اليوم العاشر من بشنس

 

 

(تذكار نياحة الثلاثة فتية القديسين حنانيا وعزاريا وميصائيل  )

هوذا يوجد إلهنا الذي نعبده يستطيع أن ينجينا من أتون النار المتقدة، وأن ينقذنا من يدك أيها الملك

وإلا فليكن معلوما لك أيها الملك، أننا لا نعبد آلهتك ولا نسجد لتمثال الذهب الذي نصبته».

(دا ٣ : ١٨،١٧)

لما رفعوا ليأخذوا المجد فى أجسادهم انحدر ملاك وأطفأ اللهيب وصيره بارداً عن حنانيا وعزاريا وميصائيل

كانوا يباركون الرب الثلاثة. إذ هم فى وسط الأتون المتوقد. ولم يقو عليهم الحريق. لأن ملاك الرب كان فى وسطهم وخلصهم. ولم يدع شيئاً من الشر يدركهم. حنانيا وعزاريا وميصائيل

لحن الثلاثة فتية الخاص بشهر كيهك ( لحن تينين )

” الثلاثة فتية الأبطال الطوباويون الذين جربوا في بابل. حنانيا وميصائيل وعزاريا، عندما صاروا في أمان وأصبحت النار بالنسبة لهم مثل الندى، شكروا الله مسبحين إياه وممجدينه.

وأنا أيضًا كتبت إليكم يا إخوتي، واضعًا هذه الأمور في ذهني، لأن الله إلى أيامنا هذه لا يزال يصنع أمورًا هي في نظر البشر مستحيلة. وما لا يستطيع البشر أن يفعلوا، مستطاع لدى الله… ألا وهو أن يُحضرنا إليكم، ولا يسلمنا كفريسة في فم أولئك الذين يريدون أن يبتلعونا[1].”

” تطلعوا إلى إيمانهم! أنهم يقولون: إننا نؤمن أنه قادر أن يُخلصنا، ولكن إن منعته خطايانا فإننا نؤمن بالذي لا يُريد أن يسلمنا (للموت الأبدي). لسنا نؤمن بهذه الحياة بل بالحياة العتيدة. ولسنا نؤمن به لكي نهرب من الحرق هنا، وإنما لكي لا نهرب من العبور من هذه النار فنسقط في نارٍ أخرى. إذن لتفعل ما تريد، أعدد أتونك، بحرارته هذه وبناره، فإنه لتنقيتنا[2]

شواهد القراءات

(مز ٤ : ٣ ، ٤ ، ٧ ، ٨) ، (مت ١١ : ٢٥ – ٣٠) ، (مز ١١٢ : ١) ، (مر ١٠ : ١٣ – ١٦) ، (عب ١١ : ٣٢ – ١٢ : ١ – ٢)، (١بط ٤ : ١٢ – ١٩) ، (أع ١٩ : ٢٣ – ٤٠) ، (مز ٦٥ : ١١ ، ١٢) ، (مت ١٨ : ١٠ – ٢٠)

ملاحظات علي قراءات يوم ١٠ بشنس

+ قراءة إنجيل عشيّة اليوم (مت ١١ : ٢٥ – ٣٠) هو نفس قراءة إنجيل عشيّة ليوم ٢٤ هاتور ( تذكار الأربعة والعشرين قسيساً ) ، وهي نفس قراءة إنجيل عشية في الأحد الثالث من شهر هاتور

مجئ القراءة هنا لأجل إعلان الحكمة السماوية للأطفال ( آية ٢٥ ) أكثر من حكماء وفهماء العالم ، وهو الذي أُستعلن في بابل من الثلاثة فتية أكثر من كل حكماء بابل

أما مجيئها يوم ٢٤ هاتور فهو للكشف عن جوهر رسالة الكهنوت وهو إعلان تدبير الثالوث ( آية ٢٧ ) وإراحة التعابي في المسيح ( آية ٢٨ ) ، وحمل نير الكهنوت بوداعة وتواضع القلب ( آية ٢٩ ، ٣٠ )

أما مجيئها في الأحد الثالث من هاتور فهو للإشارة إلي استنارة أولاد الله بالروح وتبعيتهم للمسيح له المجد ، الذي يحمل هو أتعابهم بينما يحملون هم نيره

+ تأتي قراءة البولس لهذا اليوم (عب ١١ : ٣٢ – ١٢ : ١ – ٢) أيضاً في قراءات ٢ توت ، ١٦ بؤونه ، ٣٠ بؤونه

ومجئ هذه القراءة اليوم (نياحة الثلاثة فتية القديسين حنانيا وعزاريا وميصائيل ) فهو للإشارة إلي إيمانهم الذي أطفأ النار  ( الذين بالإيمان قُهِروا ممالك وعملوا البرَّ ونالوا المواعيد وسدُّوا أفواه أسود وأخمدوا قوّة النار )

ومجيئها يوم ( ٢ توت ) ، ويوم ٣٠ بؤونه للإشارة إلي شهادة يوحنا ( ثم في قيود أيضاً وحبس .. وماتوا بقتل السيف )

ومجيئها في قراءات يوم ١٦ بؤونه (نياحة القديس ابو نوفر ) للإشارة إلي نسكه الشديد وحياته في القفار ( وطافوا في فراء وجلود معزي … تائهين في القفار والجبال والمغاير وشقوق الأرض )

+ قراءة الكاثوليكون اليوم (١بط ٤: ١٢ – ١٩) تكررت في يومي ١٥ هاتور ، ٢٦ طوبه

وهنا آلام الشهداء التي آلت إلي إستعلان مجد المسيح ( يمجد الله بهذا الإسم ) مثل مار مينا في ١٥ هاتور ، والتسعة والأربعين شيخاً شهداء برية شيهات ( ٢٦ طوبه ) ، والثلاثة فتية القديسين ( ١٠ بشنس )

+ قراءة الإبركسيس اليوم (أع ١٩: ٢٣ – ٤٠) تكررت في قراءة يوم ٢٧ برمودة ، وأيضاً في قراءات الأحد الأوَّل من شهر مسري

وهي القراءة التي تكشف عن رفض السجود للتماثيل والضيقة التي حدثت بسببها لذلك جاء في تذكار الثلاثة فتية القديسين    ( ١٠ بشنس ) وفِي تذكار شهادة بقطر إبن رومانوس ( ٢٧ برموده )

ومجيئها في الأحد الأوَّل من شهر مسري للإشارة إلي كرمة العهد الجديد التي طُعِّمَت بأغصان من الأمم ( من كل آسيا ) ، وأيضاً الضيقات التي تجتازها كنيسة الله التي هي كرمة العهد الجديد

+ آية ١١ (جزنا في النار والماء وأخرجتنا إلي الراحة ) جاءت أيضاً في مزمور قدَّاس الأحد الثالث من طوبة

مجيئها اليوم للإشارة إلي الإجتياز في النار ( الثلاثة فتية ) ، بينما مجيئها في يوم ١٠ بشنس لأجل الإجتياز في الماء ( المعمودية )

+ قراءة إنجيل قداس اليوم (مت ١٨ : ١٠ – ٢٠) هي نفس قراءة إنجيل باكر ليوم ٢٢ كيهك ( تذكار رئيس الملائكة غبريال ) ،٣ طوبه ( تذكار أطفال بيت لحم ) ، يوم ٣ نسئ ( تذكار رئيس الملائكة رافائيل )

ومجيء القراءة في يومي ٢٢ كيهك ، ٣ نسئ لأجل حديث الرب عن ملائكة الصغار الذين ينظرون وجه الآب ، بينما مجيئها      يوم ٣ طوبه ، ١٠ بشنس لأجل حديث الرب عن الصغار وكرامتهم

+ القراءة المُحوَّلة علي قراءة هذا اليوم

قراءة ثامن مسري (شهادة القديسين أليعازر وزوجته سالومي وأولادهما السبعة ) ، وهم الذين إستشهدوا بإلقائهم في النار

شرح القراءات

اليوم هو تذكار نياحة الثلاثة فتية القديسين حنانيا وعزاريا وميصائيل ومُحوَّل عليه تذكار شهادة لعازر وزوجته وأولادهما السبعة والعجيب أنهم إستشهدوا قبل مجئ المسيح له المجد وبسبب حرصهم علي إيمانهم اليهودي مثل الثلاثة فتية القديسين

قراءات اليوم تدور حول قوّة إيمان الفتيان والأطفال وعمل الله العجيب معهم وشهادتهم للإيمان

تتكلّم المزامير عن مجده فيهم ( مزمور عشيّة ) وتسبيحهم لإسمه القدّوس ( مزمور باكر ) وشهادتهم له ومن وسط النار ( مزمور القدّاس )

في مزمور عشيّة يُظْهِر الله عجائبه في مُختاريه وأبراره

( أعلموا أنَّ الرب قد جعل بارَّه عجباً الرب يستجيب لي إذا ما صرخت إليه قد إرتسم علينا نور وجهك يارب أعطيت سروراً لقلبي )

وفِي مزمور باكر تسبيح الفتيان للرب وتمجيدهم لإسمه القدّوس

( سبحوا أيها الفتيان الربَّ سبحوا لإسم الرب ليكن إسم الرب مُباركاً من الآن وإلي الأبد )

وفِي مزمور القداس شهادتهم له في وسط النار وعمله العظيم معهم وفيهم

( جزنا في النار والماء وأخرجتنا إلي الراحة أدخل إلي بيتك بالمحرقات وأفيك النذور التي نطقت بها شفتاي )

ويرى القديس ديديموس الضرير أنها نار التجارب أيضًا الممحصة للنفس، إذ يقول: [الذين عبروا من النار أي الثلث الأخير من المسبيين الذين تنقوا واستجاب الرب صلاتهم هؤلاء يقولون لله الذي وهبهم السلام: “لأنك جربتنا يا الله، محصتنا كمحص الفضة، أدخلتنا إلى الشبكة وجعت ضغطًا على متوننا، ركبت أنُاسًا على رؤوسنا، دخلنا في النار والماء ثم أخرجتنا إلى الخصب” (مز ٦٦ : ١٠ -١٢). وفي إشعياء أيضًا يقول الله مخلص الإنسان: “لا تخف لأني معك، إذا اجتزت في المياه فأنا معك وفي الأنهار فلا تغمرك، إذا مشيت في النار فلا تلدغ واللهيب لا يحرقك…”(إش ٤٣ : ٣ ، ٤). كيف يكون المشي في النار والخروج منها بلا خسارة إلاَّ إذا كان لنا صوت الرب الذي قيل عنه أنه يطفئ لهيب النار. فكما انشق البحر الأحمر بضربة العصا المقدسة فعبر الشعب بلا خسارة هكذا ينشق لهيب النار وينفتح للعبور فيه دون احتراق[3].

 

وفِي القراءات أظهروا هؤلاء الفتيان عظمة الإيمان                             ( البولس )

ونقاوة الحياة                                                                    ( الكاثوليكون )

وزيف وبطلان أوثان العالم                                                          ( الإبركسيس )

 

في البولس نري الذين أخمدوا قوة النار والذين لم يقبلوا النجاة وهذا ما حدث مع الثلاثة فتية عندما قالوا للملك

( هوذا يوجد إلهنا الذي نعبده يستطيع أن ينجينا من أتون النار المتقدة، وأن ينقذنا من يدك أيها الملك.وإلا فليكن معلوما لك أيها الملك، أننا لا نعبد آلهتك ولا نسجد لتمثال الذهب الذي نصبته). (دا ٣ : ١٨،١٧)

فالقرار هنا أنه لن نسجد لتمثالك حتي إن سمح الله بموتنا وإن كان هو قادر علي خلاصنا ، لذلك يقول

( الذين بالإيمان قهروا ممالك … وأخمدوا قوة النار …. ولم يقبلوا إليهم النجاة )

ولذلك نضعهم دائماً أمام أعيننا وتضعهم لنا الكنيسة المقدسة في التسبحة اليومية كشهود إيمان أقوي من نار العالم

( من أجل هذا نحن أيضاً الذين لنا سحابة شهداء هذا مقدارها محيطة بنا فلنطرح عنا كلّ تكبَّر والخطية القائمة علينا جداً وبالصبر فلنسعى في الجهاد الموضوع لنا وننظر إلي رئيس الإيمان ومكمله يسوع )

وفِي الكاثوليكون نري تجارب مثل النار المحرقة ونري حياة أولاد وفتيان الله بلا عيب شهادة علي حياتهم النقيّة وأيضاً عمل روح الله في من يحتملوا التجارب لأجل إسم المسيح له المجد

( يا أحبائي لا تستغربوا من البلوي المحرقة التي تحدث بينكم لأجل تجربتكم كأنه أمر غريب قد أصابكم بل كما اشتركتم في أوجاع المسيح افرحوا لكي تفرحوا بإبتهاج في إستعلان مجده أيضاً وإن عيرتم بإسم المسيح فطوبى لكم لأن ذا المجد والقوة وروح الله يحل عليكم )

وفِي الإبركسيس عن بطلان وزيف العبادة الوثنية وآلهة العالم أمام الإيمان المسيحي وكما رفض الثلاثة فتية السجود للتمثال العظيم للملك هكذا ترك مؤمني آسيا تمثالها العظيم الذي لأرطاميس

( بل وحتي من جميع آسيا إستمال بولس هذا جمعاً كثيراً قائلاً إن هذه التي تُصنع بالأيادي ليست آلهة … من هو من الناس لا يعرف أن مدينة الأفسسين متعبدة لأرطاميس العظيمة وتمثالها الذي هبط من زفس )

كما يشهد بنقاوة حياة الخدَّام

( لأنكم أتيتم بهذين الرجلين إلي هنا وهما ليسا سارقي هياكل ولا مجدفين علي آلهتكم )

وفِي الأناجيل نري إعلان الآب للأطفال                                  ( إنجيل عشيّة )

وملكوت الآب للأطفال                                                        ( إنجيل باكر )

وحضوره الدائم وسطهم                                                    ( إنجيل القدَّاس )

يتكلَّم إنجيل عشيّة عن الحكمة السماوية والاستنارة وإعلانات الآب لمن يعيشون نقاوة وقامة الطفولة البسيطة الطاهرة

( في ذلك الوقت أجاب يسوع وقال أحمدك أيها الآب ربَّ السماء والأرض لأنك أخفيت هذه عن الحكماء والفهماء واعلنتها للأطفال نعم أيها الآب لأن هذه هي المسرَّة التي صارت أمامك )

وفِي إنجيل باكر شرط قبول ملكوت الله مثل الأطفال في تصديق محبّة الله ووعوده وطاعة وصاياه

( وقدَّموا إليه أولاداً لكي يلمسهم فإنتهرهم التلاميذ فلما رأي يسوع حزن وقال لهم دعوا الأولاد يأتون إليَّ ولا تمنعوهم أن يأتوا إليَّ لأن لمثل هؤلاء تكون ملكوت الله الحق أقول لكم أن من لا يقبل ملكوت الله مثل ولد فلن يدخله )

وفِي إنجيل القدَّاس يؤكد علي كرامة وأهميّة الصغار وعِظَمْ قدرهم في السماء كما يشير إلي إجتماع ثلاثة بإسم المسيح يكون هو حاضراً وسطهم وهذا ما حدث مع الثلاثة فتية ويبدو أنهم تقدموا للنار بصلاة جماعية بفكر واحد فاستعلن لهم ابن الله ماشياً وسط النار

( أنظروا إذاً لا تحتقروا أحد هؤلاء الصغار لأني أقول لكم أن ملائكتهم في السموات كلَّ حين ينظرون وجه أبي الذي في السموات … وأقول لكم أيضاً إن إتفق إثنان منكم علي الأرض لأي شئ يطلبانه فإنه يكون لهما من عند أبي الذي في السموات لأنه حيثما إجتمع إثنان أو ثلاثة بإسمي فهناك أكون في وسطهم )

ملخّص القراءات

يعمل الله في حياة فتيانه عجائب وهم يسبحون إسمه ويشهدون لخلاصه                ( مزمور عشيّة وباكر والقدّاس )

وإيمانهم يخمد قوة النار وحياتهم بلا لوم وشهادتهم تجتذب كثيرين للإيمان              ( البولس والكاثوليكون والإبركسيس )

ومن يعيشون إيمانهم وبساطتهم يُعْلَن لهم تدبير الآب وحضور الابن وملكوته وعمل روحه القدّوس                                                                                                                                                     ( إنجيل عشيّة وباكر والقدَّاس )

أفكار مقترحة للعظات

(١) الأطفال والفتيان

١- الإعلان والإستنارة

” أحمدك أيها الآب رب السماء والأرض لأنك أخفيت هذه عن الحكماء والفهماء وأعلنتها للأطفال ”                إنجيل عشيّة

إعلانات الله والكشف الإلهي والبصيرة الروحية فقط لمن هم في نقاوة قلب الأطفال وبساطتهم

٢- تسبيح

” سبِّحوا أيها الفتيان الرب ”                                                                                                       مزمور باكر

ما أجمل أن يعيش أطفالنا وفتياننا وفتياتنا تسبيح الكنيسة ويشبعوا من دسم ليتورجياتها لتستقر نفوسهم في نبض وعقل الكنيسة فيكونون مغروسين دائماً عند مجاري المياه وينابيع النعمة ويدوسون عسل العالم ( النفس الشبعانة … )

٣- مَدْعُوِّين

” دعوا الأولاد يأتون إليّ ولا تمنعوهم ”                                         إنجيل باكر

” من لا يقبل ملكوت الله مثل ولد فلن يدخله ”                              إنجيل باكر

كيف يعترض البعض علي معمودية الأطفال أمام هذه الآية بل هذه الدعوة الإلهية لقبول الأطفال ومجيئهم إليه

٤- محبوبين

” فإحتضنهم وباركهم ووضع يده عليهم ”                                   إنجيل باكر

هذا هو ما تفعله الكنيسة المُقدَّسة منذ ولادتهم فهي تحتضنهم في صلاة الحميم والمعمودية المُقدَّسة وتمسك بيديهم في كل مراحل نموهم ليصيروا سهام بيد جبار (مز ١٢٧ : ٤) وأعمدة الزوايا (مز ١٤٤ : ١٢)  )

٥- قيمتهم ومكانتهم

” أُنظروا إذاً لا تحتقروا أحد هؤلاء الصغار لأني أقول لكم أن ملائكتهم في السموات كل حين ينظرون وجه أبي الذي في السموات … ليست مشيئة أبي الذي في السموات أن يهلك أحد هؤلاء الصغار ”                                           إنجيل القدَّاس

ما أعظم مكانتهم بل أيضاً مكانة ملائكتهم أمام الحضرة الإلهية                                                     البولس

(٢) أبطال الإيمان

١- قهروا ممالك

يشوع (يش ٤٢:١٠)

٢- عملوا البرّ

لوط (٢بط ٢ : ٧)

٣- نالوا المواعيد

ابراهيم (تك ٢١ : ٢،١)

٤- سدَّوا أفواه أسود

دانيال (دا ٢٢:٦) وشمشون (قض ٦:١٤)

٥- أخمدوا قوَّة النار

الثلاثة فتية (دا ٢٥:٣)

٦- نجوا من حد السيف

سوسنة (تتمة دانيال ١٣ : ٥٩-٦٢)

٧- تقووا في الضعف

جدعون (قض ١٥:٦)

٨- صاروا أقوياء في الحرب

داود (١صم ١٧ : ٥٠)

٩- هزموا جيوش الغرباء

يهوديت (يهو ١٣ : ١٩)

عظات آبائية

القديس كيرلس الأسكندري

رئيس القديسين لا يهمل أولئك الذين يخاطرون لأجله

الجمال الروحي للمؤمنين ومواجهة أبناء المعصية

حقاً ” جميع الذين يريدون أن يعيشوا بالتقوي في المسيح يسوع يُضطهدون ” (٢تي٣: ١٢) . لأن أبناء المعصية مثل وحوشٍ متوحَّشةٍ ينقضُّون علي المؤمنين ، إذ أنهم يعتبرون الجمال الروحي للمؤمنين الذي يتزايد دائماً كأنه اتهام وشهادة ضد طريقتهم الرديئة . لأن الأمور السيئة تُفضَح دائماً بمقارنتها بالأفضل ، والأمور السامية تُظهِر نقص الجمال عند أولئك الذين يسلكون في الشر . وما الذي يصير بعد هذا ؟ يحدث أن تشتعل الغيرة ونيران الحسد في الحاسدين ، فيؤدي إلي الهوس والدافع إلي ارتكاب الفجور ضد أولئك الذين اختاروا أن يعيشوا في الصلاح ، الذين لا يخورون أبداً من جراء الصراعات التي تأتي من الذين يحاربونهم ، لأن رئيس القديسين لا يهمل أولئك الذين يخاطرون لأجله ، بل بالحري سينقذهم بسهولة جداً ، ويجعلهم ممجَّدين ، إذ أنه يجعل مكابدتهم للمشقات التي سمح لهم بها ، تدريباً علي الصبر . وينصح بولس الرسول المؤمنين بهذا الأمر ، قائلاً :” ولكن الله أمين الذي لا يدعكم تُجرَّبون فوق ما تستطيعون ، بل سيجعل مع التجربة أيضاً المنفذ لتستطيعوا أن تحتملوا ” (١كو ١٠: ١٣) .

