يوم السبت من الاسبوع السادس (سبـت الصـراخ والصـلاة)

“يُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ أَبَفْرَاسُ، الَّذِي هُوَ مِنْكُمْ، عَبْدٌ لِلْمَسِيحِ، مُجَاهِدٌ كُلَّ حِينٍ لأَجْلِكُمْ بِالصَّلَوَاتِ، لِكَيْ تَثْبُتُوا كَامِلِينَ وَمُمْتَلِئِينَ فِي كُلِّ مَشِيئَةِ اللهِ.” (كو ٤: ١٢)

[إذا أخبروا به تفرح قلوبهم وتزهر أجسادهم إذا نطقوا به تستنير عقولهم وترتفع إلى العلاء قلوبهم] (إبصالية الثلاثاء)

[ذاك الذي فداك يظهر لك ما يريده منك أن تفعله؛ يريدك في صلاة دائمة؛ يودك أن تتأمل في قلبك البركات التي تصلي من أجلها؛ يريدك أن تسأله فتنال صلاحه الذي يشتاق أن يهبه لك] (القديس يوحنا ذهبي الفم)[1]

شــواهــد القــراءات

(مز٧٨: ٧-٨) ، (مت٩: ١- ٨)، (اف٤: ١- ٧)، (١بط ١: ١٣- ٢١)،

(أع٢٧: ٩- ٢٦) ،(مر١٠: ٤٦- ٥٢). (مز١:٣١-٢)

شــرح القــراءات

تتكلّم قـراءات هـذا اليـوم عن صراخ طلب النعمة والإحتياج الشديـد للإستنارة كمدخـل لقـراءات أحـد المولـود أعمى (الإستنارة وإستعلان ملكوت ابن الله) فلا يمكن أن توجـد إستنارة كعطيّة إلهيّة دون أن يسبقها ويلازمها صراخ الصلاة والإحتياج لحضور الله ومُلْكُه علي النفس دائماً.

لذلك تتركّـز كل قراءات السبت علي الصراخ، والإحتياج الشديد، وما هو الإستعـداد اللائق والجو الذي يُسْتَعلن فيه ملكوت الله وسرّ تدبيره الإلهي.

يبدأ مزمور عشيّـة بإعتراف النفس البشريّة بفقرها الشديد وإحتياجها لرأفات الله ومراحمه الإلهية.

“فلتدركنا رأفاتك لأننا قد افتقرنا جـداً”

ويعلن إنجيل باكر مجد وسموّ النعمة (نعمة غفـران الخطايا) علي إحتياجات الجسد، وعندما يري الرب إيماننا يعطينا إحتياج أرواحنا حتي لو لم نطلبه أو ندركه.

“وإذا مخلع قدموه إليه مطروحاً علي سرير فلما رأي يسوع إيمانهم قال للمخلع ثق يابنيّ مغفورة لك خطاياك”

ويكشف البولس عن شكل كنيسة النعمة أو المجال والوسط الذي تعمل فيه النعمة الإلهيّة. “بكل تواضع ووداعة وطول أناة محتملين بعضكم بعضاً بالمحبة ومجتهدين أن تحفظوا وحدانية الـروح برباط السلام الكامل جسد واحـد وروح واحـد”

وفِي هـذا الجـو النقي والمملوء محبّـة ووحـدانية الـروح تنسكب النعمة بغنى.

“ولكل واحـد منا أعطيت النعمة علي مقدار موهبة المسيح”

وينبّهنا الكاثوليكون لليقظة الدائمة وصحوة التوبة المستمرّة وترجّي النعمة (نعمة القداسة) التي تقـدس الكيان كلّه.

“فلذلك منطقوا أحقاء أذهانكم صاحين بالكمال راجين النعمة التي سيؤتي بها إليكم عند استعلان يسوع المسيح كأولاد الطاعة لا تشاكلوا شهواتكم السابقة في جهالتكم بل نظير القدّوس الذي دعاكم كونوا أنتم أيضاً قديسين في كل سيرة”.

بينما يكشف الإبركسيس عن التدخّل الإلهي وقت فقدان كل رجاء وبطلان كل الحلول البشرية ونعمة النجاة من الموت.

