أحــد المخلع ( احد التـدبيــر الإلهي – زمـن الحـب والشفـاء)

“لِتَدْبِيرِ مِلْءِ الأَزْمِنَةِ، لِيَجْمَعَ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْمَسِيحِ، مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ، فِي ذَاكَ الَّذِي فِيهِ أَيْضًا نِلْنَا نَصِيبًا، مُعَيَّنِينَ سَابِقًا حَسَبَ قَصْدِ الَّذِي يَعْمَلُ كُلَّ شَيْءٍ حَسَبَ رَأْيِ مَشِيئَتِهِ” (أف ١: ١٠-١١).

[أيها الـرب إلهنا الذي من قبل رسلك القدّيسين أظهرت لنا سر إنجيل مجـد مسيحك … بارك خراف قطيعك واجعل هذه الكرمة تكثر هذه التي غرستها يمينك بالمسيح يسوع ربنا] (سر الكاثوليكون).

[يرتـد تدبيـر الاتفاق إلى الله الـواحـد، فإن الله واحد، الآب يوصي، والإبـن يطيع، والـروح القـدس يهب فهماً، الآب أراد، والإبـن فعل، والـروح القـدس أعلن، هـذا ما يوضّحه الكتاب كله] (القديس هيبوليتس الروماني)[1]

شــواهــد القــراءات

(مزمور عشية( مز٣٨: ١٢-١٣)، انجيل عشية (لو١٨: ١-٨)، مزمور باكر( مز١٠١: ١) ( مز١٠١: ١٠)، انجيل باكر (مت ٢١: ٣٣- ٤٦)، (٢تس٢: ١- ١٧)، (٢بط ٣: ١- ١٨)، (اع٢٦: ١٩-٣٢) ،( اع ٢٧: ١-٨)، (مز٣٢: ٥-٦)، القـدّاس( يـو٥: ١-١٨).

شــرح القـــراءات

هـذا الأحـد هـو أحـد تدبير الآب والإبن لكل نفس وللكنيسة المقدسة حال وجودهم على الأرض، وإستعلان زمن الشفاء الإلهي وأعمال الله الدائمة لأجل خلاصنا إلى وقت مجيئه وإنتهاء العالـم. “أبي يعمل حتى الآن وأنا أيضاً أعمل”.

يوضّح مزمور عشية وباكر أن البشر زائلـون، وأن التدبير الإلهي هـو الـدائـم في الكنيسة من جيل إلي جيل.

يبـدأ مزمـور عشية بتضرع النفس التي تدرك غربتها وأيامها القليلة على الأرض مثل كل من سبقوهـا.

“استمع صلاتي وتضرعي، لأني أنا غريب على الأرض ومجتاز مثل جميع آبائي”.

لذلك يحذّر إنجيل عشيّة من الظلم على الأرض ومن عمق تدبيره في طول أناته على الكل فالآب يتمهّل على الكل لأجل تزكيتهم وتنقيتهم والإبن يبحث عن إيماننا القـوي به والكنيسة تعي هذا التدبير في صلاتها الدائمة بلا ملل.

“أفلا ينتقم الله لمختاريه الذين يصرخون إليه النهار والليل وهو متمهل عليهم نعم أقول لكم إنه ينتقـم لهم سريعـاً ولكن إذا جاء ابن الانسان أترى يجـد الإيمان على الأرض”.

ويكمـل مزمـور باكـر بحقيقة دوام العمل الإلهي مع كل الأجيال.

“يا رب استمع صلاتي وليصعد أمامك صراخي، وأنت يا رب إلى الأبد ثابت وذِكرك إلى أجيال الأجيال”.

أما إنجيـل باكـر فيعلن تدبيرة مع الأمة اليهودية التي غرس فيها كرمته، وأعطاها شريعته وميّزها عن باقي الشعوب بوعوده لها، وإنتظر منها الثمار لكنها إستمرت في عنادها الذي إكتمل برفض إبنه بل وصلبه، ليعلن الله إتساع الكرم الإلهي في ملء الزمان ليشمل كل الأمم التي ستصنع الثمار المطلوبة.

“كان إنسان رب حقل غرس كرماً فأحاطه بسياج، وسلمه إلى كرّامين وسافر، ولما قرب أوان الثمر أرسل عبيده إلى الكرامين ليأخذوا أثماره، فجلدوا بعضاً وقتلوا بعضاً، فلما رأي الكرامون الإبن قالوا فيما بينهم: هذا هو الوارث، فأخذوه وأخرجوه خارج الكرم وقتلوه، فمتى جاء رب الكرم فماذا يفعل بأولئك الكرّامين، فقالوا له إنه بالـردئ يهلك الأردياء ويسلّم الكرم إلى كرّامين آخرين يؤدون له أثماره في حينه، ولذلك أقـول لكم إن ملكوت الله يٌنزع منكم ويسلم لأمَّه أخرى تصنع أثماره”.

ويـوضّح البـولس تدبير الإبن في مجيئه الثاني، وما سيحدث آخر الأيام قبل ظهوره الثاني من إرتداد البشر، وظهور ضد المسيح بعجائبه الكاذبة وخداعه للبشر الذين رفضوا خلاص الله بإرادتهم، وفي ذات الوقت يشجّع المؤمنين على الثبات والتمسّك بالتعليم الكتابي والتقليد الكنسي.

“لا يخدعنكم أحد على طريقة ما، لأنه لا بد أن يسبق الإرتداد أولاً ويظهر إنسان الخطيئة ابن الهلاك، وحينئذ يٌستعلن الأثيم الذي سيبيده الـرب يسوع بـروح فمه ويبطله بظهور مجيئه، الذي مجيئه بعمل الشيطان بكل قـوة وكل آيات وعجائب كاذبة وبكل خديعة الظلم
في الهالكين لأنهم لم يقبلـوا محبة الحق حتى يخلصوا أما نحن فيجب علينا أن نشكر الله كل حين من أجلكم أيها الأخوة المحبوبـون من الـرب فاثبتوا إذا أيها الأخوة وتمسكوا بالتقاليد التي تعلمتموها إما بكلامنا وإما برسالتنا”.

أما الكاثوليكـون فيعلـن تدبيـره الإلهي في الأزمنة والأوقـات وطول أناة الله على البشر لأجل خلاصهم ونجاتهم من الدينونة والتي يعتقـد الأشرار أنه لا توجد نهاية أو دينونة للبشر فيستمرون في عنادهم وقساوة قلوبهم.

“عالمين هذا أولاً أنه سيأتي في آخر الأيام قـوم مستهزئون يسلكون على حسب شهواتهم قائلين أين هو موعد مجيئه، ولكن أيها الأحباء ينبغي أن لا يخفى عليكم أمرٌ وهـو أن يوماَ واحداَ عند الـرب كألف سنة وألف سنة كيوم واحد، إن الـرب لا يبطئ بوعده كما يظن قوم أنه سيتباطئ لكنه يتأني عليكم، وهو لا يريد أن يهلك أحد بل أن يٌقبل الجميع إلي التوبة، ولكن سيأتي يوم الـرب كسارق الذي فيه تزول السموات بضجيج وتنحل العناصر محترقة  فإن كانت هـذه ستنحل فأي سيرة مقـدسة وتقـوى يجب عليكم أن تتصرفـوا فيها واحسبوا أناة ربنا خلاصاَ”.

لذلك يدعـو الإبركسيس الكل إلى التوبة والرجوع إلى الله ليس فقط اليهود بل كل الأمم أيضا.

“فمن ثم أيها الملك أغريباس لم أكن معانداَ للرؤيا السماوية، بل بشرت أولاً الذين في دمشق وأورشليم وأرض اليهودية كلها ثم الأمم أيضاً بأن يتوبوا ويرجعوا إلى الله عاملين أعمالاً تليق بالتوبة، لكني حصلت على عـون من الله وقفت إلى هـذا اليوم شاهداَ للصغير والكبير، ولم أقٌل شيئاَ غير ماقاله الأنبياء وموسى أنه عتيد أن يكون من أن المسيح سيتألم ويكون أول قيامة الأموات مزمعاً أن يبشر بنورٍ للشعب وللأمم”.

كما تشهد الكنيسة في كارزيها بهذه الإرادة الإلهية المقـدّسة لـرجـوع وخلاص الكل.

“كنت أصلّي لله أنه بقليل وكثير ليس أنت فقط بل أيضاً جميع الذين يسمعونني اليوم يصيرون هكذا كما أنا ما خلا هـذه القيـود”.

ويعلـن مزمور القـداس عن التدبير الإلهي في خلقة العالم ومحبته للبشرية وارادة الله من حياة البشر الـرحمة والحكم والعدل.

“يُحب الرحمة والحكم. امتلأت الأرض من رحمة الـرب”.

كما يعلن قوة كلمته التي تشدّد السموات والأرض وليس فقط المخلّع منذ ثمانً وثلاثين عام. “بكلمة الـرب تشدّدت السموات”.

ويختم إنجيل القـداس بمعجزة شفاء المخلّع وأعمال وتدبير الآب والإبن لأجل شفاء البشرية من شلل الخطية ومن كل آثارها بعد زمان الغـربة الطويل، جاء ملاك العهد (إبن الإنسان) لا ليحرّك المياه مرّة كل فترة بعيدة بل ليجعل مياه العهد الجديد (المعمودية) تتحرك دائما بفعل روحه القدّوس لتكون ماء طاهراً، ماء حميم الميلاد الجديد ماء البنوّة، لذلك يوضّح أيضاً الإنجيل دور الكنيسة في عملها الـدائم في البحث عن كل النفـوس المقيدة، والعمي والعرج والعسم بالـروح لكي تهبهم بفعل الـروح فيها الحياة الجديدة والخلاص والشفاء.

“فلما رأي يسوع هذا مضطجعاَ وعلم أنه قضي زماناَ كثيراَ، قال له أتريد أن تبرأ؟. أجابه المريض وقال: يا سيد ليس لي إنسان حتى إذا تحرك الماء يلقيني في البركة فبينما أنا آتِ ينزل قدّامي آخر، قال له يسوع: قم أحمل سريرك وامشِ فللوقت برأ الانسان وحمل سريره ومشى”.

كما يحذّر البشر من الخطية لئلا يكون لنا ما هـو أشر من الأمراض والأتعاب ألا وهـو الهلاك الأبدي، فالمرض إن كان في عيني الإنسان يبدو شراَ، فالمصير الأبدي هـو الأهم وهـو الأصعب والأشرّ لمن يستهين بمراحم الله.

“وبعد هـذا وجده يسوع في الهيكل فقال له ها قـد بّرئِت فلا تخطئ بعد لئلا يكون لك شر أكثر”.

ويعلـن ابـن الله تدبيره الدائم والواحد مع الآب لأجل شفاء البشر.

“فقال لهم يسوع: أبي يعمل حتى الآن وأنا أيضا أعمل”.

ملخّص القــراءات

مزمور عشية وبــاكـــــــــر البشر زائلون والتدبير الإلهي هـو الدائم في الكنيسة من جيل إلى جيل.
إنجيل عشيّـــة في التدبير الإلهي إزاء ظلم البشر الآب يتمهّل على الكل للتوبة والإبن ينتظر إيماننا القـوي به والكنيسة تستوعب هذا التدبير بصلاتها الدائمة.
إنجيل بـاكــــر تدبير الآب في إختياره للكرمة اليهودية وإتّساع الكرمة في ملء الزمان لأغصان من كل الأمم.
البـولـــــــــس في التدبير الإلهي تجاه سرعة مجئ الإبن للمؤمنين أن يأتي الإرتداد أولاً، وموقف الكنيسة أن تعلن عن مجد الثالوث وتتمسّك بتقليدها الحيّ المُسَلّم من الـرسل ولا تنشغل بالعلامات والأوقات.
الكاثـوليكــون في التدبير الإلهي تجاه حقيقة مجئ الابن لغير المؤمنين أن الـرب يتأنّي على البشرية لكي يقبل الجميع إلى التوبة.
الإبـركسيس إرادة الله هى رجوع الكل وخلاصهم وشهادة الكنيسة عن هذه الإرادة الإلهية وصلاتها لأجل تتميمها.
مزمور القـدّاس كلمة الله تشدّد المسكونة كلّها.
إنجيل القـدّاس دور الكنيسة أيقونة تدبير الثالوث في البحث عن كل النفوس المقيّدة والمريضة بالخطية لكي تعطيها الحياة الجديدة والخلاص والشفاء خلال حركة الـروح فيها في المعمودية كمدخل الحياة وفي باقي الأسرار لدوام الحياة.

 

الأنجيل في فكر آباء الكنيسة الأوائل[2]

  • بعد حدوث معجزة الجليل، يعود يسوع إلى أورشليم في أيام عيد الفطير” (إيريناؤس),هناك كانت توجد بِرْكة تُدعى بيت حسدا، لها خمسة أروقة، إشارة إلى أسفار موسى الخمسة.” (أوغسطينوس).”إن مياه المعمودية أكثر وفرة مِن مياه هذه البِرْكة.” (فم الذهب).”للذين عند البِرْكة كان ملاك ينزل؛ أما مِن أجْلنا نحن، فإن الروح هو الذي ينزل ليقدّس المياه للشفاء.” (أمبروسيوس).”سؤاله إياه يكشف حقيقة أنه هو الذي بيده السلطان على شفائه.” (كيرلُّس السكندري).”رغم ما كان يعانيه هذا الإنسان مِن شدة الألم، إلّا أنه لا يبدي شكوى؛ بلْ له بدلاً مِن ذلك رجاء.” (فم الذهب).”إن يسوع يشفيه بثلاث أوامر مَلَكيّة نافذة: “قُم” منعمًا عليه بالشفاء، (أوغسطينوس), “احمل سريرك”, و”امشِ” معلنًا تأكيد الشفاء.” (إفرام).”أو أن هذا كما لو كان يقول: حين كنتَ مريضًا، كان يحملك أقاربك؛ وها قد شُفيت الآن: فاحمل أنت قريبك.” (أوغسطينوس).”رؤساء اليهود لم يتّهموا يسوع بمخالفة الناموس في الشفاء؛ بلْ هم يتّهمون الذي شُفي بالقيام بعملٍ هو حمْل فراشه.” (أوغسطينوس).”كان بإمكان هذا المفلوج أنْ يرُدّ على افتراءاتهم بالخداع والحيلة، مُخفيًا عنهم أنه قد شُفي، لكي يظل بمنأى عن الأذية. إلّا أنه يقرّ بشجاعة معترفًا بشفائه.” (فم الذهب).”يسوع قد مضى، تاركًا لشهود مِن بينهم خيرَ شهادةٍ بها يشهدون عنه.” (فم الذهب).”في الخطة العظمى للأمور، لم تكن معجزة الشفاء بمثابة آية عظيمة، حيث أنه قد ترك بقية الذين عند البِرْكة بلا شفاء؛ إنما انشغال يسوع الأكبر كان شفاء النفس.” (أوغسطينوس).”ربما يكون هناك تفسير آخر؛ أَلَا وهو أن المسيح لم يجد مشكلة فيما سلف عن  الرجل مِن خطايا، بلْ شاء أنْ يحذّره وإيانا مِن الخطايا المزمع ارتكابها” (فم الذهب), “بما أننا قد شفينا لحياة جديدة مع الله، فينبغي أنْ نسعى لأنْ نظل أطهارا.” (غريغوريوس النيزيَنزي).”يسوع يثبت أن مشيئته ومشيئة الآب واحدة إذ أنه مساو لأبيه  في الجوهر ولا يمكن أنْ يعمل ضد الطبيعة التي فيها يشترك مع الآب.” (كيرلُّس، فم الذهب).”يعمل الابن كل ما يعمله أبوه، وهو ما يثبت وحدتهما في الجوهر.” (أوغسطينوس).”لكن حقيقة أن كليهما يصنعان هذه الأشياء تؤكِّد شخصيهما المتميزين في الثالوث” (أمبروسيوس)

    لا وجود لأي تعارُض بين مشيئتَي الآب والابن” (أمبروسيوس).

     

    “يُسرّ الابن بإعطاء المجد لأبيه بالأعمال التي يعملها، كذلك فإن الآب يُسرّ بإجلالنا لعظيم صنيع ابنه.” (باسيليوس).

    “ال”أمر الأعظم” هو القيامة: هذه القوة التي ليست لأحد إلّا الله وحده. هكذا ولأن يسوع هو الذي يقيم الموتى، فهو بهذا يبرهن على مساواته للآب.” (كيرلُّس السكندري).

 

الكنيسة في قــراءات اليــوم

إنجيل باكر المسيح له المجـد حجر الـزاوية وموضوع الكتاب.
البولس والكاثوليكـون علامات المجئ الثاني.
البـولس التقليد الكنسي.
البـولس الهيكل.
الكاثـوليكـون الجهاد والنعمة.
الكاثـوليكـون السموات الجديدة والأرض الجديدة.
الإبـركسيس قيامة الأموات.
إنجيل القـدّاس الإبن واحد مع الآب في الجوهر والمشيئة.

 

أفكـار مقتـرحـة للعظـات

(١) التـوبـة حسب قـراءات اليـوم

  • انصت إلى دموعي (مزمور عشية).
  • يصرخون إليه النهار والليل (إنجيل عشية).
  • يؤدّون له أثماره في حينه (إنجيل باكر).
  • فاثبتوا إذاً أيها الاخوة وتمسّكوا بالتقاليد (البولس).
  • فإجتهدوا أن توجدوا لديه في السلام بلا دنس ولاعيب (الكاثوليكون).
  • فتحفظوا لئلا تنقادوا بضلال الجهال (الكاثوليكون).
  • عاملين أعمالا تليق بالتوبة (الإبركسيس).
  • يحب الرحمة والحكم (مزمور القـدّاس).
  • فلا تخطئ بعد لئلا يكون لك شر أكثر (إنجيل القـدّاس).

(٢) النعمة والجهاد في قـراءات اليـوم

إنجيل عشية الله ينصف مختاريه لكنّنا نصرخ إليه النهار والليل.
إنجيل باكر الله يعطينا الملكوت وينتظر منّا الثمار.
البولس الله إختارنا باكورة الخلاص ودعانا للمجد ونحن نثبت ونتمسّك.
الكاثوليكون الله يعطينا نعمة معرفته لكنّنا نتحفّظ من ضلال الجهال.
الإبركسيس الله يفتقد الكلّ للتوبة لكن الخادم يصلّي دائما لأجل هذه النعمة.
إنجيل القدّاس الله يقيمنا دائما لكن نحذر من عدم التوبة.

 

(٣) أناة الله حتى مجيئه الثاني في قـراءات اليـوم

مزمور عشية توبة النفس إنتظاراً لمجئ الله الشخصي لها.
إنجيل عشية الله يتمهّل علينا ويفـرح بإيماننا عند مجيئه.
إنجيل باكر الله ينتظر ثمار الكرم من خدّامه ورعاته ليجازيهم وقت مجيئه.
البولس الكنيسة تعيش بتقديس الـروح وتصديق الحق وأمانة التقليد المقـدّس
الكاثوليكون أناة الله لا تعني تباطؤه في المجئ لكن لأجل توبة الجميع.
الإبركسيس شهادة الكنيسة لمجئ الـرب في كرازتها للناس بالتوبة.
إنجيل القدّاس رغم طول أناته لكنّه يأتي لسرير وجعنا ويقيمنا دون أن نطلب.

 

 

(٤) فضائل المفلوج

( ١ ) المثابرة

كيف ينتظر سنين هذا عددها دون إستجابة ومازال يرجو إستجابة السماء

وهذا ما يقوله القديس يوحنا ذهبي الفم في تعليقه علي آية ٥ :

” لأنه مَنْ من أولئك الذين يصارعون دائمًا مع الفقر، أو مِن أولئك الذين يعانون مرضًا عضالاً لا يأخذ عزاءً كبيرًا من قراءة مقطع الإنجيل المذكور أعلاه؟ لأن هذا المريض ظل ثمان وثلاثون سنةً مشلولاً وكل عام يرى الآخرين يشفون، بينما ما يزال المرض جاثمًا على صدره، لكن بالرغم من كل هذا لم يفقد شجاعته ولم ييأس. ولكن الحزن على ما فات، وغياب الرجاء في المستقبل كان يمكن أن يزعزعانه.”

( ٢ ) الإيمان

كيف يصدق قوة وسلطان من يتكلٍّم رغم أنه ” فلم يكن يعرف من هو ” يو ٥ : ١٣

( ٣ ) الطاعة

يحمل الفراش الذي يذكِّره بمرضه ووجعه ومعاناته سنوات طوال

وهذا ما يقوله القديس يوحنا ذهبي الفم عن إيمان المفلوج وطاعته

” لكن لعلك تلاحظ إيمان هذا المشلول. لأنه عندما سمع: احمل سريرك وامشِ، لم يسخر، ولا قال ما هذا الذي تقوله؟ عندما ينزل ملاك ويحرِّك الماء ويشفى واحد فقط، وتجيء أنت، وأنت إنسانٌ تظن أنك تستطيع أن تنجز شيئًا أكثر مما يفعله الملاك، بمجرد كلمة منك؟ لم يقل أي قول من هذه الأقوال السخيفة التي تستحق السخرية. بل ولم يطرأ شيء من ذلك على فكره، بل أطاع مباشرةً وقام. وإذ صار معافى أطاع أمر السيد: “فحالاً بَرِئَ الإنسانُ وحَمَلَ سريرَهُ ومَشَى.” ”

المرجع : عظة ٣٧ – ترجمة دكتور جورج عوض (من موقع مركز الدراسات الآبائية – نصوص آبائية ) بتاريخ ١٣ / ٤ / ٢٠١٣.

 

ويقول أيضاً ذهبي الفم في موضع آخر عن مثابرة المفلوج وإيمانه وطاعته :

+ مثابرة المفلوج مذهلة، له ثمانية وثلاثين عامًا وهو يرجو في كل عام أن يشفي من مرضه. لقد استمر راقدًا ولم ينسحب من البركة…

لنخجل أيها الأحباء، لنخجل ونتنهد على شدة تراخينا.

+ ثمانية وثلاثون عامًا وهو ينتظر دون أن ينال ما يترجاه ومع هذا لم ينسحب. لم يفشل بسبب إهمال من جانبه، وإنما خلال ضغط الآخرين وعنفهم ومتاعبهم. هذا كله لم يجعله متبلدًا. بينما نحن إن ثابرنا في الصلاة لمدة عشرة أيام من أجل أمر ما ولم ننله تهبط غيرتنا

+ في هذا الأمر اختبار لمدى طاعة المريض لذاك الذي يشفيه، وإيمانه به.

+ انظر إلى إيمان هذا المخلع أنه لما سمع من المسيح “قم إحمل سريرك وامشِ”لم يضحك، لكنه نهض وصار معافى، ولم يخالف ما أشار به عليه، وحمل سريره ومشى.

+ لم يخالف المخلع قول المسيح، لذلك شُفي في الحال وحمل سريره ومشى. وما كان منه بعد ذلك فهو أعظم بكثير، لأن قبوله ما أشار به المسيح في البداية لم يكن فعلًا مستعجبًا، إذ لم يكن له مغيث يغيثه، لكن لما أحاط به اليهود من كل جهة اشتد جنونهم ولاموه وحاصروه، وقالوا له: “لا يحل لك أن تحمل سريرك”. فلم يصغِ إلى جنونهم، لكنه نادى بالمحسن إليه في وسط محفلهم بمجاهرة كثيرة. اسمع ما قاله لهم: “إن الذي أبرآني هو قال لي احمل سريرك وامشِ”، فقارب أن يقول لهم: قد اشتمل عليكم الجنون إذ تأمروني ألا أحتسب من أراحني من مرض طويل معلمًا، ولا أطيع جميع ما يأمرني به.

على أن المخلع لو أراد أن يسيء فعله كان ممكنًا أن يقول قولًا غير هذا، كأن يقول: إن كان فعلي هذا خطأ فانسبوا الخطأ إلى من أمرني به. إلا أنه لم يقل هذا القول، ولا سألهم عفوًا، لكنه بصوت بهي أقر بالإحسان البالغ إليه، ونادى به بعزم واضح، قائلًا:”إن الذي أبرآني هو قال لي احمل سريرك وامشِ”.

المرجع : تفسير انجيل يوحنا ( الإصحاح الخامس آية ٦ ، ٩ ، ١١ ) – القمص تادرس يعقوب ملطي

( ٤ ) الشكر

العجيب أن أول مكان يذهب إليه بعد شفائه هو الهيكل ، وذلك لتقديم الشكر لله

( ٥ ) الشهادة للمسيح

وفي هذا يقول ذهبي الفم :

لأن المفلوج الذي تمتع بعافيته فقد صار شاهدًا بالإحسان الواصل إليه مؤهلًا للتصديق.

المرجع : تفسير انجيل يوحنا ( الإصحاح الخامس آية ١٣ ) – القمص تادرس يعقوب ملطي

عظـــات آبائية

معجزة شفاء المفلوج – عند القديس كيرلس الأسكندري[3]

(يو٥: ٥- ٦) “وكان هناك انسان به مرض منذ ثمان وثلاثين سنة. هذا رآه يسوع مضطجعاً، وعلم أن له زماناً كثيراً”.

إذ كان اليهود يحتفلون بعيد الفطير، الذي من عادتهم فيه أن يذبحوا الخراف في زمان الفصح، رحل المسيح من أورشليم، واختلط بالسامريين والغرباء، وعلَّم بينهم حزينا عليهم بسبب عنادهم.

