قراءات يوم الثلاثاء من الأسبوع الخامس

 

“لأَنَّ اللهَ الَّذِي قَالَ: «أَنْ يُشْرِقَ نُورٌ مِنْ ظُلْمَةٍ، هُوَ الَّذِي أَشْرَقَ فِي قُلُوبِنَا، لإِنَارَةِ مَعْرِفَـةِ مَجْـدِ اللهِ فِي وَجْهِ يَسُـوعَ الْمَسِيحِ.” (٢كو ٤: ٦)

[كنور حقيقي أشرقت للضالين وغير العارفين] (القدّاس الغريغوري).

[إنه شمس البرالذي يقود مركبته فوق الكل تنتشر أشعته بالتساوي على كل البشرية وذلك مثل أبيه الذي يشرق شمسه على جميع البشر وينزل ندي الحق عليهم] (القديس اكليمنضس الإسكندري).

[زينة العالم هى الكنيسة المزينة بيسوع الـذي هـو نـور العالـم] (العلامة أوريجانوس)[1]

شــواهــد القــراءات

(عد١٠: ٣٥)- الخ، (ص١١: ١-٣٤)، (أم٣: ١٩)- الخ،(ص٤: ١- ٩)، (اش٤٠: ١- ٨)، (أي٢٥، ٢٦)، (مز٨٥: ٥، ٦)، (مر٩: ١٣- ٢٤)، (في٢: ٢٢- ٢٦)، (١يو٣: ٢- ١١)، (أع٢٤: ١٠- ٢٣)، (مز٨٥: ١٦)، (يو٨: ١٢- ٢٠).

شــرح القــراءات

تتكلّم قـراءات هـذا اليـوم على ابن الله نور العالـم.

يبدأ سفر العـدد بحلـول وحضور الله وسط شعبه ليقـودهـم وينير لهم طريقهم في البريـة وأعين الشعب التي لا ترى عمله.

“وعند حلوله كان يقـول ارجع يا رب إلى ربـوات ألـوف إسرائيل، قـد يبست أنفسنا وأعيننا لا ترى شيئاً غير المن”.

وفي أمثال سليمان كيف تحفظ الوصية طريـق الإنسان في الحياة من العثرات والـزلل. “يا بُني لا تبرح هذه عن عينيك احفظ الرأي والتدبير … لكي تسلك بسلام في طريقك آمنا ولا تعثر رجلك، لأن الـرب يثبت جميع طرقـك ويثبت قـدميك فلا تـزل”.

وفي سفر أشعياء كيف يـرى كل البشر في ملء الزمان خلاص الـرب ومجـده.

“وتصير كل المعوجات مستقيمة والعراقيب سهلة فيعلن مجـد الـرب ويري كل بشر خلاص الله”.

وفي سفـر أيـوب عن ضعف وتلاشي نور القمر والكواكب أمام نور الـرب.

“هــوذا القمر يأمره فلا يضئ والكواكب غيـر نقية أمامه”.

كما أن نوره غيــر مُدْرَك.

يحجب وجه عرشه وقد نشر عليه غمامه”.

وفي مزمور باكر أن نوره ورحمته معلنان في الصلاة والصراخ.

“رحمتك كثيرة لسائر المستغيثين بك”.

وفي إنجيل باكـر يحذّر الـرب من عـدم الإيمان الذي يحجب النور المعلن قليلاً بحسب فرص التوبة وكأنّه يقـول النور معكم زماناً قليلاً .

“فأجاب وقال لهم: أيها الجيل الغير المؤمنين إلى متى أكون معكم”.

وفي البولس يكشف عن رسالة الخـدّام إعلان نـور الإنجيل للناس وأيضاً خـدّام النور المعروفين بخدمتهم أمام كل الشعب وخدمتهم ظاهرة للجميع.

“وأما اختباره فأنتم تعـرفـون أنه كولد مع أب خـدم معي لأجل الإنجيـل، أرسل إليكم أبفريدتس الأخ والشريك العامل وصاحبي المتجند معي ورسولكم والخادم لحاجتي”.

ويُظْهِـر الكاثوليكون الإستنارة الـدائمة والمتجدّدة لأولاد الله في حياة التوبـة التي تنيـر النفس حتى مجئ ابـن الله.