امتحان المؤمنين

نجد في سفر المزامير أن أولئك الذين اجتازوا الصراعات وتحملوا الأتعاب يصرخون قائلين :” لأنك جرَّبتنا يا الله . محصتنا كمحص الفضة . أدخلتنا إلي الشبكة . جعلت ضغطاً علي مُتوننا . ركبت أُناساً علي رؤوسنا . دخلنا في النار والماء ثم أخرجتنا إلي الخصب “(مز ٦٦: ١٠- ١٢) .

قليلون هم الذين يتضايقون من التجارب وكثيرون يفرحون بها ، لأن التجارب تُظهرهم أنهم أسمي ، وبهذه الخبرة يدركون هذا الأمر ، وهم بهذه الآلام التي يعانون منها يؤكدون محبتهم الشديدة لله . لقد قالوا إنهم مروا في النيران ، بمعني أنهم كانوا مثل البخور عندما يُوضع في النار فيُظهر رائحته الزكية ، هكذا النَّفس المقدَّسة عندما تتعرض للاحتراق بواسطة الامتحان والآلام ، فإن الفضيلة الأكثر جمالاً تسكن فيها . بالإضافة إلي هذا يرنم داود العظيم قائلاً:” ملاك الله حال حول خائفيه لينجيهم “( مز ٣٤: ٧) . أيضاً يقول مانح المعونة نفسه بكل وضوح :” لأنه تعلّق بي أنجيه .أرفعه لأنه عرف اسمي . يدعوني فأستجيب له . معه أنا في الضيق . أنقذه وأمجده من طول الأيام أشبعه وأريه خلاصي “(مز ٩١: ١٤- ١٦) .

ماهو – إذن – ” خلاص الله الآب ” ؟ إنه كلمة الله الذي وُلِد منه ، والذي لأجلنا صار مثلنا آخذاً شكل العبد بحسب التدبير . هكذا قال الله الآب بواسطة أشعياء :” من أجل صهيون لا أسكت ومن أجل أورشليم لا أهدأ حتي يخرج برها كضياء وخلاصها كمصباح يتقد “(أش ٦٢: ١) . وحقاً ، فإن الابن صار من أجلنا براً ومجداً من الله الآب ، وأيضاً صار لنا طريق خلاص . لأننا تبررنا بواسطته ورُفعنا إلي مجد البنوّة .

لقد خلّصنا وحلّ عنا رباطات الموت ، وجعلنا نُسرع نحو الخلود ، وكيف يمكن للمرء أن يتشكك في هذا الأمر ؟! لقد ظهر لنا كمصباح في وسط الظلام واضعاً النور الإلهي داخل نفوسنا نحن المؤمنين. لذلك قال :” أنا هو نور العالم “(يو ٨: ١٢) . وأيضاً وِفق كلام المخلِّص:” طوبي للمطرودين من أجل البر “(مت ٥: ١٠) (لأنهم سوف يرثون السماء، وسوف يكون لهم إله الكل والمخلص مدافعاً ، وسيرون سر المسيح نفسه ) . ويمكن للمرء أن يعرف سر المسيح هذا من خلال كل ما يتعلق بيعقوب رئيس الآباء وأعتقد أنه ينبغي أن نعرض كل ما هو مكتوب عن يعقوب لكي يكون لدي الجميع معرفة دقيقة لكل ما هو مكتوب[4].

القديس يوحنا ذهبي الفم

موقف الفتية الثلاثة عند ذهبي الفم

+ مرة أخرى أسأل : هل فسدت فضيلة ” الثلاثة فتية ” بسبب المتاعب التي حلت بهم ؟

بالرغم من صغرهم ، بل صغرهم جداً من جهة السن … ألم يخضعوا للأسر المؤلم الخطير ؟ ألم يُقصوا بعيداً جداً عن بلدهم ؟ … ألم يُحرموا من بلدهم وبيوتهم وهيكلهم ومذبحهم وذبائحهم وتقدماتهم حتى من أدوات الترتيل بالمزامير ؟ ! … كنتيجة حتمية قد حرموا من كل أشكال العبادة .

ألم يُسلموا في أيادٍ همجية هم ذئاب أكثر منهم بشر ؟ وحاقت بهم كوارث أعظم من الكل … محتملين الأسر الخطير بلا مُعلم ولا نبى ولا مرشد … علاوة على هذا حُملوا إلى القصر الملكى ، وصاروا كمن هم بين الشقوق والصخور ، مبحرين في بحر مملوء بالشعاب والصخور ، مُجبرين على الإبحار في بحر من الغضب بلا مرشد أو عامل للإشارات أو طاقم أو بحارة ، محبوسين في القصر الملكى كمن في سجن ؟ !

مع ذلك عرفوا الحكمة الإلهية وسموا بالأمور الإلهية ، واحتقروا كل كبرياء بشرى ، وصارت لهم أجنحة لأرواحهم يُحلقوا بها عاليًا ، معتبرين أن غربتهم هناك كأنها تشديد لمتاعبهم .

لو كانوا خارج البلاط يقطنون في مسكن خاص ، لكانوا أكثر استقلالاً ، لكنهم بهذا ألقوا كما في سجن … خاضعين لأى أمر أو تدبير قاس مباشرة. فإذا طلب الملك منهم أن يشاركوه في مائدته وترفه وأطايبه الدنسة ، الأطعمة المُحرمة عليهم ، كان هذا بالنسبة لهم أرعب من الموت . كانوا كحملانٍ وسط ذئاب كثيرة ، مُجبرين أن يأكلوا الطعام المُحرم أو أن يُعدموا … لم يبالوا بالسلطان القاسى المطلق ، مع إنه كان لديهم ما يبررون به طاعتهم له ، لكنهم قدموا نصيحة ورأياً مناسباً حتى يتجنبوا الخطية رغم تجريدهم من كل شيء .

إذ لم يكن ممكناً أن يغروا ( رئيس الخصيان ) بمال ، فكم بالأكثر وهم أسرى لا يملكون مالاً ؟ ! ولا بصدقات أو صلات اجتماعية أن تتشفع لهم أمامه ، فكم وهم غرباء ؟ وما كان يمكن أن يتحسن موقفهم حتى وإن كان لهم سلطان ، فكم وهم عبيد ؟ وما كانوا يسيطرون عليه بكثرة العدد ، فكم يكون موقفهم وهم ليسوا إلا ثلاثة ؟ !

ومع ذلك اقتربوا إلى الخصى المُوكل إليه بهذا العمل ، وأقنعوه بحججهم ، إذ رأوه خائفاً ومرتعباً … إذ يقول : ” إنى أخاف سيدى الملك الذى عين طعامكم وشرابكم . فلماذا يرى وجوهكم أهزل من الفتيان الذين من جيلكم ، فتدينون رأسى ” (دا ١ : ١٠) . أنقذوه من هذا الرعب ، وأقنعوه أن يعطيهم مُهلة … إذ عملوا بكل قوتهم ، ساهم الله أيضاً بقوته … وإذ أعلنوا نُبلهم وشجاعتهم ، ربحوا لأنفسهم العون الإلهى ، وهكذا تحققت أهدافهم .

هل تدرك أن أي إنسان لا يضر نفسه لا يقدر أحد أن يضره ؟ انظر على الأقل إلى حداثة سن هؤلاء وأسرهم الخ . فإن هذا كله لم يضرهم ، بل على العكس صار لهم بسببه سمعةً أفضل مما كانت لهم من قبل حرمانهم . وهكذا بعدما حققوا عملهم خضعوا لأعداء آخرين ، ومرة أخرى كانوا هم نفس الرجال ، وقد خضعوا لتجربة أقسى من الأولى ، إذ أُشعل لهم أتون ، وتصدى لهم جيش من المتبربرين يصحب الملك ، وكل طاقة الفُرس قد وجهت لتمكر بهم وتضايقهم … ومع ذلك بقدر ما هم لم يخونوا أنفسهم ، بل قدموا كل ما في طاقتهم ، لم تصبهم أية خسارة ، بل ربحوا لأنفسهم أكاليل نصرة مجيدة لم ينالوها من قبل .

ربطهم نبوخذنصر وألقى بهم في الأتون ، لكنه لم يحرقهم ، بل بالعكس أفادهم وردهم ممجدين . وبالرغم من حرمانهم من الهيكل والمذبح . مع إلقائهم في الأتون وقد التف حولهم كثيرون جبابرة والملك نفسه الذى سمح بهذا يتطلع إليهم ؛ فإنهم شيدوا نصباً تذكارياً مجيداً ، ونالوا نصرة ملموسة ، مرتلين بتسبحة عجيبة وغريبة ، التي من ذلك اليوم إلى الآن يُنشد بها في العالم وستبقى إلى مدى الأجيال …

فإن كان السبى والعبودية … لم يقدرا أن يفسدا الفضيلة الدخلية للثلاثة فتية المأسورين ، المستعبدين ، الغرباء … بل صارت مقاومة الأعداء بالنسبة لهم بالحرى فرصة لنوال ثقة ( إيمان ) أعظم ، فأى شيء يمكن أن يضر الإنسان الضابط لنفسه ؟ لا شيء يضره ، ولو قام العالم كله في جيوش ضده .

لكن قد يقول قائل : إنه في حالة هؤلاء الفتية كان الله واقفاً معهم ، وحماهم من النيران . بالتأكيد هذا حدث ، فإن قمت أنت بواجبك قدر قوتك ، فإن العون الإلهى حتماً سيرافقك .

ومع ذلك فإن السبب الذى لأجله أتعجب من هؤلاء الفتية ، وأدعوهم طوباويين ، وأشتهى أن نقتدى بهم ، ليس لأنهم تغلبوا على اللهيب ، وأطفأوا حرارته ، بل لأنهم رُبطوا وطُرحوا في الأتون … لأجل الإيمان المستقيم ، فإن هذا هو الذى شيد كمال نصرتهم .

وُضع على رؤوسهم إكليل النصر في اللحظة التي ألقوا في الأتون ، قبل أن تتم تلك الأحداث … بل وبدأت تضفر لهم هذه الأكاليل منذ اللحظة التي نطقوا فيها بتلك الكلمات المملوءة شجاعة وحرية في الحديث مع الملك ، إذ كانوا في حضرته . ” لا يلزمنا أن نجيبك عن هذا الأمر . هوذا يوجد إلهنا الذى نعبده يستطيع أن ينجينا من أتون النار المتقدة ، وأن ينقذنا من يدك أيها الملك ، وإلا فليكن معلوماً لك أيها الملك ، إننا لا نعبد آلهتك ، ولا نسجد لتمثال الذهب الذى نصبته  (دا ٣ : ١٦ – ١٧) .

بعدما نطقوا بهذه الكلمات أُعلنت نصرتهم . إذ أمسكوا بإكليل المكافأة ، وأسرعوا إلى إكليل الاستشهاد المجيد ، ملحقين شهادتهم بكلامهم ، وشهادتهم بأعمالهم …

ماذا إذن تقول عن هذه الأمور ؟ هل أنت نُفيت وأُقصيت بعيداً عن بلدك ؟ انظر فإن هؤلاء أيضًا حدث لهم هذا . هل أخذت أسيراً ( في حرب ) وصرت عبداً لسادة متبربرين ؟ … أو هل ربطت وأحرقت وقدمت للموت ؟ لأنك لا تستطيع أن تذكر لى أموراً مؤلمة أكثر من هذه ؟ ومع ذلك فإن هؤلاء الرجال اجتازوا هذا كله ، وصاروا أكثر مجداً بسبب كل ألم من هذه الآلام ، نعم وأعظم شهرة ، وازدادت مخازن كنوزهم في السماء[5] .

وأيضاً لذهبي الفم

الفتية الثلاثة كمثال للحرية

هل تريد أن ترى نفس الأمر مع الرؤساء ؟ فقد كان نبوخذنصر ملكاً وأوقد الأتون بلهب شديد ، وألقى الثلاثة فتية في وسطه ، وبينما كانوا شباب وهادئين ، لم يكن لهم أي حماية إذ كانوا عبيداً ومسبيين ، وكانوا يعيشون في وطن غريب وماذا كان يقول لهم : ” ( هل ) تعمدا يا شدرخ وميشخ وعبدنغو لا تعبدون الهتى ولا تسجدون لتمثال الذهب الذى نصبت ؟ ” فبماذا أجابوا ؟ ولكن لتنتبه كيف جعلتهم الفضيلة وهم مسبيين ملوكاً أكثر من الملك ذاته ، وأظهرت مدى ارتفاع معنوياتهم ، فلم يخاطبوه كمن يوجهوا حديثهم لملك بل كمن يحدثون مواطن عادى مثلهم ، وهكذا بكل شجاعة قالوا : ” يا نبوخذنصر ، لا يلزمنا أن نجيبك عن هذا الأمر ” سوف نرد عليك ليس بالكلام بل بالفعل ” هوذا يوجد إلهنا الذى نعبده يستطيع أن ينجينا من أتون النار المتقدة ، وأن ينقذنا من يدك أيها الملك ” مذكرين إياه بإحسان الله مع دانيال ، مرددين نفس كلمات النبى التي قالها آنذاك ، فماذا قال ذاك ؟ ” السر الذى طلبه الملك لا تقدر الحكاء ولا السحرة ولا المجوس ولا المنجمون على أن يبينوه للملك لكن يوجد إله في السموات كاشف الأسرار ” هذه الكلمات قد ذكروه بها حتى يجعلوه أكثر تسامحاً ثم أضافوا ” وإلا فليكن معلوماً لك أيها الملك أننا لا نعبد الهتك ولا نسجد لتمثال الذهب الذى نصبته .

فلتنتبه لحكمة أولئك الفتيان ، فإنهم لا ينسبون الضعف لله إذا حدث وماتوا طالما أنهم سيلقون في الأتون المتقد ، فأنهم سبقوا واعترفوا بقوته قائلين ” هوذا يوجد إلهنا الذى نعبده يستطيع أن ينجينا ” . ولكى لا يظن أنهم طالما سينجوا من النار يعبدون الله نظير مقابل أو أجرة ، لذلك أضافوا ” ان لم يحدث هذا فاعلم أيها الملك أننا لا نعبد الهتك ولا نسجد لتمثال الذهب الذى نصبته ” كارزين في نفس الوقت بقوة الله ومظهرين صلابة أنفسهم ، كى لا يدعى أحداً ما ادعاه الشيطان افتراء على أيوب فماذا قال الشيطان عن أيوب ؟ : ” هل مجاناً يتقى أيوب الله ؟ أليس أنك سيجت حوله وحول بيته وحول كل ما له من كل ناحية ؟ باركت أعمال يديه فانتشرت مواشيه في الأرض ! ” فلكى لا يقدر أحداً أن يدعى نفس الأمر فسبق الثلاث فتية وسدوا كل فم يتبجح . ولكن كما سبق وقلت ، إن كان هناك أحداً مسبباً أو كان عبداً أو كان غريباً يعيش في بلد أجنبى ولكن تحيا معه الفضيلة فسوف يكون ملكاً أكثر من الملوك[6] .

عظة للأم سنكليتيكي

إن كان جسدكِ ملتهبًا كما بنارٍ، بحمّى شديدة، وقد تثقّل بعطش غير قابل للارتواء وغير مُحتمَل، وإن كنتِ تحتملين أنتِ الخاطئة تلك العذابات؛ فتذكري العقاب المزمع، أي النار الأبدية، والعقوبات التي يتطلبها العدل الإلهي، وأنتِ لن تضعفين أمام الظروف الحاضرة.

افرحي لأنّ الرب يفتقدكِ، واحتفظي بهذا القول المبارك على شفتيكِ:

“تأديبًا أدّبني الرب وإلى الموت لم يسلِّمني” (مز ١١٨: ١٨).

إن كنتِِ حديدًا، فبالنار تتنقين من صدأكِ. وحتى لو رقدتِ بالمرض، فمع أنكِ بارّة فإنكِ تتقدّمين من قوةٍ إلى قوة!

اذكري المكتوب: “إن كنا نتألم معه، لكي نتمجّد أيضًا معه” (رو ٨: ١٧)

إن كنتِ بالفعل ذهبًا، فبالنار تصيرين أعظم قيمةً!

إن كان قد أُعطيَ لكِ شوكةً في جسدك “ملاك الشيطان” (٢كو ١٢: ٧) ، فتفكّري فيمن صرتِِ مشابهةً له، لأنكِِ قد حُسِبتِ مستحقةً لشرف أن تكون لك نفس آلام القديس بولس!

هل جُرِّبتِ بالحُمّى؟

هل تعلّمتِ من أمراض البرد؟

يقول الكتاب:: “دخلنا في النار والماء، ثم أخرجتنا إلى الخصب (أو الرحب)” (مز ٦٦ : ١٢). فإن مكان الراحة قد أُعِدَّ هناك.

فإن كنتِ قد ذقتِ النصيب الأول (أي ضيقات الحاضر)، فانتظري الثانية (الراحة الأبدية).

وبينما أنتِ تمارسين فضيلتكِ، ارفعي صوتكِ بكلمات داود النبي: “أما أنا فمسكين ومكتئب ” (مز ٦٩: ٢٩) ، فتصبحين كاملةً بهذه الشدائد. فإنّ الكتاب يقول: “في الشدّة فرّجتَ عني” (مز ٤ : ٣ السبعينية) “اِفغر فاك” (أي وسِّع فمك) لكي تتعلّم بواسطة ممارسات (أو اختبارات) النفس هذه مع الأخذ في اعتبارنا أننا تحت نظر عدونا[7].

شهادة الثلاثة فتية القديسين في فكر آباء الكنيسة

القديس كبريانوس

+ عندما أُغلق عليهم الأتون هربت النيران، وقدم اللهيب انتعاشًا، وكان الرب حاضرًا معهم، مؤكدًا أنه ليست قوة تقف ضد المعترفين به وشهدائه، فإن الذين يتكلون على الله لا يصيبهم أذى، بل يكونوا دائمًا في أمان من المخاطر.

+ لقد أضافوا أن الله قادر على كل شيء، لكنهم لم يتكلموا هكذا من أجل طلب إنقاذٍ زمني، بل للتمتع بمجد الحرية الأبدية والضمان الأبدي.

+ بقولهم “إن لم يكن…” يُعرفون الملك أنهم قادرون أيضًا على الموت من أجل الله الذي يعبدونه. فإن هذه هي قوة الشجاعة والإيمان. ومع الإيمان ومعرفة قدرة الله على الإنقاذ من الموت الحاضر لا تعني الخوف من الموت ولا الهروب منه. بهذا يتزكى الإيمان بأكثر قوة.

+ كان الفتية الثلاثة حنانيا وعزريا وميشائيل متساوين في العمر، متفقين في الحب، ثابتين في الإيمان، مثابرين في الفضيلة، أقوى من اللَّهب والعقوبات التي وُضعت عليهم، يعلنون أنهم يطيعون الله وحده، ويعرفونه ويعبدونه وحده

القديس أكليمنضس الروماني

إنكم لا تجدون في الكتب المقدسة صديقين يطردهم قديسون. حقًا نجد فيها صديقين اُضطهدوا بواسطة أشرار، وصالحين سجنهم أشقياء، وأبرارًا رجمهم عصاة وقتلهم أناس مغضوب عليهم، حملوا لهم حسدًا وغيظًا؛ أما هم فتحملوا مثل هذه الآلام بمجد. ماذا أقول يا اخوة؟ هل أُلقى دانيال في جب الأسود بواسطة رجال يخافون الله؟! هل أُلقى حنانيا وعزرا وميصائيل في أتون النار بواسطة أناس عبدوا العليّ بطريقة مجيدة وعظيمة؟! حاشا أن يكون لنا هذا الفكر!

يتحدث العلَّامة ترتليان عن الطاعة للملوك والرؤساء (رو ١٣ : ١؛ ١بط ٢ …: ١٣ – ١٤) في كل شيء فيما عدا ما يمس الإيمان، قائلًا: [لهذا السبب أيضًا وُضع الثلاثة اخوة كمثالٍ سابق لنا، هؤلاء الذين كانوا مطيعين لنبوخذنصَّر في الأمور الأخرى، وبكل إصرار رفضوا تكريم التمثال.]

