرّ أن يحل كلالملء ، وأن يصالح به الكل لنفسه ،عاملاً الصلح بدم صليبه ، بواسطته ، سواء كان : ما على الأرض أم فى السموات ” وبالقراءةالمدققة لجزئى القصيدة ، نكتشف أنهما قصيدتان متوازيتان ، أو متقابلتان فى المعنا ففي الجزء الأول يظهر المسيح أنه الصورةالمنظورة لله غير المنظور ، وأنه السبب فى كل الخليقة المادية وغير المادية بل أن قيام الخليقة ودوامها يعتمد عليها أما فى النصفالثانى من القصيدة يظهر المسيح أنه الوسيط الذى به تمت المصالحة بين الخليقة وخالقها انه أصل الكنيسة والمسئول عن وجودهاوكيانها وفى كلا الجزئين يظهر بوضوح أن المسيح ليس جزءاً من الخليقة ، بل هو خالقها وموجدها من العدم ، كما يظهر أنه ليسجزءاً من الكنيسة ، بل هو أصلها وسبب قيامها فالمسيح فى هذه الآيات هو الله الخالق والعامل فى الخليقة ، والمصالح والفادى لها(كو ١: ١٥و ١٩)
مفهوم البكر فى العهد القديم :
ولكى نفهم معنى البكر التى يستعملها بولس الرسول هنا ، علينا أن نرجع لمعنى هذه الكلمة كما ترد فى العهد القديم:
١-البكر فى العهد القديم يعنى الابن المولود أولاً ، حتى وان سبقه أخوات فى الولادة ، فالبكر يكون من الذكور فقط هذا الطفل الذكرالبكر يكون له مكانة رائدة فى الأسرة ، ويتبوأ مكان الصدارة فى العائلة عند وفاة الوالد ، وله الحق فى نصيب اثنين فى الميراث
٢-كان البكر يعتبر مِلكاً خاصاً لله :” قدس لى كل بكر ، كل فاتح رحم من بنى اسرائيل ، من الناس ومن البهائم انه لى”(خر١٣: ٢)
٣-كانت البكورية أو حق الابن الأكبر ترجع الى الوالد نفسه وليس الى مجرد ترتيب الولادة للأطفال ، وكان من حق الوالد أن يسحب حقوق البكورية من الابن الأكبر ويعطيها لطفل آخر من أولاده فمثلاً فى سفر التكوين (تك ٢٥: ٢٩- ٣٤) كان من حق الابن الأكبر أنيبيع بكوريته لأخيه الأصغر منه ، كما فعل عيسو وباع حق البكورية لأخيه يعقوب ، ومع ذلك لم يعترف أبوهما اسحق بهذا الأمر وطلبمن عيسو أن يصنع له وليمة صيد حتى يأكل ثم يباركه ، متغاضياً عن الاتفاق الذى تم بين عيسو ويعقوب (تك ٢٧: ١٩) وفى الجيل التالى لهذه الواقعة ، لم يمنح يعقوب ابنه الأكبر رأوبين حق البكورية ، بل أعطاها ليوسف ابن زوجته المحبوبة راحيل وقد أفصح عنذلك علانية عندما صنع ليوسف قميصاً ملوناً لتمييزه على باقى اخوته (تك ٣٧: ٣- ٤) وبهذا التمييز أعطى يعقوب ليوسف حقالبكورية مما أثار ضده غيرة اخوته ، خاصة عندما أعطى يوسف لاخوته الانطباع برئاسته عليهم بواسطة الأحلام التى كان يقصهاعليهم وحتى يوسف نفسه المعتبر أنه بكر عندما قدم ولديه لأبيه يعقوب ليباركهما ، قدم يعقوب الابن الأصغر على الابن الأكبر (تك ٤٨: ١٣- ٢٠)
٤-مرة أخرى نجد فى العهد القديم أن كلمة بكر أحياناً لا تطلق على الابن المولود طبيعياً أولاً ، بل الابن الذى سوف يصير قائداً أومميزاً عندما طلب الله من ابراهيم أن يقدم له اسحق محرقة ، قال له : “خذ ابنك وحيدك الذى تحبه ، اسحاق” (تك ٢٢: ٢) ، مع أنهلم يكن وحيده ، ولكن المقصود هنا بالابن الوحيد ، وبالتالى الابن البكر ، الابن المحبوب وفى سفر ميخا وسفر زكريا نجد أن المقصود بالابن البكر الابن المحبوب من والديه أو العزيز جداً لديهم : ” بم أتقدم الى الرب وأنحنى للاله العلى ؟ هل أعطى بكرى ( أى ابنىالمحبوب ) عن معصيتى ثمرة جسدى عن خطية نفسى ؟ ” (ميخا٦ : ٦و ٧) ، ” وأفيض على بيت داود وعلى سكان أورشليم روح النعمة والتضرعات ، فينظرون الىّ ، الذى طعنوه ، وينوحون عليه كنائح على بكره ( أى ابنه المحبوب ) ” (زك ١٢: ١٠)
٥- معنى آخر يقابلنا فى العهد القديم لمفهوم البكر ، وذلك عندما دعا الله اسرائيل بأنه ابنه البكر ، وذلك فى حديثه مع موسى النبى : ” فتقول لفرعون : هكذا يقول الرب : اسرائيل ابنى البكر ” (خر ٤: ٢٢) ، وهو نفس المعنى الذى كرره بعد ذلك ارميا النبى : ” لأنى صرت لاسرائيل أباً ، وأفرايم هو بكرى ” (ار ٣١: ٩) والمعنى الوارد فى هاتين الآيتين ، والذى لم يتكرر فى العهد القديم بعد ذلك ، لانجد أى تلميح أن الله قد ولد اسرائيل ، لكنه يقصد أن اسرائيل هو الشعب رقم واحد أو الشعب المفضل أو المختار لديه أو الشعب القريب الى قلبه ، من يخطىء نحو هذا الشعب فكأنه يسىء الى الله نفسه ، ومن ثم عليه أن يتحمل عقوبة خطئه ففى سفر الخروج عندما رفض فرعون أن يطلق اسرائيل ، قال الرب : ” أطلق ابنى ليعبدنى ، فأبيت أن تطلقه ، ها أنا أقتل ابنك البكر “(خر ٤: ٢٣)