وإذ عاد في عيد الخمسين المقدس (لأن ذلك كان الاحتفال الثاني في أورشليم)، شفى عند مياه البركة ذلك المفلوج الذي كان قد مضى وقت طويل على مرضه، إذ مضى عليه ثمان وثلاثون عاماً لكنه لم يكن قد بلغ العدد الكامل للناموس، أعني أربعين.

هنا إذا ينتهي سير القصة، لكن واجبنا أن نحول الدفة إلى تفسيره الروحي.

فكون يسوع يحزن ويرحل من أورشليم بعد ذبح الخراف، ويأتي إلى السامريين والجليليين، كارزاً وسطهم بكلمة الخلاص، فما معنى ذلك، سوى انسحابه الفعلي من بين اليهود، بعد ذبيحته وموته في أورشليم على الصليب الثمين، حين بدأ في النهاية يبذل ذاته بإرادته لأجل الأمم والغرباء، وراح يكشف عن ذلك لتلاميذه بعد القيامة. “ها هو يسبقكم إلى الجليل” (مت ۷: ۲۸).

لكن عودته مرة أخرى إلى أورشليم عند تمام اسابيع الخمسين المقدسة، إنما تشير كما في رموز وغموض، أن هناك بسبب رحمة مخلصنا ومحبته عودة له إلى اليهود في أواخر عصور هذا العالم الحاضر، وحينئذ فإن الذين خلصوا بالإيمان به، سيحتفلون بأعياد الآلام المخلصة الكلية القداسة، لكن كون المفلوج قد شفى قبل تمام زمان الناموس، إنما يشير بالرمز، إلى أن إسرائيل وقد غضب وجدف على المسيح، سوف يصبح عاجزا ومفلوجا يقضي زماناً طويلاً دون أن يفعل شيئا ما، ومع هذا لن تكمل عليه العقوبة، بل يتمتع ببعض الافتقاد من المخلص، وسوف يشفى هو نفسه عند البركة بالطاعة والإيمان.
لكن كون العدد أربعين هو الكمال بحسب الناموس الإلهي، لن يصعب عليهم تعلمه، لأنهم قد سبق أن قرءوا الأسفار الإلهية.

كان الدليل الساطع على منتهي صلاح المسيح، أنه لم يكن ينتظر توسط من المرضى، بل كان يلبي طلباتهم بحنوه ومحبته.

لأنه كما ترون، قد أسرع نحوه حيث يرقد، وتعاطف مع المريض الذي كان بلا راحة. لكن سؤاله عما إذا كان المريض يريد شفاءً، لم يكن من قبيل الجهل بشيء معروف وظاهر للعيان، بل سؤال من يريد أن يحرك الرغبة الجادة في الشفاء، ليثير فيه توسلاً باجتهاد أكثر.

إن السؤال ما إذا كان المريض يريد أن ينال ما اشتاق إليه كان سؤالاً عظيماً في طرحه وقوة تعبيره، إذ للمسيح السلطان على العطاء، وها هوذا مستعد أن يقدم الشفاء، إنما ينتظر فقط طلبة الذي يريد أن ينال النعمة.

 

شفاء الروح أولاً – عند القديس يوحنا ذهبي الفم[4]

اعتاد بعض اليهود الحاقدين أن يحسدوا أقرباءهم على البركات التى تُوهب لهم، محاولين إيجاد خطأ يوجهونه ضد السيد المسيح في صنعه للمعجزات فأحياناً من جهة الزمن (إنه كاسر للسبت) وأحياناً من جهة سلوك من تصنع معهم المعجزة “لو كان هذا نبياً لعلم من هذه المرأة التي لمسته وما هي (إنها خاطئة)” (لو7: 39)، غير عارفين أن هذه هي علامة الطبيب أنه يضم الضعفاء، ويراعى المرضى دون أن يجتنبهم، أويهرب منهم.

وهذا ماعبَّر عنه بقوله للمتذمرين: “لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى” (مت9: 12).

فلكى يصدهم عن توجيه الإتهامات ضده مرة أخرى، أكد قبل كل شئ أن الذين يأتون إليه

ينالون الشفاء بالإيمـان، فأعلـن انعزال الأول (أى له عذره فى عدم إيمانه) وكشف اتقاد إيمان الثانى وغيرته.

كذلك شفى الأول فى السبت والثانى فى غيرالسبت، حتى إذا ما اتهموه في المرة الثانية تنكشف نيتهم أنهم لم يتهموه (ككاسر للسبت) من أجل احترامهم لحفظ الشريعة، بل لأنهم لم يقدروا أن يضبطوا خبثهم.

ولكن لماذا لم يقدم للمفلوج الشفاء، بل قال له: “ثق يا بني، مغفورة لك خطاياك” (مت9: 2).

لقد صنع هذا بحكمة، لأن هذه عادة الأطباء أن ينزعوا أصل المرض قبل أن ينزعوا (أعراض) المرض ذاته. فكمثال: عندما تكون العين موعوكة بسبب مرض مفسد، فإن الطبيب قد لا يصنع بالنظر شيئاً، بل يهتم بالرأس الذي عن طريقه أصل الضعف.

هذا ما صنعه الرب يسوع، إذ أزال أولاً مصدر الشئ، لأن الخطية هي أصل لكل الشرور ومصدرها، هذه التي (قد) تتعب أجسادنا. لهذا قال له: “ثق يا بني، مغفورة لك خطاياك” وفي موضع آخر قال: “ها أنت قد برئت فلا تخطئ أيضاً لئلا يكون لك أشر”، موعزاً إلينا أن هذه الأمراض ينبوعها الخطية ..

وقد أكد القديس بولس الرسول هذا عندما وبخ أهل كورنثوس عن خطية معينة، قائلاً: “من أجل هذا فيكم كثيرون ضعفاء ومرضى” (١كو١١: ٣٠)

لهذا أزال السيد المسيح سبب الشر، وقال: “ثق يا بني مغفورة لك خطاياك”. لقد رفع الروح، وأقام النفس المطروحة، لأن قوله هذا كان كافياً… فلا شئ يخلق السرور ويعيد الثقة قدر التحرر من العذاب الداخلى (الناجم عن الخطية)، وحيثما توجد مغفرة للخطية توجد البنوة، لذلك لا نقدر أن ندعو الله الأب إلا بعدما تُزال خطايانا في بركة الماء المقدس (المعمودية)… فنقول:”أبانا الذى في السموات”.

لكن فى حالة الرجل الذي كان له ثمانية وثلاثين عاماً في مرضه، لماذا لم يفعل معه شئ من هذا بل شفى جسده أولاً؟.

لأنه لم يحصل بعد على أي درجة عالية من الإيمان بخصوص السيد المسيح (إذ لم يسمع عنه قط)، فقدَّم له احتياجه الأقل، الشئ الواضح والمكشوف، أي صحة جسده، أما الثاني فلم يفعل معه ذلك، إذ له إيمان أعظم وروح ألطف. فحدثه أولاً بخصوص مرضه الأكثر خطورة، هذا مع هدف أخر هو إعلان مساواته بالآب.      

مقارنة بين مفلوج بركة بيت حسدا ومفلوج كفر ناحوم – عند القديس يوحنا ذهبي الفم

شفاء رغم عدم الإيمان!

دعنا نتأمل السيد المسيح وهو يشفي المفلوج “فدخل السفينة واجتاز إلى مدينته، وإذا مفلوج يقدمونه اليه مطروحا على فراش. فلما رأى يسوع إيمانهم، قال للمفلوج: ثق يا بنيّ مغفورة لك خطاياك” (مت٩: ١-٢).

إنه كان أقل إيمانا من قائد المائة، لكنه أكثر إيماناً من المفلوج المُلقى بجوار البركة، لأن قائد المائة لم يَدعُ الطبيب لزيارته، ولا جاء بالمريض إليه، بل تلامس معه كإله قائلاً: “قل كلمة فيبرأ غلامي” ( لو ٧:٧).

هؤلاء الرجال (حاملو المفلوج) ما دعوا الطبيب (لزيارة المريض) في البيت، وكانوا أبعد ما يكون عن أن يتساووا مع قائد المائة، اذ أحضروا المريض إلي الطبيب، ولم يقولوا “قل كلمة فقط”.

غير أن هؤلاء كانوا أكثر إيماناً من المريض المُلقَى عند البركة لأن هذا قال: “يا سيد ليس لي إنسانٌ يلقيني في البركة متى تحرك الماء” (يو٥: ٧). أما هؤلاء الرجال فعرفوا السيد المسيح أنه ليس بمحتاج إلى ماء أو بركة أو شئ من هذا القبيل.

وقد شَفى الرب يسوع غلام قائد المائة من مرضه، وكذلك الإثنين الآخرين، ولم يقل لأحدهما: لأنك قدمت درجة قليلة من الإيمان يكون شفاؤك قليلاً، إنما صرف الرجل الذي أعلن إيماناً عظيماً بمديح وكرامة… أما الذي أَظهَر إيماناً أقل، فلم يمدحه لكن لم يحرمه من الشفاء. لا بل حتي الذي لم يُظهِر إيماناً بالمرة شفاه!.

وكما أن الأطباء عندما يعالجون نفس المرض، يأخذون من شخص مائة قطعة من الذهب، ومن آخرين نصف المبلغ، وآخرين لا يأخذون منهم شيئا بالمرة، هكذا أيضاً المسيح أخذ من قائد المائة إيماناً عظيماً لا يُنطَق به (لو٧:٩)، والثاني إيماناً أقل، والثالث لم يأخذ منه حتى الإيمان العادي..

لكنه شفى الجميع.

لماذا وهب الشفاء لمن لم يقدم إيماناً بالمرة؟

لأن فشله في إظهار الإيمان، لم يكن عن كسل أو عدم إحساس في الروح، إنما عن جهله بالمسيح وعدم سماعه قط عن أية معجزة صنعها، لا كبيرة ولا صغيرة.

لهذا السبب نال هذا الرجل ترفقاً. وقد أشار الإنجيلي عن ذلك بطريقة غامضة، بقوله: “فلم يكن يعلم من هو” (يو٥: ١٣). إنما عرفه فقط… عندما أضاء عليه في المرة الثانية.

 

مريض بركة بيت حسدا – عند القديس يوحنا ذهبي الفم [5]

الكتب المقدسة عزاؤنا

إن ربحنا من الكتب المقدسة هو ربح عظيم، وفائدتها لنا كبيرة. وهذا ما أراد أن يظهره بولس حين قال: “لأنَّ كُلَّ ما سبَقَ فكُتِبَ كُتِبَ لأجلِ تعليمِنا، حتَّى بالصَّبرِ والتَّعزيَةِ بما في الكُتُبِ يكونُ لنا رَجاءٌ.” (رو١٥: ٤)

فالكتب المقدسة هي كنـز من الأدوية، بحيث لو احتاج أحدٌ أن ينزع الغيرة والحسد، أو أن يخمد الشهوة ويدوس على حب المال ويحتقر الألم، ويهيئ نفسه ويتحلى بالصبر ويتزين بالفرح، فإنه سيجد فى الكتب المقدسة علاجًا عظيمًا لكل هذه.

لأنه مَنْ من أولئك الذين يصارعون دائمًا مع الفقر، أو مِن أولئك الذين يعانون مرضًا عضالاً لا يأخذ عزاءً كبيرًا من قراءة مقطع الإنجيل المذكور أعلاه؟ لأن هذا المريض ظل ثمان وثلاثون سنةً مشلولاً وكل عام يرى الآخرين يشفون، بينما ما يزال المرض جاثمًا على صدره، لكن بالرغم من كل هذا لم يفقد شجاعته ولم ييأس. ولكن الحزن على ما فات، وغياب الرجاء في المستقبل كان يمكن أن يزعزعانه.

ليس لي إنسان

إذن اسمع ماذا يقول وتأمَّل حجم مأساته. فعندما سأله المسيح: “أتُريدُ أنْ تبرأَ؟” أجاب: “يا سيِّدُ، ليس لي إنسانٌ يُلقيني في البِركَةِ مَتَى تحَرَّكَ الماءُ.” ما الذي يمكن أن يوجد أسوأ من هذه الأقوال؟ أي مصيبة كبيرة هذه؟ هل رأيت نفسًا سُحقت من المرض الدائم؟ هل رأيت قدرته على كبح جماح الغضب؟ فهو لم يتفوه بأي تجديف من تلك التي نسمعها في مثل هذه الحالات. لم يلعن يومه، لم يسأل سؤالاً لا يليق، ولا قال لقد أتيت لتخدعني وتسخر مني لأنك تسألني هل أريد أن أبرأ؟ لكنه أجاب بهدوء واعتدال عظيم: “نعم يا
سيد” ولم يكن يعرف مَنْ هو الذى كان يسأله، ولا إن كان سوف يشفيه، لكنه يتكلّم بهدوء ولا يطلب شيئًا، كمن يتحدث مع الطبيب ويريد فقط أن يشرح مرضه. لأنه ربما كان
يرجو أن يكون المسيح له مفيدًا في هذا، أي أن يلقيه في الماء، وأراد بهذه الأقوال أن يدعوه ليفعل ذلك. ماذا فعل المسيح؟ بما أن المسيح يستطيع دومًا أن يفعل كل شيء بكلمة، قال له:”قُمِ. احمِلْ سريرَكَ وامشِ” (يو٥: ٨).

بين المخلع والمفلوج

كان البعض قد ظن أن هذا المشلول هو نفسه المشلول الذي ذكر في نص متى الإنجيلي (مت ٩)، لكن ليس هو نفسه. وهذا يبدو من كثير من الأدلة والشواهد:

أولاً: يبدو هذا من عدم وجود من يعتني به، بعكس المفلوج فى إنجيل متى التف حوله كثيرون يعتنون به ونقلوه، بينما هذا ليس له أحد. لذلك قال: “ليس لي إنسان”.

ثانيًا: يظهر ذلك من الإجابة؛ لأن مفلوج “إنجيل متى” لا يقول شيئًا، لكن المشلول هنا يعرض كل ما عنده.

وثالثًا: يظهر من الزمن (أي زمن تتميم المعجزة)؛ لأن هذا يشفي هنا في يوم عيد، اقصد السبت، بينما الآخر في يوم آخر. كما أن مكان كل منهما مختلف. الواحد شفي في بيت، والآخر بالقرب من البِركة.

أيضًا طريقة الشفاء مختلفة: لأن المسيح يقول لمفلوج متى: “يابُنَيَّ مَغفورَةٌ لكَ خطاياكَ” (مت٩: ٢)، أما هنا فيشفي الجسد أولاً، ومن ثم يعتني بالنفس. ففي الحالة الأولى يعطي الصفح ويقول: “مَغفورَةٌ لكَ خطاياكَ”، أمَّا هنا في هذه الحالة فيعطي نصيحةً وتحذيرًا لكى يؤمِّن المشلول في المستقبل؛ لأن المسيح قال له: “لا تَعُد تُخطِئْ، لِئلا يكونَ لكَ أشَرُّ”.

يسوع يقود إلى الإيمان

وقد استتبع ذلك اختلاف اتهامات اليهود؛ ففي هذه الحالة يتهمونه بأنه عمل يوم السبت، بينما في الحالة الأخرى اتهموه بأنه قد جدَّف. لعلك تلاحظ حكمة الله الفائقة، فهو لم يُقِم المشلول مباشرةً، لكن هو تآلف معه بالسؤال أولاً، لكي يفتح له طريقًا للإيمان بعد ذلك، وهو لم يقمه فقط، بل أمره أن يحمل سريره حتى يؤكد حدوث المعجزة، فلا يستطيع أحد أن يشك أنها قد حدثت بالفعل، أو أنها نتاج خيال وضلال؛ لأنه لو أن أعضاء الجسد لم تكتسب الثبات والقوة ما كان المشلول قد استطاع أن يحمل السرير.

مرات كثيرة يفعل المسيح ذلك لكي يسد أفواه هؤلاء الذين يريدون أن يشوهونه بأقوالٍ سيئةٍ.ففي معجزة الخبزات، حَرِصَ على أن يجمعوا الفائض الكثير من الخبز، حتى لا يقول أحد إنَّ الناس شبعوا، لأنهم تخيّلوا ذلك.

وقـال للأبـرص الـذي طهَّره: “اذهَبْ أَرِ نَفسَـكَ للكاهِنِ” (مت٨: ٤)، لكي يجعـل برهـان الشفاء واضحًا وثابتًا لكي يغلق أفواه الوقحين الذين يزعمون أنه يعمل ضد وصايا الله. وقد فعل نفس الأمر أيضًا عندما حوَّل الماء إلى خمر؛ لأنه لم يُظهر فقط الخمر، لكن حَرِصَ على أن يعطيه لرئيس المتكأ حتى يعترف ذاك أنه لم يكن يعرف ما كان قد حدث، حتى يعطي شهادته دون أية شبهة أو تشكيك، لذلك قال الإنجيلي، إن رئيس المتكأ لم يعرف من أين جاء هذا الخمر موضحًا بهذه الطريقة صدق شهادته. وفي حالة أخرى، حيث أقام (ابنة يايرس)، قال أعطوها لتأكل (لو٨: ٥٥)، لكي يعطي دليلاً غير قابلٍ للشك أنها قامت. لقد حاول أن يقنع هؤلاء الأغبياء أنه لم يكن مضلاً، أو مجرد صانع للمعجزات مثل السابقين، لكنه أتى لخلاص كل البشر.

لكن لماذا لم يطلب إيمانًا من المشلول كما فعل مع الأعميان الذين قال لهما: “أتؤمِنانِ أنِّي أقدِرُ أنْ أفعَلَ هذا؟” (مت٩: ٢٨) لأن المشلول لم يكن يعرف أبدًا أنه هو المسيح. إضافةً إلى أن الرب اعتاد أن يفعل ذلك بعد المعجزات لا قبلها. لأن أولئك الذين رأوا قوته في حالات أخرى، كانوا قد سمعوه قبل المعجزات. أما الذين لم يعرفوه أبدًا، لكن كان لهم أن يتعلموا من معجزاته، هؤلاء دُعوا إلى الإيمان بعد المعجزات. لذلك لم يذكر متى الإنجيلي أن المسيحَ قال هذه الأقوال في بداية المعجزات، لكن شفى كثيرين أولاً، ثم قال هذا للأعميين.

لكن لعلك تلاحظ إيمان هذا المشلول. لأنه عندما سمع: احمل سريرك وامشِ، لم يسخر، ولا قال ما هذا الذي تقوله؟ عندما ينزل ملاك ويحرِّك الماء ويشفى واحد فقط، وتجيء أنت، وأنت إنسانٌ تظن أنك تستطيع أن تنجز شيئًا أكثر مما يفعله الملاك، بمجرد كلمة منك؟ لم يقل أي قول من هذه الأقوال السخيفة التي تستحق السخرية. بل ولم يطرأ شيء من ذلك على فكره، بل أطاع مباشرةً وقام. وإذ صار معافى أطاع أمر السيد: “فحالاً بَرِئَ الإنسانُ وحَمَلَ سريرَهُ ومَشَى.” (يو٥: ٩).

 

معجزة شفاء المفلوج – عند القديس أغسطينوس[6]

  • كان هذا الماء هو الشعب اليهودي، والخمسة أروقة هي الناموس، لأن موسى كتب خمسة كتب. لذلك كان الماء مطوقًا بخمسة أروقة كما كان هذا الشعب مُحكمًا بالناموس. اضطراب الماء هو آلام الرب الذي حلَّ بين الشعب.

الشخص الذي كان ينزل ويُشفى وهو شخص واحد، لأن هذه هي الوحدة.

  • الذين يرفضون آلام المسيح هم متكبرون. إنهم لا ينزلون، فلا يُشفون. إنهم يقولون: “هل أؤمن بأن الله تجسد، أن الله ولد من امرأة، وأن الله صُلب وجُلد ومات وجُرح ودُفن؟ حاشا لي أن أؤمن بأن هذه من الله، إنها لا تليق بالله. دعْ القلب يتكلم لا الرقبة. فإنه بالنسبة للمتكبرين يبدو لهم تواضع الرب إنه غير لائق به. لهذا فالتمتع بالصحة أمر بعيد عنهم. لا تتكبر، إن أردت أن تُشفى فلتنزل.
  • انتبهوا أيها الأحباء، فإن الناموس قد أُعطي لهذه الغاية، أن يكشف عن الأمراض لا أن ينزعها. هكذا فإن هذا القطيع المريض الذي كان يمكن أن يكون مرضى في بيوتهم في سرية عظيمة لو لم توجد هذه الأروقة الخمسة. بدخولهم الأروقة الخمسة صاروا معروفين في أعين كل البشر لكن هذه الأروقة لا تشفيهم.
  • إذن فالناموس نافع في كشف الخطايا، لأن ذلك الإنسان يصير بالأكثر مذنبًا جدًا بتعديه للناموس، فيمكن أن يلجم كبرياءه، ويتلمس معونة ذاك الذي يتحنن. أنصت إلى الرسول: “دخل الناموس لكي تكثر الخطية، ولكن حيث كثرت الخطية تزداد النعمة جدًا” (رو ٥: ٢٠)… وفي موضع آخر: “حيث لا ناموس ليس هناك تعدِ” (رو ٤: ١٥).

يمكن أن يُدعى الإنسان خاطئًا قبل الناموس، لكن لا يمكن أن يدعى متعديًا. ولكنه إذ أخطأ تسلم بعد ذلك الناموس، فوُجد ليس فقد خاطئًا بل ومتعديًا. فإذ أضيف التعدي على
الخطية لذلك “كثرت الخطية”. وعندما كثرت الخطية تعلم الكبرياء البشري في النهاية أن يخضع وأن يعترف لله ويقول: “أنا ضعيف”.

  • دخل موضعًا حيث يضطجع عدد ضخم من القطيع المريض من عمي وعرج وعسم، وبكونه طبيب النفوس والأجساد وقد جاء ليشفي نفوس كل الذين يؤمنون، اختار من بين هذا القطيع واحدًا ليشفيه لكي يعني الوحدة… مع أنه كان قادرًا بكلمة أن يقيم الكل.
  • هذه البركة وتلك المياه تبدو لي أنها تشير إلى الشعب اليهودي (رؤ ١٧: ١٥)… تلك المياه، أعني الشعب، قد أُغلق عليه في أسفار موسى الخمسة، أي الخمسة أروقة. لكن هذه الأسفار تُحضر المرضى ولا تشفيهم. لأن الناموس يدين الخطاة ولا يبرئهم. لذلك فإن الحرف بدون النعمة يجعل الناس مذنبين، هؤلاء الذين إذ يعترفون يخلصون.

هذا ما يقوله الرسول: “لأنه لو أُعطي ناموس قادر أن يُحيي لكان بالحقيقة البرّ بالناموس” (غل٣: ٢١). ويكمل قائلًا: “لكن الكتاب أغلق على الكل تحت الخطية ليعطي الموعد من إيمان يسوع المسيح للذين يؤمنون” (غل٣: ٢٢).

أي شهادة أكثر من هذه؟ أليست هذه الكلمات قد شرحت الخمسة أروقة وجمهور قطيع المرضى؟

  • قيل في المزامير: “يا الله أرنم لك ترنيمة جديدة على قيثارة ذات عشر أوتار أرنم لك” (مز١٤٤: ٩)، والتي تشير إلى الوصايا العشرة التي للناموس، التي جاء الرب لا لينقضها بل ليكملها.

والناموس نفسه خلال العالم كله واضح أن له أربع جهات شرق وغرب وجنوب وشمال، كما يقول الكتاب… لذلك فرقم 40 هو الزهد عن العالم، هو تنفيذ الناموس.

الآن فإن المحبة هي تكميل الناموس (رو١٣: ١٠)؛ ( غل ٥: ١٤). لكن وصية المحبة مزدوجة: “حب الرب إلهك من كل قلبك… والأخرى مثلها حب قريبك كنفسك” فمن لديه تقصير في الاثنين يكون له عجز الرقم ٣٨.

  • لكن من الذي يشفي المرضى؟ ذاك الذي ينزل في البركة. ومتى ينزل المريض في البركة؟ عندما يعطي الملاك العلامة بتحريك الماء. فإنه هكذا كانت تلك البركة تتقدس، حيث ينزل الملاك ويحرك الماء. كان الناس يرون الماء يتحرك، ومن حركة المياه المضطربة يدركون حضور الملاك. فإذا ما نزل أحد عندئذ يُشفى.

لماذا إذن لم يُشف هذا المريض؟ لنعطي اعتبارًا لكلماته نفسها، يقول: “ليس لي إنسان يلقيني في البركة متى تحرك الماء بل بينما أنا آتٍ ينزل قدامي آخر”. ألم تستطع بعد ذلك
أن تنزل إن نزل قدامك آخر؟ هنا يظهر لنا أنه واحد فقط يُشفى عند تحرك الماء. من ينزل أولًا هو وحده يُشفى.

  • “احملوا بعضكم أثقال بعض، وهكذا تمموا ناموس المسيح” (غل ٦: ٢). الآن ناموس المسيح هو المحبة، والمحبة لن تتحقق ما لم نحمل أثقال الغير.

يقول: “وبطول أناة محتملين بعضكم بعضًا في المحبة، مجتهدين أن تحفظوا وحدانية الروح برباط السلام” (أف ٤: ٢).

حين كنت ضعيفًا حَمِلَكَ قريبك، الآن أنت صحيح، إحتمل أنت قريبك.

هكذا تملأ يا إنسان ما كان ناقصًا بالنسبة لك.

“إذن احمل سريرك”. وحين تحمله لا تقف في الوضع بل “امشِ” بحبك لقريبك، وبحملك قريبك، تتمم مشيك.