القديس جيروم

تطلعوا إلى إيمانهم! أنهم يقولون: إننا نؤمن أنه قادر أن يُخلصنا، ولكن إن منعته خطايانا فإننا نؤمن بالذي لا يُريد أن يسلمنا (للموت الأبدي). لسنا نؤمن بهذه الحياة بل بالحياة العتيدة. ولسنا نؤمن به لكي نهرب من الحرق هنا، وإنما لكي لا نهرب من العبور من هذه النار فنسقط في نارٍ أخرى. إذن لتفعل ما تريد، أعدد أتونك، بحرارته هذه وبناره، فإنه لتنقيتنا.

 القديس يوحنا كاسيان

إذ نُحفظ بغيرة الذهن هذه، والندامة المستمرة، نضرب شهوات الجسد الخطيرة بحرمانه (من الأطعمة التي تثيره نحو العجرفة والكبرياء)؛ وهكذا ننجح بغزارة دموعنا وبكاء قلوبنا في إطفاء لهيب أتون جسدنا الذي يشعله الملك البابلي (دا ٣ : ٦)، والذي يمده باستمرار بفرص الخطية والرذائل المدمرة. بهذا يمكننا بنعمة الله أن يحلّ الندى في قلوبنا بروحه، ويمكن لحرارة الشهوات الجسدية أن تُباد تمامًا.

العلَّامة أوريجانوس

(بالصلاة) تأهل حنانيا وعزاريا وميشائيل أن يُسمع لهم، وأن يُحصنوا بهبوب ريحٍ يقدم ندى، ويمنع تأثير لهيب النار عليهم. وكُممت أفواه الأسود في جب البابليِّين بصلوات دانيال.

* نزل حنانيا ورفقاؤه إلى بركة روحية توهب لجميع القدِّيسين والتي نطق بها اسحق عندما قال ليعقوب: “ليعطك الله ندى من السماء” (تك ٢٧: ٢٨) ، أعظم من الندى المادي الذي أطفأ لهيب نبوخذنصَّر؟!

الآن أيضًا ينطق نبوخذنصَّر بنفس الكلمات التي لنا فإننا نحن العبرانيون الحقيقيون عبرانيو الحياة العتيدة (عب ١١ : ١٣) ،   نختبر الندى السماوي الذي يطفئ كل النيران عنا وبنفس الجانب الأسمى لنفوسنا نقتدي بهؤلاء الفتية

العلَّامة ترتليان

حقًا اُستخدمت الصلاة في العالم القديم لتحرر من النيران (دا ٣)، ومن الوحوش (دا ٦)، ومن المجاعة (١مل ١٨ ؛ يع ٥ : ١٧ – ١٨)؛ ومع ذلك لم تكن قد نالت شكلها من المسيح. كم بالأكثر يكون عمل الصلاة المسيحية أعظم؟!

القديس هيبوليتس الروماني

صار هؤلاء الفتية الثلاثة مثالًا لكل المؤمنين، فإنهم لم يخافوا جمهور الولاة، ولا ارتعبوا عند سماعهم كلمات الملك ولا انقبضوا عندما رأوا لهيب الآتون يتوهج، بل حسبوا كل البشر والعالم أجمع كلا شيء، محتفظين بخوف الله وحده أمام عيونهم.

إن كان دانيال قد وقف بعيدًا في صمت، لكنه شجعهم ليكونوا متهللين، صالحين، وابتسم لهم. بل هو نفسه ابتهج من أجل الشهادة التي حملوها، والفهم الذي صار لهم كما صار له، لكي ينال الفتية الثلاثة إكليل النصرة على الشيطان.

دعي (الملك) الثلاثة فتية بأسمائهم، لكنه لم يجد اسمًا للرابع ليدعوه به، لأنه لم يكن بعد (قد تجسد)، وصار يسوع المولود من العذراء.

لقد كُرِّموا ليس فقط بواسطة الله بل وبواسطة الملك.   لقد علموا الأمم الغريبة والأجنبية أن يعبدوا الله.

القديس باسيليوس الكبير

أظهر الثلاثة فتية القدِّيسون أنفسهم أسمى من ملذات الشهوة، واحتقروا غضب الملك، واتسموا بشجاعة بلا خوف من أهوال أتون النار الذي أمر نبوخذنصَّر بإيقاده. لقد برهنوا أن التمثال الذهبي المعبود كإله بلا نفع…

كيف انتصر الثلاثة فتية على قوة النار؟ ألم يكن بالمثابرة

الله في موقعه حتى الآن، إنه في وسطنا، الذي من القديم جعل نار الأتون في بابل بردًا.

القديس أغسطينوس

كان الفتية الثلاثة صدِّيقين، صرخوا إلى الرب وهم في الأتون، وإذ سبحوا صارت النار بردًا. لم يستطع اللهيب أن يقترب ليؤذي الفتية الأبرياء المستقيمين إذ سبحوا الله، وهو نجاهم من اللَّهيب.

واضح أنه لم يترك الثلاثة فتية الذين سبحوا في الأتون، لم تستطع النيران أن تمسه[8]

عظة للقدِّيس أنبا باخوميوس أب الشركة

بعد كلِّ هذا، أوصيك أيضًا ألا تتراخى؛ لأنَّ هذه هي سعادة الشياطين، أن يجعلوا الإنسانَ يتراخى، ثم يحضروه إلى المصيدة قبل أن يدري(مز ٨:٣٥). لا تهملْ أن تتعلَّم مخافةَ الرب، وانمو مثل ذلك الزرع الجديد، و(بذلك) سوف تُرْضِي اللهَ مثل عِجْلٍ حديث (الولادة) يُخْرِج قرونًاوحوافرَ (مز ٣١:٦٩). كُنْ أيضًا قويًّا في الفعل والقول (لو ١٩:٢٤؛ أع ٢٢:٧). لا تُحَوِّلْ وجهَك كالمرائين، لئلا يوضع نصيبُك معهم. لا تضِّيعْ يومًا واحدًا من عمرك، واعلم ما سوف تقدِّمه لله كلَّ يومٍ.

اجلسْ إلى نفسك منفردًا مثل حاكمٍ حكيمٍ، وحاكِمْ أفكارَك، سواءٌ كنتَ متوحِّدًا أو تحيا في وسط (الإخوة). وعلاوة على ذلك، حاسِبْ نفسَك كلَّ يومٍ. لأنه أن تعيش في وسط ألفٍ بكلِّ اتضاعٍ لهو أفضل من واحدٍ يعيش في جُحْرِضبعةٍ وهو يحيا في كبرياءٍ. قد شُهِد للوط وهو ساكن في وسط سدوم أنه كان بارًّا صالحًا (٢ بط ٧:٢) ، وسمعنا أيضًا عن قايين أنه لم يكن هناك إنسانٌ معه على الأرض سوى ثلاثة آخرين وصار شرِّيرًا (تك ٨:٤؛ ١ يو ١٢:٣).

والآن، هو ذا الجهاد موضوع عليك. امتحنْ كلَّ يومٍ ما يَرِد عليك (من أفكار)، هل أنت محسوب علينا أم محسوب على مقاومينا. الشياطين فقط يأتونك من اليمين، أما الشمال فظاهر لكل إنسانٍ، إذ إنهم في الحقيقة حاربوني أنا أيضًا من اليمين. قد أُحْضِر إليَّ الشيطانُ مكبَّلاً مثل حمارٍ وحشيٍّ، ولكنَّ الربَّ أعانني. لم أُصَدِّقهم، ولم أستهتر بهم. حاولوا مرَّاتٍ عديدة بواسطة أعمال الشيطان من اليمين وتقدَّم إليَّ. لقد تجرأ أيضًا ليجرِّب الربَّ، ولكنه لاشاه، هو وخداعاته (مت ١:٤-١٧).

والآن، يا ابني، تسربلْ بالتواضع، واجعلْ المسيحَ وأباه الصالح مشيرين لك. صادقْ رَجُلَ الله، الذي ناموس الله في قلبه (مز ٣١:٣٧). تَشَبَّه بفقيرٍ حامل صليبه، صديقٍ للدموع. نُحْ أيضًا ومنديل على رأسك، وليصر مسكنُك قبرًا لك، حتَّى يُقِيمك اللهُ، ويمنحك إكليلَ الغلبة.

إذا ضجرتَ ذات مرةٍ من أخٍ يضايقك بكلمةٍ، أو كان قلبُك متكدرًا بسبب أخٍ، قائلاً: “هو لا يستحق هذا”، أو حرَّضك العدو ضد واحدٍ أنه لايستحق هذه الكرامات، ثم قبلت هذا الكلام أو أفكار الشيطان، وتعاظمت حربُ أفكارك، وتشاجرت مع أخيك، عالمًا أنه ليس بَلْسَانٌ في جلعاد وليس طبيب حواليك (إر ٢٢:٨)، فتقدَّمْ حالاً نحو سكينة وسريرة الله، وابكِ وحدك مع المسيح، وروح يسوع سوف يتحدَّث إليك في فكرك،ويبكِّتك في محيط الوصية. لأنه ما الحاجة لأنْ تجاهد بمفردك، متشبِّهًا بوحشٍ، ما دام هذا السم في داخلك؟ تذكَّرْ أنك أنت أيضًا سقطت مرَّاتٍ عديدة.

ألم تسمع المسيحَ يقول: “اغفرْ لأخيك سبعين مرةً سبع مرات”؟ (مت ٢٢:١٨) ألم تبكِ عدة مرَّاتٍ متضرعًا: “اغفرْ لي كثرة خطاياي”؟ والآن، إنْ تمسَّكتَ بالقليل الذي (لك) على أخيك، فروح الله يجلب أمامك الدينونةَ ورعدة العذابات. تذكَّرْالقدِّيسين؛ لأنهم استحقوا أن يهانوا (أع ٤١:٥). تذكَّرْ أنَّ المسيح قد أهين وعُيِّر وصُلِب من أجلك، وللوقت هو يملأ قلبَك بالرأفة والمخافة. انطرحْ على وجهك، باكيًا وقائلاً:“اغفر لي، يا ربي، لأني آلمت صورتَك”، وفي الحال تنهض متعزيًا بالتوبة، ثم أسرعْ نحو أخيك وقلبك راضٍ،ووجهك منشرح، وفمك ممتلئ بهجةً، والسلام يحيط بك، وأنت باسم، متوسلاً لأخيك، قائلاً:“اغفرْ لي، يا أخي، لأنني آلمتك”، ودموعك تكثر،ومن الدموع تصير فرحة عظيمة، ويتهلل السلام في وسطكما، وروح الله أيضًا يبتهج ويصرخ قائلاً: “طوبى لصانعي السلام؛ لأنهم أبناء اللهيُدْعَون.”(مت ٩:٥) إنْ سمع العدوُّ صوتَ النغم، يخزى، ويتمجد اللهُ، وتصير لك بركةٌ عظيمةٌ.والآن، يا أخي، لنجاهدْ ضد أنفسنا، عالمين أن الضباب قد صار في كلِّ مكانٍ، وامتلأت الكنائسُ بالمتنازعين والغاضبين، وأصبحت مجامعُ(أديرة) الرهبان مُحِبَّةً للعَظَمَة، وتسلَّط الكبرياءُ، وليس مَن يُظْهِر مروءةً نحو جاره، بل كلُّ واحدٍ يضايق جارَه (مي ٢:٧). قد سقطنا وسطالآلام، ولا يوجد نبيٌّ ولا عارفٌ، ولا يبكِّت أحدٌ أحدًا؛ لأنَّ قساوة القلب قد ازدادت. أمَّا العاقل فسيصمت؛ لأنه زمانٌ رديء (عا ١٣:٥)، وكلُّواحدٍ مَلِكُ نفسه. هم مستهزئون فيما لا يليق.اصنعْ سلامًا مع أخيك صلِّيا من أجلي أيضًا؛ لأني لا أقدر على فعل أيِّ شيءٍ، ولكني متألمٌ بسبب رغباتي.أما أنت فكن متيقظاً  في كلِّ أمرٍ. اِقْبَل الألم، واعملْ عمل المبشِّر( ٢تى ٤: ٥)  احتملْ التجارب، وتمِّمْ جهادَ الرهبنة، متضِعًا ووديعًا، مرتعدًا من الكلام الذي سمعته، حافظًا بتوليتك، مبتعدًا عن عدم الاعتدال وهذه الأصوات الغريبة النجسة. لا تخرجْ عن كتابات القدِّيسين، بل تشدَّدْ في الإيمان بالمسيح يسوع ربنا، هذا الذي به وله المجد، مع أبيه الصالح والروح القدس، إلى أبد الآبدين. آمين. باركونا[9].

عظات آباء معاصرين

قداسة البابا تواضروس الثاني

(مت ١٨: ٢١ – ٣٥)

كم مرة تغفر وتسامح الآخر؟

السؤال المطروح علينا في هذا الفصل هـو سـؤال واضح جدا سأله معلمنا بطرس الرسول للسيد المسيح مباشرة ، وقد وجد إجابة وشرحاً وتفسيراً ، فقد أجابه على السؤال ثم قدم له مثلا كشرح ، ثم قدم له استنتاجاً نهائياً على إجابة السؤال ، والسؤال بسيط

جدا: ” يا رب كم مرة يخطئ إلي أخي وأنا أغفر له ؟”.

كان الفكر اليهودي يقـول : ” إن الإنسـان مـن الممكن أن يسامح الآخر ثلاث مرات فقط ، ليس فـي اليـوم بـل عـلـى مـدى الحيـاة “، لكـن إجابـة السيد المسيح كانت غير متوقعة ، لكنها تكشف عن طبيعة أو شكل الحياة المسيحية ، فكانت إجابة جميلة جداً ” لا أقول لك إلى سبع مرات ، بل إلى سبعين مرة سبع مرات ” (مت ۱۸ : ۲۲). وفـي أصـل النص في إجابة السيد المسيح ليس المقصود ۷۰ × ۷ علـى مـدى الحيـاة ، بـل كـل يـوم ، بمعنى أن اليوم كله أغفر لأخي .  هذه الإجابة المذهلة يا إخوتي تكشف طبيعة المسيحية ، وهذا جعل السيد المسيح يكمـل الإجابـة بالمثل ” يشبه ملكوت السموات …” وهنـا تُلاحظ أن الإجابـة ارتبطـت بالسماء ، فهذا سؤال حياتي مهم يوصل الإنسان إلى السماء . إن المسيحية ليست شعارات ولا حتى كلمات أو آيات ، إنما المسيحية وصية معاشة ، والوصية المعاشة لها هدف نهائي هو حياة السماء . أما عن رقم سبعة في الفكر اليهودي فهو يرمز للوفرة والكثرة .

كم مرة يخطئ إلي أخي وأنا أغفر له ؟

من هو أخي ؟

كلمة ” أخي ” ليس المقصود بها القرابة الجسدية بل القرابة الإنسانية ، فكل إنسان هو أخ لك في الإنسانية ، كل إنسان دون النظر للاختلافات الموجودة في اللغة أو اللون أو الجنس أو الدين … الغفران المسيحي لا يعرف العدد .

مثال

لتوضيح الإجابة ذكر هذا المثل قائلاً :

كان هناك شخص مـديونا لسيده بعشرة آلاف وزنة ، والوزنـة حـوالي ستة آلاف دينار ، أي مديون بحوالي ٦٠ مليون دينار وآخر مديون بمئة دينار، تُلاحظ أن الفرق أو النسبة ١ : ٦٠٠ألف ، المديون بالعشرة آلاف وزنة لم يكن معه ليوفي الدين فأمر سيده أن يباع هو وامرأته وأولاده وكل ما له ليوفي الدين ، فخر العبد وقال لسيده باستعطاف : تمهل علـي فأوفيك الجميع ، أعطني فقط فرصة ، كـان مـن الممكن أن السيد يعطيـه مهلة وهذا أقصى ما كان يتمناه ويطلبه ، إلا أن المفاجأة والنظرة المسيحية وما يريد المسيح أن يعلمـه لنـا هـو هـذه الآية المباشرة ” فتحئن سيـد ذلك العبـد وأطلقـه ، وتـرك له الدين ” (مت ۱۸ : ۲۷) .

* رحمة السيد العجيبة :

هنا إجابة المسيح عن ترك العشرة آلاف وزنة تُساوي كل فرد فينا عليه عشرة آلاف خطية ، وإذا افترضنا أن إنسانا فعل عشرة آلاف خطية في حياته فهذا معناه أنه مديون للمسيح بهذا العدد الكبير ، فما الذي يفعله معنا السيد المسيح بمجرد إننا نطلـب الرحمة ” يا رب ارحم ” فإنه يتحنن ويترك لنا الدين . هـو يـريـد أن يقـول لـنـا : ” إن غفـران المسيح لنـا هـو بـلا حـدود فهـو يسـامـح علـى السقطات والضعفات والخطايـا الـتي بـإرادة أو بـدون إرادة ، الخفيـة والظاهرة، الثقيلة والخفيفة “، نحن نجد مسيحنا يفتح ذراعيه ويغفر الخطايا . ونحن نُصلي في الصلاة الربانية ونقول : ” اغفر لنا ذنوبنا ، كما نغفر نحن أيضاً للمذنبين إلينا ” إذا المغفرة مشروطة . هذا يعلمنا أن كل خطية نرتكبهـا هـي ديـن علينا أمام الله ، وضمير الإنسان هـو أفضل ” مراجع حسابات “، ضمير الإنسان هو الذي يؤنبه أو ينبهه لكي يراجع نفسه . لذلك دين الخطية كبير ، ودائماً الخطاة مديونون وعاجزون عن السداد ، فماذا لربنا عن خطيتي ؟ فأنا لا أملك سوى أن أطلب منه الرحمة ، وهذه الصورة التي قدمها انا المسيح فى هذا  المثل توضح ” رحمة السيد العجيبة للإنسان ”

* قسوة العبد المخالفة :

خرج العبد من أمام سيده فرحاً بعد أن ترك له الدين الكبير … أنت أيها العبد نلت هذه الرحمة العظيمة ، ماذا ستصنع بها ؟ عندما خرج وجـد واحـداً مـن العبيد وكان زميلا له وليس أعلـى منـه فـي الرتبة ، وكان مديوناً له بمئة دينار، وهذا المبلغ زهيداً جداً بالمقارنة بالدين الذي كان عليه ، الصورة التصويرية في هذا المثل والمشهد كلـه كـان أمام جميع العبيد ، فقد أمسكه بعنـف مـن عنـقـه قـائلا له : ” أوفنـي مـا لـي عليـك . فخر العبـد رفيقه على قدميه وطلب إليه قائلا : تمهـل علـي فأوفيـك الجميع . فلـم يـرد بـل مضى وألقـاه فـي سجن حتى يوفي الدين !!” (مت ۱۸ : ۲۸ – ۳۰). وهـنـا نـرى العجـب يـا إخوتي فأنـت أخـذت رحمـة وأعفيـت مـن الـديـن الـذي كـان عليك مقابل حياتك وحياة أسرتك ، وكان مصيرك السجن ، وها أنت الآن تنسى ما صنع بك ، وهنا يمكن أن نسميه ” قسوة العبد المخالفة “، فهذا تصرف خال من الرحمة . القسوة شر ونحن نُصلي في صلاة نصف الليل : ” ليس رحمة في الدينونة لمن لم يستعمل الرحمة “، وهذه الصلاة مأخوذة من رسالة يعقوب الرسول (یع ۲ : ۱۳). وهذا يجعلنا نُرتل في فترة الصوم الكبير مديحة ” طوبى للرحما على المساكين…”، فهذا العبد الذي رحمه الله كثيراً سقط في خطية إذلال رفيقه بكبرياء ، فـي حين أن المحبة والرحمة هما أساس كل العلاقات الإنسانية والتعاملات اليومية بين البشر .

هناك نقطـة أريـد أن تراجـع نفسك فيها ، كثيراً لا يستطيع الإنسان أن يقـول لأخيه : ” أنا سامحتك “، مع أنها كلمة سهلة جداً ، لكنها تحتاج إلى طاقة كبيرة . هذا الإنسان رحمـه سيده وتـرك لـه الـدين وأطلقه ، وأنـت يرحمك الله كـل يـوم ويغفر لك خطاياك الكثيرة ، وأنت تصلي دائماً : ” نشكرك يا رب لأنك سترتنا “، فأنت تشعربستر الله وغفرانه لخطاياك الكثيرة ، كما تُصلي قائلا : ” اغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضاً للمذنبين إلينا “.

نرى هنا ثلاثية رائعة ” الله ، أنت ، الآخر “، فما تصنعه مع الآخر سيصنعه معك الله . اسأل ربنا : “زكم لي عندك رصيد من الرحمة ؟”. يجيب قائلاً : ” لك رصيد رحمة كبير جداً “، ولآخر يـقـول : ” ليس لـك لـدي رصيد من الرحمة ، فكيف أرحمك وأغفر لك ؟!

+ غضب السيد البالغ :

هذه القسوة التي تصرف بها العبد مع العبد رفيقـه بمجرد أن علم بها سيدهما ، يقول الكتاب : ” فلما رأى العبيد رفقاؤه مـا كـان حزنوا جدا واتوا وقصوا على سيدهم كل مـا جـرى .