“يا أحبائي نحن الآن أبناء الله ولم يظهر بعـد ماذا سنكون ولكن نعلم أنه إذا ظهر نكون مثله لأننا سنراه كما هـو وكل من عنده هذا الرجاء به يطهر نفسه كما هو طاهـر”.

ويعلـن أن هـدف ظهـور ابـن الله في الجسد لينقض أعمال الظلمة لهذا أولاد الله ظاهــرون بحياتهـم وهكـذا أولاد العالــم.

“لأجل هذا أظهر ابن الله لينقض أعمال إبليس، بهذا أولاد الله ظاهـرون وأولاد إبليس كل من لا يفعل البر فليس من الله وكذا من لا يحب أخاه”.

كما يكشف الإبركسيس عـن نـور الـداخـل في الخـدّام والرعاة نـور القلب والضمير. “لذلك أنا أيضاً أدرب نفسي ليكون لي دائماً ضمير بلا عثرة أمام الله والناس كل حين
وكان ينبغي أن يحضروا لديك ويشتكوا إن كان لهم على شئ وليقل هـؤلاء أنفسهم ماذا وجـدوا فيّ من ذنب وأنا قائم أمام المحفل”.

وفي مـزمـور القـدّاس تعلن النفس إحتياجها الأساسي والأعظم الآية الصالحة إستعلان ابن الله في حياتنا وهى أعظم معجزة وآية يحتاجها الإنسان.

“اصنع معي آية صالحة”

ويختـم إنجيـل القــدّاس بشهادة ابن الله عن نفسه ويُظهر مجــد تبعيته.

“ثـم كلمهم يسوع أيضاً قائلاً أنا هـو نـور العالـم من يتبعني فلا يمشي في الظلمة بل ينال نـور الحيــاة”.

ملخّص القـــراءات

ســفر العـــــــدد وإنجيـــل باكـــر حضور الله وسط شعبه ينير لهم الطريق وخطورة الإستهانة بحضوره الإلهي.
أمثــال سليمــان وصية الله هى النور الذي يحفظ من الـزلل.
سفر أشعيــــــاء ومزمور القـدّاس إستعلان نـور ابن الله في الصليب وهـو أعظم آية يحتاجها الإنسان.
سفـــر أيـــــوب ابن الله هـو مصدر نور الخليقة كلها وضعف أي نور أمامه مهما كان.
مزمور باكـــــر نور ابن الله ورحمته نراه في صراخنا وصلواتنا.
البـولــــــــــــس خدّام النور خدمتهم معروفة للكل ورسالتهم إعلان نور الإنجيل للناس.
الكاثوليكـــــــون والإبركسيــــــس إستعلان نور ابن الله في أولاده للعالم.
إنجيل القــــدّاس شهادة ابن الله عن نفسه ومن يعرف ويدرك نوره يعرف ويدرك الآب.

 

الكنيسة في قــراءات اليــوم

سفر أشعيــــاء نبـوءة عن يـوحنا المعمدان.
الكاثوليكــــون تجسّد ابن الله وظهوره لينقض أعمال ابليس.
الإبركسيــــس قيامة الأموات.
إنجيل القــدّاس شهادة ابن الله عن نفسه وإرسالية الآب للابن.

 

عظات ابائية وعظات اباء معاصرين

يمكن الرجوع لعظات يوم الخميس من الاسبوع الثالث

عظة اضافية لقداسة البابا تواضروس

يوم الخميس من الأسوع الثالث لقداسة البابا تواضروس

يو ( ١٢ ، ٤٤ – ٥٠ )

هل تفهم معنى الإيمان ؟

في إنجيل هذا المساء ، السؤال ليس سؤالاً صريحاً ، ولكن السؤال في ثنايا الآيات ، وعليك أن تنتبه من هذه الملاحظة الهامة وهي أن إنجيل معلمنا يوحنا (٢١ أصحاحاً ) في دراسته نقسمه قسمين : القسم الأول من (١ ـ ١٢) وهو خاص بالمعجزات .

 القسم الثاني من (١٣ـ للنهاية ) هو قسم الآلام .