إلى أين تسير في طريقك؟، إلى الرب الإله، الذي يلزمنا أن نحبه من كل القلب ومن كل النفس ومن كل الفكر. لتحمله، عندئذ إذ تسير تذهب إلى ذاك الذي ترغب أن تمكث معه. لذلك “احمل سريرك وأمشِ”.

  • من الصعب أن ترى المسيح في الجمع، لذلك تلزم الوحدة لأذهاننا. فبالتأمل في عزلة يمكن رؤية اللَّه. الجمع فيه صخب، والرؤية تتطلب سرية… لا تبحث عن المسيح في جمعٍ، إنه ليس كواحدٍ من الجمع، إنه يسمو على كل الجمع…

حقًا رآه الرب في الجمع، إنما عرفه في الهيكل. جاء الرجل إلى الرب، رآه في الهيكل، رآه في الموضع المكرس المقدس.

  • قال هذا لهم لأنهم أخذوا حفظ السبت بمعنى جسداني، متخيلين أن اللَّه كما لو كان قد نام بعد أن تعب بخلق العالم إلى ذلك اليوم، وأنه قدّس ذلك اليوم حيث بدأ يستريح كما من تعبه.

الآن بالنسبة لآبائنا القدامى قد وُضع سرّ السبت، هذا الذي نحفظه نحن المسيحيون روحيًا بالامتناع عن كل عمل ذليل، أي عن كل خطية، لأن الرب يقول: “كل من يفعل خطية هو عبد للخطية”. وإذ ننال راحة في قلوبنا فهذه هي الراحة الروحية.

أما عن القول بأن اللَّه استراح، فذلك لأنه لم يخلق أية خليقة أخرى بعد أن أكمل كل شيء.

علاوة على هذا فإن الكتاب المقدس يدعوها راحة، لكي يحثنا على الأعمال الصالحة التي بعدها نستريح. لأنه كتب في التكوين: “خلق اللَّه كل شيء حسن جدًا، واستراح اللَّه في اليوم السابع”. لكي ما تدرك يا إنسان أن اللَّه نفسه قيل أنه استراح بعد الأعمال الصالحة، فتتوقع راحة لنفسك بعد أن تمارس أعمالًا صالحة.

إن كان اللَّه بعد أن خلق الإنسان على صورته ومثاله وفيه أكمل كل أعماله لتكون حسنة جدًا عندئذ استراح في اليوم السابع. هكذا لا تتوقع أنت راحة لنفسك ما لم ترجع إلى ذلك الشبه الذي خُلقت عليه.

  • لا تظن أن أبي استراح في السبت بمعنى أنه لا يعمل، لكنه إلى الآن هو يعمل، وهكذا أنا أعمل. وكما أن الآب بلا تعب هكذا الابن بلا تعب.
  • الإيمان الجامعي (للكنيسة الجامعة) هو أن أعمال الآب وأعمال الابن غير منفصلة.. كما أن الآب والابن غير منفصلين، هكذا أيضًا أعمال الآب وأعمال الابن غير منفصلة.. ما يفعله الآب يفعله أيضًا الابن والروح القدس. فإن كل الأشياء صُنعت بالكلمة، عندما “تكلم كانت”.

 

تدبير الآب والإبن للقديس أثناسيوس الرسولي

لا شك في ان اراء الأريوسيين هذه مصيرها الي الزوال والفناء . لكن تعليل الحق الذي كان يجب ان يفطنوا اليه هو هذا : ان كان الله ينبوعا ونورا وأبا فليس من الصواب القول بأن الينبوع جاف ، او ان النور ليس له شعاع ، او ان الله ليس له كلمة ، لئلا يكون الله بلا حكمه ولا عقل ولا بهاء .

وكما ان الآب ازلي يجب يكون الابن ايضا ازليا ، لان كل ما  اراه في الآب يجب ان يكون بلا جدال في الابن . فالرب نفسه يقول “كل ما للآب هو لي” (يو ١٦ : ١٦) “وكل ما لي فهو لك” (يو ١٧ : ١٠) اي للآب .

والآب ازلي ، فالابن أيضا ازلي ، لأن به اتت الدهور إلي الوجود :

والآب واحد كائن ،وبالضروره يجب ان يكون الابن كائنا “الكائن علي الكل الها مباركا الي الأبد امين”(رو ٩ :٥) كما قال الرسول . فليس من الجائز القول عن الآب “كان هنالك وقت لم يكن فيه . وجودا” . وليس من الجائز القول عن الابن ” كان هناك وقت لم يكن فيه موجودا”.

الآب قادر علي كل شيء ، والابن أيضا قادر علي كل شيء كما يقول يوحنا “هذا ما يقوله الرب الكائن والذي كان والذي يأتي القادر علي كل شيء” (رؤ ١ : ٨) .

الاب نور ، والابن شعاع ونور حقيقي .

الآب إله حق والابن إله حق ، لأنه هكذا كتب يوحنا “ونحن في الحق في ابنه يسوع المسيح. هذا هو الاله الحق والحياة الأبدية”  (١يو ٥ : ٢٠) .

وبالايجاز نقول إنه من كل ما للآب لا يوجد شيء ينقص الأبن . لذلك فالابن في الآب  (يو ١٤ : ١٠) ، والآب في الابن ، لان كل ما للآب موجود في الابن ويمكن رؤيته في الآب .

علي ضوء هذا يمكن فهم هذه العبارة “انا والآب واحد” (يو ١٠ :٣٠) لانه لا توجد أشياء معينه في الاب والأخرى في الابن، لكن  تلك التي في الآب موجوده في الابن ايضاً . وان كنتم ترون في الابن تلك الأشياء التي ترونها في الآب ادركتم تمام الإدراك ذلك القول “الذي رآني فقد رأي الاب”(يو ١٤ : ٩) .

والآن وقد قدمنا البراهين الكافيه علي هذه النقط فان من يقول ان الابن مخلوق يعتبر ملحداً  لأنه ملزم ان يطلق نفس التسمية اي “مخلوق” علي الينبوع الذي ينبع منه – كخليفه – الحكمة والكلمة الذي فيه كل ما للآب .

وفوق الكل ،يمكن ان يتبين المرء مما يلي كيف ان هرطقة الاريوسيين المجانين عاطله وفاسدة .أولئك الذين نحن نماثلهم ونشاركهم في طبيعتهم ، ونشاركهم في الجوهر . فمثلا نحن البشر يماثل كل منا الآخر في الجوهر ، لأننا كلنا متساوون ونشترك في الطبيعة الواحدة . لأننا كلنا فانون وفاسدون وقابلون للتغير وخلقنا من العدم . هكذا الحال أيضا مع الملائكة، وسائر المخلوقات التي يشترك بعضها مع بعض في طبيعة واحده . فليفحص اذن هؤلاء الفضوليون ان كان  ان كان هنالك اي شبه بين المخلوقات وبين الابن ، او ان كانوا يستطيعون ان يجدوا في المخلوقات ما يجدونه في الإبن حتي يجرأوا علي القول ان كلمه الله مخلوق لاشك .

في انهم لن يجدوا ، اولئك الرجال الذين يندفعون بتهور نحو كل شيءٍ ويضلون عن العبادة الحقيقة . بين المخلوقات لا يوجد ما هو قادر علي كل شيء ، ولا يوجد ما يخضع للآخر( ان ما يقول أثناسيوس هنا يتفق مع ما نادي به القديس باسليوس “بين البشر لا بوجد من هو عبد بالطبيعة ..وكخليقه الخالق كلنا عبيد متساوون ” لان الكل ملك لله نفسه .

“السموات تحدث بمجد الله” (مز ١٩ :١) و “للرب الأرض وملؤها” (مز ٢٤ : ١) ، “البحر رآه فهرب” (مز ١١٤ : ٣).

الكل عبيد لذاك الذي هو سيدهم ،صانعين كلمته ومطيعين أوامره . أما الابن فهو قادر علي كل شيء كالآب كما بينا من الكتاب المقدس وأيضاً لا يوجد بين المخلوقات ما هو غير قابل للتغير بطبيعته فبعض الملائكة لم يحفظوا رياستهم  ” والكواكب غير نقيه في عينيه ” (اي ٢٥ : ٥)

وابليس سقط من السماء ، وآدم تعدي ، وكل الأشياء تتغير .

هكذا يذكرنا بولس بما ورد في المزمور المائه والأول “وانت يارب اسست الارض . والسماوات هي عمل يديك . هي تبيد ولكن أنت تبقي . وكلها كثوب تبلي . وكرداء تطويها فتتغير ولكن انت انت وسنوك لن تفني ” (عب ١ : ١٠ – ١٢)   ثم يقول أيضاً “يسوع المسيح هو هو امسآ واليوم والي الأبد” (عب ١٣ : ٨)

وايضا أن كل المخلوقات لم تكن ثم برزت الي الوجود . لانه “جعل الأرض كلا شيء” (اش ٤٠ : ٢٣) حسب الترجمة السبعينية . “يدعو الأشياء غير الموجودة كأنها موجوده” (رو ٤ : ١٧) . وهي أيضا مصنوعات ومخلوقات . لذلك فإن لها بداية ، هي التي برزت منها الي الوجود . لانه “في البدء خلق الله السماء والارض” (تك ١ :١) وكل ما فيها وايضاً “كل هذه صنعتها يدي” (اش ٦٦ : ٢) لكن الابن هو كالاب واحد كائن الهآ علي الكل ، كما قدمنا ( فقره ٢ صفحه ٦٥ ) انه ليس مصنوعا ، بل هو يصنع. انه لم يخلق بل هو يخلق ويعمل أعمال آلاب . به برزت الدهور الي الوجود “كل شئ به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان ” (يو ١ : ٣) وحسب تفسير الرسول لمضمون المزمور هو في البدء وضع أساسات الأرض ، والسماوات هي عمل يديه .

وايضاً لا يوجد بين المخلوقات من هو بالطبيعة اله . كل ما اتي الي الوجود سمي باسمه الخاص ، دعي أحدها سماء ، ودعي الآخر ارضا . دعي البعض كواكب سيارة ، ودعيت الأخرى نجوما . دعيت البعض بحاراً ، ثم دواب ، واخيراً الانسان . وقبل هذه الملائكة ورؤساء الملائكه ، الكروبيم ، القوات ، الرئاسات . السلطات ، السلاطين ، الفردوس . وكل منها باق . وان كان البعض منها قد دعي الهه فإن ذلك ليس بالنسبه الي طبيعتها بل بفضل اشتراكها في الابن . هكذا قال هو نفسه ” ان قال آلهة لأولئك الذين صارت اليهم كلمه الله ” (يو ١٠ : ٣٥) اذن فلانهم ليسوا الهه بالطبيعة فانه يأتي وقت حين يتغير بعضهم ويسمعونه يقول ” انا قلت إنكم آلهه وبنو العلي كلكم . لكن مثل الناس تموتون ” (مز ٨٢ : ٦ ، ٧) .

هكذا كان ذاك الذي سمع الله يقول “انت إنسان لا اله” (حز ٢٨ : ٩) .

اما الابن فانه اله حق مثل الآب . لأنه فيه ، والآب في الابن . هذا ما كتبه يوحنا كما قدمنا ، ويترنم داود قائلا ” كرسيك ياالله الي دهر الدهور . قضيب استقامه قضيب ملكك ” (مز ٤٥ : ٦) .

ويصرح اشعياء النبي قائلا ” مصر اكتسحت وتجاره الكوشين . السبئيون ذوو القامه اليك يعبرون . ولك يكونون . خلفك يمشون بالقيود ولك يسجدون لان الله فيك لانك اله إسرائيل ونحن لم نعرفك ” (اش ٤٥ : ١٤ ، ١٥) . فمن هو هذا الاله الذي يوجد فيه الله سوي الابن الذي قال ” انا في الاب ،والآب في ” (يو ١٤ : ١) .

 

المرجع : كتاب رسائل أثناسيوس الرسولي عن الروح القدس صفحة ٨٦ – تعريب القس مرقس داود

 

الشفاء للقديس أغسطينوس

اسمعوا ما هي كل حسناته. “الذي يغفر جميع ذنوبك، الذي يشفي كل أمراضك”. تطلعوا إلى إحساناته. ماذا يستحق الخاطئ سوى العقوبة؟ ماذا يستحق المُجَدِّف سوى نار جهنم؟ إنه يهبكم هذه الإحسانات حتى لا ترتجفوا بفزع، وتخافوه بدون حب… فإنك خاطئ. ارجع ثانية وتقبَّل إحساناته. إنه “يغفر جميع ذنوبك”… ومع هذا فبعد غفران الخطايا تهتز النفس ذاتها بأهواءٍ معينة، ولا تزال في مخاطر التجربة. إنها لا تزال تُسر ببعض المقترحات، إنها لا تُسر ببعضها، وأحيانًا تقبل البعض وتُسر بها: إنها تنجرف فيها. هذا هو ضعف، لكنه، “يشفي كل أمراضك”. تُشفى كل ضعفاتك، فلا تخف! إنها ضعفات خطيرة، لكن الطبيب أعظم. لا يوجد ضعف يوضع أمام الطبيب القدير غير قابل للشفاء. فقط اسمحْ لنفسك أن تُشفَى. لا تقاوم يديه؛ إنه يعرف كيف يتعامل معك. لا تُسر فقط عندما يدللك، وإنما احتمله عندما يمسك السكين. احتملْ ألم العلاج، فإن له تأثيره على مستقبلك.

في صراع كهذا تكون النصرة عظيمة جدًا، لا إلى حين بل إلى الأبد، حيث ليس فقط ينتهي المرض، إنما لا يعود يظهر مرة أخري (هناك في الأبدية). فليُسمع البار نفسه وهو يقول: “باركي يا نفسي الرب، ولا تنسي كل حسناته، الذي يغفر جميع ذنوبك، الذي يشفي كل أمراضك” (مز ١٠٣: ٢-٣).

إنه غافر ذنوبنا، إذ يسامحنا عن خطايانا، وهو شافي أمراضنا، إذ يضبط الشهوة الشريرة.

غافر ذنوبنا بعطية الغفران، وشافي أمراضنا بالعفة.

الأولى يتمتع بها المعترفون في العماد، والثانية تُنفَّذ في نضال المجاهدين، حيث يَغلبون خلال نعمته.

واحدة تحدث، إذ يصغي إلى قولنا “اغفر لنا ذنوبنا” (مت٦: ١٢). والأخرى عند سماعه قولنا “لا تدخلنا في تجربة”، إذ يقول الرسول يعقوب: “ولكن كل واحد يُجرَّب إذا انجذب وانخدع من شهوته” (يع١: ١٤). ونحن نطلب ضد هذا الخطأ دواءً من الرب، هذا الذي يقدر أن يشفي كل مثل هذه الأمراض.. لذا يلزم علي كل من يسمع هذا أن يصرخ، قائلا:ً “أنا قلت يا رب ارحمني، اشف نفسي، لأني قد أخطأت إليك” (مز٤١: ٤). فإنه لا تكون هناك حاجة لشفاء النفس ما لم تكن قد فسدت بصنع الخطية.. فتضاد ذاتها، وتكون مريضة في جسدها [٧].

*     في كل خطية يوجد بلا شك عمل شهوة ضد المسيح، ولكن عندما يقود ذاك الذي “يشفي كل أمراضنا” (مز١٠٣: ٣) كنيسته في الشفاء الموعود به، عندئذ سوف لا يكون في أيّ عضو من أعضائنا أيّ غضن أو دنس.

إذن سوف لا يشتهي الجسد ضد الروح قط، وعندئذ لا يكون هناك أيّ داعٍ لكي يشتهي الروح ضد الجسد. سينتهي هذا النـزاع، سيكون هناك اتفاق بين العنصريْن علي أعلي مستوي، وسوف لا يكون هناك أحد جسديًا، حتى أن الجسد نفسه سيكون “روحيًا”.

فما يفعله من جهة جسده ذاك الذي يحيا حسب المسيح، إذ يشتهي ضد الشهوة الشريرة ذاتها، مقاومًا إياها لكي يُشفَى، لكنه لم يُشفَ بعد إذ هي فيه، إلا أنه مع هذا يُنعش طبيعة الجسد الصالحة ويلاطفها، حيث “لم يبغض أحد جسده قط” (١ يو ١: ٨). هذا أيضًا بذاته يفعله السيد المسيح من جهة كنيسته وذلك إن قارنا الأمور الصغيرة بالأمور الكبيرة. لأن السيد المسيح يضغط عليها بالانتهار، لكي لا تتكبر خلال سموها، ويرفعها بالتعزيات حتى لا تسقط في الهاوية بالضعفات. وهذا ما يقوله الرسول: “لأننا لو حكمنا علي أنفسنا لما حُكم علينا، ولكن إذ قد حُكم علينا نؤدب من الرب لكي لا نُدان مع العالم” (١ كو ٣١:١١ -٣٢) وهذا ما جاء في المزمور: “عند كثرة همومي في داخلي، تعزياتك تلذذ نفسي” (مز ٩٤:١٩19) [٨].

* بالتأكيد لا يتحقق تجديد الإنسان الداخلي في لحظةٍ واحدةٍ عند قبول الإيمان، إنه ليس مثل التجديد الذي يحدث في العماد الروحي الذي يحدث في لحظة قبولنا لمغفرة الخطايا، في اللحظة التي فيها يُنزع عنا كل ما هو ضدنا، ولا يبقى شيء بلا مغفرة (مز١٠٣: ١٢).

الشفاء من الحمى شيء، واستعادة الإنسان لصحته بعد معاناته من الضعف بسبب المرض شيء آخر.

نزع الحربة من الجسم شيء، والشفاء من الجرح المميت بالعلاج الطويل والرعاية شيء آخر.

إني أخبركم أن إزالة العلة هو مجرد الخطوة الأولى للعلاج، هذه الخطوة الأولى التي فيها تهتم بشفاء نفسك هي اللحظة التي فيها تُغفر خطاياك.

بالإضافة إلى هذا توجد حاجة إلى الشفاء من المرض الروحي نفسه، هذا يتحقق تدريجيًا، يومًا فيومًا، إذ تُمحى تدريجيًا صورة الإنسان الساقط الذي في الداخل، وتتجدد حسب صورة الله.

كل من هاتين العمليتين وُضعت في آية واحدة (مز١٠٣: ٣). يشير المرتل:

أولًا: إلى ذاك الذي يغفر كل خطاياك، هذا يتحقق في العماد بمراحم الله.

ثانيًا، نقرأ أنه هو نفسه يشفي أمراضكم، هنا يتحدث عن التقدُّم اليومي الذي فيه تنمو صورة الله بقوة فينا.

 

المرجع : تفسير مزمور ١٠٣ – القمص تادرس يعقوب ملطي

 

عظات آباء وخدام معاصرون :

أحد المخلع – البابا تواضروس الثاني[9]

(1) المسيح الحنّان

المكــان: بيت حســــــــدا = بيت الرحمة ←  ولكن بلا رحمة أو شفقة.

الزمـان: بعــد 38 سنـــة = وقت عيـــــد ←  ولكن بلا شفاء وبلا رحمة.

الإنسان: مريض متروك = وحيد مخــلّع ←  ولكن بلا أمل وبلا صحبة.

الديَّـــان: محاور و شافي = المسيــــــــح ←  الوحيد المُخلّص الذي بلا خطية.

هذا هو مسيحنا:

  • مُتحنّن يحب شعبه جداً.
  • يستجيب ولكنه لا يُعطي ما لم نطلب.
  • عنده الحرف يقتل والروح يُحيي.
  • وهو ما زال يعمل حتى الآن كما عمل ذلك زمان.

إنه بسلطان اللاهوت:

  • احترم إرادة المريض: “أتريد أن تبرأ؟” فحضور الإرادة هو الخطوة الأولى للتوبة والشفاء.
  • تحنّن عليه أكثر لأنه قال: “ليس لي إنسان” لم يكن له ملجأ سوى الله.
  • تكلم عن الشفاء وليس عن المرض، فكان إيجابياً وليس سلبياً.

رغم أنها كانت معجزة شفاء قوية، إلاّ أن اليهود رفضوها لأن ارتباطهم بالناموس كان أكثر من ارتباطهم بعاطي الناموس، وكان هذا سبب ضلالهم وخطيتهم.

(2) المسيح مُحرر المُقيَّدين:

الوقـت = عند اليهود يوم سبت.

المكان = أورشليم في بِركة بيت حسدا (بيت الرحمة).

الواقعة = ملاك يحرّك الماء (يقال أنه نبع ماء يفور من وقت لآخَر لملء البِركة).

الرجل المريض:

عنده جوانب مُظلمة في حياته:

  • صورة للضيق والتعاسة طوال 38 سنة يُعاني من المرض وآلامه.
  • صاحب خيبات أمل مُتكرِّرة مرات كثيرة عندما يتحرّك الماء للشفاء.
  • معزول عزلة تامة فلا أحد يُفكّر فيه (اغتراب اجتماعي) منسي من البشر

وعنده جوانب مضيئة في حياته:

  • رجل مُثابر جداً (38 سنة محاولات).
  • رقة هذا الرجل في إجابته (ليس لي إنسان).
  • إيمان هذا الرجل (طاعته لأمر المسيح).
  • قوة شهادته أمام اليهود بعد ذلك.

ارتباط هذا الأحد بما سبق وبما يلحقه من خلال العدد 8:

  • قُـم = المسيح مُخلِّص العالم (أحد السامرية).
  • احمل فراشك = المسيح مصدر حياة العالم (أحد المخلع).
  • وامشِ = المسيح نور العالم (أحد المولود أعمى).

إذاً الحياة مشاركة بين نعمة الله من فوق وإرادة الإنسان من الداخل.

 

ايضا عظة اخري لقداسة البابا تواضروس :يوم الأحد من الأسبوع الخامس يو ( ٥ : ١ – ١٨ ) 

أتريد أن تبرأ ؟

السؤال في هذا الأحد الخامس من الأسئلة الأساسية جدا ، والإنجيل كلـه يـدور حول سؤال واضح ومباشر وموجه وقصير . القصة تبدأ من أن بركة بيت حسدا مثل كف اليد ، وهذا هو التصميم الهندسي الصحيح ، فأصابع اليد ثمثل الأروقة التي كان مطروح عليها الناس ، وما بين الأصابع هو الماء ، ولذلك يسمى بيت حسدا ” ببيت الرحمة “. يبين لنا هذا الإنجيـل أن هناك كثيرين كانوا موجودين فـي بيـت حسـدا ، وأتـى السيد المسيح لهذا الرجـل وسـأله السؤال الجوهري ، هـو لم يسأل المفلوج أو المخلـع أو الوحيد أو مريض بركة بيت حسدا هذا السؤال ، ولكن هذا السؤال موجه لنا .

كما تعلمون أن الأحـد الـرابـع كـان ” أحـد السامرية “، والأحـد السـادس هـو  ” أحـد المولود أعمىر”، والآحـاد الثلاثة مرتبطة بالماءً، فالسامرية قابلها المسيح عنـد البئـر والمخلع قابله المسيح عند بركة بيت حسدا ، والمولود أعمى يذهب ليغتسل في بركة سـلوام ؛ ولأن الصوم الكبير مجهز كبرنامج لإعداد الموعوظين ، فنجـد أن أحـد المولـود أعمى نُسميه ” أحد التناصير ” فهم ينالون فيه نعمة المعمودية ، ولذلك الكنيسة اختارت الآحاد مرتبطة بموضوع الماء ، وبالتالي لا تعتقد أن السؤال الذي سأله السيد المسيح بعيد عنك حتى وإن كان غير موجه لك . 

الله عندما خلق الإنسان خلق له الإرادة والحرية ، وخلق الحرية لكي نستخدمها بصورة صحيحة ، وكانت أول وصية تعتبر أنها وصية صوم ، فالله عندما تكلـم مـع آدم أمره أن يأكل من جميع شجر الجنة ما عدا شجرة معرفة الخير والشر ، ولكنه لم يقدر وأكـل وكسـر الوصـية ، وكانـت إرادتـه ضـعيفة ، والإرادة الضعيفة هـي الـتي تضـيع الإنسان ، فالبداية أن الله لا يتدخل في إرادة الإنسان ، فأنـت حـر ، لـكـن هـل إرادتك أثناء مشوارك الروحى حاضرة وموجودة ؟ 

عنـدما تقابـل السيد المسيح مـع هـذا الإنسان سأله : ” أتريـد أن تبرأ ؟” وهـو سـؤال منطقي وغريب ، ولكن إذا دققنا في السؤال ممكن يكون هناك أمور أخرى وجدها أفضل من وجهة نظره ، فمثلا هناك من يستحلي الخطية ووصل لدرجة من درجات الكسل ، وممكن يكون هناك شخص اهـتم بـأمور أهـم مـن صحته ، ممكـن يفـرح بعطايـا النـاس البسيطة ، فهذه العطايا قد تكون سبب فـرح  لـه ، ومن الممكن أن يكون قد فقد رجاءه فـي الشفاء ، ووقع في هوة اليأس ، وعليك أن تلاحظ وتنتبه ما بين السؤال وبين طـول مـدة مرض هذا المريض الـ ٣٨ سنة، وهذه المدة تقريباً نصف العمر ، هـل أنـت مـا زال عنـدك الرغبة برغم طول فترة الخطية لتنال الصحة سواء الجسدية أو الروحية ؟

لكن هذا الإنسان المريض قد أجاب إجابه إنسانية بالغة عندما أجاب وقال : ” ليس لي إنسان يلقيني فـي البركة “، وهذا المنظر يحكي حال الإنسانية ، فالإنسان المطروح على البركة ليس له أقارب ولا معارف ولا جيران ولا أسرة ولا أحد معـه مـن بلده ، وهنا يحدث تعارض بين اثنين المكان الموجود فيه واسمه ” بيت الرحمة “، والناس الموجودة حوله ليس لديهم رحمة ، ومدى احتياجه البسيطة ، لقد تملكت القساوة على قلب الإنسان ، وعليك أن تنتبه أننا لا نتكلم عن هذا المريض فقط، بل على كل الناس الموجودين في البركة ، وهنا تظهر صورة قوية جداً لطبيعة الإنسان ، حيث تـرى إنساناً مريضاً لمدة ٣٨ سنة ومحتاج لمن يلقيه في البركة ، فهل انعدمت الرحمة من قلوب البشر ؟! 

