أحـد الإستعـلان (السامريــة)

 

 

“قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «أَنَا الَّذِي أُكَلِّمُكِ هُوَ».” (يو ٤: ٢٦)

“وَلاَ يُعَلِّمُونَ كُلُّ وَاحِدٍ قَرِيبَهُ، وَكُلُّ وَاحِدٍ أَخَاهُ قَائِلاً: اعْرِفِ الـرَّبَّ، لأَنَّ الْجَمِيعَ سَيَعْرِفُونَنِي مِنْ صَغِيرِهِمْ إِلَى كَبِيرِهِمْ.” (عب١١:٨)

[والموت الذي دخل إلي العالم بحسد إبليس هدمته بالظهور المحيي الذي لابنك الوحيــد] (صلاة الصلح – القدّاس الباسيلي).

[تكلّم بطرق كثيرة فتكلّم بنفسه بواسطة ملائكة وبنفسه أيضاً تكلّم بواسطة أنبياء، وتكلّم بفمه وهو يتكلّم بنفسه بواسطة مؤمنيه خلال ضعفنا عندما ننطق بشئ من الحق، أنظر إذاً فإنه يتكلّم بطرق متنوعة وبأوان كثيرة مستخدماً آلات كثيرة لكنّه هو بنفسه الذي ينطق في كل موضع بالتلامس أو بالصور أو بالإيحاء] (القديس أغسطينوس)[1]

شــواهــد القــراءات

(مزمور عشية مز ٢٧: ١٣ ، ١٤) ، (إنجيل عشية لو ١٢: ٢٢-٣١)، (مزمور باكر مز٣١ : ٢٣)، (إنجيل باكر مت٢٢: ١-١٤)، (اف٦: ١٠- ٢٤)، (يع٤: ٧-١٧)، (اع ٢٥: ١٣-٢٧) ،(اع ٢٦: ١)، (مزمور القدّاس مز ١٠٥: ٣، ٤) (إنجيل القـدّاس يو ٤: ١-٤٢).

شــرح القــراءات

تعلـن قــراءات هـذا الأحـد “إستعلان الإبن الكلمة المتجسد” للبشرية التي لم تكن تعرف في العهـد القـديـم سوى الله الآب ولكن في ملء الزمان أعلن إبن الله ذاته للبشرية مخلّصاً وراعيـاً وخالقـاً وينبوع حبّ.

إذا فحصنا المزامير نجد تدرّج الكلام من إنتظاره والإتكال عليه وإلتماس حضوره كمدخل لإستعلانه في حياتنا كما نجد أيضا تدرّج في الإستعلان، خيراته ثم حقّه الإلهي ثم شخصه ووجهه.

لذلك يبدأ مزمور عشية بتشجيع كل نفس على إنتظاره وإستعلان خيراته الإلهية في حياتنا وأنّه لايخزي منتظروه.

“تقـوّ وليتشدد قلبـك وانتظـر الـرب. وأنا أؤمـن أني أعايـن خيـرات الـرب في أرض الأحياء”.

ويـوضّح مزمور باكـر ما يـريـد الله إستعلانه في حياتنا وتصرفاتنا وسلوكياتنا الحق الإلهي.

“وليقـوّ قلبكم يا جميع المتكلين على الـرب حبوا الـرب يا جميع قـديسيه لأن الرب ابتغى الحقائق”.

ويكلّل مزمـور القـداس هـذه النفس بالفـرح والتهليل والعزّة لإستعلان وجهه.

“وليفـرح قلب الذين يلتمسون الـرب، ابتغـوا الـرب واعتزوا، اطلبوا وجهه في كل حين”

فالنفس التي تنتظر الـرب بإيمان وتعلن حقّه الإلهي تتكلّل بالفـرح بمعاينة وجهه.

ويعلـن إنجيـل عشية إستعلان مجـد الله في الخليقة ودعـوة كل إنسان لطلب ملكوته وعدم الإنشغال بالإحتياجات فإذا كانت الخليقة يلبسها الله هذا البهاء ويعلن مجده فيها فكم بالأحرى أولاده.

“من أجل هذا أقول لكم لا تهتموا لنفوسكم ماذا تأكلون ولا لأجسادكم ماذا تلبسون، تأملوا الزهر كيف ينمو وهو لا يتعب ولا يعمل أقول لكم إنه حتى سليمان في كل مجده ما لبس كواحدة منها فإن كان العشب يوجد اليوم في الحقل ويطرح غدا في التنور يلبسه الله هكـذا فكيف بالأحرى أنتم يا قليلي الإيمان، لكن اطلبــوا ملكوته وهــذه جميعها تـزاد لكم”.

ويقـدّم إنجيل باكــر عرس العهد الجديد وإستعلان ملكوت ابن الله ونوعية المدعوّين من الشوارع والأزقّة وكل أمم العالم بعد تهاون اليهود في دعـوته ورفضهم له.

“يشبه ملكوت السموات إنساناً ملكاً صنع عرساً لابنه وأرسل عبيده ليدعـوا المدعـوين إلى العـرس فلم يريدوا أن يأتوا، حينئذ قال لعبيده أما العـرس فمعدّ وأما المدعـوون فلم يكونوا مستحقين فاذهبوا إلى مفارق الطرق وادعـوا كل من وجدتموه إلى العـرس فخرج أولئك العبيد إلى الطرق وجمعوا كل الذين وجدوهم من الأشرار والأخيار فامتلأ العرس بالمتكئين”.

ولكنّه يحـذر في ذات الـوقت من الذين لا يعلنون نور المسيح له المجـد في حياتهم فلا يُرى عليهم مجده فيقفوا عـرايا لغياب الله من حياتهم.

“فلما دخـل الملك لينظر المتكئين رأى هناك رجلاً ليس عليه لباس العـرس فقال له: …… كيف دخلت إلى هنا وليس عليـك لباس العـرس فسكت”.

وبينما يختـم إنجيل باكــر بمن لا يلبس لباس العـرس، يبدأ البولس بالدعوة لأن نلبس سلاح الله الكامل، فالحـرب روحيـة والأعـداء غير منظورين، لكن القـوة إلهية والنعمة غنيّة وحاضرة وإستعلانها في أولاد الله لا تقـدر عليه كل أجناد الشر الـروحية في السماوات.

“أخيراً يا إخوتي تقـووا في الـرب وفي شدة قوته، البسوا سلاح الله الكامل لكي تقدروا أن تثبتوا ضد مكائد إبليس، والبسوا درع البر وحاذين أرجلكم باستعداد إنجيل السلام حاملين فـوق الكل ترس الإيمان الذي به تقدرون أن تطفئوا جميع سهام الشرير الملتهبة.”.

كما يـؤكّــد الكاثوليكـون على قـوة التوبـة وحضور الله في حياة التائبين فيهرب إبليس من حضرته الإلهية ومن مواجهة أولاده.

“فاخضعـوا إذاً لله قاوموا إبليس فيهرب منكم، اقتربوا إلى الله فيقترب إليكم، نقـوا أيديكم أيها الخطاة وطهروا قلوبكم يا ذوي الرأيين، اتضعوا أمام الـرب فيرفعكم”.

ويحذّر من معطّلات إستعلانه دينونة الإخـوة ومحبة العالم.

“فإن الذي يذم أخاه ويدين أخاه يذم الناموس ويدين الناموس، هلموا الآن أيها القائلون نذهب اليـوم أو غـداً إلى هـذه المدينة ونقيم هناك سنة ونتجـر ونربح أنتم الذين لا تعرفون ماذا يكـون غـداً”.

أما الإبركسيس فيعلن جاذبية موت المسيح له المجد وقيامته عند نفوس غير المؤمنين حتى الملوك والعظماء، فالكل يتطلع لمعرفة من هـو، كما يعلن نقاوة الكارزين وشهادة حياتهم التي لا يقدر كل المنافضين أن يقاوموها كما يوضّح الغشاوة الـروحية لليهود الذين رفضوا نـور الإبن الكلمة.

“فلما وقف المشتكون حوله لم يأتوا بعلة واحدة مما كنت أظنه لكن كان لهم عليه مسائل من جهه عقائدهم الباطلة وعن واحد اسمه يسوع قد مات وكان بولس يقول إنه حي، وقال أغريباس لفستوس وأنا أيضا كنت أحب أن أسمع الرجل فقال غـداً تسمعه”.

ويختـم إنجيـل القــداس بالبشرية الـزانية الـواقفة على الطريق تصرخ من العطش إلى الخلاص، ولقاؤها مع الكلمة المتجسد الذي تكلّم معها كإنسان يحتاج لماء، ثم إكتشفت أنه نبي فاحص وكاشف ماضيها وحاضرها ليعلن لها ذاته أنه المسيا الذي تكلمت عنه النبوات، ثم تعلن كل السامرة إيمانها فيه وإستعلانه لهم كمخلّص العالم.

“فجاءت امرأة من السامرة لتملأ ماء فقال لها يسوع إعطيني لأشرب،….. قال لها يسوع حسناَ قلتِ أن ليس لي زوج لأنك تزوجتِ خمسة أزواج والذي معك الآن ليس هو زوجكِ فهذا الذي قلتِه حق، قالت له المرأة ياسيد أري أنك نبي،…. قالت له المرأة نحن نعلم أن مسيا الذي يُدعي المسيح يأتي ومتى جاء فهو يخبرنا بكل شئ، قال لها يسوع أنا هو الذي يكلمك، فتركت المرأة جرتها ومضت إلى المدينة وقالت للناس: تعالوا انظروا هـذا الانسان الذي قال لي كل ما فعلت فلعل هـذا هـو المسيح، فآمن به من تلك المدينة كثيرون من السامريين بسبب كلام المرأة الشاهدة له: أنه قال لي كل ما فعلت ولما أتى إليه السامريون طلبوا إليه أن يقيم عندهم فأقام هناك يومين فآمن به جموع كثيرة أيضا من أجل كلامه وكانوا يقـولـون للمرأة لسنا من أجل كلامك نؤمن فاننا نحن أيضا سمعنا ونعلم حقاَ أن هذا هـو المسيح مخلص العالـم”.

ملخّص القـــراءات

مزمور عشية وباكر والقـدّاس تدرّج النفوس من إنتظاره إلى الإتكال عليه إلى إلتماس وجهه وحضوره.
مزمور عشية وباكر والقـدّاس تـدرج إعلان الله عن خيراته ثم حقّه الإلهي ثم حضوره.
إنجيل عشية إستعلان مجـد الله في خليقته ووصايا لأولاده بطلب ملكوته وعدم الإنشغال الكثير بالإحتياجات الطبيعية.
إنجيل باكـر عـرس العهد الجديد ودعـوة الـرب لكل البشرية للعضوية في ملكوت ابن الله وخطـورة غياب ثياب العـرس.
البـولــــس أهمية إرتداء ثياب القـوة والنصرة وصلاة الكنيسة بـروح واحـد لإستعلان مجـد الله في الكرازة بإنجيله.
الكاثوليكون حضور الله في حياة التائبين ومعطّلات إستعلانه دينونة الإخـوة ومحبّة العالـم.
الإبركسيس غشاوة أهل العالـم ومقاومتهم للكنيسة وثقة الكارزين من حقيقة القيامة وإستعلان قـوّتها.
إنجيل القدّاس تدرج إستعلان إبن الله لكل نفس بشرية من رفيق الطريق إلى العارف بدقائق حياتها إلى مشتهاها ورجاؤها إلى إستعلانه للشعـوب كمخلّص العالم.

 

الأنجيل في فكر آباء الكنيسة الأوائل[2]

إنجيل المرأة السامرية

تجنب يسوع اليهودية بسبب خبث الفريسيين تجاهه (ذهبي الفم)، معلماً إيانا أن الهروب من الاضطهاد ليس بالضرورةِ خطية. كان لا يزال يُعَمِّد من خلال تلاميذه رغم أنه هو نفسه لم يكن يُعَمِّد. ومن هذا، يمكننا أن نتأكد أنه ليست شخصية الخادم هي التي تجعل المعمودية مؤكدة، بل المسيح. كان تلاميذه بالفعل قد اعتمدوا إما من قبل يوحنا أو ربما من ذاك الذي غسل أقدامهم لاحقاً. في هذه المرحلة من رواية يوحنا، يترك يسوع اليهودية ليعود إلى الجليل، مقدمًا تناقضًا ظاهريًا آخر والذي يمكن التوفيق بينه وبين الأناجيل الثلاثة الأخر، على أية حال، إذا اعتبرنا أنهم يقومون بسرد لرحلة أخرى ليسوع إلى الجليل والتي حدثت بعد سجن يوحنا (أوغسطينوس).

يقدم يسوع مثالاً لنشاط خدمة الرسل التبشيرية من خلال السفر إلى منطقة الأمم في السامرة (ذهبي الفم) كانت السامرة منطقة أنشأها الآشوريون بعد أن استولوا على إسرائيل وقاموا بزرع أجانب بين الإسرائيليين (ذهبي الفم).

فهو لا يقطع علاقته بهم حتى عندما يتواصل مع الأمم (كيرلس السكندري).

ينعش يسوع أولئك المُتْعَبِين من خلال اختباره للتعب خلال رحلته (أمبروسيوس).

في الواقع، إن تعبه وعطشه في البئر يظهران أنه يشاركنا نفس تجاربنا البشرية (هيلاري).

لقد جاء إلى البئر كما لو أنه وصل إلى عمق تجربتنا الإنسانية، وهناك جلس خاضعاً للضعف (أوغسطينوس).

إن المرأة السامرية التي تظهر ليسوع عند البئر ترمز بشكلٍ سري إلى كنيسة الأمم التي اقتربت منه. هو يطلب منها ليشرب لأنه يتعطش إلى إيمانها (أوغسطينوس).

ومثل صيادٍ، أرسل تلاميذه بعيدًا، كيلا يخيفوا المرأة، وبالتالي تضيع فرصته في اصطياد القطيع بأكمله (مار إفرايم).

عندما طلب من هذه المرأة ماءً ليشرب، أظهرت اهتمامها بالشريعة والعُرف في رفضها الأولي (ذهبي الفم).

تتفاجأ المرأة السامرية بأن يهوديًا قد يسأل سامريًا عن أي شيء، ففي ذلك الحين، بينما كان السامريين يستطيعون التعامل مع اليهود، لم يتعامل اليهود مع السامريين أبداً (أوغسطينوس). لكن يسوع يتحدث معها بالرغم من أنها سامرية لأن الناموس القديم لم يعد ساريًا (ذهبي الفم).

إنه يتعطش ويسعى لإرواء العطش بعطية الروح القدس، وهو نفس الماء الذي يتحدث عنه هنا وفي يوحنا 7: 37 كعطية الله (أوغسطينوس). تنبأ زكريا بأن الماء الحي للإنجيل سوف يأتي من أورشليم.ويسوع الآن هو تتميم تلك النبوة لأمم السامرة (يوسابيوس). الماء الحي ليس راكداً (أوغسطينوس).

إذ يروي طبيعتنا البشرية الجافة (كيرلس السكندري).

تواصل المرأة حديثها مع يسوع من خلال مخاطبته بإجلال باعتباره الرب (ذهبي الفم)،

لا يستفيد الجميع من بئر يعقوب، أي الكتب المقدسة، فبنفس الطريقة. البعض يشرب بعمق، والبعض الآخر يشرب مثل ماشية يعقوب (أوريجانوس).

من الواضح أن “أولئك الذين يشربون بعمق” من هذا البئر ينالون نعمة الروح الذي هو ينبوع الحياة الأبدية (أمبروسيوس).

في محاججتها، تدعي المرأة أن يعقوب أحد من أسلافها، مستشهدة بدليلين: كان السامريون قريبين من إسرائيل جغرافياً وفي العبادة والأسلاف، وكان يربعام المنحدر من نسل يعقوب، قد استقر في هذه الأرض في وقت رحبعام (كيرلس السكندري).

إجابة يسوع – رغم كونها غير مباشرة  – ولكنها تدل على أنه أعظم بكثير من يعقوب. ومع ذلك، فإن المرأة تتمسك، مؤقتاً، بتفوق هذا البئر والمياه التي تأتي منه (ذهبي الفم).

يمكن مقارنة هذا “الماء”  بأي فكرةٍ  تشغل  ذهن المرء:   فيمكن أن تبدو هذه الفكرة   مُرِضية أولاً ، ورغماً من ذلك فعند التأمل فيها سنجد أنها لن تثير إلاَّ المزيد من الأسئلة ، ولكن كما هو الحال عندما يحصل المرء على الماء الذي يجب أن يعطيه المسيح، فإن ينبوعًا قادرًا على اكتشاف كل شيء هناك، سوف يتدفق إلى داخله (أوريجانوس).

إن ماء المسيح الحي يُشبع عطشنا الروحي الذي لن تشبعه أبدًا كل ملذات هذا العالم (أوغسطينوس).

تواصل المرأة حديثها مع يسوع من خلال مخاطبته بإجلال باعتباره الرب (ذهبي الفم)، لا يستفيد الجميع من بئر يعقوب، أي الكتب المقدسة، فبنفس الطريقة. البعض يشرب بعمق، والبعض الآخر يشرب مثل ماشية يعقوب (أوريجانوس).

من الواضح أن “أولئك الذين يشربون بعمق” من هذا البئر ينالون نعمة الروح الذي هو ينبوع الحياة الأبدية (أمبروسيوس).

في محاججتها، تدعي المرأة أن يعقوب أحد من أسلافها، مستشهدة بدليلين: كان السامريون قريبين من إسرائيل جغرافياً وفي العبادة والأسلاف، وكان يربعام المنحدر من نسل يعقوب، قد استقر في هذه الأرض في وقت رحبعام (كيرلس السكندري). إجابة يسوع – رغم كونها غير مباشرة  – ولكنها تدل على أنه أعظم بكثير من يعقوب. ومع ذلك، فإن المرأة تتمسك، مؤقتاً، بتفوق هذا البئر والمياه التي تأتي منه (ذهبي الفم). يمكن مقارنة هذا “الماء”  بأي فكرةٍ  تشغل  ذهن المرء:   فيمكن أن تبدو هذه الفكرة   مُرِضية أولاً ، ورغماً من ذلك فعند التأمل فيها سنجد أنها لن تثير إلاَّ المزيد من الأسئلة ، ولكن كما هو الحال عندما يحصل المرء على الماء الذي يجب أن يعطيه المسيح، فإن ينبوعًا قادرًا على اكتشاف كل شيء هناك، سوف يتدفق إلى داخله (أوريجانوس). إن ماء المسيح الحي يُشبع عطشنا الروحي الذي لن تشبعه أبدًا كل ملذات هذا العالم (أوغسطينوس).

عندما طلب يسوع من المرأة السامرية أن تدعو زوجها، أجابت أنه ليس لها زوج. ويمكن اعتبار إجابة المرأة شكلاً من أشكال الاعتراف، حيث أنها حقًا ليس لها زوجٌ شرعي (أوريجانوس). يفضح سؤال يسوع ذنب المرأة (ذهبي الفم) إذ هي متورطةٌ في إتحادٍ غير شرعي (أوغسطينوس). يجب أن يدرك المرء أنه ليس اتحاد المتعة هو ما يصنع الزواج، بل قبول ناموس ورباط الحب النقي (كيرلس السكندري)..

لا توجد طريقة أخرى يمكن للمرأة أن تقَّدر بها معرفة يسوع المدهشة سوى افتراض أنه نبي. وهي تذكر كلمة “آباؤنا”، والتي تقصد بها إبراهيم أبو الأباء الذي قدم إسحق على هذا الجبل (ذهبي الفم). كان هناك خلاف بين اليهود والسامريين حول أي جبل كان أكثر قداسة: جبل جرزيم، لأنه كان مكان البركة عندما عبر إسرائيل نهر الأردن. أو جبل صهيون، حيث بنى سليمان الهيكل (أوريجانوس). يطلب المسيح ا من المرأة أن تؤمن. ويقودها إلى آفاقٍ أعلى في فهمها (ذهبي الفم).وهو يتحدث عن عبادةٍ مستقبليةٍ لن تكون مرتبطة بمكانٍ محدد لسكنى الله (كيرلس السكندري) بل

بالحري سيتم بناؤها على الحجارة الحية للكنيسة (أوريجانوس). في قوله «أَنْتُمْ تَسْجُدُونَ لِمَا لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ، أَمَّا نَحْنُ فَنَسْجُدُ لِمَا نَعْلَمُ». أعلن يسوع أن الخلاص سيأتي من اليهود ولكنه ليس فقط لليهود (أوغسطينوس). ومن الصحيح أيضًا أن الكتب المقدسة اليهودية تتضمن الخلاص (أوريجانوس). تتكرر عبارة «تَأْتِي سَاعَةٌ» مرةً ثانيةً مع إضافة «وَهِيَ الآنَ» للإشارة إلى العبادة التي تحدث الآن كصورة تقريبية لتلك العبادة الأكثر كمالًا المزمعة أن تأتي (أوريجانوس).

لا يُعبد الله في مكان بل يُعبد بالروح. إن أولئك الذين يسجدون للآب بالروح يسجدون للثالوث في نهاية الأمر (أمبروسيوس). الروح الذي يعطيه الله لنا، والذي يسعى إلينا من خلال الابن، يجعلنا نحيا حياةً أكثر إلهية (أوريجانوس).

يُعَرِّف يسوع الله هنا على أنه روحٌ لتمييزه عن الكائنات المادية، لأن الله بطبيعته لا يمكن إدراكه وهو غير محدود (أوريجانوس). لكنه كائنٌ وليس مجرد ريح (ديديموس). ويعتبر تعريف الله على أنه روحٌ مناسبًا أيضًا لأن الروح هو الذي يحيي (أوريجانوس). هناك حريةٌ ومعرفةٌ لأولئك الذين يسجدون للروح بالروح والحق (هيلاري).

عندما نعبد الله بالروح، نفعل كما فعل إيليا عندما وجده في الصَوْت المُنْخَفِض الخَفِيف (أوريجانوس). لا يمكن أن تتم الصلاة الحقيقية إلا من خلال الروح (إفاغريوس). أولئك الذين لم يعودوا يشبعون رغبات الجسد يسلكون بالروح وبالتالي يسجدون بالروح (أوريجانوس) إذ أنهم  استناروا به (باسيليوس). بمعنى آخر، قم بالصلاة في الهيكل بعد أن تصبح أنت الهيكل (أوغسطينوس). إن الصلاة الروحية تليق بمن  هو روح.

عرفت المرأة أن المسيا سوف يُعَلِّم، لأن السامريين انتظرو المسيح أيضًا (ذهبي الفم) ، لكنها لم تكن تعرف مَنْ ذاك الذي كان يعلمها في تلك اللحظة (أوغسطينوس). تجدر الإشارة إلى أن السامريين كان لديهم أيضًا مسحائهم الكذبة (أوريجانوس). غير أن إعلان يسوع التدريجي عن نفسه، قادها إلى الاعتراف به وعبادته على أنه المسيح الحقيقي (مار إفرايم).

اندهش التلاميذ من معاملة يسوع لهذه المرأة، لكنها خُلِقَت على صورة الله مثلها مثل أي شخص آخر (أوريجانوس)، ولذا فإن يسوع يقدم مثالاً لكيفية احترام الرجل للمرأة (كيرلس السكندري) . الماء الحي الذي وجدته هناك (أوغسطينوس). تعود إلى قريتها لتصبح رسولاً إذ تتحدث عما سمعته عند البئر (أوريجانوس)، قائمةً بعمل المبشر أيضًا. لقد فعلت كل هذا دون أي قلق بشأن كيف يمكن أن يُنظَر إلى حياتها السابقة (ذهبي الفم).

وفي حماسها تتبع مثال يسوع، الذي أهمل الطعام في غيرته نحو الكنيسة (كيرلس السكندري). ومع ذلك، فهو يُلَمِّح إلى تلاميذه عن طعامٍ لا يعرفون عنه شيئًا، والذي يطعمه إياه أبيه (أوريجانوس). لكن التلاميذ فهموا كلماته عن الطعام، بقدر ما فهمت المرأة كلماته عن الماء (أوغسطينوس). لهذا هو يوضح لتلاميذه أن جوعه يكمن في رغبته في

خلاصنا، وهو ما يسميه طعامه (ذهبي الفم). إذ أن إرادة الله أن نتوب ونخلص (أمبروسيوس). وغذاء الابن هو تحقيق مشيئة الآب، وهي مشيئةٌ لا يمكن تمييزها تقريبًا عن إرادته هو. لكن العمل الذي يحتاج المسيح القيام به لتتميم هذه المشيئة لم يكتمل في هذه المرحلة بعد لأنه لم يكمِّلنا بعد (أوريجانوس، أمبروسيوس).

يوجه يسوع تلاميذه أن يرفعوا أعينهم حتى تتركز أفكارهم على ما يريد الله تحقيقه (أوريجانوس). الحقول المبيضة للحصاد هي جموع النفوس المهيأة لتلقي بشارة الإنجيل (ذهبي الفم).

 

الكنيسة في قــراءات اليــوم

إنجيل باكر حقيقة الـدينونـة.
الإبركسيس القيامة العامّة والـدينونـة.
إنجيل القدّاس المعمودية.
إنجيل القـدّاس الثالـوث القـدّوس.
إنجيل القـدّاس المسيح مخلّص العالـم.

 

أفكـار مقتـرحة للعظــات

لقاء الرب مع السامرية وقت الساعة السادسة (وقت الصليب)

وتكلّمه معها سبع كلمات أو جمل مثل الصليب وعطشه وقت الظهيرة وانفتاح عينها على خلاصه ثم إدراك الشعب أنه المخلّص في اليوم الثالث (إشارة لقيامته – بعد اليومين خرج من هناك (يو ٤ : ٤٣) أي أنّه يمكن عقد مقارنة بين لقاء الرب مع السامرية والسامرة وبين الصليب والقيامة. (تفسير انجيل يوحنا – ابونا متى المسكيـن).

(٢) كيف نعيش إستعلان الله الدائم في حياتنا ؟

  • طلب وترجّي حضوره الإلهي على الـدوام في صلواتنا كل يـوم.
  • التوبة الدائمة ومقاومة إبليس بثقة البنين.
  • التمسّك بأسلحة القـوة والنصرة الإلهية بكلام الله.
  • وحدة الكنيسة مدخل إستعلانه ومجده الإلهي فيها.
  • معطّلات حضوره الإلهي

  • الإنشغال الــزائــد بإحتياجات الجسد.
  • دينــونــة الإخــوة.
  • الإستهانة بثياب العـرس المحبّة والطهارة.
  • الإفتخار الـردئ والتعظّم.