إن القديس يوحنا الحبيـب فـي كتابته لهذه البشارة لم يسجل أي مثل للسيد المسيح ، ولكنه اختار عدد من المعجزات ، هذه المعجزات لها دلالة لاهوتية قوية وسجلها في الاثني عشر أصحاح الأولين ، منهم حوالي ثماني معجزات وكانت آخر معجزة هي معجزة إقامة لعازر من الموت بعد أربعة أيام في القبر ، كانت هذه المعجزة هي الحادث المفصلي الذي بسببه بدأ اليهود التفكير في صلب السيد المسيح .

وبالأصحاح الثاني عشـر يـكـون قـد انتهى الجزء الأول مـن إنجيـل معلمنا يوحنا الخاص بالمعجزات ، وأية معجزة لكي تتم في حياتنا لها شرط أولي هو الإيمان ، ولذلك سؤال اليوم هو : ” هل تفهم معنى الإيمان ؟”.

أما الجزء الثاني من إنجيل معلمنا يوحنا هو خاص بالآلام ، فهو يتكلم عن أحداث أسبوع الآلام أي أحـداث الصليب حتى القيامـة ومـا بعـدها ، ولهـذا كـان مـوقـع الجـزء الخاص بسؤال اليـوم هـو فصل ختامي للجزء الأول مـن هـذا الإنجيل ، والسؤال المهم : ” هل أنت تفهم معنى الإيمان ؟”.

نحـن نـصـوم وتـصـلـي ونذهب إلى الكنيسة ونُمـارس أمـوراً كثيرة ، ولكـن هـل تـعـي مفهوم الإيمان ؟ 

* مفهوم الإيمان :

هذا الجزء الإنجيلي يتكلم عن النور ، وما دام هناك نور سيكون فيه ظلام ، ولكن الظلمة في الكتاب المقدس رمز للخطية ، إذا يمكن أن نضع كلمة الإيمان في خمس درجات تبين وتوضح مفهوم الإيمان :

١– الإيمان توبة معاشة :

الإيمان توبة معاشة وكلمة ” توبة ” كلمة جميلة نسمع عنها في الكنيسة ، لكن ماذا تصنع الخطية بالإنسان؟

إن الخطيـة تُصيب الجهاز الروحـي فـي الإنسان ، والذي يتكـون مـن العين والأذن والقلب ، لذا من يدقق في قراءات الصوم الكبير كلها ، سواء كانت نبوات العهد القديم أو قراءات العهد الجديد ، يجدها دائما تتكلم إما عن العين أو عن الأذن أو عـن القلب ، فمثلا يوم سبت النور فيه نسهر طوال الليل ونقرأ سفر الرؤيا ، وأكثر عبارة تتكرر فيه هي : ” من له أذنان للسمع فليسمع “. نجد العين تُصيبها الخطية بالعمى ، أما الأذن فبالخطية ترفض أي شيء صالح ، كذلك القلـب يصاب بالقساوة ويتحجر والسـبب فـي ذلـك الخطية ، لأن الخطيـة تُصيب الجهاز الروح في الإنسان .

مثـال القديس اسطفانوس 

 القديس اسطفانوس هـو أول الشهداء وأول الشمامسة أو رئيس الشمامسة ، تعال معي نقف معه في لحظة الرجم ، اسطفانوس شاب لطيف صغير وجهه كوجه ملاك ، واقف في الوسط رافع يديه بالصلاة ، لديه إيمان وقلبه مبصر وعيناه تـرى السماء وأذناه تسمع الوصية ، لكن لماذا يرجمونه ؟ هم يرجمونه بتهمة التجديف ؛ لأن الخطية أعمت عيونهم وآذانهم توقفت عن السمع وقلبهم توقف عن الإحساس . إذا أول معنى للإيمان هو أن الإيمان توبة معاشة ، في فترة الصوم نحاول نعيش التوبة ويأتي المعنى الجميـل يـوم أحد الرفاع وتختار لنا كنيستنا العظيمة فصـل مـن إنجيل معلمنا (متى ٦ : ٦) ” فادخل إلى مخدعك وأغلق بابك “، ادخل إلى قلبك وأغلق فمك ، وكلمة ادخل هنا معناها لاحظ وضعية قلبك وعينيك وأذنك . بذلك يكون أول جانـب يجعلـك تضـع أمامـك أول خطـوة للإيمـان هـو التوبـة المعاشة ، وأرجوك لا بد أن تفهم هذا التعبير جيداً ، فالتوبة التي تعيشها ليست مجرد دقائق سر الاعتراف ، لكنها توبة نعيشها كل يوم ، والتوبـة فـي المفهوم الأرثوذكسـي فـي أبسط مفهوم لها هي حياة النقاوة ” نقاوة القلب “.