“وفي الغـد اشتدت علينـا الـزوبعة فـطفقـوا يلقـون الـوسق وفى اليـوم الثالث ألقـوا بأيديهـم أدوات السفينة وإذ لـم تظهر الشمس والنجـوم أيامـاً كثيـرة وكان تغييـر ليس بقليـل فمنذ ذلك انتـزع منا كل رجـاء في نجاتنا”.

كما يكشف أيضاً عن أن نعمة النجاة من خطر الموت تشمل أيضاً غير المؤمنين من أجل أولاده.

“والآن فأنا أيضاً أضرع اليكم أن تطيلـوا أناتكم لأن نفساً واحـدة منكم لا تهلك ما خلا السفينة لأنه قد وقف بي في هـذه الليلة ملاك الله الذي أنا له واياه أعبد قائلاً: لا تخف يا بولس فانك يجب أن تقـف أمام الملك وهـوذا قـد وهبك الله جميع المسافـريـن معـك”.

ويطوّب مزمـور القـداس النفـوس التي نالت الغفـران الإلهي في نعمة العهـد الجـديـد.

“طوباهم الذين تركت لهم أثامهم والذين سترت خطاياهم”.

ويختـم إنجيـل القـداس بحالة البشرية بـدون النعمـة “جالساً علي الطريـق يستعطي” ووقت إفتقـاد ابن الله وزيـارات نعمتـه “فلما سمع أنه يسوع الناصري”.

وصراخ النفس العطشانة لنـور النعمة “طفـق يصرخ قـائلاً يا يسوع ابن داود ارحمني، فـزجـره كثيـرون ليسكت فكان بالحـري يـزداد صراخـاً”

وإستجابــة السماء لعاشقي الصـراخ وإصرار الطلب لأجـل الإستنـارة.

“فـوقـف يسـوع وقال ادعــوه”.

وإحتيـاج النفس الـدائـم لتعيش في نــور ابن الله.

“تشـدد وانهض وتعـال فانه يـدعــوك فطرح ردائـه ونهض وجـاء إلي يسوع … فلـوقـته أبصر وتبعـه في الطريــق”.

ملخّص القـــراءات (طريـق ومداخـل الإستنارة)

مزمور باكر صراخ الإحتياج الشـديد.
إنجيل باكر الإيمان الذي يقود لعطايا الروح ويشفع للآخرين.
البولس وحـدانيـة الـروح ونقـاء المحبّـة ورباط السلام أساسيات الإستنـارة
الكاثوليكون التـوبة الـدائمة وتقـديس الكيـان هما ما يضمن دوام الإستنـارة.
الإبركسيس إستنـارة الخـادم لأجـل نجـاة الآخـريـن.
مزمور القدّاس غفـران خطايانا هـو مجـد نـوره الإلهي فينـا.
إنجيل القـدّاس زيارات النعمة تتلازم مع صـراخ الإحتيـاج وطـرح ما يعـوقنـا والتبعية الدائمة له.

 

الكنيسة في قــراءات اليــوم

البـولــــــس المعمودية الـواحـدة والجسد الـواحـد وإجتهاد الحياة.
الكاثـوليكون حيـاة التـوبـة والقـداسة ومخافـة الله.
الإبـركسيس الصوم.

 

عظات ابائية وعظات اباء وخدام معاصرون

يمكن الرجوع لعظات يوم الخميس من الاسبوع الرابع

 

بالاضافة لعظة اخري اليوم لقداسة البابا تواضروس

يوم السبت من الأسبوع السادس لقداسة البابا تواضروس 

(مر١٠ : ٤٦ – ٥٢) 