 

عظـــات آبائية لأحد السامرية

لمن يُعْلِن المسيح له المجد ذاته – القديس كيرلس الاسكندري[3]

(يو٤: ٢٣، ٢٤) “ولكن تأتي ساعَةٌ، وهي الآنَ، حينَ السّاجِدونَ الحَقيقيّونَ يَسجُدونَ للآبِ بالرّوحِ والحَقِّ، لأنَّ الآبَ طالِبٌ مِثلَ هؤُلاءِ السّاجِدينَ لهُ. اللهُ روحٌ. والذينَ يَسجُدونَ لهُ فبالرّوحِ والحَقِّ يَنبَغي أنْ يَسجُدوا”.

هو الآن يتحدث عن زمان حضوره الشخصي، ويقول إن المثال قد تحول إلى الحق، وإن ظل الناموس قد انتقل إلى العبادة الروحية: ويخبرنا أنه من خلال تعليم الإنجيل، فإن الساجد الحقيقي أي الإنسان الروحاني سوف ينقاد إلى رعية تسر قلب الآب. مسرعاً إلى الإنضمام مع أهل بيت الله، لأن الله يعرف بأنه روح، بالمقارنة بالطبيعة الجسدية. لهذا هو يقبل الساجد بالروح وبالحق، الذي لا يحمل في الشكل أو المثال صورة التقوى اليهودية، لكنه بطريقة الإنجيل يسطع بممارسات الفضيلة وباستقامة التعاليم الإلهية، وهكذا يتمم العبادة الحقة الصادقة.

(يو4 : 25) “قالتْ لهُ المَرأةُ: أنا أعلَمُ أنَّ مَسيّا، الذي يُقالُ لهُ المَسيحُ، يأتي. فمَتَى جاءَ ذاكَ يُخبِرُنا بكُلِّ شَيءٍ”.

بحسب تعليم المسيح فإن الساعة والوقت سوف يأتيان، بل بالحري قد حضرت الآن، التي فيها سيقدم الساجدون الحقيقيون العبادة لله الآب بالروح، وعلى الفور حلقت المرأة إلى أفكار فوق ما اعتادت عليه، إلى الرجاء الذي سبق أن تحدث عنه اليهود. فهي تعترف أنها تعرف أن المسيا سوف يأتي في وقته الخاص، ولكنها لم تقل بالضبط لمن سيأتي، فهي قد قبلت المعلومات الشائعة دون أي فحص، وبالرغم أنها امرأة محبة للهو وذات فكر جسداني، إلا أنها لا تجهل تماما أنه سيظهر لإسرائيل كما يأتي بتعليم أفضل، إذ أنها بالتأكيد قد وجدت هذه المعلومات أيضا في الأخبار التي قيلت عنه.

(يو 4: 26) “قالَ لها يَسوعُ: أنا الذي أُكلِّمُكِ هو”.

لا يعلن المسيح ذاته للنفوس الجاهلة جهلاً مطبقاً، بل هو يشرق بالحري ويظهر لأولئك الذين هم أكثر استعداداً واشتياقاً للتعلم، وبالرغم من أن أولئك يتمخضون في بداية إيمانهم
بكلمات بسيطة، إلا أنهم ينطلقون إلى الأمام، إلى معرفة ما هو أكثر كمالاً.

والمرأة السامرية هي مثال لهذا النوع من الأشخاص التي كشف لنا الإنجيل عنها، والتي كان لها عقل بطئ الفهم من جهة الأفكار الإلهية الحقيقية، لكنها مع هذا لم تكن بعيدة بعداً تاماً عن الرغبة في الفهم، لأنها:

أولاً حين طلب المسيح منها أن يشرب، لم تعطه الماء في الحال، بل إذ رأته يكسر العادات القومية لليهود بقدر ما يسمح للمرء أن يتحدث بشرياً، راحت أولاً تبحث عن السبب في هذا، وإذ بدأت تذكر ذلك، طلبت من الرب أن يشرح لها، إذ تقول: “كيف تطلب مني لتشرب، وأنت يهودي وأنا امرأة سامرية؟”

لكن مع الاستطراد في الأسئلة بدأت تنتقل إلى الاعتراف بأنه كان نبياً، إذ تلقت توبيخه دواء للخلاص، ثم أضافت استفهاماً آخر قائلة في غيرة من أجل التعلم: “آباؤنا سجدوا في هذا الجبل، وأنتم تقولون إن في أورشليم الموضع الذي ينبغي أن يسجد فيه”، لكنه كان يعلم للمرة الثانية أن الزمان الذي كان ينتظرونه قد صار واقعاً الآن، حين الساجدون الحقيقيون، وقد رفضوا السجود على جبال الأرض، سوف يقدمون العبادة الأسمى التي بالروح لله الآب.

وهي إذ تنسب أفضل الأشياء على أنها تحق للمسيح وحده، فإنها تحتفظ بالمعرفة الكاملة جداً لأزمنة المسيا، فتقول: “أنا أعلم أن مسيا الذي يقال له المسيح، يأتي، فمتى جاء ذاك يخبرنا بكل شيء” (أية 25). أرأيت كيف كانت المرأة مستعدة للإيمان، وتبدو كأنها ترتقي سلماً، وهي تقفز من أسئلة صغيرة إلى حالة أعلى بكثير، لهذا كان من الصواب أن يكشف لها الآن ما كانت تتوق إليه، بكلام أكثر وضوحاً، فراح يخبرها بما كان محفوظاً منذ القديم كرجاء صالح، إذ أن الرجاء صار أمام ناظريها بقوله: “أنا الذي أكلمك هو.”

إذاً على الذين يهتمون بالتعليم في الكنيسة، أن يسلموا للتلاميذ المولودين حديثاً، كلمة التعليم ليهضموها، وهكذا يظهرون يسوع لهم أكثر فأكثر، آتين بهم من القدر القليل من التعليم إلى المعرفة الأكثر كمالاً للإيمان.

لكن دع الذين يمسكون بالغريب والدخيل والمهتدي حديثاً إلى الإيمان، ويدخلونه إلى داخل الحجاب، ويجعلونه يقدم الحمل بأيد غير مغتسلة، ودع أيضا الذين يكلون من لم يتعلم بعد، بكرامة الكهنوت، على كل هؤلاء أن يتهيأوا لحساب عظيم يوم الدينونة، يكفيني أن أقول هذا.

التعليم عن الثالوث في اللقاء السامرية – القديس أثناسيوس[4]

إذاً فالأسفار الإلهية تبين بكيفية ثابتة لا تتغير أن الروح القدس ليس مخلوقاً بل هو معادل للكلمة وللاهوت الآب .

وهكذا يشترك تعليم القديسين في تأييد عقيدة عدم تجزؤ الثالوث المقدس.

وهذه هي العقيدة الواحدة للكنيسة الجامعة. أما اختراعات “المتقلبين” الجنونية الخرافية فإنها تتناقض مع الأسفار المقدَّسة وتتفق مع حماقة الأريوسيين المجانين. أنه لأمر طبيعي لهم أن يتظاهروا بهذه الكيفية لكي يخدعوا البسطاء. لكن شكراً لله، فإنهم، كما كتبت لم ينجحوا في ستر موقفهم بالتظاهر بمقاومة الأريوسيين. والواقع إنهم إكتسبوا غضبهم لأنهم دعوا الروح القدس فقط مخلوقاً، ولم يدعوا الإبن مخلوقاً كذلك، وقد شجبهم كل الناس لأنهم في الواقع يحاربون الروح القدس، وهم في عداد الموتى لأنهم خالون من “الروح”. وإذ صاروا أناساً طبيعيين (1كو2: 14) – حسب تعبير الرسول المغبوط – فإنهم لم يستطيعوا أن يقبلوا أمور روح الله، لأن هذه الأمور يُحكم فيها روحياً. أما الذين يهتمون بالأمور التي تنتمي إلى الحق فإنهم يحكمون في كل شيء، لكنهم هم أنفسهم لا يُحكم فيهم من أحد، لأن فيهم الرب الذي يعلن لهم ذاته في الروح القدس، ويعلن لهم الآب في شخصه.

ومع أنني أعيش الآن في برية إلا أني بسبب وقاحة من إنحرفوا عن الحق لم أبال بأولئك الذين سوف يسرون ويضحكون على ضعف تفسيري وقصوره. لكنني إذ كتبت بالإيجاز فإنني أرسل كتابتي إلى ورعك، راجياً بتوسلات كثيرة أن تصحح ما يحتاج إلى تصحيح عندما تقرأها، وأن تقبل عذري حيثما رأيت ضعفاً في الكتابة، ووفق الإيمان الرسولي المسلم إلينا بالتقليد من الآباء قد سلمت التقليد دون اختراع أي شيء دخيل عليه.

وما تعلمته قد كتبته متفقاً مع الأسفار المقدَّسة لأنه يتفق أيضاً مع تلك الفقرات المقتبسة من الأسفار السابق ذكرها على سبيل البرهان، إنه ليس اختراعاً دخيلاً، لكن الرب يسوع المسيح نفسه علم المرأة السامرية بشخصه، وعلمنا نحن أيضاً بواسطتها عن كمال الثالوث المقدس الذي هو لاهوت واحد غير مجزأ، أن “الحق” نفسه هو الذي يشهد عندما يقول لها “يا امرأةُ، صَدِّقيني أنَّهُ تأتي ساعَةٌ،… وهي الآنَ، حينَ السّاجِدونَ الحَقيقيّونَ يَسجُدونَ للآبِ بالرّوحِ والحَقِّ، لأنَّ الآبَ طالِبٌ مِثلَ هؤُلاءِ السّاجِدينَ لهُ. اللهُ روحٌ، والذينَ يَسجُدونَ لهُ فبالرّوحِ والحَقِّ يَنبَغي أنْ يَسجُدوا” (يو4: 21- 24) واضح من هذه العبارة أن “الحق” هو الرب نفسه، لأنه يقول “أنا هو الحق” (يو14: 6)، وبصدده صلي النبي داود قائلاً: “أَرسِلْ نورَكَ وحَقَّكَ” (مز43: 3)، إذن فالساجدون الحقيقيون يسجدون للآب، لكن بالروح والحق، معترفين بالابن ومعترفين بالروح فيه. لأن الروح القدس لا ينفصل عن الابن، كما أن الابن لا ينفصل عن الآب. “والحق” نفسه يشهد حينما يقول: “سأرسل لكم المعزي روح الحق الذي من عند الآب ينبثق الذي لا يستطيع العالم أن يقبله” (يو15: 26) ،(يو 14: 17) أي الذين ينكرون أنه من الآب في الابن .

لهذا يجب علينا – علي مثال الساجدين الحقيقيين – أن نعترف “بالحق” وأن ننحاز إليه، وإن كانوا بعد هذا لا يزالون غير راغبين في أن يتعلموا أو يفهموا فعليهم على الأقل أن يكفوا عن الأقوال السيئة، عليهم أن لا يُجَزِئوا الثالوث لئلا يُفصَلوا عن الحياة، عليهم أن لا يحصوا الروح القدس ضمن المخلوقات، لئلا يشبهوا الفريسيين في القديم الذين نسبوا أعمال الروح القدس لبعلزبول، فيستحقوا مثلهم -بسبب غطرستهم المماثلة- القصاص الذي بلا رجاء في الغفران سواء هنا أو فيما بعد.

 

الماء الحيّ – عند القديس يوحنا ذهبي الفم[5]

“أجابَ يَسوعُ وقالَ لها: “كُلُّ مَنْ يَشرَبُ مِنْ هذا الماءِ يَعطَشُ أيضًا. ولكن مَنْ يَشرَبُ مِنَ الماءِ الذي أُعطيهِ أنا فلن يَعطَشَ إلَى الأبدِ، بل الماءُ الذي أُعطيهِ يَصيرُ فيهِ يَنبوعَ ماءٍ يَنبَعُ إلَى حياةٍ أبديَّةٍ”. (يو4: ١٣-١٤)

يُسمَّي الكتاب المقدس الروح القدس (بالنار) أحياناً، و(بالماء) أحيانا أخرى، مُظهِراً أن هذه الأسماء ليست تصويرية لمعناها الحرفي، وانما لعملها، وذلك لأن الروح القدس بكونه غير مرئي وبسيط، فليس من الممكن أن يكون مصنوعاً من مواد مختلفة.

وعن التسمية (بالنار) يصرح يوحنا المعمدان فيقول: “…. هو سيعمدكم بالروح القدس ونار” (مت٣: ١١).

أما عن التسمية الأخري (بالماء)، فيقول السيد المسيح: “مَنْ آمَنَ بي، كما قالَ الكِتابُ، تجري مِنْ بَطنِهِ أنهارُ ماءٍ حَيٍّ” (يو ٧: ٣٨)

“قالَ هذا عن الرّوحِ الذي كانَ المؤمِنونَ بهِ مُزمِعينَ أنْ يَقبَلوهُ…” (يو٧: ٣٩).

وعندما كان يتحدث مع المرأة السامرية أيضًا سمي الروح القدس (بالماء) حيث قال: “مَنْ يَشرَبُ مِنَ الماءِ الذي أُعطيهِ أنا فلن يَعطَشَ إلَى الأبدِ”.

وقد سمي الروح القدس (نارآ) ليشير إلى خاصية النعمة المنشطة والمدفئة، وقدرتها على تحطيم الخطايا.

أما التسمية (بالماء) فليوضح قوة التطهير التي تحدث به، ومدي التنشيط الكبير  للعقول التي تقبله. وهذا سبب وجيه، حيث أنه يجعل النفس المرحبة بقبوله، مثل حديقة كثيفة بكل أنواع الأشجار المثمرة والمزهرة دومًا، لا تشعر أبداً، لا بالكآبة ولا بمكائد الشيطان، وقادرة على أن تطفيء سهام الشرير الملتهبة.

لاحظوا، أرجوكم، حكمة الرب يسوع، وكيف قاد المرأة وسما بفكرها إلى أعلى. فلم يبدأ معها بقوله: “لو كُنتِ تعلَمينَ عَطيَّةَ اللهِ، ومَنْ هو الذي يقولُ لكِ أعطيني لأشرَبَ..”، ولكنه قال ذلك بعدما أعطاها الفرصة لكي تدعوه (يهودياً)، ثم تجاوز عن فعلها هذا ورفض الإتهام قائلاً: “لو كُنتِ تعلَمينَ عَطيَّةَ اللهِ، ومَنْ هو الذي يقولُ لكِ أعطيني لأشرَبَ، لَطَلَبتِ أنتِ مِنهُ فأعطاكِ ماءً حَيًّا…”. فبعد أن أجبرها، بوعوده العظيمة، على أن تتذكر أباها يعقوب، عندئذ سمح لها أن ترى وتفكر بوضوح.

وحينئذ، عندما اعترضت قائلة: “ألَعَلَّكَ أعظَمُ مِنْ أبينا يعقوبَ…”؟ لم يقل لها: “نعم أنا أعظم” (لأن ذلك كان سيبدو كبرياء منه، بينما الدليل لم يظهر بعد)، ولكن ما قاله كان يوضح هذا، لأنه لم يقل ببساطة: “سوف أعطيك الماء”!، ولكن بعدما أبعد موضوع الماء الذي أعطاه يعقوب جانبًا، تحدث عن الماء الذي يعطيه هو، راغبأ في أن يظهر من طبيعة الأشياء التي تمنح، مدي عظم الفرق بين شخصيتي الواهبين لهذه الاشياء، وعظم مكانته أكثر من يعقوب. فقال لها ما معناه: “إذاً أعطيك أنا ماءً أفضل بكثير من هذا الماء؟، لقد اعترفت بنفسك في البداية أنني أعظم من أبيك يعقوب، وذلك بجدالك معي، وبسؤالك لي: العلك أعظم من أبينا يعقوب، حتي انك وعدتني بأن تعطيني ماء أفضل؟ فإذا أخذت وقبلت هذا الماء، فهذا بالتأكيد إعتراف منك بأنني أعظم من أبيك يعقوب.”، هل ترى مدى سلامة حكم المرأة، حيث كانت تبني قراراتها على الحقائق، وذلك عن كل من السيد المسيح ويعقوب أيضًا؟.

لم يفعل اليهود ذلك، حتي عندما رأوه يطرد الشياطين، ولم يعتبروه أعظم من يعقوب، بل قالـوا عنه: بـه شيطان!. أمـا المرأة فقـد ذهبـت بأفكارهـا حيثمـا أراد لهـا المسيـح.

ومـن التوضيحات التي أظهرها بأعماله آمنت به، لأنه بهذه الأعمال أيضًا أوضح ذاته وقال: “إنْ كُنتُ لستُ أعمَلُ أعمالَ أبي فلا تؤمِنوا بي. ولكن إنْ كُنتُ أعمَلُ، فإنْ لم تؤمِنوا بي فآمِنوا بالأعمالِ،…” (يو ١٠: ٣٧-٣٨) وهكذا رفع المرأة إلى الإيمان.

عندما سمع السيد المسيح السؤال: “ألَعَلَّكَ أعظَمُ مِنْ أبينا يعقوبَ…”؟ ترك الحديث عن يعقوب جانبًا، وتحدث عن الماء قائلاً: “”كُلُّ مَنْ يَشرَبُ مِنْ هذا الماءِ يَعطَشُ أيضًا.”، وجعل المقارنة ليست بالإنتقاص من قدر الشيء، بل بإظهار إمتياز الشئ الآخر. فالسيد المسيح لم يقل إن هذا الماء عدم، ولم يقل أنه سفلي، ولم يقل انه جدير بالازدراء، بل قال ما تشهد به الطبيعة أيضاً: “كُلُّ مَنْ يَشرَبُ مِنْ هذا الماءِ يَعطَشُ أيضًا. ولكن مَنْ يَشرَبُ مِنَ الماءِ الذي أُعطيهِ أنا فلن يَعطَشَ إلَى الأبدِ،….”

لقد سمعت المرأة قبلاً عن “الماء الحي” (الآية ١٠). ولكنها لم تعرف بعد معناه. لقد ظنت أن هذا الماء سمي ماءً حياً لكونه دائماً طوال السنة، يفيض دومًا بلا انقطاع من ينابيع لا تتوقف، هذا ما اعتقدته عن الماء الحي. لذلك يشرح لها السيد المسيح، بأكثر توضيح، وبالمقارنة بماء البئر، كيف يتفوق الماء الآخر (الحي) الذي يعطيه هو، علي هذا الماء فماذا قال؟: “كُلُّ مَنْ يَشرَبُ مِنْ هذا الماءِ يَعطَشُ أيضًا. ولكن مَنْ يَشرَبُ مِنَ الماءِ الذي أُعطيهِ أنا فلن يَعطَشَ إلَى الأبدِ.”هذا الكلام، وخاصة الكلام الذي قيل بعد ذلك، يظهر امتياز الماء الحي عن الماء المادي الذي ليس له مثل هذه الصفات. وما الذي قاله بعد ذلك؟ لقد قال: “بل الماءُ الذي أُعطيهِ يَصيرُ فيهِ يَنبوعَ ماءٍ يَنبَعُ إلَى حياةٍ أبديَّةٍ” فحيث أن من لديه ينبوع بداخله لا يمكن أن ينال منه العطش أبداً، فبالمثل لا يعطش أبداً من ينال هذا الماء الحي.

لقد آمنت المرأة في الحال، مظهرة نفسها بأكثر حكمة مما كانت لنيقوديموس. وليس أكثر حكمة فحسب، بل أيضا أكثر إنسانية، لأنه (كمعلم للناموس) عندما سمع آلاف المرات مثل هذا الكلام، لم يدع الآخرين ليسمعوا، ولا هو نفسه تكلم بصراحة. أما المرأة فقد أظهرت أعمالاً رسولية، مبشرة بالإنجيل للجميع، وداعية إياهم إلى السيد المسيح، جاذبة مدينة بأكملها اليه.

ولكن نيقوديموس عندما سمع قال: “كيف يكون هذا؟” ولما أوضح له السيد المسيح بمثال واضح وهو مثال الريح، لم يفهم المعنى أو لم تصله الكلمة بوضوح.

لم تكن المرأة كذلك. ففي البداية تشككت، وبعد ذلك استوعبت الكلمة بشكل مؤكد. لقد أسرعت مباشرة إلى إعتناق الكلمة، لأنه عندما قال لها السيد المسيح: “الماء الذي أعطيه يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية.” ففي الحال “قالتْ لهُ المَرأةُ: يا سيِّدُ، أعطِني هذا الماءَ، لكَيْ لا أعطَشَ ولا آتيَ إلَى هنا لأستَقيَ” (آية ١٥).

هل ترون كيف ارتفعت قليلًا قليلًا إلى الإيمان بالتعاليم السامية؟

لقد ظنت في البداية أنه يهودي يتعدى على القانون والعادات. فلما رفض هو هذا الإتهام، سمعت منه بعد ذلك عن “الماء الحي” وظنت أنه يتكلم عن ماء مادي. ثم عرفت منه أن
الكلمات روحية وليست مادية فآمنت بأن الماء يمكن أن يزيل الشعور بالعطش، ولكنها لم تفهم في الحال ما عساه أن يكون هذا الماء. فظلت متشككة تعتقد أنه ماء فوق  مستوى المادة، ولكنها كانت غير واثقة إلى حين. فلم يكن أحد قد أعلمها بدقة عنه. ولكن بعد ذلك أصبح لها بصيرة أوضح.

 

ماذا يعني الرب بقوله “إدعي زوجك” – للقديس أغسطينوس[6]

لما أراد المسيح أن يجعل المرأة تفهم، “قال لها يسوع: إذهبي وإدعي زوجك وتعالي إليّ ههنا”. فماذا كان يقصد من كلمة “إدعي زوجك؟” هل يقصد أنه عن طريق زوجها يريد أن يعطيها هذا الماء؟ أم لأنها لم تفهم فأراد أن يعلَّمها بواسطة زوجها؟

ألم يتكلم إلى مريم أخت مرثا التي جلست تحت قدميه مباشرة دون وساطة رجل، تلك التي لم تفهم فحسب بل إنها “إختارت النصيب الصَّالح الذي لن يُنزع منها؟” (لو١٠: ٤٢).

إذاً، فما معني “إدعي زوجك؟” ألعل يسوع يقول لنفس كل واحد منا: “إدعي زوجك” فلنتساءل إذاً عن زوج النَّفس. لماذا لا يكون يسوع نفسه هو الزوج الحقيقي للنَّفس؟ إن ما نريد أن نقوله لا يدركه إلاّ المنتبهون جيداً!!.

لما رأي يسوع المرأة لم تفهم قال لها ذلك، أي لأن السبب في إنكِ لم تفهمين ما أقوله أن إدراكك ليس حاضراً، فأنا أتكلم عن الروح وأنت تصغين بالجسد.

الأمور التي أتكلم عنها لا تنتمي إلى أي من الحواس الخمسة، لأنها لا تُقبل إلاّ بالقلب، ولا يمكن أن تستقين منها إلاّ بالمفهوم الروحي، وهذا المفهوم ليس هو الذي لك الآن، فكيف تدركين ما أقول؟ “إدعي زوجك” أي تعالي بفهمك إليَّ.

ما معني أن تكون لك نفس؟ أليس للحيوان أيضاً نفس؟ فما الذي يجعلك أفضل من الحيوان؟ أليس هو أن يكون لكِ الفهم الذي ليس للحيوان؟. إنكِ لم تفهّمين ! إنني أكلمك عن عطية الله، وأمَّا تفكيرك فهو جسداني. إنك تريدين أن لا تعطشي بمفهوم جسداني.
إنني أقدم ذاتي لروحك، ولكن فهمك غائب. إذاً “إدعي زوجكِ” ولا تكوني “كفرسٍ أو بغلٍ بلا فهم” (مز ٣٢: ٩).

إذاً، يا إخوتي، أن تكون لنا نفس ولا يكون لنا فهم، أي أن لا نستخدم هذا الفهم أو لا نعيش طبقاً له، فهذه حياة حيوانية، لأن نفوسنا التي نشترك فيها مع الحيوان والتي تميل إلى السلوك حسب الجسد، ينبغي أن نتحكم فيها ونُخضعها للفهم الذي يمكن أن نسميه “الزوج”، هذا الذي ينبغي أن يسود على النَّفس، كما قيل لحواء إن آدم “يسود عليك” (تك٣: ١٦).

فالفهم هو عين النَّفس التي بها ترى وتدرك الأمور، والعين هي التي ترى النور وتسُّر به، أمَّا بقية الأعضاء فتسير في النور دون أن تشعر به. وهكذا فإن الفهم أو الإدراك الموجود في نفوسنا يستنير بالنور العلوي: الله، لأن هذا هو “النور الحقيقي الذي ينير كل إنسان” (يو١: ٩). هذا النور هو المسيح، وهو الذي كان يكلم المرأة، ومع ذلك فلم يكن إدراكها حاضراً لكي يجعلها تستنير بهذا النور. لذلك قال الرب لها: “إدعي زوجك”، وكأنه يقول لها: “إني أريد أن أُنيرِك، فاستدعي فهمِك لكي أُعلِّمك بواسطته، والذي به ينبغي أن تقودي نفسكِ. إدعي فهمكِ باعتباره زوجكِ”.

رأس الرجل هو المسيح

ولكن هذا الزوج لا يقود زوجته حسناً إلاّ إذا تحكَّم من فوق: “رأس كل رجل هو المسيح، وأما رأس المرأة فهو الرجل” (١كو١١: ٣). لقد كان رأس الرجل يتكلم مع المرأة والرجل لم يكن حاضراً، فكأن الرب يقول لها: “أحضري رأسك إلى هنا لكي يأخذ رأسه”، أي “كوني هنا، كوني حاضرة، لأنك كأنك غائبة فلا تفهمين صوت الحق الموجود هنا، كوني حاضرة هنا ولكن ليس بمفردك بل مع زوجكِ”.

ولكنها “قالت: ليس لي زوج. قال لها يسوع: حسناً قلتِ: ليس لي زوج”.