فدعاه حينئذ سيده وقال له : أيها العبـد الشـرير كـل ذلـك الـدين تركته لك لأنك طلبـت إلـى . أفمـا كـان ينبغي أنـك أنـت أيضـاً تـرحم العبـد رفيقـك كمـا رحمتك أنا ؟ ” (مت ۱۸ : ۳۱ – ۳۳). هذه الآية هي لب القصيد أو الخلاصة لإجابة السيد المسيح على السؤال ” وغضب سيده وسلمه إلى المعذبين حتى يوفي كل ما كان له عليه .

فهكذا أبي السماوي يفعل بكم إن لم تتركـوا مـن قلـوبكـم كـل واحـد لأخيه زلاتـه ” (مت ١٨ : ٣٤-٣٥)، هنا نرى غضـب السيد ، فقـد وبـخ العبـد عـلـى قـسـوتـه وقـدم لـنـا تحـذيرا : ” احـذر عـدم مسامحة الآخرين ، احـذر عـدم المغفرة للآخرين “، وهذا التحذير نضعه أمامنـا فـي أربعـة أفـعـال رئيسية قاعدتها المحبة :

إن كنـت              تغفر له

تحب الآخـر         تسالمـه

فأنـت                تسامحه

تستطيع أن.         تنسى له

عندما نتقدم بتوبتنا ونطلب رحمة الله من أجل ضعفتانا وخطايانا فإنه يغفر لنا، لأنه يحبنا ويسامحنا ، والأهم أنه ينسى لنا كل هذه الذنوب والضعفات . من أجل ذلك فترة الصوم المقدس هي فترة من أجل ممارسة هذه الأفعال ، واحذر لكي لا يكون في حياتك عدم غفران أو يكون قلبك قاسيا . من الملاحظ أنه في هذا الزمن الذي نعيش فيه صار قلب الإنسان قاسياً ، وإذا ما قارنا هذا الوقت مع الـ ٥٠ سنة الماضية نجد أن قلوب الناس كانت أكثر حنـوا عـن هـذه الأزمنة الأخيرة ، كمـا هـو مـكتـوب ” لكثرة الإثـم تـبرد محبة الكثيرين” (مـت ٢٤ : ١٢)، ومعنى تبرد المحبـة أي يكون الإنسان قاسي القلب ، وقسـوة قلـب الإنسـان تحـرمـه مـن الملكوت ، وهذه معادلة مهمة . وقت الصوم الكبير بكـل مـا فـيـه مـن وسائط روحية وممارسات كنسية ، ممكن أن نقول أنه وقت لكي يتحنن قلبك ، ويصبح قلبك رحيماً ويجعل فيه الحنو الذي قيـل عنه ” تحنن سيد ذلك العبد “. وامتلاك القلب الرحيم يظهر في معاملاتك اليومية . شيء مهم جدا أن ما يرتكبه الآخر في حقي قليـل جـداً أمـام مـا أرتكبـه أنـا فـي حـق اللـه ، كـل واحـد فينـا مـديون أمـام ربنـا بـكـثير ، فعنـدما تراجـع خطـايـاك وسـهواتك وضـعفاتك وتقصيرك تجـد أنـك مـديون لربنـا بالعشرة آلاف وزنـة ، لكـن اللـه ينظـر ويتحنن عليك ويترك لك هذا الدين ويطلقك بشرط واحد فقط هو أنك تصنع نفس الأمر مع الآخرين .

فترة الصوم نراجـع فيها أنفسنا ولا يليق أن نكـون فـي خـصـام مـع الآخر، فالصوم فترة لكي تمتلك هذه القوة أن تتسامح مع الآخر ، والصوم يعطي قوة وإرادة للإنسان بما فيه من انقطاع عن الطعام والشراب ، مع الاستمرار في تأدية الأعمال وبذل المجهود فيها مع حضور القداسات المتأخرة ، هذه الإرادة يا إخوتي نستخدمها في أن نسامح الآخر، ولا تجعل لك علاقة فيها خصام أو ابتعاد أو أي شكل من أشكال عدم القبول .

انتبه أيها الحبيب : كم مرة أغفر لأخي ؟ هل سبع مرات ؟ بل سبعين مرة سبع مرات ، معناها غفران بلا حدود … اجعله نمط حياتك، كما أن كلمة ” أسامح ” محتاجة طاقة قوية جدا ليست متوفرة لدى كثيرين ، لكن الذي يرغب أن يكون لـه مـكـان فـي السماء ورحمة لدى المسيح إلهنا ، السبيل الوحيد هو أن يغفر للآخر ويسامح الآخر . واعلم أن أحد نتائج الخطية أنك لا تسامح الآخر، قلبك ” متحجر” لا يستطيع أن يغفر ، لكن القلب التائب هو الذي يستطيع أن يسامح ويعفو ويغفر، وفي المقابل تجد المسامحة من الله وتجد رحمته تمتد إليك مهما كانت خطيتك.

اجلـس مـع نفسك ، راجـع علاقاتـك مـع الآخـريـن ، واعـرف أنـك بنعمـة المسـيح تستطيع أن تغفر ليس فقط سبع مرات بل إلى سبعين مرة سبع مرات[10] .

القديس القمص بيشوي كامل

شبابنا جوهرة غالية

هاخد آيه واحدة علشان نحفظها وبعدين نقرأ اللى نحب نقراه .

أنتم من الله إيها الأولاد وقد غلبتموهم لأن الذى فيكم أعظم من الذى في العالم .

رسالة معلمنا يوحنا الأولى الإصحاح ال ٤ آيه ٤ حتى سهل حفظها . رسالة معلمنا يوحنا الأولى الإصحاح الرابع آيه ٤ يبقى حديث معلمنا يوحنا في الواقع للشباب لأن اللى يلاحظ أن الرسالة مكتوبة ويحدد فيها موقف الشباب من العالم لدرجة إن هو بيقول لهم لا تتعجبوا يا أخوتى  إذا كان العالم يبغضكم ، يعنى إذا كان في مضاداة للعالم بالنسبة لأولاد الله أنتوا مستغربين ليه ؟ كأن ده موضوع غريب ! ده بيتسائل بيقول لا تتعجبوا يا أخوتى إن كان العالم يبغضكم ” أكتب إليكم أيها الأولاد أنه قد غفرت لكم خطاياكم أكتب إليكم أيها الأحداث لأنكم أقوياء وكلمة الله ثابتة فيكم وقد غلبتم الشرير ” واضح من كلمات الرسول أنه بيكتب لولاده الشبان أو الأحداث زى ما بنسميهم ، أو الأولاد اللى بيتكلم عنهم بيكتب بثقة قوية إن هما أولاد غالبين وأولاد مش ضايعين عارف يعنى إيه مش ضايعين لأنهم ليهم أب أب  كبير قوى . إحنا نسميه الآب ضابط الكل ، اللى ضابط الدنيا كلها ، شوف بقى إذا كان أي واحد بيدرس في العلم ولا في تركيب الذره أو في أي حاجة . ضابط الكون ده كله بيقول كده ” كتب إليكم أيها الأحداث أيها الأولاد لأنكم قد عرفتم الآب فأنتم لكم أب . وكتبت إليكم أيها الأحداث لأنكم قد غلبتم الشرير وكلمة الله ثابتة فيكم ” .

والآيه اللى احنا قرأناها .. ” الذى فيكم أعظم من الذى في العالم ” وقد غلبتموه لأن الذى فيكم أقوى من الذى في العالم .

في الواقع في موضوعين قدامنا اللى هو الحياة الداخلية . وبعدين أظن الشباب وتحديات العصر هما موضوع واحد باختصار . لأن معروف من القديم أن في غربة بين الإنسان وبين العالم وربنا يسوع المسيح من عند الآب خرجت وأتيت إلى العالم وأنا دلوقتى راجع للأب. ورسالة ربنا يسوع المسيح كانت رسالة صحيح قصيرة في الوقت لكن كانت محدودة بواحد داخل للعالم وخروج من العالم أيضاً وطمن تلاميذه وقال لهم : العالم ده خلوا بالكم منه بس ثقوا أنى قد غلبت العالم فحياتنا الداخلية كمؤمنين هتكون قوية إزاى ؟ هتكون قويه على أساس وجود ربنا وجود ربنا هو سر القوة وبعدين تحديات العصر وغلبتنا للعالم . مش معقولة هتكون بقوتنا أحنا لكن حتكون بقوة الله اللى فينا وشوف الأية واضحة وبسيطة جداً جداً وقد غلبتموه لأن الذى فيكم أقوى من الذى في العالم فعلاقتنا بالعالم الخارجي يتوقف تتوقف كمان على علاقتنا بالله .

وطبعاً سأعطيك مثل بسيط خالص ، خد يوحنا المعمدان يقول عنه ربنا يسوع المسيح أيه ؟ أهو ده نزل للعالم حاجة عجيبة قوى ، أهو مثلاً على حى شعبى ولا حى غلبان يوعظ الناس كلمتين عن ربنا . نازل على بيت هيرودس على طول ونازل بقوة يقول لك هيرودس كان يهابه طب وبيهاب يوحنا ليه ؟ أيه اللى في يوحنا يدعو للهيبة ؟ فيه كده هيبة .

أحنا في مفهومنا المسيحى الهيبة وضعها ربنا على الإنسان لأن الإنسان ملوش هيبة لوحده ، لكن ساعات الإنسان بيبقى ليه هيبة كده يفرض نفسه فرض ويخلى اللى قدامه يهابه ، وحصلت كتير حصلت  كثير في حياة القديسين . كان القديس باسيليوس اللى هو عامل القداس اللى هو كاتب القداس الباسيلى ده … كان الملك الإمبراطور أريوسى خالص وجه ودخل وجرى التقليد الكنسى يقول كده . إن الإمبراطور وهو موجود هو اللى يقدم الحمل ، فدخل ليقدم الحمل فأخذه من أيده بمنتهى الهدوء والرزانة وداه للشماس وقال له قدم أنت الحمل ، وأنت اتفضل أقعد ولم يستطع الإمبراطور أن ينطق بكلمة ، معرفش يقول يرد عليه والهيبة بتاعة القديس باسيليوس خلته وقف مطرحه رغم أنه بعد كده انتقم منه انتقام كبير جداً ، لكن كان باسيليوس أيضاً بمنتهى القوة قال له هتعمل في إيه ؟ هتجردنى من حقوقى المدنية أنا مليش حق في العالم .. جردنى عن هدومى ، أنا لابس المسيح . هتجربنى من حياتى أنا مت من أجل ربنا من زمان . أنت ملكش حاجة عندى ، فدولت كانت فيهم هيبة هيبة فامقدرش أفصل بين الموضوعين .

ويمكن ترتيب ربنا أن نحط الموضوعين دولت على بعض لأن الحقيقة هو كده إذا اتكلمنا عن تحديات العصر ونسينا البناء الداخلى للنفس ، يبقى إحنا بنتكلم بنلف حوالين الذات بتاعتنا . كأن كل واحد منا هيروح يتحدى العصر . وإذا اتكلمنا عن بناء الحياة الداخلية ومتكلمناش عن العالم اللى حوالينا مش منطق المسيحى ، لان ربنا يسوع المسيح كان يختلى في البراري ويمضى الليل في الصلاة يختلى لكى ، لكى ينزل و يخدم ثانى .. مرة ثانية يعنى البناء  الداخلى من أجل العالم أيضاً . جتى أحنا في كنيستنا بنعتبر إن الناس اللى بيختلوا في البرارى وشقوق الأرض والجبال والأديرة والأماكن دى مش من أجل انفسهم أيضاً بل من أجل الكنيسة . في نقطة لازم مش عارف نقولها أو لازم نقولها لأنها ترفع روحنا المعنوية خالص ، بلاش نقول تحديات العصر .. بلاش نقول تحديات العصر ، ولوأن الواضح دلوقتى أن العصر إيه إيه المدنية والتطورات الحديثة والحاجات دى والعلم بيهجموا على الكنيسة في كنائس بتسلم وبعدين تقول لى وكل ده من تحديات العصر أقول لك لأ.. لأ .. لأ مش تحديات العصر . اللى حاصل ضعف داخلى جوه الكنيسة والمسيح قال كده ، القوى ميتركش داره كده ، لأنه إذاً خرج روح ولقى البيت بتاعة مكنوس ومزين وفاضى ، يروح يجيب معاه سبعه أشر منه .

فالكنيسة لما تشوفها من جوه فاضية فهتكون النتيجة أن العصر ها يلعب بيها لعب ، فلكن الكنيسة لما تبقى مليانه من جوه تبقى مليانه يقول كده عنها الكتاب المقدس ، يقول من هذه الطالعة من البرية ، مرة يقول مستندة على حبيبها، يعنى طالعة لوحديها ، بس طالعة من البرية برية قاحلة ، يعنى مستندة على حياتها الطاهرة ، كشمس شوف بقى القوة طاهرة كالشمس ، الطهارة سر في القوة الطهارة سر في القوة ، ولا أحسن واحد يقدر يبص في الشمس أكثر من ثوانى ، ده بيقولوا أيام الكسوف بتاع الشمس ، كذا واحد فقد بصره لأن هو ركز نظره في الشمس فترة صغيرة ، ثوانى محدش يقدر يبص في الشمس وهى طالعة ، الطاهرة كالشمس الجميلة الجمال الطهارة ، بتديها رهبة ذي الشمس محدش يقدر يبصل لها . الطهارة يديها رهبة والجمال يديها جازبية طاهرة كالشمس وجميلة كالقمر ، مرهبة كجيش بألوية رهيبة جداً الكنيسة رهيبة .

طب يعنى تفرق كتير ، يعنى العنوان ده مثلاً إن الكنيسة بتتحدى العصر ، أو العصر بيتحدى الكنيسة ، لا أنا عاوز أقول الكنيسة تتحدى لأن مش عايز احط الكنيسة في موقف الدفاع ، لكن الكنيسة عمرها في موقف الهجوم ودائما أنت عارف اللى في موقف الدفاع هو الضعيف ، يعنى تعال ادرس نفسيه  شاب كده بيقول لك أنا ها أخش الجامعة السنة ديه يكون ولد كويس كده ، عايش في مخافة ربنا بس أنا خايف كده من جو الجامعة ده بيقولوا عليه جو مختلط ، وأنا مختش على الجو ده بيقولوا في صله بالشابات . الواحد صدق خايف يضيع في الجامعة ، فهو داخل وخايف . الأيه بتقول إيه الذى فيكم أقوى من اللى في العالم ، يبقى أنا ها أقيم هذا الشاب على أساس إيه ؟ على أساس أنه إيمانه ضعيف تعرف الشاب ده الكويس الحلو اللى لسه بتقول عليه ده يمكن ٩٩٪هيروح الجامعة هيضيع لأنه هو رايح فعلاً وهو خايف ، وأهو ثانى بقى كده يقول ايوه فرصة  ياعم أنا داخل الجامعة بقى لأن الجامعة فيها حرية ، وعلى مزاجى اتصاحب مع صحاب زى ما أنا عاوز ، وأعرف بقوة المسيح اللى فيا ابتدى أجرب وأخدم واكسب نفوس لربنا ، وهخش في معارك لكن أقول لك إيه حنتصر ١٠٠ ٪ لأن هو يقودنا في موكب نصراته ، وهتنتصر ازاى ، إحنا هنختم على المسيحى أنه لازم ينتصر لأن الذى فينا اقوى من الذى في العالم .

أنا عايز أسأل سؤال ، هل العالم اقوى من المسيح اللى في ؟ لا . هل الخطية أقوى من المسيح اللى في ؟ لا . هل الشيطان أقوى من المسيح اللى في ؟ لا . هل العصر اقوى من المسيح اللى في ؟  لا . طب إيه موضوع الغلبة بقى هنا ؟ ده اللى لازم آخذه يعظم انتصارنا بالذى أحبنا ، فالخطأ في العملية إن أنا مابنتش حياتى الداخلية والبناء الداخلى مبنى على الثبات في المسيح في كلمة ربنا وهو ده اللى قاله الرسول في الرسالة بيقول كده : كتبت اليكم أيها الأحداث لأنكم أقوياء وقد غلبتوهم وكلمة الله ثابتة إيه ؟ ثابتة فيكم . يبقى دلوقتى أحنا اللى هنتحدى العصر ، واحنا اللى بنتحدى العالم ولو كانت الكنيسة الأولى لما خرجت من الخدمة كان عددهم اكثر من ٥٠٠ أخ ، مثلاً زى ما بيقول الرسول وكانوا في هذا الوقت وخايفين من العالم ، كل يوم ينقصوا واحد إثنين ثلاثة ال ٥٠٠ دول بعد شوية هيبقوا ٤٠٠ ، هيبقوا ٣٠٠ ، يبقوا ٢٠٠ ، تنتهى العملية .

لكن الكتاب المقدس يقول عكس كده ، إن الكنيسة كانت في حالة قوية جداً ، كانت أقوى من العالم صار خوف عظيم في الخارج وفى الداخل . كانوا يأكلون الطعام بابتهاج ، وببساطة قلب ، وبفرح ، كانوا يسبحون الله في كل حين في الهيكل وكان ليس لهم فضة ولا ذهب ، لكن باسم يسوع الناصري قم وامش ، وكان الله يضم إلى الكنيسة كل يوم الذين يؤمنون . الذين يخلصون ، وكانت الكنيسة مليانه ضيقات والذين تشتتوا بسبب الضيق الذى حدث بسبب قتل إسطفانوس جالوا مبشرين بالكلمة . أهى دى الكنيسة ، ففي الواقع إحنا النهاردة الموضوع كله يتلخص أو يتركز في شخصيتك أنت ، اللى هتواجه بيها العالم الخارجي ، يعنى أنا مش هتكلم عن العالم ، ده عالم سطحى مغلوب . ثقوا أنا قد غلبت العالم .

والعالم مظهرى يعنى كلها مظاهر قال عنها الرسول ، شهوة الجسد شهوة العيون تعظم المعيشة ، هي مجرد أوهام مادية . خيالات مادية كلها ، لأن مقدرش أقول إن الشكل الكويس ده بكره هيبقى كويس ، أو الحاجة اللى الواحد يشوفها من الخارج تبقى كويسة ، بكرة ما تتبقاش كويسة ، فأنا مش هتكلم عن العالم لأن ده مش موضوعنا . لكن بنعمة ربنا إحنا هنخرج للعالم ، ونحن مؤمنون إننا نتعامل مع عالم مغلوب ، ” ثقوا أنا قد غلبت العالم ”  وغلبت ده فعل ماضى . يعنى أنا المسيح وصى على ، مش لسه ها تعمل معركة مع العالم ده ، بيقول لك ثقوا أنا قد غلبت العالم ، إحنا بنتكلم عن نفسينا فإن الشاب المسيحى النهاردة اللى قوى من الداخل يعنى ايه قوى من الداخل ؟ الشاب المسيحى القوى من الداخل هو عبارة عن جبل ، أساساته في الجبال المقدسة .

ماذا خرجتم لتنظروا قصبة تحركها الريح ، ربنا يسوع ليقول كده ، تفتكروا يوحنا المعمدان ده تيار يجيبوا شمال وتيار يجيبوا يمين ؟ قال لأ . إنسان لابس ثياب ناعمة . آدى أنت شايف دلوقت الشاب عشان يكون عصرى مظهره ، البنت عشان تكون عصرية لازم تكون مظهرها في اللبس ، قال لهم يوحنا ده راجل لابس ثياب ناعمة ؟ قالوا لأ . اللى لابسين ثياب ناعمة في قصور الأغنياء ، آمال طلعتوا تشوفوا إيه ، قالوا ده نبى ، نبى شوية على يوحنا المعمدان .. وأعظم من النبى . فالشاب المسيحى يحمل في داخله أقوى قوة في الوجود لو هو اكتشف القوة دى في حياته يصير إنساناً آخر .

واكتشاف الإنسان للقوة سهل ، وصعب . الصعوبة بتاعتها دلوقت إن إحنا غالباً لما نقعد مع بعض ، بنتكلم في العالم يعنى العالم اتهيألى إحنا جرجرناه جوه الكنيسة ، تمام في المظهر الخارجي المظهر بتاع الكنيسة إيه أحياناً كتير نتكلم في السياسية ، والإخبار العامة ، فتلاقى الفكر بتاعنا ما اصبحش فكر نقى ، لكن العالم بيتسرب كده ، وبيتسرب للبيت عن طرق مختلفة ، مش عاوز أتكلم عنها برده دلوقتى لكن ممكن يكون العالم عايش جوه البيت ، جوه البيت لكن زى ما بيقول القديس أبو مقار عن القلب النقى بتاع الشباب ، بيقول : عنه القصر العظيم الذى يسكن فيه المسيح قصر عظيم ، ويسكن فيه المسيح ومرة ثانية يقول المكان اللى بيسكن فيه الملائكة والقديسين . فالإنسان المسيحى فيه قوة غير عادية إذا اكتشفها .

