قراءات يوم الثلاثـاء من الأسبـوع الثالث من الصوم الكبير

 

 

“لأَنَّ كَلِمَةَ اللهِ حَيَّةٌ وَفَعَّالَةٌ وَأَمْضَى مِنْ كُلِّ سَيْفٍ ذِي حَدَّيْنِ، وَخَارِقَةٌ إِلَى مَفْرَقِ النَّفْسِ وَالرُّوحِ وَالْمَفَاصِلِ وَالْمِخَاخِ، وَمُمَيِّزَةٌ أَفْكَارَ الْقَلْبِ وَنِيَّاتِهِ.” (عب٤: ١٢).

“طوبى لعيونكم لأنها تبصر ولأذانكم لأنها تسمع فلنستحق أن نسمع ونعمل بأناجيلك المقـدّسة” (أوشية الإنجيل).

[معرفة الكتب المقـدسة تقـوي الـروح، وتنقي الضمير وتنزع الشهوات الطاغية، وتُعَمِّق الفضيلة، وتتسامى بالعقل، وتعطي قـدرة لمواجهة المفاجآت غير المنتظرة، وتحمي من ضربات الشيطان، وتنقلنا إلى السماء عينها، وتحرر الإنسان من الجسد، وتهبه أجنحة للطيران] (القديس يوحنا ذهبي الفم)[1]

شــواهــد القــراءات

(أم ٢: ١-١٥)، (إش١٠: ١٢-٢٠)، (مز ١١:٣١)، (لو١٢: ٥٤)-الخ)، (رو ٤: ١-٨)، (١يو٢: ١-١١)، (أع ٢٧: ٩-١٢)، (مز ٣١: ٣-٢) (يو ٨: ٣١-٣٩).

شــرح القـــراءات

تتكلّم قـراءات اليـوم عن قـوّة الوصية وقـوّة كلمة الله لأجل نصرتنا في حياتنا وجهادنا اليومي.

تبـدأ القـراءات بسفـر الأمثال الذي يعلن قـوة الوصية وحفظها للإنسان.

“يا إبني إن قبلت كلام وصاياي وخبأتها عندك، إذا دخلت الحكمة قلبك ولذت المعرفة نفسك فالعقل الصالح والمشورة الحسنة يحفظانك والفكر الطاهر ينجيك لكي ينقذك من طريق السوء ومن الإنسان المتكلم بالأكاذيب”.

 

وفي سفر إشعياء يعلـن الله قـوته على كل الأمم والشعوب لذلك يتّكل عليه أولاده لثقتهم في قـدرته الإلهية.

“ويكون إذا أكمل الـرب جميع عمله في جبل صهيون وأورشليم أن أجاب الـرب على متشامخ القلب أشور ومجده وترفع عينيه الطامحتين، فلذلك يرسل رب الجنود ذلاً لكرامته وعلى سمانه هزالاً، في ذلك اليوم لا يعود إسرائيل والناجون من آل يعقـوب أن يتوكلـوا على من يظلمهم وإنما يعتمدون على الله قـدوس إسرائيل بالحق والباقـون من يعقــوب يتوكلون على الله القـديــر”.

والآية الأخيرة من سفر إشعياء هى الإتكال على الله.

ويُكمِّل مزمور باكر بنتيجة وثمرة الإتكال عليه.

“والذي يتكل على الـرب الرحمة تحيط به”.

ويحذرّنا إنجيل باكـر من عـدم الإلتـزام بحق الوصية فتتحـول إلى خصم ضدّنا تسلّمنا إلى الحاكم الديان العادل الذي يسلمنا إلى الشرطي أي الملائكة.

“ولماذا لا تحكمون بالحق من تلقاء أنفسكم مادمتَ ماضياً مع خصمك إلى الرئيس فإعطه في الطريق ما تتخلص به منه لئلا يجرك إلى الحاكم فيسلمك الحاكم إلى الشرطي والشرطي يلقيـك في السجن”.

ويستشهد البولس بشهادة سفـر التكويـن عـن إيمان أبونا ابراهيم ونبوءة المزامير عن غنى خلاص ابن الله وغفـرانه.

“لأنه ماذا يقول الكتاب: آمن ابراهيم بالله فحُسب له براً، كما يقول داود أيضاً في تطويب الانسان الذي يحسب له الله براً بدون أعمال: طوبي للـذين غُفـرت لهم آثامهم وسُترت خطاياهم”.

ويعلـن الكاثـوليكـون قـوة الكلمة في حفظها للمحبة وكمالها في الإنسان الذي يحفظ الوصيّة فيحيا على الـدوام في النور.

“وأما من يحفظ كلمته فبالحقيقة في هذا قد تكمّلت محبة الله، وأيضاً أكتب إليكم وصية جديدة التي الحق كائن فيها وفيكم لأن الظلمة قد مضت والنور الحقيقي الآن يضئ”.

ويكشف الإبركسيس عـن رفض العالم أحياناً لكلام ونصيحة كارزيه وخدّامه لأجل خلاص وسلامة الآخريـن.

“جعل بولس يعزّيهم وينصحهم قائلاً لهم أيها الـرجال إني أرى أن ثمة عاراً وضرراً وخسارة كثيرة ليس للشحن والمركب فقط بل لأنفسنا أيضاً في هذا السفـر أما قائد المئة فكان يذعن للمدبـر ورئيس النوتية أكثر مما كان يقـوله بولس”.

ويـوجّه مـزمـور القـدّاس النظر إلى مصدر القـوّة والغفـران الحمل بلا عيب والقـدوس بلا دنس.

“طوبى للرجل الذي لم يحسب له الـرب خطيئة ولا في فمه غش”.

ويختـم إنجيـل القـدّاس بمفاعيل كلمة الله والثبات فيها فتجعلنا تلاميذ ثم أحـراراً ثم أبناء. “فقـال يسـوع لليهود الذيـن آمنـوا بـه إن أنتـم ثبتـم في كـلامي فبالحقيقـة أنتـم تلاميـذي وتعرفـون الحق والحق يحرركم”.

وذكرت كلمة ثبات أربعة مرّات، مرتين للإبن وثباته في الكلمة فيتمتّع بالحرية والتلمذة، ومرتين للعبد وعدم ثباته فلا يبقي في بيت الآب.

 

ملخّـص القــراءات

سفر الأمثال الوصيّة تحفظ الإنسان وتؤمّن له طريق الحياة.
سفر إشعياء سلطان الله على الشعوب والأمم.
مزمور باكر الـرحمة تحيط بالمتّكلين عليه.
إنجيل باكر إذا لم نلتزم بالوصيّة تتحول إلى خصم.
البولس كلمة الله في العهد القديم تشهد لبرّ الله وغفرانه.
الكاثوليكون كمال حفظ الكلمة والوصية يقـود إلى كمال المحبّة وإستعلان النور الإلهي.
الإبركسيس وصية الخدّام والكارزين تهدف لنجاة الناس.
مزمور القـدّاس الحمل بلا عيب هـو مصدر القـوّة والغفـران.
إنجيل القـدّاس فاعلية كلمة الله في حياتنا التي تضمن بنوّتنا للآب وتلمذتنا لابن الله وحرّيتنا فيه.

 

 

الكنيسة في قــراءات اليــوم

البــولـــــس التحرّر من البرّ بأعمال الناموس.
الكاثوليكون الشفاعة الكفّارية.
الإبركسيس الصوم.

 

عظات آبائية

أنبا أنطونيوس والحرية الحقيقية

الرسالة الرابعة لأولاده الرهبان يعلمهم أن العبودية بناموس الفضيلة ليست عبودية بل بنوة الحرية

أنطونيوس يكتب لأحبائه بالرب السلام أني لست أَمل من أذكاركم يا نصيبي الكنيسة وأَريد أن تعلموا أن محبتي فيكم ليست جسدانية بل محبة روحانية لأن شركة الجسد غير ثابتة ولا باقية لأنَها متحركة مع الرياح الغريبة .

فكل من يخاف الله ويحفظ وصاياه فإن هذا يكون عبداً للإله وهذه العبودية التي نحن ليست عبودية بل هي براً تؤدَي لطريق البنوة.

فمن أجل هذا اختار ربنا الأنبياء والرسل وائتمنهم علي البشري الرسولية وصاروا مأسورين بيسوع المسيح .

لأن الرسول بولس يقول أني أسير يسوع المسيح وكتاب الناموس جعل لنا عبودية صالحة لكي نستطيع أن نتسلط علي جميع الآلام ونكمل الخدمة الصالحة التي للفضيلة المقولة من جهة الرسول .

فإذا اقتربنا من النعمة عند ذلك يقول لنا ربنا يسوع كما قال لتلاميذه لست أدعوكم من الآن عبيداً بل أحبائي وإخوتي لأني كل ما سمعته من أبي أعلمتكم به ، أن الذين اقتربوا من النعمة علموا بالروح القدس وعرفوا جوهرهم العقلي . فلما علموا وعرفوا ذاتهم صرخوا قائلين : إنَّا لم نقبل روح العبودية فنخاف بل روح البنوة الذي به نصرخ أَيها الآب يا أَبانا .

فإنا نعلم بالذي أَنعم به الله علينا إذ جعلنا بنين وإذ صرنا بنين فنحن ورثة الله وشركاء ميراث القديسين .

فيا أيها الإخوة الأحباء الوارثين مع القديسين ليست الفضائل بأَجمعها بعيدة عنكم بل هي لكم وفيكم ، وأنتم فلستم مختفين في هذا العالم الوقتي بل ظاهرين لله ، وروح الله لا يسكن في نفس أو جسد خاطيء لأنه قدوس وبعيد من كل غش .

وأنا بالحقيقة يا أحبائي أكتب إليكم كأُناس ناطقين وقد استطاعوا أن يعرفوا ذاتَهم لأن الذي عرف ذاته فقد عرف الله ، فلأّجل هذا ينبغي لنا أن نسجد له كما يجب .

والآن يا أحبائي بالرب اعرفوا ذواتكم لأن الذين عرفوا ذواتهم عرفوا الزمان ، والذين عرفوا الزمان استطاعوا القيام بلا اضطراب من اللغات المتغيرة .