أتريد أن تبرأ ؟ هل فـي احتياجك أن تنال الشفاء ؟ أرجو أن تلتفوا إلى شيء مهم جداً وهو أننا عندما نزور مريض تحدثه عن المرض وليس الشفاء !!

إذا لا بد أن تضع أمامك أن بيت حسدا وهو بيت الرحمة كان بلا رحمة ، وكان فيه روح الأنانية وهذا هو الأمر الأول . الأمر الثاني ، كان هذا الوقـت هـو وقـت عيـد ، ووقت العيد ذهب المسيح لأورشليم وقابل الرجل بعد ٣٨ سنة بلا شفاء وبلا فرحة ، كانت الصفة الأولى أنها بلا رحمة ، أما هذه المرة فكانت الناس تخرج من البركة وهي فرحانة بسبب الشفاء نتيجة وجود ملاك يحرك المياه فيعطيها قوة للشفاء ، كما موضح في الأصحاح . 

الأمر الثالث والخطير، أن هذا المريض كان متروكاً بلا صحبة ، وأحياناً نقع في خطيـة أننا لا نهتم بالإنسان البعيـد أو الإنسـان الخـاطئ، ولذلك تسميه الكنيسة “الوحيد”، وبالتالي هذا الرجل كان بلا أمل وبلا صحبة ،

٣٨سنة مريض ولكنه أعلن رغبته وإرادته في الشفاء والصحة ، ويمكن أن نقول عنه أنه يشبه الابن الضال الذي رجع إلى نفسه.

في هذه المرحلة ماذا كان يحتاج هذا الإنسان المخلع بعد حاله المؤلم ؟ لقد كان محتاج الإله الذي بلا خطية ليرفع عنه الخطيةر، وقد ذكرت مسبقاً أنه كان هناك ربط في العهد القديم بين الخطية والمرض ، فإذا كانت خطية الإنسان كبيرة فيكون مرضه ثقيلا ، وإذا كانت خطيته صغيرة يكون المرض بسيطا ، وهذا تعبير عن الزمن الذي عاش فيه الإنسان في الخطية . 

+ علامات مهمة في حياة المخلع :

۱ـ وجود الرغبة أو الإرادة :

هو يريد ولكن ليس لديه الفرصة ، ولذلك عمل السيد المسيح له المعجزة، والمعجزة يسمونها ثلاثية الفعل ” قم واحمل وامش “، لديه رغبة.? مـن الأمـور المهمـة فـي حيـاة الإنسان وجـود إرادة أن يكون أفضـل باستمرار ، أو مـا نسميه في الكتب إرادة التغيير ، وأظن سمعتم عن فلسفة قالها فلاسفة اليونان وهي : “?إن أردت في إصلاح العالم  ، فابدأ بنفسك “، فالتوبة هي تغيير في النفس ،  وهذه الصورة لا بد أن تكون واضحة أمامك باستمرار?، والمسيح يقول?: ” أما أنا فقد أتيت لتكون لهم حياة وليكون لهم أفضل ” (يو ١٠ :١٠)، فلا بد أن يكون لدي الإنسان رغبة التغيير في حياته ، هناك من هو متجدد دائماً يريد أن يكون أفضل وأحسن ، وهذا هو السبب فـي أن الكنيسة تُعطينا فترات صوم ؛ لأن فترة الصوم تسمح للإنسان بالتغيير ، وتتيح له تقوية الإرادة ، هذه هي الحكمة الموجودة فـي كنيستنا فـي فترات الصوم الطويلة ، حتـى فـي الأصوام الأسبوعية فهي بنفس الطريقة ، فالأربعاء فيه الخطية خاطئة جدا، والجمعة احتياجى الشديد إلى خلاص المسيح . 

۲۔ لديه طاعة وتسليم :

كان يعيش وهو حامل هذا الحال الرديء، ثم يأتي إليـه مـن يقول له : ” قم واحمل سريرك وامش “، والسرير هنا ليس السرير المعروف عندنا ولكنه فرشـة على الأرض تلف ويحملها ويمشي . تخيلوا كيـف كـان حـال هـذا الرجـل عنـدمـا قـال لـه السيد المسيح : ” قم واحمل وامش : المطروح من سنين طويلة يمشي . فكان لدي هذا الرجل المخلع طاعة وتسليم ، كان من الممكن أن يعتذر ويرفض ، ولكنه على الفور استمع إلى الأمر الإلهي وقام وحمل سريره ومشى ! ، 

قم : هو فكر القيامة ، ونصلي كل يوم ونقول : ” قوموا يا بني النور “. احمل : تدعو إلى تمام الصحة. وامش : المطروح من سنين طويلة يمشى . 

فكان لدى هذا الرجل المخلع طاعة وتسليم ، كان من الممكن ان يعتذر ويرفض ولكنه على الفور استمع إلى الأمر الإلهى وقام وحمل سريره ومشى . 

٣ـ كان رجلاً شاكراً :

هذا الرجل كان شاكراً وحامداً لوضعه ، لم نسمع عنه أنه كان رجلا متذمراً ، أو يشتكي من ضيق الحال وما صنعته الدنيا فيه بل نجده برقة شديدة يقول : ” يا سيد ، ليس لي إنسان يلقينـي فـي البركة متى تحرك الماء . بل بينمـا أنـا آت ، ينـزل قدامي آخر ” (يو ٥ :٧ ).  لقد كان هذا الرجل راضياً ولم يشتك ، أحياناً الإنسان الراضي والشاكر تكون حياته أكثر صعوبة من الإنسان المتذمر ، ولا بد أن نعرف أن الحياة مشاركة بين أمرين : مشاركة بين نعمة الله مـن فـوق ، ومشاركة بين إرادة الإنسان من الداخل . إن حياتنا مشاركة ما بين نعمة الله التي يسكبها علينا وإرادة الإنسان الداخلية ، هذه الإرادة هي ما يمكن أن تُشبهها بالوعاء التي تُسكب فيه نعمة الله ، فإن لم تكن لديك هذه الإرادة لا يمكن أن تتمتع بنعمة ربنا . 

 الإرادة هي الوعاء الذي نتقبل فيه نعمة الله ، لهذا نقول : ” ليتقدس اسمك ، ليأت ملكوثك ، لتكن مشيئتك ” (لو ١١ : ٢)، أريـد يـا رب نعمتك ، فأنا جاهز لأنال هذه النعم الكبيرة . 

المشاركة في كل أمور حياتنا بين نعمة الله من فوق التي يسكبها علينـا فـي كل صباح وبين إرادة الإنسان ، فنحن عندما نقف للصلاة تبسط يدينا إلى فوق في انتظارما هـو قـادم مـن عطايـا الله ، وهذا هو السبب الذي يجعلنا نبني فـي كنائسنا منارتين ، فالمنارتين هم كيان الصلاة ، فالكنيسة مبنى طبيعة عمله هي الصلاة ، فنرفع أيدينا إلى فـوق أثناء الصلاة وهو تعبير عن حياتنا وقوتنا ومـا نريـده هـو نـزول النعمـة فـي كـل صباح .

المسيح إلهنـا هـو المتحنن جـداً على الإنسان ، والمتحنن على هذا الإنسان المريض ، ومثلمـا تحـنـن عليـه وصـنع المعجـزة وكانـت يـوم سـبت ، وبفكـر اليهود الضيق تـركـوا معجزة شفاء الرجـل ومـدة مرضه الطويلة ووجوده على البركة بدون أي أمـل وأخذوا يعلقون على أن الشفاء تم يوم السبت. هذا العقل الضيق أو القلب الضيق يتعب البشر ، والكتبة والفريسيون كانوا قادة للشعب ، لكنهم كانوا أصحاب عقول ضيقة للغاية . هنا علامة استفهام كبيرة عن هؤلاء : كيف تكون رؤيتهم للأمـور بهذه الصورة المعكوسة التي ليس فيها خير للإنسان المريض ؟

كذلك نرى في شخص السيد المسيح أنه يتقابل مع هذا المريض ويستجيب على الفور ، بل يستجيب بمجرد إننا نعلن احتياجنا للشيء ، وهذا يعني أن المخلع عندما قال له : ” ليس لي إنسان…” (يو٥: ۷)، قـال لـه ” قم. احمل سريرك وامش ” (يو٥: ۸)، فالله يستجيب لنا في التوقيت المناسب .

الخلاصة ….

فـي العهـد القـديم كـان عـهـد تحريك المـاء بـالملاك ، فكـان عهـد نـاموس موسى وكهنوت هارون،  والبشر لا يشكرون . أما العهد الجديد هو عهد السيد المسيح ، ومجيئه هو عهد النعمة والخلاص ، والحاجة إلى الواحد فهو المخلص الذي يستطيع أن يعطي الشفاء والصحه للإنسان . 

السؤال الذي يجب أن يتردد في أذهاننا : ” أتريد أن تبرأ ؟” هو سؤال لكل واحد فينا ، وسؤال خاص عندما تكون هناك خطية متسلطة على الإنسان ، والسؤال يتجدد من عام إلى عام.

قف أمام الله وقل له : ” يا رب أريد أن أبرأ ، وأريد بالحقيقة ، وأريد من قلبي أن حياتي تكـون جـديـدة ، أريـد أن حيـاتـي تـتغير “، وأبتعـد عـن هـذا المرض وهـذا الضعف. وإذا رفع الإنسان قلبه برغبة صادقة سيستجيب الله في الوقت المناسب .

فليعطنـا مسيحنا أن تكون إرادتنا لإصلاح أنفسنا حاضرة حضـور حقيقـي ومـن القلب ، وبهـا أُمجـد اللـه وتكـون هـذه الإرادة مـوجـودة عـلـى الـدوام فـي حياتنا ومسيرتنا الروحية .

لإلهنا كل مجد وكرامة إلى الأبد . آمين .

 

 المرجع : كتاب اختبرني يا الله صفحة ٢٩١ – قداسة البابا تواضروس الثاني

المخلع – للمتنيح الانبا اثناسيوس مطران بني سويف والبهنسا[7]

عيــد لليهـود: (يو 5: ١)

اختلفت الآراء في هذا العيد، فمن قائل أنه قد يكون عيد البنتیقسطی كذهبي الفم، ومن قائل أنه الفصح كأيريناوس أو انه عيد المظال ككثير من المحدثين ولكنه لا يستبعد أن يكون عيد الفصح لأن السيد قال قبل ذلك بأيام قليلة “إنَّهُ يكونُ أربَعَةُ أشهُرٍ ثُمَّ يأتي الحَصادُ” (يو ٤: ٣٥) ولما كان إنجيل يوحنا قد ذكر ثلاثة أعياد أخرى للفصح، فيغلب أن يكون هذا أيضا عيد الفصح الذي بعده بأشهر قليلة يكون الحصاد، وبذا يكون هذا الإنجيل قد ذكر جميع أعياد الفصح في فترة خدمة السيد (یو٢: ١٣؛ ٥: ١؛ ٦: ٤؛ ۱۹: 1٤).

الشـــــفاء: (٥: ٢-٩، ١٤)

كان عند باب الضأن أي الباب الذي تدخل منه الذبائح التي تقدم إلى الهيكل، وعنده خارجاً كان سوق للضأن وبركة تسمى بيت حسدا، أي بيت الرحمة، وكان ملاك ينزل من وقت لآخر يحرك الماء، فمن نزل أولا إلى الماء المتحرك برأ من مرضه.

ولو أخذنا الناحية الرمزية لوجدنا الخمسة أروقة مشبهة بحواس الإنسان الخمس، ومدة الثماني والثلاثين سنة تشير إلى الفترة التي قضاها الشعب القديم في البرية فيما بين سنتي الخروج من مصر ودخول كنعان “والأيّامُ التي سِرنا فيها مِنْ قادَشَ بَرنيعَ حتَّى عَبَرنا واديَ زارَدَ، كانَتْ ثَمانيَ وثَلاثينَ سنَةً” (تث ٢ :١٤).

وهذا الرجل كان يشبه الأمة اليهودية في التيه، ويشبهها في انتظارها المسيا وهي عاجزة عن نوال الخلاص لأن الذي يلقيها في الماء الحي لم يكن قد جاء.

وقد قال ذهبي الفم: أن الرب لم يسأل الرجل سؤالاً عن إيمانه به لأن ذلك الرجل لم يكن قد عرف الرب سابقاً (يو٥: ١٢-١٣) سأله أتريد أن تبرأ.

ليس هذا السؤال غريباً لأن بعض المرضى كانوا قد تعودوا على المرض ولا يستريحون للحياة دون مرض، فيجب علينا أن نحب الصحة ولكن دوام الصحة يحتاج حركة ونشاطاً فعلينا بالإجتهاد الدائم.

والأمر أهم في الناحية النفسية، فالحياة السلبية توجِد نفسية متواكلة شاكية، طالبة المعاونة من الغير، أما الحياة النشيطة فتوجد النفسية المتجددة الشاكرة، السعيدة الباذلة.

وليس معنی هذا أن ضعف الجسد أو المرض هو الذي يوجد النفسية المتواكلة، لأن كثيرين من الضعفاء لهم نفوس نشيطة ولهم فكر متجدد، وكثيرون من المعوقين تم تدريبهم على أعمال مختلفة، فأدوها بكفاءة ونفسية قوية مستريحة، فالعمل هام جداً لكل انسان مهما كان وضعه، والرغبة في العمل أساس للحيوية.

فلنقدس العمل، ولنسعد بما نعمل، فهذا إيمان بالرب وتلبية لغرضه من حياتنا.

قال المريض أنه تمنى أن يبرأ ويسعى لذلك، ولكنه لضعف حركته يتأخر في النزول کلما تحرك الماء .. ولم يكن الرجل يعرف يسوع، ولكنه حين سمع كلمة “قُمِ. احمِلْ سريرَكَ وامشِ” قام للوقت فوجد نفسه معافی.

التــــوبة: (يو٥: ٥-١٥)

يرجح الكثيرون أن مرض ذلك الرجل كان مرتبطا بخطية، فلما قابله السيد بعد ذلك قال له: لا تُخطِئْ أيضًا، لِئلا يكونَ لكَ أشَرّ، وليس معنى هذا أن الله عاقبه على خطيته بمرض، بل أن للخطايا نتائج وخيمة على صحة فاعلها، والرب يحذره ألا يخطئ لئلا يقع في خطية تسبب له تعباً، فقد أخطأ الشعب قديماً وهو في طريقه إلى كنعان فتاه ثماني وثلاثين سنة، وبعد أن دخل الأرض كان يخطئ أيضاً، فكان يُسَلَّم للأعداء والسبي ومتاعب أكبر، فالرجل وقد كره التعب يجب عليه أن يكره الخطية بأنواعها ويجتنبها ونتائجها.

كان ذلك اليوم سبتاً، كانت الوصية الرابعة تقول: “اُذكُرْ يومَ السَّبتِ لتُقَدِّسَهُ .. لا تصنَعْ عَمَلاً مّا أنتَ وابنُكَ وابنَتُكَ وعَبدُكَ وأَمَتُكَ وبَهيمَتُكَ ونَزيلُكَ الذي داخِلَ أبوابِكَ. (خر٢٠: ٨-۱۰).

وكان اليهود قد غالوا في تطبيق هذه القاعدة، فقالوا أن من حمل أبرة في ملابسه قد كسر السبت، وقد ناقشهم الرب مرات في هذه المفاهيم، فقال لهم أنهم يمارسون أعمالا معينة في السبت مثل ختن المولود الذي بولد يوم سبت، حيث أنه ملتزم بالختان في اليوم الثامن (لا ١٢: ٣) ،( یو٧: ٢٢-٢٣) ولو حدث حادث مثل سقوط خروف في حفرة يوم السبت فإن صاحبه يقيمه (مت١٢: ١١- ۱۲) وغير ذلك (انظر مت١٢: ٢- ٨) ؛(  لو١٣: ٣) ؛( يو٩: ١٦).

لم يعرفه يسوع بنفسه في بداية الأمر، بل عمل معه المعروف في خفاء کامل، وإنما بعد ذلك أعلن له نفسه لكي يؤمن به، ويعلن حين لزم الإعلان للغير، ولعله لم يكن اليهود قد تآمروا على الرب لما أعلن له يسوع نفسه.

ابـن الله: (يو٥: ١-٢٦)

جاء عن يوم السبت أن الله استراح فيه من جميع أعماله، ولما كان الله لا يعتريه تعب ولا يكف عن العمل، فإن التعبير هنا هو بتصوير بشرى، مثلما يوصف الله تعالي أنه حزن، وغضب، وندم، وغير ذلك من أوصاف، ولكن الله في الحقيقة كامل ولا يعتريه تغير. ما هذه الأوصاف إلا من ناحية ما يراه الإنسان أو مايظهر للمخلوقات ويفهمونه.

ولذا حين ثار اليهود على رب المجد هنا لأنه شفى انساناً في السبت على الرغم مما أبانه السيد في مناقشاته معهم من أنه “يَحِلُّ فِعلُ الخَيرِ في السُّبوتِ” (مت۱۲:۱۲)، فإنه أبان لهم أنه هو رَبُّ السَّبتِ (مت۱۲: ۸).

وهنا يطرح إنجيل يوحنا الأمر من زاوية أخرى:

  • أن الله لم يسترح بمعنی أنه كف عن العمل، فهو عامل في تدبير الكون في أيام السبت مثلما في غيرها، والحقيقة أن الأيام لا تظهر إلا على الأرض، لأن النهار والليل نتيجة دوران الأرض أمام الشمس، أما خارج نطاق الأرض فلا يحكمه نهار وليل مثلما عندنا، والله لايحكم من الأرض بل هو الذي يحكمها، وهو يعمل دائماً.

كما أن الحياة التي خلقها الله على الأرض لا تقف عن السير يوم السبت ففيه ولادة وموت، وفيه مرض وعلاج ورحمة، وماشفاء إنسان إلا من هذا القبيل.

  • إن الآب والأبن متساويان “أبي يَعمَلُ حتَّى الآنَ وأنا أعمَلُ” (يو٥: ۱۷) أي منذ الأزل، وبعد الخليقة وبعد كتابة الوصايا، الآب يعمل والإبن يعمل، لأنهما Homo – ousios واحد في الجوهر.

وقد أفاض الرب يسوع في هذه النقطة فقال “لأنْ مَهما عَمِلَ ذاكَ فهذا يَعمَلُهُ الِابنُ كذلكَ…. ويُريهِ جميعَ ما هو يَعمَلُهُ” (يو٥: ١٩- ٢٠) لأنه اذ وجدهم يثورون لأنه قال انه ابن الله فَصَّلْ لهم ما يعمل، مبيناً انه أبن الله الذاتي بالحق “لأنَّهُ كما أنَّ الآبَ لهُ حياةٌ في ذاتِهِ، كذلكَ أعطَى الِابنَ أيضًا أنْ تكونَ لهُ حياةٌ في ذاتِهِ” (يو٥: ٢٦).

  • إن وصف الله بصفات من ناحية فهم البشر ولغتهم لا يعبر عن حقيقته بل عن مراحل کشفه بعض الحقائق للناس. وقد بان هنا أن هذا الكشف هو دائما عن طريق الأبن الذي هو اقنوم التعبير في الله، الذي قيل عنه سابقاً “بغَيرِهِ لم يَكُنْ شَيءٌ مِمّا كانَ” (يو١: ٣). وفيه يحل كل الملء (كو١: ١٩)؛ (كو٢: ٩) وغير ذلك كثير، فهو أقنوم الإعلان والتعبير والظهور. فقوله هنا “وسيُريهِ أعمالاً أعظَمَ مِنْ هذِهِ لتتَعَجَّبوا أنتُمْ” (يو٥:٢٠) لا تعني أن هناك شيئاً خفياً على الأبن بل أن هذا كشف للناس، ويتعجبون منه “اللهُ لم يَرَهُ أحَدٌ قَطُّ. الِابنُ الوَحيدُ الذي هو في حِضنِ الآبِ هو خَبَّرَ” (يو١: 18) “كُلُّ شَيءٍ قد دُفِعَ إلَيَّ مِنْ أبِي، وليس أحَدٌ يَعرِفُ الِابنَ إلا الآبُ، ولا أحَدٌ يَعرِفُ الآبَ إلا الِابنُ ومَنْ أرادَ الِابنُ أنْ يُعلِنَ لهُ” (مت۱۱: ۲۷).
  • وعن طريق الفادي يدخل الناس الملكوت “الحَقَّ الحَقَّ أقولُ لكُمْ: إنَّ مَنْ يَسمَعُ كلامي ويؤمِنُ بالذي أرسَلَني فلهُ حياةٌ أبديَّةٌ، ولا يأتي إلَى دَينونَةٍ، بل قد انتَقَلَ مِنَ الموتِ إلَى الحياةِ” (يو٥: ٢٤).
  • ولذا فلما كانت البشرية كلها محكوماً عليها بالموت والأبن هو الذي يفدی المؤمنين، فإنه هو الذي يستثنى من حكم الموت العام أو هو الذي يدين “لأنَّ الآبَ لا يَدينُ أحَدًا، بل قد أعطَى كُلَّ الدَّينونَةِ للِابنِ” (يو٥: ٢٢).

ولما كان الخلاص بدم النادي الذي فدى البشر بدم مثيلهم فانه “وأعطاهُ سُلطانًا أنْ يَدينَ أيضًا، لأنَّهُ ابنُ الإنسانِ” (يو٥: ٢٧) الذي هو ابن الله “تأتي ساعَةٌ وهي الآنَ، حينَ يَسمَعُ الأمواتُ صوتَ ابنِ اللهِ، والسّامِعونَ يَحيَوْنَ” (يو٥: ٢٥) أي يحيون بالنعمة هنا ثم في الحياة الأخرى ولذلك هذه الساعة موجودة لتخليص التابعين “وهي الآن” أما في النهاية “فإنَّهُ تأتي ساعَةٌ فيها يَسمَعُ جميعُ الذينَ في القُبورِ صوتهُ، فيَخرُجُ الذينَ فعَلوا الصّالِحاتِ إلَى قيامَةِ الحياةِ، والذينَ عَمِلوا السَّيِّئاتِ إلَى قيامَةِ الدَّينونَةِ” (يو٥: ٢٨- ٢٩)

ويقول ذهبي الفم أنه قال هنا “لا تتعَجَّبوا مِنْ هذا” أي لا تتعجبوا من کوني ابن الله وابن الناس وها أنتم ستروني دياناً للكل.

قال القديس أوغسطينوس في مدينة الله ك٦ راس١٢: لا موت أعظم وأقبح من الموت حيث لا يموت الموت. ومن آمن بالمسيح كما ينبغي انتقل من موت النفس المائتة بالخطية إلى الحياة الروحية بالنعمة لينتقل بعد موته بالجسد إلى الحياة بالمجد.

 

 

رسالة ممن كان مفلوجاً للمتنيح الأنبا كيرلس مطران ميلانو

 

خطاياي الكثيرة ثقلت على وجعلتني مريضاً منطرحاً على فراشي .

بدأت ببذرة شهوة تعمق جذرها في تربة قلبي ، فنبتت وأورقت وأثمرت ، واليوم أنا أجني ثمارها ، فها أنا مريض ملقى على الأرض أمام كل عابر .

الخطية أبرقت وازداد لمعانها أمامي وألحت علي ، وبعدما أذهلتني ذهبت لذتها وأذلتني وأعجزتني . حقاً لقد طرحت كثيرين جرحى وكل قتلاها أقوياء .

أنا أعرف نفسي ، وأعترف أن مرضي هذا من خطيتي وليس من آخر سواي .

في جيلي كان لي أخوة مرضى مثلي ، ولكن ليس بسبب خطية ارتكبوها . في أيامي كان هناك المولود أعمى ، وهو لم يخطئ ولا أبواه ، وكذلك ابنة يايرس ، ونازفة الدم ، وابنة الكنعانية .

الخطية ربطت عنقي بحبالها ، أجلستني على التراب سنين عديدة .

حتى الأرض التي كنت ملقى عليها لم تتقبلني ، كادت تلفظني لأن خطيتي كانت لها سفر تذكرة باللعنة التي حلت عليها في قديم الزمان بسبب الخطية .

كنت عاجزاً عن الحركة ، واليوم بعد عمل المسيح معي انا عاجز عن أنا الصمت عن الكلام ، فكيف أكون ناكراً للجميل ؟! أريد أن أجري وأحكي من جيل إلي جيل ومع كل جيل.

يا صديق غربتي دعني أخاطبك : لو أنت خاطئ مثلي ومحب للخطية أمل لي أذنك ، سأحكي لك عنها وعن أتعابها وعن أتباعها ، وكيف أذهلتهم وكيف أذلتهم .

هي تعلم وتدرب رقص الضمير ، فتقول عن الشر أنه خير ، وعن الخير أنه شر ، تقول عن النور ظلاماً وعن الظلام نوراً ، وأن العمر ثابت وهذا العالم مؤبد .