إيه اللى مبيخلهوش يكشفها ، الصعوبة انهماكه في أمور كثيرة مظهرية . وقله فترات الاختلاء .. قله فترات الإختلاء يعنى هو مبيتعدش مع نفسه مبيختليش مع نفسه بيقول له كتبت إليكم أيها الأولاد لأنكم أقوياء وكلمة الله ثابتة فيكم ، فباين فيه الضعف . فاحنا دلوقت عاوزين إزاى نستعيد القوة بتاعتنا .. نسترجعها ” يجدد المسيح مثل النسر شبابنا ” ومفيش في الكنيسة شيخوخة ولا ضعف ، واللى معانا أقوى من اللى في العالم ، في تاريخ الكنيسة قديس من القديسين بتعيد له الكنيسة في ٢٥ مسرى القديسين بيصاريون ده كان راجل غلبان كده ، بسيط حتى في وسط زملائه ، كانوا بيبصوا إليه إنه صنف مسكين إنسان مسكين . كان يبكى على حاله وعن ظروفه الوحشة اللى وصل فيها ويقول أنا من عيله غنية كبيرة ووقع خطأ علينا وهدم بيتنا وهدم القصر بتاعنا ، وأنا مش هستريح إلا لما نرجع لبتنا الأولانى ، فالناس يدعوا له وزملاؤه الرهبان يدعوا له ويقولوا ربنا يعوضك ، وربنا يرجع لك اللى ضاع منك ، واصبر ، وهو يتكلم عن الأعمال اللى بيعملها الشيطان في الكنيسة ، في أولاد ربنا يبهدلها . ويذكر على هذا القديس إنه نزل الأسكندرية أنه راكب المركب مرة ونزل ووصل لأتينا ، وراح القسطنطينية ، وراح روما وهو ماشى في الطريق في روما ، لقى أثنين بيتخانقوا ، قال لهم بتتخانقوا ليه ؟ قالوا واحد عليه دين وهيودوه المحكمة ويسلموه للسجن عشان مش قادر يوفى الدين . قال أنا أدفع عنه وبشجاعة إنجيلية قوية راح باع الإنجيل بتاعة وجاب الثمن ودفعه ، وهو ماشى في الطريق وجد إنسان عريان ، فخلع الثياب وقال حقاً هذا هو المسيح ويجب ان يكون لى ضمير شجاع في اليوم الخير إننا مكنش مريت على المسيح وهو عريان وسبتة عريان وهو ده القديس اللى كان يبيع نفسه شوف بس القوة فين كان يبيع نفسه عبد ، كان أيامه في عبيد . يخش بيت مثلاً من البيوت ويبيع نفسه عبد يشغلوه عندهم خدام يتنه في البيت ده يصلى ويعلن ويخدم بامانة وتظهر منه قوة ربنا ، لغاية البيت ده ما يتحول إلى بيت مسيحى ويكتشفه سره يفرجوا عنه . يسيبهم ويروح يبيع نفسه عبد لبيت ثانى . شوف هنا شوف العينة ده من القديسين بتورينا صورة هجومية يعنى مش واقف يدافع عن نفسه ، لكن يروح يبيع نفسه عبد ، ويكسب البيت لربنا وبعدين يفكوا اسره ، ويبيع نفسه ثانى شغلانه ويقولوا إن هو راح لتاييس ودى كانت بنت شريرة جداً ، هي وأمها وفتحت بيتها للشر للشباب . قال أنا هاروح اشتغل عند تاييس دى واعرف اجيبها للمسيح واصطادها وأوصلها لحضن ربنا وابقى أنقذت ألاف ولم يكف عن الصلاة والخدمة عندها لغاية لما استطاع أن هو يوصل لقلبها ويخليها تبتدى تتوب ويوصلها لتوبه حقيقية ويرجعها لحضن المسيح ، وتبقى قديسة .

إحنا المسيحية بتاعتنا المسيحية رهيبة جداً قوية حتى أنت لو تحاول تبحث الجروب ( group ) اللى مشي وراء المسيح تلاقيها تشكيلة خطيرة اقوى درجات الشر ، إنسانه في تاريخ الكنيسة كاروزه للمسيح وممكن إنسان بخيل جداً محب للمال بيتحول هذا الإنسان سواء كان لاوى يتحول إلى تلميذ للمسيح سواء كان زكا تحول يفتح بيته لربنا .

المسيحية جبارة جداً لا تعرف الضعف قادرة أن تحول اللص اليمين اللى هو أقوى درجات الأجرام والخطية  والدنس والشر والقتل وتحوله إلى أول إنسان يدخل ملكوت السماء ، فردوس النعيم ويبقى المسيحية بتاعتنا لو سألنا دلوقت أقل طفل ضغير ، ها أقول له مين أول واحد ؟ يقول لك اللص . يعنى دى افتتاحية مسيحيتنا في دخول الفردوس أول واحد يخش عندك في الفردوس لص ، ولص من درجة خطيرة ، قال هي دى قوة مسيحيتنا ، عشان كده فى اصطلاحات في تعبيرات الرسول بتبين إنه ما يتغلبش ابداً ، وفى اصطلاحات في كلمات ربنا يسوع المسيح يقول حتى إذا جالك واحد عدوا تحبه وبعدين تباركه وبعدين تحسن إليه وبعدين تخش مخدعك وتصلى له ودى وصية إنجيلية يعنى أنا قصدى أقول أنا مش باتكلم دلوقت علشان تقول لى الآيه بتاعت دى صعبة أو سهلة . لأ . هواللى بيقولوا عليه آيات صعبة هوه ده سر قوة المسيحية يعنى إنت مطالب بالأمر الإلهى أن أنت تصلى لليسئ إليك في كل ليلة تدخل مخدعك وتيجى واقف قدام ربنا وتقول له فلان ده أذكره برحمة كبيرة ، وتصلى من أجله ، دى قوة عشان كده لما بولس الرسول جه يتقرب من المحبة سماها المحبة التي لا تغلب أبداً . أولا تسقط أبداً . وعارف ليه هي مبتسقطش أبداً ؟ لأن هي الله ، حتسقط إزاى ؟ متتغلبش المحبة التي لا تسقط ابداً المحبة التي لا تغلب . وفى حياة القديسين الكثيرجداً ، مارجرجس شفيع هذه البيعة قالوا ده شاب طيب . الشاب ده قعدوا يتفننوا ، استخدموا العنف معاه . قالوا ده بيعاند عشان شاب الإغراء متهزش ، بالإغراء قالوا ده نجيب له بنت كده خليعة تسقطه في الخطية وفى الليلة اللى جابوها كده قعد يصلى كده ، قوة إلهية تحيط بوجهه فصرخت البنت وقالت له جبونى هنا جبونى عشان أسقطك بخلاعتى ، وأنت جذبتنى بسحر طهارتك .

مش قلت لك الطهارة في الأول رهيبة ، لها قوة .. عشان كده يا أحبائي مهما تسمع عن العالم النهاردة إن الشر والدنس والخطية بتزيد فيه ، فأرجو أن إنت لا تنسى أبداً أن سر قوة الكنيسة وقوة الشباب هو الطهارة .

أقوى سلاح معاك والفضائل الحلوه المسيحية لما بنتحلى بيها وبنتمسك بوصايا الإنجيل ، بيكون فينا جمال خالص ، وجاذبية . لا تخف أيها القطيع ، إننا قطيع صغير طول عمرنا هنتنا قطيع صغير ، إيه ده طول عمر المجموعة بتاعة المسيح قطيع صغير . قال آه حاجة عجيبة قوى ، ولا تخف طب ها تعمل إيه للقطيع الصغير ده .

بيقولوا الأقليات دائماً ياخذوا مراكز كبيرة ، ويشتغلوا في التجارة وينجحوا ويعملوا إلى أخره . قال لأ . لا تخف أيها القطيع الصغير قال أنا معاكم قطيع صغير ومعاه ربنا ، أباكم قد سر أن يعطيكم الملكوت ، متخافوش ابداً . إيه تحديات العصر اللى بيعرضها ؟ قلت لك اغراءات كدابه مظاهر كدابه مراكز ايه باطلة ، كلها إيه لذة ، شهوة ، متأزمين تحس شاب فاضى من جوه ، وما أكثر الشباب اللى فاضى من جوه . لكن بنعمة  ربنا يا أخوتى إحنا النهاردة بمنتهى الإتضاع أمام الله ، وانسحاق روحى  نقول له ياربى إحنا أقوياء جداً بيك ، واحنا ما حناش فا ضيين ، إحنا عرفناك .

اكتب إليكم أيها الأولاد لأنكم عرفتم الآب ، انتوا ليكوا أب سماوى ، أبانا الذى في السموات أب ضابط الكل ، تصور بيلاطس وهو بيحاكم المسيح بيقول له لى سلطان أن أطلقك . قال له ليس ليك سلطان إن لم تكن قد أعطيت من فوق . دهو مديك إذن عشان تحاكمنى لرسالة معينة العالم ميهبناش ، مفيش خوف أبداً قوة أغسطينوس قال عن نفسه الجملة الجميلة المحفوظة دى ، قال وضعت قدمى على قمة هذا العالم عندما صرت لا أخاف شيئاً ولا اشتهى شيء .

دا احنا حفظينها وشوف ربنا عاوز يورى ليك حقاره العالم كله على بعضه يقول لك : ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه ، في قوة كبيرة القوة دى أخذتها بالمعمودية والروح القدس سكن فيك والروح القدس اتولى حياتك من الطفولة بتاتك لان هو اللى ولدك زى الأم ما تولد إبن ليها وابتدى يدى لك طعام حى يديك جسد الرب ودمه ، ويديك مواهب الروح القدس محبه فرح سلام طول اناة ، ثمار حلوة . ويديك مواهب الروح القدس ، ويزين فيك ويجملك وكل ما أنت تطلب كل ما يعطيك ويفرحك ويعرفك بالآب السماوى .  ما هو ولدك والروح اللى فينا يدفعنا أن نصرخ ونقول يا أبانا الآب . فالروح القدس بيخلق من كل واحد مننا إنسان مسيحى قوى جداً وأقوى من العالم. كده ، الروح القدس ده ساكن جواك مش زى ما سمعنا عن واحد من الآباء القديسين بيقول إن القلب النقى قصر للمسيح يسكن فيه بيسكن فيه المسيح  الفلب بتاعك ساكن فيه الروح القدس ده . الإيمان الذى فينا أقوى من الذى في العالم ، أقوى من العالم كله .

ياللا بينا نطلع بقى ، قول لى يا ابونا كفاية  كلام بقى ياللا بينا نطلع للعالم ونشوف شغلنا بمنتهى الإتضاع وإنسحاق الروح ، نحن قد غلبنا العالم ومش لسه ها نغلب والمعركه  انتهت ، لأن تقول لى منين انتهت المعركه ؟ ما هى دى النقطة اللى عاوزك تعيشها . غلبة العالم  ده موضوع انتهى لأن المسيح غلب .فأنت بتاخذ معاك المسيح الغالب عشان كده سفر الرؤيا يقول  إيه خرج غالباً ، ولكى إيه غالب طبعاً ، غلب وخلاص ولكن يغلب عن طريقى وعن طريقك يعنى عملية  الغلبة دى عملية مستمرة مين اللى بيغلب لا أنا ولا أنت دا المسيح هو الغالب ( غالباً ) .

ولكى يغلب شفت بقى انتصارات وانتصارات كلها تضاف لحساب المسيح ، فالعالم عالم مغلوب ، مين يخاف منه . يقول كده الإنجيل اللى سمعناه النهاردة ، لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد ، حتى الجسد قال آه ، آخر حاجة  . فالآيه اللى عاوز أثبتها في ذهنك  إن

الذى فينا أقوى من الذى في العالم ، اليناء بتاع حياتنا الداخلية برده حاحط لك آيه ثانية عشان مشعبش الكلام من أراد أن يكون لى تلميذاً ينكر نفسه ويحمل صليبه وإيه ويتبعنى صعبة الآيه دى . يعنى صعبة في حفظها ؟ لأ طبعاً ، كلنا حفظينها ثلاث نقط صغيرين ، ينكر نفسه ويحمل إيه صليبه ونمرة ٣ يتبعنى. اشمعنى ينكر نفسه في الأول ، قال آه ، لأن الذات دى بتعوق عمل ربنا ، يعنى ببساطة كده ما هو أنا لما انسب الإنتصارات لى أنا يبقى وقعت في كبرياء والذات بتاعتى تضخمت يبقى لما ابتدى لو ربنا خلانى اغلب في العالم أنا ها اتضر لو نزلت للعالم وغلبت دلوقت وقدرت إيه أجذب إنسان بعيد عن ربنا واجيبه لربنا ووقعت في معركة زى بتاعت يوسف الصديق ، وانتصرت فيها ها انضر خالص ، ها أرجع أقول شفت بقى الحمد لله الواحد يعنى يعنى كويس خالص ، فربنا قال لأ يا أولادى أنا مش بصعب لكم السكة ، ده أنا باعطيكوا كل طرق الأمان عشان ميجيش لغم في السكه كده يفرتكك نمر١ تنكر نفسك أو زى ما بتقول الكنيسة يكفر بذاته  وانا بكفر بذاتى ، قال آه ما أنا حاخد بقى ثانية لا أحيا أنا بل المسيح يحيا في يعنى أنا مبنكرش ذاتى يعنى  لكن باخذ قوة غير عادية اللى هي قوة المسيح في فالمسيح لما يبقى في فذاتى مرحتش لكن دابت في المسيح ، لتقل لا مشيئتى بل مشيئتك ، ينكر ذاته والذات بتاعتنا عشان نفهمها كويس دلوقت ، مش كلمة عامه كده ، لأ .

الذات دى ليها متعلقات يعنى مثلاً الوظيفة بتاعتك دى ، الكرسى اللى أنت قاعد عليه في العمل ، ده جزء من ذاتك يمكن انت كنت شخص وديع ومتواضع ، أول ما مسكت الفصل ابتدأت ذاتك تتضخم وتكبر وتحس أن أنت أحسن من غيرك ، يمكن أنا كنت شاب كويس أول ما أعمل قسيس أبص الاقى نفسى واحد تانى ، فربنا بيعمل لى بينبهنى بيقول لى شوف ابنى بقى مهندس  وابنى التانى دكتور ، وابنى الثانى معرفش إيه ، وابنى التانى هيعمل إيه ، هو كل ده عمال يكبر وولاده بيكبروا وهو روخر بيكبر، وعشان كده السيد المسيح مرة من المرات وهو بيتكلم عن الذات إن أراد أحد أن ياتى ورائى فليبغض أباه وامه وبعدين يقول لى أباه وامه وأولاده ، آه ومراته وولاده واخوته حتى نفسه ، آخر حد أو أقصى حد .

فربنا يسوع المسيح يا أخوتى بيدينا طريقة الأمان ذات إيه ما هو الإنسان بخار يظهر قليل ثم يطمحل إيه إيه اعمال الإنسان ، قال عنها الكتاب كخرقة الطامث إيه داود قال عن ذاته قال برغوث واحد وكلب ميت ودوده حقيرة . لأ اسكت يا أبونا ، الواحد عارف نفسه من جوه دلوقت اتفضحت نفسه قدام الناس دى دا مرة ربنا قال لحزقيال قال تعال أريك تعال اريك تصوراتى لكهنة إسرائيل واخده بصصه كده من الباب ولا من خرم الحيطة ، وقال له بص جوه الأوضة دى في إيه ؟ شاف مناظر بشعة جداً جداً . قال له دى تصورات قلبهم ده اللى جوه قال ده أنا شايف كل حاجة  حلوة قوى بره ، قال له هذا هو الإنسان يطلع منه الإنسان إيه عشان كده أحسن حاجة لما نبتدى حسب الترتيب الله حطه ربنا ينكر إيه نفسه وينسب كل عمل لربنا ، ميجيش المديح إيه مينسبش كل نجاح لحكمته . لكن يقول أستطيع كل شيء في المسيح الذى يقوينى .

ويمكن تلاحظ الحكاية دى لما تيجى تعترف عشان تتناول تيجى بانسحاق وتبقى حياتك الروحية حلوة قوى وأنت بتعترف وأنت جاى بتتناول ، وبعد التناول يجى لك فتور ثانى ، عارف سببه إيه ؟ سببه الذات ، لأن هي ماماتتش لأن بعدما اتناولت جالك إحساس داخلى كده إن أنت الحمد لله  كويس قوى ، واحسن من كل الناس ،

فابتدى الفتور يدب فيك من جديد .

ويحمل صليبه وكأن حمل الصليب هنا أصبح جزءاً لا يتجزأ من حياة المسيحى . مره من المرات قال يحمل صليبه كل يوم يعنى هو ده السلاح اللى أنا بواجه بيه العالم الخارجي ، وجرت العادة أن الصليب مثلاً يكون عبارة عن تجربة قاسية ، مرض ، ضيق ، مصيبة . يقول لك معلش آهو الواحد يشيل إيه .. صليبه .. بقى ضيق .. اضطهاد .. لأ ، لأ مش هو ده الصليب . صحيح ده أنواع من الصلبان لكن مش هو ده الصليب المقصود أبداً .

ده بيقول يحمل صليبه كل يوم يعنى كل يوم ها يجى له مصيبة ويتبعنى كل يوم ، ده الصليب ده أنا نفسى تآمن يجى لك إيمان داخلى إنه جزء من حياتك مقدرش أعيش من غيره ، أنتم الذين قد رسم أمام عيونكم يسوع المسيح وإياه مصلوباً ، فالصليب ده جزء من حياتك . حياتك يعنى مثلاً إيه تصحى الصبح كده تقول له ياربى الصليب بتاع النهاردة إيه ؟ يقول لك ايوه أنا شايف كده أن الخطية بتخش لك عن طريق اللذه ، تقول له طب يايسوع أعمل إيه ؟ يقول لك طب اطرد اللذه النهاردة تدرب النهاردة طول النهار على كل حاجة فيها نوع من اللذه تتطرق إليك تقول دى لذة تافهه من العالم وأطردها ، قول ايوه صليبى النهاردة ده صليب اللى مديهونى إيه ؟ يقول لك أنا شايف يا ابنى إن سراج الجسد هو العين إن اعثرتك عينك فاقلعها . تقول له طيب أنا ها أصلب نظرات عينى النهاردة ها خليها نظرات مقدسة خالص يايسوع ده صليبى النهاردة . يجى يوم ثانى يقول له طب يايسوع صليب النهاردة إيه ؟ يقول لك صليب النهاردة أفكار وحشة كده . ايوه اصلب افكارى ، افكارى دى اللى ماشية في الاتجاه ده وده فكر المسيح ، أما أنتم فليكن لكم فكر المسيح فكر المسيح قايل كده ، خلاص أنا أصلب الأفكار كلها واحط مطرحها أفكار المسيح إيه الصليب بتاع النهاردة ده ياربى يسوع قال يا ابنى أنا شايفك كده ، مشغول كتير بالنتيجة والنجاح والمذاكرة ودى حاجات برجلت حياتك ، طب إيه يا يسوع الصليب قال لا تهتموا بالغد ، خلاص يا يسوع ها شيل صليبى .

وكل يوم لك صليب تقول لربنا لى ياربى إيه الصليب اللى انت عاوز اشيله النهاردة ؟يقول لك وانت كده في وسط زملائك بتحس دائماً بالغيرة والحسد ، وتحس أن همأحسن منك هتشيل صليبك خلاص يايسوع  أنا هاكون آخر واحد والمتكأ الأخير كمان ،وصليب اليوم الصليب ده يبقى إيه شغل شغل بتشتغله ومبترمهوش عن كتفك أبداً ، لأنهو ده سلاحك ، وتقول لى أشيله أمتى ؟ وأرميه أمته ؟ أقول لك هو يتشال ويترمى دهالصليب ده أترسم واتلزق ، عارف اللى بيرسم صليب هنا ميطلعش أبداً ولا بمية نار ،هو ده الصليب اللى اترسم هنا ، وفى اليوم اللى بتترك سلاحك أنت إنسان ضعيف .

عندنا قصص كثيرة طبعاً وخصوصاً لو تقرأ السنكسار بعد عيد الصليب تجد أن كلالأنتصارات كت بالصليب يرفع إشارة الصليب ، يرشم الصليب . الراجل البهلوان دهاللى كان بيعمل ألعاب بهلوانية كده عشان يبسط الإمبراطور في ليلة ميلاده ، فقال أناهمثل لكم اللى الأسرار بتاع المسيحيين بيعملوا إيه ؟ أول حاجة يجيبوا شوية مايةويجوا غطسانين فيها ، ويقولوا بقينا مسيحيين . ها أعمل لكم التمثليه دى . ورشمالصليب كده هو على الماء يبص يشوف صليب نور قدامه فيجى غاطس في الماء ويقولأنا مسيحى ، وكام قصة كده اللى ياخد باله إيه يجد إنها كلها كانت بدور حول حملالصليب . والنهاردة في السنكسار بتاع النهاردة الراجل اللى آمن ده كان صياد وكانوثنى مش عارف إسمه إيه ؟ وطلع يصطاد كده وهو بيجرى وراء الغزلان بتاعته لقىالصليب كده قدامه لقى الصليب.  الصليب سلاحنا ما نرمهوش أبداً .