لأن أريوس قام بالإسكندرية وذكر كلاماً غريباً عن الوحيد الجنس الذي إذ ليس له ابتداء قد جعل له ابتداء ، والذي ليس بمضطرب مضطرباً ، ونحن نعلم أنه إذا أخطأ إنسان لإنسان يُطلب من أجله للإله، والذي يخطيء للإله فلمن يُطلب من أجله.[2]

 

 

فإن حرركم الابن – للقديس كيرلس الإسكندري

” فإن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحراراً ” للقديس كيرلس الإسكندري في تفسيره لإنجيل يوحنا (يو ٨ : ٣٦)

إن القدرة علي التحرير تخص فقط ذاك الذي هو وحده بالطبيعة ابن حر بالحقيقة ، ومنفصل عن كل عبودية ، ولا تختص بأي أحد آخر سواه ، فكما أنه بسبب كونه بالطبيعة الحكمة والنور والقوة ، فهو يجعل الذين يتقبلون الحكمة حكماء ، وينير أولئك الذين ينقصهم النور ، ويقوي أولئك الذين تعوزهم القوة ، وهكذا بسبب أنه إله من إله … فإنه يمنح الحرية لمن يشاء … وحينما يريد الابن نفسه أن يحرر أي أحد جاعلاً صلاحه الخاص فيه ، فإنه يُدعَي بالحقيقة حراً بنواله الجدارة من ذاك الذي له السلطان… فدع أولئك الذين يفرحون بكرامات العالم أن يعلّموا أنفسهم ألا ينتفخوا بالخداعات المتكبرة ، وأن لا يطعنوا في مجد القديسين ونعمتهم ، حتي لو كان أولئك القديسون صغاراً ومن أصل صغير من جهة الجسد ، فكون الإنسان يبدو شهيراً بين الناس ، هذا لا يكفي لأن يجعله عظيماً أمام الله ، أمًا أن يكون الإنسان عظيماً في طرق حياة الفضيلة فهذا يجعله حراً بالحقيقة وسامياً . ” بيع يوسف عبداً ” كما هو مكتوب (مز ١٠٤: ١٧) سبعينية) ولكن رغم ذلك فقد كان حراً وكله تألق في سمو النفس ، وعيسو وُلد من أب حر وكان في الواقع حراً، ولكن بوضاعة طرقه أظهر ذهناً مستعبداً.[3]

 

تعرفون الحق والحق يحرركم للقديس أغسطينوس

” لكي تكون تلميذا لا يكفي أن تأتي ، بل وأن تستمر تثبت . لذلك لم يقل : إن سمعتم كلمتي ، ولا . إن جئتم إلى كلمتي أو إن مدحتم كلمتي لكن لاحظوا ماذا قال : إن ثبتم استمرتم في كلمتى، بالحقيقة تكونون تلاميذي ، وتعرفون الحق ، والحق يحرركم (يو٨- ۳۲). ماذا نقول يا اخوة ؟ أن تستمر تثبت في كلمة الله هل هو أمر متعب أم لا ؟ إن كان شاقا فلننظر إلى المكافأة العظيمة .إن كان ليس شاقا ، فإنك قد تسلمت المكافأة مقابل لا شيء.

 لنستمر نثبت في ذاك الذي يثبت فينا . إن لم نثبت فيه نسقط ، أما هو فإن لم يثبت فينا لا يفقد مسكنا .

 فإنه يبرع في سكناه في ذاته الذي لن يترك ذاته . أما بالنسبة للإنسان فحاشا لله أن يثبت في ذاته ، إذ فقد ذاته . لهذا نثبت فيه عن عوز من جانبنا ، وأما هو فيثبت فينا عن رحمة بنا .”

” ماذا تعني إن ثبتم ؟ إن كنتم تبنون على الصخرة (مت ۷ : ٢٤) . يا لعظمة هذا يا اخوة ! … ما هي المكافأة ؟ تعرفون الحق والحق يحرركم . احتملوني منصتين إلى ، فأنتم تدركون أن صوتي واهن .

أعينوني بإنصاتكم الهادئ. يا لها من مكافأة مجيدة ! تعرفون الحق . هنا قد يقول قائل : وماذا ينفعني أن أعرف الحق ؟ والحق يحرركم .

 إن كان الحق ليس له مفاتن بالنسبة لكم لكن ليكن للحرية مفاتنها . في اللغة اللاتينية تعبير يتحرر يستخدم في معنيين .

ونحن قد اعتدنا أن نسمع هذه الكلمة في هذا المعنى أن من كان حرًا يفهم بأنه قد هرب من بعض الخطر وتخلص من بعض العوائق . ولكن المعنى اللائق للتحرر هو أن تكون في أمان ، وأن تشفى ، وان تكون كاملا ، وهكذا أن تتحرر تعني أن تصير حرا.”

” إن ثبتم استمررتم في الإيمان الذي يبدأ الآن فيكم يا من تؤمنون فإلى أين تبلغون ؟

تطلعوا إلى طبيعة البداية وإلى أين تقودكم . إنكم تحبون الأساس اهتموا بالقمة ، اطلبوا وانتم في هذا المستوى البسيط الهين الارتفاع والسمو. فإن الإيمان له التواضع ، لكنه المعرفة والخلود والأبدية فلها لا السفليات بل العلويات ، أي الارتفاع والشبع الكامل والاستقرار الأيدي والحرية الكاملة من الهجمات المعادية ومن الخوف من الفشل. هذه التي لها البداية في الإيمان عظيمة لكنه يستخف بها ، ففي إنشاء مبنى عادة يعطى الذين بلا خبرة الأساسات قدرا ضئيلاً. تصنع حفرة عظيمة وتلقي الحجارة في كل موضع وبكل طريقة . لا تظهر فيها زخرفة ولا جمال ، وهكذا أيضا في جذر الشجرة لا يظهر جمال. ومع ذلك كل ما يبهجكم و الشجرة ينبع من الجذر ، تتطلع إلى الجذر فلا تجد بهجة ؛ تتطلع إلى الشجرة وتدهش بها .

إنسان غيبي ! ما تعجب منه ينمو مما لا يعطيك بهجة . هكذا إيمان المؤمنين بيدو كأنه امر تافه. ليس لديك ميزان لكي تزنه . لتسمع إذن ما يقدمه الإيمان وتتطلع إلى عظمته ، إذ يقول الرب في موضع آخر : ” لوكان لكم إيمان مثل حبة خردل “(مت ۲۰:۱۷). أي شيء أقل من هذا ؟ ومع هذا أية طاقة اعظم تنتشر منه ؟ اي شيء أصغر منها ؟ ومع هذا أي شيء ينتشر بأكثر قوة منها ؟ هكذا يقول : إن ثبتم في كلمتي اي إن آمنتم ، فإلى أين تحضرون ؟ بالحقيقة تكونون تلاميذي (٣١). وماذا ينفعهم هذا وتعرفون الحق (٣٢) .”

” الم يبلغوا مثل هذه المعرفة حين كان الرب يكلمهم ؟ إن كانت ليس لهم المعرفة فكيف أمنوا ؟ لقد آمنوا ليس لأنهم كانوا يعرفون، وإنما للي يعرفوا . فإننا نؤمن لكي نعرف ، ولسنا نعرف لكي نؤمن. لأن ما سنعرفه لم تره عين ولم تسمع به أذن ، ولم يخطر على بال بشر (إش٦٤ : ٤) ؛ (١كو ۲ : ۹) لأنه ما هو الإيمان إلا تصديق ما لم تروه بعد ؟ وتعرفون الحق. الحق غير متغير . الحق هو خبز ، ينعش عقولنا ولا يسقط ، يغير من يأكله ، ولا يتغير فيمن يأكله .

 الحق هو كلمة الله …الابن الوحيد. هذا الحق التحف جسدا من أجلنا لكي ما يولد من العذراء مريم وتتم النبوة : « الحق من الأرض ينبت » (مز ٨٥: ۱۱). هذا الحق إذن وهو يتحدث مع اليهود اختفى في الجسد . لكنه لم يختف لكي ينكر ، وإنما لكي ما يرجا إعلانه ، يرجا لكي ما يتألم في الجسد ويتألم في الجسد لكي ما يخلص الجسد من الخطية. هكذا ظهر بالكامل بخصوص ضعف الجسد ، وكان مخفيا من جهة جلال اللاهوت . “

” كل شخص : يهودي أو يوناني ، غني أو فقير ، صاحب سلطة أو في مركز عام ، الإمبراطور أو الشحاذ ، كل من يعمل الخطية هو عبد للخطية (٣٤). إن عرف الناس عبوديتهم يرون كيف يقتنون الحرية . المولود حرا ويسبيه البرابرة يتحول من حر إلى عبد ، وإذ يسمع عنه شخص آخر يتحنن عليه ويتطلع أن لديه مالاً فيفديه ، يذهب إلى البرابرة . ويعطيهم مالا ويفدي الرجل. إنه بالحق يرد له الحرية ، إذ ينزع الظلم … إني أسأل الذي أفتدي : هو أخطأت ؟ يجيب أخطأت. إذن لا تفتخر بنفسك أنك قد افتديت ، ولا تفتخر يا من افتديته ، بل ليهرب كليكما إلى الفادي الحقيقي .انه جزئيا يدعى الذين تحت الخطية عبيدا ، إنهم يدعون أمواتا . ما يخشاه الإنسان حلول السبي عليه الذي جلبه الإثم عليه فعلا. لماذا ؟ هل لأنهم يبدون أنهم أحياء ؟ هل أخطأ القائل : ” ودع الموتي يدفنون موتاهم (مت ۸ : ۲۲) ؟ إذن فكل الذين تحت الخطية هم أموات ، عبيد أموات ، أموات في خدمتهم ، وخدام عبيد في موتهم .”

” من الذي يحرر من الموت ومن العبودية إلا ذاك الذي هو حر من بين الأموات (مز ۸۸ : ٥) ؟ من هو الحر من بين الأموات إلا ذاك الذي بلا خطية وسط الخطاة ؟ يقول مخلصنا نفسه ، منقذنا : ” أن رئيس هذا العالم يأتي وليس له في شيء “(يو ٣٠:١٤). رئيس هذا العالم يمسك بمن يخدعهم ومن يغويهم ، ومن يحثهم على الخطية والموت ، هذا ليس له في شيء. تعال أيها الرب ، تعال أيها المخلص . ليتعرف عليك الأسير .

دع من اقتيد إلى السبي أن يهرب اليك.كن فاديا له ! إذ كنت مفقودا وجدني ذاك الذي لم يجد الشيطان له فيه شيئا آتيا من الجسد. لقد وجد في رئيس هذا العالم جسدا ، لقد وجده لكنه أي نوع من الجسد ؟ جسد مائت يمكن أن يمسكه ويقدر أن يصلبه وأن يقتله ! لقد أخطأت يا أيها المخادع فإن المخلص لا يخدع … إنك ترى فيه جسدا قابلا للموت لكنه ليس جسد الخطية ، بل على شبه جسد الخطية ” فالله إذ أرسل ابنه في شبه جسد الخطية ، ولأجل الخطية ، دان الخطية في الجسد ” (رو ٨ : ٣) .