لقد كانت تعيش مع رجل، ولكنه خليل أو عشيق وليس زوجاً شرعياً، فلماذا إذاً قال الرب لها: “إدعي زوجك”؟ لقد كان يعلم أن ليس لها زوج شرعي، ولكي يثبت لها معرفته الإلهية بذلك قال لها ما لم تذكره هي: “لأنه كان لكِ خمسة أزواج، والذي لكِ الآن ليس هو زوجك. هذا قلتِ بالصدق”[7]. إنه يحثنا مرة أخرى أن نفحص الأمر بدقةٍ أكثر فيما يخص الأزواج الخمسة:

لقد فهم البعض أن الأزواج الخمسة يشيرون إلى خمسة أسفار التوراة التي كان يؤمن بها السامريون ومنها كانوا يمارسون الختان. ولكن طالما أنه قال: “والذي لكِ الآن ليس هو زوجك”، فيبدو لي أننا ينبغي أن نعتبر حواس الجسد الخمسة هي الأزواج السابقة للنَّفس. لأنه عندما يولد الإنسان، وقبل أن يتمكن من إستخدام عقله في طفولته، فإن الحواس الجسدية هي التي تقود حياته وتسيطر عليها كخمسة أزواج للنَّفس تسود عليها. ولكن لماذا تُسمَّي هذه الحواس أزواجاً؟ لأنها شرعية ويحق للنَّفس أن تخضع لها حيث أن الله خلقها كعطية لها منه. والنفس تظل ضعيفة طالما أنها خاضعة لهذه الأزواج الخمسة، ولكنها عندما تنمو في القامة وتستخدم عقلها، فإذا كانت قد تربَّت روحياً وتعلَّمت الحكمة، فإن هذه الأزواج الخمسة تكون قد نجحت في قيادتها للنَّفس بواسطة الزوج الحقيقي الشرعي الذي يقودها القيادة الحسنة، فيفلَّحها ويعلَّمها لأجل حياتها الأبدية.

حواسنا الخمسة لا تقودنا إلى الحياة الأبدية، بل إلى الأمور الوقتية الزائلة، أمَّا الفهم عندما يكون متشبعاً بالحكمة ويبدأ أن يسود على النَّفس فهو يجعلها قادرة على التمييز بين الأمور النافعة والضارة لها.

هذا الزوج الحقيقي لم يأت بعد هؤلاء الأزواج الخمسة في حياة السامرية، ولذلك فالخطأ لازال يسيطر عليها، ولو استمرت هكذا لكان في ذلك هلاكها، لأنه ليس هو الزوج الشرعي بل العشيق.

أيتها المرأة، إنك بعد أن كنت خاضعة لسيطرة حواسك الخمسة، فقد بلغت الآن إلى قامة الإدراك، ومع ذلك فلم تأتِ بعد إلى الحكمة، بل سقطتِ في الخطأ. وهكذا بعد هؤلاء الأزواج الخمسة فإن: الذي لكِ الآن ليس هو “زوجك” بل عشيقك. إذاً ، فادعي ليس عشيقكِ بل “زوجك”، حتي يمكنكِ أن تقبليني بواسطته، أي بفهمك وإدراككِ.

إن السامرية لا زالت مخطئة إذ لا زالت تفكر في هذا الماء الزائل، في حين أن الرب كان يكلمها عن الروح القدس. ولماذا كانت مخطئة أليس لأنه لم يكن لها زوج بل عشيق؟ فتجرَّدي إذاً من هذا العشيق الذي يُفسدكِ و”إذهبي وادعي زوجك”. إدعِهِ وتعالي لكي تفهميني.

أنهار ماء حي – القديس غريغوريوس النيسي[8]

إن الروح بالرغم من اتحادها مع اللّه فهي لا تشعر بملء السعادة بطريقة مطلقة. كلما تمتعت بجماله زاد اشتياقها إليه.

إن كلمات العريس روح وحياة (يو٥: ٢٤)، وكل من التصق بالروح يصير روحًا. كل من التصق بالحياة ينتقل من الموت إلى الحياة كما قال الرب.

وهكذا فالروح البكر تشتاق دائمًا للدنو من نبع الحياة الروحية. النبع هو فم العريس الذي تخرج منه كلمات الحياة الأبدية. إنه يملأ الفم الذي يقترب منه مثل داود النبي الذي اجتذب روحًا خلال فمه (مز ١١٨: ١٣١). لما كان لزامًا على الشخص الذي يشرب من النبع أن يضع فمه على فم النبع، وحيث أن الرب ذاته هو النبع كما يقول: “إن عطش أحد فليقبل إليّ ويشرب” (يو٧: ٣٧ )؛ لذلك فإن الأرواح العطشانة تشتهى أن تضع فمها على الفم الذي ينبع بالحياة، ويقول: “ليقبلني بقبلات فمه” (نش ١: ٢).

من يهب الجميع الحياة ويريد أن الجميع يخلصون يشتهى أن يتمتع كل واحد بنصيب من هذه القبلات، لأنها تطهر من كل دنس.

  • يلزمنا أن نفكر بعمقٍ في الكلمات المقدسة بالنشيد: “هلمي معي من لبنان، هلمي معي من لبنان انظري من رأس أمانة، من رأس شنير وحرمون، من خدور الأسود من جبال النمور” (نش ٤: ٨).

ماذا نفهم إذن من هذه الكلمات؟

يجذب ينبوع النعمة إليه كل العطشى. وكما يقول الينبوع في الإنجيل: “إن عطش أحد فليقبل إليَّ ويشرب” (يو ٧: ٣٧).

لا يضع المسيح لهذه الكلمات حدودًا لعطشنا ولا لتحركنا نحوه، ولا لإرتوائنا من الشرب، ولكن يمتد أمره إلى مدى الزمن، ويحثنا أن نعطش وأن نذهب إليه.

وإلى هؤلاء الذين ذاقوا وتعلموا بالتجربة أن اللّه عظيم وحلو (مز ٣٤: ٨)، فإن حاسة الذوق عندهم تُصبح حافزًا لزيادة التقدم. لذلك فالشخص الذي يسير بإستمرار نحو اللّه لا ينقصه هذا الحافز نحو التقدم.

  • إذا أردنا أن نسوق شاهدًا أعظم من الكتاب المقدس نسجل ما قاله السيد المسيح إلى هؤلاء الذين آمنوا به: أنهار ماء حي ستفيض من كل من يؤمن به “من آمن بي كما قال الكتاب تجرى من بطنه أنهار ماء حي” (يو٧: ٣٨).

ونُضيف أن القلب النقي يُشار إليه بالتعبير “بطن”. ويصبح لوح للشريعة المقدسة (رو 15:2) كما يقول الرسول. ويوضح تأثير الشريعة المكتوبة في القلب ليس بحبرٍ (٢كو ٣: ٣)، ولكن بروح اللّه الحي الذي يرسم هذه الحروف في النفس، وليس على ألواح حجرية كما يقول الرسول، ولكن على لوح القلب النقي، الخفيف والمضيء.

يلزم أن تُنقش الكلمات المقدسة الموجودة في الذاكرة النقية الصافية، على القدرة القائدة للنفس، بحروف بارزة واضحة. تُشير الزفير في الحقيقة إلى تمجيد بطن العريس فقط باللوح الذي يشع نورًا بلون السماء.

ترشدنا هذه الصورة لكي نكون متنبهين للأشياء السماوية، مكان كنزنا (مت ٦: ٢١). فإذا ثبتنا في حفظ وصايا اللّه تتكون لدينا آمال مقدسة تنعش عيون نفوسنا.

  • بعد ذلك يرفع النشيد العروس إلى أعلى قمة للمجد، مُضفيًا عليها اسم ينبوع المياه الحيّة المتدفقة من لبنان. لقد تعلمنا من الكتاب المقدس عن طبيعة اللّه المعطية للحياة كنبوة من شخص اللّه تقول: “تركوني أنا ينبوع المياه الحيّة” (ار٢: ١٣). ثم يقول السيد المسيح للمرأة السامرية: “أجاب يسوع وقال لها، لو كنت تعلمين عطية اللّه، ومن هو الذي يقول لك أعطيني لأشرب، لطلبتِ أنتِ منه فأعطاكِ ماء حيّا” (يو٤: ١٠). ثم قال: “إن عطش أحد فليقبل إليَّ ويشرب. من آمن بي كما قال الكتاب تجرى من بطنه أنهار ماء حي. قال هذا عن الروح الذي كان المؤمنون به مزمعين أن يقبلوه” (يو٧: ٣٧- ٣٩).

تقول كل من هذه الفقرات أن الماء الحي هو الطبيعة المقدسة، لذلك جاز للنشيد أن يسمى العروس بصدق بئر ماء حي يفيض من لبنان. هذا في الحقيقة يتعارض مع ما هو معروف، فجميع الآبار تحتوى مياه ساكنة، والعروس وحدها عندها مياه جارية في بئر عميق، ومياهها تفيض باستمرار.

من يقدر ويستحق أن يفهم العجائب الممنوحة للعروس؟ يتضح أنها قد وصلت إلى أقصى ما تتمناه، فقد قورنت بالجمال الأبدي الذي منه نشأ كل جمال. وفي نبعها تشبه نبع عريسها تمامًا، وحياتها بحياته، وماؤها بمائه. إن كلمته حية، وبها تحيا كل نفس تستقبله.

هذه المياه تفيض من اللّه كما يقول ينبوع المياه الحيّة: “لأني خرجت من قبل اللّه وأتيت” (يو٨: ٤٢).

تحفظ العروس فيض مائه الحي في بئر نفسها، وتصبح بيتًا يكنز هذه المياه الحيّة التي تفيض من لبنان، أي التي تكوّن سيولًا من لبنان، كما يقول النص.

لقد أصبحنا في شركة مع الله بامتلاكنا هذه البئر، حتى نحقق وصية الحكمة (ام٥: ١٧)، ونشرب مياها من بئرنا، وليست من بئرٍ آخر. نتمتع بهذا في المسيح ربنا له المجد والعظمة إلى الأبد آمين.

 

 

عظات آباء وخدام معاصرون :

السامرية لقداسة البابا تواضروس الثاني أحد السامرية[11]

  • نفس مستعدة

قيمة النفس الواحدة غالية جداً عند الله، لذا يسعى إلينا ــ يبحث عنا، يُفتِّش عن الضال والمسيح الرقيق جداً هو يبدأ الخطوة الأولى:

بكلمة ــ باحتياج ــ بسؤال ــ بطلب …..

إنه يحتاج مني:

  • الاستعداد أو النيَّة.
  • التسليم أو الثقة.
  • العمل أو الإيجابية.

والمرأة السامرية:

  • تعرَّفت على المسيح تدريجياً: يهودي← سيد← نبي← مسيا← مُخلِّص العالم.
  • تجاوبت بصدق مع تساؤلات المسيح: وسألت في براءة عمّا يشغلها.
  • عملت وخدمت إذ دَعت كل أهل مدينتها فضلاً عن أزواجها الستة.
  • إن الجياع متى أنكروا جوعهم، قطعوا السبيل على من يريد أن يُقدِّم لهم الطعام.. والخطاة طالما ينكرون خطيتهم وشرورهم فمن سيكون مُخلِّصهم؟.
  • لقد ظنّت أنها تستطيع أن تشرب المياه الحقيقية وهي في خطيتها، ولكن الله لا يعطي عطاياه ونحن في الخطية.
  • لقد صارت السامرية نموذجاً للنفس المُستعدة للتغيير، إذ فتحت قلبها لمحبة المسيح الذي نحبه لأنه أحبنا أولاً (1يو4: 19)
  • المسيح.. الساعي نحونا

المسيح هو الساعي نحونا ولكن أين؟..

  • على البئر ← السامرية.
  • على الشجرة ← زكـــا.
  • في بيت أحد الجيران ← المرأة الخاطئة.
  • على فراش المرض ← المخلّع.
  • في مكان العمل ← لاوي العشار.
  • في الطريق إلى الشر ← شاول الطرسوسي.
  • إنه ينادي “هأنذا واقف على الباب وأقرع. إن سمع أحد صوتي وفتح الباب، أدخل إليه وأتعشى معه وهو معي” (رؤ3: 20)
  • إنه له المجد يتواصل مع امرأة واحدة فيخلّص مدينة كاملة.
  • وسعي المسيح نحو السامرية مثال لسعيه نحونا نحن البشر، إذ أحب الله العالم وبذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية (يو3: 16).

 

وايضا عظة اخري لقداسة البابا تواضروس الثاني :

يوم الأحد من الأسبوع الرابع 

(يو ٤ : ١ – ٤٢ ) هل تدرك عطايا الله لك ؟ 

أحد السامرية هو أحد النصف ” منتصف الصوم “، وفي السامرية القصة المعروفة ، حيث هذه المرأة السامرية التي ذهبت لكي ما تستقي ماء ، واسمها غير مذكور في الكتاب المقدس ، لكن الله أراد أن يستر عليها باعتبار أنه في أثناء الحوار مع السيد المسيح ظهر بعض الضعف عندها ، ولذلك لم يذكر اسمها ، ولكنها قصة تصلح لنا جميعاً ، فعندما يذكر الكتاب المقدس حـدث بالاسم فيعتبر هذا الحدث خاصاً ، ولكن عندما يذكر الحدث بدون اسم فيكون الحدث للجميع ولا بد أن تطبقه على كل واحد فينا . 

إن كـل قـراءات الصـوم هـي مـن أجـل التـوبـة ، ومـن أجـل نـقـاوة الإنسان ، وفـي أحـد السامرية السيد المسيح يذهب لكي ما يتقابل مع هذه المرأة ، وعليك أن تنتبـه فـي أن يقصد أن القصة محددة لكن لها معناها الواسع جدا لأسباب كثيرة : 

(١) السيد المسيح تعب وكان لا بد أن يجتاز السامرة ، والمسافة من اليهودية إلى السامرة كانت حوالي ٤٠ ميلا (حوالي ٦٤ كيلو متراً ) قطعها سائراً على الأقدام ، وكان يقصد يتوقف في السامرة لكي ما يقابل هذه المرأة . 

 (۲) ظهـر أنـه عطشان ، وكلمـة عطشان يقصد بها الماء دائماً ، لكن المسيح أيضاً على الصليب قال : ” أنا عطشان “، والعطش هنا للنفوس التائبة ، فلا يروي عطش المسيح سوى النفوس التائبة

(٣) إن السيد المسيح عندما قابـل المرأة السامرية قصد أن يقابلها في الساعة الثانية عشر ظهراً ، أي الساعة السادسة من النهار وهي ساعة الصلب .

 (٤) إن التلاميذ تركوا المسيح وذهبوا لكي ما يبتاعوا طعاماً ، تماماً مثلما فعلوا عندما تركوا المسيح وقت الصليب ، وكأن قصة مقابلة المسيح مع السامرية هـي الصليب ومقابلة الله المخلص مع الإنسان الخاطئ . قصة هذه الأحداث تمهد للصليب ، وهذه المرأة تُمثل الإنسان الذي يبدو أنه عارف ، فماذا كانت هذه المرأة ؟ لقد كانت المرأة السامرية تعرف قليلاً ..

 (۱) معرفة التاريخ : حيث كانت تعرف العداوة التي كانت بين اليهود والسامريين من أيام رحبعام بن سليمان ، وانقسمت المملكة إلى قسمين : قسم شمالي يضم ١٠ أسباط وأخذوا العاصمة السامرة ، وقسم جنوبي يضم سبطين وأخذوا أورشليم كعاصمة ، وصارت قطيعة بين الاثنين . وبما أنها كانت تعرف تلك العداوة ، فعندما تقابلت مع السيد المسيح قالـت لـه ” كيف تطلب مني لتشرب وأنـت يهودي وأنا امرأة سامرية  ؟ لأن اليهود لا يعاملون السامريين ” (يو ٤ : ٩). حتى أن التقليد اليهودي معروف بأن الرجال لا يتكلمون مع النساء في الأماكن العامة حتى لو كانوا أزواج. 

(۲) معرفة الكتب : يبدو من هذه الإنسانة إنها كانت تعرف الكتب ، ففي وسط الحـوار قالت للمسيح : ” أبينا يعقوب الذي شـرب مـن البئـر هـو وبنـوه ومواشيه “، لذلك هي لديها معرفة دينية إلى حد ما. 

(٣) معرفة العبادة : لقد كان يشغلها موضوع العبادة ، خاصة عن السجود هل يكون فـي السامرة أم في أورشليم ؟ وبالمجمل يمكن أن نقول عنها إن لديها قدر من المعرفة .

ولكن ما مشكلة هذه المرأة ؟

مشكلة هذه المرأة إنها لم تكن تُدرك عطية الله الكاملة للإنسان بسـكنى الـروح القدس فيه ؛ فأحيانا الإنسان يكون عايش في النعمة لكنه لا يدرك قيمة هذه النعمة ، لذا السؤال الذي يقدمه لنا المسيح هو : هل ثدرك عطية الله لك ؟ هل تُدرك النعمة التي أعطاها الله لك ؟ الله يعطي لكل أحد نعمة ما . فمثلاً نعمة الصحة ، هل تُدرك قيمة عطية الصحة ؟ هناك أيضاً نعمة الخلاص ، فهل تُدرك هذه النعمة وما فعله السيد المسيح لأجلك على الصليب ؟

أذكركم دائما بأيوب الصديق الذي لم يكن يدرك الله كاملاً ، وفـي وقـت مـن الأوقات قال ” بسمع الأذن قد سمعت عنك، والآن رأتك عيني ” (أي ٤٢ : ٥). وهذا معناه أن هناك مرحلة لم يكن يشعر بها . 

عندما تقابل السيد المسيح مع هذه المرأة ، وهذه المقابلة تُظهر لنا كيف تعامل المسيح معها ، فنجد أن هناك تدرج فـي الحـوار كي تعرف عطية الله ، ففي أول المقابلة كان بالنسبة لها رجل يهودي بينه وبين السامريين عداء ، ثم ترتفع المعرفة قليلا حتى أنها قالت له عبارة : ” يا سيد “، ثم ارتقى الحوار ووصل عندها أنه ” نبي “، بعد ذلك قالت له : ” المسيا “، وفي النهاية قالت عنه : ” إنه المسيح “، وعندما ذهبت لتُبشر أهل السامرة فـي نهاية زيارة المسيح لهم عرفت أنه ” المسيح مخلص العالم “، هذه المراحل الست تسميها بناء المعرفة ، لذلك لكي تُدرك عطيـة اللـه مـن الممكن أن تـدرس أو تقـرأ ، لكن المهم أن تدرك وتشعر وتحس في قلبك بهذه النعم الكبيرة . نحن نصلي في صلاة الشكر ونقول : ” نشكرك يا رب لأنك سترتنا وأعنتنا وحفظتنا وقبلتنا إليك وأشفقت علينا وعضدتنا وأتيت بنا إلى هذه الساعة “، فهل تُدرك معاني هذه النعم السبعة ؟ هل تُدرك معنى أن ربنا ساتر عليك ؟ هل تُدرك أن ربنا حافظ عليك إلى الآن ؟ هل تُدرك إنه أتى بك إلى هذه الساعة المقدسة ؟ هل تُدرك كل هذا الكلام ؟ والمرأة السامرية بالحوار الجميل فـي (يو ٤) في النهاية أدركت .

لقد رتّب السيد المسيح هذه المقابلة مع المرأة السامرية ، ومن خلال توبتهـا صـارت كارزة لمدينة السامرة ، وكأن المسيح يتواصل مع امرأة ليخلص مدينة السامرة ، لذلك يمكننا أن نقول أن هذه المرأة كانت بمثابة المفتاح لتوبة مدينة السامرة بأكملها .

+ ماذا فعل السيد المسيح مع هذه المرأة ؟

١- النفس الإنسانية غالية جداً عند ربنا ، وعندما قال السيد المسيح : ” أنا عطشان ” وهو على الصليب لم يكن عطشاناً للماء ، ولكنه كان عطشاناً لكل نفس أن تتـوب وتقبل عطية الخلاص ، فالله يبحث عن نفس كل إنسان حتى وإن كان فـي بـيـت مثل سمعان الأبرص الفريسي ، فهو دخل هذا البيت لكي يظهر قيمة هذه المرأة التي أخطأت ، وأتـت وسكبت الدموع على قدميه ومسحتهما بشعر رأسها ، ويتكلم معها المسيح وليس هذا فقط بل يعقد مقارنة بين هذه المرأة الخاطئة الفائزة وبين سمعان الفريسى . ثم يعود ويمر في الأماكن التي يعمل فيها العشارون ويأتي أمام شخص عشار ويقول له : ” اتبعني ” (مت ٩ : ٩ )، وتكون النتيجة أن متى العشاريصير متى التلميذ الرسول صاحب أول بشارة فـي الإنجيـل وصاحب خدمات كثيرة جدا حتى بعد صعود ربنا يسوع ؟، وبالمثل زكا العشار.

النفس غالية عند المسيح ، وإن سألت لماذا يتألم المسيح ؟ نقول لك أنه يتألم من كل إنسان بعيد عنه يعيش في الخطية ، في حين أنه يفرح بكل إنسان يأتي إليه بقلب نقي ” إنه هكذا يكون فرح في السماء بخاطئ واحد يتوب أكثر من تسعة وتسعين باراً لا يحتاجون إلى توبة ” (لو ١٥: ٧)، فالمسيح يشعر دائماً أن النفس الإنسانية غالية ، وفي مثل الابن الضال كان أكثر شيء واضح في المثل أن الأب يقابل ابنه العائد التائب ويأخذه في حضنه ، لكن هناك بعض البشر أفكارهم قد تضيعهم ، وفي نفس الوقت يجب أن يعرف كل إنسان أن باب التوبة مفتوح ، والمثل الأكبر للنفس الغالية أمام المسيح هو ” القديس بولس الرسول ” الذي كان ” شـاول الطرسوسي ” مضطهد كنيسة الله ، وعاش ٣٦ سنة بعيدا عن ربنا ويفتخر أنه يهودي وفريسي ، ولكن نفسه غالية جداً عند ربنا ، فقد ظل الله منتظراً توبته وعودته ، والله يعطيه الفرصـة يـوم وراء يـوم ، وسـنة وراء سـنـة ليـتـوب ويرجـع ، ويقابـل شـاول المسـيـح فـي طـريـق دمـشـق ويعطيه نوع من العمى المؤقت ويبدأ يعرف طريق المسيح ، ويبدأ طريقا جديدا ويصير بولس الرسول الكارز .

٢ـ عندما يتعامل السيد المسيح مع أي إنسان يتعامل معه بمنتهى الرقة ، فكان رقيقاً جدا مع المرأة السامرية رغم أنها في بداية الحديث كانت جافة معـه فـي الحديث ، ورقة السيد المسيح جـاءت مـن الآيـة ” تعلمـوا مـني ، لأنـي وديع ومتواضع القلـب ” (مت ۱۱ : ۲۹) فرقة السيد المسيح نابعـة مـن تواضعه ، ودائماً الإنسان المتضع يصير رقيقاً ، ويمكن أن أُذكركم بأيام السيد المسيح عندما ذهب ليوحنا المعمدان ليعتمد ، وامتنع يوحنا المعمدان في البداية ، لكن ما حدث أن السيد المسيح قال له : ” اسمح الآن “، فبمنتهى الرقة السيد المسيح يقتحم النفس البشرية باتضاعهً، وعندما قابل هذه المرأة السامرية أدرك أن مـدخل قلبها الماء ، فظهر أمامها كالمحتاج وقال لها : ” أعطيني لأشرب “، وبدأ الحوار برقة متتالية ، ويبحث المسيح عن شعاع النـور فـي هـذه المرأة ، وفي النهاية تقول له : ” أنا أعلم المسيا الذي يقال له المسيح يأتي “، فيقول لها : ” أنا الذي أكلمك هو “. المسيح رقيق جداً في تعامله مع النفس ، وهو أحياناً يتعامل معنا بحركات رقيقة ، وأحياناً تكون الحركات ثقيلة وهذا بسبب جمود الإنسان .

٣- التـدرج فـي المعرفة ، فالمرأة السامرية وهـي تتعامـل مـع المسيح ، ولاحظ أن عنـدها اشتياق للمعرفة وهذا ما نسميه ” بإرادة الإنسان “، وتبدأ المرأة في الحوار ويساعدها السيد المسيح على التوبة وتصل لدرجة من درجات كمال المعرفة ، فيقول لنا الكتاب : ” أن هذه المرأة ذهبـت لتتكلم مـع أهـل مـدينتها وتركت جرتهـا “، وهنـا نجـد أن الماء والجرة كانوا كل شيء بالنسبة للمرأة ، فكانوا يمثلون عالمها ، وعندما عرفت المسيح تركت كل شيء وأصبح المسيح هو الأهم ، وهذا ما أوضحه بولس الرسول : ” بل إني أحسب كل شيء أيضاً خسارة من أجل فضل معرفة المسيح يسوع ربي ، الذي من أجله خسرت كل الأشياء ، وأنا أحسبها نفاية لكي أربح المسيح” (في ٣ : ٨) ولا بد أن تنتبه للتدرج الذي قد يكون سببا لخلاص المدينة. علينا أن نلاحظ أن المرأة السامرية بعد أن كانت إنسانة مجهولة لا يعرفها أحد ، أصبحت اليوم قديسة كارزة ؛ لأنها شهدت للمسيح في بلاد السامرة .

تقرأ الكنيسة إنجيل المرأة السامرية ثلاث مرات في السنة :

 الأولى : في الأحد الرابع من الصوم الكبير ( أحد منتصف الصوم الكبير )، ليركز على اهتداء السامرية وأهل السامرة إلى التوبة والإيمان بالمسيح كمدخل للمعمودية . 

الثانية : في الأحد الثالث من الخمسين المقدسة ، ليركز على ” الماء الحي ” كإشارة إلى الروح القدس ” روح الحياة “، الذي يعطينا إياه المسيح القائم من الأموات . 

الثالثة : في صلاة السجدة الثالثة ، ليركز على أن السجود أي العبادة الحقيقية لله تكون بالروح والحق . 

إن المرأة السامرية تسأل وتطلـب وتشتاق وترغب وتنـال فـي النهاية وتأخذ النعم الكبيرة وتُدرك عطية الله لها .

نحـن جميعنـا فـي حاجة إلى التجديد الروحـي ، فعلى الإنسان أن يجـدد حياته ، فقصة المرأة السامرية تدفعنا لذلك ، فقصتها دعوة لكل إنسان فينا .

افتح قلبك وافهم الكلمة المقدسة التي تقرأها ، واعرف أنه عندما تتقدم للتناول وتأخذ الأسرار المقدسة لكي ما تستنير وتُدرك النعمة ، وإذا أدركت النعمة التي أعطاها لك الله فسوف تكون في حالة من الرضا والشكر الدائم ، أما الإنسان المتذمر فيخسر كل شيء .