بولس الرسوليقول بقى إسمعوا حاشا لى أن افتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح . ليه يا بولسالذى به قد صلب العالم لى وأنا للإيه ؟ للعالم ، يعنى أنا عايز ، أنت عاوز تقول إيه يابولس ؟ قال أنا حياتى كلها اتحددت بينى وبين العالم بالصليب ، ده مش بنقول تحدياتالعصر مش بنقول العالم ما هيه الآيه واضحة زى الشمس أهه الذى به قد صلب العالملى  وأنا للعالم ، ومين يغلب الصليب ؟ قولى مين الشيطان ؟ الشيطان واخد أكبر علقه، يتهيألى محدش يعرف قيمة الصليب قد الشيطان . لأن هو اللى واخدالعلقة . العالم انا إن ارتفعت أجذب إلى الجميع ، المسيح شد كل ولاده من العالم عنطريق الصليب .

الخطية في الجسد الصليب قوة ، قوة جبارة . ياسلام على الشباب اللى يتسلحبالصليب ، لا يرمى سلاحه أبداً ما يرميش سلاحه ، ويرشم فكره بالصليب ، فيصبح لهفكر المسيح وقلبه بالصليب أيضاً سيمتلئ قلبه بحب المسيح ، وأيديه بيرشمها بالصليبفتصبح أعماله كلها مقدسة ، ورجليه بالصليب أيضاً ، تصير كل الأماكن التي يصيرإليها يصير إليها مقدسة ، يحمل صليبه كل يوم ، فالصليب سلاحنا كل يوم . كده قولليه ياربى يسوع إيه الصليب اللى أنت عاوزنى اشيله وبعدين أتبع المسيح انكر ذاتكواحمل صليبك كل يوم وتعال اتبع المسيح .

واتبعه ازاى ؟ بسيطة  جداً وبدون تعقيد . افتح انجيلك وخد الآيه . أوامرك إيه يا يسوعالنهاردة ؟ يقول لك كده المحبة لا تسقط  . ها احب كل واحد حتى اللى يغلط في حقى . الآيه بتاعت النهاردة إيه ؟ صلوا لأجل الذين يسئون اليكم . الآيه بتاعت النهاردة إيه ؟من سخرك ميل سر معاه ميلين مش دى الآيات اللى بيقولوا عليها صعبة ، الآيه بتاعتالنهاردة إيه طوبى لأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله . الآيه بتاعت النهاردة إيه ؟ طوبىللمساكين بالروح . أمال تبعية المسيح يعنى إيه ؟ أنا عازوك تفسر لي يعنى إيه ينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعنى .

يتبعني يعنى يحفظ وصاياي ووصاياي ليست ثقيلة ، لأن مش انت اللي بتنفدها ده المسيح اللى فيك لك صليب ولك آية كل يوم تتبع المسيح . إزاى يكون لك ضمير حساس جداً يستطيع أن ينقل الموجات بتاعت الروح القدس وهى بترشدك . الروح القدس يبكت على الخطية ، الروح القدس يعلم الروح القدس يرشد ، الروح القدس يورى لك السكة ،دى الروح القدس يقول لك السكة دى فيها غش ولف ودوران ، أبعد عنها ، مش مسيحية تقول له لأ .

دى معلش عشان خاطر الكنيسة ، رشوة صغيرة عشان نخلص الموضوع الفلاني ، الروح القدس يقول لك لأ . غلط تقول آه غلط بلاش بناقصها . الروح القدس يقول لك أنا روح متواضع وربنا القلب المنكسر والمتواضع لا يرزله أبداً ، تسمع الآية دى بترن جواك كده تقول أيوه ، التواضع حلو في الهامات الروح القدس ، واحياناً كثيرة أنت بتيجى بتغالط وبتسأل أبونا : دي حرام ولا حلال ؟ دى حرام ولا حلال ؟ متسألش الأسئلة دى ثاني أتبع المسيح وأسمع صوت ربنا عن طريق الصلاة وصوت الروح القدس اللى موجود فيك . إحنا عاوزين نبنى الحياة من جوه صدقني حتى دلوقت في العلم الحديث زمان أيامينا لما  كان في حصة الرسم كان يجيبوا لنا حاجة كده يقول لك ارسم منظور وارسم معرفش إيه وارسم إيه دلوقت يقول لك لأ . يجيبوا للولد شوية ألوان وورق ويقولوا له ارسم منظر شفته في العيد ، شفته معرفش فين ، فالولد يقعد يرسم كده دى نظرية عملية يقول لك الولد جواه أفكار كبيرة إحنا اللى بنضيقها عليه بنقول له اعمل كده واعمل كده . فالولد يبتدى يرسم ويطلع من جوه من خياله حاجات جميلة جداً دى نظريات العالم . أنا ها أقول لأ . أنا جويا روح ربنا يخرج من كنزه جدداً وعتقاء يطلع حكم شوف يقول ربنا إيه ؟ لا تهتموا بما تتكلمون به لأن الروح القدس يعطيكم فما وحكمة لا يقدر جميع معانديكم حتى ولا يدبحوكوا ، لكن ميقدروش أن هم يناقضوكم . يا سلام إيه الحكمة دى ؟ صحيح وتقرأ في حياة الأباء القديسين كلام بسيط ، ومش متعلمين زينا ولا حاجة لكن تقرأ حكمة وتقرأ قوة في الكلام . أيوه صحيح من أجل هذا يا أحبائي في كنز جواك من فضله القلب بيتكلم اللسان والفم ، وبعدين يقول إيه القلب  الصالح ؟ الإنسان الصالح من كنز قلبه الصالح  يخرج الإية ؟ الصلاح ، إذاً فيكنز جوه . وبعدين يقول من آمن بي تجرى من بطنه أنهار ماء حى ، يعنى إذاً العملية عملية فيض . لو إحنا توبنا لربنا ورجعنا بقلوبنا وحملنا صليبنا كل يوم ، وتبعنا المسيح. ثق تماماً ها يطلع في الكنيسة شباب كله جبروت كله عظمة ، كله رهبة ، كله طهارة ،كله قوة ، ويستطيع أن يواجه العالم ويغلبه واللي عايز أقول له يخرج إلى العالم غالباً أيضاً  بالمسيح يسوع هو ده العالم اللي إحنا بنتكلم عنه إن شاء الله ربنا يعطينا بنعمته إنه يعمل في ضعفنا وفى حياتنا البسيطة عشان نقدم ليه كلنا شباب وشابات حياتك عشان يستخدمها في وسط العالم ده عشان يتمجد اسمه في حياتنا الضعيفة .

ولإلهنا المجد الدائم أبدياً آمين[11]

المتنيح القمص صليب سوريال

القانون الأول في الغضب

( ١ ) ” قد سمعتم أنه قيل للقدماء لا تقتل ومن قتل يكون مستوجباً الحكم . أما أنا فأقول لكم إن من يغضب على أخيه باطلاً يكون مستوجباً الحكم . ومن قال لأخيه رقاً يكون مستوجباً المجمع ومن قال يا أحمق يكون مستوجباً نار جهنهم فإن قدمت قربانك إلى المذبح ، وهناك تذكرت أن لأخيك شيئاً عليك ، فأترك قربانك قدام المذبح وأذهب أولاً أصطلح مع أخيك ، وحينئذ تعال وقدم قربانك .

( ٢ ) ” كن مراضياً لخصمك مادمت معه في الطريق ، لئلا يسلمك الخصم إلى القاضي ، ويسلمك القاضي إلى الشرطة ، فتلقى في السجن

الحق أقول لك لا تخرج من هناك حتى توفى الفلس الأخير (مت ٥: ٢١ – ٢٦) .

يمكن تقسيم أول قانون من قوانين ملكوت السموات إلى ثلاثة أقسام:

( ١ ) علينا أن لا نغضب مع أخينا (مت ٥ : ٢١ – ٢٢)

( ٢ ) علينا أن نصطلح مع أخينا حسب الطريقة التي أخبرنا الكتاب عنها (مت ٥ : ٢٣ ، ٢٤) .

( ٣ ) علينا أن لا نجعل لأخينا شيئاً ضدنا (مت ٥ : ٢٥ ، ٢٦) .

القسم الأول من هذا القانون أن لا نغضب مع أخينا

فاليهودى تحت ناموس موسى القديم نهاه الله ” لا تقتل ” . أي أن سفك الدماء كان محرماً عليه أما السيد المسيح فقد ذهب إلى أبعد من ذلك بكثير فوصل إلى منشأ القتل ، ألا وهو الغضب الخفى فى القلب ، فحرمه بقانونه هذا والإحتفاظ بالغضب داخل القلب يتحول إلى كراهية إن قايين غضب فحقد أي قتل المحبة ثم قتل أخاه قال القديس جيرون ” لا أعرف سلاماً بغير حب ، ولا شركة بدون سلام ” وقال القديس بولس ” في كل مكان رافعين أيادى طاهرة بدون غضب ولا جدال ” (١تي ٢ : ٨)

هناك ثلاث درجات للغضب :

( ١ ) أن نغضب على أخينا . وهنا يبحث القاضي الإتهام للتأكيد من صحته .

( ٢ ) أن نحتقر أخانا ( فكلمة رقاً هي تعبير إحتقار الموجه إليه الحديث وعدم إحترامه ) وهنا يبحث المجمع الإتهام فهو أكبر محكمة قضائية لا نقض فيها ولا إبرام

( ٣ ) أن نضمر الشر لأخينا ( يا أحمق كلام خال من النعمة فقد يجعله ييأس ، والإنسان البائس لا يرى باب السماء ) وإذا وصلنا إلى هذا الحد أصبح من المشكوك فيه أننا أولاد الله ونكون إذ ذاك مستوجبين نار جهنم ( جهنم : مكونه من كلمتين عبرييتين ” جه – هنوم ” أي داخل هنوم ، وهنوم هو وادى تلقى فيه مخلفات الحيوانات والذبائح مملؤه دود والنار مشتعله فيها بلا إنقطاع ، رمز لعقاب إبليس وجنوده – دودها لا يموت ونارها لا تنطفئ )

وإذا وصلنا إلى هذه الدرجة الثالثة نجدها تساوى القتل في العهد القديم إننا إذا احتفظنا بالغضب داخل قلوبنا يتحول إلى كراهية فكيف نكره أن نراى إنساناً وهو قد صنعه الله مثلنا على صورته ومثاله ؟ لذلك يؤكد لنا يوحنا الرسول ما ورد في العظة على الجبل قائلًا: ” من لا يحب أخاه يبقى في الموت . كل من يغضب أخاه فهو قاتل أنتم تعلمون أن كل قاتل ليس له حياة أبدية ثابتة فيه ” (١ يو١٤ : ٣ ، ١٥)

فمن يغضب علي أخيه لا يرث الملكوت الذى أعده الله لأولاده الذين أعطاهم الحب بعضهم لبعض . قد لا نضمر السوء لأخينا ولكن ترى هل نحتقره أحياناً بأى وجه من الوجوه ؟ هل نعامله بإزدراء ؟ فمن نكون حتى نزدرى غيرنا . إن داود قال عن نفسه ” أنا كلب ميت ” ونحن بدون الله لا شيء . فلا ينبغي أن نتدخل في شئون غيرنا

أخشى أننا كثيرا ما نحتقر أخانا فنكسر قانون المحبة وبالتالي نكسر أول قانون من قوانين الملكوت ولرب قائل يقول : أنك نسيت جملة هامة : أفلم يقل الكتاب من يغضب على أخيه باطلاً ؟ !! إننى عندما أغضب على أخى لا أغضب عليه باطلاً آه كثيرًا ما استترت أنا أيضاً وراء هذا العذر غضب على أخى مراراً وكنت في كل مرة أقول لنفسى أن لدى عذراء وجيهاً لغضبى ولكن ليست هذه هي الترجمة للآية في اللغة اليونانية

الغضب الخاطئ

إننا نخدع أنفسنا ونبرر الكراهية التي في قلوبنا ولكن لن يحكم أحد على الغضب أنه باطل أو غير باطل إلا الله وقد يكون الدافع إلى الغضب نفسه خطية ومن أمثله ذلك :

( ١ ) غضب عن حسد : كما غضب اليهود على السيد المسيح عندما سمعوا الأطفال يهتفون ” أوصنا يا ابن داود ” غضبوا وقالوا له أتسمع ما يقوله هؤلاء (مت ٢١ : ١٥) أغضبهم صوت الأولاد ولم يغضبهم ضجيج الباعة في هيكل الرب

( ٢ ) الابن الأكبر : غضب ولم يرد أن يدخل (لو ١٥) للإحتفال بعودة أخيه .

( ٣ ) عيسو ويعقوب : منافسة نجح فيها المنافس مرتين فقد تعقب يعقوب عيسو مرتين في البركة والبكورية .

( ٤ ) اليهود : عند عدم إحتمالهم لتبكيت السيد المسيح لهم على خطاياهم ، ” إمتلأ غضباً جميع الذين في المجمع عندما سمعوا هذا (يو ٢٤ : ١٥ – ٢٨) قال القديس بولس ” ليرفع من بينكم كل مرارة وسخط وغضب وصياح وتجديف مع كل خبث وكونوا بعضكم نحو بعض شفوقين متسامحين ” (أف ٤ : ٣١) كل هذا غضب لا يصنع بر الله لتعارضه مع كل الفضائل .

الغضب المقدس

+ يخيل إلىّ إنى أسمع بعضهم يقول ( ألم يخبرنا الكتاب في ” (أف ٤ : ٢٦) ” أن نغضب ؟ )

+ نعم إن هناك غضباً هو إحدى صفات الله. ونحن كأولاد نشترك فيه فالآيه صريحة لا تحتمل التأويل وليس معناها أن نغضب على أخينا إذ تقول ” اغضبوا ولا تخطئوا لا تغرب الشمس على غيظكم ولا تعطوا ابليس مكاناً ” (أف ٤ : ٢٦) وهذه الآيه تعتبر تدريباً لنا.

+ الغضب المقدس يكون الدافع إليه غيرة طاهرة على اسم الرب ومقادسة ووصاياه ورغبة صادقة في الدفاع عن الحق في غير ما غرض شخصي . وهو الدفاع عن كرامة الله وليس عن كرامتنا الشخصية ومن أمثلة ذلك :

١ – موسى الذى لم يكن مثله في حلمه ووداعته لما أبصر العجل الذهبى الذى صنعه بنو إسرائيل حمى غضبه (خر ٢٢ : ٢٢)

٢ – نحميا : لما وجد اليهود – أثناء بناء السور يقرضون إخواتهم بالربا ويستذلونهم ولما سمع صراخ الشعب بإذنيه غضب ووبخ العظماء والولاه على الربا وإضطرهم أن يكفوا عنه ويرحموا الشعب (نح ٥)

٣ – بولس الرسول: احتدت روحه فيه لما رأى المدينة مملؤه أصناماً (أع ١٧ : ١٦) .

٤ – السيد المسيح : حينما راقبه اليهود وهو يشفى صاحب اليد اليابسة في يوم السبت فنظر حوله إليهم بغضب حزيناً على غلاظة قلوبهم (مر ٣ : ٥) .

٥ –  السيد المسيح في الهيكل : وجد بداخله الباعة والصيارف ” قلب موائد الصيارفة وكراسى باعة الحمام ووبخهم قائلاً ” بيتى بيت الصلاة يدعى وانتم جعلتموه مغارة للصوص ” (مر ١١)

إن الآيه التي ذكرها بولس الرسول التي لا تحمل التاؤيل: ” فلا تغرب الشمس على غيظكم ” أي لا تنام وفى قلبك بغضة من ناحية الطرف الآخر وهذا تدريب لكل زوجين لابد من تصفية المواقف أولاً بأول كل طرف يسأل الآخر إن كان هناك ما أساء به إليه حتى يمكن أن يخلدا إلى النوم في صفاء وسلام ولكى يرفرف عليهما سلام الله ” فلا تضربك الشمس بالنهار ولا القمر بالليل ” أحياناً نسمع في حالات الصلح التي نتوسط فيها الزوجة تقول للزوج ” أنا في عشرين سنة وأنا زعلانة منك ” عشرين سنة شايلة في قلبها !! والزوج يقول للزوجة ” لى ثلاثين سنة وأنا محتمل أعمالك ” كيف يحدث ذلك لو كانا يُصفيان كل خلاف أولاً بأول لما تجمعت الكراهية في القلب التي كثيراً ما تسبب الأمراض المزمنة. فلنترك الكبرياء ويطلب كل منا الصفح من الأخر حتى يستمر السلام والمحبة في بيوتنا إننا نقرأ عن شروط المحبة ” المحبة لا تحتد ” (١ كو ١٣ : ٥) مع المحبة لا يوجد غضب ولا يوجد عدم إحتمال فكل إنسان يخطئ ولو كانت حياته يوماً واحداً على الأرض فهل تحتد أنت على زوجتك أو على أولادك أو على أخيك أو على أحد من أفراد منزلك أو على مرؤسيك أو على رئيسك دعنى أن أقرر لك أن هذا الأمر من معطلات البركة .

كم من إناس تملكهم الغضب من أجل خلاف على تركة صغيرة أو لشعورهم بالإهانة ، أيهما أحسن أن تتحمل الإهانة وتكسب السماء أم تغضب وتذهب إلى نار جهنم . إنك عندما تتحمل الإهانة يحتملك الرب كم من الناس اليوم غضبى مع آخريين ! وكم من منازعات حتى بين المسيحيين أنفسهم .

ربما اختلفت مع بعض الناس على عمل من الأعمال . ربما أساءك البعض فأصبحت لا تحادثهم : فإذا صادف وقابلتهم في الطريق ملت إلى أحد الأزقة ، أو أحدقت ببصرك إلى جهة أخرى وكأنك لا تراه وإذا حدث أن قابلتهم وجهاً لوجهه أحدقت إليهم بنظرة شاردة تعبر عما في قلبك من جفاء وربما عداوة ثم تتعجب أو تتساءل لماذا لم تحصل على بركة ، أو تمتلئ بالروح القدس ! كم من منازعات عائلية لا يلوم كل أحد نفسه ويقول أنا السبب .

لقد حدث نوء شديد في البحر فقال يونان أنا السبب فرتب الرب أن يبتلعه حوت ، واصبح الحوت حجرة للصلاة وصلى يونان حتى أعاده الرب إلى المكان الذى خالفه فيه ويقوم بالمصالحة . إياك أن تنام وفى قلبك كراهية لأحد ثم تبرر نفسك وتقول أنا أحبه لكن من بعيد لبعيد إن المحبة دائماً من قريب لقريب أما المحبة من بعيد نتيجتها أن الله سيقول لك وأنا لا أعرفك إبق بعيداً عنى .

+ سؤال أتعلم ما هو الدافع الخفى الذى يحفزك إلى الغضب أو الأحتداد على أخيك ! ليس هو الإنسان الجديد: فإن هذا مخلوق في البر والقداسة .وكما يقول القديس يوحنا في (١ يو ٣ : ٩) إن الإنسان الجديد لا يخطئ أي أنه لا يستمر في خطاياه بل يتوب ويعترف بخطئه . فما هو ذلك الدافع إذاً هو لاشك ناشئ عن الإنسان العتيق ، أي الحياة العتيقة الخاطئة التي لا تزال عالقة بى وبك والتي تخلصت منها بالمعمودية : بالميلاد الجديد من الماء والروح والتي تجددت منها بالتوبة والإعتراف أمام الله في وجود أب إعترافك .

ولربما  تصرخ آية معلمنا بولس قائلًا : ( من ينقذنى من جسد هذا الموت (رو ٧ : ١٤) ! هل أستطيع أن أخلص من هذا الإنسان العتيق ؟ نشكر الله أنك تستطيع الخلاص منه لأن المسيح عندما مات على الصليب لم يصنع فداء عن الخطية التي ارتكبت في الماضى فقط ، بل لقد فصل في سبب الخطية نفسها وفى علتها وفى أمر الحياة العتيقة الخاطئة . كما قال القديس بولس الرسول “عالمين هذا أن إنساننا العتيق قد صلب معه ليبطل جسد الخطية.  ” (رو ٦ : ٩) .