٦-أخيراً ، نجد أن الملك الذى سيملك على كرسى داود سوف يسمى “الابن البكر” : “هو يدعونى : أبى أنت ، الهى وصخرة خلاصى ،أنا أيضاً أجعله بكراً ، أعلى
من ملوك الأرض ” (مز ٨٩: ٢٦و ٢٧) واضح هنا أيضاً أنه لا يوجد ولادة حسب الجسد لهذا الابن البكر ، لكن الله سوف يجعله بكراً له، أي سيجعله أعلى من كل ملوك الأرض فالابن البكر هنا يعنى مكان الصدارة والكرامة والمجد الذى سيحتله الملك الداودى
المسيح بكر الخليقة :
نلاحظ مما سبق أنه عندما أورد القديس بولس الترنيمة التى تذكرأن المسيح بكر كل خليقة ” ،فانه كان يضع في اعتباره مفهوم الرأس والبداية ” ، أو بمعنى آخر ، مكان الصدارة والسمو فوق كل خليقة
مادية وغير مادية ، وكمصدر ونبع الفداء واذا ما استعرضنا ما جاء في آية سفر المزامير السابق ذكرها ، والتى تعتبرنبوة عن المسيح ، يكون المسيح هو رقم واحد فى عائلة الله ، وأن الله جعله وارثاً وملكاً فوق كل ملوك الأرض وكما تذكر الآية أن المسيح هوبكر كل خليقة ، تعود وتذكر أنه هو خالق هذه الخليقة : ” فانه فيه خُلق الكل : ما فى السموات وما على الأرض ، ما يرى وما لايرى ” وتعود الترنيمة وتطلق على المسيح نفس هذا اللقب ” البكر ” ولكن بمعنى آخر ، فهو ” بكرمن الأموات ” فهو أول من قام من بين الأموات لحياة أبدية ليس لها نهاية فبالرغم من أنه هناك من أقيموا من الموت قبل قيامة المسيح ، ولكنهم جميعاً قاموا لحياة مؤقتة تنتهى بالموت ثانية ، لكن المسيح هو الباكورة أو رأس من سيقومون من الأموات لحياة أبدية دائمة مع الله وهكذا نجد أن القديس بولس لا يستعمل كلمة بكر بالمفهوم الحرفى لهذه الكلمة وهو المفهوم الأكثر شيوعاً فى العهد القديم فالمسيح هو بكر الخليقة ، ليس بمفهوم أنه واحد من الخليقة ، بل بمفهوم رأس الخليقة والأول فى عائلة الله ، سواء فى الخليقة القديمة أو الخليقة الجديدة فى المسيح هو قائد كل العائلة وهو الأول فى كل شىء فيها هو ليس جزءاً من الخليقة المادية ، ولا حتى من الخليقة المفتداه الجديدة ، بل هو صورة الله والذى فيه يحل كل ملء اللاهوت
بركات لقب البكر بالنسبة للخليقة الجديدة :
ان لقب البكر لا يفيد المسيح فى شىء ، بل يعود بالفائدة علينا نحن فهو بكر لنا ، لأنه صار أخاً لنا حسب التدبير، أى صار بكراً بين اخوة كثيرين وهو أيضاً بكر لنا من جهة قيامته من بين الأموات ، ليهيىء لنا الطريق للدخول الى الأمجاد السماوية
يقول القديس أثناسيوس الرسولى 🙁 الله الذى كان للناس خالقاً ، صار لهم فيما بعد أباً ، بسبب كلمته الذى سكن فيهم أما بخصوص الكلمة ، فالأمر معكوس ،فالله وهو آب له بالطبيعة ، صار له فيما بعد خالقاً وصانعاً حين لبس الكلمة جسداً مخلوقاً ومصنوعاً وصار انساناً فحينما لبس الكلمة جسداً مخلوقاً وصار مشابهاً لنا من جهة الجسد ، فقد صار من اللائق أن يُدعى”أخاً ” لنا و”بكراً لنا” فمع أنه قد صار من بعدنا ولأجلنا انساناً وأخاً لنا بسبب مشابهة جسده لأجسادنا ، لكنه مع ذلك يُدعى ويكون بالفعل “بكراً” لنا لأنه بينما كان جميع الناس هالكين بسبب معصية آدم ، فان جسده كأول بين جميع الأجساد الأخرى ،قد نجا وتحرر لأنه كان جسداً ” للكلمة” نفسه، ومن بعده نحن أيضاً لما نصير جسداً واحداً معه ، نخلص أيضاً على مثاله فانههو ” الابن الوحيد ” بسبب ولادته من الآب ، وهو ” البكر ” بسبب تنازله الى خليقته ، واتخاذه اخوة كثيرين له ) ضد الأريوسيين ٢: ٦١و٦٢
ويقول القديس كيرلس الكبير :
(” متى أدخل البكر الى العالم يقول : ولتسجد له كل ملائكة الله ” (عب ١: ٦) فمع بقائه ابن الله الوحيد ( مونوجينيس ) من جهةلاهوته ، الا أنه لما صار أخاً لنا ، قد دُعى أيضاً بلقب البكر ، حتى يصير مثل باكورة لتبنى البشرية ويُهييىء لنا أن نصير نحنأيضاً أبناء لله) تفسير (لو ٢: ٧)
( بسبب محبة الآب لخلائقه ، قد دعا الابن نفسه بكراً لكل خليقة (١كو ١: ١٥) فهو بكر من أجلنا نحن ، حتى تصير الخليقةكلها كأنها مطعّمةً فيه ، كما فى أصل جديد غير مستهدف للموت ، فتنبت من جديد من الكائن الأزلى نفسه)