عندما يأتي طالب الرهبنة إلى الدير يعطيه الأب المسئول عن اختبارات طالبي الرهبنة شوالا من الأرز ليقوم بتنقيته ، لم يكن المقصود تنقية الشوال ، ولكن المقصود أنه تدريب نسكي نتعلم فيه كيف تُنقي قلبك يوم بيوم وساعة بساعة وباستمرار، ولذلك التوبة تأخذ الحياة كلها.

٢– الإيمان رؤية معاشة :

 في أحد المولود أعمى نقرأ عبارة جميلة قالها المولود أعمى : ” أعلم شيئاً واحداً : أنـي كنت أعمى والآن أبصر “، إن التوبة تنقلك إلى الرؤية ، الإيمان هو الرؤية المعاشة ، ولكن ما المقصود برؤية معاشة ؟

الرؤية المعاشة تتحقق في حياة الإنسان السائر في طريق الله من خلال الصلاة ، لذلك نجد في كنيستنا صلوات كثيرة وتسابيح ، وأصوام تمتزج مع الصلوات وترانيم ومدائح وألحان ، إنها كنيسة مصلية ، فالصلاة هي معبرنا إلى رؤية الله ، وأوقات الصلاة هي الأوقات التي نمنحها لله لكـي مـا نـراه ، فالله مـوجـود فـي كـل وقـت وفـي كـل حين ، اطلب منه أن يعطيك رؤية داخلية في قلبك ، لقد قال الكتاب المقدس : ” أريد أن نرى يسوع ” (يو ١٢ : ٢١).

إن الطريقة التي تستخدمها لكي ترى المسيح الصلوات ، ولذلك الإنسان الذي يهمل الصلاة بأي شكل من الأشكال ، لا يمكن أن يرى المسيح أو يشعربه.

لا تظن أن وقت الصلاة فقط هو لرؤية المسيح ، ولكن تكرار حياة الصلاة ومواقف الصلاة وتنوعها يجعلك تشعر مثلما يقول داود النبي : ” جعلت الرب أمامي في كل حين ، لأنه عن يميني فلا أتزعزع ” (مز ١٦ : ٨).

الإيمان رؤية معاشة ، عندما تتعرض لضيقات يكون أمامك حـل مـن اثنين : إما أن ترى الضيقة وتفصلك عن الله ، أو ترى الله فيفصلك عن الضيقة ، فتكون رؤيتك لله هي التي تمنحك السلام والهدوء والفكر ، كي تستطيع أن تعبرأية مشكلة وأية ضيقة تحـل بالإنسان ” بنـورك يـا رب نُعـايـن النـور ” هـذا هـو وقـت الصلاة، فكـل صـلاة نُصليها وكلما أقف قدام الله أخذ من نورك يا رب ، وأستطيع أن أرى جيدا .

في سفر نشيد الأناشيد نجد عروس النشيد في الأصحاح الثاني يناديها العريس ، والعريس هو رمز الله الذي ينادي النفس البشرية ، ” أجاب حبيبي وقال لي : قومي يا حبيبتي ، يا جميلتي وتعالي . لأن الشتاء قد مضى ، والمطر مر وزال ” (نش ۲ : ۱۰ ـ ۱۱) والشتاء تعبير عن الخطية أو الوقت البارد لحياة الإنسان ، النفس البشرية أمام الله رؤية معاشة ، ويبدأ الله ينادي النفس البشرية ويقول لها : ” أريني وجهك ، أسمعيني صوتك ، لأن صوتك لطيف ووجهك جميل ” (نش ٢ : ١٤).

عزيزي تصور كل واحد فينا عندما يقف أمام الله ويصلي ويسبح أو يرئم ، وحتى وإن كانت هذه النغمات بداخله مثلما نقول فـي أول مزامير صلاة النوم : ” من الأعماق صرختُ إليك يا رب “، تصور كل هذا ومسيحك يقول لنفسك : ” أسمعيني صوتك لأن صوتك لطيف “.