فالدافع الذى يحفزك ويحفزنى إلى الغضب على أخينا هو جزء من الإنسان العتيق الذى صلب على الصليب لكن من الممكن أن نتخلص منه بإيماننا بعمل المسيح الفائى على الصليب وعندما تأتى لتأخذ الحل من الآب الكاهن فهو يقرر لك أن خطاياك تستمد غفرانها من الصليب ، وخطيتك سمرت مع المسيح على الصليب : ” مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فىّ ” (غل ٢ : ٢٠)   لقد أصبحت خليقة جديدة ، والمسيح يحيا داخلك وتتمتع بوجوده فى داخلك

القسم الثانى من هذا القانون هو الصلح مع أخينا

” فإن قدمت قربانك على المذبح ، وهناك تذكرت أن لأخيك شيئاً عليك فإترك هناك قربانك قدام المذبح ( الصوم أو الصلاة أو العشور أو تناول ) . واذهب أولاً أصطلح مع أخيك ( ليس مجرد الذهاب بل مصالحة من الداخل ) وحينئذ تعال وقدم قربانك ” (مت ٥ : ٢٣ – ٢٤) .

إن المصالحة لا تتم بمجرد الذهاب إليه . بل المصالحة في الداخل بعواطفك ، حيث تخضع معتذراً لأخيك في حضرة الله الذى تريد أن تقدم له قربانك ولذلك فإذا كان الأخ الذى أخطأت إليه حاضراً ، فإنك تستطيع أن تهدئه بفكرك الذى تنقى وتعيده إلى محبته الأولى وعطفه عليك وطلبك المغفره منه هذا يمكن أن يحدث إن كنت قد سبقت وإنسحقت أمام الله طالبًا المغفرة ، فتذهب إلى أخيك لا بخجل مدفوعاً بحب قوى . ثم هنا تعود إلى ما سبق أن فكرت فيه وهو تقديم قربانك .

فإذا تأخرت عن تقديم قربانك ففي وسعك أن تقدمه في وقت آخر أما إذا أخرت المصالحة فربما لا يكون لديك فرصة لإجرائها بعد ذلك فلا يقبل في العبادة صوم أو صلاة أو قربان المسيء إلى أخيه . وأخيك هنا تعنى أي شخص . فلا ننتظر حتى يأتي وهو ويعاتبنا

في الصوم الكبير يوجد إسبوع استعداد كان آباؤنا في الماضي يذهبوا ويقرعوا على أبواب بيوت إخوتهم ويقولون ” يا أخي أنا أتيت إليك في الصوم لأقول لك سامحني ، فإنى أخطأت إليك ويرد الآخر ويقول ” أنا الذى أخطأت ” ويقبلا بعضهما البعض ، وترجع المحبة كما كانت ، وهذه المحبة هي من الله ، لأننا اذا احببنا غيرنا يحبنا الله ، فالحب قبل القربان لأن الله محبة ليس فيه بغضة البته . أن الله يحب حتى الخطاه ، وهو يغفر كل خطايانا عندما نصطلح مع الآخرين لكننا في هذه الأيام نصوم ونحن في خصام مع الآخرين ونقول نحن لا نغضب عليهم باطلاً فهم يستحقون كل عقاب لكن ماذا نستحق نحن عند الله ، إنه لا مانع عندى من أن أقدم الحل لكل واحد يخاصم أخاه لأن صومه غير مقبول فكيف تمتنع عن أكل اللحم وأنت تأكل لحم أخيك . فإذا تذكرت عند الصلاه أو الصوم أو الصدقة أنك في خصام مع أخيك أترك كبرياءك وقل لأخيك أنا غلطان وإكسر الكبرياء التي في قلبك لأن قبل الكسر الكبرياء ، وإذا كان عندنا إستعداد لتنفيذ الوصية يعطينا الرب نعمة والمسيح الساكن فينا يقوينا لأنه يحيا فينا ونحصل على بركة كبيرة جداً لحياتنا .

مرة دعى الأب الكاهن إحدى السيدات لحضور أيام النهضة في الكنيسة فقالت له ” أننى أريد أولاً أن أكتب خطابين لأنه يوجد إناس زعلانيين منى ، فلازم أبدأ بالمصالحة لكى أحضر ويغير الله حياتى ” إن الله لن يغير حياتنا إلا لما نتغير نحن ، ومن عدم رضا الله عنا هو وجود خلاف بيننا وبين الآخرين .

لاحظ أنه لم يقل وهناك تذكرنا أن لنا شيئًا على أخينا فإن هذا ورد فعل ” ومتى وقفتم تصلون فاغفروا وإن كان لكم على أحد شيء لكى يغفر لكم أيضاً أبوكم الذى في السموات زلاتكم وإن لم تغفروا أنتم لا يغفر لكم أبوكم الذى في السموات أيضاً زلاتكم ” (مر ١١ : ٢٥ ، ٢٦) ”

نرى أن الشرط الذى يعلق الله عليه الغفران لنا هو أن نغفر للأخرين حتى إذا وقفنا لنصلى يغفر لنا الله خطايانا فليس المقصود من هذه الأية على أي حال أن نتذكر أن لنا شيئًا عند أخينا بل المقصود أن نتذكر أن علينا شيئًا لأخينا فإذا ماذكرنا الله بذلك فإن الرب نفسه يأمرنا بأن ” إذهب أولاً إصطلح مع أخيك ، وحينئذ تعال وقدم القربان ، فإن مسامحة الأخرين هذه ليست شرطاً للخلاص من الخطية فقط بل أيضاً شرط للشركة مع الآب السماوى .

وهكذا لا ننتظر أن يباركك الله إن لم تصطلح مع أخيك أولاً – نعم – قد يبدوا هذا أمراً طبيعيًا. لكنك إذا أظهرت إستعداداً للطاعة أعطاك الله النعمة التي تحتاجاها كى تنفذ هذا الأمر الألهى . وحينئذ تحصل من وراء ذلك على بركة كبرى في حياتك الشخصية بل وفى حياة الشخص الذى تصطلح معه .

أن الله لا يباركنا الأ إذا أصلحنا هذا الخطأ في حياتنا

إختبار عملى :

+ شاب كان يعمل في مصنع وسرق ١٢ دستة من منتجات المصنع أثناء خدمته به حضر إجتماعاً وكان المتحدث فيه يتحدث عن الأمانه تحرك قلب الشاب فرد ما سبق وسرقه من المصنع . تلقى الخادم خطاباً من المصنع يقول :

” سيدى العزيز – ربما سرك أن إجتماعاتك قد أتت بالثمار المرجوة ، فقد زارنا اليوم شاباً كان يعمل عندنا منذ عدة شهور ، فأرجع لنا صندوقًا يحتوى على ١٢ دستة من منتاجات مصنعنا ، كان قد سرقها وهو في خدمتنا ففكرنا ربنا تحب أن تعرف هذا الأمر وتأثير كلمة الله التي أرسلها على فمك فحركت قلبه ليرد ما سرقه وها نحن نرفق خطابنا عينة مما كان قد سرقها كتذكار لنجاحك ” .

أيها العزيز – إن تعذر عليك أن تقابل أخاك وجهاً لوجهه أكتب له خطاباً . إعزم الأن ، إنها فرصة مصالحة ، ولا تحاول أن تبرر نفسك بأى وجه من الوجوه

+ سيده تشاجرت مع قريب لها أخبرتنى أنها ذهبت إليه وأعترفت له بخطئها وطلبت منه أن يسامحها ولكنها مع ذلك لم تتحسن حالتها وبعد حديث طويل عرفت السبب في عدم تحسن حالتها فإنها عندما إعترفت بخطئها قالت ” ولكنك استفزتنى ” ولا شك أن هذه الجملة زادت الطينة بلة . لأنها ذهبت لتدافع عن نفسها ليس لكى تعترف بخطئها فالإعتراف بالخطأ يجب أن يكون كاملاً وصريحاً وبكل وضوح وبدون التماس الأعذار . ذلك إن كنا نريد صلحاً حقيقياً مع أخينا .

تداريب :

١ – غضب وليد التسرع والأندفاع : بينما لو تروى الإنسان وفكر لما كان هناك داعٍ للغضب . فلقد نصحنا يعقوب الرسول ” ليكن كل إنسان مبطئاً في التكلم ، مبطئاً في الغضب ” (يع ١ : ١٩) .

٢ – في تعاملك مع إنسان غضوب :

(  أ ) لا تقف في وجهه عند ثورة الغضب وحاول الهروب .

( ب ) إذا لم تستطيع الهروب فكر في أنه قد تكون هناك ظروف داخلية متعبة تدفعه إلى الغضب والإنفعال .

٣ – هذا الغاضب هو أخوك أو زوجك أو زوجتك لا تحسبه عدواً .

٤ – فكر لماذا لا تكون أنت المخطئ وأنت لا تدرى وقد أثرته بأقوالك أو تصرفاتك .

٥ – تذكر أن النار لا تطفئها النار وإنما يطفئها الماء والغضب لا يطفئه الغضب بل المحبة وطول الروح ” الجواب اللين يصرف الغضب ” (أم ١٥ : ١) – تكلم برفق وطيبة قلب .

٦ – لا تحسب للغضوب تصرفاته أثناء غضبه أو ما يتفوه به وتجاهل أخطاءه.

نصائح لمن يغضبون :

+ جاهد ضد خطية الغضب

+ ليس مصدر الغضب دائمًا هو أفعال الآخرين الخاطئة وإثارتهم بل نقطة ضعف فينا .

قصة :

راهب كان يغضب في بعض الأوقات – فكر أن يمضى ويسكن وحده ، وإنه مادام بمفرده لن توجد أسباب لإثارته . ملأ قلّة فتدحرجت وأنسكب الماء ، ملأها ثانية وثالثه وهى تتدحرج وتنسكب ، غضب وأمسكها وحطمها وسخرت منه الشياطين. قال لنفسه ” هوذا قد غُلبت في الوحدة ، فلأذهب إلى الدير لأنالإنسان في كل موضع يحتاج إلى جهاد وصبر ومعونه إلهية ”

+ درب نفسك طويلاً على اللطف وطول الأناة والوداعة والهدوء والإحتمال والمحبة .

+ إدرس الأسباب التي تثير غضبك وعالجها – قد يكون إرهاق أعصابك هو السبب أو ربما سبب جسدى عالج نفسك ، فما ذنب الأخرين حتى يحتملونك .

+ درب نفسك على عدم التدخل فيما لا يعنيك .

+ إن غضبت فلا تترك غضبك يستمر طويلاً حاول أن تهدئ نفسك بسرعة. أذكر قول الرسول ” لا تغرب الشمس على غيظكم ولا تعطوا لإبليس مكاناً ” . (أف ٤ : ٢٦) .

+ تذكر أخطائك التي تقع أثناء غضبك – درب نفسك على تركها وأشكر الله أن هذا الغضب قد كشف لك نقائص مختفية داخلك وإبدأ بمعالجتها

+ إعترف لله على يد الكاهن ، وأسال الله في كل صلاة أن يرفع عنك هذا المرض ويعطيك روح الوداعة أطلب بلجاجة وتأكد أنك ستنال ما تطلبه لأن الله نفسه يريده لك[12]

المتنيح القمص لوقا سيداروس

كم مرة يخطئ إلي أخي

العجب الذي أذكره الآن أنه ما من مرة سألت الرب عن شيء أو تكلمت إليه في أمر ما، إلا ويجيب الرب على التساؤل بطريقة فائقة للإدراك ينير فيها الطريق ويعلم من خلالها أسرار ملكوت الله لأولئك المدعوين والمختارين بحسب علم الله السابق. أذكر مرة أن الرب كان يعلم بخصوص محبة الإخوة وصنع السلام وقد أوصى وصايا غالية وثمينة تليق فعلاً بأولاد الله. قال الرب: “وإن أخطأ إليك أخوك فاذهب وعاتبه بينك وبينه وحدكما. إن سمع منك فقد ربحت أخاك ” .فعلمنا أن الموضوع أصلاً يختص بمكسب الأخ، كيف تربحه ولا تخسر نفسه الغالية لأن أمور هذا العالم الزائل تزول بزواله. فلماذا أخسر أخي من أجل أمور بالية. فإن أخطأ هو أذهب أنا إليه.. وهذا أسلوب جديد زرعه المسيح في

طبيعتنا الجديدة.ًإذاً منهج المسيح أن يبذل كل واحد نفسه ليربح الآخر. فوجدت نفسي أسأل الرب قائلاً: ” يارب، كم مرة يخطئ إلي أخي وأنا أغفر له؟ هل إلى سبع مرات؟ سؤال قد يبدو ساذجاً بالحق.ولكنني فوجئت بأن جاوبني المسيح بكلمات فاقت العقل والتصديق: “لا أقول لك إلى سبع مرات، بل إلي سبعين مرة سبع مرات “.قلت في نفسي: من يستطيع أن يفعل هكذا؟ إن الوصايا القديمة كانت عين بعين وسن بسن، ولكن لما شرح المسيح بمثل ما قاله، فإنه فتح ذهننا أنه هكذا يمكن لأولاد الله بالنعمة أن يحفظوا وصية يسوع ونيره الخفيف.

قال الرب مثل العبد الذي كان مديوناً لسيده بدين رهيب حوالي ۲۱مليون دينار مثلاً، ثم إذ لم يكن له واستعطف سیده سامحه بالكل. ثم إذ وجد عبداً زميله مديوناً له بدينار واحد طالبه به وإذ لم يكن له ما يسدد به واستعطفه لم يقبل وعامله بخشونة وأسلمه للشرطي، فلما سمع السيد ما فعله العبد غير الرحيم.. راجعه وقال له: ” كل ذلك الذي تركته لك لأنك طلبت إلي.

أفما كان ينبغي أنك أنت أيضاً ترحم العبد رفيقك ” لأنه استرحمك. إذاً ليس رحمة في الدينونة لمن لم يستعمل الرحمة. فغفراني لأخي يأتي من واقع ما غفر المسيح لي. وإن كانت ديوني الرهيبة قد سامحني المسيح بها وأنا متمتع بالغفران. وإن كان قد محا صك الدين الذي كان علي مجاناً. فكيف إذاً لا أرحم أخي؟ قد غفر المسيح الكثير لي، فأنا أغفر لكل من أساء إلي، كرامة للذي سامحني.

بذات الكيل الذي أكيل به لأخي يكيل لي الرب. فإن كنت إنسان رحمة وغفران وحب مقدم للكل فإنه يكيل لي بذات الكيل.ًفأنا رابح في كل الأحوال إن عشت بهذا القانون الإلهي.ًانظر كيف أخرج يسوع من مجرد سؤالي الساذج تعليمه المحيي وكيف انكشفت عيناي لأعرف روح المسيح، روح الغفران سبعين مرة سبع مرات. فكل من ذاق المسيح صار هذا القانون محبوباً لقلبه جداً. ما أعجب كلامه وما أسمى تعاليمه.. ترى من يستطيع أن يدركها إلا من كان له روح المسيح[13].

القديس الأرشيدياكون حبيب جرجس

قبول يسوع الاولاد ومباركته لهم (مر١٠: ١٣ – ١٦)

” دعوا الأولاد يأتوا الي ولا تمنعوهم لان لمثل هؤلاء ملكوت الله ” (مر١٠: ١٤)

(أولاً) ان أولئك الذين قدموا اولادهم للمسيح ليباركهم كانوا مؤمنين به ملتمسين البركات الروحية لاولادهم، وهذا الواجب من اكبر واجبات المسيحيين لان المواعيد لهم ولاولادهم. ولان الله قال لابراهيم أكون الها لك ولنسلك من بعدك (تك ١٧: ٧) فالواجب على الوالدين أن يشركوا أولادهم في كل النعم وأعظم شيء يطلبونه لهم البركات الروحية .

(ثانياً) لكي يلمسهم اي ليضع يديه عليهم كما جاء في (مت ۱۹ : ١٣) وهذه علامة منح البركة . راجع (تك ٤٩ : ١٤)

(ثالثاً) ما أرق قلب المسيح وأعظم محبته فانه اغتاظ لمنع الاولاد عنه . فهل يتعلم الوالدون من ذلك مجيء الاولاد اليه فان تكريس انفسهم له من أوائل حياتهم أمر يسر المسيح . ومنعهم عنه يغيظه جداً . وهل تذكر تلك العادة الحسنة التي اتبعها الاقباط منذ القديم في احضار اولادهم للمسيح ووقفهم وهم صغار لخدمته بالتسبيح والترتيل في الكنيسة .

(رابعاً) ان المسيح بدفاعه عن الاولاد ودعوته لهم اعلن مقامهم في الكنيسة ، فانهم أعضاء في الكنيسة ولهم كل حقوق الكبار ويجب اشراكهم في جميع البركات الروحية . وكما دعا المسيح الاولاد قديماً وباركهم لا يزال يدعوهم و يحث الوالدين على احضارهم اليه ومن يهمل ذلك يمنع الخير عن أولاده .

(خامساً) يكفى الاولاد شرفاً ان المخلص أحبهم واقامهم مثلا ً للذين يرومون الدخول الى ملكوت السموات . فان صفات الاولاد الخاصة هي التواضع والثقة والطاعة والطهارة والرقة وعدم الحسد وعدم سوء الظن ونقاؤهم من الخطايا وغير ذلك وهذه الصفات هي الضرورية واللازمة للمسيحيين ولمن يريد الدخول الى ملكوت الله[14].

أيضاً للقديس حبيب جرجس

تعليم يسوع عن المسامحة والايمان والتواضع (لو١٧ : ۱ – ۹)

“إن أخطأ اليك أخوك فوبخه وإن تاب فاغفر له “(لو ۱۷ : ۳)

(أولاً) عظم الخطيئة التي يرتكبها من يلقى العثرات في طريق الناس . وهذه العثرات هي ما يسبب السقوط في الخطيئة. ومنها الاضطهاد والهزء والتملق والقدوة الرديئة والقاء الشكوك في نفوس الناس وغير ذلك (راجع ٢ صم ۱۲ : ۱۳ و رو ٢ : ٢٤و ١کو ۱۰ : ۳۲) (ثانياً) فضل المسامحة والرفق وطول الاناة . لان المسامحة والصفح عن زلات الآخرين لمن أعظم واجبات المسيحيين. ومراد المخلص بقوله ان أخطأ اليك سبع مرات كناية عن عدد عظيم لان العدد سبعة براد به في مواضع كثيرة من الكتاب الكثرة (راجع مت ۱۲ : ٤٥ و ۱۸ : ۲۲ و لو ١١ : ٢٦ و ١ صم ٢: ٥ و مر ١٢ : ٦) (ثالثاً) الطلبة العظيمة التي طلبها الرسل وهى زد ايماننا لان الايمان أفضل هبة . وسعيد ذلك الانسان الذي يمتلىء قلبه به فانه يكون قوياً في كل شيء وسعيداً في كل شيء . وقوله مثل حبة الخردل يراد به حرارة الايمان مثل الخردل . وقوله تقولون لهذه الجميزة عبارة مجازية الغرض منها الانتصار على الصعوبات والموانع. (رابعاً) تو بيخ المسيح للذين يتكلون على بر أنفسهم لاننا مهما فعلنا من الواجبات فلا فضل لنا. لأن خدمتنا لله دين علينا ولكن الله لرحمته ومحبته يتنازل و يكافئنا على جميع اعمالنا ويذكرها لنا[15].

الأستاذ أكرم رفعت حبيب

أما الغفران فبلا حدود

كان صديقي في طريقه إلي عمله الذي تعود أن يذهب إليه عن طريق مترو الأنفاق المتجـه الى حلوان، كان المترو ممتلئاً ومزدحما، وتوقف في محطة “مار جرجس”، وبدلا من أن ينزل عدد من الركاب صعد إلى القطار المزيد من عشرات الركاب وأغلبهم من الطلبة، لتزداد أزمة الازدحام داخل عربة القطار.

وكان بجوار صديقي رجل كبير السن، تبدو عليه علامات الضيق بوضوح شديد، وقد أثر الزحام غير العادي على أعصابه، ومن شدة الازدحام لم يستطع أن يتمالك أعصابه عندما سمع الكثيرون يرددون اسم المحطة “مار جرجس”، فأخذ يسب ويلعن هذا الاسم. وجاء صديقي الى العمل وهو في منتهى الألم والضيق، وكان يتساءل كيف يمكن الرد على أمثال هذا الرجل، وكيف يمكن الانتقام منه لسوء سلوكه.

تحدثنا معاً عن أمر السيد المسيح عن أهمية أن نبارك لاعنينا ، ونحسن إلى مـن يسئ الينـا كان الحديث تقليديا، فصديقي إنسان مؤمن وله علاقة حية مع الرب، ولكن في النهاية كانت النتيجة أنه من الصعب واقعيا أن نغفر لمثل تلك الأمور أو أن ننسى إهاناتهم وجراحاتهم لنا، ألا يقولون أن للغفران حدودا؟؟؟

كان التعليم عن “الغفران” من أهم التعاليم التي أظهرها لنا السيد المسيح خلال حياته على الأرض بالجسد، والمقصود بالغفران هنـا هـو أن نغفر لمـن يخطئ في حقنـا ونصفح عنهم.