في جسد ، لكن ليس في جسد الخطية بل في شبه جسد الخطية . لأي هدف ؟ لكي بالخطية التي بالتأكيد لم يكن منها شيء فيه ، يدين الخطية في الجسد ، فيتحقق بر الناموس فينا ، نحن الذين لا نسلك حسب الجسد بل حسب الروح (رو ۸ : ٤). لا يدع أحد نفسه حرًا لئلا يبقى عبدا. لا تبقى نفوسنا في عبودية ، لأنه يعفى عن ديوننا يوما فيوما . “

” حتى بالنسبة للحرية في هذه الحياة ، أين هو الحق عندما تقولون : لم نستعبد لأحد قط ؟ ألم يبع يوسف (تك۳۷ : ۲۸ )؟ ألم يذهب الأنبياء القديسون إلى السبي (٢مل ٢٤) ؛ (خر۱ : ۱) ؟ مرة أخرى أليست هذه الأمة عندما كانت تصنع اللبن في مصر خدمت حكامًا عنفاء ليس في ذهب وفضة بل في صنع الطوب (خر ١ : ١٤)؟ إن كنتم لم تستعبدوا قط لأحد يا أيها الشعب الجاحد ، فلماذا يذكركم الله باستمرار أنه خلصكم من بيت العبودية (خر۱۳ : ۳) (تث٥ : ٦)؟…

كيف تدفعون الجزية للرومان ، والتي من خلالها أقمتم فخا لتصطادوا الحق فيه عندما قلتم : هل يجوز أن نعطي الجزية لقيصر؟ وذلك حتى إن قال يجوز ذلك تتهمونه بسرعة أنه يسئ إلى حرية نسل إبراهيم ، وإن قال لا يجوز تشتكونه أمام ملوك الأرض بكونه يمنع الجزية لمثل هؤلاء ؟ “

” أجابهم يسوع : الحق الحق أقول لكم إن كل من يعمل الخطية هو عبد للخطية. إنه عبد ، يا ليته لإنسان بل للخطية ! من لا يرتعب أمام مثل هذه الكلمات؟ الرب إلهنا يهبنا – أنتم وأنا – أن أتكلم بتعبيرات لائقة عن هذه الحرية باحثا عنها وأن أتجنب تلك العبودية … يا لها من عبودية بائسة ! عندما يعاني البشر من سادة أشرار يطليون على أي الأحوال تغيير السيد . ماذا يفعل عبد الخطية ؟ لمن يقدم طلبه ؟ إلى من يطلب الخلاص ؟ …

أين يهرب عبد الخطية ؟ فإنه يحمل سيده أينما هرب . لا يهرب الضمير الشرير من ذاته ، لا يوجد موضع يذهب إليه . نعم لا يقدر أن ينسحب من نفسه ، لأن الخطية التي يرتكبها هي في داخله . يرتكب الخطية لكي يحصل على شيء من اللذة الجسدية . تعبر اللذة وتبقى الخطية . ما يبتهج به يعبر ، وتبقى الشوكة خلفها . يا لها من عبودية شريرة ! … لنهرب جميعا إلى المسيح ، وتحتج ضد الخطية إلى الله بكونه مخلصنا. لنطلب أن تباع لكي ما يخلصنا بدمه . إذ يقول الرب : “مجانا بعتم ، ويلا فضة تفكون ” (إش ٥٢ : ٣) بدون ثمن من جهتكم ، بسببي هكذا يقول الرب لأنه هو دفع الثمن لا بمال بل بدمه ، وإلا بقينا عبيدا معوزين .

“يدخل كثير من الخطاة الكنيسة. لهذا لم يقل العبد ليس في البيت وإنما قال : لا يبقى في البيت إلى الأبد. رجاؤنا أيها الأخوة هو هذا أن نصير أحرارا بواسطة الحر ، وإذ يجعلنا أحرارا يقيمنا عبيدا .لقد كنا عبيدا للشهوة ، ولكن إذ نتحرر يجعلنا عبيدا للحب. هذا أيضا ما يقول الرسول : ” فإنكم إنما دعيتم للحرية أيها الأخوة . غير أنه لا تصيروا الحرية فرصة للجسد ، بل بالمحبة اخدموا بعضكم بعضا ” (غل٥ : ١٣). إذن لا يقول المسيحي : أنا حر ، أنا دعيت للحرية . كنت عبدا وقد خلصت ، وبخلاصي هذا صرت حرا ، أفعل ما يحلو لي. لا يصد أحد إرادتي ما دمت حرا … لا تفسد حريتك بالخطية ، بل استخدمها في عدم ارتكاب الخطية. فإنه متى كانت إرادتك ورعة عندئذ فقط تكون حرة. تكون حرًا إن كنت لا تزال عبدا متحررا من الخطية وخادما للبر .

وكما يقول الرسول: ” لأنكم لما كنتم عبيد الخطية ، كنتم احرارا من البر . .. وأما الآن إذ أعتقتم من الخطية، وصرتم عبيدا لله ، فلكم ثمركم للقداسة ، والنهاية حياة أبدية » (رو ٢٠:٦-۲۲) . “[4]

 

إن ثبتم في كلامي للقديس يوحنا ذهبي الفم

” إنكم إن ثبتم في كلمتي هو تعبير لمن يعلن ما في قلوبهم ، ويعرف أنهم آمنوا لكنهم لم يستمروا في ذلك . وها هو يعدهم بأمر عظيم أنهم يصيرون تلاميذه. فقد تركه قبلا البعض ، وها هو يشير إليهم بقوله : إن استمررتم لأن هؤلاء أيضا سمعوا وآمنوا وتركوه ، لأنهم لم يستمروا . « رجع كثيرون من تلاميذه إلى الوراء ، ولم يعودوا يمشون معه » (يو ٦ : ٦٦) .

وتعرفون الحق بمعنى : ستعرفونني ، إذا أنا هو الحق . كل الأمور اليهودية هي رموز ، لكنكم تعرفون الحق في ، وهو يحرركم من خطاياكم…إنه لم يقل أجركم من العبودية فقد تركهم هم يستنتجون ذلك . “

” هذا هو افتخار اليهود : نحن ذرية إبراهيم ، نحن إسرائيليون . إنهم لم يشيروا قط إلى أعمالهم البارة . لهذا صرخ فيهم يوحنا قائلا : لا تقولوا لنا إبراهيم أبا (مت۳ : ۹). ولماذا لم يفحمهم المسيح إذ كثيرًا ما استعبدهم المصريون والبابليون وأمم كثيرة ؟ لأن لكماته لم يقدمها لينال كرامة لنفسه ، وإنما لأجل خلاصهم ، لنفعهم ، فكان يضغط عليهم بهذا الهدف … إنه لم يرد أن يظهر أنهم كانوا عبيدا للناس بل للخطية ، التي هي عبودية خطيرة ، لا يقدر أن يحررهم منها سوى الله وحده .”

” إن قلت : فلم ذكر البيت إذ خاطبهم مذكرا إياهم بخطاياهم ؟ أجبتك : لكي يريهم كما أن السيد في بيته متسلط ، كذلك هو متسلط ، وسيد الخليقة. بقوله : لا يبقى يعني أنه بلا سلطان أن يهب امتیازات ، لأنه ليس سيدا للبيت . أما الآبن فهو رب البيت . فإن هذا ما يعنيه بالقول : يبقى إلى الأبد ، كمجاز مستعار من الأمور البشرية . فلكيلا يقولوا : من أنت قال : كل شيء هو ملكي ؛ أنا هو الآبن الساكن في بيت ابي ، مظهرا بقوله البيت سلطانه . ففي موضع آخر يدعو الملكوت بيت أبيه : ” في بيت أبي منازل مواضع كثيرة ” (يو١٤ : ٢) وإذ كان مقاله خاصًا بالحرية والعبودية ، لهذا أستخدم المجاز ليخبرهم أنهم بلا سلطان على التمتع بالحرية أو نوال المغفرة .”[5]

عظات آباء وخدام معاصرون :

هل تعرف الحرية الحقيقية ؟ لقداسة البابا تواضروس الثاني

يوم الثلاثاء من الأسبوع الثالث لقداسة البابا تواضروس (يو ٨ : ٣١ – ٣٩)

هل تعرف الحرية الحقيقية ؟

سؤال اليوم يدور حول الحرية ، وكأن ربنا يسوع المسيح يسأل اليهود : “هـل تعـرفـون الحرية الحقيقية ؟”، فيكون السؤال لكل شخص : ” هل تعرف الحرية الحقيقية ؟”. الحرية الحقيقية من أكثر القضايا التي شغلت كثيرين منذ أن وجدت الخليقة على الأرض ،  والحريـة كلمـة جميلـة لامعـة فـي حيـاة الإنسان والحيـاة الإنسانية بأكملها ، ولذلك نجـد كتاب كتبـوا كـثيراً عن الحرية ، وهنـاك فـنـانـون وشعراء وسياسيون تكلموا عن الحرية في كل زمان ، كذلك الأدباء تكلموا عن الحرية ، حتى رجال العلم والعلماء ، وقد صمموا تمثالا للحرية وأطلقوا عليه اسم ” تمثال الحرية “، وصارت الحرية واقعاً أو خيالاً يداعب حياة الإنسان . لـكـن المهـم أنـت كإنسـان تـسـيـر فـي طـريـق اللـه لا بد أن تعـرف المعنى الحقيقي للحرية.

فقرة الإنجيل الخاصة بهذا اليوم عبارة عن حواربين اليهود والسيد المسيح ، وكان السيد المسيح يتحاور معهم عن مدى فهمهم للحرية وقد تظهر بصورة زائفة ، فمثلا الشخص المدمن الذي يدمن أي شيء يظن أنه قد تحرر، وبهذا الذي يتناوله يشعر أن الدنيا قد اتسعت أمامه ، لكنـه فـي الحقيقة لا يتمتع بحرية ؛ لأنه بما فعلـه قـد وضع نفسـه فـي سجن ، ومـن هـنـا جـاءت خطورة الكلمة ، أن ما تظنه حرية ربما يكون سجناً وشتان ما بين الحرية والسجن ، ولذلك قال القديس أوغسطينوس عبارة خالدة وهـو يتكلم عن الحرية فقال : ” قد جلست على قمة العالم عندما وجدت نفسي لا أشتهي شيئاً ولا أخاف شيئاً “.

هنا نلاحظ من كلام القديس أوغسطينوس أن الشهوة تحرم الإنسان من حريته ، ولكنه لا يخاف أحدا وبالتالي هو يتمتع بهذه الحرية ، وقد لا أتجاوز الحقيقة إن قلت أن الحرية تساوي الماء والهواء بالنسبة للإنسان ، فاحتياج الإنسان للحرية كاحتياجه تماماً للماء والهواء من أجل الحياة .

إن اختصار معنى الحرية هو ألا يتحكم في الإنسان شيء سواء كان فكر ( يكون أسير فكرة معينة )، أو أسير اتجاه معين ، ولا يتحكم في الإنسان شهوة حتى وإن كانت هذه الشهوة تأخذ صورة جيدة ، فهناك مثلاً من يأخذ شهوة العلم ويظل مستغرقاً في العلم إلى أن يصير أسيرا للعلم . قد تكون هناك غريزة فـي الإنسان ، أو بمعنى آخر عادة معينة تتحكم فيه ، فمثلاً شخص أصحابه هـم الـذين يتحكمـون فـيـه فـكـيـف يـكـون حـرا ؟! يقـول هـؤلاء أصحابي وأصدقائي ، نقول له : ” لا، ليست هذه هي الحرية بل هذا هو السجن بعينه واسمه سجن شلة الأصحاب “.

أيضاً قد يتحكم في الإنسان مادة معينة أو كيف معين حتى لو كانت بعض المشروبات الموجودة التي نعتبرها طبيعية ، كذلك يتحكم في الإنسان المال أو السلطة أو الذات … كل هذه الأشياء تحرم الإنسان من الحرية الكاملة. ونحن في الأسبوع الثالث من الصوم الكبير هو أسبوع الابن الضال ، الابن الضال كان في بيت أبيه وكان يتمتع بكل ما تحتاجه هذه البنوة ، لقد كان فـي بيـت أبيه له كل الكرامة ، فأبوه وأمه وإخوته يخدمونه ، بيت أبيه يحميه ويجعله لا يحمل أي هـم مـن هموم الحياة ، لكنه بدأ يتعرض لفكرة ، وهذه الفكرة بدأت تكبر في ذهنه وهي أن البيت أصبح سجناً ، وهذه الفكرة جاءت إليه من أصحاب الشر، وبدأ يتناسى الحرية الموجودة فـي بيـت أبـيـه وقـرر أن يترك البيـت لينطلق إلى الحرية الزائفة ويذهب إلى السجن والهلاك ، وأعتقد أن أبيه قد نصحه وأرشده كثيراً لكنه لم يستمع ، وكانت النتيجة أنه خرج من البيت وهو يعتقد أنه وصل لقمة الحرية ، معه المال والأصحاب ، وبدأ ينطلق وهذا طبقاً لتفكيره ، لكنه في الحقيقة بدأ ينحدر إلى أن وصل إلى مزرعة الخنازير أين الحرية إذا ؟!