السؤال الذي تضعه أمامنا قصة اليوم هل تُدرك عطية الله لك ؟ هل تشعر بها ؟ هذا هو سؤال السامرية التي تقدمه لنا اليوم لأجل حياتنا جميعاً وخلاصنا …..

المرجع : كتاب اختبرني يا الله صفحة ٢٤٣ – قداسة البابا تواضروس الثاني

 

السامرية – للمتنيح الانبا اثناسيوس مطران بني سويف والبهنسا[9]

تغير الصورة في إنجيل يوحنا (يو٤: ٣)

في الإصحاح الأول الآية ٤٣ توجه الرب إلى الجليل وفي الإصحاح الثاني آية ١٣ عاد إلى أورشليم، وفي الإصحاح الرابع آیه ۳ توجه إلى الجليل فوصلها في الآية ٤٣. وفي بداية الخامس عاد إلي اورشليم، وفي بداية السادس عاد إلى الجليل وفي السابع عاد إلى اليهودية وظل هناك إلى ما بعد القيامة (يو٧: ١٠)،(يو ٢١: ١) فما سبب هذا التنقل السريع؟.

لم تكن هذه سلسلة الحوادث. وليس إنجيل يوحنا متجاهلاً للتاريخ. وإنما هو يكتب – كما أسلفنا – في نهاية القرن الأول والأناجيل في يد الناس والحوادث معروفة. وهدفه هو العرض للناحية اللاهوتية في القصة. ولذا أهتم كثيراً بالخدمة في اليهودية، وإختار من الحوادث ما أغفله غيره من الأناجيل وما يخدم غرضه.

الرب في السامرة: (يو٤:٤-٤٢)

في طريقه من أورشليم إلى الجليل اجتاز السامرة ومرَّ على مدينة سوخار واسم المنطقة أصلاً شكيم. وفيها بئر شرب منها يعقوب أبو الأسباط هو وبنوه في طريق عودتهم من عند لابان خاله (تك۱۸: ٢٠-٣٣ ) & (تك ٣٤: ٢٨). وهناك قطعة أرض وهبها يعقوب ليوسف ابنه (تك٤٨: 22).

وهناك دفن الشعب عظام يوسف التي حملوها معم من مصر (يش ٢٤: ٣٢) وكانت شکیم إحدى مدن الملجأ الستة التي عينها يشوع ليلجأ اليها القاتل (یش٢٠: ٧) واسمها الآن نابلس ويحيط بها من الشمال جبال عيبال ومن الجنوب جبل جرزيم ويدعى جبل البركة (تث 11: 29؛ 27: 12، 13 ) (يش٨: ٣٣-٣٥) وكان بئر يعقوب عند سفح هذا الجبل. ويقال أنه الجبل الذي اختاره الرب لإبراهيم لتقديم ذبيحة اسحق عليه، وفي شكيم أقام يعقوب مذبحاً (تك33: ۲۰) وفي أيام الاسكندر الأكبر كان لرئيس كهنة اليهود المدعو يادوا أخ اسمه منسى تزوج بابنة سنبلط أحد كبار السامريين فطرده الكهنة من الكهنوت. فقام سنبلط والسامريون وبنوا له هيكلاً على جبل جرزيم أزاد إرتباط السامريين بأرضهم دون أورشليم، وإلى جبل جرزيم أشارت المرأة السامرية والرب يسوع في حديثهما (يو٤: ٢٠-۲۱) ..

تقول بعض التقاليد أن المرأة كان اسمها فوتينا.

كان السيد قد درب تلاميذه على ألا يقيموا العداء بينهم وغيرهم لذلك لما وصلوا إلى مدينة سوخار، دخلوها ليشتروا منها طعاماً (يو٤: ٨) ولم يقولوا أنها مدينة للسامريين كما أن الرب لم يقل ذلك، بل تحدث إلى المرأة وإلى أهلها.

بادأها السيد بالحديث، فكانت نافرة من الحديث في بداية الأمر ثم اندمجت في الحديث تدريجياً منجذبة إلى نعمة الرب حتى ذهبت وبشرت أهل المدينة بالمسيا.

الماء الحي: (يو٤: ۱۰- ۱۱)

قصد السيد بالماء الحي ماء الحياة أو نعمته التي ينالها المؤمنون. أما المرأة فظنته يقصد ماءً جارياً من نبع أو مجرى لأن اليهود كانوا يسمون ماء الآبار ماءً ميتاً وأما الماء الجاري فسموه حياً. وهذا ما قصدته المرأة: من أين لك الماء الحي؟.

أما هو فقال لها أانه يقصد ماءً روحياً من يشرب منه لا يعطش إلى الأبد. وقد قال ذات الكلام للجموع “اِعمَلوا لا للطَّعامِ البائدِ، بل للطَّعامِ الباقي…. أنا هو خُبزُ الحياةِ. مَنْ يُقبِلْ إلَيَّ فلا يَجوعُ، ومَنْ يؤمِنْ بي فلا يَعطَشُ أبدًا” (يو٦: ٢٧-٣٥) و “مَنْ آمَنَ بي، كما قالَ الكِتابُ، تجري مِنْ بَطنِهِ أنهارُ ماءٍ حَيٍّ” (یو7: ۳۸).

يسمى الناس بعضهم بعضاً خطاة ويشمئز من يشعر منهم بالبر من غیره بدافع من كبريائه الخاص وبدعوى أن غيره شرير. أما الرب فلیس هكذا، بل عمله هو السعي وراء الخطاة وفرحه في خلاصهم. وإذ أنه القدوس، فجميع الناس خطاة أمامه ولولا رحمته لهلكنا جميعاً، فهو يسعى لخلاص الجميع، ولايشمئز من أحد، وهو صاحب الفضل في كل حال “نَحنُ نُحِبُّهُ لأنَّهُ هو أحَبَّنا أوَّلاً” (1يو٤: ١٩).

ثم أنه دائماً يشجعنا، وفي تشجيعه لنا يقوي الخير القليل الذي فينا، ولا يعاملنا كالناس الذين ينظرون إلى ضعف غيرهم فيیئسوهم ويطفئوا أي خير فيهم، وقد عمل هذا مع المرأة السامرية، لعل رجلاً ما من الناس لم يحدثها عن فضائلها قبل الرب يسوع، أما يسوع فيقول أنها تكلمت بالصدق، وظل يحادثها حتى انتعشت روحها وامتلأت إیماناً وشجاعة وذهبت وأخبرت الناس عنه.

وفي حديثه معها تعرض لموضوع اختيار الأمة اليهودية:

  1. أن الخلاص هو من اليهود.
  2. أن اليهود – في ذلك الوقت- يعرفون الله ويسجدون لما يعلمون بخلاف الأمم الأخرى.
  3. أنه قد أتت الساعة التي فيها يقدم الخلاص لجميع الأمم “تأتي ساعَةٌ، وهي الآنَ، حينَ السّاجِدونَ الحَقيقيّونَ يَسجُدونَ للآبِ بالرّوحِ والحَقِّ” (يو4: 23).
  4. أنه هو المسيا، الذي يعطي الخلاص للجميع .

قد يطلب السيد منا خدمة ولو بسيطة مثل “أعطيني لأشرب” ليس لاحتياجه ولكن لأن في أدائها بركة لنفوسنا.

وقد يمدحنا على عمل قمنا به، فليس لنا أن نفتخر، لأنه مدحنا لكي يرفع عنا اليأس ويدفعنا نحو خدمة أكثر.

وقد يستخدمنا لعمل ما، فلا نظن أننا أحتكرناه مثلما ظن اليهود انهم احتكروا الإيمان، ففقدوه “لأنَّهُمْ إذ كانوا يَجهَلونَ بِرَّ اللهِ، ويَطلُبونَ أنْ يُثبِتوا بِرَّ أنفُسِهِمْ لم يُخضَعوا لبِرِّ اللهِ” (رو٣:۱۰).

اننا حين نخدم بأمانة نشترك معه في عمله الخلاصي “طَعامي أنْ أعمَلَ مَشيئَةَ الذي أرسَلَني وأُتَمِّمَ عَمَلهُ.. فهو العامل أصلاً ونحن نرافقه، والحاصد يأخذ أجرة ويجمع ثمراً للحياة الأبدية لكي يفرح الزارع والحاصد معاً. آخَرونَ تعِبوا (= هو) وأنتُمْ قد دَخَلتُمْ علَى تعَبِهِمْ” (٤: ٣٤-٣٨) .

جميل جداً إيمان هؤلاء السامريين، لأنهم لم يؤمنوا بآيات، فالمرأة آمنت بكلامه، ثم هم “قالوا للمَرأةِ: إنَّنا لسنا بَعدُ بسَبَبِ كلامِكِ نؤمِنُ، لأنَّنا نَحنُ قد سمِعنا ونَعلَمُ أنَّ هذا هو بالحَقيقَةِ المَسيحُ مُخَلِّصُ العالَمِ” (٤١، ٤٢).

البشارة والسامرة للمتنيح الانبا كيرلس مطران ميلانو

البشارة وأحد السامرية

أنا امرأة سامرية .. وأنت يا رئيس الملائكة جبرائيل ببشارتك عن مجيء المسيح التقيت معي في الأحد الخاص بي .. وهو الرابع من الصوم الكبير .. لذا ينبغي أن تقال بشارتك أنت .. وأنا لي يوم آخر وهو الأحد الثالث في الخماسين سوف أحكي عن المسيح الينبوع الحقيقي ..

يا رئيس الملائكة .. أنت من السماء .. وتقف حول العرش الملتهب الشاروبيمي .. أنا من السامرة .. رأيت المسيح وقد ذقت طعمه وحلاوته .. وقلبي مشتاق أن أقدمه لمن هم مثلي ومن حولي .

أنت بشرت العالم بميلاد المسيح مخلص العالم .. وأنا السامرية أود أن أنادي الخطاة الضالين .. وأقول للعطاش تعالوا اشريوا من جنب الحمل لتروى نفوسكم .. اقتربوا منه لتُمحى خطاياكم .. تقدموا نحوه لتتطهروا من آثامکم ..

أنت أتيت تبشر سكان الأرض .. وأنا سامرية من بين سكانها .. دعني أنا أبشر الغارقين تحت الأرض .. وأعرفهم كيف يعمل المسيح في كل أحد لكي يخلصه ..

أنا السامرية وكنت أعلم أن العالم ينتظر المسيا .. ولم أنتظر أو أتوقع يوماً أن أرى المسيا جالساً بالقرب مني ويتحدث معي .. لذا لا يكفيني أن أقول رأيت المسيا .. لقد رأيت مسيحاً يخلصني .. ومعلماً صالحاً رقيقاً يرشدني .. وفاديا ينقذني .. وطريقاً يهديني للبر .. وحقاً يرفعني من الباطل .. وحياة تردني من موت الخطية .

اسمحوا لي أن أفتح قلبي .. وأتحدث معكم ياكل سكان الأرض .. كل ما حدث لي مع المسيح يجعلني عاجزة عن الصمت .

قد تكون أنت خاطئاً لأنه ليس أحد بلا خطية ولو كانت حياته يوماً واحداً على الأرض .. لكن أنت لم تكن خاطئاً مثلي.. أنا لم أذق طعم الخطية فقط .. إنما أطعمت بها قلبي وبات قلبي معي في الشر سنين عديدة .. وينطبق علي قول السيد الرب ” شعبي تركني أياماً بلا عدد ” .

كنت أرى الناس من حولي .. وأشاهد رجال الناموس والكتبة والفريسيين .. وفيهم لم أر .. ولم أسمع .. ولم ألمس .. من يخلصني ومن ينقذني .. ؟ !

إن سألتموني ؟! من هو ملكك ؟! ومن هو حاكمك ؟! أجيبكم بأن اليأس مالك قلبي وحاكم أفكاري .. وهو الذي يدفعني لكي أحيا في الخطية..

أنت يا أخي لم تكن خاطئاً مثلي .. وأنت لم تفعل ما قد فعلته أنا .. لذا عندما أكلمك عن حلاوة المسيح .. أتكلم معك بخبرة أنا عشتها .. لأنني ذقت وعشت مرارة الخطية قبلاً والذي حررني هو وليس آخر سواه .. والذي رواني هو الينبوع الحي .. والذي أطعم قلبي هو الخبز الحي ..

قال المرنم داود ” ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب .. ” واليوم أقول للمرنم أنا ذقت ونظرت ما قلته أنت .. وبالحقيقة ما أطيب الرب .. وأقول لكل أحد أنا أبشرك لكي تقوم وتذوق وتنظر ما أطيب الرب ..

في الزمان الذي أنا عشت فيه مع الخطية .. كان لي أخوة وأخوات خطاة مثلي .. أضاء عليهم نور المسيح النور الحقيقي الذي أخرجهم معي من ظلمة الخطية ..

أنظر إلى تلك التي ضبطوها في ذات الفعل .. هم ألقوا القبض عليها وكأنهم بلا خطية .. وبينما كانت محبوسة بين أياديهم .. وقعت في يد الله المتجسد لأجل خلاصنا .. وعلمت أن الوقوع في يد الله خير من يد البشر ..

إنها كانت تسير في نفس طريقي .. وكان اليأس هو حاكمها مثلي ..

أنت لا تتخيل كيف ينظر الناس إلى الخطاة .. ليس في عيونهم نظرة المسيح .. ولا في قلوبهم رحمة المسيح .. الكل تهرب عنه في هذه اللحظة جميع سيئاته الخفية .. ويصيرون قضاة على غيرهم ..

كانت تلك الخاطئة مثلي : ترى أن نهايتها الرجم ، لأنها انسانة ساقطة .. ولأجل قساوة القلوب التي كانت حولنا كنا نحس ” أنه لا توجد آية أخرى سوى رجم الخطاة وموتهم ..

وفي حادثة المضبوطة في ذات الفعل .. قال السيد المسيح لمن جاء ليرجمها .. من منكم بلا خطية فليرمها بأول حجر .. وجلس على الأرض يكتب على التراب .. وبهذا فتح لهم ما في أعماق الأسفار ..

أنا لم أرد أن أتكلم عن المسيح قاضي المسكونة .. فأنا ومن يشبهني كنا نستحق الرجم .. والذي بلا خطية وحده هو المسيح .. ولم يرجمنا بحجر .. ولا بكلمة حجرية ..

تلك كانت حولها العاصفة .. ولم تقد أن تؤذيها لأنها التقت بالمسيح ميناء الذين في العاصف ..

أنا جلست وحدي مع المسيح عند البئر وبه الكل قد صار لي جديداً .. عرفت ما هو الطريق ؟! وما هي الحياة .. وعرفت ما هي المياه التي تروي القلوب ..

وعرفت من هو عريس النفس ؟! ومن هو فردوسها ؟!

كنت أذهب يومياً إلى البئر .. وفي داخلي كان يوجد بئر للنجاسة .. وبرقة كلماته سقطت قطرات من محبته وحولت مياه قلبي إلى قداسة .. لذا عندما دخلت إلى مدينتي السامرة .. الكل أحسوا وصدقوني .. ونسوا أنني امرأة خاطئة .. وذهبوا لكي يتعرفوا على المسيح ويدعوه إلى مدينتهم .. لقد تغيرت كل حياتي .. وهذا لم يشبعني .. إنما كل ما يشبع قلبي هو أن يعرف الجميع من هو المسيح الذي غيرني ..

المرجع : كتاب شفتاك يا عروس تقطران شهداً (الجزء الرابع صفحة ٥٥-٥٧) – دير الأنبا شنودة رئيس المتوحدين العامر بميلانو

أحد السامرية – المتنيح القمص بيشوي كامل[10]

حديث ربنا يسوع المسيح مع المرأة السامرية حديث ممتع وشيق ومفيد جدا.

خلاصة الحديث كله هو ما شهد به أهل السامرة في آخر الإصحاح “نحن نعلم حقاً أن هذا هو المسيح مخلص العالم. هو جاء لكي يخلص العالم كله”.

وخلاص العالم يا أحبائي ليس بالعمل الهين. صحيح فيه ناس كتير بتصنع الخير وبتقود ممالك، ودول لإنقاذها ولسعادة البشرية. لكن خلاص العالم ليس بالأمر الهين. وأراد الوحي الإلهي أن يقدم لينا نموذج في شخص السامرية. عن كيف يعمل الله مع العالم كله، على المستوى الفردي.

إحنا بنبص دايماً للأعمال اللي هي تخص بلد، مملكة، لكن ما بيخطرش في ذهننا أن الله بيعمل بطريقة فردية مع كل واحد لكي يعطيه هذا الخلاص.

ولكي لا يبدو أمامنا إن أمر الخلاص أمر هين، رغم أن المسيح جاء لكي يُصلب عن العالم لكي يفدي البشرية. فالناس افتكرت إن مادام المسيح مات عن العالم واتصلب وقام من الأموات يبقى خلاص كل حاجة انتهت. والأمر أصبح بالأمر الهين البسيط، لكن الوحي الإلهي النهاردة بيعرض لنا صورة انسانة من العالم.. واقف أمامها والجهد اللى بذله معاها علشان خاطر يقدر يخليها تتمتع بهذا الخلاص.. ما هو ممكن جداً أن نقول إن المسيح جه من أجل العالم ومات من أجل العالم، وفدى العالم، لكن مش بسهولة الناس تقبل هذا في حياتها، حتى الناس اللي هم يعرفوا يعني عن هذا الخلاص.

والمسيح رب المجد في نقاشه مع المرأة، أكدت له إن هي تعرف حاجات كثير عن الموضوع دة، وقالت له إن إحنا في انتظار المسيا، صحيح فيه وجه اختلاف بيننا وبينكم أنتم بتقولوا هيجي من اليهود وإحنا بنقول هيجي هنا عند بير يعقوب، لكن إحنا كلنا في انتظار المسيا، وعندما يأتي المسيا سيعلمنا أمور كثيرة.. إيه رأيك في الست دی؟ متدينة ولا مش متدينة؟ وبتعرف عن الخلاص ولا ما تعرفش؟.. تعرف، لكن تعرف شئ بالكلام، ووصول هذا الخلاص إلى أعماق نفسها موضوع آخر، موضوع كبير خالص.

النهاردة المرة دى بنسمع عن السامرية, المرة اللي جاية نسمع عن المخلع بقى له ۳۸ سنة، طب ما هو إحنا عارفين إن المسيح جه ومات وفدي البشرية، علشان تنقل القوة الجبارة دى قوة الصليب هي قادرة أن تقيم انسان بقى له ۳۸ سنة، وبقى له ۱۰۰ سنة، وتقيم ميت كمان. علشان تنقلها جواه، دي عملية صعبة، إحنا شفنا معجزات كثيرة عملها المسيح.. قوم مفلوج، وقوم ميت.. لكن حادثة السامرية من الحوادث اللطيفة اللي توري في ديالوج لطيف إيه اللي في قلب المسيح بالنسبة للنفس دي، وإيه الجهد اللى بيبذله وبيعمله علشان يوصل الخلاص.

الحقيقة هم متلاقوش عند البير بتاع يعقوب فقط إنما المرأة دي أنا في خيالي كدة يتهيألي إن هي كانت في قعر البير، والبير ده عميق جداً، وواحد واقف على البير من فوق وبيقول الخلاص سهل وتم، ممكن ياللي جوه بیر تحت أرمي لك حبل أو أي حاجة؟ صحيح البئر عميقة جداً وتطلع من الداخل اللي جوه البير، صدقني بير بالضبط يائس ومعندوش أمل في النجاة.. وخلاص تأقلم على هذا الوضع ومستنى لما حياته تنتهى زى ما تنتهي في بير، يعني المسيح مش بيكلم کدة انسان عادي ده بيطلعها، عاوز يغير أفكارها وعايز يغير مشاعرها واحساساتها.

إيه العائق في العملية دى كلها؟.. الحقيقة يا أحبائي لما اتخلق الإنسان اتخلق على صورة الله ومثاله، صحيح اتخلق من طين وكان مادي وكان عايش في الجنة، وكان بياكل وبيشرب ويفلح في الجنة وبيعمل فيها كل حاجة لكن كان فيه حتة لطيفة في الانسان ده آدم الأول، كان يسمع صوت ربنا كل يوم مع ريح الصباح كانت دی الأكلة الشهية بتاعته اللي يستناها كل صبحية ويسمعها بأحساس روحي، ولما يقول لك الكتاب المقدس إن هو كان بيسمع صوت ربنا مع ريح الصباح، أرجو إن أنت تقف وقفة عند الحتة دى وتقول كان بيسمعها بودنه ولا كان بيشوفه بعينه.. والله روح ما يتشافش، والروح أيضا ملوش صوت علشان يتسمع، وكان بيسمعه إزاي؟.. يجوز في آدم ده كان فيه حاسة ثانية غير الحواس اللي معانا النهاردة، كان بيقدر يشوف بيها ربنا وبيحس بيها.

هو برده المسيح رب المجد لمح لنا في العهد الجديد إن ممكن رؤية ربنا بس مش بالعين، قال: أنقياء القلب يعاينون الله، وقال للناس: إن لكم آذان ولا تسمع، مع أن ودنهم ممكن تسمع كل حاجة، يجوز إن طبلة الودن بتقبل موجات أو ترددات معينة.

يعني مثلاً ممكن يكون فيه بعض المخلوقات الثانية تسمع صوت ممكن (البني آدم) ما يسمعوش، لأن الأذن بتاعتها بتسمع في تردد ثاني يجوز الانسان فقد حاسة عنده من الحواس ما بقاش يحس بيها بربنا، ولا بيحس بيها ولا بصوته ولا يتلاقی معاه، اللي إحنا بنسميها في مفهومنا العادي الروحانية، يجوز الإنسان بعد سقوطه ابتدأ يشتغل في الأرض ويفلح ويجيب العيال وينشغل فيهم، ويخلف العيال ويعمل المستقبل ويكون لهم ويؤمن نفسه.

وابتدأت الحتة دي هي اللي شاغلاه، إزاي يعيش في أمان، وإزای يضمن حياته وصحته وأولاده وبيته ويحوش كمان ويكّون للمستقبل ويرتب.

الانسان دخل جوه البير ده، جوه البير، ابتدأ ربنا يكلم الانسان، يرسل الأنبياء واحد وراء الثاني، أن يسمعوا الصوت ده، هم جم البير ده تحت خالص، الانسان النهاردة بقى جوة البير دة، وأنا مش باتكلم على السامرية، ده التلاميذ نفسيهم أول ماجم قالوا له حديث كان غريب جداً ولا بيفهموا بعض ولا سامعينه وهو بيتكلم برده هم كانوا في بير آخر، قالوا اللا شفتم؟ قعدوا يتغمزوا مع بعض حصل أيه، حصل أيه، كمان واقف بيتكلم مع إمرأة؟.. ماعلقش الكتاب على الكلمة دي، ولا رب المجد علق على النقطة دي، وبعد كدة صار حديث ثاني، قالوا له نجيب لك تاكل؟ قال لهم أنا النهاردة شبعان جداً، قالوا آه لازم الست دی جابت له أكل، ولا لازم حد جاب له أكل، راح قال لهم لا أنا عايز أكلمكم على أكل ثانی، قالوا له ما نعرفش غير أكل واحد، قال لهم طعامي أن أعمل مشيئة أبي وأتمم عمله، قالوا له ما نفهمش الكلام ده، نعرف حاجة واحدة، نعرف أن (البني آدم) له معدة وبياكل عيش، وبيتكلموا النهاردة على أزمة العيش والمجاعات اللي في العالم، ولازم يوفروا خبز وأكل، فالمعدة دی تتملي أكل بقى الإنسان شبعان، ما تتمليش أكل يبقى الإنسان جعان، آهو ده اللي نفهمه، قال لهم هي دي مشكلتي، أنا هاموت على الصليب وها فديكم بدمی وهاقوم من أجلكم، لكن مين ها يفهم الكلام ده؟ وفين الحاسة الروحية اللي بتستوعب هذا الكلام؟!..

أيام لما ظهرت العذراء في الزيتون يا ما سمعنا کلام، ومن المصادفات اللطيفة إن أنا في الوقت ده كنت سافرت، فكان طبعا ظهرت في مصر، واليهود گمان یعنی مش بسهولة يقبلوا الظواهر الروحية، عايزين حاجة يلمسوها بأيديهم زي العلم کدة زي الحاجات المحسوسة، فاتريقوا لما شبعوا.. مرة قالوا دي ظواهر روسية لأن روسيا في الوقت ده كان لها شأن في مصر، ومرة قالوا ده دجل بتاع الشرق، لكن ربنا من الحاجات اللطيفة لم يترك نفسه بلا شاهد, فيه راجل كبير في السن كاثولیکی عجوز، الراجل ده بيبحث في موضوع شاغله، زي ما ناس ساعات تقعد تأخذ موضوع في كتاب تقعد تتشغل فيه، بیبحث في مجئ المسيح الدجال، إمتي ها يجي المسيح الدجال دة.. ففيه بقى هم يصدقوا في الحاجات دى كثير، ففيه واحدة كانت تنبأت أن المسيح الدجال هيجي سنة ۱۹٦٢، تنبأت نبؤتين واحدة تمت وواحدة ما تمتش، النبوة الأولانية تنبأت أن كيندي ها يتقتل، والنبوة التانية قالت إن المسيح الدجال هیجی سنة 1962، أيام لما حصلت الزيطة دي فالراجل ده قال بس ما تعرفش مخه راح كدة إزاي، قال لازم المسيح الدجال ظهر في مصر سنة ٦٢ ودلوقت ٦٨ يبقي عنده بقي دلوقت ٦ سنين!!.. فابتدأ يعمل الدوشة دي والشوشرة دي، هو كان راجل مليونير وأنا زرته شخصياً وبعدين راح بعت قسيس كاثوليكي، وإدى له فلوس كتير، وقال له روح شوف لي حكاية المسيح الدجال اللي ظهر في مصر دة، فجه الراجل وشاف بنفسه، وكتب كتاب من أروع ما يمكن ونشر على نطاق واسع جداً عنوانه: (سيدتنا العذراء مريم ترجع إلى مصر)، وشهد شهادة غريبة جداً، والراجل كان لا بيفكر في العذراء ولا بيفكر في حاجة، لكن الله استطاع أنه بطريقته الخلاصية العجيبة إزای يوصل الروحانية للناس دول اللى بيفكروا في كل حاجة، لكن يصعب عليهم أن هم يقبلوا إن ممکن الست العذراء أو ممكن القديسين يكون لهم ظواهر روحية في الكنيسة.