أحياناً عندما يسير الإنسان في بعض الأماكن يجد الأشجار الخضراء تتناغم مع زقزقة العصافير وأصوات الطيور الجميلة وينسجم من هذا المكان ولا يريد أن يتركه ، فمسيحك الذي رأى توبتـك ورآك تعيش فيهـا يناديك ويقـول لـك : “أريد أن أسمع صوتك ” ، وهذه هي الخطوة الثانية الايمان رؤية معاشه .

٣- الإيمان كلمة معاشة :

كلمة الوصية هي الكلمة التي تعيشها انت في حياتك والوصية الكتابية وضعت لكي ما تكون سراجاً لحياة الإنسان ، أحياناً عندما ينظر الفرد لوصايا الإنجيل ويكون لديه شعور أن هذه الوصايا قديمة ، وإننا نعيش في أزمـان متقدمة وتكنولوجيا سريعة ، لكن الإنجيل ليس فيه هذا ، فعندما كتبت الأسفار المقدسة لم يكن هناك ثورة اتصالات ولا تدفق للمعلومات ، فعليك أن تنتبه وتسمع ما يقوله الإنجيل : ” إن سلكنا فـي النور كمـا هـو فـي النـور، فلنـا شـركة بعضــا مـع بعـض ، ودم يسوع المسيح ابنه يطهرنـا مـن كل خطية ” (١ يو ١ : ٧). إن سلكنا في النور أى في الوصية وعشنا فيها ، يقول لنا صاحب سفر المزامير : ” لكل كمال رأيت حداً ، أما وصيتك فواسعة جداً ” (مز ۱۱۹ :٩٦). أحياناً يكون هناك خـلـط فـي المفاهيم ، وأحياناً لا يفهـم الـنـاس مـدلولات الكلام ويحتاج الإنسان إلى أن تكون الوصية واضحة .

مثال

سأضع أمامك مثالاً صغيراً ، بما أننا في أسبوع الابن الضال ، نسأل : ” ما مشكلة الابن الضـال ؟” مشكلة الابـن الضـال أنـه كـان لديـه مفهومـان مختلفـان ، هـو بسبب أصحابه وبسبب طياشة عقله ، اعتبر أن البيت الذي يعيش فيـه سـجـن ومـن الضروري أن يخرج للحرية . ودائما يا إخواتي الأحباء الخطية تبدأ بهذا المفهوم ، الوضع الذي أنت فيـه سـجـن سـواء كنـت فـي البـيـت أو فـي العمل أو فـي الخدمـة أو فـي الكنيسة أو في المجتمع أو في حياتك الخاصة ، ويبدأ الإنسان يتذمر على هذا السجن ، فليس هناك ما هو ممتع فيه ، وبهذا التذمر يجعل الفكرينحرف ، فماذا تكون النتيجة ؟ وما هي المشكلة التي عندك ؟ قال : ” إن البيت بكل ما فيه سجن ، أريد أن أتركه وأذهب وأنطلق للحرية “، وأنت هل تفضل الحرية أم السجن ؟ ثم أخذ نصيبه وذهب وظل الحال كما يقولون فـي الأمثال : ” دوام الحال من المحال “، وبدأت حياته فـي الانحدار وهـو أمام الخنازير يشتهي طعامهم ، ولكن جاءت أمامه الفكرة الصحيحة وهي ” أنـا فـي السجن وأريد أن أرجع إلى حريتي “، السجن والحرية ليس فـي الجـدران ، يمكن مزرعة الخنازير لم يكن لهـا سـور، لكنه استيقظ من سباته العميق ، ولذلك نقول : ” إن الإيمان هو كلمة معاشة ، ووصية نعيشها ونطبقها “، عندما اكتشف أن مزرعة الخنازير وهي تعبير عن حقارة الخطية ، قال أذهب إلى أبي حتى لو كنـت فـي بيـت أبـي أجير ، ونجح . لذلك نُسمى دائماً هذا المثل بقصة ” الابن الشاطر “.