لقد ترك رتبته كإنسان ونـزل لمرتبة الحيوان (الخنازير)، والخنازير لها وضعية خاصة حيث أنها تمثل النجاسة عند اليهود ، وليس هذا فحسب وإنما اشتهى أن يأكل طعام الخنازير ولم يجده ، وفي لحظة صفاء وتوبة يبدأ بعمل مقارنة ويعود تائباً إلى بيت أبيه ، ونحن نأخذه مثالا للتوبة لأنه اكتشف أنه انحدر إلى السجن وترك حريته الحقيقية .

أما الحوار الذي كان في الفقرة الإنجيلية قد كان بين السيد المسيح واليهود، حيث كان يريد أن يكلمهم عن الحرية وكيف يعيشونها ؛ لأن اليهود كانوا يعتقدون أنهم أحرار فكانوا يقولون: “إننا ذرية إبراهيم، ولم تستعبد لأحد قط!” (يو٨ : ۳۳).

إن الحرية ليست بالنسب أو الأصل، وبـدأ يسـوع يتكلم معهم ويقـول لهم: “إنكم إن ثبتم فـي كلامـي فبالحقيقة تكونـون ثلاميذي، وتعرفـون الحـق، والحـق يحررك في يحرركم” (یو۸ : ۳۱ – ۳۲)،

وعليك أن تنتبه من هذه المراحل:

+ ثبتم في كلامي. + تعرفون الحق. + تعيشون الحرية.

 وبدأ الرب يسوع يشرح لهم معنى الإنسان المستعبد الغائب عن الحرية ، فوضعها في صورة قانون :

كـل مـن يعمـل الخطيـة هـو عبـد للخطية ” (يو٨ : ٣٤) .

الكل إنسان لا يخلـو مـن عمـل الخطية فهـو عبـد للخطية ، فصارت الحرية ليست أمـراً خارجيـاً بـل داخلياً ، فالسيد المسيح يريد أن يوضـح ! لنـا أن الحرية والخطيـة لا يجتمعان سوياً ، فلا يمكن أن تكون الحرية موجودة عند الإنسان الذي يفعل الخطية ؛ لأن من يفعل الخطية هو عبد للخطية ، والعبد ليس حرا . هناك أيضاً مراحل للعبودية ، العبد لا يظـل فـي البيت إلى الأبد ، فقـد يـتـم شـراء العبد ليمكث سنة أو اثنين في بيت سيده ثم يباع وبالتالي ليس هو دائم ، وعلى العكس فالابن يثبـت فـي بيـت أبيه إلى الأبد ، وقام السيد المسيح بوضع هذا القانون الجميل

فقال: ” إن حـرركم الابـن فبالحقيقـة تـكـونـون أحـراراً ” (يو ٨ : ٣٦) | وعلى حسب ما يقول أهل القانون هو ” قانون قاطع ” ليس فيه لبس ولا شك فهو واضح وصريح.

الحرية تعني أن الإنسان يتحرر من العبودية بكل أشكالها ، قد تكون حسية أو مادية أو سياسية أو مالية ، عبودية الخطية بصفة عامة ،  لكن كيف يعـرف الإنسان الحرية الحقيقية ؟ وكيف يعيشها ؟

لكي ما يعيش الإنسان الحرية بمفهومها الصحيح عليه أن يتبع الآتى :

١ –  الثبات في كلام المسيح :

 ارجوك انتبه لكلمة “يثبت” حيث أن بعض الآباء كتبوا فيها مقالات كثيرة ، وهذه الكلمة تعني أنك تعيش الوصية الإنجيلية باستمرار وليس مجرد قراءتها وحفظها ، وهنا قيمة الكلمة المقدسة ، فإن أردت أن تعيش الحرية الحقيقة اثبـت فـي كلام المسيح ، كـن ثابتا فهـذا الثبات أصليه كـل يـوم فـي المزمور الأول ” فيكون كالشجرة المغروسة “، كان من الممكن أن يقول : ” كالشجرة التي تعطي ثمرها في حينه “، لكنه وجد أنه لا بد من أن تكون الشجرة مغروسة ، وكلمة مغروسة من الكلمات الممتعة فـي الكتاب المقدس ، فهي كلمة لها معان كثيرة ، ولذلك عندما نسير فـي أماكن كثيرة فـي العديد من الدول خاصة دول أوروبا على اعتبار أن أوروبا ليس فيها مناطق صحراوية فيهـا الأشجار كثيرة فـي كـل مـكـان ، والأشجار وسائل تعليميـة عـن الطـريـق الروحي ، وإن كانت بلدنا تُوصف بأنها بلد زراعية ، فنجد الأشجار الكثيرة التي تعلمنا الثبات .

إذا الخطوة الأولى لكي تعيش الحرية بصورة صحيحة هي أنك تثبـت فـي الكلمة المقدسة ، ولذلك صلواتنا كلها مأخوذة من الكتاب المقدس ، فالقراءات التي نقرأها في القداس أو أثناء ممارسة الأسـرار هـي قـراءات مـن الكتاب المقدس . وأيضـا عنـد إعـداد الميرون المقدس نقرأ القراءات الكتابية من العهدين القديم والجديد من أجل تقديس الزيت ، كما هو الحال في كل الصلوات .

بصورة أخرى يمكن أن نقول ثباتـك فـي الكلمة المقدسة هـو الأرضية أي أرضية الإيمان بالمسيح ، وبداية الطريق للحرية . إذا هـل أنـت ثابـت فـي كلمة ربنا ؟ هل تعرفها جيدا ؟ هل تُطبقها بصورة صحيحة ؟ هل تعيش الوصية ؟

يقول القديس ” يوحنا الذهبي الفم “: “علة جميع الشرور هي عدم معرفتنا بالكتب المقدسة “، لذلك أية خطية تقوم بها سببها عدم معرفتك بالإنجيل ، لذا معرفة الكتاب والثبـات فـي الـوصـيـة هـو بداية الطريق ، فـي الصـوم الكبير نقـرأ القراءات الإنجيلية المعتادة كل قداس لكن يضاف عليها أسفار النبوات ، ثم يأتي أسبوع الآلام يضاف نبـوات أكثر وأكثر ؛ لأن الكنيسة تُريد أن نعيش داخل الوصية.

(۲) طاعة الوصية :

الخطـوة الثانيـة هـي طاعـة الوصية ، والاستمرار فـي طـاعـة الوصية ، تصـور أن حياتك كلـهـا تسـيـر حسـب الإنجيـل ، سـواء فـي كلامـك ، أو فـي عمـلـك ، أو فـى ممارساتك وفي دراستك ، أو مع أسرتك ، وفـي خدمتك ، فـي حياتك الخاصة ، فـي تكريسك ، أو فـي رهبنتك ، فـي كـل عمـل تـقـوم بـه سـواء كان عملاً اجتماعياً أوغير اجتماعي ، تصور أنها حسب الوصية أو حسب تعبير ” القديس الأنبا أنطونيوس أب جميع الرهبان ” حينما قال : ” أن يكون لك شاهد عما تصنعه من الكتب المقدسة “، بمعنى أن كل ما تقوم بعمله له أصل وشاهد ودليل في الكتاب المقدس . الله خلاصة هذه النقطة ” ثبات القلـب فـي المسيح ، وثبات المسيح فـي القلب”، قلبك

يثبـت فـي المسيح ومسيحك يثبـت فـي قلبـك ، وتكون هذه الخطوة هي التي تجعلك راسخاً  في الإيمان ، وتقترب من الحرية الحقيقية. أما جماعة اليهود الذين تكلموا في هذا الموضوع ، السيد المسيح وضح لهم أنهـم فـي حالة خطية ، وقـد شـرح لهم السيد المسيح شمولية الخطية ” كل من يعمل الخطية “، فهذه الخطية ليس لها شكل واحد ، ولكن هناك شمولية للخطية ، فأي شيء تفعله سواء كان بالفكر، أو بالقول ، أو بالفعل ، أو بجميع الحواس ، مثلمـا نقـول فـي تحليل صلاة النوم ، فإنه يكسر محبة الله فـي قلبك ، وقد عبر الكتاب المقدس عن شمولية الخطية في موضع آخر عندما قال : ” الجميع زاغوا وفسدوا معاً . ليس من يعمل صلاحا ليس ولا واحد ” (رو۳ : ۱۲).

إن الشـر الموجـود فـي العالم اليوم لا سبب لـه سـوى الخطية ، والإنسان التائب لا يصنع الشر لأنه منتبه لنفسه ، ودائما يردد ويطلب من ربنا أن يكمل أيامه على الأرض بسلام ، في حين أن هناك إنساناً يسعى نحو الخطية ، وهناك من يعيشها ، وآخر يتمادى في الخطية ، وهذا ما تعلمه لنا أناجيل أحاد الصوم الكبير، ، فمثلاً ” الابن الضال ” يسعى إلى الخطيـة ، أمـا ” المرأة السامرية ” فقـد عاشـت الخطيـة مـن ٥ إلى ٦ مـرات ، وكذلك ” المخلع “.

الخلاصة أن من يصنع الخطية يكون عبدا يفقد حريته ، فليس هناك حرية بدون توبة عن الخطية ، فمهما سمعنا في الإعلام وفي أي مكان أن هناك حرية ، أقول أن حرية الإنسان بصفة عامة تبدأ في داخله وفي قلبه ، هي تبدأ بتوبته ، والإنسان العبد للخطية مثل ما يقول الكتاب : ” لا يبقى في البيت ” (يو٨ : ٣٥) لأنه عبد للخطية ولم يذق الحرية بعد .

أما السيد المسيح فقد أراد أن يعرف اليهود معنى الحرية فقال لهم : ” إن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحراراً ” (يو٨ : ٣٦). لكن اليهود كانوا يرفضون كلامه قائلين : ” لم تستعبد لأحد قط ! كيف تقول أنت : إنكم تصيرون أحرارا ؟” (يو٨ : ٣٣). وكان قصد السيد المسيح هو التحرر من الخطية ، فهم لا يدرون أنهم تحت عبودية الخطية ، حتى أنهم كانوا يريدون أن يقتلوا السيد المسيح ، فقال لهم : ” الآن تطلبون أن تقتلوني ، وأنا إنسان قد كلمكم بالحق الذي سمعه من الله ” (يو٨ : ٤٠).

إذا من يفعل الخطية يصير عبدا ، ويأتي المسيح لكي ما يحررنا ، فيمكن أن نقول أن ” المسيح حريتنا “؛ لأنه على الصليب ساعدنا أن نخـرج مـن أسـر الخطية ، وهنـا نقـول : المسيح غفر خطايانا وفدانا على الصليب وأخرجنا من سجن الخطية . مسيحنا القدوس له قدرة على خلاص المأسورين في العبودية ، ولا يمكننا أن نأخذ الحرية في العالم ، فالحريـة فـي شخص السيد المسيح ، فكلما تسكن كلمـة اللـه فـي قلبك كلما يسكن المسيح فيك وتستمتع بالحرية ؛ لأن كلمة المسيح عندما تسكن في قلبك تطرد الخطية فتستطيع أن تتذوق طعم الحرية وحلاوة السيد المسيح .