إحنا في بير النهاردة، البير بتاع السامرية، ده البير ده كله حياة مادية، بتقول له شوف الفرق بين إثنين بيتكلموا مع بعض، هي بتكلمه عن يعقوب، وهو المسيح شوف الفرق بين يعقوب والمسيح قد إيه؟ يعقوب مهما كان أب الأباء هيطلع إيه يعني في ريح المسيح؟ ما هو يعقوب يعني، لكن بتقول له إحنا أولاد يعقوب، وماسكة في يعقوب ومتبتة خالص، وهي لا تعرف حاجة، لكن مجرد تعصب أعمى مالى عينها، إحنا أولاد يعقوب، والمسيح بيكلمها عن السماء وعن مجيئه من السماء، هي تقبل أن تكون بنت يعقوب وده أفضل ليها، لأن يعقوب خلف كثير وكان عنده مواشي كثير وجاب بير وسقی المواشي والحكاية بقيت كويسة، لكن المسيح اللي جاي من السماء ده جای يجيب حاجات روحية.

الفرق بين الحياة المادية، والحياة الأبدية، هي نفس الفرق بين يعقوب وبين المسيح، أو بين السامرية، بين اللي في قعر البير وبين اللي فوق.

الفرق بين الحياة المادية النهاردة عاوزين كلام، حتى في الكنيسة، وحتى في حياتنا، وحتى وإحنا بنقرأ الكتاب المقدس، عاوزين كلام كده يتفق مع مستوانا المادي النهاردة، عايزين تأكيدات أننا هنعيش في أمان وإطمئنان، لكن تكلمونا عن الحياة الأبدية وعن الحياة الأخرى، وعدم الإهتمام بالغير وإن المسيح معانا وهيرتب لنا وتكلمنا عن الأمور السمائية، ده صعب النهاردة.

تكلمنا عن الخلاص النهاردة، الخلاص أنا أعرفه، يجيبوا لنا تصاريح کنائس نبني کنايسنا مثلاً، أو الخلاص أنهم ما يضايقوش واحد في وظيفته، ولا حاجة, ولا مشكلة مستشفى إيه ولا الكلام ده .. ده هو الخلاص.

لكن الخلاص في دم المسيح والصليب والموت عليه ما هو ده بعيد مش واضح لينا، إحنا في بير.. بير عميق جداً.. نطلب کل شئ من المسيح ما عدا الخلاص بتاعه على الصليب مين يشهد قدام ربنا النهاردة، وإحنا في الكنيسة، أن فكره وحياته مشغولة بالخلاص الحقيقي وبموت المسيح على الصليب، وأنه دايماً فكره يسرح في هذا المنظر ولايغيب عن ذهنه، مین مننا يشهد بأمانة أمام الله أنه مشغول بالحياة الأبدية أكثر من انشغاله بالحياة المادية اللي على الأرض.

أنا ما قلتش إن آدم لما كان في الجنة مكانش بياكل وكان عايش، كان مبسوط خالص لكن كانت عنده حاسة كانت موجودة إنه كان بيقدر يميز صوت ربنا، ويسمعه كل يوم على ريح الصباح، بس دي راحت فين؟ ده احنا داخل الكنيسة يكون حديثنا عن الماديات!، كنيستنا جابت كذا وصرفت كذا، وفاضل عليها كذا، وقدامها مشاريع كذا، وها تعمل كذا.

الحديث النهاردة عن الخلاص بدم المسيح، أو الحديث النهاردة عن الأمور الروحية صعب صعب صعب جداً، لأن الإنسان الحاسة الروحانية بتاعته دی ابتدأت يعني زي تغيب، لذلك يا أحبائي الخلاص صعب مش سهل، رغم بين الناس ساعات بتاخد الموضوع ده بالبساطة والسهولة، وتقول لك ما هو المسيح جه ومات وفدى البشرية وخلصنا وخلاص.

الخلاص مش إن أنت وأنا خلصت.. ولا حاجة.. الخلاص هو أن تتغلب عندك الحاسة اللى تستطيع أن تدرك ما أراد الله أن يقدمه ليك أنت شخصياً.

الفرق بين المياه اللي بتشربها الست وبین المياه اللى ها يقدمها المسيح.. المسيح ها يقدم مياه من جنبه اللي بيتكلم عليها، وهي بتتكلم عن المياه المادية.

الفرق يا حبيبي ويا عزیزی بين حياتك اللي عمالة تشرب من العالم، وحياتك اللي تبتدی تشرب من المسيح، ما هو ساعات أنت بتحس برضه بالنزعة الروحية أو بتسمع كلمة حلوة من ربنا، بتحس إن أنت شبعان، ما هو ده شبع، ما هي المرأة افتكرت بس إن المسيح كان عطشان، فقالت له مليكش دلو والبئر عميقة، قال لها: أنا هأدی مياه بس إحنا مختلفين كثير، لأن أنت فاكرة أن المياه هي المياه دي، اللي في الدلو بتاعك، وأنا بأقول إن الشبع شبع روحي مش شبع مادي.

التلاميذ فاكرين إن الأكل هو العيش اللي ها يجيبوه، والمسيح بيقول لهم أنا طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني، فإنت ممكن برضه، ممكن يكون طعامك المادي ولا تقول طعامي أعمل مشيئة الذي أرسلني، ابتدأت تبقي فيه لمسة روحية في حياتك بتحس دايماً إن أنت عايز دايماً تتمم مشيئة ربنا، بتدور على مشيئته في الكتاب المقدس وتتممها.

وتبتدي النزعة الروحية دي تكبر في حياتك، وتبتدي أنت تحس، تتولد عندك الحاسة اللي تقدر بيها تستقبل صوت ربنا في حياتك، وتبتدي تحس إن كل الأمور اللي حواليك بتشتغل لخلاص نفسك، ولخلاص البشرية، وللخير، وتبتدى عينيك تتغير زي واحد على عينه غشاوة إبتدأت تزول، ابتدأ يفكر تفكير ثاني، ابتدأ يفكر تفكير روحي، وابتدأت عينينا تشوف حاجات ثانية، والناس بتشوف كل حاجة سوداء، وإحنا نشوف كل حاجة بيضا.

ابتدأت وداننا بدل ما تتلذذ بحاجات عالمية مادية تعبانة ابتدأت تتلذذ بصوت ربنا وتحس بنغماته الحلوة، تحس بوقعات رجليه الجميلة، وابتدأت عينينا بدل ما تتلذذ بمناظر ما تشبعش، وأنت عارف الأيام دى كل يوم شيء جديد: العين ما بتشبعش من النظر على رأي سليمان الحكيم: ابتدأت عيننا تشبع من المناظر الحلوة من صورة الصليب من صور المسيح الجميلة اللطيفة اللى بتتغرس في عقلنا وفي حياتنا. ابتدأت عينينا تشتهي المناظر السماوية والمناظر الأبدية.

يا أعزائي ده حق، وأنا مش باتكلم على حد، أنا باتكلم على نفسي أولاً، إحنا في بير كبير خالص، إحنا في بير، و إدراكنا للأمور الخاصة بالمسيح واللي خاصة بخلاص حياتنا علشان نشهد ونقول إن المسيح مخلص العالم لسه بعید خالص.

إحنا النهاردة فيه طغيان العالم المادي على حياتنا، لدرجة إنه بيفقدنا الحاسة اللى إحنا نستطيع أن إحنا نرى الخلاص في كل كلمة من كلام المسيح، ونحس بيه إن هو موجود معانا. شوف تعب قد إيه علشان يوصل للمرأة.

أولاً: هي إمرأة مادية زينا، وهي دارسة الكتاب، وبتعرف برده عن بير يعقوب وعن مجيء المسيح، عاملة زينا بالضبط، والمرأة دي مشغولة، تصحى الصبح تجيب مياه وتودی میاه، تجيب مياه وتودی مياه، وبعدين هي غصب عنها هي امرأة لها شهواتها برده، فهي اضطرت إنها تتجوز، والشريعة بتسمح لها أحياناً، وتخطت الشريعة كمان شوية، اتجوزت مرة واثنين واتطلقت واتجوزت إلى آخره، فهي امرأة عادية.

المسيح علشان يخش لواحدة زي دي يبتدي يكلمها عن الروحانية، تقول له: لا، فيه وفيه، قال لها: صدقيني أنا هاديك مياه -والمسيح بيتكلم بسلطان- جربيها مرة واحدة اشربي منها مش هتعطشی، قالت له: طيب هات، قال لها طيب روحي هاتی جوزك وتعالى، قالت له … ابتدأت كدة، ما هو كدة أديك المياه إزاي، المياه دلوقت أحطها في جردل مخروم تمشي على طول، ما هو أنت لازم الأول تسدی المنافذ الوحشة اللي بتخش منها الخطية في حياتك، أنت لك خمسة أزواج واللي معاك مش زوجك، قالت له: أيه عرفك؟ بتخش في حياتي الشخصية؟! قال لها: هو ده الخلاص، الخلاص إن أنا أدخل في حياتك الشخصية، وأنا مبقصدش.

المسيح مش عاوزنا یعنی موظفين عنده، أو مستعبدين ليه، أبداً ده هو عاوز يسعدنا، بيقول لنا: يا جماعة أنتم تشربوا من المياه ومش هتشبعوا، أنا هقدم لكم مياه كويسة، قلنا له: طيب ماشي، قال لنا: بس لازم كمان الحتة اللى يتحط فيها المياه مش مخرومة كدة، أحسن المياه دى تتبعتر، قلنا له نعمل أيه؟ قال حياتك تبتدی تتغير.. تتغير إزاي؟ قال: تيجوا تعترفوا وتتقدموا كدة، ولما تعترفوا تطلعوا كل الحاجات الموجودة الوحشة دي أم المياه تنزل نظيفة، قال مش قادر أعترف، قال أنا أساعدك.

قال لها يا امراة.. روحي هاتی زوجك، طيب اشمعنى السؤال ده؟ لأن المسيح أكثر من مرة بيساعدنا أننا نفضي الحاجات الموجودة جوة، كونه بينکشها بموضوع زوجها، يعني بيجي لها على النقطة الدقيقة اللي ممكن تعفن، اللي عندها جوة.

الوقت جه يا أحبائي علشان نفضى اللي جوة، ونستقبل المياه الحية الحلوة.. الوقت جه علشان نبتدي نشرب من المياه اللي ما تعطّش، المياه اللي تشبع النفس، وبلاش الحاجات التانية دى، مياه العالم وشربنا منها كتير، وابتدأ ربنا يسوع المسيح يكلمها عن داخلياتها وابتدأت تتكسف الأول، وبعدين قالت له نعترف طيب وخلاص، قالت له: أنت بتعرف كل حاجة!.. قال لها أنا عارف كل حاجة، وهامتعك بالخلاص، لكن طول ما أنت بعيدة كدة، ومش عاوزة تعترفي مش ها تتمتعي بالخلاص أبداً، قالت له كل شئ، قال لها: خلاص خذي منه بقى واشربي، قالت له: طيب العبادة إزای بقى، قالت له نسجد عند بير يعقوب، قال لها تانی فكرك مادي!.. قالت له: ولا في أورشليم بيسجدوا إزاي؟ متعرفش تعرفني الفروض بتاعة الصلاة إزاي تكون؟ والسجود يكون إزاي؟ والواحد لما يقف يصلي يعمل إزاي؟ والحركات اللي يعملها إزاي؟..

قال الصلاة دلوقت عند ناس كتير بقى شوية حركات، قال لها اسمعی یا ست.. الله طالب الساجدين بالروح والحق، وابتدأ لأول مرة يديها مفهوم جديد أن السجود يكون سجود روحی.

إحنا نعرف ان السجود بالجسد، قال لها السجود بيبقي بالروح، حاجة عجيبة قوی!!.. سجود بالروح!!.. هي الروح بتعرف تسجد؟!.. والجسد يسجد كدة، تبقى تلاقي الروح تنسكب وتنسحق، ده إحنا مفهوم السجود عندنا إن الرأس تتحط في الأرض کدة.

ويفتكر الإنسان أتضع وانسحق، ويفتكر إنه تراب وبعدين يقوم، نعمة ربنا تقومه في كل مرة يقوم، فالسجود حركة روحية، مش حركة جسدانية، قالت له آه بقی السجود دلوقت مش سجود بالجسد، قال لها: لا ماهو اللي تاعبنا إن حتی عبادتنا أصبحت واخدة مظهرها الجسدي، والواجبات والفروض، و النهاردة علشان يوم الأحد نيجي الكنيسة وبتاع..

لكن الله عايز حركة روحية داخلية، أمال هايديك المياه ليه؟ المياه اللي هاديها لك دي هي الروح القدس، فأنت تبتدي تشغلى المياه دي، تفتحى القنوات بتاعتها، فلازم حياتك تبقى حياة روحية، ابتدأت المرأة تطلع من جوه البير كانت غطسانه خالص طلعت كدة ابتدأت تشم ريحة المسيح، قالت له: كلمني عن المسيح اللى هيجي من فوق، ويقول لنا عن الأمور اللي ما سمعنهاش خالص، قال لها: أنا هو قدامك، وأنا في متناول كل انسان.. وسهل جداً كل انسان يتمتع بي، وأنا جاي علشان أسعد البشرية، وأنا جاي علشان خاطر أشبعها، وأنا جاي علشان أخلصها.

الناس مش شايفاني ليه؟ لأن فيه غمامة على العينين، لأن في حياة مادية لاهية الانسان، لكن جه الوقت يا أحبائي إن المرأة دي تبتدي تفتح عينها وتشوف شیء جدید، بس ده انسان زي بقية الناس اللي شافتهم وتعاملت معاهم في حياتها، شافت الروحانية فيه، ابتدأت تتولد عندها حاسة جديدة، ودة اللى أنا قصدته بموضوع النهاردة، بنعمة المسيح نتكلم فيه، أن تتولد عندنا الحاسة الروحية اللى تبتدي في حركاتنا المادية في وسط العالم المادي، تبقى عندنا حاسة روحية، وعندنا عين روحية، وعندنا نظرة روحية للأمور، وعندنا نظرة روحية للمستقبل، وعندنا نظرة روحية للأبدية، وعندنا نظرة روحية لكل الأحداث اللي بتجول حوالينا، سواء كانت الحياة المادية، أو الموت، أو الانتقال، كل الأمور دی تبتدي تدخل في مفاهيمها، اللى عاوز المسيح يحطها فينا بسهولة، ها نقبل الخلاص بتاع المسيح، وها نصرخ ونقول: بالحقيقة المسيح مخلص العالم.. وسيدخل المسيح إلى حياتنا ويملك على قلوبنا بحق، مُلك روحی، ونقول: إن إحنا في ملكوت ربنا يسوع المسيح، وأن إحنا فعلاً مملكته، وتبتدي الأمور الروحية تشغل بالنا وأحاديثنا، تبقى أحاديثنا روحية، ونبتدى نحذر كل الحذر أن عبادتنا وأحوالنا في الكنيسة وشغلنا كله بيدور في فلك مادی، لا والكنيسة ماكانتش كدة مادية، كنيسة المسيح، المسيح في أيامه لا بنی کنیسة، ولا عمل مؤسسة، ولا عمل كل الحاجات دي.. لكن كان بيعمل كل عمل روحى في حياة النفس البشرية.

إذا كنا إحنا لينا النهاردة كنيسة حلوة بنجتمع فيها، مش معنى كدة أنها تشغلنا عن المقصود، أن إحنا ندخل ونتلاقى مع المسيح ونعيش معاه.

الهنا الصالح ينشلنا من البير اللى الظروف حطتنا فيه في هذا العصر المادي، ويمتعنا أن إحنا نعيش في لقاء حلو مع المسيح زي ما عاشت معاه السامرية، ببركة أم النور الست العذراء اللي بنحتفل بعيدها النهاردة.

السامرية – المتنيح القمص لوقا سيداروس[12]

كان لابد أن يجتاز السامرة

لقاء السامرية عند البئر (بئر سوخار)، كان في برنامج الرب، وتکالیف الرحلة ومشقة السفر والمشي ٦ ساعات متصلة على الأقدام والتعب الشديد، حتى الساعة السادسة من النهار (۱۲ ظهراً). كل هذه احتملها الرب من أجل السرور الموضوع أمامه، ومن أجل ربح نفس المرأة السامرية .

إذن لقاؤنا مع يسوع لا يتم بالصدفة، أو بحسب الظروف، فالمسيح لا يخضع للظروف، ولا للتغييرات، بل هو لقاء مقصود ومدبر بالتدبير الإلهي. والرب يسوع يضع هذا الإلتزام من جهة خلاصنا “لا بد”، أو كما قال لزكا: “يَنبَغي أنْ أمكُثَ اليومَ في بَيتِكَ”. فالمسيح جاء لكي يخلصنا، ولا بد أن يجتاز إلينا، ولا يستطيع شيء في الوجود أن يمنع لقاءنا مع يسوع .

لذلك في كل مرة ندخل الكنيسة لكي نتلاقى مع يسوع، أو في كل وقفة صلاة، أو قراءة إنجيل، أو سماع صوته من خلال معاملات الله معنا، فلنثق أن كل هذه المقابلات مع الله سبق أن أعدها لنا وبحسب تدبيره تتم.

وكان وقت الساعة السادسة

هذا هو نفس الوقت الذي سُمِّرَ الرب على الصليب عن حياة العالم .. وهناك تقابل مع اللص أيضاً .. وهو وقت تلاقي فيلبس مع الخصي الحبشي، ووقت تقا بل الله مع ابراهيم في القديم، فالله يتقابل معنا عندما يشتد النهار، وتشتد شمس التجارب ..

المسيح يقابلنا، وهناك يعرض لنا ينبوع ماء حي. ومستعد أن يعطينا إن قلنا: أعطني، ولكن على شرط أن يكون هناك إقرار بالخطية، وترك للجرة القديمة، وتغير في طريقة الحياة كلها.

الحديث مع يسوع

ليس من العجيب أن نرى الرب يسوع هو البادي بالحديث مع السامرية، فهذه طبيعة الله في كل زمان. هو أصل كل بركة، وينبوع كل عطية صالحة، وكل موهبة تامة، نحن نحبه لأنه هو أحبنا أولاً .. هو بدأ بالحركة نحونا في تجسده لكي يرفعنا إليه، وهو تكلم أولاً مع كل الذين دعاهم واختارهم ليكونوا معه .. والرب يسوع في حديثه يبدو كأنه محتاج إلينا “أعطيني لأشرب”!.. وإذا استجبنا لندائه يعطينا هو الماء الحي .. ولم يقل الكتاب أن المرأة أعطت يسوع ماء ليشرب، فيسوع لا يعطش إلى الماء، إنه يعطش لنفوسنا، ويجوع إلى خلاصنا .. فعندما رجع التلاميذ، وقالوا له: يا معلم كُل، قال لهم: لي طعام آخر، إذن لم يكن عطشاناً إلى الماء، بل هو عطش آخر تماماً، كما قال على الصليب: “أنا عطشان”، ولكن عندما رفعوا إليه القصبة لم يرد أن يشرب، هو عطشان إلى نفس اللص، وعطشان ليروينا .. وكل من تلامس معه، فإنه يعطش عطش يسوع، وفي نفس الوقت يأخذ منه ينبوع الحياة “مياه حية”.

عطية الله

قال الرب للسامرية: “لو كنت تعلمين عطية الله ومن هو الذي يكلمك ….” فالنفس في بداية طريقها مع الله لا تعرف ما هي عطية الله، ولا تعرف من الذي يكلمها، المسيح يشرق على النفس فتعرف مقدار النعمة فتطلبها وتقول: يا سيد أعطني.

وفي البداية أيضاً تدخل النفس في مقارنات بشرية ومفاهيم أرضية للنعمة “لا دلو لك والبئر عميقة، فمن أين لك الماء الحي؟”، ولكن المسيح يرفع النفس لمستوى السجود بالروح والحق بعد أن يعتق النفس من عبودية الحرف والمعتقدات القديمة.

حديث عن السجود

العجيب جداً أن المرأة السامرية تسأل عن السجود والعبادة، “آباؤنا سجدوا في هذا الجبل وأنتم تقولون أن السجود في أورشليم”، يا للمراوغة والمغالطة فحياتها في عمق الخطية وتريد أن تناقش في أمور العبادة والسجود والأقتراب إلى الله!!.. أليس هذا هو الحال مع الكثيرين .. أسئلة كثيرة ومعلومات واستفسارات وتفاصيل العبادة ومناقشات واحتداد کثير .. ولكن المهم الحياة نفسها.

إن نفوس كثيرة تعيش في خطاياها ملتصقة بالعالم بخمسة أزواج وحياتها أبعد ما تكون عن الله. ولكن إذا جمعتهم الظروف بأناس روحيين أو جلسة دينية، فإنهم سريعاً ما يسألون أسئلة كثيرة، واستفسارات عن تفاصيل العبادة، ومناقشات واحتداد کثیر وتعصب، ولكن هناك فاصل رهيب بين الكلام والحياة، يناقشون في كل شيء وكأنهم متدينون، ولكنهم كما قيل: “يكرمني هذا الشعب بشفتيه، أما قلبه فمبتعد عني بعيداً” أو كما قيل لهم: “يا أولاد الأفاعي کیف تتكلمون بالصالحات وأنتم أشرار”.

السجود بالروح

ولكن لننتبه كثيراً أن المسيح لا ينقاد للسامرية في مجادلات كثيرة، ولا محاورات كلام، هو ينقلها مباشرة إلى العبادة الحقيقية والسجود للآب بالروح لا بالكلام وبالحق لا بالباطل، فطالما حياتنا ملوثة بالخطية فباطل هو سجودها، وباطل هو كلامها. حقاً قال الرب: “إذا قدمت قربانك على المذبح وهناك تذكرت أن لأخيك شيئا عليك، أترك قربانك على المذبح واذهب أولا وأصطلح مع أخيك” .. الآب طالب مثل هؤلاء الساجدين له، الآب لا يفرح بنا لأننا نعرف معلومات ونناقش في أمور العبادة. ولكن يفرح بثمار الروح فينا وسجودنا لله بالروح القدس.

ما ابعد روح المسيح عن روح المناقشات الجافة والنميمة والمجادلات الغبية.

المسيـــا

قالت المرأة: “أنا أعلم أن مسيا الذي يقال له المسيح يأتي. فمتى جاء ذاك يخبرنا بكل شيء؟”. فقال لها يسوع: “أنا الذي أكلمك هو”. هنا نكتشف أمراً في غاية الأهمية في هذه المرأة أن أعماقها كانت تبحث عن المسيا فهي تعلم أنه يأتي، إنها في حالة انتظار ولهفة داخلية مع جميع المترقبين والمنتظرين خلاصاً لإسرائيل.

يا للعجب أن أعماق قلب السامرية كانت شيئاً آخر يختلف عن منظرها الخارجي، كانت حسب الظاهر إمرأة خاطئة غارقة في الشرور، ولكن في أعماقها كانت مترقبة مجيء المسيا المخلص.

إنها أشبه ما تكون بجوهرة ثمينة جداً، ولكنها ملقاة في طين الأرض، ووساخة الشهوات فقط، إذا استلمتها يد تاجر الجواهر الثمينة، يغسل ترابها ويزيل شوائبها ويظهر جوهرة غالية الثمن .. ليتنا لا نسيء الظن في نفوس كثيرة ونحكم عليها بسبب الإهمال الذي أصابها، وتراب الأرض الذي غطي جمالها.

فقط احضروا هذه النفوس للمسيح في مقابلة بسيطة ولقاء عند البئر في حر النهار، وانظروا عجباً عندما يخرج لنا المسيح کارزة عجيبة بإسمه، كما أخرج أيضا متى الرسول من مكان الجباية، وبولس الرسول بعد مقابلته في الطريق إلى دمشق.

الرب يسوع يدعونا للعمل

انظروا مجرد نظرة بالروح للنفوس التي حولكم تجدوها حقولاً أبيضت للحصاد، لا تحتاج إلى جهد ولا إلى تعب .. آخرون تعبوا ونحن دخلنا على تعبهم، نفوس كثيرة لا تحتاج أكثر من كلمة، تحتاج من يجمعها إلى حضن الآب، نفوس ناضجة، ولكن إن لم نمد أيدينا للعمل الروحي نضيع عليها فرصة للحصاد.

هلموا يا أخوة نعمل عمل الرب في حقله، ونضم حصاداً إلى كنيسته، ونجمع ثمراً للحياة الأبدية، لكي نفرح مع الذين زرعوا الكلمة في القديم والجديد ونأخذ أجرة الحاصدين من يد الرب الحنون.

 

الأحد الرابع من الصوم الكبير – السامرية للمتنيح القمص تادرس البراموسي

كل من يشرب هذا الماء يعطش أيضاً ( يو ٤ – ١ – ٤٢ )

جهلت هذه المرأة السامرية الرب يسوع وظنته أنساناً يهوديا محتاجاً إلى شربه ماء لإنعاش جسده لأنه كان قد تعب من سفر الطريق ومشى نحو ستة ساعات كاملة لكنها لو علمت من هو الذى يتكلم معها وإنه المسيح أبن الله. أي الله المتجسد الذى في يده قدرة لا تحد وحنو لا يوصف ولا يقاس لو علمت هذه المرأة ذلك لطلبت منه أن يعطيها ماء الحياة يقصد بالماء الحى كلمة الله الفعالة ونعمة الروح القدس ودعاه حيا لأنه يغسل النفس من أدناس الخطية وأقذارها ويجعلها مستعدة لاقتناء الفضائل ويروى ظماء النفس وغفران الخطايا والسلام مع الله طلب الرب يسوع من المرأة ماء لارواء جسده فوعدها بما لارتواء نفسها ويرتقى بها وبأفكارها من الأمور الجسدية إلى البركات السمائية والحياة الروحية. في كل هذا لم تدرك المرأة ما معنى الماء الحى وفكرت أن الماء الحى هو الماء الطبيعي لذلك قالت له . لا دلو لك والبئر عميقة من أين لك الماء الحى . أراد الرب يسوع أن يوضع لها مفهوم الماء الحى فقال لها الماء الذى أعطيه أنا يصير فيه ينبوع ينبع إلى حياة أبدية .