في يديها خيوط من حرير ، بها تلعب معك وتنفرد بك بعيداً ، وفي غفلة تتحول خيوطها إلي قيود من حديد تربطك بها ، فتغلق عليك أبواب الرجاء والنجاة ، تمرضك ، تحزنك ، تقلقك .

كل هذا أنا ذقته منها ، هي أغرتني وأغوتني ، أوهمتني ورفعتني عالياً ، ومن هناك ألقتني وطرحتني أرضاً وأرقدتني ثمانية وثلاثين عاماً مفلوجاً .

وبينما كان اليأس يتملكني جاء إلى معين من ليس له معين ، وفتح لي باب الرجاء وأخرجني من قيود خطيتي .

بكلمة واحدة من فم محرر الخطاة انحلت عني كل رباطات الخطية .

المسيح هو محرري من قيود خطيتي ، وشافيني من مرضي ، هو أتى إلي وشفاني من الأسباب التي قادتني إلى المرض ، ولم يتركني بلا نصيحة بل أوصاني بألا أعود إلي الخطية مرة أخرى لئلا يكون لي أشر .

أدركت أن البعد عن الخطية فيه شفاء مرضي ، وأنه أهم من شفاء الأمراض ، لأن آجلاً أو عاجلاً العمر حتماً سينتهي ، أما الخطية فهي التي تفصلني عن الحياة الآتية والأبدية مع مخلصي الحبيب الذي بلا خطية .

السيد المسيح الذي رأته عيناي وسمعته أذاني هو الوحيد الذي ليس بأحد غيره الخلاص ، هو محرر عبيد الخطية أمثالي .

أنا أردد ما قاله المسيح للجميع ” إن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحراراً ” .

 

المرجع : كتاب شفتاك يا عروس تقطران شهداً (الجزء الخامس ص ١٥٤) – دير الأنبا شنودة رئيس المتوحدين العامر بميلانو

 

احد المخلع – المتنيح القمص بيشوي كامل[8]

النهاردة أحد المخلع الحد الخامس من الصوم أو الحد قبل االأخير. الحد اللى جاى الحد الأخير من الصوم اللي هو حد التناصير. وده ترتيب الكنيسة،  إن الكنيسة  كانت في الصيام ده بتكلمنا باستمرارعن علاقة الإنسان بربنا.

وحد الرفاع كانت بتتكلم “أدخل مخدعك وصلِ لأبيك الذى في الخفاء”. الحد اللى بعديه كان بيتكلم عن رعاية الله لأولاده وتحديد معالم الطريق. والحد اللى بعديه كانت بتتكلم عن التجربة وإن احنا أولاد ربنا وفى وسط التجربة هو أبونا. الحد اللى بعديه الأبن الضال وشفنا أحضان ربنا المفتوحة ومحبته اللي هي لا يمكن أن تُحَدّ ولا بأى خطية من خطايا الإنسان. أساء الإنسان إلى الله هيفضل الله أمين في محبته لأنه هو أب.

الحد اللي بعديه شفنا الحوارالعنيف اللى كان بين المرأة السامرية وربنا يسوع، وهو في إصرار مُصِّر أن هو يخطف النفس دى من الهلاك اللي هي فيه، ومن الميه المصممة تشربها ويعطيها ماء حي ويخلق حياة جديدة منها، ويخلى لها شخصيتها الجديدة في المسيح كإنسانة خلقها الله على صورته ومثاله.

الحدين دول النهاردة والحد اللى جاي هتجد فيه بصورة  واضحة عن النعمة الغنية وبِركِة حسدا ذي ما كنا بنتكلم امبارح، هي رمز للمعمودية، وحوالين البركة دى جموع كثيرة من الناس قاعدة، عميان وعرج وعسم كل واحد فيه عاهة.

وأنت لما تسرح بخيالك كدة.. بركة ميه وحواليها الناس راقدة، اللي راقد يقول آى.. واللي راقد أعمى مش شايف إنما له أمل.. الكل ليه أمل.. وله رجاء. وإن ها يجي فيه ملاك ويحرك البركة، المياه، بس اللى شاطر ينزل الأول، يعني فيه نوع من التسابق زى ما كنا بنقول أمبارح برده، أن الحركة حركة الروح هنا ضعيفة لأن لما يجي الملاك صدفة يعني بترتيب ربنا، لكن فين على لما يجى يمكن كل شهر مرة أو كل أسبوع مرة ويحرك الميه، أول واحد بس.. هو اللي يشفى. لكن في بركة المعمودية روح ربنا هو اللى بيحل مش ملاك علشان كدة العمل قوى وبصحيح لأنكم تشهدوا معايا إن فعلاً معرفتنا للمسيح فتحت عنينا، يعني أنا عايز أتخيل الإنسان قبل المعمودية، ليه منعتبرهوش أعمى يعنى هو في حالة عمى. فيه أسرار كثيرة خالص.. أسرار كثيرة. أنا أقول لك أن ربنا يسوع  قال: أحمدك أيها الآب لأنك أخفيت هذه عن الحكماء والفهماء وأعلنتها للأطفال، كإعلانات الله. الله مش لازم يِتْعرِف بعقل الإنسان لكن نعمة ربنا تفتح ذهن الإنسان، فربنا فتح ذهن التلاميذ ليفهموا الكتب. ويمكن تقرأ الكتاب زى الطلاسم ليك.

وربنا أعطى الرسل نعمة وادراك.. العلماء مقدروش يعرفوها زى ما كدة كنا عميان وأصبحنا نبصر.

وكنا أرض أصبحنا نتحرك لأن رجلينا كانت تمشى بعيد عن ربنا. فدى رجلين عرجاء. المهم إن عمل المعمودية غالى جداً. وده اللى أحنا باختصار عايشين فيه. وقلنا أكثر أو العلامة الواضحة أو الختم الموجود محبتك اللي بيؤكد عمل بركة المعمودية بقوة إن الروح القدس ساكن جواك. أنتم هياكل الله وروح الله ساكن فيكم. اللى يهمنا يا أحبائي أن تدركوا مقدار الغنى اللي عايشين فيه إن أي واحد منا صغير، كبير، غنى، فقير، ذو مركز في العالم، مش ذو مركز.. المهم روح ربنا ساكن جواه. لو كل واحد مننا يتلمس هذه القوة غير المحدودة يبقى قد إيه ميبقاش في الكنيسة ولا واحد أعمى ولا واحد أعرج ولا واحد فقير، لكن أكمل غنى بالنعمة. نعمة ربنا غير المحدودة لأن روح الله أنسكبت في قلوبنا. أو محبة الله انسكبت في قلوبنا بالروح القدس.

النهاردة عايزين نتكلم مع بعض عن شخصية الراجل ده. والحوار اللى دار بينه وبين المسيح. راجل بقى له ٣٨ سنة.. ده تعتبره إيه؟ اتحطمت نفسيته. لكن، بأقول الناس اللي حوالين البركة دول ناس عندهم أمل. مهما بتطول الأيام.. فيه أمل، الأمل مبيخلص من عندنا. إلا يمكن في يوم من الأيام يجي نصيبي وأنزل أول واحد. لكن كل ما تمر الأيام كل ما بتكتر العيانين. دى نقطة تانية كل ما الخبر بيتنشر إن فيه شفاء عند بركة بيت حسدا، كل ما يكتر العيانين. كل ما يكتر العيانين كل ميبقى احتمال النزول يبقى أقل.. لكن فيه أمل.

وربنا جه يتكلم مع الراجل في النقطة دى بالذات، في النقطة دى بالذات.. أتريد أن تبرأ؟.. سؤال عجيب خالص، أي إن اللي يحب المسيح لازم يكون مملوء أمل ورجاء وعزم.. أتريد أن تبرأ؟ مهو ده ممكن السؤال اللي تسألهونى دلوقت كرد على كلامي الأولاني. إذا كنت أنا هيكل لروح ربنا، وروح ربنا ساكن فيّ، أُمال ليه حياتى ما بتتغيرش؟ هل تسمع الصوت ده: أتريد؟ إن الروح القدس يعمل فيك؟ وجسد الرب ودمه يعمل فيك؟ أتريد أن تتغير حياتك كلها.. سؤال غريب خالص.. مين مش عايز!!!!..

أهو سؤال بيسأله ربنا: أتريد؟ ده  يوريك نقطة مهمة جداً جداً جداً.. إن الإرادة عملية أساسية في علاقتنا مع ربنا، يعني الله قدم لنا بدل النعمة دي قدم لينا روحه، بدل الإرادة، إن حبيت تأخذ تأخذ.

دلوقتى الهواء اللي حواليك مالي الكنيسة أهو. إن حبيت تأخذ وتأخذ شهيق جامد هتأخد هواء كثير، إن كانت الرئة بتعتك ضعيفة هتاخد كمية بسيطة.. أتريد؟ العملية دلوقتى عملية إرادة. ما أنت تلاحظ إن الناس  اللى تبعوا المسيح  كلهم لم يلزمهم المسيح الزام لكن كان بيتكلم بأحترام كامل لإرادة الشخص اللي قدامه.

عاوزين نعرف حاجة هنا في الحديث مع السامرية.. ياست أدينى لأشرب، قالت له: لا!!.. قال: طب أديكى أنا ميه تشربي.. وأبتدأ يكلمها على قدم المساواة. يعنى لا انفعل المسيح ولا حاول يستغل إنه يقدر يؤثرعليها بإنفعاله زى ما ناس تزعق وتصرخ وتعمل.. ولكن كلمها بهدوء لأن المسيح قاصد من الحتة دى إن يحرك فيها الإرادة فتقول طيب ادينى. آه لو قالت ادينى بس.. يديها. فاضل كلمة  واحدة  منك: يا ربي ادينى، يديلك.. تقول له إنى أريد أن أبرأ. وهو يقول لك.. كونه هيشفيك هيشفيك.. لكن “أتريد؟” دى لها علاقة بحياتى الداخلية. لأن الشلل اللي هو عايشه الراجل ده شلل.. فيه حاجة من جوة. طب أتريد أن تترك حاجات في العالم وتمشى وراء المسيح؟  يقول لك فمضى حزيناً لأنه كان ذا أموال كثيرة.

لما يقول لزكا أسرع وانزل.. لما يقول له زكا لا مش نازل.. فبرده ربنا ها يسيبه علشان كدة في الآخر المسيح قال “يا أورشليم يا أورشليم” وده الأنجيل الأخير بتاع جمعة ختام الصوم، أخر جمعة في ختام الصوم تسمع الأنجيل “يا أورشليم يا أورشليم كم مرة أردت أن أجمع بنيك فيك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ولم تريدي. هوذا بيتكم يترك لكم خراباً “فالإرادة” هنا واضحة، طب يقول لى ومين يقدر يعارض إرادة ربنا؟.

فالعجيب في ربنا أنه يحترم إرادة الإنسان جداً ما يفرضش عليه. من أول آدم،  يقول لآدم الشجر كله عندك، الخير كله بتاعك، أنا أبوك، أنا أرعاك، بس انحاز لي ماتنحازش لحد تاني، وإذا انحازت لحد تانى أنت حر.

مسكين آدم بيقول لك إن الحية أحيل جميع حيوانات الجنة فدخلت من الحتة دى ناحية الجمال، وناحية الإغراء، وبعدين ناحية التشكيك في حاجات ربنا في تعليمه!..  وبعدين جات بمكر وخبث مقالتلوش إن ربنا قايل لك ماتكلش من شجرة الخير والشر، بل قالت أحقاً قال الله لكما لا تأكلان من كل شجر الجنة، طبعاً بقى ده معقول؟ ومن التشكيك ده ابتدأ آدم ينحاز بكامل حريته للحية. وحواء بدأت تنحاز بكامل حريتها للحية، ومن هنا جه الموقف إني لازم آدم يتحمل مسئوليته، هو أراد إنه يسمع كلامها هو حر يتحمل مسوليته.

ربنا بيقول كم مرة أردت ولم تريدوا، وأنتم مش عايزين، الكلام ده قاله ربنا لأورشليم بعد الفين سنة.. نبي وراء نبي، وتعليم وراء تعليم، وبعدين قال أردت ولم تريدوا، أخاف يا أحبائي إن ربنا يجي في يوم ويقول لنا كم مرة أردت ولم تريدوا، أردت أن أسمعكم يا أولادى كويس وتصلوا وتقولوا يا أبونا اللى في السماء يا أبانا الذى في السماء، وأردت أن أعطيكم كل ثمار الروح القدس من المحبة والفرح والسلام وطول الأناة، وأردت أن أديكم حبي بالكامل.. وأردت أن أغسل خطاياكم.. وأردت أن أقدم لكم جسدي  ودمي.. وأردت إن أنا أحاوطكم بكل رعاية أبوية سماوية.. أردت هذا ولم تريدوا!!.. 

علشان كدة أنا عايز أقول كلمة: أتريد أن تبرأ، دى إعتبرها مواجهة لينا كفرصة لتغيير مجرى الحياة بالكامل كدة.

أتريد؟.. العملية عايزة جرأة. أيوة يا رب عايزة جرأة . طيب سيب المكان اللي أنت فيه.. طب سيب المجلة اللي أنت بتقراها دي.. سيب الحتة اللى فيها عثرة دي، شوف هأقول لك حاجة غريبة خالص، مفيش واحد طلع من الكتاب  المقدس في العهد الجديد مشي وراء المسيح وما تركش حاجة.. علشان كدة بيقول لى: أتريد؟.. يبقى العملية هنا فيها إرادة.. أتريد يا متى أن تتبعني؟.. أترك مكان الجباية، أتريد يا زكا أن تتبعني؟.. أسرع وانزل، أتريدى أيتها المرأة الخاطية أن تكوني لي؟.. سيبى حياتك الماضية.. يحط حد فاصل في حياة الإنسان، صدقني الموضوع بسيط خالص خالص.

مفيش تعقيد في المسيحية، ولا هي فلسفة ولا حاجة، كلمة بسيطة “أتريد؟”، وعلى فكرة على قد ما تسيب على قد ميكون حبك كبير، لأن ربنا بيحبنا.. عارف بيحبنا قد إيه؟.. بيقول كدة “إن كان في صورة الله لم يحسب نفسه خلسة أن يكون معادلاً لله لكنه أخلى ذاته آخذاً شكل العبد، وإذ وجد في الهيئة كإنسان أطاع حتى الموت.. موت الصليب. الحب ده، الحب هنا فيه ترك.. ترك كثير.. إنما من غير ترك لا.. إحنا أصلنا اتعودنا زى ماتقول.. اتدلعنا شوية.. إحنا عايزين نمشى مع ربنا، لكن مش عايزين نترك حاجة.

الشاب الغنى جري وراء المسيح  وقال له أنا عايز آخذ الحياة الأبدية، قال له طب احفظ الوصايا.. قال له حفظتها صم، ده أنا مفيش قداس بيفوتني ولا فيه كنيسة بتفوتني، قال له طيب سيب حاجة بقى. ما هو الحب أصله ميجيش إلا بالترك.

الحب ميجيش غير بالترك.. أتريد أن تكون إنسان عظيم، وتقابل حب الله ليك.. أترك.. مهوش صعب يا أحبائى.. أنا مشيت مع المسيح ما تركتش حاجة. أترك وتعالى واتبعني.. أترك إيه؟ طب هاترك حاجات كثيرة يا رب بس إلا الحاجة الفلانية دي.. علشان الحاجة الفلانية دى اللى أنت هتترك كل حاجة إلا هي، هي دى دلالة حبك لربنا، لأن إذا كنت أحب ربنا فهأترك أغلى حاجة أو أكثر حاجة عندى.

يقول سفر الرؤيا عن اللي مشوا وراء المسيح “الذين لم يحبوا حياتهم حتى الموت” دول تركوا حياتهم..

تقول التسبحة “يأتي الشهداء حاملين تعاذيبهم ويأتي الصديقون حاملين أتعابهم” كل واحد هيروح، ترك لربنا شيء.

أنا أقول له يا ترى يا رب أنا تركت من أجلك إيه؟

المرأة الخاطية تركت كثير جداً للمسيح، علشان كدة المسيح كتب تقرير عنها.. هذه المرأة “أحبت كثيراً فغفرت لها خطاياها الكثيرة”.

أما حكاية العزومة اللى بتعملها لربنا دى متنفعش كثير. سمعان الفريسي عمل عزومة والمسيح مكسفوش راح، آهي مجاملة كويسة، مبرضه ترك كثير عمل عزومة وكلف نفسه وتعب.. كتر خيره الراجل، لكن هذه المرأة تركت حاجات  أساسية في حياتها. تركت برنامجها القديم.. تركت..

هل ممكن النهاردة يكون فيه ترك؟ أنت تبقى استفدت من حضورك الكنيسة النهاردة.

أتريد أن تبرأ؟ أنت تشفيني يا رب وتدينى مواهب روحك القدوس. أديك، وأديك بمنتهى الغنى.. أتريد أن الروح القدس الذى فيك يشتغل؟ أتريد أن تأكل جسد الرب ودمه ويغير حياتك ويخلقك انسان جديد؟ أدخل مخدعك وأغلق بابك وأطلب من أبيك الذى في الخفاء.

تريد أن تعطى محبة لكل الناس من كل القلب؟ أطلب منى أنا أديلك.. أتريد أن أعطيك طهارة وقداسة؟ أديك.. بس أطلب منى وأترك الحاجات الفاضية دية وأنا أعطيك.. أتريد أن أعطيك وداعة وطول أناة وصبر؟ أعطيك.. أتريد أن أعطيك ملكوت السموات كلها؟.. احتقر أباطيل هذا العالم.. أتريد أن تبرأ؟ عايز تكون صحتك  النفسية والروحية قوية؟ ياللا أنت متأخر ليه؟ المواعيد كلها ليك، والخير كله ليك، والمسيح نزل مخصوص من السماء ليك ترك عرشه السماوى.. وترك أمجاد السماء، وولد في مزود حقير، ترك..

أرجو يا أحبائى أن إحنا نطمع في ربنا علشان إحنا اتعودنا نطلب منه الحاجات البسيطة نقول له يا رب نجحنا في الإمتحان.. حافظ على العيال.. بارك فيهم أديهم.. الموضوع يا رب اللى أنا مشغولة  بيه شوف لي يا رب الموضوع اللي أنا مشغولة بيه.. رتب لي يا رب الموضوع الفلانى ده.. لكن إيه؟.. لو تطلب أنت ملكوت الله  وبره.. لو تطلب الغنى السماوي.. هتؤمن  بيه.. المرأة  الخاطية راحت قالت أنا عايزاك أنت.. أنا مش هأطلب منك بس أن تحل لى مشكلة صغيرة في حياتي.. أو في النهاردة مشكلة مش حاجة كدة بتمسني يا رب.. أرجوك إن أنت تسهلها لي.

جميل جداً إن أنت تلجأ لربنا في كل حاجة صغيرة. لكن المرأة الخاطية قالت له أنا عايزاك أنت، وهأسيب اللى فات كله، قال لها خلاص. بصوا.. يا أمرأة أمضي بسلام مغفورة لك خطاياك، أنا هأكون معاك مش هسيبك.

وعايز أنبهك لناحية مهمة جداً جداً أن اللى تركوا من أجل المسيح. المسيح أصبح مسئول عنهم مسئولية كاملة طول حياتهم للنفس الأخير. وهاديك مثل بطرس ترك السفينة ومشي وراء المسيح.. وبعدين اتغيرت طبيعة بطرس؟.. بطرس مرة المسيح قال له أبعد عني يا شيطان.. بطرس مرة أنكر وسب ولعن.. أقول لك أكثر من كدة.. يقول التاريخ أن بطرس في أيامه الأخيرة في الليلة الأخيرة وهو رايح يتصلب هرب من الصليب!.. وكان هينكر المسيح تاني، ولحقه المسيح على أبواب روما، وقال له أنت رايح فين يا بطرس؟ قال له أنا خايف. قال له أنا أروح أتصلب بدالك مرة تانية.. فبكى بطرس من جديد ورجع تاني وقال لهم أصلبونى بس متصلبونيش زى المسيح، أصلبونى منكس الرأس، رأسي تحت ورجلى لفوق. عاوز أقول إن بطرس لما ترك.. المسيح قال له تعالى ورايا.. بطرس في الحالة دى أصبح في مسئولية المسيح. رغم من ضعفاته البشرية.. يعني أنت لما تترك.. وأنتِ لما تتركي وتقول خلاص يا رب هامشى معاك، وهسيب كل شئ من أجلك.. من أجلك أنت لوحدك. رغم أن فيه ضعفات لكن الله يتولى هذه الضعفات ويرعاها. ويدبرها، ويكون معايا لغاية لما يوصلنى بسلام.. ويقول: أتريد  أن تبرأ؟.. وطبيب النفوس ربنا يسوع المسيح.. يعنى واحدة زى المرأة السامرية دى نفسيتها من جوه شكلها إيه؟ خربانة خالص. أتريد أن تبرأ؟. ده  هيصلحها.

الإرادة مطلوبة منك.. أتريد؟ 

أفتح الإنجيل، وخد المواعيد كلها موجودة ليك، أتريد أن تكون مع المسيح؟ أقعد بالساعات وأقرأ في الانجيل بتاعك، خذ آيات.. أهيه مواعيد من السماء.. ويصلح نفسيتك ويعطيك سلام، ويعطيك قوة ويعطيك بركة.

أتريد أن تبرأ؟ قال له ليس لى انسان يلقينى في البركة. دي نقطة خطيرة تانية. الناس دي كلها مفيش واحد يرميك في البركة؟ مفيش حد عنده شهامة؟ مفيش حد عنده مروة؟. افرض إن أنا مش من عيلة معتبرة وكل واحد جايب له مجموعة علشان يرموه بسرعة.. وأنت مش لاقي حد غلبان يرميك. في البركة.. قال ليس لى انسان يلقيني في البركة. ودي يا إخوتى بتحط الكنيسة في موقف حرج جداً.. إن مش أنت مسئول بس عن إن أنت تبرأ مسئول كمان علشان تزق زميلك كمان. علشان ينزل البركة.

أتريد أن تبرأ. حركة الكرازة في الكنيسة نايمة خالص، ليه؟ أنا عايز أقول قطعاً يمكن الناس اللي في الكنيسة ما تلامسوش مع المسيح تلامس قوي أو افتقدوا هذا. لكن المرأة السامرية راحت وكرزت قالوا لها تعالى هنا، على مين الكلام اللي بتقوليه. هو إحنا مش عارفين أصلك وفصلك.. تكونيش أنت غريبة مش من البلد دي، مش بنت فلانة وماشية مع فلان وفلان وفلان، أنت اللى جاية توعظينا؟ قالت لهم افهموني، أنا مش جاية النهاردة أوعظكم، أنا مش جاية أكلمكم عن نفسي أنا جاية أكلمكم عن واحد تاني. انسان قال لى كل ما فعلت. تعالوا.. أنا ما باقولكمش أمشوا ورايا.. تعالوا.. شوفوا الكرازة هنا. أنا ما باقولكمش ارتبطوا بي، أنا مجيتلكمش علشان أفرض شخصيتي عليكم. أنا لقيت لكم جوهرة غالية متتحرموش منها.. أرجوكم.. وابتدأت تتذلل لهم. يا شيخة سيبك من الكلام دة. يا شيخة من امتى أنت بتاعة الكلام دة. دة إنت يعنى أبعد ما يكون، لو واحد غيرك يخيل في الحكاية  دي، إنت إيه اللى يخليكى تقولى الكلام دة، قالت لهم أرجوكم تعالوا أخرجوا أتقابلوا. وكانت المقابلة قوية جداً. ودى الحركة الكرازية في الكنيسة. إن النفوس اللي ذاقت الحرية في المسيح، واللي سلمت ارادتها لربنا.. اللي سارت في الطريق. أصبحت مسئولة أن توصل كلمة ربنا للآخرين.

من الأول كدة بطرس “أخرج يا رب من سفينتى لأنى رجل خاطئ”. قام المسيح قال له: لا تخف من الآن تكون تصطاد الناس.. على طول كدة؟ قال: آه. لأن أنت مادام اعترفت بخطيتك وتبت وقبلت المسيح في حياتك روح ربنا اللي جواك ها يسخرك لخدمة حقيقية.. هتروح تقول لهم؟ تعالوا هعمل جمعية.. تعالوا ماشّوا ورايا.. هتقول لهم لا تعالوا خشوا الكنيسة.. تعالوا كلوا من دسم بيت أبوكم أنتم، أنا مليش دعوة أنا لا عضو في لجنة الكنيسة دى ولا باشتغل في الكنيسة  قسيس ولا أنا شماس، ولا حاجة، لكن أنا راجل غلبان. ولكن حياتى وحشة خالص.. فاضى زى حاجة وحشة خالص زى المرأة السامرية. لكن تعالوا ذوقوا اللى أنا ذقته. أنا ذقت، أنا ذقت حاجة حلوة خالص، وروحوا أنتم بنفسكم وذوقوا، أنا ذقت الكتاب المقدس، من أين هتقول للناس الكلام الحلو، تعالوا ذوقوا، وأنا هشتغل لكم واعظ وأنا لا واعظ في الكنيسة ولا أنا معلم. لكن أنا ذقت كلام حلو في الكتاب المقدس ومواعيد حلوة ليكم، طب أفتح الإصحاح ده أقرأه أنت في بيتك، طب خذ النبذة دى جميلة أنا قرأتها وانتفعت بها. انتفع أنت بيها، وتحط للي قدامك إن أنت انسان غير مغرض. لأن إنت ذقت الحياة فبتقدمها.. وده اللي قاله معلمنا يوحنا في رسالته الأولى.. في  رسالته الأولى يقول كده: الذى رأيناه والذى كان من البدء الذى سمعناه.. الذى رأيناه بعيوننا الذى شاهدناه ولمسته أيدينا من جهة كلمة الحياة، الحياة أظهرت ونخبركم بالحياة الأبدية.