قصة

في إحدى أديرة الراهبات الغربية ، قالت الأم الرئيسة : ” تُريد أن نعرف هل يستجيب الله لصلاتنا أم لا “؟ وطلبت من كل راهبة أن تُصلي طلبة وتطلب من ربنا ما هي تريـده وننتظر سنة ثم نرى كيف استجاب الله لنا ، وكان هناك راهبتان ، واحـدة فـي خدمة المطبخ ، والأخرى في خدمة المكتبة ، وقفت خادمة المطبخ تصلي وطلبت من ربنا أن يرسل لها ستائر لشبابيك قاعة الطعام ، أما راهبة المكتبة فوقفت تصلي طالبة من ربنا أن يرسل لها ستائر لشبابيك المكتبة وحددت فـي طلبها (٣١,٥  مترا)، كل راهبة كانت تُصلي بمفردها ولا يعرف أحد طلبتهما . ذات يوم جاء للدير هدية طرد قماش ستائر ، فقامت الأم الرئيسة وجمعت الراهبات وسألتهن : ” من كانت تصلي من أجل الستائر ؟”، فاثنتان من الراهبات أجابتا بالإيجاب ، وبدأ يحدث نزاع بين الاثنتين أن ربنا قد استجاب لصلاة إحداهما ، فكل منهمـا تظن أن ربنا استجاب لصلاتها ، فسألت الأم الرئيسة كلاهما : ” ماذا طلبتي فـي صلاتك ؟”، قالت الأولى : ” كنت أطلـب مـن ربنـا أن يرسـل لنـا قمـاش ستائر “، أما الأخرى قالت : ” طلبت من ربنا ( ٣١,٥  متراً) من قماش الستائر “؛ لأنها قاست على الشبابيك المقاس المطلوب ، فحكمت الأم الرئيسة أن يتم قياس القماش ، وتحكي القصة أنهم عندما بدأن فـي قياس القماش وكأنهما في امتحان وكانت المفاجأة ان القماش يكون (٣١,٥ متراً)، وكان بالطبع من نصيب الراهبة المسئولة عن المكتبة . الإيمان كلمة معاشة ، السيد المسيح وعدنا قائلا : ” ها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر ” (مت ۲۸ : ۲۰). السيد المسيح لم يحدد هنا يوماً معيناً أو شهراً ، بل قال : ” كل الأيام “، ولذلك إيمانك خلال الوصية هو فـي كـل يـومز؛ لأن مسيحنا حاضر في كل يوم وهو قادر على تنفيذ الوصية وعلى الإيفاء بالوعد ، فكل وصية في الإنجيل هي بمثابة وعد ، يمكن تحقيقه ، والآية الجميلة التي نقرأها في سفر الجامعة تقول : ” صنع الكل حسناً في وقتن ( جا ٣ : ١١ ) . 

٤ـ الإيمان أسرار معاشة :

يقصـد بالأسـرار ” أسـرار الكنيسـة “، ويمكـن أن نُـركـز عـلـى سـرين ” سـر التوبـة والاعتراف وسر التناول أو الإفخارستيا “، وهي الأسرار التي نأخذ بها النعم ” نعم عمل روح الله “. ونعـم عمـل روح الله القدوس في الكنيسة هي متجددة على الدوام ، وهذه الأسرار تمنح الإنسان نعما كثيرة نعيشها ، في آخر القداس وعند ممارسة سر التناول يقول الأب الكاهن : ” يعطى عنا خلاصـاً “، مـن أيـن لـنـا بهذا الخلاص ؟ يقـول : مـن عنـد المسيح ، وغفراناً للخطايا . فمن يستطيع أن يمحي الخطية إلا شخص السيد المسيح ودمه الزكي الكريم وحياة أبدية لمن يتناول منه ، إذا وضعت أمامك الثلاث بركات السابقة كأنك في كل مرة تحضر القداس ، فإنك تحضر بوع وتمارس هذا السر بوع ، ونفسـك تكـون كلـها حاضـرة ، وتكون النتيجـة أنـك تـعـيش السـر ، فتتلامس بقـوة الخلاص ، وتتلامس مع فرحة غفران الخطية ، وتتلامس أيضاً مع الدعوة السمائية ؛ لأن لك نصيباً في السماء ، وكأن في كل مرة تحضر فيها القداس يتجدد أمامك الوعد الذي قاله لك السيد المسيح : ” أنا أمضي لأعد لكم مكاناً ” (يو ١٤ : ٢)، ويصير الإيمان أسرارا معاشة . كذلك سر التوبة ومفهومه الأصيل وكيف يمارسه الإنسـان أمـام اللـه وأمـام نفسـه ثـم أمـام كنيسته ممثلـة قـدام أب اعترافه لينظف قلبـه. إذا الإيمـان فـي جانبـه الرابع هو الأسرار المعاشة في حياتك.