ويقول القديس يوحنا ذهبى الفم :
( ليتنا لا نمسك فقط بالمسيح بل لنلتصق به ، لأننا ان افترقنا عنه فاننا نهلك ، كما يقول : “الذين يبعدون عنك يهلكون” (مز٧٣: ٢٧) فلنلتصق اذاً به ، لنلتصق به بأعمالنا ، لأنه يقول : “الذى يحفظ وصاياى فهو الذى يثبت فىّ “(يو ١٤: ٢١) وهويوحدنا به بأمثلة كثيرة فانظر :انه هو الرأس ونحن الجسد فهل يمكن أن توجد أية فجوة بين الرأس والجسد ؟ انه هو الأساس ونحن البناء هو الكرمة ونحن الأغصان هو العريس ونحن العروس هو الراعى ونحن الخراف هو الطريق ونحن السائرون فيه نحن الهيكل وهو الساكن فينا هو البكر ونحن اخوته هو الوارث ونحن شركاؤه فى الميراث هو الحياة ونحن الأحياء هو القيامة ونحن القائمون هو النور ونحن المستنيرون ولا تترك فرصة لوجود أقل فجوة بيننا وبينه “) العظة الثامنة فى تفسير (١كو ٣: ١١)[16]
المتنيح القمص تادرس البراموسي
اليوم الثامن والعشرين من شهر كيهك المبارك
ولما إبتدأ يسوع كان له ثلاثين سنة وعلى ما يظن أنه إبن يوسف ابن هالى (لو ٣- ٢٣- ٢٨)
لما خلق الله أبونا آدم زوده بالوصايا والتعاليم الإلهية وجعـل لـه أشياء ممنوعة وأشياء مسموح بها ولم يكن هناك من يشغل آدم عنتنفيذ الوصية وإطاعة الله . خلق لآدم كل ما يحتاج إليه من خيرات وزوده بالحكمة والفهم وقال الكتاب كل ما خلقه الله وجـده حسـناً . غرس له بستان فيه كل الأثمار وخلـق لـه الحيوانات الأليفـة والمفترسة . خلق له الطيور والأسماك ثم رأه محتاج لمن يؤنسه من جنسه ويعيش معه فأخذ ضلعاً من آدم وجعل منه امرأة ففرح بهـا آدم وقال هذه امرأة لحمها من لحمي ودمها من دمى وسماها حواء لأنها ستكون أم لكل حي .
ولم يعلم آدم ويفكر أن هذه المرأة ستكون السبب في سقوطه ومخالفة الله . تدخلت الحية وجعلت فيهمـا روحالكبرياء ونسبت الأنانية لله تبارك أسمه قالت لهما أن الله عالم أنه لو أكلتما من شجرة الخير والشر تنفتح أعينكما وتكونان مثـل اللهعارفين الخير والشر .
فتغير شكل الشجرة أمامهما كانا ينظرانها كل يوم لكن الآن أصبح لها شكل ثاني حسنة المنظـر شـهية الأكـل . فأكلت حواء وأعطت آدم فأكل وصار عريانين وتعـروا أيضاً من النعمة بمخالفتهما للوصية فطردوا من الجنة و عاش آدم بعـرق وجهه يأكل خبزه وحواء عاقبها بالتعب تلدين أولادك .
عاش آدم وورثه أولاده في خطية التعدي وكسر الوصية وكـان غضب الله عليهم ولم يكن لهم قانون ولا ناموس يحكمهم . قام قايين وقتل أخيه هابيل لأنه شعر أنه مقبول عند الله أكثر منـه وعاشـت الخليقة بدون قانون ولا أعراف تحكمهم بل كان يحكمهم الضـمير وقانون الطبيعة .
فتزوج الأخ بأخته والابن عمتـه والأب بابنته وكانت لخبطة في الأعراف والمواثيق إلى أن جاء الوقت الذي أراد الرب أن يضع حدا لاستهتار الشعوب فاختار الأمة اليهودية وجعل لهم قوانين إلى أن أعطى الناموس لموسى النبي وأحـب الله بنـى إسرائيل وجعله شعبه الخاص أي الشعب المختار وجعل لهم النظام .
وجاء الناموس وجعل فيه ممنوعات ومحرمات وبالرغم من ذلـك كان بنو إسرائيل متمردين على الله وحدد لكل سـبط مـن أسـباط إسرائيل شيء معين في خدمته فأعطى الكهنوت لسبط لأوى ووضع له شروط لا يدخل الكهنوت إلا من سـبط لاوی ممنـوع دخـول الكهنوت للأعرج والأصم أو الأعور ولا يـدخل الكهنـوت إيـن الأرملة ولا ابن الزانية ولا مرضوض الخصية . وتطورت الأمـور في الكهنوت عن المسار الصحيح وأفسدوا الشعب بخطاياهم إلا أن جاء أوقت وتكلم الرب يسوع عن الكرم والكرامين ووضع قـوانين للكهنوت الجديد الذي جاء على رتبة ملكي صادق أي تقدم الخبـز والخمر بدل الذبائح الدموية وأصبح كل إنسان يؤمن بالرب يسـوع له الحق أن يكون كاهناً كل من يكون مستحقا لذلك وليس وقفاً على إنسان معين ولكي ما يزيل كل العوائق ولم يكن الكهنوت لفئة معينة أو سبط معين أو معاملة معينة جاء الرب يسوع من رحاب الزانيـة التي خبأت الجسوسين في أريحا وأصبحت جـدة للسـيد وأيضاً راعوث المؤابية أممية وهي جدة السـيد المسـيح بالجسـد وأيضاً ثمار التي زنت مع حماها أبو زوجها وأصبحت جدة للسـيد المسيح .