نكتب إليكم بهذا لكى يكون لكم شركة معنا. لكى يكون فرحكم كاملاً.. يعني أنا باقول لكم الكلام ده علشان ايه؟ تذوقوا الفرح الكامل اللي أنا ذقته لما عشت مع المسيح.

تخللى بالك كدة كل اللي ذاقوا الحياة مع المسيح تحولوا إلى نفوس كارزة بدون ضوضاء وبدون ضجة. لأن طبيعتهم أصبحت يعنى حياة مسيحية عملية معاشة. ماهو قدامنا مثل، آهو المرأة دى سيرتها زى الزفت المرأة السامرية، النهاردة المرأة دى عايشة طب ودي عايزة وعظ في إيه؟ ولا توعظ ولا تتكلم هي حياتها دي يمكن تقول لي يمكن سيرتها القديمة وقفت عائق أمامها، أقول لك آه.

دى  سيرتها القديمة هي أقوى أقوى مشجع للكرازة. لأن لما أشوف انسان سيرته القديمة وحشة وحياته الجديدة قوية في المسيح. هيبقى هو نفسه كارز لوحده لما تشوفه كدة. زكا رئيس العشارين وهو بيدى نصف أمواله للمساكين، ونقول مش معقول الراجل ده اللي كان بيعذب الناس علشان يأخذ منهم فلوس أصبحت حياته بتتغير.

فالراجل ده قام وزحف ومشي وبعدين المسيح قاله طبعاً سيبك من المناقشة السخيفة اللي دارت.. قالوا له إنت عملت ده في السبت.

إحنا مالناش دعوة بالهجص بتاع اليهود ده خالص، لكن أنا دلوقت بأحملك وبأحمل نفسي مسئولية الكلمة التي قالها الراجل “ليس لى انسان يلقينى في البركة”. 

ففي نفوس كثيرة  برة مش لاقية حد يرميها في بركة الكنيسة، مش لاقية حد يرميها في بركة النعمة. فيه ناس كثيرة على رأي المسيح لما قال الحقول قد أبيضت للحصاد. يمكن جارك، يمكن زميلك، وانت لو فتحت معاه كلمة ربنا بسرعة قلبه ها يتفتح.

ليس لي انسان يلقيني في البركة. 

الكنيسة بتاعتنا لازم تتحرك..  تتحرك.. تبقى فيها قوة داخلية متحركة. مش كنيسة كدة تقول أنا عايشة مع ربنا، وكنيسة حلوة فرحانة مبسوطة، وعملنا وسوينا، وتقف تحكى وتقول وتزيد.

إن ذقت حاجة قدمها. وإلا ها يقف الراجل ده في اليوم الأخير قدام ربنا ويقول ليس لى انسان. لم يكن هناك انسان يرميني في البركة. رغم إن كان فيه انسان قاعد ريحى على المكتب أو ساكن قصادي ويمكن كان ساكن معاي في نفس البيت.

ليس لي انسان يلقيني في البركة. 

اليهود هاصوا وقالوا الراجل ده عمل كدة في السبت وأرادوا إن هم يفصلوا المسيح. رد المسيح رد لذيذ جداً جداً وقال إيه؟ أجابهم يسوع “أبى يعمل حتى الآن وأنا أيضاً أعمل” ودة فعل مستمر. أبى يعمل.. ده كشف لينا سرالآب، بالنسبة لينا إنه في حالة عمل مستمر. طيب بيعمل إيه؟.. ربنا ما خلق العالم وخلاص، والملايكة بترعاه وخلق القوانين اللى ضابطة الدنيا، بيعمل أيه؟.

أنا حاسس صدقوني يا إخوتي إن ربنا بيعمل في التوبة في حركة رجوع نفوس كثيرة للمسيح، بيعمل..

أبى يعمل حتى الآن وأنا أعمل.

ودي هتوقفنا عند نقطة مهمة خطيرة جداً. إن الناس اللى تركت ومشيت وراء المسيح، لازم هتشتغل لحساب المسيح، هتلاقى معاكسات في السكة، لدرجة أنهم يقولوا إنت عملت في السبت، لا معملتش في السبت، بس مش من حقك تقومه في السبت، مش من حقه مش هيسيب السرير.. أوعى تناقش، اقفل ودانك دي خالص، متجادلش. أعمل عمل ربنا متناقش، لأن أبوك السماوى إيه؟ يعمل. أبى يعمل حتى الآن وأنا أعمل. يا سلام لو تكون طبيعة الكنيسة بتاعتنا العمل، مش النقد.. أعمل ليه؟ أبونا السماوى بيعمل  وعمله الأساسى في التوبة وتحريك القلوب. وده يرمي في البركة، وتعمل وترمى في البركة، وتفرح أبوك السماوى. يفرح وأنت تفرح والعمل يكبر ويتمجد. ده العمل الروحي داخل النفس. لما تبني نفوس كدة. وتبص تلاقي كل نفس تلتصق بالله تحس إن عمل ربنا عمال يكبر.

أبى يعمل حتى الآن وانا أعمل، فعل مستمر. ودي طبيعتنا كأولاد لربنا. ونكمله ونقول له يا أبانا الذى في السموات، نقول له أنت بتعمل حتى الآن منذ بدء الخليقة، من يوم ما روح ربنا كان بيرف على وجه المياه، والنهاردة روحك ساكن فينا  روحك جوة الكنيسة عمال يعمل كل يوم في الأسرار. وفى سر التوبة بالذات وفى سر التناول. وأحنا كمان نعمل ولا نعرف السكوت أبداً لأن أبونا السماوى يعمل حتى الآن وأنا أعمل.

لإلهنا  المجد الدائم أبديًا آمين .

مريض بيت حسدا – المتنيح القمص لوقا سيداروس[10]

صعد الرب يسوع إلى أورشليم في العيد، وفي أورشليم عند باب الضأن بركة يقال لها بيت حسدا. وهناك حول البركة جمهور من مرضی عمي وعرج ومشلولين يتوقعون تحريك مياه البركة لأن ملاكاً كان ينزل ويحرك الماء، ومن نزل أولاً بعد تحريك الماء كان يبرأ من كل مرض اعتراه. وبين جموع المرضى كان يرقد هذا المريض بالشلل منذ ٣٨ سنة .. هذا لما رآه يسوع وعلم أن له زماناً، قال: “أتريد أن تبرأ؟”، أجابه المريض: “یا سيد ليس لى إنسان يلقيني في البركة متي تحرك الماء، بل بينما أنا آتٍ ينزل قدامي آخر”، قال له يسوع: “قم أحمل سريرك”. فحالاً برئ الإنسان وحمل سريره ومضى. وكان ذلك في يوم سبت.

بعد هذا وجده يسوع وقال له: “ها أنت قد برئت فلا تعود تخطىء أيضاً لئلا يكون لك أشر”.

ليتنا ندرك نظرة يسوع إلينا … إنها ليست نظرة عادية كما ينظر الناس، بل كما هو مكتوب: “الإنسان ينظر إلى العينين، أما الرب فينظر إلى القلب”.

ونظرة الرب يسوع تحتوي على كل مشاعر الله نحونا، وتنقل إلينا قوة حياة جديدة في كل مرة، فحين أكون في بحثي عن خلاصي ينظر إليَّ نظرة قبول وتشجيع للبدء في العمل الخلاصي، كما نظر إلى زكا، وحينما أكون في دموع توبتي متمسكاً بقدمي يسوع يلاحظني بعين الحب، كما نظر إلى المرأة الخاطئة “وقال لسمعان أترى هذه المرأة”، أما حينما تكون النفس غارقة في خطاياها، وقد أخفي عن عينها ما هو لخلاصا وسلامها، فإن يسوع ينظر إليها ويبكي عليها، كما نظر إلى أورشليم وبكى عليها، وحينما يغلق عليَّ في قبر شهواتي ونتن رائحتی ونجاساتی ويطلبون إلى يسوع عني قائلين: “تعال وانظر” فإن عينى يسوع الدامعتين المرتفعتين نحو السماء تقيمني بقوة عظيمة مثل لعازر.. وحينما أسقط في إنكار محبة المسيح، وأكاد أبتلع من اليأس، فإن نظرة يسوع لبطرس في ليلة آلامه تخرج نفسى إلى خارج دائرة اليأس وتستقر نظرته الحنونة في أعماقي وتدمي عیني بدموع مُرَّة، ولكن برجاء ثابت. وهكذا في كل ظروف حياتي أجد الرب یسوع ناظرأ نحوي، وفي كل مرة تكون نظرته تحوي قوة جديدة للخلاص.

رآه مضطجعاً

ترى أية نظرة هذه التي يوجهها الرب نحو هذا المريض الملقي على الفراش لمدة ۳۸ سنة، وقد أوضح الرب بعد ذلك أن الخطية هي السبب الرئيسي لهذا المرض المضني “لا تعود تخطیء”.

من المؤكد أن الرب نظر إليه نظرة السامري الصالح الذي رأي الإنسان الذي عرته لصوص الخطية وتركته بين حي وميت، فلما رآه تحنن.

وهي نفس النظرة التي نظرها يسوع لأرملة نايین.

إن منظرنا ونحن منطرحين على فراش المرض وشلل الأعضاء عن العمل الروحي للخلاص، وعدم القدرة على السير في طريق الفضيلة، أو تحريك اليدين للصلاة، أو الرجلين في السجود، أو العينين في النظر إلى فوق، وفقد كل قدرة على الحركة نحو الله.. هنا الشلل الروحي يثير شفقة الرب يسوع نحونا جداً، فيوجه إلينا نظرة حنان ملوءة شفاء ويقترب منا ليقول: “أتريد أن تبرأ“.

فالرب يسوع لا يسألنا عن حالنا في الخطية، ولا يثير أسئلة كثيرة عن المرض، ولكنه يتكلم مباشرة عن الشفاء وقد يبدو هذا السؤال غريباً، لماذا يسأل هكذا؟ ولكن يسوع يريد أن يضعنا أمام الحقيقية العظمى في قضية خلاصنا وهي إرادتنا هو جاء ليخلصنا وأكمل كل تدابير الخلاص حتى الصليب و القيامة، ولكن ليس لنا أن نتمتع بشيء من كل هذا إلا بإرادتنا الخاصة.

فإرادة الإنسان هي المسئول الأول، فالمسيح لا يغصب إنسانا ولا يضغط على إرادته، بل بالعكس هو قد جاء خصيصاً ليمنحنا حرية إرادتنا التي استعبدها الشيطان.

إرادة الإنسان وحدها بعيدة عن الله لا تحرك ساكناً ولا تقل شيئاً، فالمريض له إرادة للشفاء،

ولكن هل تقدر إرادته أن تشفيه؟.. الشفاء الحقيقي هو أن تقبل إرادتنا عمل نعمة المسيح وقوة خلاصه، حينئذ تتقوي ارادتنا بالمسيح، وتصبح مشيئة المسيح فينا هي مسرتنا وإرادتنا .. وهذا التوافق في أن تصبح مشيئة المسيح وإرادته هي ما نريده نحن، هو تمتعنا بشفاء أنفسنا، وخلاص أرواحنا، وسلام أجسادنا أيضاً .. أليس هذا ما نطلبه مصلين في كل ساعة .. لتكن مشيئتك.

ليس لي إنسان                                                                    

  • ظهر لبولس الرسول في رؤيا رجلاً مکدونياً، قائلاً له: “أعبر إلينا وأعنا”، نفرس کثيرة حولنا تصرخ هذا الصراخ تطلب معونة وخلاص بكلمة، ببرهان الروح، نفوس كثيرة ابيضت للحصاد، ولكن ليس من يمد يده ويعمل.
  • وهوذا مریض بيت حسدا يصرخ اليوم يشكو من أنانية الإنسان، كل واحد ذاهب إلى خاصته .. كل واحد يخدم ذاته، حتى من يعمل العمل الروحى يجاهد من أجل خلاص نفسه، يريد أن ينزل أولاً إلى البركة قبل الآخرين .. ليس من يهتم بالخطاة، ولا من يفكر في الكثيرين حولنا مرضى الخطية .. كثيرون يقفون أمام الرب يشتكوننا أنه لم يمد أحد يد معونة، اكتفينا بتوبتنا ونسينا اخوتنا الذين حولنا .
  • البركة هي المعمودية، المياه التي يرف عليها الروح، وهی أيضا التوبة ودموع الشفاء، والرجوع إلى الحياة مع الله .. وكثيرون ليس لهم إنسان يلقيهم في البركة. إننا كثيراً ما نعطل عمل الله في النفوس بسبب أنانيتنا وعدم مبالاتنا بالآخرين .
  • أيضا في الوقت الذي يتخلى الجميع، وتقول النفس: “ليس لي إنسان”، تجد الرب يسوع واقفاً يحمل أمراضنا، ويتحمل أوجاعها .. هو أقرب من الصديق ، وألزق من الأخ، هو نصير شديد في الضيق، وهو قريب للذين يدعونه، هو واقف على الباب يقرع، في وقت شدتنا في الهزيع الرابع بعد 3۸ سنة .. هو رجاء من ليس له رجاء.

 

الأحد الخامس من الصوم الكبير للمتنيح القمص تادرس البراموسي

أتريد أن تبرأ ( يو ٥ – ١ – ١٨ )

كما عرف رب المجد خفايا نثنائيل والمرأة السامرية عرف أيضاً هذا المخلع وأن له زماناً كثيراً فسأله الرب يسوع قائلاً أتريد أن تبرأ ليرى منه أظهار حزنه وأنشاء الرجاء فيه أن الرب يسوع يطلب من المخلع الأيمان كما فعل مع مرضى كثيرين من الذين شفاهم لأنه يريد أن ينزع الإيمان من هؤلاء لكى يشفى الروح كما يشفى الجسد لأن هؤلاء كانوا قد سمعوا بعجائبه ورأوا فيها الكثير فلزم عليهم الأيمان بقدرته على صنع العجائب أما هذا الإنسان فلم يكن يعرف الرب يسوع ولا يسمع عنه شيئًا فلا يمكن أن يؤمن هذا الرجل المريض لم يكن يتوقع الشفاء ألا بإلقائه في البركة لأنه أنتظر هذا الغريب ممكن يشفق عليه ويساعده في النزول في البركة بعد تحريك الماء بعد تركه الأهل والأصدقاء بعد طول مدة المرض فقال له المريض يا سيد ليس لى إنسان يلقينى في البركة فسمع الصوت الحنون المعزى الذى يشفق على الجميع ورأى هذا الإنسان ما لم يتوقعة ورن في أذنه صوت الرب يسوع قم واحمل سريرك وأمشى ما أجمله صوت لم يسمع المريض مثله قبل ذلك ولم يجد من يساعده على النهوض لأنه مقعد لا يتحرك لكن بكلمة واحدة أظهر الرب قدرته الفائقة كان شفاء هذا الرجل في يوم السبت معلناً لليهود أن أعمال الرحمة جائزة في يوم السبت وأبن الإنسان هو رب السبت أيضاً . وجده يسوع في الهيكل ذهب ليقدم ذبيحة شكر لله على شفائه فقال له ها أنت برئت فلا تخطئ أيضاً لكى لا يكون لك شيء أشر لا ترى من هذا الكلام أن كل مريض نتيجة الخطية قد ابتلا أيوب وكان رجلاً باراً شهد عنه الكتاب رجل بار يتقى الله ويحيد عن الشر إذا ليس له خطية. أحتج اليهود على شفائه في يوم السبت فأجابهم الرب يسوع الله أستراح في يوم السبت بمعنى أنه كف عن أن يبدع أنواعاً جديدة لأنه كف عن العمل فهو يعمل دائمًا مدبراً وحافظاً للعالم وكل ما فيه كالأفلاك ويمطر الغيوث ومجرى الأنهار والينابيع أليس هو عمل فلو لم يعمل الله أنواع أعمال العناية بما تحتاج أليه الخلفية كلها لهلك العالم كله ولم يكن لنا حاجة في الله

 

العظة الأولى

أ- ماذا تفعل في العيد وكيف تسلك

ب- مجتمع الفقراء وما يجب على الكنيسة

ج- انتظار وماذا نطلب الغنى أم الملك

د-عيشة الخطية وويلاتها وكيف تهرب منها

هـ-  صوت الرب ومفتاح الفرج

و- يأس في الحياة ونطلع للأمل

ذ- الاعتراض عى عمل الخير تبرير كاذب

ح-طرحت القضية من رب البرية

ط- نال الشفاء وتشددت الأعضاء

ى – البعد عن الخطية لئلا تتكرر الأذية

ك – شهادة الحق والمجاهرة العلنية

ل – تهرب الأهل والإنغماس في الجهل

م – تعنت الشعب والاعتراض الممقوت

 

العظة الثانية

أ-عيد وبركة ومريض متروك

ب – حواس مفتوحة وقلب مغلق

ج – ملاك وانتظار وطول أيام

د – مريض مهمل وملاك مرسل وانتظار مرير

و – شفاء أكيد وعمر جديد وتزمر فريد

ذ – سعى وأنزار وحب من البار وتجنب الأشرار

ح – شهادة للجميع واحتياج شنيع واضطهاد سريع

ط – أنكروا على المريض الصحة والتجديد

ى – جهل انتقاد وتمسكهم بالعناد بدون ضمير

ك – عايروه بالخطية ونسيوا العطية وداسوا الوصية

ل – الاتكال على الأعمال وترك الرجاء والآمال

م – نسيوا يسوع وحاربوا الينبوع

ن – قاوموا عمل الخير وضلوا في المسير

 

العظة الثالثة

أ – صعد الديان يسأل على الإنسان

ب-تغير الخواص وقفل الحواس

ج – مرضى كثيرين بالآلام والأنين

د – جاء القدوس لخلاص النفوس وأطلاق الحبوس

هـ- سأل العيان لك كم من الزمان

و – صدر الفرمان أحمل سريرك وغادر المكان

ذ – احتجاج اليهود عمل السبت كسر العهود

ح – شهادة المريض والحق الأكيد

ط – فرح وتهانى العيد ونوال المواعيد

ى – جاء للخلاص وتحرير كل الناس وينقذهم من القصاص

ك – شفى المريض ونادى بالتجديد والأيمان بالابن الوحيد

ل – جاء أبن داود ليتمم العهود

م – بشر في الجليل بنور الإنجيل ووعد بالأكاليل

ن – ننظر الرب يسوع ونرتوى من الينبوع

 

المرجع : كتاب تأملات وعناصر روحية في أحاد وأيام السنة التوتية صفحة ٩٨ – إعداد القمص تادرس البراموسي

 

عيادة الطبيب الأعظم للمتنيح القمص بولس باسيلي

 

تقسيم على ضوء القراءات الكنسية

البولس : ٢ تس ٢ : ١- ١٧

الكاثوليكون : ۲ بط ۱:۳ – ۱۸

الابرکیس : أع ٢٦ : ١٩ ، ٢٧ : ١- ٨

الانجيل : يو ٥: ١ – ١٨

القسم الأول – المريض

(١) مريض عذبته العلل : ٣٨ سنة ، وهي أقصى مدة يمكن ان

يعيشها إنسان تحت وطأة المرض . والله لا يهمه مدة المرض أو عدد سنواته كما جاء في الكاثوليكون « إن يوما واحداً عند الرب

كألف سنة وألف كيوم واحد » ( انظر الكاثوليكون ۲بط ۸:۳)

(۲) مریض تجدد فيه الأمل : « أتريد أن تبرأ ». كلمات جددت في الرجل عنصر الرجاء والأمل ( انظر الانجيل ) ، وهذا ما أشار إليه بولس الرسول في رسالة هذا الموضوع حين تحدث عن الأمل فقال « نسالكم … أن لا تتزعزعوا سريعاً عن ذهنكم ولا ترتاعوا » (انظر البولس ۲ تس۲: ١، ٢) كما يحدثنا بطرس الرسول عن أن الله يمهل ولا يهمل فيقول « لا يتباطأ الرب عن وعده كما يحسب قوم التباطؤ لكنه يتأني علينا » (انظر الكاثوليكون ۲ بط ۹:۳).

(٣) مریض دعم إيمانه بالعمل : بعد أن شفي وآمن بقوة المخلص ذهب يعترف بشجاعته لليهود ويشهد للمسيح الإله

الشافي (أنظر الانجيل يو ه : ١٥).

القسم الثاني – الطبيب

(١) طبيب يستشير مريضه : « أتريد أن تبرأ » فهو بذلك يجعل شفاء المريض مشروطا بموافقته وإرادته . (يو ٥: ٦).

(۲) طبيب يصنع المستحيلات : « قم احمل سريرك وامش » . وإن لم يستطع المسيح أن يصنع المستحيل ، فيستحيل أن يكون هو

مسحينا « فحالا برىء الإنسان وحمل سريره ومشى » (يو ٥ :۹).

(٣) طبيب يكتشف سر الداء : الخطية ، ولذلك قال لمريضه محذراً« لا تخطئ أيضاً لئلا يكون لك اشر » (يو ٥ : ١٤) .

يطردون يسوع ويطلبون ان يقتلوه !

  • كان اليهود يطلبون أن يقتلوا يسوع مع أنه لم يكن يصنع شراً بهم ولا بأحد غيرهم، وإلى اليوم كثيرون يطلبون ان يقتلوا خدام يسوع ويطردونهم .

قرأت قصة ذكرها مودي الواعظ الانجليزي قال : لما كنت عائداً من أوربا إلى أمريكا في سنة ۱۸۷۲ كان في السفينة عدد كبير من

القسوس الانجليز ، وحدث أن شابا كان قد سبق أن عبر المحيط مرات عديدة ، اقترب من الربان وكان يعرفه جيداً وقال له بصوت

مرتفع قاصد أن يشتم القسوس « أنا آسف إني ركبت السفينة هذه المرة لان السفر مع هذا العدد من القسوس من سوء الحظ ، وكان

الربان رجلا غير ناعم في حديث فالتفت إلى الشاب وقال إذا كنت تريني مدينة في انجلترا فيها خمسة آلاف نسمة و ليس فيها قسيس

واحد فإني اريك مدينة أقرب ميلا إلى جهنم من أية مدينة كنت فيها». وقد انكمش الشاب وانسحب خجلا ، وقد علق مودي على هذا

الكلام بقوله « كم أحب أن أجمع أمثال هذا الشاب كلهم وأضعهم في جزيرة واحد وحدهم ، أنا أؤكد أنهم يغرقون أي قارب يحاولون أن ينزلوا فيه ليهربوا من مكانهم !!

٠عيد لليهود

الأعياد اليهودية كثيرة أهمها عيد الخمسين وعيد الفصح وعيد المظال وعيد الكفارة وعيد الفوريم وعيد التجديد ، ولكننا لا نستطيع

أن نحد بالضبط العيد الذي يذكره البشير هنا، والذي صعد فيه يسوع إلى أورشليم ، قال يوحنا ذهبي الفم وكيرلس الأسكندرى أنه عيد الخمسين ، أما إيريناوس فقال إنه عيد الفصح . وظن بعض المفسرين المعاصرين إنه عيد الفوريم الذي يحتفل به اليهود ذکری

لنجاتهم من مكيدة هامان بواسطة استير الملكة .

كان اليهود يقسمون أعيادهم ثلاثة أقسام :

(١) السبت و عيد رأس الشهر والسنة السابعة وسنة اليوبيل .

(۲) الفصح وعيد الخمسين وعيد المظال .

(٣) عيد الفوريم وعيد التجديد .

القسمان الأولان امر بهما ناموس موسى وأما الثالث فلم يعرف إلا بعد سبی بابل .

بيت حسدا :

  • معناها « بيت الرحمة » ويقول قاموس الكتاب المقدس أنه في أورشليم بركتان يرجح أن بيت حسدا إحداهما ، أما الأولى فهي

بركة إسرائيل ، وأما الثانية فهي عين أم الدرج، وذهب اكثر المدققين إلى أنها بركة بيت حسدا التي حدثت فيها معجزة شفاء المخلع الذي نحن بصدده.

عسم :

  • يجمع المفسرون على أن العسم هم المرضى بداء المفاصل أو الروماتيزم وهو المعروف الآن بداء النقرس .

ملاك كان ينزل أحياناً ويحرك الماء :

  • إن هذه العبارة إحدى الأدلة القاطعة التي تبرهن على صحة معتقدنا الخاص بعمل الملائكة وخدمتهم للبشر ، على حد قول

يعقوب ابي الاسباط وهو يبارك منسي وافرايم ابني يوسف «الملاك الذي خلصنى من كل شر يبارك الغلامين»

وقد قسم « علم اللاهوت » وظائف الملائكة عدة أقسام أهمها باختصار :

السجود والعبادة لله : على حد ما رآه الرائي في سفر الرؤيا «مستحق هذا الخروف المذبوح أن يأخذ القدرة والغني والحكمة

والقوة والكرامة والمجد والبركة » (رؤ ٥ :۱۲) وما رآه إشعياء «قدوس قدوس قدوس رب الجنود مجده ملء كل الأرض» (إش ٦

: ۳) .