و لذلك يا إخوتي لا نتوقع أن توجـد خـيـرات فـي مـكـان لا توجـد فيـه كلمة الله ؛ فالبيت الذي لا توجد فيه كلمة الله يخلو من السلام والمحبة والفرح والتواضع وخدمة الآخرين ، ويظل أفراد هذا البيت أسرى لأفكارهم .

نحـن نـصـوم فترة الصوم المقدس لكي نتحـرر مـن سلطة الطعام ، فقـد نصـوم فترة انقطاعية وبعدها نصوم فترة نباتية ونعيش فترة الصوم بأيامه وأسابيعه ، كي نقول : ” أن حياتي ليست من الطعام وإنما هـي مـن المسيح “، ولذلك فداء المسيح الذي قدمه على عود الصليب وخلاصه العجيب أهم ما فيه أنه منحنا الحرية ، وقد تُلاحظ أن فـي أصل الحياة الرهبانية وهـي حيـاة بحسب الوصية هـي شكل من أشكال ممارسة حرية الحياة في المسيح ، فالراهب يتحرر من أي مال فاختار الفقر الاختياري ، كما أنه تحرر من الذات ولذلك يمارس الطاعة ، هو يتحرر مـن نطاق الأسرة والحياة لذلك يمارس التبثل ، فهـو يـتـحـرر مـن كـل هـذا لـكـي مـا يتمتع بثباتـه فـي شـخص المسيح ، هـذا هـو الراهب وهكذا هي حياتنا بصفة عامة .

اليهود غضبوا وجلبوا العـار علـى إبراهيم وقالوا : نحـن ذريـة إبـراهيم ” أبونـا هـو إبراهيم “، فقال لهم السيد المسيح : ” لو كنتم أولاد إبراهيم ، لكنتم تعملون أعمال إبراهيم !” (یو۸ : ۳۹)، وأعمال إبراهيم أهم ما فيها الطاعة ، ولكن لم تكن عندهم هذه الطاعة بل كانوا أسرى للخطية .

السيد المسيح يوجه لك سؤالاً هاماً في إنجيـل يـوم الثلاثاء من الأسبوع الثالث ويقول لك : ” هل تعرف الحرية الحقيقية ؟”.

اطلب من ربنا عندما تصلي أن تعيش الحرية الحقيقية وتتمتع بها مثل داود النبي الذي قال : ” ليت لي جناحاً كالحمامة ، فأطير وأستريح ” (مز٥٥ : ٦).

تقـول له : ” يا رب أريـد أن تُحررني من أية خطية حتى ولو كانت صغيرة أو مجرد خيط رفيع ، حررني يا رب من كل الارتباطات التي تتحكم في أو التي تتسلط علي حتى إن كانت هذه الارتباطات تأخذ صورة ممكن نقول أنها تساعد في تكوين صورة جيدة “.

اعرفوا يا إخوتي أنه توجد الحرية الحقيقية الحرية المنضبطة ، ولكن هناك على الطرف الآخر الحرية السائبة أو ما نسميها الانفلات أو الفوضى ، وعلى الطرف الآخر نجـد الحرية المنغلقة أو ما نُسميها الانغلاق أو شـكـل مـن أشكال التطرف ، أمـا حـريـة المسيح التي يمنحها لنا هي حرية الخلاص من أية خطيـة ومـن أي رباط يجعل الإنسان كل حياته في الأرض ولا ينطلق نحو السماء .

فليعطنا مسيحنا أن نعيش وتُمارس هذه الحرية الحقيقية. آمين.[6]

 

أولاد إبراهيم للمتنيح الأنبا إبيفانيوس أسقف دير القديس أنبا مقار

يتكرر اسم ابراهيم أبى الآباء فى العهد الجديد مررا كثيرة، وفى انجيل القديس يوحنا بمفرده يتكرر احدى عشرة مرة ، تقع جميعا فى الأصحاح الثامن منه(يو٣١ – ٥٨) . واذا عرفنا وجهه نظر اليهود أيام المسيح حول علاقتهم بابراهيم أمكننا فهم الحوار الذى دار بين المسيح واليهود والذى ورد ذكره فى انجيل يوحنا (يو٨ : ٣١ – ٥٨).

لقد بارك الله ابراهيم وأعطاه الوعد قائلا :” أجعلك أمة عظيمة وأباركك أعظم اسمك ، وتكون بركة . وأبارك مباركيك ، ولا عنك ألعنه وتتبارك فيك جميع قبائل الأرض “(تك١٢ : ٢-٣) .وأضاف الله على هذا الوعد بعد ذلك قائلا :”لنسلك أعطى هذه الأرض “(تك١٢ : ٧) . ثم تأكد هذا الوعد عندما وعده الله بميلاد اسحق :” انظر الى السماء وعد النجوم ان استطعت أن تعدها ” . وقال له :” هكذا يكون نسلك ”     (تك١٥: ١ – ٦) . ثم تأكد الوعد مرة أخرى عندما غير الله اسم ابراهيم من أبرام الى ابراهيم ، وكان الختان هو علامة هذا الوعد (تك١٧: ١ – ١٤) .

على هذا الأساس الكتابى صارت شخصية ابراهيم ممجدا جدا فى التقليد اليهودى المتأخر بسبب مآثره وشخصيته المثالية .

وقد كال له اليهود المديح لأنه تمم أقصى متطلبات الحياة الفاضلة  كما كان ينادى بها فلاسفة اليونان . فيصفه المؤرخ اليهودى يوسيفورس أنه : “انسان فائق الكمال من جهة جميع الفضائل ” . أما كتاب المشنا، وهو مجموعة تعاليم الربيين اليهود والتى أشار اليها الانجيل تحت اسم :” تقليد الشيوخ “(مر٧ : ٣) ، فانها فى تعليقها على آية سفر التكوين :”(من أجل أن ابراهيم سمع لقولى وحفظ ما يحفظ لى : أوامرى وفرائضى وشرائعى “(تك ٢٦ : ٥) ، تقول : ” ان أبانا ابراهيم قد حفظ جميع أحكام الشريعة قبل أن تعطى الشريعة “. كما تعتبره أول من أدان عبادة الأوثان بسبب ايمانه بالله . اذ يقرر يوسيفيوس أن السبب الوحيد لترك ابراهيم منطقة ما بين النهرين هو العداوة التى لاقاها من جراء رفضة لعبادة الأوثان.

وبسبب هذه الكرامة التى أسبغت على شخصية ابراهيم ، نسجت أيدى الخيال حوله القصص ، وقد تسجلت هذه القصص فى بعض كتابات اليهود المتأخرة مثل :” رؤيا ابراهيم “، وكتاب :” عهد ابراهيم”، وهى تحوى حياة ابراهيم كما ورد فى سفر التكويب بالأضافة الى أساطير الربيين التى تخيلت ابراهيم فى تعامله مع الملائكة ، والرؤى التى شاهد فيها الله ، ورحلاته فى عالم السماويات .

أماقمة المديح لابراهيم فنجده فى التقليد اليهودى الذى يقرر أن ايمان وطاعة ابراهيم كانا من العظمة بمكان حتى انهما ــ بالاضافة الى بر اسحق ويعقوب ــ يعتبران كنزا عظيما لما يسمى ب”استحقاقات الآباء” . هذا الكنز من بر وتقوى الآباء كان أكثر من احتياجهم لكى ينالوا الخلاص . لذلك فقد كانوا يعتقدون بأن الله يسمح بانتقال هذا البر للشخص اليهودى عندما يحتاج اليه لكى يكفر عن خطاياه. وبالرغم من أن بعض الربيين اليهود قد عارضوا هذا الرأى ، الا أن وجوده يوضح الكرامة  التى نالتها شخصية ابراهيم .

لقد جاء شعب اسرائيل من نسل ابراهيم ، وبالتالى فهو الشعب المختار الذى تحققت فيه الوعود والبركة التى منحها الله لأبراهيم ، وان كانت كل هذه الوعود والبركات لم تتحقق الا فى المسيا الآتى من نسل ابراهيم . الذى كان اليهود يلقبوب ابراهيم دائما فى كتاباتهم بلقب “ابينا ابراهيم ” . ويقابلنا نفس هذا اللقب أيضا فى كتابات العهد الجديد :

+ ” القسم الذى حلف لأبراهيم أبينا ، أن يعطينا اننا بلا خوف منقذين من أيدى أعدائنا نعبده” (لو١: ٧٣ – ٧٤).

+ ” ظهر اله المجد لأبينا ابراهيم وهوفى ما بين النهرين قبلما سكن فى حاران ” (أع ٧ : ٢) .

+ “فماذا نقول ان أبانا ابراهيم قد وجد حسب الجسد ؟ … وأبا للختان للذين ليسوا من الختان فقط ، بل أيضا يسلكون فى خطوات ايمان أبينا ابراهيم ” (رو٤ : ١-١٢)

+ ” ألم يتبرر ابراهيم أبونا بالأعمال ، اذ قدم اسحاق ابه على المذبح ، (يع٢ : ٢١) .

حتى الرب يسوع نفسه استخدم هذا اللقب فى مثل الغنى ولعاذر ، فيقول على لسان الغنى بعد أن انتقل الى الهاوية :” فنادى وقال : يأبى ابراهيم ارحمنى ، وأرسل لعاذر ليبل طرف اصبعه بماء ويبرد لسانى … “(لو١٦: ١٩ – ٣١) . لذلك كان يطلق على اليهود عادة لقب ” أولاد ابراهيم ” (يو ٨ : ٣٩) ، و”ذرية ابراهيم ” (يو ٨ : ٣٣) ، و” ابن ابراهيم ” (لو١٩ : ٩) ، و” ابنة ابراهيم (لو١٣ : ٦) .

هذه الاشارات المتكررة فى كتابات القرن الأول لاعتبار ابراهيم أبا لليهود ، وأن اليهود هم ذرية ابراهيم ، تحتاج الى فحص دقيق ، فربما تحمل معنى مغايرا تماما للمعنى المقصود . فهل تكرار هذا اللقب يشير الى أية امتيازات أو استحقاقات لليهود ، أم أنه يؤكد على واجبات والتزامات مفروضة على من يحمل هذا القب ؟

كلا هذين الاتجاهين ــ أى الامتياز والالتزام ــ واضحان فى رواية سفر التكوين . فالوعود الممنوحة لابراهيم فى سفر التكوين مرتبطة بايمان ابراهيم وطاعته .

فالوعد بالبركة فى الاصحاح الثانى عشر مرتبط بأمر الله لابراهيم ،”اذهب من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبك الى الأرض التى أريك “(تك١٢ : ١) .

كما أن التأكيد على البركة واضافة الوعد بميراث الأرض (تك١٢ : ٢-٣ ) . يحمل فى طياته بصورة متلازمة الوجهين : العطية والالتزام ،فالوعد بانجاب الوريث يتطلب الايمان (تك١٥ : ١ – ٦) ، والوعد بميراث الأرض يتطلب تقديم ذبيحة (تك١٥ : ٧ – ٢١) .

وتأكيد الوعد بعلامة الختان (تك١٧ : ٢ – ١٤ ) سبقها الوصية : ” أنا الله القدير . سر أمامى وكن كاملا ” ( ١٧ : ١) .