أتى السيد المسيح من هؤلاء الزانيات والأممية لكي يلغـى فكرة السبط الواحد أو المستحق وغير المستحق وهكذا سجل القديس لوقا في ( ص ۳ ) جدول نسب السيد المسيح و ذكر هؤلاء السيدات . وهكذا سارت المسيحية على هذا المنوال وأصبح الكهنوت حق لكل مسيحي وليس لفئة معينة وقال الكتاب ليس لكل أحد بل المعطي من الله كمثل هارون . ولم يكن الآن كهنوت وراثي مثل اللاويين أولاد هارون أو أولاد عالي الكاهن بل أصبح لقمة مباحة لكـل مسـيحي إبن الأرملة أو العيوب الجسدية كلمن يوجد به الكفاءة لخدمـة الرب والكنيسة بالحسب والإيمان والتضحية وإنكار الذات وحمـل الصليب والرب يعمل في الجميع لتذدهر الخدمة وتنمـوا الرعيـة ويتمجد الله[17].
القديس الأرشيدياكون حبيب جرجس
ولادة ربنا يسوع المسيح (لو ۲ : ۱ – ۷)
و أضجعته في المذود اذ لم يكن لها موضع في المنزل » (لو ٢ : ٦) .
(اولاً) كان زمن ميلاد المسيح في أيام أوغسطس قيصر أحد قياصرة الرومان . وهذا يدل على اتمام مواعيد الله ونبوات الانبياء بأنالمسيح يأتى بعد زوال مملكة اليهود وكان ذلك الوقت هو الوقت المناسب الذي عينه الله .
(ثانياً) كان مكان ميلاده في بيت لحم كماسبقى ميخا النبي وانبأ بذلك قائلا ” « أما أنت يا بيت لحم افراته وأنت صغيرة ان تكونى بين الوف يهوذا فمنك يخرج لي الذي يكونمتسلطاً على شعبي اسرائيل ومخارجه منذ القدم منذ أيام الأزل » (می ٢:٥) .
(ثالثاً) كيفية ميلاد المسيح فانه نزل الى درجة عجيبةمن التواضع اذ لم يقبل ان يولد في قصر عظيم وهو ملك الملوك ورب الأرباب . ولا في منزل صغير بل ارتضى ان يولد في مذود للبقر . وهل من تواضع أعجب من ذلك فكيف يتكبير الانسان و نزدهی بالدنيا و بما يملك وهو يرى سيده وخالقه يتواضع هذا التواضعالغريب .
(رابعاً) لاحظ قول الانجيلي لم يكن لها موضع في المنزل فقد ولد هكذا في مذود وعاش ايضاً كذلك اذ قال عن نفسه « انابن الانسان ليس له أين يسند رأسه ، وهكذا افتقر مخلصنا لأجلنا لكي نستغنى نحن بفقره .
(خامساً) ليس الفقر عيباً ولا عاراً اذاسمح الله بان يكون الفقر نصيب انسان ، فان المسيح ولد فقيراً وعاش فقيراً .
(سادساً) لا تنس مراحم الرب وصدق امانته في مواعيدهفقد اتم ما وعد به الانبياء والبشر بمجىء ابنه لخلاص العالم .
+ بشارة الملاك للرعاة (لو٢: ۸ – ۲۰)
“المجد لله في الأعالي وعلى الارض السلام وبالناس المسرة” (لو ٢ : ١٣) .
(أولا”) أول الذين بشروا بميلاد المسيح هم الرعاة . فلم يتوجه الملاك الى قصور الأشراف والاغنياء بل بشر رعاة غنم ورتل الملائكة أناشيد السرور بميلاد الفادي أمامهم، فما أعجب عناية الله بالصغار وعدم التفاته الى كبرياء العظماء .
(ثانياً) ماذا يحصل من ميلاد المسيح الجواب في كلام الملاك : أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب الخ . وذلك لأن المسيح هو مخلص العالم .
(ثالثاً) اشتراك الملائكة في الفرح بخلاص الناس من طريق تجسد الفادي وهذا ظاهر من خدمتهم للبشر وترتيلهم .
(رابعاً) نشيد الميلاد الجميل الذي أنشده الملائكة يتضمن ثلاثة أمور
(١) اعطاء المجد لله في الأعالي فان الله دائماً ممجد من كل الخليقة ومسبح بكل أعماله ولكن الفداء مجده أكثر من كل شيء اذ أظهر عنايته ومحبته ورحمته للبشر
(۲) على الأرض السلام. الارض التي لعنت خطيئة الانسان وعاش الانسان في القلق بعيداً عن الله . عاد الله وأرجع اليه سلامه سلام مع الله. سلام. في الضمير . سلام مع الآخرين . وفى ظل محبة الله يستطيع الانسان أن يعيش بملء السلام
(٣) في الناس المسرة . الانسان الذي كان عدواً لله بسبب خطيئته عاد الله ورحمه وأظهر محبته له وسروره بخلاصه. وما أجمل هذه الترنيمة فانها خلاصة عمل الفداء[18].
المتنيح الدكتور موريس تاوضروس
نسب السيد المسيح بحسب الجسد
(أولاً ) نسب السيد المسيح بحسب ما ذكره متی
إذا كانت الصلة واضحة بين العهد القديم والعهد الجديد فهي أوضح ما يكون في سلسلة النسب التي ذكرها سواء متى أو لوقا يبدأ متى حديثه عن نسب السيد المسيح بهذه العبارة “كتاب ميلاد ” وهي عين العبارة التي استخدمتها الترجمة السبعينية. ولا يبعد أن يكون متى قد اطلع على ذلك . ويلاحظ أن الموضوعات التي أشار إليها الكاتب تشمل الحديث عن خلقة الإنسان وعن ميلاد قايين وهابيل وعن نسل قابين حتى لامك
ـ أما الموضوعات التي يشير إليها فهي تمتد حتى الاصحاح السادس والعدد الثامن حيث يتحدث الكتاب عن الشر الذي جرى في أيام نوح بعد حديثه عن نسل آدم إلى يافث وعلى هذا النحو يمكن القول أن متى إذ يستعمل هذه العبارة فهو يشير بها إلى نسب السيد المسيح أي من العدد الأول إلى العدد السابع عشر ذلك فيمكن القول أن متى قصد بعبارته هذه أن يشير إلى إنجيله كله ، إذ أنه قصد بكتابة إنجيله كما قصد بكتابة النسب أن يبرهن على أن يسوع هو المسيح بن داود .