الماء الذى يعطيه الرب يسوع ماء النعمة والخلاص ليحصل به الإنسان على البركات الروحية يروى ظماء نفسه ويتحد مع الله بمعرفة الحق وراحة الضمير أراد الرب يسوع أن يكشف لها عن خطاياها ليثبت لها إنه يعلم ما لا يستطيع أحد من الناس أن يعلمه سألها أذهبى وأدعى زوجك وهو يعلم أنه ليس لها زوج بل تعيش في الخطية رأى الداء الذى فيها فأراد أن يصف لها الدواء حينما تشعر أنه يكشف الداء الذى في داخلها كانت المرأة صادقة لم تنكر أنها تعيش مع رجل ليس زوجها لم يوبخها المسيح له المجد . أو يقول لها أنت زانية بل مدحها لصدقها وهذه أول طريقة للعلاج فوجئت المرأة انه يعرف عنها كل شيء ولا يحتاج أن توضح له ما بداخلها فقالت نرى أنك نبى هذه هي درجة أولى من أيمانها أعلم الرب المرأة بسيرتها الماضية ثم ابتدأ أن يعلمها روحانية العبادة ثم أوصلها إلى إعلانها الأخير أنه المسيح اضطربت المرأة بحرارة الأيمان وآمنت بالمسيح رباً وألهاً بعد أن كانت رافضة أن تعطيه شربه الماء أو يتكلم معها أو على الأقل تتجاوب معه من الفرح بعد أن آمنت بالمسيح تركت جرتها ومضت تبشر باسم المسيح المخلص قائلاً تعالوا أنظروا إنسان قال لى كل ما فعلت العله المسيح أبن الله وأمن بكلام المرأة كثيرون والذين أمنوا بكلام الرب يسوع نفسه كانوا أكثر وأكثر . وقالوا للمرأة ليس بكلامك أمنا بل رأينا وسمعنا أن هذا هو بالحقيقة المسيح مخلص العالم .

العظة الأولى

أ – علم الرب يسوع بما يكنه الفريسيين

ب – السعي الدؤوب لخلاص النفوس

ج – تعب الرب وطلب النعجة الضالة

د – مروى العطاش يطلب ليشرب

هـ – رفضته السامرية ولم تعلم بالعطية

و – وضع الدواء لعلاج الداء

ذ – الفرق العجيب بين المسيح ويعقوب

ح – السر المخفى عن عينى المرأة

ط – كلام الرب داخل إلى القلب

ى – طلب الماء ليهب الحياة

العظة الثانية

أ – الدخول إلى العمق وكشف الخفايا

ب – الاعتراف بالخطايا وكشف النوايا

ج – أراد أن تتحرر فلمس الجوهر

د – أول الأيمان النطق بالإعلان

هـ – من الأمور المخفية الاعتراف بالمسيا

و – تركت جرتها وتابت عن خطيتها

ذ – ملشرة بالكلمة وشاهدة للنعمة

ح – مكث هناك لينجيهم من الهلاك

ى – شهادة الجمع بالأيمان البديع

ط – امرأة – مبشرة صادقة

العظة الثالثة

أ – بار وأمرأة خاطئة واحتجاج

ب – افتخار بالأرضيات وعدم فهم

ج – تعب وسفر وهدف ومباحثة

د – طلب الخالق من المخلوق وعدم أستجابه

هـ – مباحثات بين القداسة والخطية

و – لمس اللب وأظهار الحب

ذ – الأرتفاع بالفكار وإعلان الأسرار

ح – صدق الكلام وطلب السلام

ط – معرقات الحياة وطلب النجاة

ى – انتظار المسيا والساعة الهنية

العظة الرابعة

أ – تعجب البشروإعلان الحقيقة

ب – شهادة الحق واحتمال الصعاب

ج – بئر وماء وعطش وجفاء

د – يهودى سامرية وجدال

هـ – أظهار الحق ولمس القلب

و – الاعتراف بالحقيقة وطلب المزيد

ذ – ساعة التوبة والاعتراف الصادق

ح – تقارب الأفكار وأظهار البار

ط – شهادة الحق ورفض الرذيلة

ى – نسيان الحق وأقتناء الفضائل

المرجع : كتاب تأملات وعناصر روحية في آحاد وأيام السنة القبطية ( الجزء الأول صفحة ٩٤ ) – القمص تادرس البراموسي

السَّامريَّة للمتنيح الأرشيدياكون رمسيس نجيب

نحو الساعة السادسة ومع لفحة حر شديدة..

في طريق وعرة وشاقة ، خرج كل منهما ليستقي..

كل على طريقته وبالاسلوب الذي يرويه..

هو ، ومعه البعض من تلاميذه..

وهي ، وحدها تحمل معها جرتها وتحمل أيضاً خطيئتها..

وسبق هو إلى هناك ؛ إلى بئر يعقوب..

وبينما يذهب التلاميذ ليبتاعوا طعاماً ؛ جلس هو على البئر..

جلس ، وباتضاع ، وحيداً ينتظر!

جلس ، يسمع من خلال خرير مياه البئر ، قصة يعقوب المليئة

بالتعب والحافلة بالخير جلس ، لا على وسادة ناعمة أو عرش ، فإنه

لم يطلب في حياته ، الحياة الناعمة ..

جلس ، وإذ كان قد تعب ، جلس « هكذا » !

ربما على الأرض ! وعلى صخرة بارزة تحمل تعب السنين.

وعلى أية حال فقد أحال تلك الصخرة منبراً يشهد من عليه ببشارة

الملكوت .

وكان عند البئر لقاء ، بل أعظم لقاء ، بين السيد المسيح والسامرية .

هي ، عند البئر وجدته عطشاناً ، ليس إلى الماء بل إلى خلاصها ..

فأشبعت المرأة جوعه ، وأراحته من عطشه ..

ارتوت هی منه ، وهو ارتوى بها ..

السامرية ومن تكون !؟

هذا هو الواقع الذي نبدأ منه ، قبل أن نسترسل في سرد أقدس حوار

، يعكس بين ثناياه ، صورة حانية ، لمعاملات المسيح له المجد مع

الخطاة متمثلة في حواره مع المرأة السامرية .

… بدأت السامرة بعيدة عن الله منذ نشأتها . فقد أنشأ فيها آخاب الملك

الشرير – ابن عمري الذي أسسها – بيتاً للبعل وسجد فيه للبعل ..

واتخذ هذه المدينة عاصمة . وصارت مركزاً لعبادة الأصنام .

ولما كان ملوك إسرائيل ضد مملكة يهوذا منذ نشأتهم خاصة ضد

سليمان بن داود وابنه رحبعام ، لذلك أهملوا تاريخ يهوذا وداود

ونسله .. وانتهى بهم الأمر إلى الاعتراف فقط بأسفار موسى الخمسة

وترك باقي أسفار العهد القديم .. واعتبر أهل السامرة كفرة في نظر

اليهود ، يحتقرونهم جداً حتى أنهم في إحدى المرات شتموا المسيح

قائلين : أليس حسناً قلنا أنك سامری وبك شیطان .

وكان اليهود ينظرون إلى السامريين على أنهم قوم غرباء ، ويبدوا

هذا من قول السيد المسيح ، حين شفى العشرة برص ، ولم يرجع

منهم ليعطى مجداً لله إلا واحد وكان سامرياً . فكان تعليق السيد : ألم

يوجد من يرجع ويعطى مجداً لله غير هذا الغريب الجنس ! .

وقد استحكم العداء بين اليهود والسامريين ، وصار طريق السامرة

يلفه الموت والدم ، وبلغت البغضة أشدها ، وصار اليهود يلعنون

السامريين. في مجامعهم ، لا يجالسونهم أو يؤاكلونهم !!

… على أرض السامرة هذه ، تم أقدس حوار .

وإلى هذا المكان ، جاء السيد يطلب خلاص السامرية ..

في هذا الأقليم المنبوذ الواقع على بعد ٥٠ میلاً شمالى أورشليم وعند

أهم موضع تاریخی فيه – بئر يعقوب –  الواقع في القاعدة الشرقية

للجبل ، تمت أحداث هذا اللقاء الخالد عبر التاريخ.

قصة إمرأة ساقطة قادها المسيح إلى التوبة ! وقصة شعب مرذول

آمن بالسيد واعترف : أن هذا هو بالحقيقة المسيح مخلص العالم .

صلة شاقة وشيقة

ترك اليهودية ومضى إلى الجليل – وكان لابد أن يجتاز السامرة.

فقد كان حبه العميق يجتاز كل الضرورات.

كان عليه أن يسلك الطريق الذي يحدق به الخطر ويلفه الموت

ويسمع فيه صوت الدم.

كان عليه أن يتحدث إلى إمرأة ، احتقرها الرجال و رذلها الكهنة فقد

كان تلك المرأة من السامرة – وقد عرفنا ما كان بين اليهود

والسامريين وزاد على ذلك أن تلك المرأة لم يقتصر أمرها على أنها

كانت فقط من السامرة ، وإنما كانت أيضأ خاطئة – كان لها خمسة

أزواج والذي معها الآن ليس زوجها !

ولم يكن ذلك بالأمر اليسير ! وبالرغم من كل الصعاب ، بقلب ينبض

بحب كل الخراف ، كان لابد له أن يجتاز السامرة ، ويأتي إلى

سوخار إحدى قراها ، حيث كان بئر يعقوب.

… إلى هذا المكان جاء السيد المسيح يرفض كل حياة ناعمة ،

ويطلب عملاً شاقاً ونشطاً . لم يتخذ الدواب وسيلة لنقله إلى ذلك

المكان – وقد كان هذا في مقدوره – وانما مثل رجل عطشان أراد

أن يرتوي ، سار رحلة شاقة حتى أدركه التعب .. ( من النهر يشرب

في الطريق لذلك يرفع الرأس ).

وكأنه أراد أن يعلم : على الإنسان ألا يطلب نفسه أو يحصر نفسه في

دائرة اهتمامات الجسد ، بل عليه أن يتحمل الصعاب ويختصر الكثير

من رغبات الجسد . لذلك كان يمضي وقته في البراري والجبال ،

نهاراً وليلاً ، يتعب ويشقى . للثعالب أوجرة ولطيور السماء أوكار

وأما هو فليس له أين يسند رأسه ! .

والحق يقال ، أنه قد علم تلاميذه هذا الدرس ! ذلك أن أحداً منهم لم

يفكر أن يحمل معه زاداً للطريق، أو ليس ما يدعو للدهشة، أنه في

الوقت الذي يستعد فيه الناس لتناول طعامهم ، يرسلهم ليبتاعوا طعاماً

!؟ ويبقى هو عند بئر يعقوب يتحدث إلى إمرأة خاطئة ومن السامرة

، ينتظر إلى أن يأتوا بالطعام.

جلس هكذا !

وإذا كان قد تعب جلس « هكذا » .

تأملوا : فقد كان جلوسه « هكذا » ناجماً عن تعب المسير وبسبب

شدة الحر .. هكذا جلس وحيداً ينتظر تلاميذه .. وكان يعلم جيداً أية

أخطار هي التي تحدق به وهو ماکث بين ديار السامريين ؛ ومع ذلك

فقد طلب خلاص نفس هذه السامرية ، وأراد أن يرتوي بإيمانها

ويرسلها إلى الحرية!

ماذا تعني كلمة « هكذا » !

ليس فوق العرش أو فوق وسادة ناعمة ، وإنما في بساطة جلس . ولم

يجد البشير يوحنا أكثر من هذه الكلمة ليعبر عنها عن بساطة السيد

ومحبته . ذلك الجالس فوق الشاروبيم وتحيط به الملائكة ، والحامل

الكل بكلمة قدرته ؛ يجلس « هكذا » .. ربما على الأرض أو على

صخرة بارزة أضنتها الأيام ! ولم يكن يهمه أن يجلس ، بقدر ما كان

يهمه أن يصل إلى إشتهاء قلبه الذي ينبض بحبنا . بحب الضال

والبعيد .. أنه يسعى في طلب الضال ، ويتعب مع الذي سقط ..

يتعب ذاك الذي يريح التعابي ، الذي به نتقوى ونحيا ..

ليت الخدام يتعلمون من سيدهم بساطة السلوك ، بغية البلوغ إلى

الهدف ؛ فقد صار البئر منبراً حياً يجتذب منه السيد قلب المرأة ،

وقلوب أهل السامرة جميعاً ليعرفوا أنه هو بالحقيقة المسيح مخلص

العالم !

وجاءت تستقى

وكان نحو الساعة السادسة حين جاءت لتستقي !

ولماذا كانت في تلك الساعة بالذات ؟

إنها ساعة تعبر عن ملء زمان لكل الخطاة ..

ومن أجلها تهلل الأنبياء وانشدوا ..

ففي تلك الساعة ، خرج السيد ، ينتظر ، ويشتهي خلاص كل أحد ..

خرج السيد تسبقه النبوة :

( روح السيد الرب على لأن الرب مسحنی لابشر المساكين أرسلني لأعصب منكسرى القلب لأنادی للمسبيين بالعتق وللمأسورين

بالاطلاق لأعزي كل النائحين .

لأعطيهم جمالاً عوضاً عن الرماد. ودهن فرح عوضاً عن النوح ورداء تسبيح عوضاً عن الروح اليائسة ).

وهكذا رأيناه متعباً ، لأنه يلبس الجسد.

وفي الساعة السادسة ، التي هي ملء زمان لخلاص كل أحد.

وإلى بئر سوخار ، فمن داخل هذا البئر يكون صراخنا : من الأعماق

صرخت إليك يارب ..

وجاءت هذه المرأة الغريبة الجنس لتستقي ، تحمل جرتها وتخفي

أثمها، فكان لقاء ، وكان حوار ، نلمس فيه محبة المسيح له المجد

للخطاة ، ونرى فيه ترفقه وحكمته حين يقودها إلى ينابيع الخلاص ،

حتى يعلن لها ذاته ، فتقبله وهو المسيا المنتظر ، المزمع أن يخلص العالم كله.

بادرها في دعوة فردية ، وسيبقى هو سيد هذه الدعوة :

– اعطني لأشرب.

تأملوا حكمة هذه المرأة ، واتضاعها فهي في ذكاء جعلت كلام السيد

لها فرصة للسؤال :

• كيف تطلب مني لتشرب وأنت يهودي وأنا إمرأة سامرية لأن

اليهود لا يعاملون السامريين !!

وربما من ملبسه أو من طريقة كلامه أدركت أنه يهودي ، وهكذا إذ

ظنته وقع في سهو ، يتخطى العرف السائد أو المألوف من العادات

حاورته في رقة لم تفقدها سلامها ، بل على النقيض من ذلك فإنها

أظهرت اتضاعها ، حين قدمت ذكر اليهود عن بني جنسها ، على

الرغم من العداوة القائمة بينهما : « لأن اليهود لا يعاملون

السامريين » اليهود أولاً !!

وبهذا أظهرت نفسها جديرة أن تسمع لا أن تهمل . لقد صارت هذه

المرأة الغريبة الجنس أفضل من اليهود ، فها هي تقترب إليه ، بينما

اليهود حين كان هو يقترب إليهم ، كان يدفعونه عنهم ويطردونه .

اليهود حين جاء إليهم .. دفعوه عنهم وأهانوه . والغرباء الجنس وإن

سلك طريقاً آخر يجتذبونه إليهم ..

وبينما يحسده. اليهود ، يوقره الغرباء .. فهل من المنطق أن يتغاضي

عنهم أو لا يسمع لندائهم !!

لذلك واصل السيد حديثه معها ، فقد قرر ساعة خلاصها . وذاك

الذي علم تلاميذه والجمع أن ليس ما يدخل الفم ينجس الإنسان بل ما

يخرج من الفم ، طلب أن يشرب من تلك المرأة السامرية ، وحين

أجابت في رقة ، أراد أن يرفع نظرها إلى فوق ، فاستطرد :

– لو كنت تعلمين عطية الله ومن هو الذي يقول لك أعطيني

لأشرب لطلبت أنت منه فأعطاك ماء حياً !

تأملوا : أن الذي سأل ليشرب ، بعد أن يهب الماء الحي ؟

والمرأة إذ تهزها الكلمات ، فإنها باستقامة قلب تنصت إليه وتلتفت

نحوه ، لا تفقد عذوبتها أو حكمتها ، وتجيبه بلطف :

– ياسيد لا دلو لك والبئر عميقة فمن أين لك بالماء الحي !؟

كانت كلمات السيد عن « الماء الحي » طريقاً لرفع نظرها ، فلا

تنظر إليه كمجرد رجل يهودي خرج بتخاطبه معها عن المألوف من العادات .

ومع أنه بعد لم يقدم الدليل على أنه يملك هذا الماء الحي فإنها جعلت

تتحدث إليه بكل احترام وتوقير ، وتلقبه « یا سید » فليس بدون

سبب تعطيه هذا اللقب ، لقد أظهرت لشخصه المبارك من الاحترام

والتقدير ما لم يستطع أن يفعله نيقوديموس حين تحدث مع السيد

بكلام تتماثل صعوبة فهمه مع هذا الحديث – عن الميلاد الثاني.

خاطب نيقوديموس السيد بكلمات عارية الزهو ، لا تخلو من روح السخرية الإزدراء ، قال للسيد :

– كيف يمكن أن يولد الإنسان وهو شيخ العله يدخل بطن أمه ثانية ويولد !

ولهذا وبخه السيد من أجل جهله وغلاظة قلبه قائلاً :

– أنت معلم إسرائيل ولست تعلم هذا ؟

أنه بالرغم من أن السيد المسيح يتحدث مع هذه المرأة السامرية

الجاهلة والغريبة الجنس ، عن الماء الحي . وهو أمر لم تدرك كنهه

بعد – إلا أن رقتها قد لازمتها وإن كانت بعد لم تعی معنی ما سمعت

. فقد كان السيد المسيح له المجد يتحدث عن أمر ما بينما حسبت هي

أنه يتحدث عن أمر آخر.

ولا عجب من أنها لم تستطع أن تدرك المعنى المختفي وراء كلمات

السيد فقد حدث أن فشل من قبلها – في أحاديث تتماثل في صعوبة

فهمها – نيقوديموس وكذلك التلاميذ ، هؤلاء الذين كانوا يعاينونه كل

يوم ويستمعون إليه كل يوم .

ولو أن المرأة السامرية ألقت جانباً رقتها وعذوبة حديثها له حين

سمعت يتحدث عن الماء الحي ، الأمر الذي لم تكن تدركه ،

وأندفعت في الرد دون تعقل ووقار ، وقالت له على سبيل المثال :

( إن كنت تمتلك الماء الحي ، فلماذا تسألني ماء لتشرب ؟ أما كان الأحرى بك أن تقدمه لنفسك فتتجنب بذلك مشقة السؤال ! ما أراك إلا رجلاً متباهياً ! )

لو أنها – مع الافتراض الجدلي – فعلت هذا .. فان جهلها بما يقوله السيد لها ، كان يشفع فيها حتماً .. لكن حوار السيد كشف لنا فيها ، عن عذوبة حديث واتضاع قلب لم يتأت لنيقوديموس وما حصل عليه حتى التلاميذ..

فها هي « أولاً » حين سألها أن يشرب ، لم تجاوبه في كبرياء أهل لالسامرة : كيف وأنت اليهودي المرذول من أمتنا ، العدو الغريب عن جنسنا تطلب مني لتشرب .. هيهات أن أعطيك ما تطلب !

وها هي « ثانياً » بعد أن تسمعه يتكلم عن الماء الحي ، تجاوبه في

رقة وتناديه : يا سيد . وكل ما فعلته أن اكتفت بالتساؤل الرقيق :

فمن أين لك بالماء الحي ؟ ثم بالاستطراد الذي يكشف عن بعد آخر

من أبعاد توقيرها واحترامها لمحدثها الذي لم تكتشف بعد من هو ؟!

وإن كانت كلماتها تشير إلى أنها كونت فكراً سامياً عنه :

– ألعلك أعظم من أبينا يعقوب الذي أعطانا البئر وشرب منها هو وبنوه ومواشيه!

تعالوا نتأمل وندخل إلى المعاني المختفية في كلماتها ، لندرك الفكر

السامي الذي ارتفعت إليه : فقد عرفت في محدثها أولاً أنه مجرد

رجل یهودی ، وها هي ترتفع كثيراً في نظرها . وتضعه في منزلة

أسمي من يعقوب ، هذا الذين يفتخرون بالانتساب إليه .. هكذا كان

تفكيرها :

( لقد استخدم يعقوب هذا البئر ولم يجد أفضل منها ليهبها لنا.

ومن المؤكد أنه استخدمها وشرب منها هو وبنوه ومواشيه ..

وليس من دليل يمكن أن يقدم ؛ أنه أعطانا هذا البئر وأستخدم أخرى

له ولبنيه .. وان كان الحال هكذا ، وان كانت هذه البئر بما تحمل من

رائحة يعقوب الذي نفتخر بالانتساب إليها تهبنا ماء نشرب منها ثم

نعطش .. فكونك تعدني بماء حي أشرب حی منه فلا أعطش ، هذا

أمر يجعلك أعظم من أبينا يعقوب ، فقد كان يملك ماء كل من يشرب

منه يعطش أيضاً .. أما أنت فانك تعطي ماء حياً كل من يشرب منه

لا يعطش !! العلك أعظم من أبينا يعقوب ! )

لم يكن تساؤلاً يخلو من الفكر العميق : ولم يكن تساؤلاً يمتزج

بالسخرية والإزدراء ! إن هذه المرأة الغريبة الجنس والجاهلة

الغارقة في ملذاتها ، استطاعت في حكمة ورقة أن تكون فكراً سامياً

عن محدثها ، الأمر الذي فشل فيه اليهود . فقد تكلم السيد المسيح

معهم عن الماء الحي ، وفي اليوم الأخير من العيد وقف وسطهم

ونادي : إن عطش أحد فليقبل إلى ويشرب . من آمن بي تجرى من

بطنه أنهار ماء حي ..أما اليهود فلم يلتفتوا إليه ، ولا طلبوا أن

يفهموا شيئاً ، كل ما فعلوه أنهم أرادوا قتله . وكانوا يريدون أن

يمسكوه !

وليس الحال هكذا مع هذه المرأة ، بل في حكمة ورقة ، وبصبر كبير

كانت تنصت لتفهم ، ولا في غضبة دنيئة قالت ولو حتى في نفسها :

( هذا الرجل مجنون ، يربطني في قسوة الحر ويشدني إلى البئر ،

وها هو يعدني بماء حي ، ولم يعطني شيئاً وكل ما يملكه الرجل ،

تلك الكلمات الكبيرة . ما هو إلا رجل متباه !)

إنها لم تفعل ذلك ، ولا نبض في فكرها هذا الخاطر ولا نبض قلبها

عن هذا الظن الشارد ، وانما تطلعت مع المكابدة والصبر حتى

وجدت ما كانت تبحث عنه.

.. ليتا !

( ليتنا نقتدي بهذه السامرية ونتعلم منها ! )

فقد كانت شغوفة جداً بأن تتعلم شيئاً مفيداً ونافعاً بالرغم من أنها

أقامت بجوار السيد ولم تعرفه بعد .

أي عذر يمكن أن نقدمه نحن الذين عرفناه ورأيناه ؟

لا عند بئر أو في صحراء يابسة !

ولا تحت وهج الشمس أو في لفحة الظهيرة ..

لكن في الظل الوارف حيث نجد راحتنا .

ليتنا نقف بجواره نستمع له .. فنستريح على كلامه ..

ليتنا نربط أنفسنا به كما فعلت المرأة السامرية .

فهو حتى الآن يقف وسطنا يتحدث إلينا فلنصغ إليه ..

ليتنا نسمع ونطيع ما يوصي به ويقوله لنا ويعلمنا إياه .

فهذه المرأة وقد شغلت نفسها بكلماته ، ذهبت للتو تدعو الآخرين

ليسمعوه ، بينما اليهود ما رغبوا في سماعه وما دعوا الآخرين إليه .

وحين شهد له الخدام ، اغتاظوا قائلين : هذا الشعب لا يفهم الناموس

، ملعون . كم هو ردئ أن نعيش هكذا ، بلا هدف .

ونحن حين نصرف الوقت الذي وهبنا إياه ، بلا هدف ، نرحل إلى

هناك تقاسی عذاباً أبدياً ..

لهذا هو أوجدنا في هذا العالم ، لنكون رسالة حية ..

ووهبنا الروح لنحيا يومنا في مخافته ..

وسيكون أعظم ما يشغلنا أن ندرك أبديتنا هناك ..

فنعمل لنضيء أبداً .. نشارك جوقة الملائكة ..

ونقف بجوار الملك ، خلال أعمار سنين لا تفسد .

القديس يوحنا ذهبی الفم

حكمة السيد !

تأملوا حكمة السيد وهو يقود المرأة برفق إلى الإيمان به .

فهو إذ يعطيها أولاً فرصة التحدث إليه كرجل يهودي . وهو إذ

يطلب منها أن تعطيه ليشرب ، أرادت أن تدفع عنها ذلك الطلب

وكمن تصحح خطأ وقع سهواّ ، كان حديثها : « كيف تطلب مني

لتشرب …. ؟».

وهو ثانياً تحت جلال وعده بالماء الحي ، يعود فيذكرها بالبطريرك

الأول يعقوب الذي تنتسب إليه أمتها وتفخر بذلك ؛ وحينذاك ينساب

إليها من كلماته أنه أعظم من أبيها يعقوب ! وها هو يجيبها في حكمة

، بعدما عرفت فيه من هو أعظم من يعقوب ، فلم يقل لها : نعم أنا

أعظم من أبيك يعقوب ، خشية أن يظهر نفسه بتلك الإجابة الصريحة

أنه متباه ، وخاصة أنه لم يكن قد قدم بعد الدليل على ذلك . ولم يقل لها ببساطة :

أنني سأعطيك الماء ! بل أجابها :

– كل من يشرب من هذا الماء يعطش أيضاً . ولكن من يشرب

من الماء الذي أعطيه أنا فلن يعطش إلى الأبد ، بل الماء الذي أعطيه يصير فيها ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية .

فهو حين يلقى جانباً بالماء الذي يعطيه يعقوب ، ويطري على الماء

الذي يعطيه هو ، إنما كان يريد أن يدلل على عظمة طبيعة الأشياء ،

ذلك أنه من طبيعة الأشياء التي توهب أن تظهر عظمة معطيها ..