ماذا تريد أن أفعل بك ؟

السؤال وسيلة لتقييم الإنسـان ، سـواء تقييم معرفتـه واتجاهـه أو طريقتـه فـي الحياة ، كما أن السؤال يلفت نظرك لشيء قد يكون مخفى عنك . فقرة إنجيل اليوم ” السبت السادس ” من الصوم الكبير الذي يسبق ” أحد التناصير ” يطرح سؤالا واضحا جدا ، وهو سؤال سأله السيد المسيح لهذا الرجل الأعمى قائلا له : ” ماذا تُريد أن أفعل بك ؟”، والسؤال بهذه الصورة يشرح لنا حياتنا وما فيها . بدأت القصة من بلدة مشهورة اسمها ” أريحا “، وهي بلدة صغيرة على بعد حوالي ٣٠ كم من أورشليم ، وهذه المدينة لها تاريخ كبير في العهد القديم ( سقوط أسوار أريحا ). تلك المعجـزة تعتبر المعجزة الوحيدة التي ذكر فيهـا اسـم الشخص صاحب المعجزة ، فمثلا معجزة المولود أعمى أو معجزة شفاء المخلع لا نعرف أسماء الأشخاص التي تمت لهم المعجزة، ولكن هنا كلمة الله ذكرت اسم هذا الرجل ” بارتيماوس ابن تيماوس “، وهذا الرجل ولد أعمـى فـي زمـن لم يكـن فيـه رعاية صحية ، وكان لا يعمل فيقول عنه الكتاب إنه كان : ” جالساً على الطريق يستعطي ” (مر ١٠ :٤٦).

هذه المعجزة تمت قبل الصليب مباشرة ، والقصة نفسها تمهيد ليوم الأحد ” شفاء المولود أعمى “.

بارتيماوس كان جالساً يستعطي معتمداً على أذنه ، فكان يسمع ضجيج الناس الآتين ، وبدأ يسأل : ” من الآتي ؟”، قالوا له : ” يسوع الناصري “، وبالرغم من أنه لم ير يسوع مـن قبـل ، ولا يعرفه إلا أنه بدأ يصرخ : ” يا ابن داود ارحمني ” (مر١٠ : ٤٨)، صـرخة مـن أربعة كلمات لكن لها معان كبيرة جدا ، فانتهره التلاميذ قائلين : ” اسكت ” ؛ انتهـروه لأن في الفكر اليهودي كان هناك ارتباط بين الخطية والمرض ، فإذا كان المرض شديدا فهذا بسبب خطية شديدة ، وإن كان المرض خفيفاً فالخطية تكون صغيرة ، ولذلك هذا الشخص الأعمى تكون خطيته كبيرة ، لهذا يقول الكتاب : ”  فانتهره كثيرون ليسكت فصرخ أكثر كثيراً : يا ابن داود ارحمنى ” (مز ١٠: ٤٨) . 

تصور معي هذا المشهد . في واقع الحال نجد ضجيج الناس والازدحام وبارتيماوس يستمر في الصراخ ، بينما يوجد أناس آخرون يتحدثون مع يسوع ، ومنهم من يتناقشون سوياً ، لكن المسيح سمع هذا الصراخ وسط عشرات بل مئات وألـوف تمشي حوله ، يقـول الكتاب : ” فوقـف يسـوع وأمـر أن ينـادي . فنادوا الأعمـى قـائلين لـه ثـق قـم هـوذا يناديك ” (مر١٠ : ٤٩). 

أرجـوك لا بد أن تنتبـه مـن أن صـراخ هـذا الرجـل بـالرغم مـن ضجيج الجماهير والجموع الكثيرة السائرة وراء المسيح ، سمعه يسوع . هذا الرجل يمثل كل إنسان منا ، ونحـن سـائـرون فـي زحمـة هـذه الحياة . لقـد علمـنـا بارتيمـاوس عـدة دروس تفـيـدنـا مسيرتنا الروحية :

(۱) اللجاجة في الصلاة :

اللجاجـة هـي تكرار الطلبة والصلاة  بإيمـان وثقة ، ليسـت هـي مـجـرد تـكـرار مـن الشفتين أو مجرد كلام يقال ، لكن تكرارها يكون من القلب وبعمق ، فنجد برتيماوس يصرخ : ” يـا يسـوع ابـن داود ارحمني “، وقد ذكر الكتـاب أنـه كررهـا مـرتين ، ولكـن مـن الضروري أنها كانت عدة مرات ، وهذا معناه أن أول خطوة فـي مسيرتك الروحية مع المسيح أن تُعمق الطلبة ، بمعنى أن تكون من داخل قلبك ، وهذا الصراخ المستمر يعبر عن شدة الاحتياج ، وهذا هو معنى الصلاة الذي يجب أن يصل لنا كلنا ، بمعنى أننا عندما تصلي نستخدم اللجاجة ، فهذا تعبير عن شدة احتياجي وأنه ليس لي ملجأ غيرك أنت يارب . 