ويلاحظ أن كلمة (مسيح) كانت تطلق على الكهنة والملوك لمسحهم بالزيت وكذلك سمى يسوع (بالمسيح) كملك وككاهن غير أنه لم يمسح بزيت ولكنه (مسح بالروح القدس) ويقول متى في بدء حديثه عن النسب “ابن داود بن ابراهيم ” أي أنه ذكر داود أولا لا إبراهيم ولعل ذلك يرجع إلى أن داود كان آخر من أعطيت له المواعيد لمجيء المسيح من نسله ، وقد كان الأمر الشائع بين اليهود أن المسيح سيأتي من نسل داود ، ومن أجل ذلك فقد كان يلزم أن يتحقق اليهود ذلك عن نسب السيد المسيح .لذلك أيضا خاطب بطرس اليهود قائلا : أيها الرجال الأخوة يسوع أن يقل لكم جهاراً عن رئيس الآباء دارد أنه مات ودفن في قبره عندنا حتى هذا اليوم فاذا كان نبيا وعلم أن الله حلف له بقسم أنه من ثمرة صلبه يقيم المسيح حسب الجسد ليجلس على كرسيه سبق فرأى وتكلم عن قيامة المسيح أنه لم تترك نفسه في الهاوية ولا رأى جسده فساداً فيسوع هذا أقامه الله ، ونحن جميعاً شهود لذلك وإذ ارتفع بيمين الله وأخذ موعد الروح القدس من الأب سكب هذا الذي أنتم الأن تبصرونه وتسمعونه لأن داود لم يصعد إلى السموات وهو نفسه يقول قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك فيعلم يقيناً جميع بيت اسرائيل أن الله جعل يسوع هذا الذي صلبتموه أنتم رباً ومسيحا وكان يهتم بولس الرسول أن يشير إلى المسيح باعتباره من نسل داود والذي سبق فوعد به بأنبيائه في الكتب المقدسة عن ابنه الذي صار من نسل دارد من جهة الجسد.
وقال لتيموثاوس اذكر يسوع المسيح المقام من الأموات من نسل داود بحسب الجسد والمسيح نفسه عند ما يتكلم في رؤيا يوحنا قال أنا يسوع أرسلت ملاكي لا شهد لكم بهذه الأمور عن الكنائس ، أنا أصل وذرية داؤد وقد اهتم متى أن يصلب النسب إلى ابراهيم ابن داود بن ابراهيم ، لأن المواعيد كانت لإبراهيم كما كانت لداود وقد اهتم متى بذكر ذلك لأنه يكتب إلى اليهود الذين يعرفون هذه المواعيد – على أنه يلاحظ أن مرقص بدأ إنجيله بنسب المسيح إلى الله رأساً ، بدء إنجيل يسوع المسيح ابن الله ،ذلك لان مرقص بدأ إنجيله بالحديث عن اعتماد المسيح من يوحنا حيث عين المسيح من قبل الآب ابن الله فتسمية المسيح بن الله تعتبر مناسبة لغرض مرقص. في الكتابة ، كما أن تسمية متى للمسيح بابن داود تعتبر مناسبة أيضاً لغرضه من كتابه إنجيله ، وعلى هذا النحو أيضا يمكن أن يفسر الاختلاف بين إنجيل لوقا وإنجيل متى في طريقة عرض نسب المسيح ذلك لأن لوقا الذي كتب إنجيله للأمميين .
صعد بنسب المسيح إلى آدم الذي هو أب لجميع البشر . يقول متى – إبراهيم ولد اسحق فهو إذن ينسب الولادة إلى الرجل حيث أن الرجل هو رأس المرأة . وهو الأصل في إنجاب النسل .ويلاحظ أن متى أخذ العدد الثاني من نسبه ( أي ابراهيم ولد اسحق واسحق ولد يعقوب ويعقوب ولد يهوذا وإخوته ) من سفر أخبار الأيام الأول ( الأصحاح الأول عدد ٣٤، والاصحاح الثاني العدد الأول) ولقد ذكر يهوذا من بين اخوته الإثنى عشر لأن هوذا كان له الوعد أن من نسله سيجيئ المسيا المنتظر .أما فيما يختص بالنساء اللاتي ذكرهن متي ( ثامار – راحاب ۔ راعوث ـ أمرأة أوريا ) فنلاحظ الآتي:
(۱) ان راعوث كانت موآبية ولم تكن يهودية بل كان بين الموابيين واليهود عداوة .
(۲) ثامار وراحاب وامرأة أوريا کن خاطئات فلم يشن ذكرهم نسب المسيح ، لأن السيد المسيح لم يأت للأصحاء بل المرضى ، ويلاحظأن متى قد. رجع هنا أيضا الى سفر أخبار الأيام الأول. الاصحاح الثاني حيث ذكر في عدد ٤ وثامار كنته ولدت له فارص وزارحو القسم الثاني من النسب يتكلم عن الملك سلمان ويستعرض أسماء الملوك حتى الملاك يكنيا الذي سباه نبوخذ نصر من أورشليم الىبابل
وبين يورا وعزيا يهمل متى ذكر ثلاثة ملوك هم أخزيا ويوآش وأمصيا وذلك لرداءة سيرتهم . وعلى ذلك إذا حسبنا أن القسم الثاني يبدأمن داود لا من الملك سلمان وينتهى بيوشيا يكون لدينا أربعة عشر جيلا وفق التقسيم الذي أشار اليه متى في العدد ١٧من نفسالأصحاح أي أن الأقسام الثلاثة التي قسم اليها متى نسب المسيح هي على هذا النحو :
القسم الأول يشمل :
ابراهيم .اسحق.يعقوب . موذا . فارص .حصرون .آرام . عميناداب . نحشون . سلمون . بوعز . عوبيد . يسى ،داود
القسم الثاني يشمل :
داود .سلمان .رحبعام .أبيا . آسـا. يهوشافاط .يورام . عزيا. يونام ، آحاز . حزقيا .منسى. آمون . يوشيا .