وكأن السيد المسيح أراد أن يقول لها :

(… أنكم يا أهل السامرة معجبون بیعقوب لمجرد أنه أعطاكم ماء

تشربون منه ثم تعطشون ! فكم وكم يكون إعجابكم بي ، حين

تستقون منی ماء فلا يعود العطش يؤذيكم !؟ إنكم

بالضرورة.ستدركون أني أعظم من أبيكم يعقوب ! )

هذه هي حكمة السيد المسيح الصائبة . فهو حين يسمعها تقول

ألعلك أعظم من أبينا يعقوب ! يترك الكلام عن يعقوب ، ليتحدث عن

الماء الحي الذي كل من يشربه لا يعود يعطش أيضاً . وها هو في

إتضاع يتكلم، فحين وضع في المقارنة الماء الذي أعطاه يعقوب

وذلك الذي يهبه هو ، ما كان يقصد أن يقلل من شأن يعقوب ، بل

أراد – وصولاً إلى الهدف وبلوغاً للغاية – أن يظهر امتياز الماء

الذي وعد به ..

لهذا وهي بعد غير فاهمة تتخبط في هواجسها الحسية ، وإذ تعتبره

يتكلم عن ماء مادي ملموس ، قالت في سذاجة :

– يا سيد أعطني هذا الماء لكي لا أعطش ولا آتي إلى هنا لأستقی ..

كانت هذه المرأة تحمل جرقها وكأننا بها تحمل شهواتها ، وإذ تلقى

بها في بئر لتُعب من ماء مسرات العالم تعود فتعطش ثانية .. وهكذا

كل من يشرب من ذلك الماء السفلي ويتلذذ بمسرات العالم التي في

ظلمة العمق من البئر يعود أيضاً على لظى العطش . فكيف يكون له

نصيب الإرتواء وهو يستقي بأواني الاشتهاء ! أما الماء الذي يعطيه

هو .. فان الذي يستقى منه لن يعطش إلى الأبد ، لأنه هكذا من نهر

نعمته يسقيه . لأن عنده ينبوع الحياة .

أي ماء إذن يمنحنا هو !

إنه الماء الذي ينبع إلى حياة أبدية ! فكيف يعطش الذي يروون من

دسم بيته الراسخ .. إنه الماء الحي الذي يطفيء فيهم ذلك العطش !

إن الذي وعد به مخلصنا الصالح تلك المرأة ، هو الغذاء الكامل ،

ملء الروح القدس  .. لكن المرأة بعد غير فاهمة ، فيكف يكون في

مقدورها أن تجيب !؟ ولهذا في سذاجة سألت : أعطني هذا الماء لكي

لا أعطش ولا آتي إلى هنا لأستقي !!

الرغبة تدفعها إلى الشقاء

وضعفها يتوسل إلى التعب

تأملوا كيف ترتفع تدريجياً لتكون فكراً سامياً عن السيد ..

هى أولاً ظنته مجرد رجل يهودي يتعدى الناموس ولكن حين سمعته

يتحدث عن الماء الحي حسبت أنه يتكلم معها عن ماء مادي . وآمنت

باستقامة أن الماء الذي يعطيه يزيل العطش ، وأن كانت بعد لا

تعرف كيف يتم ذلك . إنها كانت لا تزال غير فاهمة وتحتاج إلى

إيضاح إلى أي نوع من العطش كان يقصد . وبينما السيد يرفع عقلها

بما وعد ، كانت لا تزال تتخبط في تعبيرات الحواس ، فقد كانت

تجهل تماماً تعبيرات الروح ، لكنها على أية حال أظهرت نفسها أنه

ا مطيعة . أن تلك المرأة لم تكن ذات سجية بسيطة ، كما أنها لم تكن

تميل إلى النزاع ولذلك التمست منه الماء !

لقد قال السيد المسيح مرة لليهود : أنا هو خبز الحياة من يقبل إلى فلا

يجوع ومن يؤمن بي فلا يعطش أبداً .. وشتان بين ما بدر منهم إذ ما

قورن بما حدث منها . فهم الذي عاينوا معجزاته ودهشوا من أعماله

، رفضوه ورذلوه وانصرفوا عنه . أما تلك المرأة المطيعة فانها دون

أن تعرف من هو ، دون أن تلمس معجزاته ، أو حتى دون أن يقدم

دليلاً على صدق كلامه ، آمنت واذعنت وسلمت . وبالرغم أن حديث

السيد معها كان بدون تحفظ وبأكثر افراط ، فقد أظهرت طاعتها ..

بينما أظهر أولئك حقدهم ورفضهم له.

طوباك أيتها الخاطئة ، التي حسبت مستحقة أن يعلن لك عن ذاته.

طوباك فقد صرت أكثر حكمة من نيقوديموس ، وتقدمت عن اليهود

طوباك وان كنت بعد تتخبطين في تعبيرات الحواس ، لكنك تظهرين

صبرك ومثابرتك وتؤكدين طاعتك وقبولك لكلامه ..

( هذه المرأة كانت ترمز إلى الكنيسة وإن كانت بعد لم تتبرر .. لكن

هي في طريقها إلى ذلك . لقد أتت إلى حيث كان السيد فكان بينهما

ذلك اللقاء الذي أفاض عليه السيد من قدسية الحوار.

إن تلك المرأة السامرية كانت أجنبية لا تنتمي إلى أمة اليهود !

شأنها شأن باقي جنسها معشر السامريين فهم أغراب وإن سكنوا

في أراض مجاورة .

انني أتكلم بمزيد من الشجاعة ! ألم يصف السيد ذاك الذي شفی من

بين العشرة برص فعاد ليعطی. مجداً لله : بأنه غريب الجنس !

إن هذا مطابق لصورة الحقيقة . أن المرأة التي تحمل شکل

الكنيسة تأتي من الغرباء ، من الأميين وليس من اليهود.

فمن خلال هذه المرأة ليتا نسمع أنفسنا ومن خلالها ليتنا نتعرف

ونكتشف نفوسنا وفيها نعطي شكراً لله من أجل نفوسنا ..

هي أولاً كانت رمزاً لها ، ثم صارت أخيراً الحقيقة ذاتها ، لأنها

آمنت به . وتلك التي جعلها الله رمزاً قبلنا لنراه ، جاءت لتستقى

ماء ، كما يفعل الناس ، سواء كانوا من الرجال أو النساء .. ).

برهان السيد

ها هو يوشك أن يطلعها على سر الماء الحي ، وينقلها لترتفع فوق نفسها :

– اذهبي وادعي زوجك .. والمرأة في ضعف أرادت أن تسدل الستار عن الجانب المخجل من حياتها فقالت في اقتضاب وابتسار : ليس لى زوج ! ولما أرادت السامرية أن تحد نفسها باعتراف منقوص ، أعمل السيد تعنيفه

وكشف لها بوضوح عن كل شيء ! إنه يضع يده على الجرح ليطببه ، فيذكر لها جانبين من حياتها ، فهو وان كان قد استحسن صدقها الناقص ، إلا أنه عدد أزواجها السابقين وذكر أن الذي معها الآن ليس زوجها .

– حسناً قلت ليس لى زوج لأنه كان لك خمسة أزواج والذي لك.الآن ليس هو زوجك . هذا قلت بالصدق .

يسوع في معاملته للخطاة ، لا يدعنا نسترسل معه في حوار أو حدیث ، دون أن يواجهنا بحقائق حياتنا المباشرة ، ويسألنا عن

جراحاتنا الخفية !!

يسوع يطلب إقراراً بالخطيئة . وحين نحاول إخفاءها يواجهنا بها :

( اذهبي وادعي زوجك ) ! لأنه كما قال السيد : ليس خفي لا يعلن

ولا مكتوم إلا ويظهر . لهذا قال السيد المسيح لمفلوج کفر ناحوم : « یا بنی مغفورة لك خطاياك »، قبل أن يهبه الشفاء . ويقول له ( احمل سريرك وأمش )  . ذلك لأن مخلصنا الصالح يطلب منها الإقرار بالخطيئة ويهتم بأن يخرج الخطيئة من مکمنها المظلم

كشرط أساسي لاستحقاق نعمة الشفاء وهبة الخلاص .

هنا يكشف لها السيد عن سرها ، عن ماضيها ، وكأنه يقرأ حياتها ..

وهذا برهان بسيط أراده السيد لكي يرفع نظرها فتكون عنه فكراً

سامياً. ولئن كانت المرأة لمجرد الوعد بالماء الحي ، رأته أعظم من

أبيها يعقوب ، فانه هنا وقد أذاع عليها سرها الذي تكتمه بين

ضلوعها ، إذاعة بشيء من التعنيف – فإنه في الوقت نفسه جعلها

تقابل برهانه وتدليله بوداعة نادرة فيواتيها التصديق الخالص بأنه

نبي – وتقول :

– ياسيد أرى أنك نبي !

هي في وداعتها تعترف به نبياً وتزداد تعلقاً وإيماناً به .. وهو حين

عنف اليهود كان كلامه بالنسبة لهم كلاماً عاماً ، أما هنا فواضح أن

تعنيفه لها يمسها وبشكل مباشر . وبالرغم أن هذا كان يجعلها أكثر

حرجاً وألماً ، إلا أنها في غمرة فرحتها وإعجابها ، داست على

جروحها وارتفعت أكثر فوق كبريائها وقالت بل وصدقت : أرى أنك نبی !

تعالوا نتأمل وداعة هذه المرأة وقبولها السريع للسيد ..فهي لمجرد أنه أعلن لها جانباً خفياً في حياتها صدقت ورأت فيه نبياً

.. ان السيد وإن كان قد كشف للسامرية ما كان مخفياً من حياتها فإنه

فعل مع اليهود أكثر من هذا بكثير .. إذ شفي مرضاهم وأقام موتاهم

.. قرأ ما كان يخطر في قلوبهم ، وعرف ما يدور في دواخلهم .

فقال لهم مرة : لماذا تطلبون أن تقتلوني !؟ أيهما أعظم من حيث

قيمته ، أن يذكر للمرأة ما خفى من حياتها – وإن كان يعرفه البعض

منهم ، على الأقل الذين شاركوها الإثم – أم أن يقرأ ما يخطر في

قلوب اليهود من أفكار فيفضحها من طيات الكتمان ؟

وشتان بين ما حدث من المرأة وبين ما صدر عنهم .

هي ، صدقت وآمنت أنه نبی وأما هم، فانهم لم يكتفوا فقط بعدم

التصديق والتزام الصمت، لكنهم أهانوه وقالوا له : بك شيطان من

يطلب أن يقتلك !؟

…. حسناً يقال عن تلك المرأة السامرية أنها ذات سجية ليست

ببسيطة ، وان كانت مطيعة . أنها كانت غير مندفعة ولا تميل إلى

النزاع ولندقق في كلماتها ، وكلام اعترافها ، فنجد أنها وفي غمرة

فرحتها وإعجابها به ، تقرر في حذر وتقول :

– أرى أنك نبي !

وماذا تعني كلمة ( أرى ) .. أنها تعني ( أنك تبدو لي !! )

ومع هذا ، وحين توقعت هذا ، سرعان ما نسيت مطالب الجسد ،

وارتفعت فوق رغباتها ، فوق اهتمامات الجسد ، وبدأت تسأله عن

اهتمامات الروح !

– أباؤنا سجدوا في هذا الجبل وأنتم تقولون أن في أورشليم الموضع الذى ينبغي أن يسجد فيه !

.. تأملوا كيف تسامت أكثر في أفكارها ..

تلك التي كانت في شغف تطلب الماء المادي ، تسأل الآن حول

التعاليم السامية .. عن السجود والعبادة !

ولمجرد أنها عرفت فيه أنه نبي ، ارتفعت فوق نفسها ليتنا نخزى

ونخجل !

تلك التي كان لها خمسة أزواج.

والتي جاءت لا لتطلب الروحيات وإنما لتستقي ، جاءت مع وقت

الظهيرة .. ولم يكن هذا عائقاً لها عن أن تسأل ، ولمجرد أنها أدركت

فيه أن النبي ، شغلت نفسها باهتمامات الروح.

يسوع يعلن ذاته

يا إمرأة صدقيني انه تأتي ساعة لا في هذا الجبل ولا في أورشليم

تسجدون للآب.

لا في الجبل ولا في الهيكل ..

وأنتم يادعاة الجبل تتباهون بالمكان ، تدعون عبادتي وأنتم بعد

تسجدون لأصنامكم.

هل تظنون أنكم وفي الصراع الدائر ، وحين تصعدون الجبل ، انکم

تكونون بمقربة مني ! حقيقة أني أسكن في الأعالى ، لكني أنظر إلى

المتواضعات . لأن الرب عال ويرى المتواضع أما المتكبر فيعرفه من بعيد .

ليتك أيتها المرأة لا تنشدين الجبل العالى . انزلي لتكوني بمقربة منه

. هو يعرف المتكبر ولكن من بعيد .. ويكون أكثر بعداً عنه كلما

ارتفع في نظر نفسه .. صدقيني ! إن لم تؤمنی فكيف تأمنين !؟

وأنتم يا دعاة الهيكل .. ربما تتفوقون في أسلوب العبادة لكنكم لا

تزالون ترفعون الأيادي ، وكأني لا أسكن إلا هنا . وأنا لا أسكن في

مصنوعات الأيادي . لا يحدني المكان والزمان . أنكم تخطئون في

فهم عبادتي . لقد آن لهذا الأسلوب أن ينتهی . وأنه قريب آت لا ريب

في هذا . هل تنشدون مكاناً مقدساً وسامياً .. أجعلوا قلوبكم هياكل

مقدسة لله . فأنتم هياكل الله وروح الله ساكن فيكم. هل ترغبون

العبادة في هيكل ؟ فاسجدوا بالروح في قلوبكم . ولكن كونوا أولاً

هياكل للرب ، لأنه يسمع الذين يصلون من هيكله !

صدقيني يا إمرأة !

إنه يتكلم عن مجيئه الشخصي للعالم . وما يفتخر به أهل السامرة أو يعتز به اليهود ، ليس بعظيم الشأن قدر ما هو مزمع أن يهبه لها الآن . قال لها السيد :

– تأتي ساعة وهي الآن حين الساجدون الحقيقيون يسجدون للآب بالروح والحق . لأن الله طالب مثل هؤلاء الساجدين له . الله روح والذين يسجدون لله فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا ..

ومن هم العباد الحقيقيون !؟

انهم الذين لا يحدون الله بمكان ..

يرفعون أيادي طاهرة في كل مكان بدون غضب ولا جدال ..

الذين يقدمون أجسادهم ذبائح حية مقبولة عند الله عبادتهم العقلية ..

هذه هى العبادة بالروح . فلقد صرف كل من اليهود والسامريين كل

اهتمامهم معطين في عباداتهم كل اهتمام للجسد ، مهملين جانب الروح.

ولقد آن للبشر أن يدركوا أنه ليس المهم تنظيف الجسد بل تنقية الداخل. ليس تطهيراً للجسد لكنه تنقية لما هو روحی .

يكفي ما قد تم من محرقات وذبائح ، فما كانت تلك إلا نماذج لما هو آت . فالآن ليس المطلوب أن تكرسوا ذبائحكم ، بل أن تكرسوا قلوبكم وحواسكم . إجعلوا ذواتكم محرقات مقدسة وذبائح حية . فعلى الإنسان الآن ، لا أن يقدم جسده محرقة ، بل أفكاره الشريرة . يذبح ويسلخ رغباته الجاهلة غير المعقولة . يذبح كل فکر جسداني.

ليقدم عبادة عقلية.

وإذ تصاب المرأة السامرية بدوار إزاء هذا التعليم الجديد ويكاد عقلها

يؤخذ من فرط ما أعلن لها من تعاليم سامية ، قالت وفي وعي مدرك :

– أنا أعلم أن مسيا الذي يقال له المسيح يأتي فمتى جاء ذاك يخبرنا بكل شيء !

وجاءت المرأة إلى نقطة توقعت فيها مجيء المسيح ! فقد تلقت عن

طریق کتب موسي التي تعتقد بها ، ما يشير إلى مجيء المسيا المنتظر ..

ويتوسل أحدهم ويقول : لماذا لم يستخدم السيد ما كتب عن مجيئه في

الكتب المقدسة وهو يقود المرأة إلى الإيمان به ؟! فقد أظهر خداع

نقوديموس وجهله ! وكان الحال كذلك مع نثنائيل . ولم يختلف الحال

كذلك مع اليهود الذين سألوه : ( إن كنت أنت المسيح فقل لنا جهراً )

– فكانت إجابة السيد لهم : أني قلت لكم ولستم تؤمنون .

الأعمال التي أعملها باسم أبي هي تشهد لي ولكنكم لستم تؤمنون

لأنكم لستم من خرافي ..

– أما هنا ومع المرأة السامرية .. فلأنها فقيرة جاهلة . وليس لها دراية بالكتب . فإنه كان يقودها إلى الإيمان به ، بالماء والنبوة

، ودون أن تطلب منه ذلك ، أعلن نفسه قائلاً أنا الذي أكلمك هو ..

فلتخزوا في أعين أنفسكم يا كل حكماء إسرائيل !

فقد كان لا يعوزكم المعرفة ، لكن كانت تنقصكم الإرادة والرغبة .

أنها امرأة بسيطة في فهمها ، لكنها كانت أكثر حكمة منكم ،

وباتضاعها أظهرت أنها أفضل منكم ! فاستحقت أن يعلن لها ما خفي

عن الحكماء والفهماء.

انها دون أن تطلب أعلن لها ، وسمعت وصدقت .. أظهرت عظيم

إيمانها به فخرجت تكرز وتأتي بالآخرين إليه .. لكن اليهود وكتبتهم

وحفاظ الناموس فيهم ، أغفلهم وعبر ..

ها هو الإنجيل يعبرهم إلى ملء الأمم .. لأنهم لا أرادوا أن يسمعوا

أو يفهموا . ولا صدقوا ! ولو رغبوا أن يتعلموا لكان لهم في تعاليمه

ومعجزاته ما يكفي !

لكنهم ليسوا من خرافه – كما قال عنهم : ( ولكنكم لستم تؤمنون لأنكم لستم من خرافي كما قلت لكم ).

كرازة المرأة

جئت لألقى ناراً على الأرض ..

كل هذا ليحضر لنا الرسالة مملوءة دفئاً وحرارة . وهيئ أذهاننا

للمخاطر وللصليب !

والمرأة وقد التهبت بكلماته ، تركت جرتها ، تحمل في قلبها لهيب

الرسالة ، تنادي بكل ما فيها من جهد واختبار :

– هلموا انظروا إنساناً قال لى كل ما فعلت ألعل هذا هو المسيح !

ولنتأمل « أولاً » حماسة هذه المرأة ودفء عواطفها :

فقد جاءت تستقي ماء ، وحين استضاءت بالبئر الروحية احتقرت

الأخرى المادية . أننا ننحني لها إجلالاً، فهي تعلمنا الدرس : إنه حين

نستمع إلى الأمور الروحية فعلينا أن نترك ما للعالم ! لننشغل بكل ما

هو روحي وعذب ! وما صنعه التلاميذ من قبل ، فعلته هذه المرأة

وبإقتدار أكثر ! فالتلاميذ حين دعوا للخدمة تركوا شباكهم ، لكنها

هي بدون دعوة وقبل أن تتلقى أمراً بذلك ، تركت جرتها واندفعت

في فرح تعمل عمل الإنجيليين .. ولم تفعل كما فعل فيلبس

واندراوس لتدعو واحداً أو اثنين ، لكن لتكرز إلى كل المدينة

وتحضرهم إلى المسيح .

ولنتأمل « ثانياً » حكمة هذه المرأة الممتزجة باتضاعها ..

فهي بفطنة زائدة ، وبنفس الأسلوب الذي به إجتذبها إليه السيد ،

کرزت للمدينة . فهي لم تقل : تعالوا شاهدوا المسيح . بل قالت :

هلموا انظروا إنساناً قال لى كل ما فعلت . وكما اجتذبها السيد بالنبوة

حين سرد لها جانباً من حياتها ظنته مخفياً عليه ، هكذا قدمته إليهم

نبياً قال لها كل ما فعلت ..

والحلاوة الاتضاع التي امتزجت به حكمتها !

فهي لم تخجل أن تعترف باثمها . وهي إذ تلتهب بنار الروح المقدسة

، لم تعد تلتفت إلى ما هو أرضى أو إلى مجد العالم ، لكن إلى شيء

واحد تثبت فيه نظرها ، النور الذي أضاء حياتها وشغلها تماماً ..

شغلها حتى عن نفسها .

إن حبه هو الذى يسبى القلوب فلا تعود تفكر إلا في حلاوة خالقها ..

تترك هذه النفوس كل شيء وتنتشي حباً بخالقها :

( أولئك الذين أشرقت عليهم بشعاع من حبك ، نزعوا كل.أفراحهم وذهبوا يلتمسون طريق الحبيب بدموع . بكوا لما وجدوا أنفسهم في الطريق غير مستأهلين لجمال المحبوب . نفضوا كل لذة جسمية

ونبذوا كل تمتع بشرى ، وأحبوا الشقاء والتعب ليحننوا قلب الحبيب

عليهم . ساعة أن أدركوا اشتهاء حب الوحيد ، ما صبروا أن يبقوا

في أفراح العالم لحظة . ولما لم يجدوا عندهم شيئاً يليق بتقديمه إليه ،

قدموا ذواتهم بالحب على مذبحه وأسلموا أجسادهم حتى الموت

فرحين إذ وجدوا شيئاً يقدمونه إليه . يجرون في طريق الأحزان بلا

شبع ويسرعون حاملين عذاباتهم . صلبوا الأعضاء مع الشهوات

مسرورين ، وشربوا مرارة المر متلذذين . آه منك أيها الحبيب ، لقد

سلبت منهم كل شيء حتى ذواتهم فلم يشعروا أنهم أحياء ، بل

المسيح هو الحى فيهم ).

يا للحكمة الفائقة التي كانت لهذه المرأة السامرية ؟ فقد تساءلت :

العل هذا هو المسيح ؟ فهي لم تعلن الحقيقة كاملة ، كما أنها لم تخفها

تماماً . هي لم تتكلم صراحة ، ولا بقيت صامتة . هي لم ترد أن

تقنعهم بقرارها ، بل عمدت – وكما آمنت هي حين شاركته الحديث

– أن يأتوا هم إليه ويشاركوه الحديث ! إنها لم تقل تعالوا ( آمنوا )

بل قالت تعالوا ( انظروا ) – وهي دعوة تبدوا أكثر رقة من الأولى

وأكثر فاعلية . إنها ذاقت من هذا البئر فارتوت . وهي أيضاً على

يقين من أنهم – إن آتوا – فسيذوقون ويرتون مثلها .

وكل ما كان عندها قدمته لهم ..

إنها لا تملك إلا أن تعرض اختبارها الخاص .. فتعرضه لهم في حب

وبغير خجل !

إنها تعطي لنا درساً هاماً وهو : كيف نقدم المسيح للآخرين ؟ فلنقدمه

هكذا كما قدمته ، ولكن بعد أن نكون قد ارتوينا من ينابيعه وذقنا

حلاوة حبه ، فلا يستطيع أن يكرز أحد بالمسيح إلا إن ذاق حلاوته ،

وشهد في قلبه رؤيا الإيمان ، عظمة حبه ، وأمسك بالحياة إختباراً

حياً يشهد ببشارة ملكوت السموات !

ماذا كانت النتيجة ! بعد أن دعتهم السامرية في أسلوب رقيق يمتلئ

بالحكمة .. كانت النتيجة ، وبأقل عدد من الكلمات ، وبدون تعليق :

فخرجوا من المدينة وأتوا إليه !

الزارع والحاصد معاً :

ليس ما يفرح قلب السيد ، قدر رجوع الذي ضل..

وليس ما يشبع أو يروي نفسه ، أكثر من تجمع الثمار لحساب الأبد

.. لهذا بقى بجوار البئر .. وجدته المرأة عطشاناً ، فسقته إيماناً ..

وظل هكذا .. وحتى على الصليب عطشاناً يريد أن يرتوی من إيمان

صالبيه . قال : أنا عطشان ! وهذا المحول الصخرة إلى غدران میاه

. الصوان إلى ينابيع مياه .. يذیب نفسه من أجلهم .

فماذا نسمي الصخرة وقد تحولت إلى ماء !؟ إلا الذي يؤمن به

ويستقی من الماء الذي يعطيه .. فهذا لن يعطش إلى الأبد ، بل الماء

الذي يستقيه من كف السيد يفجر فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية .

هذا هو طعامه : أن يذيب الصخر ويحيله إلى ينابيع مياه .. وهذا

إشتهاء قلبه ، أن يصنع مشيئة الذي أرسله ويتمم عمله ..

ومن هنا كان حديثه المقدس للتلاميذ :

سأله تلاميذه قائلين : كل يا معلم . فقال لهم : أنا لي طعام لآكل لستم

تعرفونه أنتم ! ولم يفهم التلاميذ ، فقد ظنوه يتحدث عن أمور جسدية

، تماماً كما فعلت السامرية . فلا نندهش أن كانت المرأة لم تفهم

قصده حين تحدث معها عن الماء ، فها هم جماعة التلاميذ الذين

شاهدوا معجزاته واستمعوا إلى تعاليمه ، لم يقدروا – ابتداء – أن

يفهموا كلماته ..

وكل ما فعلوه أن تهامسوا فيما بينهم ، وبقوا في تخوم حيرتهم

الممتزجة بوقار وخشوع قدسي تجاه معلمهم ، وتساءلوا فيما بينهم

وبين أنفسهم :

– العل أحد أتاه بشيء ليأكل !؟

وسمع السيد أفكار قلوبهم . وليس كما كان يتكلم إلى المرأة قائلاً «

اذهبی وادعي زوجك » ولكن باسلوب واضح وبكلمات صريحة

أكمل حديثه عن طعامه عساهم يفهمون :

– طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني واتمم عمله .

ولقد صنع مشيئة الآب وشرب من إيمان المرأة وتغذي بها . وها هو

ينتظر جموع أهل السامرة وقد رآها حقولاً أبيضت للحصاد ..

ويواصل السيد حديثه عن الحصاد ..

– أما تقولون أنه يكون أربعة شهور ثم يأتي الحصاد . ها أنا أقول ارفعوا أعينكم وانظروا الحقول أنها قد ابيضت للحصاد!

انظروا بأعين الروح والعقل لتروا جموع السامريين ، ها هي تقترب

تنتظر ساعة الحصاد . ألا ترون الحقول وقد أبيضت للحصاد ؟ إنها

إرادة الصلاح ، وقلوبهم المستعدة لقبول الخلاص ..