۲ – حراسة المؤمنين : «إن ملائكتهم في السماء كل حين ينظرون وجه أبي الذي في السموات» (مت ۱۸ : ۱۰)

« هوذا ميخائيل واحد من الرؤساء الأولين جاء لإغاثتی » (دا١٠: ١٣)

۳- خدمة القديسين : « ملاك الرب حال حول خائفيه وينجيهم » (مز٧:٣٤) . «لأنه يوصي ملائكته بك لكي يحفظوك في كل طرقك ،على الأيدي يحملونك لئلا تصدم بحجر رجلك» (مز ۱۱:۹۱)

وفي العهد الجديد نری جبرائيل الملاك يبشر زكريا بميلاد يوحنا (لو ۱۳:۱) ويبشر مريم العذراء بميلاد المخلص (لو ١ : ٣١)

ونرى في موضوعنا اليوم الملاك ينزل ليحرك ماء البركة ليبريء الذين ينزلون إليها من أي مرض (یو ٥ : ٤ و ٥) .

٤ – الصلاة عن المتضايقين : ذكر الرائي أن ملاکا «وقف عند المذبح ومعه مبخرة من ذهب وأعطي بخوراً لكي يقدمه مع صلوات القديسين جميعهم» (رؤ ٨ :۳).

٥ – حمل أرواح الموتى : كما قيل عن لعازر « وحملته الملائكة إلى حضن ابراهيم » (لو ١٦ : ٢٢) .

٦ – محاربة الشياطين : « حدثت حرب في السماء ميخائيل وملائكته حاربوا التنين وملائكته ولم يقووا فلم يوجد مكانهم بعد ذلك

في السماء » (رؤ ۷:۱۲)

يتوقعون تحريك الماء :

  • كان المرضى ينتظرون «ملاكا» ليخلصهم من مرضهم ، فجاء « ملاك العهد يهوه ليخلصهم من الخطية »

 

المرجع : كتاب المواعظ النموذجية ( الجزء الخامس صفحة ٢٥٥ – القمص بولس باسيلي )

 

 

مريض بيت حسدا للمتنيح الأرشيدياكون رمسيس نجيب

 

بعد هذا !

بعد أن أرتوى من ايمان المرأة السامرية . واشبع جوعه بخلاص أهل السامرة ..

وبعد أن قال کلمة ، رد فيها الحياة لابن خادم الملك ، أوشكت الحمى أن تنهي حياته ، فزجر الحمى بسلطان لاهوته . وبكلمة من فمه أعاد السلام لأهل بيته ، فآمن البيت ومن فيه .. فانه – أيضا – لما جاء من اليهودية الى الجليل صنع آية ثانية ، وليس دون غرض بدون البشير يوحنا ويضيف كلمة « ثانية ) ، لقد أراد أن يعقد مقارنة بين أهل السامرة وأهل الجليل . أراد أن يثني ويمتدح ايمان أهل السامرة – الذين دون أن يروا آیات آمنوا بالسيد ، بينما أن أهل الجليل – وقد فعل من أجلهم آية ومعجزة للمرة الثانية – فانهم مع ذلك لم يرتفعوا أو يرقوا إلى ما وصل اليه أهل السامرة !!

وبعد هذا كان عيد لليهود فصعد يسوع الى أورشليم . وأغلب الظن هو عيد الحصاد « البندوقستی » . وعلى نحو ما أعتاد أن يطوف في المدن أوقات الأعياد، يجتذب الخطاة منها إلى حظيرته. ولطالما يمم السيد له المجد شطر أورشليم مدينة الملك العظيم ، وأراد أن يملك على قلوب بنيها . وفي تلك المرة دخل مدينة أورشليم ، ربما ليشارك في شعائر العيد ، ولم يكن هذا أمرا مستغربا أذا أن السيد

شابهنا في كل شيء ما عدا الخطيئة وحدها . ولعل قصد السيد من طواف المدن أوقات الأعياد كان راجعا إلى أنه في تلك المناسبات –على رحاباتها – تكون الفرصة المواتية لاجتذاب الجماهير المحتشدة وهي أكثر ما تكون عددا ، وأكثر ما تكون بعدا عن سيطرة ومكر الكتبة والفريسيين ، ففي تلك المناسبات بزخارفها ومباهجها يميل الناس أكثر الى أن يكونوا أحرارا متخففين من قيود العمى الفريسي .

وفي اورشليم عند باب الضأن بركة يقال لها بالعبرانية بيت حسدا لها خمسة أروقة ، في هذه كان مضجعا جمهور كثير من مرضى وعمي وعرج وعسم يتوقعون تحريك الماء .. بواسطة ملاك كان ينزل احيانا في البركة ويحرك الماء . فمن نزل أولاً بعد تحريك الماء يبرأ من أي مرض اعتراه !

ان هذه الأمور لم تكتب لنا دون غرض.

فلنبحث وراء المعاني المختفية وراء الكلمات ، فقد صارت نموذجا ورمزا لما هو آت ، وما هو مزمع أن نأخذه من عطايا الروح !

ففي ذلك الوقت كانت المعمودية على وشك أن تنشأ وتعطى ، تحمل معها قوة الشفاء ، غفران الخطايا .. وكأنما كانت البركة بكل ما

يحيط بها من مرضى وأحوال ومظاهر ، صورة تعكس الحقيقة أوظلالها.

فقد كان هناك الماء يغسل أوساخ الجسد ويطهر من نجاسة ناشئة من لمسة أبرص أو ميت – على نحو ما يحدثنا العهد القديم عن أمور يتم تطهيرها بالماء .. والماء في المعمودية يشفى نجاسات الانسان وكل مرض أيضا .. والملاك ، الذي كان يحرك الماء ويبث فيه قوة الشفاء ، ما هو الا رمز وتعبير عن فعل الروح القدس الذي يقدس المياه .. ويمنحها امكانية التطهير وغفران الخطايا .. وانتظار الجمهور – بكل ما يحمل من أسقام – ينتظر لحظة الشفاء ، يتمثل فيه انتظار النفوس وقد أضناها التعب الى مخلص يهب الحياة والشفاء للروح والجسد .. انتظارها لملء زمان تكمل فيه النبوات والفارق بين كل من الحالين واضح ومستعلن ، فلئن كان عسيرا على أولئك أن يبرأوا في وقت واحد ، فأن رب .

، فأن رب الملائكة يسوع المسيح رجاء المجد ، يمنح الفرصة للكل ويشتهي خلاص کل أحد . فلا يقدر المريض مهما عظم مرضه أن يقول ليس لي أنسان !

فنعمة الرب تتدفق وبغير حساب . تظل قوية في تيارها .. أمينة في محبتها تنتظر عودة الخاطىء ورجوع الأثيم.

ان هذه المعجزة قد أجريت ليؤمن الناس أنه يمكن للماء أن يكون واسطة الشفاء الجسد . فيتدربون ولمدد طويلة على ذلك ، ويكونون مستعدين أن يؤمنوا وبسهولة بذلك القادر أن يشفي الروح والجسد. يمنح الغفران . ويهب الشفاء.

  • لماذا هذا المفلوج ؟

لماذا ذهب السيد المسيح إلى هذا المفلوج وترك الباقين ؟

أراد السيد المسيح أن يكشف خلال معاملته لهذا المريض عن فضائل اتسم بها ومعالم قوة طمست تحت ستار المرض الذي كان بسبب الخطيئة.

وكما لمسنا في معاملة السيد للسامرية جوانب مضيئة من رقة حديث ، إلى وداعة قلب ، والى مثابرة متضعة ، والى قبول ايمان في روح التسليم .. فانه هكذا يكشف لنا السيد ، وبادىء ذي بدء عن جوانب مماثلة في حياة ذلك الانسان الذي نساه البشر ورذله المجتمع إلى الدرجة التي صار فيها هكذا – بلا انسان ! يعاونه ويأخذ بيده في طريق الشفاء !!

  • مثابرة رجل :

لنندهش من مثابرة ذلك الرجل . فانه طيلة هذه المدة كلها لم يفقد خلالها الأمل . وظل طريح الفراش منذ ثمان وثلاثين سنة ومع كل

عام تفوته الفرصة ويبقی منتظرا الى عام تال ، لا يترك المكان ولا ينسحب يائسا ..

ليتنا نخزى ونخجل ونئن تحت کسلنا وتهاوننا المتزايد فنان وثلاثين سنة ظل ينتظر هذا الرجل دون أن يحصل على شيء ما.. بالرغم من أن فشله في الحصول على ما كان يرجوه لم يكن راجعا إلى تقصير منه،وانما كان راجعا إلى همجية الآخرين وانانيتهم !

ومع ذلك لم يرتكب حماقة الكبرياء ، ولم ينسحب بائسا ، ولم يستسلم في استقبال الموت !

أين نحن من ايمان ذلك المريض ومثابرته ؟ فاننا أذا اضطررنا إلى الصلاة من أجل امر ما ومضينا في ذلك عشرة ايام – مثلا – دون أن تتحقق الحاجة التي نصلى من أجلها ، يأخذنا التهاون فنفقد حماستنا الأولى في اللجاجة والطلب !

.. ثابر على الصلاة . لا تقل اني قد طلبت مرة واثنتين وثلاثا ولم يسمع إلى الرب . جاهد ولا تفارق الصلاة حتى يتحقق ما نصلي من أجله . ثابر على الصلاة لكي يرضي عنك سيدك ، وتفتح له باب الفرصة ، ليظهر رحمته عليك ويغفر خطاياك .. انظر لا تمنع جوده بتغافلك ! ومهما كان جسدك ضعيفا متكاسلا ، ومهما كانت تيارات النعاس شديدة وقد مرت في جسدك كله وأخذت ترخی اعضاءه عضوا بعد الآخر ، فانه حينذاك يتحقق وقت الشهادة . قم حينذاك وانفض غبار الكسل وانزع نوم الغفلة وغالب نفسك حتى تغلبها !!.

ان الفضيلة ترتبط بالتعب والمجاهدة ، بينما الرذيلة بالمسرات والتهاون هنا تأتي أهمية المثابرة . لقد أعطانا الله – ابتداء – الحياة

حرة طليقة من التعب ، ولكن حين اسأنا استخدام العطية ، كان هناك التعب وكان معه الطرد من الفردوس.

ولنتعلم من هذا المريض الذي ظل ثماني وثلاثين سنة – في معاناة المرض – يثابر ويجاهد ، لكي يحصل على الشفاء .. ومن أجل هذا اختاره السيد من بين جمهور المرضى ليمنحه الشفاء الذي كابد وصبر ومن أجل الحصول عليه.

اسرع وراء المخلص واصرخ مثل الاعمى أين طيما . أصرخ وراء بالصلاة مثل المرأة الكنعانية ولا تحزن من طول عدم التفاته اليك . فأنت تستطيع بلجاجتك وصراخك أن تجذبه اليك وتحنن قلبه عليك .

كن مثل الكنعانية ولا تمل أو تيأس ، بل بتواضع وسعة صدر وفيمثابرة وايمان احتمل كل شيء .. ومن أجل صبرك ومثابرتك

وايمانك فانه يعزيك ويشفي ابنتك الوحيدة المعذبة ، نفسك ، من فعل الشهوات الرديئة والافكار الشريرة المتسلطة عليك.

عليك.

  • رقة هذا الرجل

هذا الرجل رآه الرب يسوع .. وعلم أنه له زماناً كثيراً فقال له :

– أتريد أن تبرأ !؟

أجابه المريض وقد أضناه المرض وقال :

– يا سيد ليس لي انسان يلقيني في البركة متى تحرك الماء بل بينما أنا آت ينزل قدامی آخر ..

أية كلمات عساها تكون أكثر رقة من هذه ، فيما لو دققنا في الظروف المرة التي أجتازها ذلك الرجل . فذلك القلب الذي حطمه

المرض الذي لم يكن يعرف يسوع، لم يقف عند تساؤله « أتريد أن تبرأ » موقف الدهشة أو حتى السخرية .

أنه لم يجب السيد في غيظ وغضب :

( هل أتيت لتسخر مني فتسألني هذا السؤال اتظنني أحب المرض ومعاناة الشدة على استطالته تلك المدة ! أم أنك جئت لتزيد عدد الذين يسخرون منی ، واحدا ! )

لا ، أنه لم يفعل ذلك وكلمه في وداعة ورقة حديث يجيبه : نعم يا سيد .. وهكذا يتقدم بكلمات الاحترام ويناديه : « یا سید » في الوقت الذي لم يكن بعد – يعرف من الذي يتحدث اليه . وفي براءة ووداعة يقص على السيد قصة متاعبه لم يسأله شيئا . وكل ما فعله أنه بث فيه شكواه وأسمعه أنينه المكتوم بين ضلوعه . فمن يدري !؟ فلعل هذا الرجل الذي يسأل عنه يكون ذا نفع له . لعله يكون قريبا منه يلقيه في البركة عندما يحرك الملاك ماء البركة .

  • ايمان هذا الرجل

والرجل المقعد حين سمع الامر الصادر اليه : قم وأحمل سريرك وامش ! لم يسخر من أمر يبدو مستحيلا تنفيذه . لم يقل بل لم يمر

حتى بخاطره هذا التساؤل ( ماذا يعني هذا الأمر فالملاك ينزل ويحرك الماء ، ومع ذلك لن ينال الشفاء الا واحد .. وانت ايها

الرجل من تكون ! حتى انك بكلمة منك تفعل اكثر مما يفعل الملاك ؟ ایکون قولك إلى سخرية ومباهاة وخداعا !!؟ )

کلا ! أن ذلك المريض لم يفعل هذا .. بالرغم أنه بعد لم يدرك أوسمع عن معجزات السيد .. وانما في قوة وايمان تدعو الى الدهشة

أطاع الرجل الأمر.. قام وحمل السرير ومشي ! أنه من السهل تصور أن مريض بیت حسدا على طول مدة مرضه ، قد نسي

حركات المشي ! واذن كيف به يصدق أن يحمل سريره ويمشي ؟

انه الايمان الذي ملأ قلبه وحياته ، والذي قاده إلى الشفاء .. ونحن هل نصدق كلمات المسيح لنا .. هل نطيعها ونخضع لها ،

بالرغم من اننا عرفناه القادر والمخلص القائم من الأموات والذي يقيمنا معه ! كلمة الله ستظل دائما أعلى من قامة الانسان فانها ضد

ميوله الطبيعية .. يحتاج الاذعان والخضوع لها ، فعل ايمان يقود إلى خبرة الدخول في المستحيلات . وهذا هو ما حدث فعلا مع

مريض بيت حسدا حين اطاع الكلمة فقام في الحال ، يختبر ما كان مستحيلا .. ادراكه بالعقل .

ان هذا الاختبار جازه ابراهيم أبو الأباء ، حين خرج من حاران وراء المجهول .. وهذا الاختبار عينه الذي كان لابراهيم ، جازته

القديسة مريم العذراء لما أطاعت الكلمة على مستوى لم يكن له مثيل من قبل .. وصايا المسيح تكون مستحيلة وصعبة لمن لا يخضع لها ويطيعها تحتاج إلى انحناءة مقدسة ، وطاعة متضيعة ، فيعمل السيد في الانسان ويكمل فيه مشيئته ووصايا !

  • قوة شهادة الرجل :

ايمان هذا المفلوج وقبوله الامر الصادر اليه ، قد لا يستغرب معه أن رأيناه يشهد للمسيح وبقوة في وسط مجمعهم ، بينما يحاولون هم الضغط عليه ، واتهامه أنه يكسر السبت ! فقد بادروا بتحذير شديد عندما ذهلوا من قوة المعجزة :

– فقال اليهود للذي شفي أنه سبت . لا يحل لك أن تحمل سريرك !

وهو في شجاعة وجرأة يشهد للذي أبراه :

– الذي أبرأني قال لي أحمل سريرك وأمشى :

وكأنه أراد أن يقول لهم :

كيف تأمروني ألا أطيع من ابرأني ! هذا هو شافي الذي أنقذني من حالتي الرديئة هذه ، من مرضى الطويل .. فكيف لا أطيع أمره أو كيف تأمرونني أن أعصي كلامه !

شهادة حية لرجل لا يعرفه .. وشجاعة قوية تحمل صدق الاختبار .

والذين يختبرون المسيح حقا . ويتعلمونه حقيقة . هم الذين في قوة الشهادة يشهدون له . يوبخون الباطل ، ويسحقونه بالحق .

كان ممكنا أن يسلك هذا الانسان طريقا آخر ، فيلتمس لنفسه العذر ويقول :

انني لم أحمل السرير إلا لأني أمرت من آخر . فان كان هناك مجال للذم ، فأجدر به ذاك الذي أمرني ولا مانع الأن أن القي السرير عني ..أو كان ممكنا له – وقد تيقن أن الذي أغضبهم ليس كسره السبت ، بقدر حمله الدليل والبرهان الذي لا يقاوم على عظمة المعجزة أن ينكر المعجزة . فتمر الزوبعة بسلام ، ولكنه في شجاعة أكد عظمة المعجزة . لم يسأل صفحا أو التماس ذلك . وانما بكل مجاهرة ودون خوف نطق بقوة الشهادة .

وأمام قوة المعجزة .. لم يسألوا عن كيفية شفائه ليعلنوا قوة فاعلها ، لكن آثروا الصمت – حينذاك – يخفون تحته حسدهم وبغضتهم ، بينما أخذوا يثرثرون في ضجيج مفتعل ، ويدعون أنهم حماة الناموس .. وهم أول من يتعدون الوصية ويتجاوزون الناموس.

سألوه في مكر : من هو الأنسان الذي قال لك احمل سريرك وامش ؟

أما الذي شفي فلم يكن يعلم من هو لأن يسوع اعتزل !

ما أجمله من قول مليء بالمشاعر مشحون بالتأمل .. لم يكن الرجل يعلم بمن آمن أو من هو الذي شهد له .. لأن يسوع هكذا أراد

واعتزل.

ما هو السر المخفي وراء اعتزال السيد !

هل أراد أن يجعل شهادة الرجل غير مشكوك فيها ، على منطق أنه بعد أن تحقق له الشفاء  واجتنی الفائدة ، فليكرز اذن بما اختبر !

أم أن السيد في اتضاع انسحب لأنه ما كان يريد أن يشعل غضبة وجنون اليهود إذ أن ساعته لم تكن قد جاءت بعد، فتوارى هدوئه

المعتاد تاركا العمل العظيم يؤدي دور وجوده بينهم !

أم أنه أراد ليجذبنا اليه ، أن نبحث عنه ، لا في الضوضاء ، اذ أن الأمر يحتاج منا إلى خلوة ، نعتزل – مثله – الجمع ونبحث عنه في خباءة النفوس الداخلية !

لأن يسوع اعتزل ..

والسر يبدو محببا جدا لنفوسنا لو أدركنا .. فقد أراده أن يؤمن دون أن يری ، فيأخذ التطويب : طوبى للذين يؤمنون ولم يروا .. وبهذا يكون قد أعطاه الشفاء وأعطاه التطويب في آن واحد .. أنه يریدنا أن نؤمن به هذا الايمان .. بغير فحص .. نلمسه روحيا ..

وحين تلتقي النفوس خفية بعريسها ، تناجيه وتهيم به .. صوته يتغلغل في طيات النفوس ، ويتدفق إلى أعماق القلب .. يمنح السلام

ويهب الغفران .. ويعطي الخيرات فتهتف النفس وقد عرفته : أني مريضة حبا.

هل تريد أن ترى الرب يسوع ؟!

يقول البشير يوحنا : بعد ذلك وجده يسوع في الهيكل ! هذا هو المكان الطاهر المقدس ، الذي يمكن أن نرى فيه الرب يسوع فهذا

المريض لم يقدر أن يرى الرب يسوع وسط الجمع ولكنه رآه في الهيكل .. بينما الرب رآه في مكانين متباينين ، بين الشعب وفي

الهيكل ، بل قاده في وسط الشعب إلى الهيكل . انه السيد الرب فوق كل مكان ولا يحدده زمان !!

  • معاملات المسيح

ماذا تكشف أيضا معاملات السيد مع الخاطيء ! أقول هذه المرة : مع هذا الخاطىء وليس هذا المقعد !

ومهما كشف السيد خلال معاملته له ، جوانب مضيئة وفضائل كانت تختبيء فيه من وراء مرضه الطويل .. لكن الشيء الذي لا يمكن تغافله ، والذي أوضحه له السيد ، في غير محاباة ، أن مرضه هذا كان سبب خطيئته ..

بعد ذلك وجده يسوع في الهيكل وقال له ها أنت قد برئت فلا تخطىء لئلا يكون لك أشر . اذن كان مرضه بسبب خطيئة

وكان مرضه الطويل ذاك الممتد عقابا على خطايا ربما لم تأخذ الوقت الطويل في ارتكابها ، ولكنه استحق عنها مثل هذا

العقاب عقاب الثماني والثلاثين عاما في أروقة بيت حسدا ..

وكلمات السيد له ، لا تكشف هذا فحسب ، لكنها تحمل تحذيرا جديدا، فهو لم يقابله عبثا ، ولم يسع للقائه في الهيكل دون سبب .

ان السيد وقد شفاه من مرضه وغفر له خطايا الماضي ، فقام وحمل سريره ..

الآن هو بنفسه يحذره من أن يرتكب الأثم في أيامه المقبلة ، لئلا يكون أشر مما سبق أن ناله . أي ليلا يأخذ العقاب الأكثر قسوة ..

فالذي لم يجد معه العقاب الأول ويسلك بعد ذلك بلا أحساس ، يحتاج إلى عقاب أشد عساه أن يشعر أو يرتدع !

  • بشاعة الخطيئة :

لم يكشف السيد المسيح في كمال محبته عن خطيئة ذلك الرجل ، ولم يبين نوعها وماهيتها ، فهو قد جاء لا ليتحدث عن الخطيئة ، ولكن ليجتذب الخطاة .. يخلصهم من الخطيئة !

الخطيئة على أية حال ، خاطئة جدا.. مخيفة ومحطمة للروح والجسد..

وهي حين تزداد تزحف وتمرض الجسد .. وهي بالدرجة الأولى تمرض الروح .. فلماذا يسمح الله أن تزحف

عن الجسد ! لأننا حين نمرض بالروح ، لا نحس بمرضها ، بمعاناتها .. ولكننا حين نتألم من مرض الجسد نصرخ ونسرع إلى

تناول الدواء .. هذا كثيرا ما يعاقب الله الجسد من اجل تعديات الروح ، وبواسطة عقاب الجسد تنجو الروح .. من أجل عقاب الذي يفنى ، ينجو الذي لا يفنى ، الروح الخالد الى الأبد .

هذا ما فعله القديس بولس مع الزاني الذي ورد في رسالته الأولى

إلى أهل كورنثوس : (.. أن يسلم مثل هذا للشيطان لهلاك الجسد لکی تخلص الروح في يوم الرب يسوع )

ما هذه الخواطر التي تجيش في صدری .. ها أنا يارب أضعها أمامك .. حين أتأمل كلماتك مع هذا المريض المقعد .. كلماتك التي

يمتزج فيها حنوك وعدلك .. وأنت يا الهي من خلال هذا المريض تتحدث الى . ليتني أصغي إلى صوتك :

+ ليتني اقبل بشكر كل ما تصنعه بي ..

جسدي ومالي لن أمسكهما عنك .. حياتي كلها بين يديك.

ولتكن أوجاع وآلام جسدی ..بخورا يصعد محرقتی ..

جربنی هنا . أبلني هنا . لكن خلصني هناك ..

خذ مني الدموع وامنحني الغفران ..

ولتكن معاناة جسدي ، لتنقيتي .. قبل أن يأتي الانقضاء ونجني !!

+ وهذا المريض ماذا أرتكب حتي ما قاسي تلك السنوات الطوال !!

لن أسأل عن خطيئته … ولكنني أبکی خطيئتی !!!

فمهما صنع من معاص ، فانه يبدو لي أنه ما كان بفكره وقتما صنع، أنه سيقاسى كل الذي قاساه !

ولأتعلم .. ولأدرس وصاياك .. فليس عبثا أن تعرض على حياة ذلك الانسان .. أنه التهاون والتساهل مع الخطيئة !!

أنه التهاون الذي يقودني إلى تلذذ ، ثم إلى فعل ، ثم إلى انكسار ..

ليتني أغلب جسدي ، اهوائي . فلذة التراب لن تدوم أنها تمضي سريعا .

ليتني لا أبقى في الخطيئة .. في حب الخطيئة لحظة واحدة .

ليتني أدرك أن لذة لحظة ما ، تجلب على عقابا شديدا ..تجلب على عقاب الجسد .. عار الخطيئة وخجلها ..

نجني يا الهي .. من الثعالب الصغيرة .

من مسرات العالم الزائلة التي تنتهي بالعويل والألم..

وشدني إلى مغالبة الخطيئة ولو بالتعب .. لأنه شقاء لذيذ يرفعنی ويقدرني !

وها أنت يا رب في محبتك. تحذرني .. وأنت تتكلم اليه ، موجها إلى نور وصاياك وحکمك مقدما وتقول لي أنا بالذات لا تخطيء لئلا يكون لك أشر !

تحذرني بعد ما شفيتني !!!

الا أستهين بلطفك ولكن أن أحيا في أحسانك ..الا أعود أخطىء .. فان عقابا قاسيا وأشد ينتظرني ..

یا رب .. انني انسي . بل أتناسى مراحمك..

في كل مرة يعاود الجسد حنينه إلى الخطيئة .. وتصرخ الأهواء القديمة تطلب مسراتها الأولى ..

ليتني الهي ، وقد نعمت بالنظر الى اشراقة حنانك وحبك

أن أستدير ، لأتأمل عدلك وحقك .. واسمع تحذيرك :

لا تخطيء لئلا يكون لك أشر !