لقد كان التعليـم عـن الغفران هو أحد السمات المميزة للرب، وبالطبع كان هذا التعليـم يشكل جانبا أساسيا في رسالة السيد المسـيح التـي تتلخص في الحب الكامل للجميع.

وفي الواقـع مـا أكـثر مـا نتكلـم عـن الغفران، بل وما أسهل ذلك علينا كمسيحيين تربينا في بيئات تعظـم مـن قيمة الغفران، وتمجد صانعيه، ولكن ما أصعب أن نفهم المعنى الحقيقي للغفران، ومـا أندرهـا الأوقـات والمناسبات التي مارسنا فيها الغفران الذي بـلا حدود.

فالإنسان الطبيعي لا يقبـل بسهولة أن يغفـر لمـن سـبب لـه الألـم أو الضيق أو الإهانة

معنى الغفران:

ومن أهم الاحتياجات المعاصرة للمجتمع المسيحي في الفهم الصحيح لمعنى الغفران الذي يطالبنا به السيد المسيح، وتزداد الحاجة الى ذلك متى علمنا أننا كثيرا ما نخلط بين الغفران وبين عدد آخر من الأمـور مثـل النسيان أو التجـاهل أو المسامحة.

وكي نفهم المعنى الدقيق للغفران، يمكننا أن نرجع الى المبدأ الروحي الذي وضعه القديس بولس الرسول في رسالته الى أهل کولوسي “كما غفر لنا الله في المسيح هكذا أنتم أيضاً” (كو٣: ١٣).

فالغفران الذي يجب أن نقدمه للآخرين هو نفسه الغفران الذي نلنـاه بـالفداء مـن خطايانا، وإذا أردنا أن نفهم أي جانب من جوانب الغفران المطلوب منا أن نقدمـه للآخرين فلنعد إلى ما هو مكتوب عـن الغفران الذي صنعه اللـه لنـا، وكمـا هـو مكتوب فالمسيح هو مثال لنا يجب أن نتبعـه” تاركا لنـا مثـالا لكي تتبعوا خطواتـه (۱بط۲: ٢١)، وما أحوجنا أن نتبعه فـي ممارسة الغفران.

والسيد المسيح الـذي وفر الغفـران للأجيال المتتابعة، مارس أثناء حياته على الأرض الغفران الكامل للآخرين، ولعل أهم وأشهر الأمثلة على ذلك ما تفوه به وهو على عود الصليب مخاطبا أبيه السماوي “يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون (لو٢٣: ٣٤).

هذا هو المنطلق الوحيد الذي يمكننا من فهم المقصود بالغفران. وهناك أربع كلمات يونانية تم استخدامها في العهد الجديد للتعبير عن فكرة الغفران،

جاءت كـل مـن الكلمـة الأولـى (aphesis) والثانية (paresis) مرة واحدة فقط بهذا المعنى، والمعنى الحرفـي لـكـل منهما هو “طرح جانبا”، مثلما استخدم بولس الرسول الكلمة الثانية في (رو٣: ٢٥).

أما الكلمة الثالثة (apoluein) والتـي استخدمها الرب يسوع حسبما سجل لنـا القديس لوقا “اغفروا يغفر لكم” (لو٦: ٣٧) فتعني حرفيا “إسقاط الدين والتحرير مـن عبوديته”، وكأن الرب يسوع . هنا يريد ان يقول “اسقطوا الديون التي لكم على الآخرين وحرروهم من تبعاتها، فتسقط ديونكم أنتم أيضا وتتحرروا من تبعاتها”.

والكلمة الرابعة ( charizes thai) لـم يستخدمها سـوى كـل مـن القديس لوقا و القديس بولس (۲کو ۲: ۷، ۱۲: ۱۳، اف٣: ۲، کو ۲: ۱۳، ۳: ۱۳)، ومـن الواضح الاهتمام الشديد الذي أعطاه القديـس بولس لهـذه الكلمـة حتـى دعيـت “كلمـة بولسية”، وتعني الغفران التام والمجاني من الخطية، وفي الأساس كانت تستخدم هذه الكلمـة للتعبير عن غفران السيد المسيح لخطايانا.

وبصفة عامة فالتعبير اليوناني المترجم “غفران” في العهـد الجديـد يعني حرفيـا “إطلاق سراح شخص، وتقديم هدية له”.

فالغفران إذن ليس مجرد نسيان إساءة من إنسان، أو التخلي والتنازل عن حق مـن حقوقنا، بل في الأساس هو المساعدة على تحرير المخطئ من عبودية ما وضع نفسه فيها بسبب إرتكابه السوء عن غير حـق ضدنا، وأيضا تقديم عمل محبة له منا، وبـلا مقابل كهدية.

ولما كان الرب يسوع هو وحده صاحب الحق والقدرة على تحقيق هذه الأمـور، فالغفران بالتالي هو شركة مع المسيح في تعاملاته مع الأخرين!!!

وكما جاء السيد المسيح الينا ليغفر لنا خطايانا، ولم ينتظر قدومنا نحن إليه، فالرب يطالبنا أن نتخذ نحن المبادرة ونذهب إلى المخطئ ونغفر له كما جاء في الإنجيل”إذا كان لأخيك شئ عليك. فاذهب إليه” (مت ٥: ٢٣)، وأيضـا “إن أخطـا إلـيـك اخـوك فاذهب وعاتبه” (مت۱۸: ١٥).

غفران بلا حدود :

والغفران الذي علمنا اياه الرب يسوع غفران جديد ومختلف عن أي تعليم آخر عن محبة الآخرين أو التسامح أو السماحة، فجاء تعليمه كفعل جديد على البشرية لم تكن تعرفه من قبل، فهو غفران بلا حدود.

فالحضارات والديانات المختلفـة لـم تعرف فكرة الغفران الممتد، قد تكون هنا أو هناك بعض التعاليم الأخلاقيـة عـن روح التسامح أو العطف على الآخرين، ولكن لا يوجد أي حث على الغفران بالمعنى الذي نادی به السيد المسيح.

وعند اليهود أنفسهم كان للغفران معنى محدود، ومن الجدير بالذكر أن الكلمتين العبريتين (كافـار kaphar، وكـالاش calach) المترجمتين إلى العربية “غفران أو يغفر”، لم تذكرا أبدا في العهد القديم عن الغفران الإنساني، بل دائما كان استخدام كل منهما عن غفران الله للبشر.

وقد استخدم العهد القديـم كلمـة أخـرى (هي كلمة ناسا nasa) للحديـث عـن أي غفران بشری (تك ٥٠: ١٧ خر ۱۰: ١٧، ١صم٢٥: ۲۸)، ومن الملاحظ أن المعنى اللغوى لهذه الكلمة يقترب كثيرا من الصفح والمسامحة.

وإن كان على اليهودي بحسب وصايا موسى النبـي ان يسـرع لنجـدة حيوانات اعداءه متى كانت في ورطة (خر٢٣: ٤-٥)، أما حكيم سفر الأمثال فينهي عن الفرح في وقت بلوى الأعداء وعن الميل للانتقام (أم ٢٤: ١٧، ٢٩) بل بالحرى الرد على الإهانة بالجميل (أم٢٥: ۲۱، ٢٢)، ويظهر جمـال الصفح قائلا “تعقل الإنسان يبطئ غضبه، وفخره الصفح عن معصية”(أم١٩: ١١) .

وبحسب التعاليم اليهودية كان من واجب اليهودي التقى أن يقدم الغفران للآخرين إلى ثلاث مرات فقط.

ولقد أشار الرب إلى هذا الغفران غير المحـدود مرتين، استخدم في كل منهما تعبيرات كتابية رمزية، ففي المناسبة الأولى والتي سجلها لنا القديس لوقا البشير جاءت في ثنايا عظـة طويلة للسيد المسيح كـان يقدمها للتلاميذ، وقال لهم فيها:

“إن أخطأ إليك أخوك فوبخه، وإن تاب فاغفر له، وان أخطا إليك سـبع مرات في اليـوم و رجع إليك سبع مرات في اليوم قائلا أنا تانب فاغفر له” (لو١٧: ٤)

والسيد المسيح في استخدامه للرقم سبعة هنا كتعبير رمزى إنمـا يقصد أن تكـون قدرتنا على تقديم المغفرة للآخرين مفتوحة وبلا حدود، إذ أنه من المعروف أن هـذا الرقم يشير في الكتاب المقدس إلى الكمال.

أمـا الموقف الثاني فهو الحـوار الـذي حدث بعـد لحظـات قليلة من حديث الرب السابق، وهو أحد أشهر الحـوارات الكتابيـة المكملة للصـورة السابقة، ويذكرها إنجيـل القديس متى قائلاً:

“حينئذ تقدم إليه بطرس و قال: يا رب كم مرة يخطئ إلي أخي و أنا أغفر له هل إلى سبع مرات، قال له يسوع: لا أقـول لـك إلـى سبع مرات بل إلى سبعين مرة سبع مرات” (مت١٨: ٢١).

وبسؤال القديس بطرس تم حسم الأمر إلى الأبد، فتعاليم السيد المسيح هنا واضحة جدا، وبالطبع فهذه المرات العديدة (سبعين سبعة !!) لا يقصد منها ذلـك العـدد قدر أن يقصد منها الاتساع اللانهائي للغفران كما علمنا إياه الرب.

وكـم نـخطـي لـو اعتقدنـا أن تكـرار المسيئين لنا في ارتكاب زلاتهم قد يكون عذرا لنا حتى نحجب غفراننا عنهم، وكم سندان لو اعتقدنا أن هناك خطايا معينة تسد أبواب الحب والصفح والرحمـة التـي يمكن أن نقدمها للخطاة أو المخطئين إلينا.

مغفرتنا شرط لنوالنا غفران الله:

مـن المعـروف أن هناك ارتباط فـي الإيمان المسيحي بين الغفران الذي نقدمه للآخرين وبين غفران الله لنا، ومن يتعمق في دراسة المواضع الكتابية الرئيسية التي تتحـدث عـن الغفران سيكتشف أن تلـك العلاقة كمـا يكشفها لنا الروح القدس من خلال ما سجل في الإنجيـل لهـا بعـديـن مرتبطين:

فأولا، وكما هو شائع بين الكثيرين، فغفران الله لنا يتوقف كثيرا على غفراننا نحن أيضا للذين يسيئون إلينا، ومن منا لا يردد كثيرا تلك الفقرة الشهيرة من الصلاة الربانية واغفر لنا ذنوبنا كمـا نـغفـر نـحـن أيضا للمذنبين إلينا” (مت٦: ١٢).

فالمسيحي الحقيقي كما تعلمنـا الصـلاة الربانية يمارس الغفران للآخرين بصفة دائمة، ويقدم هذا الغفران على مذبح الصلاة شفاعة في طلب الغفران مـن اللـه لخطاياه، وكما يؤكد بوضوح نص الإنجيل بحسب القديس لوقا الذي يقول “واغفر لنا خطايانا لاننا نحن أيضا نغفر لكـل مـن يذنب إلينا” (لو ١١: ٤).

والسيد المسيح في العظة على الجبل وضع غفراننا لغيرنا زلاتهم شرطا لنوالنـا غفران الله، كمـا قـال “اغفروا يغفر لكـم” (لو٦: ٣٧)، وأيضاً فإنه إن غفرتم للنـاس زلاتهم يغفر لكم أيضـا أبوكم السماوي، وإن لم تغفروا للناس زلاتهم لا يغفر لكـم أبوكم أيضا زلاتكم” (مت٦: ١٤و١٥)

وفي مثل الملك والعبيد (مت۱۸: ۲۳ – ٣٤) والذي قصه السيد المسيح توضيحـاً لإجابتـه علـى سـؤال القديس بطـرس بخصوص عدد مرات الغفران للآخرين، أكد السيد المسيح أن الملك قـد عـاد عـن غفرانه للعبد الشرير الذي لم يغفر هو أيضاً لزميله، وأنهى السيد مثله بالقول “فهكذا أبـي السماوي يفعل بكم إن لم تتركوا من قلوبكم كل واحد لأخيه زلاته” (مت۱۸: ٣٤).

وهناك مغـزى آخـر مـن وراء شرط ممارستنا نحن للغفران حتى نستحق نـوال غفران خطايانا هو العلاقة بيـن الغفـران و النقاوة في الصلاة، فكيف نتخيل قلب يقـف ليصلي وهو مملوء بالحقد أو الكراهية تجـاه آخر، فكما يقول الآباء الحقد يعمـى عقـل المصلى، ويغلـف صلاتـه بسـحابة مـن الظلام، فمن لا يغفر لن ينال المغفرة لأن صلاته ستصدر عن قلب غير نقي، وبالتالي لن تكون مقبولة أمام الله.

لذلك نرى القديس مرقس البشير يتحـدث عن الأهمية القصوى للغفران حتى تكون صلواتنا مقبولة أمام الله، فأظهر ما تحدث عنه الرب من ربط بين الغفران والصلاة:

“ومتى وقفتم تصلون فاغفروا إن كان لكم على أحد شيء لكي يغفر لكم أيضا أبوكم الذي في السموات زلاتكم، وإن لم تغفروا أنتم لا يغفر أبوكـم الـذي في السموات أيضـا زلاتكم” (مر ١١: ٢٥ و ٢٦).

وبالطبع ما أبعد الفارق بين غفران الله لنا، وغفرانا نحن للآخرين، وهو كالفارق بين مدى خطورة خطايانا تجاه الله وزلات الآخرين تجاهنا، وبالرغم من ذلك الفارق فالقانون الإلهي في المغفرة يسرى بلا استثناء.

لذلك كان القديس كيرلس الأورشليمي في عظاته عن الصلاة يعلمنا قائلا :

[الإساءات إلينا صغيرة وطفيفة، ومن السهل علينا أن نغفرها، أما إساءتنا نحن إلى الله فكبيرة ولا سبيل لنا غير محبته للبشر، فاحذر إذن من أن تمنع الله-  بسبب ما لحـق بـك مـن إساءات صغيرة وطفيفة – أن يغفر لك ما ارتكبته نحوه من ذنوب كبيرة ] .

غفران الله مصدر لمغفرتنا:

ولكن للعلاقة بين الغفران الإلهـي لخطايانا وبين غفر اننا نحن للآخرين بعد آخر مختلف عن الأول وان كان في الحقيقة مكملاً له، فالكتاب المقدس يعلمنـا أن غفراننا للآخرين ليس مجرد شرطا لنوالنا الغفران، بل إن اختبارنا لغفران الله هو الاساس وراء غفراننا للآخرين.

ان نوالنا لغفران الله لخطايانا يجعلنــا نحن أيضا مستعدين وقادرين أن نغفر للآخرين، فنحن الذين اختبرنا محبة اللـه المحتملة لنا، ونحن الذين نلنا مغفرة خطايانا البشعة كيف لا نتشوق لنفعل نفس الشي للآخرين، كمـا يقـول القديس بولس إلـى الكولوسيين “محتمليـن بعضكم بعضا ومسامحين بعضكم بعضا إن كان لأحد على أحد شكوى كما غفر لكم المسيح هكذا أنتم أيضا (كو٣: ١٣)، ومن الجدير بالذكر انه كان قد سبق في بداية تلك الرسالة وحدثهم عن المسيح “الذي لنا فيه الفداء بدمه غفران الخطايا” (كوا: ١٤).

وهذا البعد الكتابي في فهم مغزي وحقيقة الغفران يحل لنـا مشكلة صعوبة طاعة وصية عفران زلات الآخرين، فالغفران كما نختبره جميعنا يوما بعد يوم هو عمل صعب، لا تقبله الـذات البشرية العادية، ويتنافى مع سمات الإنسان الطبيعي.

ولكن القديس بولس يؤكد أن إنسان اللـه ذا الطبيعـة الجديـدة قـادر علـى تنفيـذ الوصية، وكما قال لأهل فيلبي “لأن الله هو العامل فيكم أن تريدوا وأن تعملوا مـن أجـل المسرة” (فی۲: ۱۲ – ۱۳)، وكما قال أيضا في نفس الرسالة مقدما نفسه مثالاً “أستطيع كل شئ في المسيح الذي يقويني” (في ٤ :١٣).

يارب يسوع،

أعطنا أن نفهم عمق وصيتك لنا،

وأفهمنا كيف نغفر لكل من يسئ إلينا.

وأن يكون غفراتنا بلا حدود …

كما غفرت أنت أيضا خطايانا

غفرتها بلا حدود.

آمين[16].

من وحي قراءات اليوم

” فاحتضنهم وباركهم ووضع يده عليهم ”         إنجيل باكر

ما نتركه لأولادنا أم ما نتركه في أولادنا

+ كلمة جميلة سمعتها من واعظ أمريكي ” ما نتركه لأولادنا أم ما نتركه في أولادنا”

+ هناك فرق بين أن نبني أولادنا وننمي شخصياتهم للمستقبل وبين أن نبني فقط المستقبل المادي لهم لذلك أحيانا تخفي البيوت الفاخرة نفوسا جائعة أكثر بؤسا من الجوع المادي

+ أن يؤمن أولادنا بأنفسهم أهم ما نتركه فيهم ربما لا يقل أهمّية عن الإيمان بالله

+ علموهم ولا تورثوهم كانت مقولة مشهورة عن أقباط القرن التاسع عشر( التعليم العلمي والحرفي والمهاري وتنمية الشخصية )

+ الأرصدة المادية والشهادات العلمية وحدها هي أفقر ما نتركه لأولادنا لمواجهه الحياة

+ البناء النفسي لأولادنا من حب مجاني وحوار دائم وتشجيع ومشاركة ربما يكون أعظم مانتركه فيهم

+ يوجد فقراء أغنوا أولادهم بفيض الحب وأنضجوهم بتحمل المسؤولية ويوجد أغنياء أفسدوا أولادهم بكثرة المال

+ الوالدين المحبين للصلاة وكلمة الله ومتسعي القلب لخدمه الكل ينقلون لأبناؤهم غني المسيح ويطبعونه فيهم دون جهد كبير

+ الجو المعقم لأولادنا من حماية زائدة وفرض آرائنا عليهم بإتخاذنا القرارات لهم يجعلهم عرضة التحطم أمام صدمات الحياة المختلفة

+ العبادة الحية والتعليم المشبع والرعاية المملوءة أبوة وإعدادهم كقادة هو كنز الكنيسة في حقول مستقبل أبنائنا

 

 

 

 

المراجع

 

٢١- القديس أثناسيوس الرسولي – مقدمة تفسير سفر عزرا – القمص تادرس يعقوب ملطي

٢٢- القديس جيروم – تفسير سفر دانيال ( الإصحاح الثالث ) – القمص تادرس يعقوب ملطي

٢٣- ( تفسير سفر زكريا – الإصحاح الرابع عشر – القمص تادرس يعقوب ملطي

٢٤- كتاب تعليقات لامعة علي سفر التكوين ( جلافيرا ) المقالة الرابعة صفحة ٢٨١ للقديس كيرلس عمود الدين – ترجمة دكتور جورج عوض إبراهيم

٢٥- المرجع : كتاب الحب الإلهي صفحة – القمص تادرس يعقوب ملطي

٢٦- كتاب عظات على سفر التكوين للقديس يوحنا ذهبى الفم – ترجمة دكتور جورج فرج ومراجعة دكتور جورج عوض إبراهيم

٢٧- كتاب تفسير سفر المزامير – مزمور ٦٦ – القمص تادرس يعقوب ملطي

٢٨- المرجع : تفسير سفر دانيال الإصحاح الثالث – تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي

٢٩- ترجمها عن اللغة القبطية د. صموئيل القس قزمان معوض – قسم الدراسات القبطية – جامعة مونستر بألمانيا

٣٠- المرجع : كتاب إختبرني يا الله ( صفحة ١٨٠ ) – قداسة البابا تواضروس الثاني

٣١- كتاب عظات مضيئة معاشة ( صفحة ٣٥ ) – إصدار مطرانية ملوي

٣٢- كتاب قوانين ملكوت السموات ( صفحة ١٥ ) – القمص صليب سوريال

٣٣- كتاب القديس بطرس الرسول يعلمني ( صفحة ٤٠ ) – القمص لوقا سيداروس

٣٤- كتاب الكنز الأنفس للارشيدياكون حبيب جرجس الجزء الثالث ( صفحة ١٧١ ) – مشروع الكنوز القبطية

٣٥- كتاب الكنز الأنفس للارشيدياكون حبيب جرجس الجزء الثالث ( صفحة ١٦١ ) – مشروع الكنوز القبطية

٣٦- المرجع: مجلة مدارس الاحد شهر ديسمبر ١٩٩٩

مقال: أما الغفران فبلا حدود

بقلم : أكرم رفعت حبيب