(۲) رغبة عدو الخير أن يحرمنا من المسيح :

انتهـار الـنـاس لبرتيمـاوس أن يسـكـت هـو عمـل الشيطان معنـا ، فعنـدمـا تصـلي يبـدأ الشيطان فـي حـربـه الروحيـة مـع الإنسـان وينتهـره ليسكت ، قـد تـتـذكروا معـي معجزة المجنون الأعمى والأخرس عندما جاء المسيح شفاه ، حتى أن الأعمى الأخـرس تكلـم وأبصـر وأصبح المجنـون عـاقلا ، هـذه المعجـزة قـد ذكـرت فـي سـطـر واحـد فـي الإنجيـل (مـت ۱۲ : ۲۲)، ولكنهـا تـبين أن الخطيـة تـحـرم الإنسـان مـن النظر إلى الله والكلام معه ، واستخدام العقـل فـي التفكير فيه ؛ ولأن فعل الخطية ثلاثي فـنفهم أنه ليس شيطان واحد ولكن مجموعة شياطين تُريد أن تحرم الإنسان من أن يرى المسيح ويقابله ، وينسى الصلاة ويهملها ، ولا يصل صوته للسيد المسيح ، فيقول الكتاب فانتهره كثيرون ، ولاحظ أن المسيح سمع صوته من وسط ضجيج وازدحام الجمـوع ، وهذا يعني أن صلواتك البسيطة القصيرة المحدودة الكلمات يستجيب لها الله من بين ألوف .

(۳) طرح الرداء :

أمر السيد المسيح بأن ينادوا الأعمى ، فيقول عنه الكتاب : ” إنه طرح رداءه وقام “، لقد طرح ملابسه الخارجية حتى لا تكون معطلة له في السير ، فهو طرح أي شيء يعوقه عن الوصول للمسيح . بارتيماوس طرح الرداء ، أي طرح أية مشغولية أو أي تعطيل أو أي شيء يعوقـه وقـام ووقـف أمـام المسيح ، فسأله المسيح السؤال الخطير : ” مـاذا تُـريـد أن أفعـل بـك ؟”، وهـي تساوي السؤال الذي سأله للمفلوج : ” أتريد أن تبرأ  ؟” وهنا يدل على احترام المسيح لإرادة الإنسان .

(٤) حضور إرادة الإنسان :

رغبة الإنسان ونيته واحتياجه يحترمها المسيح ، فهو يحترم إرادة الإنسان حيث قال للأعمى : ” مـاذا تُريد أن أفعـل بـك ؟”، لم يقل لـه الأعمى : ” أريـد بعـض مـن المال “، فهـذا طلب بسيط بلا معنى ولا يعبر عن احتياج. المطـروح عـلـى بـركـة بيـت حسـدا عنـدمـا ذهـب لـه المسيح بعـد ٣٨ سنة لم يسأله عن شيء سوى ” أتريد أن تبرأ  ؟”. وهنا يا إخوتي الأمر الخطير في الصلاة هو حضور إرادة الإنسان واحتياجه الذي لا يمكن أن يسدده إلا المسيح . قـال أحـد الآباء : ” يلزمنا أن نعمـل مـا نستطيع ، فيعمـل هـو معنـا مـا لا نستطيع  “، وقال البابا شنودة عبارة هامة : ” إن توفرت النية يعطى الله الإمكانية ” . 

+ صفات بارتيماوس الأعمى :

١– يمتلك أذن حساسة لمجيء المسيح :

أول صفة كانت واضحة فيه وجميلة ، فقد كان يملك أذن حساسة لمجيء المسيح ، فاستطاع أن ينتبـه ويميـز الـصـوت ، فعنـدمـا سمـع صـوت الجمـوع وعـرف أن القـادم هـو شخص ربنا يسوع المسيح، صرخ : ” يا يسوع ابن داود ارحمني “.

۲ـ الإلحاح الشديد :

وهو ما نسميه الاستمرار وسط الانتهار، فقـد كـان يـزداد صياحاً ولا توجـد قـوة توقفه عن ذهابه للمسيح ، فقد كان ملح على توصيل صوته للسيد المسيح ولم يسمح لأحد أراد أن يسكت صوته . عدو الخير يريد أن يحرمك من السماء بأية صورة ، وبأي فكر يتعبك ويسيطر عليك ، فلا تتغير واعرف أن الاستمرار والحياة الواضحة مع المسيح لها ثمارهـا ولهـا نتيجتها ولها استجابتها ، وفي النهاية ينال الإنسان مبتغاه ويصبح إنساناً مبصراً ورائع في حياته.