  • عذوبة السيد ووفاء الرجل :

وان كانت كلمات السيد للمريض تحمل تحذيرا قويا .  الا انها تعبر

في نفس الوقت عن عذوبة المسيح وأتضاعه العجيب ..

– ها أنت قد برئت . فلا تخطيء لئلا يكون لك أشر ..

.. تأملوا كيف يتحدث السيد المسيح صانع الخيرات بكلمات الاتضاع .

فهو لم يقل للمريض : ها أنا قد ابرأتك ! لكن في وداعة تخلو تمام من الافتخار قال : ها أنت قد برئت !

ومرة ثانية وفي تحذيره لم يقل له : لئلا اعاقبك ، لكن بنفس الوداعة لئلا يكون لك أشر !

عذوبة ومقدرة . غضبة الهية وشفقة في آن واحد.

تحذير لإله يشفق ولكنه تحذير سبقته الوداعة والمحبة . هذا هو

أسلوب مسيحنا الذي يحب الخراف.

تأملوا أيضا كيف مع تحذيره واتضاعه يكشف عن جلال لاهوته..وليس فقط في قوة المعجزة ولكن أيضا حين أظهر للمقعد وقد فکه

من رباطاته ، أنه كان يعلم خطاياه وتعدياته ، ولهذا يحذره : لا تخطيء يكون لك أشر .. بالجلال السيد الفائق .. هو يشفي المقعد

بكلمة .. ويعرف حياته كلها .. فهو الذي خلقه ، وعرفه ، وفي ملء زمان أتى ليخلصه .

وليس عن استحقاق نال هذا المقعد البرء من مرضه .. لكن هي نعمة المسيح الغافرة للماضي .. والمحذرة للمستقبل نعمة المسيح التي تشتهي خلاص كل أحد .

تقيم الساقطين .. تترجى أن تثبت القائمين .. تريدنا أن نتشبه بملائكته !!

  • وفاء الرجل :

– فمضى الانسان وأخبر اليهود أن يسوع هو الذي أبراه ..

أن هذا الرجل المقعد طريح الفراش الثماني والثلاثين عاما بكل ما يتصف به من فضائل تأملناها ،

وبكل ما يحمل من خطايا سببت له كل هذا المرض .. هذا المريض لم يستقبل كلمات السيد هذه على أنها تأنيب يخرجه عن وفائه ومشاعره الصادقة التي شهد بها للسيد المسيح .. فقد ظل هذا الانسان وفيا غير ناكر الجميل لمن ابرأه ..

ولقد زعم قوم إلى أتهام مریض بيت حسدا بالنكران والجحود .

بدعوی أن المسيح حينا حذره من أن يخطیء ثانية ذهب يشكوه لهم .

وقال ذلك الفريق من الشراح أن شكواه تمثلت في اخبار اليهود بأن المسيح هو الذي ابرأه ..

لا .. لم يفعل هكذا ذاك المريض الانسان ..

لقد ذهب اولا في شجاعة الحق يشهد لمن لم يره ! ويذهب هذه المرة عرفانا منه ، يشهد بمن رأى وأحب .

وبينما اليهود والكتبة يواصلون اتهامهم له لأن حمل السرير في سبت ، راح الرجل يتحدث عن الشفاء الذي تم له.. عن عظمة المعجزة التي صنعها المسيح .. ولو أنه اراد نكرانا وليس شهادة ، لما كان قد تحدث مع اليهود عن شفائه واظهار عظمة المعجزة ، وانما كان تحدث عن اتهام يريد أن يلقي تبعته ومسئوليته على المسيح لكان قد قال :

هذا هو المسيح الذي جعلني أكسر السبت وأحمل السرير هو الذي يستوجب اللوم !

يا أخوة :

ليتنا نقتدي بصلاح هذا الرجل .نقتدي بشجاعة هذا الرجل . أنه أخذوالتحذير وتعلم ، عن حب أو خوف من السيد أو حب ممتزج بالرهبة والخوف ، لم يتخل عن صلاحه أو عرفانه.

ان عرفانه وشجاعته لا يقلان عن شجاعة المولود اعمي ، الذي ظل يشهد للمسيح ويوبخ غلاظة وقسوة الكتبة والفريسيين !

هل تريدون دليلا آخر !؟

انظروا أين وجده السيد !

يقول البشير : وبعد ذلك وجده يسوع في الهيكل !

يا لصلاح هذا الرجل ، فانه وقد حرم السنين الطويلة من مشاهدته بلدته وأهله ، فضل أن يمكث في الهيكل يعطى شكرا وتمجيدا لله ، من أجل نفسه ، عساه أن يلتقى بمن شفاه ، فكيف يمكن أتهام رجل مثل هذا .. بالنكران والجحود !؟

لقد شهد هذا الرجل بحب السيد ، عظمة السيد ، وقوته . قوة الاله المتجسد !

  • لماذا مقعد الثماني والثلاثين عاما ؟!

يصعد بنا القديس أغسطينوس الى قمة عالية من التأمل الروحي ، فيرى فيها أعلانا الهيا اراد من خلاله أن يعلن السيد عن حقيقته

وغاية تجسده ومجيئه : مسيح الخلاص ، الواحد الذي بدونه لن يكون خلاص . الواحد الذي أكمل الناموس بالحب !!

هذا ما نحاول بجهد كبير أن ننقله اليك أيها القارىء العزيز . ليت الروح القدس الذي کشف عن “عيني القديس أوغسطينوس ليقوده

الى هذا التأمل الشائق ، أن يرافقك لتدرکه وتتلذذ به .. أنت أيضا !

ما يجب أن يدهشنا

هذا ما يجب أن يفرحنا أكثر مما يدهشنا ، ليس أن الله يجرى معجزة ، لكن كونه يتجسد ويصير واحدا منا ..

 

أن ما يدهشنا حقا هو ما صار اليه هو من اجلنا ، لا ما صنع من قوات بيننا !

سيكون هذا نافعا جدا لأمر خلاصنا ، ان عرفنا في السيد صورة الاله المتأنس الظاهر في الجسد.

ان السيد حين يفعل معجزاته بيننا ، يكون – وهو الطبيب الحقيقي للروح والجسد معا – شافيا ومخلصا للروح ، قبل أن يكون مضمدا لجراحات الجسد معا وان كان للمعجزة أكثر من هدف ، فأن أول هذه الأهداف ، أن تتجاوز العين الجسدية تخوم المعجزة لتتدرك حقيقة معطيها وصانعها .. حقيقة الاله المتجسد الذي جاء لخلاص الروح .

خلاص كل أحد .. وهذا ما يريده السيد منا في كل مرة يفعل فيها معجزة شفاء !

فقد عمل من القوات ما تقدر العين الجسدية أن تراه ، لكي يشفي تلك التي للقلب .. الممسكة عن أن تراه ، فتدرك فيه خلاصها الأبدی ، لاشفاءها الجسدي الوقتی.

ونأتي الى شفاء المقعد ، مریض الثماني والثلاثين عاما ..

فهذا الشفاء على ما فيه من قوة ورحمة ، ما كان يستهدف فقط منح القوة للاطراف المرتخية تحت وطأة السنين ، لكنه كان يستهدف –من قبل شيئا هاما جدا ، شيئا يختص بخلاصنا الأبدي .. فالمعجزة ومن منظار عقلي وتفكير بشري بحت تبدو وكأنها لا تتفق مع عظم صلاحه ومقدرته ! فقد دخل السيد الى المكان حيث كان يرقد هذا الجمهور الكثير من المرضى ، وقد كان من المتوقع وحسب مقدرته الكاملة وصلاحه الذي بلا حدود ، أن يشفي كل هؤلاء المساكين والمعذبين من المرضى ، وبكلمة واحدة لكنه لم يفعل ! بل أختار واحدا فقط يظهر فيه مقدرته ويبين فيه صلاحه ..

إننا إن لم نتجاوز واقعة الشفاء الجسدي لهذا المريض ، الى ادراك ما كان يرمي اليه السيد ، نكون في الحقيقة قد أقللنا من مقدرة المسيح الفائقة وصلاحه غير المحدود !

كان كل الصلاح والمقدرة التي للسيد ، لا أن يهب شفاء جسديا وقتيا ، لكن لكي تتدبر الروح أمر خلاصها الأبدي وشفائها الحقيقي

، الذي يكون في النهاية ، حيث قيامة الأجساد حسبما قدر السيد نفسه .

فالذي قام لن يموت بعد

الذي نال الشفاء لن يعاوده ضعف أو مرض

والذي شبع لن يدركه جوع أو عطش !

هذه قيامة الأبرار ونهاية كل نفس آمنت به !

أما هذا الشفاء الوقتى والذى كان نتيجة مباشرة للمعجزة فسيكون إلى زوال !

فالعينان اللتان فتحهما السيد ، عادا فأطبق عليهما الموت وأطراف

هذا المقعد، أرخاها الموت مرة أخرى ..

وهكذا الحال مع كل من نال الشفاء الوقتي .. أدركهم الموت بعد ذلك .. وتبقى الحقيقة التي يريدنا السيد البلوغ اليها ، وهي أن من ينعم بالحياة الأبدية ليس هو من ينال من نعم الجسد وشفاء الجسد ، ولكنه ذاك الذي اقتنى خلاص الروح وهو أيضا كل من يعرف فيه مسيا الخلاص ، الواحد الذي ليس بدونه يكون الخلاص ، وسيط العهد الجديد ، الذي جاء يكمل ناموس موسى بالحب !

  • مسيا الخلاص

ومن خلال هذه المعجزة وملابساتها ومن خلال معاملته هذا المريض .

كيف كان السيد يشير إلى أنه مسيا الخلاص . هذا ما نتناوله الآن.

  • هذه البركة المملوءة بالمياه والتي كان يرقد حولها جمهور المرضى ، تشير الى الشعب اليهودي ، والشعوب يرمز لها بالمياه

.. هذا نجده جليا في سفر الرؤيا ، ( ثم قال لي المياه التي رأيت حيث الزانية جالسة هي شعوب وجموع وأمم والسنة ).

والأروقة الخمسة التي أغلقت على المرضى والتي عجزت عن أن تهبهم الشفاء ما هی الا رمز الى اسفار موسی الخمسة التي أغلقت على الشعب اليهودي والتي بقيت عاجزة عن أن تهبهم الخلاص .

فالناموس عاجز أن يبرر أو يحيى ! ( لأنه لو أعطى ناموس قادر أن يحيى لكان بالحقيقة البر بالناموس . لكن الكتاب أغلق على الكل تحت الخطيئة ليعطى الموعد من ایمان يسوع المسيح للذين يؤمنون).

الآن نعرف لماذا لم تقدر الأروقة الخمسة أن تهب الشفاء .

– لأنه لو أعطى ناموساً قادراً أن يحيي لكان بالحقيقة البربالناموس !

وندرك عجز هذه الأروقة وهي تحيط بالمياه :

– لأن الكتاب أغلق على الكل تحت الخطيئة ليعطى الموعد من ايمان يسوع المسيح للذين يؤمنون.

  • والذين ظلوا هكذا عاجزين عن أن يشفوا ، كانوا ينتظرون تحريك المياه . (لأن ملاکا كان ينزل أحيانا في البركة ويحرك الماء فمن نزل أولا بعد تحريك الماء كان يبرأ من أي مرض أعتراه) – ولكنهم ما كانوا يقدرون أن يروا ذاك الذي كان يحرك المياه.

ما المعنى الروحي الذي يعنيه هذا القول ؟ فان الذي يحدث يكون منافيا للعقل ، ان لم ندرك المعنى الروحي الذي يشير اليه .. فقد كان كل الذي يحدث هناك ، انما لكي يهيىء اذهان اليهود الى الواحد ، الذي لم يعرفوه ، الواحد الذي بواسطة معجزاته وأعماله وتعاليمه كأن يحرك المياه – يحرك الشعب اليهودي – لكنهم لم يعرفوه ولم يدركوا الله الظاهر في الجسد .. لأنهم لو عرفوا لما صلبوا رب المجد .

  • تكميل الناموس

عرفنا كيف دلت ظروف هذه المعجزة إلى أنها كانت تؤكد حقيقة مسيا الخلاص ، والآن نتأمل كيف صارت سنوات مرض هذا المقعد الثماني والثلاثين تعبيرا عن عجز الناموس !

وكيف حين قادة المسيح الى الشفاء ، كان يعبر عن تكميل الناموس ، بالحب.

وكان هناك أنسان به مرض منذ ثماني وثلاثين سنة ..

هذا راه يسوع مضجعا وعلم أن له زمانا كثيرا ..

ولقد شفى السيد الكثيرين .. وكان في مقدوره أن يشفي كل المرضى..

لكنه وجد أيضا في هذا الرجل العدد الذي يتحدث فيه عن المرض .

وأن هذا العدد كان يشير إلى الضعف ! يشير الى عجز الناموس !

الآن نجد تفسيرا واضحا لماذا اختاره من بين كل المرضى !

ليت الله يكشف عن عيوننا ، فترى كيف من خلال شفاء هذا المقعد ،

نرى الواحد الذي بغيره لا يكون الخلاص ، وهو يكمل ناموس موسى بالحب !! .

وهنا يجدر بنا أن نقف وقفة متأنية عند تمهيد يتناول نقطتين هامتين :

أولا : الرقم ( ٤٠ ) يكمل قوة تحميل الناموس ..

  • فكثيرا ما شد الرقم ( ٤٠ ) انتباها ليعبر عن الكمال وبشكل عام ..

فالصوم ، قد تقدس تماما بهذا الرقم . فموسى الذي يمثل الناموس صام (٤٠) يوما . وايليا الذي يمثل الانبياء صام (٤٠) يوما ،

والسيد المسيح مخلص العالم وبعد أن قبل العماد من يوحنا المعمدان،صعد على الجبل وصام عنا (٤٠) يوما..والسيد هنا يمثل

الانجيل.

على أية حال ، وعلى كل وجه ، سواء في العهد القديم أو الجديد .

وسواء فيما يختص بالناموس أو الانبياء أو الانجيل .. فقد تقدس الصوم مرتبطا بالرقم (٤٠) .

والصوم في مفهومه الواسع ، ومعناه العام ، ما هو الا البلوغ الى الكمال ، اذ هو السلم الذي يرقي بنا إلى الامتناع عن الشهوات

وملذات هذا الدهر . وقال عنه القديسون : انه الصديق الملازم لكل الفضائل .

وبداءة الطريق المقدس إلى الله . بداية المعركة .. تاج المسيحية . نبع الهدوء . بشير الخيرات..

الصوم في معناه العام هو أن ننكر الفجور والشهوات العالمية

ونعيش بالتعقل والبر والتقوى في العالم الحاضر . وهذه هي المجازاة أن ننتظر الرجاء المبارك وظهور مجد الله ومخلصنا

يسوع .. وهكذا صار الصوم تعبيرا دائما عن العمل الصالح !

  • ويبقى السؤال : كيف أذن نكمل الناموس في الرقم (٤٠) ؟ اذا كانت غاية الناموس هي أن يمسك الناس عن كل شهوة ويتبعون

الصلاح ، فنكون اذن قد وصلنا إلى مفهوم الصوم بمعناه الواسع ، المرتبط كماله وتمامه بالرقم (٤٠) .. وهكذا يملك الرقم(٤٠)

قوة تكميل الناموس.

هذه هي النقطة الأولى في التمهيد..

ثانيا : المحبة هي تكميل الناموس..

هذا ما يقوله القديس بولس صراحة : المحبة هي تكميل الناموس .

هذه هي المحبة التي تنسكب في قلوبنا بالروح القدس..

والمحبة هذه لها فعلان أو جانبان بهما تكمل وتصبر !

الجانب الأول : أن نحب الرب من كل القلب والنفس والفكر.

الجانب الثاني : أن نحب القريب کالنفس.

هكذا أوضح السيد للناموسي الذي قام ليجربه قائلا : ( يا معلم اية وصية هي العظمي في الناموس . فقال له يسوع تحب الرب الهك

من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك . هذه هي الوصية الأولى والعظمى ، والثانية مثلها تحب قريبك كنفسك بهاتين

الوصيتين يتعلق الناموس كله والانبياء).

هذان هما جانبا الحب ، وبدونهما لا يكون الحب..

+ لهذا فعلت حسنا هذه الأرملة وهي تعبر عن حبها فيما أعطت فالقت فلسين

+ وحسنا أعطى السامري الصالح لصاحب الفندق تعبيرا عن محبته دینارین ..

+ وكم هو جميل من السيد أن يمضي مع أهل السامرة – وقد أعجب بايمانهم فأحبهم ومكث معهم يومين ..

وان كان هناك عمل ما يعبر عن الصلاح ويشار اليه باثنين فسيكون هو الحب بوجه خاص . الحب بجانبيه الذي فيه كل الناموس

والأنبياء !!

ليتنا نذكر هذا حين نحاول أن نفهم مغزى الرقم (٣٨) الذي امضاه المريض يعاني التعب ! فقد كان هذا الرقم يشير الى الضعف ، إلىعجز الناموس . وإذا كان الرقم (٤٠) يحمل وحدة قوة تكمیل الناموس.

والناموس يكمل فقط بواسطة جانبي الحب ، فلماذا نندهش أن ظل الرجل هكذا مريضا متعبا ، وقد افتقد في سنوات

مرضه من الرقم (٤٠) عددين اثنين هما اللذان يمثلان جانبي الحب !

– محبة الإنسان لله

– ومحبة الإنسان للقريب

تعالوا بنا نتأمل السر المقدس ، في أن السيد قد شفي الرجل المقعد

الذي فيه أراد أن يعلن تکمیل الناموس بالحب .

جاء المخلص ذاته اليه . والسيد قبل أن يشفي الرجل سأله : أتريد أن تبرأ ؟

واجاب الرجل : ليس لى انسان ! وحقا كان يحتاج هذا المقعد الى انسان يلقيه في البركة .

لكن هذا «الانسان» هو واحد الذي هو «الله » ایضا ..

( لأنه يوجد اله واحد ووسيط واحد بين الله والناس الانسان يسوع المسيح الذي بذل نفسه فدية لأجل الجميع ..)

لقد جاء ابن الانسان . ابن الله الظاهر في الجسد ووهب للمريض ما يحتاجه .

قال له السيد : «قم» . «احمل سريرك» «وامش» !

وفي كلمته « قم » نرى فعل الشفاء في نفسه : والرجل حين شفی تلقى أمرين وهما :

احمل سريرك . وامش.

ويكون التساؤل لماذا لم يكن كافيا أن يقول له فقط (قم) ! فهو حين

ينال الشفاء لن يبقى في مكانه ! اليس في ذهابه بعيدا يدل انه مشى !!

ويكون التساؤل ايضا : لماذا لم يكن كافيا أن يقول (امش) !

في تصورنا تكون الاجابة على هذه التساؤلات : أن الرجل كان ينقصه شيئين فاعطى له هذين الأمرين اللذين يمثلان هاتين

الوصيتين ( جانبی الحب ) ، وباصدار الأمر أن ينفذ كل الأمرين استكمل المريض ما كان ينقصه.

كيف نرى في هذين الأمرين جانبي الحب ؟

  • جانبا الحب هما ، أن تحب الرب الهك وأن تحب قريبك كنفسك .

أن محبة الله تأتي أولا من أجل أن نستمتع بها ، لكن لكي نتممها تكون أولا محبة القريب .

ولكن الذي أوصانا أمرنا أن نحب الله اولا ثم القريب ، فكيف يكون الكلام منطقيا ؟ ..

الذي يحب الله ويريد أن يراه ، عليه أولا أن يحب قريبه الذي يراه .

هذه هي محبة القريب التي هي في حد ذاتها أعين من خلالها نبصر الله .

وهذا ما يرويه القديس يوحنا الانجيلي :

( لأن من لا يحب أخاه الذي أبصره كيف يقدر أن يحب الله الذي لم يبصره ).

أحب الله .. ولكن الله لم يره أحد قط . كيف أنفذ الأمر ؟

يجيب القديس يوحنا الانجيلي ( الله محبة ومن يثبت في المحبة يثبت في الله والله فيه ).

لذلك أحب القريب . وتأمل المصدر الذي منه تحب القريب تجد نفسك تحب الله وتراه .

ابدأ أذن في محبة القريب وهذه هي محبة

القريب في كلمات أشعياء النبي.

( أليس أن تكسر للجائع خبزك وأن تدخل المساكين التائهين إلى بيتك اذا رأيت عريانا أن تكسوه وان لا تتغاضى عن لحمك .. حينئذ

ينفجر مثل الصبح نورك وتنبت صحتك سريعا ويسير برك أمامك ومجد الرب يجمع ساقتك )

والنور هو الرب يسوع ..

وهو نور الصباح لندرك أنه جاء بعد ليل طويل .. وظلام هذا العالم الشرير .

هو الدائم ، والدائم الاشراق . لهذا قال للمقعد – أولا –

احمل سريرك ، ويهيء إلى أنه أراد أن يقول له : أحب قریبك !!

كيف يصير الأمر «احمل سريرك » مرادفا للأمر « أحب قریبك » !؟

فهذا يعني أن القريب شبه بالسرير ، شبه بشيء لا حس فيه ..

المعني هنا غامض ، ويحتاج إلى تفسير ، ولكن لا يغضب القريب أن شبه بالسرير (وقد يكون من الخشب) اذا كان السيد ذاته دعي

بالصخرة .. ودعي ايضا حجر الزاوية !

لكن بعد ، ليس أي نوع من الخشب ! كما أنه ليس أي نوع من الحجر ! فالسيد المسيح هو حجر الزاوية الذي يربط حائطين يسيران في اتجاهين متضادين .. اذن فهو الحجر الذي يجمع الاضداد ..

والصخرة التي يخرج منها ماء الحياة .. وهكذا القريب لن يكون أي نوع من الخشب .. انه يشبه بسرير !

يا أخوة :

اتوسل اليكم ، ماذا اذن في السرير ، وما هي دلالته ؟

الرجل المقعد وهو مريض كان يحمل بواسطة السرير

أما الآن وقد شفي فليحمل هو السرير

هذا ما قاله القديس بولس الرسول :احملوا بعضكم اثقال بعض وتمموا ناموس المسيح.

هذا هو ناموس المسيح . ناموس الحب . الحب الذي يكمل بحملالاثقال .

أن نحمل بعضنا أثقال بعض . بكل تواضع و وداعة وطول أناة في المحبة .

وكأن السيد يريد أن يقول للرجل :

عندما كنت مريضا . فالقريب كان يحملك وحين شفيت .فأحمل انت القريب بذا تكمل ايها الرجل ما كان ينقصك ، احمل السرير اذن ،وعندما تحمله وترفعه ، لا تقف في مكانك ، بل امش ! فهذه هي محبة القريب ان تحمله وترعاه ، وتذهب به الى الله . الله الذي

تحبه من كل قلبك وفكرك.

المرجع : كتاب معاملات المسيح مع الخطاة صفحة ٩٤ – الأرشيدياكون رمسيس نجيب – بيت الشمامسة القبطي بالجيزة

 

 

من وحي قــراءات اليــوم

ليس لي إنسان

  • يقبلني كما أنا دون شروط أو توقّعات.
  • يقودني إلى الله كما لو كان شريك في الضعفات.
  • يعطيني فتات وقته وسط كثرة المشغوليات.
  • يسأل عن الإحتياجات بدلاً من أن يحلّل التصرفات.
  • يصبر على الضعفات بدلاً من تقديم المثاليات.
  • يفرح بوزنتي وموهبتي حتى لو لم تكن له نفس الوزنات.
  • أعاتبه دون أن يلقي على سيل من الإتهامات.
  • يحترم وجعي صامتاً أفضل من أن يتقن فن النصائح والكلمات.
  • أخيراً أتى إبن الإنسان إلى سرير وجعي وضعفي وعجزي صارخاً. “قم” كفاك رمي الآخرين بالإتهامات.
  • إحمل ضعفك وإمشِ فقوتي معك وفيك تتجاوز كل الضعفات وتسدّد كل الإحتياجات.

 

 

 

المراجع

 

[1]– تفسير أفسس –  ص ١٣٣-  القمص تادرس يعقـوب ملطي

[2]Elowsky, J.C. & Oden, T.C. ( 2006 ). John 1 – 10 ( The Ancient Christian Commentary on Scripture, New testament part IVa ). Illinois ( U.S.A ) : InterVarsity press. Pages 177,182,183

ترجمة الأخت : إيفيت منير – كنيسة مار مرقص ببني سويف.

[3]كتاب شرح إنجيل يوحنا للقديس كيرلس الاسكندري – المجلد الأول –  صفحة 248 –  ترجمة دكتور نصحي عبد الشهيد.

[4]كتاب: من كتابات يوحنا ذهبي الفم – صفحة ٢٠٥ – ترجمة القمص تادرس يعقوب ملطي.

[5]عظة ٣٧ – ترجمة دكتور جورج عوض (من موقع مركز الدراسات الآبائية – نصوص آبائية ) بتاريخ ١٣ / ٤ / ٢٠١3.

[6]تفسير إنجيل يوحنا – الإصحاح الخامس – القمص تادرس يعقوب ملطي.

[7] – دراسات في الكتاب المقدس – انجيل يوحنا – الاصحاح الخامس ص 141 – الأنبا اثناسيوس مطران بني سويف والبهنسا

[8]كتاب: عظات مضيئة معاشة – صفحة ١١٣ – إصدار مطرانية ملوي وأنصنا والأشمونين.

[9] – كتاب المنجلية القبطية الارثوذكسية – البابا تواضروس الثاني.

[10]كتاب تأملات روحية في قراءات أناجيل آحاد السنة القبطية – ص 300 – 304 – كنيسة مار جرجس سبورتنج.