ارفعوا أعينكم وانظروا هذه الحقول وقد أبيضت للحصاد ، وها أنا

مزمع أن أرسلكم لتحصدوا ما لم تزرعوا ، لكي يفرح الزارع

والحاصد معاً ، لأنه في هذا يصدق القول : أن واحداً يزرع وآخر يحصد ..

– أنا أرسلتكم لتحصدوا ما لم تتعبوا فيه . آخرون تعبوا وأنتم قد دخلتم على تعبهم !

إلى أين يرسلهم كحاصدين ؟ إلى حيث علم من قبل الأنبياء ، أولئك

الذين زرعوا ؛ وها هي السامرية تقول : أنا أعلم أن مسيا الذي يقال

له المسيح يأتي .. فصارت ثمرة ناضجة ، يتهيأ المنجل لكي يقطفها

.. وهذا حق ، فمن الذي تعب إلا الذي زرع .. أنهم البطاركة الأوائل

الذين تنبأوا عن مجيء المسيح مخلصاً للعالم .. إنهم الذين زرعوا ..

وتألموا . ونظروا إلى المواعيد وحيوها من بعيد .. رقدوا على

الرجاء .. وانهم الأنبياء الذين احتملوا قسوة البرد وتقلب الفصول ،

حتى يحضروا هكذا الحصاد مستعداً في اليهودية والسامرة ..

وحين نضج الحصاد ، نسمع عن الألوف التي كانت بمجرد الكرازة

بالمسيح ، تؤمن وتعطى ظهورها للعالم ، وتضع تحت أقدام الرسل كل ما تملك ..

ولهذا يفرح الزارع والحاصد معاً ..

فقد كان هذا اشتهاء الزارع والأنبياء أن يجلبوا هذه النفوس للإيمان

بالمسيح ! ولو كان السيد يتحدث عن حقول وثماراً أرضية ، لما كان

الزارع الذي تعب ولم يحصد يفرح بالتساوي مع ذاك الذي يحصد

دون أن يزرع أو يتعب .. لكنها ثمار للحياة الأبدية , لحساب المسيح

، ولهذا يفرح الأنبياء والرسل ، من أجل تحقيق الكرازة وتجديد

العالم ، وامتداد ملكوت السموات .. إن الأنبياء والرسل يأخذون

أجرتهم معاّ : الحياة الأبدية.

أما قول السيد لهم : أنا أرسلتكم لتحصدوا ما لم تتعبوا فيه ، فقد كان

لأنه أراد تشجيع تلاميذه ، لكي يقدموا على الكرازة والخدمة بقلب

الأسد. لأنهم يقومون بالدور الأسهل ، ويجمعون الثمر المتكاثر

لحساب الأبد .. وكأني بالسيد يقول للتلاميذ :

« لقد حفظتكم وأرسلتكم لعمل أقل كداً وتعباً ، لكنه أكثر فرحاً وبهجة

.. ففي ساعة الحصاد يكون التعب أقل والفائدة أعظم !!

إيمان شعب مرفوض

جاء من أجل الفرد . وجاء من أجل الكل كذلك ..

وخرج يطلب خلاص نفس السامرية ، في الوقت الذي اشتهي

خلاص أهل السامرة .

هو اشتهاء قلبه أن الكل يقبلون ويخلصون .. وتشرق في قلوبهم

رسالة الحب والحياة .. وها هو يتحدث مع تلاميذه عن الحصاد ،

يطلب إليهم أن يرفعوا أعينهم وينظروا الحقول وقد أبيضت للحصاد

. وسرعان ما تتحقق الكلمات ، وتتجمع الثمار ، وتصير الكلمات

أحداثاً حية تتحرك ، وقلوب مستعدة تقبل رسالة الخلاص.

– فآمن به من تلك المدينة كثيرون من السامريين بسبب كلام

المرأة التي كانت تشهد « أنه قال لى كل ما فعلت »

ولقد تحدثنا طويلاً عن هذه المرأة ، فقد أدهشتنا بما أتت به من أفعال

وأقوال .. وها هي تكرز في حب ودون خجل ، في كثير من الأعجاب..

لیس لأن السيد أسدى إليها صنيعاً أو صنع معها معجزة . ولو حدث

هذا ، لكانت كرازتها نوعاً من العرفان بالجميل ، تستحق عليه الثناء

– لكنها ارتفعت أكثر فوق نفسها ، فقد كان الصنيع الذي أسداه لها

السيد هو أنه بكتها على خطيئتها وكشف عارها ، لا ليقودها إلى يأس

الهلاك ، لكن ليسقيها من ينبوع الحياة .. فكان إحساسها بالخلاص

يفوق حصولها على بركات زمنية، مهما عظم شأنها. ذلك أن تلك

البركات المؤقتة ليست رفيعة الشأن قدر ماهو غير مرئي وممجد..

فقد تركت كل ما هو محسوس مع جرتها والتمست أن تجتذب إليه

الأكثرين .. تجتذب إليه أهلها . ذاك الذي خلصها من قاع البئر

وظلامه !!

وسيظل إيمان هذا الشعب المرذول أيضاً موضوع تأمل الأتقياء في

كل جيل ، فهو لا يقل روعة وعذوبة في أسلوبه عما حدث معها ،

مع تلك الكارزة التائبة !!

وتعالوا معاً نحلل نقاط القوة في إيمان شعب مرفوض من اليهود ، لكنه مقبول لدى الله :

+ هؤلاء القوم آمنوا وصدقوا ، لمجرد أنهم سمعوا عنه من السامرية

!! وسألوه أن يمكث عندهم ، وخرجوا في طلبه ، وهم بعد لم يروا

معجزاته أو يسمعوا كلماته . وياله من إيمان عظيم طوبه السيد ..

لأنهم آمنوا ولم يروا !!

لقد برهنوا على أن إيمانهم كان ينبع من ضمير طاهر وأثبتوا أنهم

جديرون بالإعجاب.

+ وحين سمعوا كلماته يذكر لنا البشير هذه الكلمات : فآمن به أكثر

بسبب كلامه ، وقالوا للمرأة أننا لسنا بسبب كلامك نؤمن . لأننا قد

سمعنا ونعلم أن هذا هو بالحقيقة المسيح مخلص العالم !!

ويالهم من تلاميذ أتقياء مهذبين !!

فهم الآن إذ يدنون منه ويستمعون إلى كلماته وبدون آیات فإنهم

يعترفون بإيمان عظيم . وحين سمعوا السامرية تتحدث في كرازتها

لهم بنغمة يخالطها الشك ( ألعل هذا هو المسيح ! ) لم يجيبوها بأدني

كلمات تحمل معنی الشك أو الحيرة . فلم يقولوا ( نحن نتوقع أو نظن

ذلك !)، بل في يقين من أضاءت الشمس عينيه ، قالوا : ( نعلم

أن هذا هو بالحقيقة المسيح مخلص العالم ) . فقد ارتفع في نظرهم،

وليس إلى مرتبة رسول أو نبی .. بل إلى مرتبة المسيا المنتظر أن يخلص العالم .

ها هو حمل الله الوديع يجتذب العالم كله إليه ، ويزرع كلمته في كل

مكان يطلب بالحق خلاص كل أحد، ولا يقصر نفسه على دائرة

اليهودية .. وها هم السامريون يطلبون أن يمكث عندهم !! وحقاً ،

فإن الإنجيل الآن يعبر إلى ملء الأمم .. إلى كل جنس وأمة ..

ليصير العالم كله للرب ومسيحه !

بين اليهود والسامريين !

ليس هناك أردأ من الحسد والحقد .. كما أنه ليس أكثر ما يدعو

للخزي قدر الكبرياء والغرور. هكذا كان الحال مع اليهود : فقد كان

اليهود يتفوقون على السامريين في المعرفة ويعتبرون أنفسهم أكثر

إرتباطاً وألفة مع الأنبياء ..

ومع ذلك فإنه حين جاء إليهم السيد طردوه عنهم . وحين صنع بينهم

القوات حسدوه وحنقوا عليه وحين أخرج الشيطان في كورتهم طلبوا

أن ينصرف عن تخومهم !

ومع أن أهل السامرة قد سبقوا وطردوا السيد إلا أنهم عادوا فأقبلوا

إليه ، واجتذبوه ليمكث عندهم . وأظهرت هذه المرأة ، وأثبت هذا

الشعب ، أنهما جديران بالخلاص .. لذلك مكث السيد عندهم يومين !!

مكث هناك يومين !

مكث عندهم ، نجار الناصرة وواعظ الجليل ..

يسقيهم من نبعه ویروهم من دسمه..

هو ارتوی بها ، وآن له أن يشبع من إيمانهم ..

وها هو بكلمات حية ، يرفع قلوبهم إلى اختبارات وإعلانات ..

فیرقون إلى رؤية العيان ما خفي عن الحكماء والفهماء ..

وما أسدل الإنجيلى الستار عنه ، لنقترب إليه في خشوع ووقار.

نكتفي بالجلوس ننصت ونتعلم ، فهو الآن يتحدث إلى أرواحنا.. إلى كل الخطاة ..

ولنراجع أنفسنا ، وفي نهاية الدرس :

فيسوع يعرف أولاً بواسطة أصدقائه ..

ثم يكون الخلاص بالتقابل معه..

هكذا بشرت به السامرية . وهكذا تم اللقاء بينه وبين أهل السامرة .

إنها الكنيسة ( المرأة ) التي تدعونا فلنصغ إلى صوتها ، ونقبل

بفرح للتقابل معه ، فذاك الذي لم يكن له موضع يسند فيه رأسه ،

وجد في قلوب أهل السامرة مكاناً يستريح إليه ، ويمكث فيه هناك يومين !

هل هو حبه الذي اجتذبهم إليه !!

أم حبهم الذي أمسك به !!

أم حبه الذي تقابل مع احتياجهم فكان اللقاء . وكان الخلاص !

المرجع : كتاب معاملات المسيح مع الخطاة صفحة ١٢ – الأرشيدياكون رمسيس نجيب – بيت الشمامسة القبطي بالجيزة

لقد فات الأوان للأب فرنسيس لابيف

صالح هو الرب حصني في يوم الضيق وهو يعرف المتوكلين عليه  ( فا ١ : ٧ ).

عندما تحول حياة الخطية جميع جهود الانسان و مواهبه وقوته

وشجاعته إلى رماد سوف أتساءل: كيف يكون في الامكان جمع ذلك

الرماد وخلق كائن جديد يستطيع أن يأخذ مكاناً ملائماً ضمن الذين لا

يعرفون الخطية ؟! .

هكذا كتبت إحدى الشخصيات التي ذاقت مآسي الحياة و جذبت

حياتها الخطية ووقفت على قمة السنين یائسة، و وقعت على هذه

الرسالة باسمها … « المسكينة سارة » لقد كانت المسكينة سارة

توصل من اجل النجاة من ظلام ليلها الأعمى، كانت تتحسس بخوف

لعلها تجد شخصاً ما يقودها إلى أشعة شمس الله، شخصا ما يستطيع

أن يزيح السحب التي أظلمت روحها . و بدأت تطلب إلى الله بشفاعة

العذراء مريم ملجأ الخطاة ، أن يكون اليوم مثل يوم جديد يأتي ولا

تنظر أبداً إلى الوراء ، ولكن كيف يحدث هذا بعد فوات الأوان ؟

هذه المسكينة بحكمها على قلبها الحزين قد فقدت هذا المنقذ الوحيد

… الا و هو ثقتها بالله . يا لقلة معرفة « سارة الخاطئة » عن

صديقها الدائم ومحبته الثابتة التي لا تنتظر سابق محبتنا . لقد نسيت

قصة المجدلية التي كانت حياتها الخاطئة على ألسنة الجميع،

وأصبحت قداستها يكرز بها عبر الأجيال ، لقد نسيت بطرس حينما

أنكر سيده بقسم وأقسم أنه لا يعرفه على الاطلاق ومع ذلك أصبح

فيما بعد رسول سيده والكارز باسمه على الأرض .

لقد نسيت المشهد في الجليل عندما نادی « صديقها الدائم » وقال: «

تعالوا إلى يا جميع المتعبين والثقيل الأحمال وأنا أريحكم » . فإذا

كانت خطاياك مثل القرمز من ستبيض كالثلج والصوف الأبيض .

نسيت أيضاً يسوع المصلوب وذراعيه الممتدين ونداءه قائلا : « انا

عطشان » . يسوع الإله المتجسد محب النفوس ، عطشان إلى

النفوس التي أخطأت فهم الحياة أمثال سارة الخاطئة – إلى النفوس

التي تحطمت بعجلة الحياة وتبعت اشباح الثراء ومباهج الحياة وكانت

معرضة أن تقول : لقد فات الأوان …

إن الحياة مملوءة بالمآسي واعظمها هو هذا النداء « لقد فات الأوان

» . ربما نكون قد بددنا حياتنا أو خنا محبة إلهنا لنا ، أو ربما قد

سيطرت على حياتنا آلهة كاذبة مؤدية إلى هلاكنا، او ربما قد نشرنا

الدمار في يقظتنا عندما تندفع بإرادتنا حيثما تنادينا مباهج الحياة او

محبة السلطة ولكن بالرغم من كل هذا فهو ينادينا كما فعل مع شعبه

في العهد القديم : « انا الله الصالح أمنح القوة في وقت الضيق

واعرف الذين يتكلون على لاني انا كما هو حتى في شيخوختك

وأقودك في كبر سنك ، أنا هو الذي صنعك وسأحملك ، سأحمل و انقذ »…

ربما تكون حياتنا مليئة بالأخطار ولكن « بحنان يده المثقوبتين »

سيعيد ما کسر ويداوي الجراح. فالخطيئة الوحيدة التي لا يجب

ارتكابها هي هذا النداء المخيف « لقد فات الأوان ».

يا ربی يسوع المسيح المحب لنفسي دون تزعزع إني أشعر أحياناً

أنه لا فائدة في محاولة جديدة … كم من مرة حاولت ولكن دون

جدوى ، ولكني أعلم انه من الخطأ انکار محبتك الدائمة وأعلم أن

أبشع خطية أستطيع ارتكابها هي فقد رجائی فیك وبالرغم من كل

هذا فإني أفقده أحياناً . یا ربى يسوع الحبيب من فضلك لا تسمح بهذا

، فبالرغم من شدة ضعف إرادتی و ضخامة خطيتي وابتعادی عنك

فلا تدعني ابداً أقول « لقد فات الأوان » – بل دعني أنظر كيف

تغرق نعمتك قلبی – نعمتك التي في الضعف تكمل .

المرجع : كتاب الصديق الدائم صفحة ٥  ترجمة السيدة إيزيس ميخائيل أسعد وتقديم المتنيح القمص بيشوي كامل

شرح المدلول الروحي واللاهوتي لبعض المعاني للمتنيح الدكتور موريس تواضروس

 المسيح

كلمة ( Christos ) تعنى الممسوح ، وكانت تطلق على الكهنة الذين كانوا يمسحون بالزيت ( لا ٤ : ٣ ، ٥ ، ١٦ ) . وكان يطلق على الأنبياء ” مسحاء ” الرب ( مز ١٠٥ : ١٥ ) وعلى ملك إسرائيل ” مسيح الرب ١صم ٢ : ١٠ ، ٢ صم ١ : ١٤ ، مز ٢ : ٢ ، ١٨ : ٥٠ ، حبقوق ٣ : ١٣ . واستعمل اللقب حتى عن كورش ” مسيحه ” (اش ٤٥ : ١) .

وفى العهد الجديد ، استعملت الكلمة مسبوقة بأداة تعريف عن الرب يسوع ، ويعتبر استعمالها كأسم وليس كلقب ( مت ٢ : ٤ ، أع ٢ : ٣١ ) ، بدون أداة تعريف ( لو ٢ : ١١ ، ٢٣ : ٢ ، يو ١ : ٤١ ) .

وفى مرات ثلاث ، كان اللقب يُقبل من الرب يسوع نفسه ( مت ١٦ : ١٧ ، مر ١٤ : ٦١ ) ، ٦٢ ، يو ٤ : ٢٦ ) . وأضيف الأسم ” المسيح ) على الأسم ” يسوع ” ( يو ١٧ : ٣ ) وانظر : أع ٩ : ٣٤ ، ١كو ٣ : ١١ ، ١ يو ٥ : ٦ . لقد استعملت الكلمة كاسم ، سواء مع أداة تعريف ( مت ١ : ١٧ ، ١١ : ٢ ، رو ٧ : ٤ ، ٩ : ٥ ، ١٥ : ١٩ ، ١ كو ١ : ٦ ) أو بدون أداة تعريف ( مر ٩ : ٤١ ، رو ٦ : ٤ ، ٨ : ٩ ، ١٧ ، ١كو ١ : ١٢ ، غلا ٢ : ١٦ ) ويستعمل الأسم أحياناً بدون أداة تعريف ليشير إلى المسيح الذى بروحه القدوس وقوته يسكن في المؤمنين ويشكل حياتهم بما يتفق معه ” وإن كان المسيح فيكم فالجسد ميت بسبب الخطية وأما الروح فحياة بسبب البر . وإن كان روح الذى أقام يسوع من الأموات ساكناً فيكم ، فالذى اقام المسيح من الأموات سيحيى أجسادكم المائته ايضاً بروحه الساكن فيكم ” ” رو ٨ : ١٠ ، ١١ ، ” مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فىّ ” غلا ٢ : ٢٠ ، ” يا أولادى الذين أتمخض بكم أيضاً إلى أن يتصور المسيح فيكم ” غلا ٤ : ١٩ ، ” ليحل المسيح بالإيمان في قلوبكم ” أف ٣ : ١٧ . وبالنسبة لاستعمال أداة التعريف مع الأسم ، فعندما يستعمل الأسم فيكون الحديث عن يسوع الذى هو ” المسيح ” أما اللقب بدون أداة التعريف فيكون التشديد على صفات المسيح وخصائصه وعلى علاقته مع المؤمنيين .

صدق – حق ( alytheia  )

١ – موضوعياً تعنى الحقيقة ، الحق ، الصدق ” أقول الصدق في المسيح ” (رو ٩ : ١) ، ” حق المسيح في ” (٢ كو ١١ : ١٠) ، وعلى الأخص بالنسبة للتعليم المسيحى ” ليبقى عندكم حق الأنجيل ” (غلا ٢ : ٥ )وعبارة ” حق الأنجيل ” هنا تعنى تعليم الإنجيل الصحيح في مقابل التعاليم الضالة . وفى (رو ١ : ٢٥) يقول ” استبدلوا حق الله بالكذب ” أي الحقيقة التي تختص بالله ، أو ” الله الذى وجوده هو حقيقة وصدق . وفى رو ١٥ : ٨ ، تعنى عبارة ” صدق الله ” أي أن الله صادق في تحقيق مواعيده . وتأخذ الكلمة معنى مطلقاً في العبارات التالية ” أنا هو الطريق والحق ” (يو ١٤ : ٦) ، ” قدسهم في حقك . كلامك هو حق ” يو ١٧ : ١٧ . ” أتيت إلى العالم لأشهد للحق . كل من هو من الحق يسمع صوتى . قال له بيلاطس ما هو الحق ” يو ١٨ : ٣٧ ، ٣٨ . وعن ما يقول في (أفسس ٤ : ٢١ )” كما هو حق في يسوع ” تشير إلى أن يسوع هو التعبير الكامل عن الحق . الحق في ملء معناه ، وهو ما يعادل قوله ” أنا هو الحق “

٢ – ذاتياً تشير إلى الحق ليس من جهة الكلام بل من جهة السلوك وتكامل الخلق ، وقد قيل عن إبليس ” لم يثبت في الحق لأنه ليس فيه حق ” يو ٨ : ٤٤ . وفى ٣ يو ٣ يقول ” حضر إخوة وشهدوا بالحق الذى فيك كما أنك تسلك بالحق ” .

والصفة ” alwthys بمعنى صادق ، حقيقى استعملت عن :

١ – الأشخاص ( مت ٢٢ : ١٦ ) ، (مر ١٢ : ١٤) ، (يو ٣ : ٣٣ ، ٧ : ١٨ ، ٨ : ٢٦) ، (رو ٣ : ٤ ). (٢ كو ٦ : ٨)

٢ – عن الأشياء ( يو ٤ : ١٨ ، ٥ : ٣١ ، ٣٢ ، ٦ : ٥٥ ، ٨ : ١٣ ، ١٤ ، ١٧ ١٠ : ٤١ ، ٢٩ : ٣٥ ، ٢١ : ٢٤ ، أع ١٢ : ٩ في ٤ : ٨ تى ١ : ١٣ ، ١بط ٥ : ١٢ ، ٢ بط ٢ : ٢٢ ، يو ٢ : ٨ ، ٢٧ ، ٣ يو ١٢ .

وهناك أيضاً الصفة alythinos  صادق ، حقيقى ، وقد استعملت عن :

١ – الله (يو ٧ : ٢٨ ، ٢٧ : ٣) (١تس ١ : ٩) ، (رؤ ٦ : ١٠ ).

٢ – عن المسيح (يو ١ : ٩ ، ٦ : ٣٢ ، ١٥ : ١ ، ١) يو ٢ : ٨ ، ٥ : ٢٠ ، رؤ ٣ : ٧ ، ١٤ ، ١٩

٣ – عن كلمات الرب (يو ٤ : ٣٧) ،(رؤ ١٩ : ٩ ، ٢١ : ٥ ، ٢٢ : ٦) .

٤ – عن طرقة (رؤ ١٥ : ٣)

٥ – عن أحكامه (رؤ ١٦ : ٧ ، ١٩ : ٢)

٦ – غناه ( لو ١٦ : ١١ ) .

٧ – الساجدين لله ( يو ٤ : ٢٣ )

٨ – عن التقدم بقلب صادق ( عب ١٠ : ٢٢ ) .

٩ – عن شهدة الرسول يوحنا ( يوحنا ١٩ : ٣٥ )

١٠ – عن المسكن الحقيقى ، الخيمه الروحية ( عب ٨ : ٢ ، ٩ : ٢٤ ) . وهناك الفعل….بمعنى يصدق ( غلا ٤ : ١٦ ) ، أف ٤ : ١٥ ) .

كذلك هناك الظرف alythws بمعنى : بالحقيقة ، حقاً ، بالحق ، يقينا ( انظر مت ١٤ : ٣٣ ، ٢٦ : ٧٣ ، ٢٧ : ٥٤ ، مر ١٤ : ٧٠ ، ١٥ : ٣٩ ، لو ٩ : ٢٧ ، ١٢ : ٤٤ ، ٢١ : ٣ ، يو ١ : ٧ ، ٤ : ٢٤ ، ٦ : ١٤ ، ٥٥ ، ٧ : ٢٦ ، ٤٠ ، ٨ : ٣١ ، ١٧ : ٨ ، أع ١٢ : ١١ ، ١تس ٢ : ١٣ ، ايو ٢ : ٥ ) .

المرجع : كتاب دراسات لاهوتية ولغوية في كتاب العهد الجديد ( الجزء الثاني صفحتي ٧٢ ، ١١٤) – دكتور موريس تواضروس – أستاذ العهد الجديد بالكلية الإكليريكية

 

من وحي قــراءات اليــوم

  • رآك الناس زانية بينما رآك هـو كارزة.
  • رآك التلاميذ إمرأة لكن رآك هو معلّمة وكارزة للرجال.
  • تواريت عن الناس خجلاً ولم تتصوّري أن يعطيك السيد إنطلاقة أقـدام المبشّرين.
  • أقصي ما تمنّيتيه هـو قـليـل من الماء لسدّ العطش، فصيّرك إلهك مسيح الحب ينبوع ماء يفيض إلى حياة أبـديــة.
  • إعتقدت أنّك مجهولة عنده وإندهشت، إذ هو يعـرف كل دقائق حياتك.
  • طلب إثنان من التلاميذ أن تحرق السامرة بالنار، ولكن نار الـروح حرقت كل العـداوة وصار الزناة بتوليّين.
  • أعطنا يارب، قلباً بلا جدران، وحباً يفيض غفران، وأحشاءً تتّسع لكل إنسان، وضميراً لايعرف الألـوان، وكلاماً لاهدف له سوى البنيان، وعيناً ترى النقاء في كل إنسان.
  • أعطنا أن نرى أعماقـك في الناس لا أشكالهم، وحقيقة من يكونـون لا ما يملكون، وما يمكن أن تفعله فيهم لا ما يفعلون، ومستقبل نعمتك فيهم لا حاضر آثامهم.

 

 

المراجع

 

[1]– تفسير المزامير ص ٦٩٥ القمص تادرس يعقـوب ملطي.

[2]Elowsky, J.C. & Oden, T.C. (2006). John 1 – 10 (The Ancient Christian Commentary on Scripture, New testament part IVa). Illinois (U.S.A) : InterVarsity press. Pages 141,145,146,155,156,164,165

ترجمة الأخ : كيرلس كامل مرقص – كنيسة رئيس الملائكة ميخائيل بأبو قرقاص.

[3]كتاب شرح إنجيل يوحنا للقديس كيرلس الاسكندري صفحة ٢٣٢ – ترجمة دكتور نصحي عبد الشهيد.

[4]رسائل اثناسيوس الرسولي عن الروح القدس  صفحة ٨١ – تعريب القمص مرقس داود.

[5]كتاب السامرية للقديس يوحنا ذهبي الفم –  صفحة ٢٢ – القس مكسيموس وصفي – كنيسة السيدة العذراء بمحرم بك.

[6]كتاب حديث الرب مع السامرية للقديس أغسطينوس –  صفحة ١٨ – ترجمة الراهب القمص مرقوريوس الأنبا بيشوي.

[7]– أي أنها كانت زانية، ومع ذلك فلكي يجذبها الرب إلى الإيمان به، أبرز فضيلة كانت فيها: فضيلة الصدق، لكي لا يجعلها تيأس من خلاصها.

[8]–  كتاب تفسير إنجيل يوحنا – الإصحاح السابع – القمص تادرس يعقوب ملطي.

[9] كتاب دراسات في الكتاب المقدس – انجيل يوحنا –  ص136 – للانبا اثناسيوس مطران بني سويف والبهنسا.

[10]كتاب: عظات مضيئة معاشة –  صفحة ١٠٢- إصدار مطرانية ملوي وأنصنا والأشمونين.

[11] – كتاب المنجلية القبطية الارثوذكسية – البابا تواضروس الثاني.

[12]كتاب تأملات روحية في قراءات أناجيل آحاد السنة القبطية – ص 289 – 294 – كنيسة مار جرجس سبورتنج