القسم الثالث ويشمل :
يكينيا. شالتيئيل . زربابل . ابيهود.الياقيم عازور. صادوق .أخـيم ، اليـود
اليعازر. متان .يعقوب . يوسف. يسوع.
على أن هناك رأياً آخر في صورة التقسيم الثلاثي للأجيال التي ذكرها متى ويذهب هذا الرأي إلى القول بأن القسم الثاني لا يبدأ بداود ولكن يبدأ بسلمان وإلى القول بأن عدد ١١ قرئ في بعض النسخ على هذا النحو . يوشيا ولد يهوياقيم وإخوته ويهوياقيم ولد يكنيا ـ وهذا ما يتفق مع (١أي ٣ : ١٥).
وعلى ذلك إذا ذكر يهوياقيم يكون القسم الثاني ١٤جيلا دون حاجة إلى حساب داود مرتين كذلك في هذا الرأى حل لمشكلة أخرى تنتج عن قراءة العدد ١١ على النحو المذكور عليه الآن حيث يقول متى . ويوشيا ولد يكنيا وإخوته عند سبى بابل ، إذ من المعروف أن يوشيا كان قد مات قبل السبي بعشرين سنة .
وكذلك لم يكن ليكنيا إخوة . أما إذا قرأنا العدد على النحو الآخر أي يوشيا ولد يهوياقيم وإخوته وهو يهوياقيم ولد يكنيا عند سبى بابل ، أصبح الأمر يتفق مع مجريات الأحداث حيث يكون يوشيا قد ذكر قبل السبى من ناحية ومن ناحية أخرى يكون الأخوة المذكور من هنا هم إخوة يهوياقيم لا إخوة ليكنيا ، وهذا ما يتفق مع النسب الصحيح المذكور في سفر أخبار أيام الأول على نحو ما أشرنا .
( ثانيا ) نسب السيد المسيح بحسب ما ذكره لوقا
يسهل على القارئ أن يدرك الاختلاف بين لوقا ومتى في طريقة عرض نسب السيد المسيح ، فبينما يتبع متى طريقاً تنازليا من إبراهيم إلى المسيح ينهج لوقا نهجا تصاعدياً إذ يصعد بالنسب من المسيح إلى آدم ثم إلى الله ـ كذلك يختلف كل منهما في الأنساب التي يصلان بها إلى السيد المسيح .
وهناك افتراضان لحل هذا الاختلاف :
الافتراض الأول : أن متى يهتم بذكر نسب السيد المسيح من يوسف بينما يهتم لوقا بذكر نسب السيد المسيح من القديسة مريم ويدعم أصحاب هذا القول رأيهم بالرجوع إلى ما يذكره لوقا في عدد ٢٣ إذ يقول لوقا أن يسوع قد بدأ في السنة الثلاثين وكان يظن أنه ابن يوسف بن هالی و بحسب رأيهم يمكن وضع عبارة “وكان يظن أنه ابن يوسف ، بين قوسين أي أن العدد ٢٣ يمكن أن يقرأ على هذا النحو ، وكان يسوع قد بدأ في السنة الثلاثين، و وكان يظن أنه ابن يوسف بن هالي ” أي ينسب يسوع إلى هالي مباشرة بحسب نصلوقا .
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى يلاحظ أن كلمة هالي هي مختصر لكلمة الياقيم والإسم الياقيم هو عينه “يواقيم” ، ولذلك فقد سمى الياقيم الكاهن ( يهوديت٤: ٦ ) يواقيم ( ١٥ : ٨) و على ذلك يمكن القول أن هالي هو يواقيم ـ ولما كانت مريم العذراء بحسب التقليد الكنسي هي ابنة يواقيم فهي إذن ابنة هالى المذكور هنا في نسب لوقا وأكثر من ذلك فإن التلمود يذكر عن مريم أنها ابنة”هالى” وقد يفترض على أن اليهود لم تكن لهم عادة لذكر النسب بحسب النساء أي من جهة الأم ولكن قد ورد نظير ذلك في (١ أي ٢: ۲۲) حيث يعد يائير مع نسل يهوذا ولكن جد يائير كان قد تزوج بابنة ماكير أحد رؤساء منسى ولأجل ذلك دعى يائير في (عد ٣٢ : ٤ ، ١٤) ابن منسى .
وكذلك في (عز ٢ : ٦١) ، (نح ٧ : ٦٣) تذكر عائلة بإسم بنی برزلاى لأن جدهم أخذ امرأة من بنات برزلاى الجلعادى و تسمى باسمهم ( کتاب مرشد الطالبين إلى الكتاب المقدس الثمين . طبعة بيروت ١٨٨٦ ص ٤٦١ ) .
الافتراض الثاني : يذهب أصحاب هذا الافتراض إلى القول بأن كلا من متى ولوقا قد نسب السيد المسيح إلى يوسف ويفسر الاختلاف بينهما في أن متى اهتم بذكر الأبناء الطبيعيين الذين تسلسل منهم يوسف بينها اهتم لوقا بذكر الأبناء الشرعيين .
فإذا كان متى يذكر أن يوسف هو ابن يعقوب بينما يذكره لوقا على أنه بن هالى فمرجع ذلك أن هالي كان قد تزوج ولكنه لم ينجب فأخذ زوجته يعقوب أخوه وأنجب منها يوسف وعلى ذلك فإن يوسف هو ابن يعقوب بالطبيعة بينها هو ابن هالي شرعاً .