وحتى بعد أن منحه الله اسحق الذى وعده بأن يكون هو الوارث للمواعيد والبركة ، فلكى يتثيت له وعد الله وبركته ، تطلب هذا امتحانا لايمانه عندما طلب منه الله أن يقدم اسق ذبيحة. وكان هذا هو المتحان : هل يؤمن أن الله قادر أن يقيم له اسحق من الموت ، هذا الذى تقبل فيه المواعيد ، وحيده (تك٢٢ : ١ – ١٨) ؟

واذا فحصنا مفهوم البنوة لأبراهيم فى الفترة التى وتكبت مجىء المسيح بالجسد نجد كلا المفهومين ــ أى الامتياز والالتزام ــ موجودين ، ولكن التركيز بالأكثر كان على مفهوم الامتياز دون الالتفاف الى متطلبات البنوة . فمن أقوال الربيين اليهود المعاصرين لتلك الفترة ، نلاحظ الاشارة الى امتيازات البنوة لابراهيم وكأنها حق واجب غير مشروط بأية شروط فيذكر الرائى مير Meir أن :” الاسرائيلين هم دائما أولاد ابراهيم ، سواء ضايقوه بأعمالهم أم لا ، سواء فسدوا فى حياتهم أم لا ، وسواء عصوا الله أم لم يعصوه “

هذا المفهوم كان شائعا فى زمن المسيح ، وكان اليهود يرون أنهم ما داموا أولاد ابراهيم فلهم حق ميراث الوعود وميراث الأرض والمستقبل المجيد وقد ذكر القديس يوستينوس الشهيد فى حواره مع تريفو أن اليهود ــ كأولاد ابراهيم ــ كانوا يتوقعون نوال ملكوت الله بغض النظر عن سلوكهم فى الحياة. وقد واجه القديس يوحنا المعمدان هذا المفهومالخاطىء عندما بدأ البعض يفبلون رسالة التوبة القوية التى نادى بها :

+ ” وكان يقول للجموع الذين خرجوا ليعتمدوا منه: يأولاد الأفاعى من أراكم أن تهربوا من الغصب الأتى؟ فاصنعوا أثمارا تليق بالتوبة . ولا تبتدئوا تقولون فى أنفسكم : لنا ابراهيم أبا .لأنى أقول لكم ان الله قادر يقيم من هذه الحجارة أولادا لابراهيم، والأن قد وضعت الفأس على أصل الشجر، فكل شجرة لا تصنع ثمرا جيدا تقطع وتلقى فى النار”(لو٣ : ٧ – ٩) ؛ و(مت ٣ : ٩-١٠).

فهنا كان يوحنا يذكر سامعيه أن البنوة لابراهيم لا تلغى أمر الله لكل انسان : ” سر أمامى وكن كاملا “.

بيد أن هناك بعض الربيين المعتدلين الذين فهما البنوة لابراهيم بمفهوم الالتزام والمسئولية تجاه متطلباتها . وقد نادى أولئك بضرورةالتشبه بأخلقيات وفضائل ابراهيم ، ففى كناب المشنا نجد هذا المفهوم :” ان من يمتلك هذه الخصال الثلاث وهى العين البسيطة( القنوعة) والروح الوديعة والنفس المتضعة، فهذا هو تلميذ لأبينا ابراهيم ، ومن فيه هذه الصفات الثلاث وهى العين الشريرة ( الطماعة) والروح المنتفخة والنفس المتعالية فهو من تلاميذ بلعام الشرير …. فتلاميذ أبينا ابراهيم يمتعون بالعالم ويرثون الحياة الآتية… أما تلاميذ بلعام فيرثون جهنم وينحدرون الى هاوية الهلاك “.

هذه الفقرة المقتبسة من تعليم الربيين توضح أنه كان هناك من قادة اسرائيل الروحيين من نادى بأن مصير الانسان انما يحدده سلوكه الروحى وليس مجرد انتسابه الى ذرية ابراهيم . وهذا المفهوم ماأكد عليه الرب يسوع عند مقابلته لزكا رئيس العشارين . فبعد أن أعلن زكا توبته والتزامه بالعطف على المساكين وانصاف المظلومين ، والكف عن أعمال الظلمة التى يمارسها ، أجابة الرب يسوع قائلا :” اليوم حصل خلاص لهذا البيت ، اذ هو أيضا ابن ابراهيم ” (لو١٩ : ٩) .

وقد أكد بولس الرسول على هذا المفهوم فى رسائله ، اذ نادى فى تعاليمه أن ” فى المسيح ” ليس هناك أهمية روحية لأصل الانسان سواء كان يهوديا أو أمميا (غل ٣ : ٢٨) ، وأن الانسان لا يحسب يهوديا ان كان يهوديا من الخارج فقط ، أى بسبب انتمائه فقط الى ذرية ابراهيم ، والختان لا يحتسب ختانا ان كان مصنوعا فى الجسد فقط . أما اليهودى الحقيقى فهو اليهودى من الداخل ، أى الذى يسير على خطوات ايمان ابراهيم (رو٢ : ٢٨-٢٩) .

يمكننا الآن أن نتتبع الحوار الذى دار بين الرب يسوع واليهود فى انجيل يوحنا الأصحاح الثامن ، لنرى انعكاس وجهات النظر المختلفة حول مفهوم البنوة لابراهيم . فعندما أخبرهم يسوع بحاجتهم الى الحرية : ” وتعرفون الحق ، والحق يحرركم” (يو٨ : ٣٢) ، أجابوه من وجهة نظر الربيين التى تنادى بامتيازات البنوة لابراهيم :” اننا ذرية ابراهيم ولم نستعبد لأحد قط “( ٨ : ٣٣ ) ، وهو الرأى الذى يرى أن جميع اليهود هم أحرار ــ بالرغم من أنهم فى ذلك الوقت كانوا تحت عبودية الدولة الرومانية ــ ” حتى الأفقر فى اسرائيل فجميعهم أحرار ، وان فقدوا جميع ممتلكاتهم ، وذلك لأنهم أولاد ابراهيم واسحق ويعقوب”

لقد استثار المسيح فى هؤلاء اليهود ــ الذين أظهروا فى البداية قبولا لكلام المسيح ــ أفكارهم الدفينة المترسبة عبر الأجيال والدهور ، القائمة على الغلو فى الوطنية السياسية المصبوغة من الخارج بالعبادة ، والموضوع عليها شعار يهوه ، لتصبح السياسة المقدسة التى لا يستطيع أن يمسها أحد . فكيف لهذا المعلم أن ينفى عنهم الحرية وهم قد أخذوا السيادة على العلم بكل شعوبه وأممه ، بوعد وتعهد من الله لأبيهم ابراهيم ؛ وان كانت بلادهم اجتاحها جيوش أعداء على مر السنين ، مصريين وبابليين وأشوريين ورومان ، فكما جائوا هكذا رحلوا دون أن يمسوا ميراثهم أو تراثهم أو عوائدهم أو عبادتهم . لقد خرج اليهود من نير الأسر وهم أحرار كما كانوا ، بوعد أبيهم ابراهيم . فكيف يعدهم هذا بالحرية وهم فى حريتهم قائمون ؟

لقد أقر الرب يسوع ببنوتهم الجسدية لابراهيم :” أنا عالم أنكم ذرية ابراهيم “( ٨ : ٣٧ ) ، لكنه أضاف أن لهم أبا آخر :” أنا أتكلم بما رأيت عند أبى ، وأنتم تعملون ما رأيتم عند أبيكم “( ٨ : ٣٨ ) . لقد كان بهذا الكلام يستفزهم لكى يؤكدوا على ادعائهم بالبنوة الجسدية لابراهيم :” أجابوا وقالوا له ك أبونا هو ابراهيم “( ٨ : ٣٩ ) . وهنا فند الرب مزاعمهم مستندا الى تعاليم اليهود التى تنص على أن أولاد ابراهيم الحقيقيين هم أبرار . فبالمقارنة بين ما فعله ابراهيم وبين ما يفعلونه هم يظهر أنهم ليسوا أولاد ابراهيم :” فقال لهم يسوع : لو كنتم أولاد ابراهيم ، لكنتم تعملون أعمال ابراهيم ؛ ولكنكم الان تطلبون أن تقتلونى ، أنا انسان قد كلمكم بالحق الذى سمعة من الله . هذا لم يعمله ابراهيم ” ( ٨ : ٣٩ ، ٤٠ ) . أى أن ابراهيم لم يكن قتالا للناس ،وأنتم تريدون أن تقتلونى ، وابراهيم لم يكن معاندا للحق ، وأنتم تقوموننى لأننى كلمتكم بالحق ، وابراهيم كان مطيعا لكلام الله ، وأنتم تعصون الكلام الذى أخبرتكم أننى سمعته من الله .

وبالاجمال، فان ابراهيم قبل الرسل الذين أرسلهم اليه الله واستضافهم وأطاع كلمتهم ، أما أنتم فانكم ترفصون :” الذى قدسة الآب وأرسله الى العالم “(يو١٠ : ٣٦) . فالأعمال التى تعملونها أنتم لم يعملها ابراهيم . اذا ، بنوتكم لابراهيم لا تفيدكم شيئا .

وهنا أحس اليهود أنهم قد بلعوا الطعم الذى ألقاه لهم وأنه تفوق عليهم فى هذه الجولة. لذلك تركوا تمسكهم ببنوتهم لابراهيم ونادوا بأنهم ليس لهم أب الا الله :” لنا أب واحد وهو الله “( ٨ : ٤١ ) ، مستندين الى نبوة اشعياء النبى :” فانك أنت أبونا وان لم يعرفنا ابراهيم ، وان لم يدرنا اسرائيل . أنت يارب أبونا ، ولينا منذ الأبد اسمك “( أش٦٣ : ١٦) . وهنا اعترض الرب يسوع بشدة على ادعائهم البنوة لله . فالبنوة لله أيضا لها واجبات ومتطلبات كثيرة . وربما كان الرب يسوع أيضا يشير الى نبوة اشعياء النبى :” ربيت بنين ونشأتهم ، أما هم فعصوا على… وىل للأمة الخاطئة ، والشعب الثقيل الاثم ، نسل فاعلى الشر ، ( وليسوا أولاد الله)، أولاد مفسدين “(اش١ : ٣-٤) .فحسب ما يراه الرب يسوع أمامه ، فأولئك ليسوا أولاد الله ، بل لهم أب آخر هو ابليس : “أنتم من أب ، وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا . ذاك كان قتالا للناس من البدء ، ولم يثبت فى الحق لأنه ليس فيه حق . متى تكلم بالكذب فانما يتكلم مما له، لأنه كذاب وأبو الكذاب”(يو٨ : ٤٤) . وفى هذا الهجوم أيضا كان الرب يسوع يشير الى نبوة اشعياء النبى .” أنتم أولاد المعصية، نسل الكذب ” (اش٥٧ : ٤) .

لقد أراد الرب يسوع أن يؤكد أن مجرد الانتساب الجسدى لابراهيم لن يجدى نفعا ما دام الانسان لا يسير فى اثر خطوات ابراهيم :” ان كثيرين سيأتون من المممشارق والمغارب ويتكئون مع ابراهيم واسحاق ويعقوب فى ملكوت السموات ، وأما بنو الملكوت فيطرحون الى الظلمة الخارجية “(مت٨ : ١١-١٢) . حتى الانتساب لله ان لم يحفظ الانسان متطلباته، فالله نفسه سينكر هذا الانتساب :” اذهبوا عنى يا فاعلى الاثم ؛ … انى لم أعرفكم قط؛”(مت٧ : ٢٣) .