۳ـ طـرح الـرداء :

معنـى طـرح رداءه أي سرعة التجائه للمسيح أو إصراره على التوبة ، وهـذا يعـني سرعة التوجه للمسيح ، فكان لديه حركة وسرعة ، ويمكن أن نسميها ” سرعة التوبة “، فهو يتقدم للمسيح ولا يسمح لأي شيء أن يعطله أو يعوق وجـوده بقرب المسيح ، فاطلـب التوبة والرحمة على الدوام ، واصرخ إلى الله باستمرار فتكون النتيجة أن تبصر وتتبع المسيح في الطريق .

٤– اقتناص الفرصة :

أرجوكم أن تتعلموا هذه الصفة ، فإذا نظرنا إلى حياة الإنسان نجدها عبارة عن عدة فرص ، وهناك مثل يقول : ” إن الفرصة لا تأتي مرتين “، فإذا جاءت لك الفرصة لا تضيعها منك . بارتيمـاوس كانت لديـه بـراعـة فـي اقتناص الفرصة ، وممكـن أن نسميها ” فرصة العمر “، فتخيل لو كان صرخ مـرة وسكت ، لا كان المسيح سمع حكايته ، ولا كان فيه معجزة ، ولا كان أبصر ، ولا تبع المسيح ، وكان سيخسر خسارة كبيرة جداً .

اقتنص الفرصة الروحية ، بمعنى إذا وقـع فـي يـدك كتاباً صغيراً اقرأه ، إذا جاءت لك زيارة نعمة قف وصل . بدأت قراءة إنجيلك لا تؤخر مرة أخرى واقـرأ كـل يـوم ، إذا جـاءت فرصـة أمامـك بمقابلـة أب اعترافك ولديـه مـتسـع مـن الـوقـت لا تُضـيـع هـذه الفرصة ، إذا جاءت لك فرصة أنك تتقدم للتناول فـي كنيستك أو فرصة لزيارة دير لا تضيع هذه الفرصة ، إذا جاءت فرصة لتسمع كلمة روحية لا تتردد ، إن الحياة فرص .

٥– عمـق الإيمـان :

يتمثل عمق الإيمان في تحديد الطلب ، فبلا شك كان عنده إيمـان قـوي ، وهذا الإيمان القـوي كـان السبب المباشـر لشفائه ، حيـث قـال لـه السيد المسيح : ” اذهـب. إيمـائـك قـد شـفـاك ” (مر ١٠ : ٥٢)، مثل المرأة الكنعانية قال لها المسيح : ” يا امرأة عظيم إيمانُك ” (مت ١٥: ٢٨).

بارتيمـاوس كـان إيمانـه عـاملا فولـد داخلـه عمـقـاً قوياً ، والجميـل فـي الأمـر أنـه عندما واجه السؤال : ” ماذا تريد أن أفعل بك ؟” حدد ماذا يريد. عندما تقف مصلياً أمام المسيح … تـرى مـا نـوع طلباتك ؟ هل هي روحية أم مادية أم إنسانية أم أنانية ؟

لهذا يعلمنا داود النبي فـي أول مزامير صلاة النوم قائلا : ” من الأعماق صرخت إليك يا رب ” (مز ١٣٠ : ١)، والرب يعرف طلباتنا واحتياجاتنا ، لكنه يريد أن يعرف عمـق إيماننا ، يقول القديس البابا كيرلس عمود الدين : ” يوجد أناس كثيرون حول المسيح ، ولكن الأعمى هو الذي شعر بحضرته “. هذا يعني أن هناك كثيرون كانوا حول المسيح لكن لا توجد علاقة شخصية ” الخيط الرفيع “، أو ما تسميه الإيمان العميق الذي يربط بين الطرفين ، طرف فيه الإنسان والطرف الأخر عند السيد المسيح . ربما مبصرون كثيرون حول السيد المسيح ولكن علاقتهم ضعيفة ، وربما لا توجد علاقة أصلا ، وربما الازدحام قد شغلهم ، لكن الأعمى شعر بحضرته وتمسك به في قلبه ، هذا الذى لم يستطع عيناه الجسديتان ان تراه . 