على أن أخوة هالى ليعقوب كانت ترجع إلى أنهما ابنان لأم واحدة لا لأب واحد لانه لو كانا لاب واحد كان يجب أن يتقابل نسب متىولوقا في إسم جد يوسف في حين أننا نقرأ فى متى عن يوسف بن يعقوب بن مثان بينما نقرأ في لوقا عن يوسف بن هالي بن متثاتوذلك يفسره أن متثات كان قد تزوج فأنجب هالى ثم مات فأخد متان زوجته وأنجب منها يعقوب
ـ وفضلا عن ذلك فإن نسب متى ولوقا يتقابلان في زربابل ، وعلى ذلك فإن متى ينسب يوسف إلى ابيهود ابن زربابل ( عدد ١٣ ) بينما ينسبه لوقا إلى ريسا بن زربابل أيضاً ( عدد ٢٧ ) وبهذا يفسر الاختلاف في سلسلة النسب حتى زربابل أما سلسلة النسب من زربابل إلى داود فرد الاختلاف فيها أن متى اهتم بذكر نسل داود من ابنه سليمان بينما اهتم لوقا بذكر نسل داود من ابنه ناثان ـ ويلاحظ تطابقاً تاماً في سلسلة النسبين داود وإبراهيم والاختلاف الوحيد أن متى يذكر سلسلة النسب بطريقة تنازلية بينها يذكرها لوقا تصاعديا .
ولعله أصبح واضحاً الآن أنه إذا كان متى قسم سلسلة النسب إلى ثلاثة أقسام فقد قسم لوقا إلى أربعة أقسام على النحو التالي :
(۱) من المسيح إلى زربابل .
(۲) من شالتئيل إلى ناثان .
(۳) من داود إلى إبراهيم.
(٤) من تارح إلى آدم ثم إلى الله .
وباستثناء القسم الرابع الذي لم يذكره متى يتفق لوقا مع متى في سلسلة الأنساب وإن كان يختلفان في الطريقة التي عرض كلمنهما بها هذا النسب .
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن متى ولوقا قد اهتما برد نسب السيد المسيح إلى داود, لأنه من نسل داود يجيء المسيا ، وليس من شك في أن مريم أيضاً تنسب إلى داود خاصة إذا أخذنا بالافتراض الاول
ـ ويقال أيضاً أن يوسف قد تزوج مريم للمحافظة على ما ورثته بناء على أوامر الناموس ” فلا يتحول نصيب لبني إسرائيل من سبط إلى سبط بل يلازم بنو إسرائيل كل واحد نصيب سبط آبائه وكل بنت ورثت نصيباً من أسباط بني إسرائيل تكون امرأة لواحد من عشيرة سبط أبيها لكى يرث بنو إسرائيل كل واحد نصيب آبائه فلا يتحول نصيب من سبط إلى سبط آخر بل يلازم أسباط بني إسرائيل كل واحد نصيبه”.
وإذا أخذنا بهذا الرأى يمكن القول أن مريم صعدت مع يوسف عند الاكتتاب إلى بيت لحم لأنها كانت كما يوسف أيضا من بيت داود وعشيرته ( انظر لو ٢ : ٥) .
وثمة ملاحظات أخرى نذكرها فيما يختص بالنسب الذي ذكره لوقا إذ يلاحظ أن لوقا يذكر أن شالتئيل هو ابن نيرى (لو ٣ : ٢٧) بينمايذكره متى على أنه ابن يكنيا (مت ۱ : ١٢) وذلك الاختلاف راجع إلى أن متى اهتم بذكر الأبوة الطبيعية شالتئيل بينها أهتم لوقا بذكرالأبوة الشرعية ثم أن لوقا يصعد بنيرى إلى داود عن طريق ناثان ومتى ينسب يكنيا أيضاً إلى داود عن طريق سلمان . كذلك يلاحظأن لوقا ذكر أن ابن زربابل هو أريسا ( عدد ۲۷ ) بينما ذكر متى أنه أبيهود ( عدد ١٣ ) في حين أن سفر أخبار الأيام الأول ذكرأسماء أخرى تختلف عما ذكره لوقا ومتى إذ جاء ما نصه ( وبنو زربابل مشلام وحننيا وشلومية اختهم ) .
والواقع أن هذا راجع إلى عادة اليهود في تسمية الشخص بأكثر من اسم واحد كما كان يسمى متى المشار لاوى ، وسفر الأعمال يتحدث عن يوسف الذي كان له إسمان ويلقب باسم ثالث و يوسف الذي يدعى بارسابا الملقب بوستس (أع ١ : ٢٣) وفي موضع آخر يطلق اسم برساسا على يهوذا .
وسمعان كان يقال له بطرس (مت ۱۰ : ٢) – هذا إلى أننا نقرأ في سفر دانيال ما يشبه ذلك, “كان بينهم من بني يهوذا دانيال وحننيا وميشائيل وعزريا ، فجعل لهم رئيس الخصيان أسماء فسمى دانيال بلطشاصر وحننيا شدرخ وميشائيل ميشخ وعزرا عبد نغو (دا ٦:١ – ٧) – وقد قيل أيضاً في لوقا عد٣٥ ، ٣٦ “عابر ابن شالح بن بنان بن ارفكشاد” وفى (تك١٢:١١ و ١ أي ١ : ١٨ ان شالح بن ارفکشاد لا ابن ابنه ( ذهب البعض أن موسى لم يذكر قينان لتكون الأجيال من آدم إلى نوح عشرة ومن نوح إلى إبراهيم عشرة ، وقال إبراهيم أن قينان وشالح إسمان بدلان على شخص واحد وذهب كثيرون إلى أن قينان لميكن موجوداً في انجيل لوقا غير أن النساخ أخذوه من الترجمة السبعينية محاكاة لها )”حل مشاكل الكتاب المقدس للقس منسي يوحنا” ( الطبعة الأولى ١٩٢٦ ص ۹۳ ) .