أما اذا صنع الانسان مشيئة الله، فانه لا يصير فقط ابنا له ، بل يدعوه المسيح :”أخي وأختي وأمي “(مت١٢ : ٥٠) .[7]

 

سمات الحق الذي يحرِّر للمتنيح القمص إشعياء ميخائيل :

في حياة يوحنا المعمدان نرى خطاً فاصلاً بين الشجاعة والخوف بين الحديث والصمت ، بين الوضوح والغموض ، بين القلب المملوء بالحماس لإرضاء الله وبين القلب الذى يعرج بين الفرقتين كما قال إيليا النبى .

إنه خط فاصل … خط فاصل يفصل كلمة الحق بالاستقامة ، ومهما كان الثمن ، ومهما كانت النتيجة ، فإن إرضاء الله يريح الضمير ، ويريح القلب بينما أرضاء الناس أو إرضاء الذات يجعل الإنسان في حيرة تقود إلى تسكين الضمير بصورة أو بأخرى :

١ ) بين الكلام والصمت :

     هكذا يقول سفر الجامعة : ” للسكوت وقت وللتكلم وقت ” (جا ٣ : ٧)  وكان على يوحنا المعمدان أنه يتكلم لأنه كان نبياً ومن ضمن أعمال الأنبياء توجيه الشعب للسلوك الحسن . ولا شك أن هيرودس الملك يعتبر من ضمن الشعب الذى يجب أن يواجه .

وكانت رسالة يوحنا المعمدان كما حددها الملاك لزكريا الكاهن أنه ” يرد كثيرين من بنى إسرائيل إلى الرب إلههم “(لو ١ : ١٦) ،وذلك كله بهدف أن ” يهئ للرب شعباً مستعداً ” (لو١ : ١٨) .

وهكذا كانت رسالة يوحنا المعمدان تتلخص في دعوته للتوبة ” توبوا لأنه قد أقترب ملكوت السموات ” (مت ٣ : ٢) لذلك كان على يوحنا المعمدان أن يتكلم ولا يسكت ، وأن يتكلم الكلام الصحيح ، ومن أجل هذا قال الرسول بولس لتلميذة تيموثاوس : ” أكرز بالكلمة . أعكف على ذلك في وقت مناسب وغير مناسب . وبخ ، انتهر ، عظ بكل أناة وتعليم ”  (٢تى ٤ : ٢).

وكلام الخادم والكارز والتلميذ والرسول والنبى يكون مسنوداً بقوة كلمة الله حسب قول الرسول بولس ” وأما أنت فتكلم مما يليق بالتعليم الصحيح وكلام لا يليق … وإذا تكلم يوحنا المعمدان فيجب أن يكون كلامه لائقاً بالتعليم الصحيح .

والتعليم الصحيح هو أنه لا يجوز للشخص أن يأخذ امرأة أخيه بعد وفاته إلا لو كان بلا نسل لأن المقصود أن يقيم نسلاً لأخيه الميت أما إذا أخذ إنسان امرأة أخيه في حياة أخيه أو بعد وفاته ولم يكن غرضه أن يقيم نسلاً لأخيه لأن له نسلاً مثل حالة هيرودس فإنه ينطبق عليه حكم الله وعقوبته ” إذاً أخذ رجل امرأة أخيه فذلك نجاسة قد كشف عورة أخيه . يكونان عقيمين ” (لا ٢٠ : ٢١)  حكم الله هو هكذا … عورة امرأة أخيك لا تكشف أنها عورة أخيك ” (لا١٨ : ١٦).

أما استثناء هذه القاعدة فقد ورد في سفر التثنية هكذا : ” إذا سكن أخوة معاً ومات واحد منهم وليس له ابن فلا تصر امراة الميت إلى خارج لرجل اجنبى . أخو زوجها يدخل عليها ويتخذها لنفسه زوجة ، ويقوم لها بواجب أخى الزوج . والبكر الذى تلده يقوم باسم أخيه الميت لئلا يمحى اسمه من إسرائيل ” (تث٢ : ٥ – ٦). فكان لزاماً على المعمدان أن يتحدث لكى يعلم التعليم الصحيح ويصحح السلوك الخاطئ ، ولذلك قال يوحنا المعمدان للملك هيرودس ” لا يحل أن تكون لك أمرآة أخيك ” (مر ٦ : ١٨) .

هنا نجد قوة الكلمة تفرض سلطانها وتستمد كيانها من الله نفسه ، ولم يقلها المعمدان مرة واحدة وكفى ، بل كررها كثيرأ حسبما يقول الكتاب المقدس ” وإذ سمعه ( هيرودس ) فعل كثيراً وسمعه بسرور ” (مر٦ : ٢٠) .

نعم إن كلمة الحق يجب أن تقال ، وأن تصل إلى السامعين وإلا فسوف ندان ونحرم من الحق نفسه الذى هو ربنا يسوع المسيح ولكن لكى نقول كلمة الحق ولا نسكت نحتاج إلى الشجاعة والجرأة وعدم الخوف .

٢ ) بين الشجاعة والخوف :

كان يوحنا المعمدان ممتلئاً من الروح القدس وهو بعد في بطن أمه (لو ١ : ١٥) ، والروح القدس دائماً يهب شجاعة وخاصة عند الوقوف أمام الملوك والولاة للشهادة . وفى هذا يقول الرب يسوع المسيح : ” وتوقفون أمام ولاة وملوك من أجل شهادة لهم . لستم أنتم المتكلمون بل الروح القدس ” (مر١٣ : ١٩ – ١١).

إن الروح القدس إن طلبناه فهو يعطينا شجاعة النطق بكلمة الحق ، وشجاعة الوقوف أمام الملوك والولاة وأصحاب الرتب بلا خوف … لأن الخوف يطرح الإنسان بعيداً عن الملكوت ” وأما الخائفون غير المؤمنين والرجسون والقاتلون والزناة والسحرة وعبدة الأوثان وجميع الكذبه فنصيبهم في البحيرة المتقدة بنار وكبريت الذى هو الموت الثانى (رؤ ٢١ : ٨) .

وهل يعقل أن يأتي الخائفون على رأس القائمة قبل غير المؤمنين وعبدة الأوثان والزناة والقتلة رغم أن هؤلاء الخائفين من بين المؤمنين . وهنا نرى المعمدان شجاعًا بلا خوف لأنه كان ينظر إلى الملكوت والملكوت فقط .

٣ ) بين الملكوت الدائم وكل ما هو زائل :

الملكوت هدف نسعى إليه ، ونكرز به ، ويسود على كل حياتنا وسلوكنا … لذلك يجب أن نتذكر يوحنا المعمدان وكرازته ” توبوا لأنه قد أقترب ملكوت السموات ” (مت ٣ : ١).

وكانت خدمة المعمدان أن يعد طريق الرب وأن يصنع سبله مستقيمة (مت ٣ : ٣) ولذلك كان يقول للشعب ” اصنعوا أثماراً تليق بالتوبة … والآن قد وضعت الفأس على أصل الشجرة . فكل شجرة لا تصنع ثمراً جيداً تقطع وتلقى في النار ” (مت٣ : ٨ – ١١). إن الكرازة بالتوبة هي الوسيلة لعدم الحرمان من الملكوت ، ولكن يجب ألا يغيب عن بالنا قط الملكوت حتى لا نحرم نحن منه لأن كثيرين قد ضاع منهم الملكوت بسبب مجد العالم الحاضر .

يهوذا باع الرب بثلاثين من الفضة فطرح وفقد رسوليته ورتبته .

” ديماس قد تركنى إذ أحب العالم الحاضر ” (٢تى ٤ : ١٠). ” لأن كثيرين يسيرون ممن كنت أذكرهم لكم مراراً ، والآن أذكرهم أيضاً باكياً وهم أعداء صليب المسيح الذين نهايتهم الهلاك الذين إلههم بطنهم ومجدهم في خزيهم ، الذين يفتكرون في الأرضيات ” ، (فى٣ : ١٨ – ١٩). لقد كان يوحنا المعمدان شاهداً عيانا للملكوت لأنه رأى وقت عماد الرب يسوع السماء مفتوحة وصوت الآب يعلن : ” هذا هو ابنى الحبيب ” والروح القدس مستقر على رأس الرب (لو٣ : ٢١ – ٢٢) . وهكذا يجب أن نعاين السماء المفتوحة ، وأن يكون لنا شركة مع الثالوث القدوس حتى يمكننا أن نشهد للحق ونعلن الملكوت !!! وعندما نحتقر الأمور الأرضية الزائله فنحن نعلن مسيرتنا نحو الملكوت وشهادتنا للحق من أجل الملكوت ، ويجب أن تكون شهادتنا هذه واضحة لا تحتمل الغموض ولا اللبس ولا الالتواء والخبث .

٤ ) بين الوضوح والغموض :

إن الوضوح ليس فقط وضوح الهدف وهو إرضاء الله ولكن الوضوح يجب أن يكون شاملاً لنواحى عديدة ، فهو يجب أن يحتوى على وضوح الوسيلة ، ووضوح الإجابة التي نجيب بها على أسئلة الرعية إجابة لا تحتمل الغموض ولا تحتمل أكثر من معنى ولا تحتمل التعارض .

+ ” رجل ذو رأيين هو متقلقل في جميع طرقه ” (يع ١ : ٨ ).

+ ” وحقلك لا تزرع صنفين ولا يكن عليك ثوب مصنف من صنفين (لا ١٩ : ١٩) . لذلك يجب أن يكون كلامنا وإجابتنا واضحة لا لبس ولا غموض فيها ولا التواء ولا خبث ولا دهاء ” فاطرحوا كل خبث وكل مكر والرياء والحسد وكل مذمة ” (١بط ٢ : ١) .

إن البعض من الخدام والقادة أحياناً يكونون غير واضحين في مسلكهم … غير واضحين في تدبيرهم ، أو غير واضحين في مواجهة المشاكل التي تعترض حياتهم … وهذا الغموض يجعل كل واحد يفسره حسب هواه ، لأنهم يخافون أن تمسك عليهم كلمة أو رأى !!

٥ ) بين الثبات والتأرجح :

لقد كان المعمدان ثابتاً في رأيه ، وثابتاً في مواجهة هيرودس وخطأه الذى كان يجب مواجهته حتى يصير عند الباقين خوف ، ولم يقبل المعمدان التأرجح الذى يعنى عدم الثبات وأن الإنسان يتأرجح مع المواقف ويغير إرشاده حسب الذى يرشده . ولذلك قال إيليا النبى ” حتى متى تعرجون بين الفرقتين ؟ إن كان الرب هو الله فاتبعوه ، وإن كان البعل فاتبعوه . (١مل ٢١:١٨)  .

إن تأرجح الخادم أو القائد يخلق جيلاً هزيلاً لا يقوى على مواجهة العواصف ولذلك يقول الرسول بولس : ” إذاً يا أخوتى الأحباء ، كونوا راسخين غير متزعزعين مكثرين في عمل الرب كل حين عالمين أن تعبكم ليس باطلاً في الرب ” (١كو ١٥ : ٧٨) .