٥- الإيمان هو المحبة المعاشة :

لقد قدمت توبة ورأيت من خلال الصلاة ، وسلكت من خلال الوصية وعشت من خلال الأسرار ، يبقى أن أمارس المحبة ، يقول معلمنا بولس الرسول : ” الإيمان العامل بالمحبة “، لقد بدأت من التوبة ووصلت إلى المحبة ، فماذا تعني المحبة ؟ إنها تعني خدمة الآخرين . الإيمان العامل بالمحبة فيه يتحول إيمانك مـن فـعـل نـظـري أو فعل باطني داخلـي إلى عمل خارجي ، فأنت تُعبر عن إيمانك من خلال أعمالك ، أي من خلال محبتك وخـدمتك للآخـريـن ومـن خـلال أعمال الرحمـة الـتي تستطيع أن تُقـدمها ، وينطلـق الإنسان بهذه الصورة الإيمانية لخدمة كل أحد في أي مكان .

لذلك نسمع في مسيحيتنا من أيام السيد المسيح أن هناك أناساً تكرس نفسها وتعيش لتخدم الآخرين دون طلب شيء أو طلب مقابل ، بل حباً في الله ، وتقدم حياتها لخدمة كل أحد.

لذلك لا بد من أن يعبر عن الإيمان ، وقد ذكـر فـي فصل إنجيـل الـيـوم ” الكلام الذي تكلمت به هـو يدينـه فـي اليـوم الأخير ” (يو ١٢ : ٤٨)، ليس الموضوع مجرد أن تقف تردد قانون الإيمان ، أو مكتوب فـي هويتي الشخصية ” الديانة: مسيحي “، ولكن الموضوع له بداية ، ولا بد أن تنتبه من هذه البداية لأنها تكون من الداخل وليست من الخارج ، فإن كانت البداية من الخارج سيكون هذا عملاً اجتماعياً ، لكن في المفهوم المسيحي خدمتنا تقدمها في محبة كاملة بدايتها تكون التوبة التي تعيشها كل يوم بنقاوة قلبك ، ثم بالرؤية التي تُمارسها عـلـى الـدوام ، ثـم بالكلمة المقدسة وبالوصية التي تعيشها ” في ناموسه يلهج نهاراً وليلا ” (مز ۱ : ۲)، ثم عن وع بممارسة الأسرار وقربك من المذبح ، وأخيراً تقدم المحبة المعاشة من خلال خدمة الآخرين ، ومن خلال تعبك من أجل الآخرين ، ومن خلال المحبة التي تقدمها ؛ وذلك لأن قلبك قد امتلأ بمحبة الله .

 ونحـن فـي الصوم الكبير تصلي قائلين : ” طوبى للرحمـا علـى المساكين “، فنحن نصلي من أجل أعمال الرحمة التي يقدمها الإنسان ، لكن لا تنس أن كـل يـوم مـن أيـام الصوم هـو يـوم للتوبة ، ويوم لينظر فيه الإنسان إلى قلبـه مـن الداخل ، وأيضاً ينظر إلى حياته ويدرك مصيره في هذه الحياة .

فليعطنا الله يا أحبائي أن تكون حياتنا مرضية أمامـه فـي كـل حين ، وليعطنا القلوب التائبة التي من خلال محبة الله تصل إلى خدمة الآخرين … لإلهنا كل المجد والكرامة من الآن وإلى الأبد. آمين.[2]

 

 

المراجع

 

[1]الكنيسة عنـد العلامة أوريجانـوس. ص 15 – القمص تادرس يعقوب ملطي.

[2] – المرجع : كتاب إختبرني يا الله صفحة ٢٥٧ – قداسة البابا تواضروس