لقد كان الاهتمام بنسب السيد المسيح أمراً ضرورياً سخرت العناية الإلهية متى ولوقا لتسجيله إذ أن المسيا الموعود به كان من نسل داود فلا بد إذن أن يثبت لليهود أن المسيح هو ابن داود ، وبمقدار ما لأهمية تحقق اليهود من ذلك بمقدار ما يكون فضل متى ولوقا في الاهتمام بذكر نسب السيد المسيح ، و لقد كان اليهود يهتمون بجداول الإنسان عموما ويدققون في صحتها فعليها كان يتوقف الكهنوت والملك والميراث وفي سفر عزرا نقرأ عن بني حبايا أنهم رذلوا من الكهنوت لأنهم فتشوا على كتابة أنسابهم فلم يجدوا (عز ٢ : ٦١ – ٦٢) و يذكر نحميا أيضاً نفس القصة، ولو أن في النسب الذي ذكره متى ولوقا أدنى شبهة أو خطأ لكان اليهود أول من اعترضوا عليه وأثاروا الشكوك حوله وهم الذين كانوا يتربصون بالمسيحية وبمؤسس المسيحية ولكن أحداً من البشيرين لم يخطئ وكلما هنالك أن كل منهما قد عرض الأمر بصورة مختلفة تتفق مع الغرض الذي يهدف إليه وهكذا اختلف كل من متى ولوقا في منهج العرض ولكنهما اتفقا تماما وبصورة قاطعة في صحة ما ذكراه[19]
من وحي قراءات اليوم
+ ” إذ لم يكن لهما موضع في المنزل ” (لو ٢ : ٧)
+ خالق السماء والأرض لم يكن له موضع بين مساكن البشر !!
+ أشكرك يا إلهي فرغم قساوتنا ظهرت ونزلت أرضنا لتباركها وتباركنا
+ أشكرك يا إلهي لأنك سكبت عطاياك وفيض غناك لبشريّة لم تستعدّ لمجيئك
+ أشكرك يا إلهي علي قبولك وحلولك في قلوبنا المشغولة عنك
+ تتسائل كل يوم أين هي مواضعكم لي ؟
+ تنتظر إنتهاء وقتنا مع الميديا لنعطيك فتات وقتنا وتركيزنا
+ نقضي بفرح ساعات مع بعضنا البعض ودقائق نحسبها ونستعجلها معك
+ نتكلم مع الناس عنك أكثر مما نتكلم معك عن الناس
+ ما أصعب أن يكون موضعك في بعض الأوقات خارج أسوار كنائسنا أكثر ممّا يكون داخلها
+ تُري أين هو موضعك في حياتنا وأين هو موضع السلام والغفران وكلمة الحق وإستقامة الحياة ووداعة الحملان لترتضي أنتسكن فيها وفينا ؟!
المراجع
١٠- القديس غريغوريوس الناطق بالإلهيات – الكتاب الشهري للشباب والخدام ( يناير ٢٠٠٤ ) – بيت التكريس لخدمة الكرازة
١١- الموسوعة الكنسية لتفسير العهد الجديد – كنيسة مار مرقس مصر الجديدة
١٢- تفسير إنجيل لوقا الإصحاح الثاني – القمص تادرس يعقوب ملطي
١٣- : كتاب الكرازة الرسولية للقديس إيرينيوس ( صفحة ٢٠٩ ) – ترجمة دكتور نصحي عبد الشهيد ودكتور جورج عوض إبراهيم
١٤- المرجع : كتاب العذراء في فكر الآباء ( صفحة ٦٢ ) – القمص بنيامين مرجان باسيلي
١٥- كتاب مقتطفات من كتابات آباء الكنيسة في الميلاد المجيد صفحة ٧ – كنيسة الشهيدين أباكير ويوحنا بأبي قير
١٦- المرجع : مجلة مدارس الاحد عدد شهر ابريل لسنة ١٩٦٠
١٧- القديس كيرلس الكبير – تفسير إنجيل لوقا الإصحاح الثاني – القمص تادرس يعقوب ملطي
١٨- مجلة مدارس الأحد عدد شهر يناير لسنة ١٩٦٨
١٩- المرجع : مجلة مدارس الأحد عدد شهر يناير لسنة ١٩٦٧
٢٠- المرجع : مجلة مدارس الأحد عدد شهر يناير لسنة ١٩٦١
٢١- المرجع : الكتاب الشهري للشباب والخدام عدد يناير لسنة ٢٠٠٤ – بيت التكريس لخدمة الكرازة
٢٢- المرجع : كتاب المنجلية القبطية الأرثوذكسية ( صفحة ٦٥ ) – قداسة البابا تواضروس الثاني
٢٣- كتاب القديسة مريم العذراء في الكنيسة السريانية الأرثوذكسية بقلم قداسة العلامة البطريرك زكا الأول عيواص (صفحة ١٨ )
٢٤- موسوعة الأنبا بيمن – كتاب الأصوام والأعياد ( الجزء الأول صفحة ١٦٥ ) – تقديم الأنبا ديمتريوس أسقف ملوي وأنصنا والأشمونين
٢٥- المرجع : كتاب مفاهيم إنجيلية ( صفحة ٩ ، ١٩ ، ٢٨ ) – الأنبا إبيفانيوس أسقف ورئيس دير القديس أنبا مقار
٢٦- كتاب تأملات وعناصر روحية في آحاد وأيام السنة التوتية ( الجزء الثالث صفحة ٢١٣ ) – إعداد القمص تادرس البراموسي
٢٧- كتاب الكنز الأنفس للارشيدياكون حبيب جرجس ( الجزء الثالث صفحة ١٢ )
٢٨- مجلة مدارس الاحد شهر يناير وشهر ابريل لسنة ١٩٦١