 مفارقة كبيرة أن الأعمى هو من يشعر ويمسك في المسيح رغم أن عينه الجسدية  لا ترى ، ولكنه يملك ” عين قلبية “.

ولهذا أُريدك أن تعرف أن المسيح وبخ الكتبة والفريسيين في أصحاح الويلات قائلاً : ” ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون ” (مت ۲۳ : ۱۳)؛ لأنهم كانوا مبصرين ويسيرون دائماً مع المسيح وقـد شـاهدوا معجزاته ولكنهم لم يصدقوا ، ولم يقل الكتاب ولم نعـرف عـن أحد منهم قد آمن ، وهذا ما نسميه ” أعمى القلب ” أي لا يرى بقلبه ، لكن بارتيماوس هو الشخص الوحيد الذي شعربالمسيح ، وهذه هي الصورة الجميلة التي تجعل هذا الإنسان المهمش والمهمل ، والذي كان يجلس على قارعة الطريق ويحكم عليه اليهود بأنه رجـل خاطئ ، ولكنه كان أفضل منهم واستجاب له المسيح ، فهل أنت مثله ؟ هل تسمع صوت المسيح في أذنك أو بالحري تسمعه في قلبك ؟ ماذا تُريد أن أفعل لك؟

أحياناً نقف أمام المسيح متحيرين في أمور كثيرة ، فيأتي المسيح قائلاً : ” ماذا تُريد أن أفعل بك ؟” وأنت بعمق إيمان تقـول طلبتك ، وتكون هذه الطلبة مشفوعة بالتوبة ، فـتـقـول : ” يـا رب يسوع المسيح ابـن داود ارحمني “، وتكون النتيجـة أنـك تـنـال طلبتك الصادقة من قلبك الممتلئ إيماناً .

نصلي في القداس الكيرلسي : ” يا من فتح أعين العميان ، افتح عيـون قلوبنا “، وفـي القداس الغريغوري نُصلي ونقول : ” يا من وهبت النظر للعميان “، ويقول القديس يوحنا الذهبي الفـم : ” صـوت المسـيـح هـو نـور الأعمـى ؛ لأن كلمـة اللـه هـي النـور الحقيقي “، وعندما نقرأ الإنجيل كثيرا يحوز الإنسان على ما نُسميه ” الاستنارة وعين تفهم “، وهنا العين تفهم ولا تبصر . 

٦– اختار النصيب الصالح :

إن هذا الأعمى اختار النصيب الصالح ، واختار القرار الصائب ، كان من الممكن أن يصمت أو يكون قصير النفس قائلاً : ” لا فائدة “، أحياناً عدو الخير يحاربنا بكلمة ” هـل المسيح يسمع لك ؟” “هل وسط طلبات الأبرار يستجيب لطلبتك ؟”. اعلـم أن مسيحك يعرفك بالاسم ” بارتيمـاوس “، وبالمشكلة ” إنـه كـان أعمـى “، وبالحضور ” صراخه يـا ابـن داود ارحمني “، وهـكـذا نـرى مـن تبعـوا المسيح بهذه الصورة وقلبهم مملوء إيمـان ، ومملوء عمـق ثمـر الـدين ، اختبروا علاقة شخصية مع شخص المسيح من خلال التوبة ، ومن خلال طلب الرحمة ، ومن خلال الإيمان العميق . “

 سؤال الـيـوم : ” مـاذا تُريـد أن أفعـل بـك ؟” هـو سـؤال المسيح لـك ، هـو سـؤال يوقف الإنسان أمام حياته الحقيقية ، فتخيل وأنت واقف صامتاً مصلياً تسمع هذا الصوت : ” ماذا تُريد أن أفعل بك ؟”. هذا السؤال يضعنا أمام مسئوليتنا وأمام حياتنا ، ماذا تريد من المسيح ؟ وما هو شكل طلبتك من المسيح ؟ 

لإلهنا كل المجد والكرامة من الآن وإلى الأبد . آمين .[٢]

 

المراجع

 

[1]– تفسير لوقـا ١٨- القمص تادرس يعقـوب ملطي.

[٢] – المرجع كتاب اختبرني يا الله صفحة ٣٣٨ – قداسة البابا تواضروس الثاني