٦ ) بين الحق والتبجح :

احياناً يسقط الخادم أو المسئول في خطية التبجح حين يختلط عليه الأمر في مواجهة القضايا الرعوية ، ويسقط في خطية الشتيمة ، وينسى أن الشتامين لا يرثون ملكوت الله (١كو ٦: ١٠) . أو يسقط في خطية الغضب والعصبية والصوت العالى واستخدام الألفاظ الجارحة ، وينسى أن غضب الإنسان لا يصنع بر الله (يع١: ٢٠) .

ولذلك فنحن هنا نقول أننا يجب أن نتمسك بالحق ، ونعلنه وندافع عنه … ولكن في أدب ولباقة واحترام ودون استخدام الأسلوب الجارح ، وصدق الرب يسوع حين قال :” إن أخطأ إليك أخوك فأذهب وعاتبه بينك وبينه وحدكما … (مت ١٨: ١٥) . وأغلب الظن أن المعمدان ذهب إلى هيرودس وكلمه على انفراد دون تبجح أو سباب أو عدم احترام ! ! .. إن المهم أن يصل رأينا ودفاعنا وتمسكنا بالحق بأسلوب هادئ خال من التبجح وعدم الاحترام .

٧ ) بين العدل والمحاباة :

يقول القديس يعقوب الرسول : ” يا أخوتى لا يكن لكم إيمان ربنا يسوع المسيح ، رب المجد ، في المحاباة ” (يع٢ : ١) … إن المحاباة تقود إلى التعصب والتحزب والغيرة ” وحيث الغيرة والتحزب هناك التشويش وكل أمر ردئ (يع٣ : ١٦) . إن المحاباة من الخادم أو القائد تخلق في المخدومين نوعاً من فقدان الثقة وعدم الامتثال للخادم لأنه فقد مصداقيته . قد تكون المحاباة للأغنياء ، وقد تكون للأقوياء ، وقد تكون لأصحاب المراكز والسلطات … ولكن المحاباة تطرحنا بعيداً عن الشهادة للحق وتجعلنا غير عادلين في أحكامنا  ! ! !

إن يوحنا المعمدان لم يحابى هيرودس الملك ليغير حكم الله أو يعطى فتوى من عندياته أوتفسير خاصاً لإرضاء هيرودس وتسكينه على الشر الذى فعله وموافقته على أخذه أمرأة أخيه ( حال حياة أخيه كما يقول البعض أو لعدم توافر الشرط وهو عدم وجود نسل للأخ الميت ) ولكن المعمدان وقف دون محاباة ودون النظر إلى من يتصرف معه وقال له لا يحل أن تأخذ امرأة أخيك (مر ٦ : ١٨) . إن المحاباة تجعلنا نكسب بعض الناس ، ولكننا نخسر البعض الآخر والأكثر من هذا نخسر الحق والانتماء إلى الحق الذى هو ربنا يسوع المسيح ! !

٨ ) بين التمسك والعناد :

إن التمسك هو تمسك بمبدأ كتابى أو بعقيدة إيمانية … مثل تمسك المعمدان بوصية الكتاب أو تمسك أثناسيوس وكيرلس وديسقورس بعقيدة الأرثوذكسية وإيمانها . ولذلك يقول سفر الرؤيا : ” الذى عندكم ( وصايا الكتاب المقدس وعقيدة الكنيسة ) تمسكوا به إلى آن أجئ (رؤ ٢ : ٢٥) . نعم لقد تمسك القديسون بما عندهم من وصايا الإنجيل وعقيدة الكنيسة ، وبذلوا حياتهم من أجل ذلك ، وقدموا دماءهم تمسكاً بالإنجيل والكنيسة والعقيدة … أما العناد فهو تشبث برأى خاص ، وليس بوصية الكتاب ، وهو تمسك محوره الذات ولفائدة الذات ، ولذلك يقول الكتاب المقدس عن العناد أنه كالوثن والترافيم ” (١صم ١٥ : ٢٣) . ولذلك يجب أن يحذر الخادم لئلاً يكون ساقطاً في خطية العناد والتشبث بالرأى ويصير عابد وثن ( الذات ) وهو يظن أنه يدافع عن الحق ! ! لم يكن المعمدان عنيداً ولكنه تمسك بالوصية . ولم يكن الشهداء عنيدين بل كانوا متمسكين بمن أحبوه حتى الموت . إن العناد هو دفاع عن الذات ، بينما التمسك بالحق هو استعداد لبذل الذات حتى الموت ، واحتمال ما قبل الموت من حبس واضطهاد وتعذيب .

٩ ) ضرورة الإرشاد :

وإن كان الأمر هكذا ، وإن كان هناك خوف أن يسقط الإنسان باسم الحق في العناد والمحاباة والتبجح والتأرجح والغموض والخوف والانزلاق إلى ما هو زائل ، لذلك يجب على الإنسان أن يتجه إلى طلب المشورة لأنه توجد طرق تظهر للإنسان وكأنها للخير ولكن عاقبتها الموت ، وأخشى أن يظن أننا نتمسك بالحق ، ونسلك طريق الحق … بينما نحن سائرون في طريق الموت . لذلك يلزم طلب المشورة ويلزم الاتضاع والصلاة ليكشف الرب لنا ويرشدنا إلى طريق الحق وطريق الكمال … من يطلب المشورة يستحيل أن يتخلى الله عنه … إن المشورة هي طلب النور وسط ظلمة الغموض وهى التأكيد من صحة الطريق الذى نسلك فيه والكنيسة تصلى من أجل المرشدين قائلة: (أعط) بهاء للإكليروس!! نسكاً للرهبان!! الرعاة اضبطهم!! والذين يرعونهم ثبتهم!![8]

 

إن حرركم الإبن للمتنيح القمص يشوي كامل

بسم الآب والأبن والروح القدس الإله الواحد آمين

إنجيل العشية في هذه الليلة من إنجيل معلمنا يوحنا الأصحاح الثامن ، ويوم الجمعة كان القُدَّاس برضه من إنجيل معلمنا يوحنا الأصحاح الثامن ، وبكرة إنجيل القُدَّاس باكر الأحد برضه من يوحنا الثامن ، يعني يوم الجمعة إمبارح ، والليلة ، وبكرة الصبح من يوحنا الثامن يعني لو إنت قرأت يوحنا الثامن تبقي عرفت إيه اللي اتقرأ إمبارح والنهاردة وبكرة الصبح ، وبعدين الإنجيل بتاع قُدَّاس بكرة من يوحنا ٤ عن المرأة السامرية ، فالمرأة السامرية زي ما ها نشوف بكرة إنها إنسانة زي أي واحد في العالم ..

زي أي إنسان في العالم اتزحلقت رجليها في طريق الشر ، دايماً طريق الشر يزحلق ، لأن عدو الخير الشيطان مش أهبل ولا عبيط يعرض كل الفخ بتاعه مرة واحدة . لكن دايماً يمشي خطوة خطوة لغاية لما يجرجر البني آدم ، ويوقعه في بير ما يعرفش  يطلع منه ، والحقيقة ده مش موضوعنا الليلة إننا نتكلم عن السامرية ، لكن حقيقة إن حكاية البير ده اللي كانت رايحة تملأ منه المية وربنا يسوع واقف عنده .. بيعبر عن أو بيوصف الحالة ..

 هي كانت واقعة في البير ده مش عارفة تطلع ليه ؟ متجوزة خمسة واللي معاها مش جوزها ، ما أعتقدش الست دي ابتدأت بالبداية دي ، لكن بأقول لك الشيطان بيزحلق الإنسان سلمة سلمة لغاية لما يوصل لدرجة يبقي الرجوع فيها مستحيل في  ذهني ، ومش بنتكلم عن المرأة السامرية كانت وحشة ، بالعكس دي قديسة ، إحنا بنعتبرها قديسة اللي عرفت تطلع من البير ده .

نتكلم ان بطرس .. بطرس برضه اتزحلق شوية شوية ..قال له لو أنكرك الكل ما أنكركش وبعدين دخل يتفرج يشوف النهاية إيه .. وقف يتكلم مع الخدامين .. وبعدين دخل يتكلم في مواضيع مالوش دعوة بها ، والمسيح وصّاه وقال له الليلة دي تسهروا  وتصلوا ، وراح هو يتكلم مع الجارية وبتاع ..ودخل في حاجات مالوش دعوة بيها ، وبعدين دخل في مطب ، شافه الراجل قريب العبد رئيس الكهنة اللي كان قطع ودنه ، قال له إنت كنت معاهم ، إنت اللي عملت العملة دي .. الجارية قالت أيوة إنت شكلك كده ، إحتاس بطرس .. أنكر وسب ولعن وحس أنه لا رجعة .. ها يطلع إزاي من المطب ده ؟ ما هو لو قال آه أنا يقطعوا رقبته ، فيسوع بسرعة نظر له نظرة كده علي رأي الكتاب المقدس كمن له سلطان . إحنا بنتكلم عن يسوع وعن لطفه وحلاوته ونظراته اللطيفة ، لكن ده صاحب سلطان مش بس لطيف ونظراته لطيفة وحانية .. لا لما يتكلم يأمر ..ولما ينظر ينفذ اللي يقوله فخرج بطرس وطلع من الفخ ، علي رأي النبي ” الفخ انكسر ونحن نجونا” . ولا حصل حاجة ولا بتاع . فإذا المرأة في الواقع وقعت في فخ ابتدأت واحدة واحدة لغاية لما لقيت الرجوع مش ممكن ، ومين يقدر يتفاهم مع المرأة ، دي مشاكلها في منتهي التعقيد ، والمهم اتقابلت مع يسوع وطبعاً الإنسان أصله فيه طبيعة وحشة يبرر نفسه ، متكبر ، وقعدت تتكلم مع المسيح في مواضيع هي أبعد ما تكون عنها ، قالت له أنتم بتسجدوا في أورشليم ، وعملت إن هي يعني أستاذة في اللاهوت ، وطبعاً تبقي أستاذة في اللاهوت علشان تخبي اللي هي فيه ، وبعدين بص لها يسوع كده ، وقال لها يا ستي أنا حاسس إنتِ تعبانة .. تعبانة خالص ، وأنا جاي علشان أريح الناس التعبانين .

أنا حاسس إن إنت مربطة وأنا جاي أفك الرباطات بتاعتك دي ، قالت له أنا ما أقدرش أطلع من المأزق اللي أنا فيه ، قال أنا ها  أطلعك بكلمة واحدة من عندي ها تطلعي ، وإداها قوة ( ده مش موضوعنا الليلة ) .. لكن أنا بأقول قراءات الكنيسة الليلة وإمبارح من إنجيل يوحنا الأصحاح الثامن ، لأنه بيتكلم ان الحرية ، إمبارح كنّا بنقول إن الحرية في المسيحية لها مفهوم تاني خالص .. غير اللي بيتكلموا عليها في الجرائد ..لا هي حرية سياسية .. ولا حرية المعتقلين السياسيين طلعوا من السجون لا .. لا .. لا ده إحنا عندنا ناس القيود في رجليهم ، وكانوا في منتهي الحرية والحرية في المسيحية مرتبطة بالسعادة إيه يعني لو إنت جبت إنسان حر وحطيته في قصر ومن جوه هو مستعبد يبقي عبد ، فالمسيح قال إيه إن اللي يعمل خطية هو عبد الخطية ، وقال إن حرركم الإبن بالحقيقة تكونون أحرار .

 أنا عاوز أقول إن الكنيسة بتاعتنا في فترة الخماسين اختارت لنا موضوع حلو : القيامة يعني الحرية ، لأن الإنسان اللي قام من الأموات يبقي حر ، فإذا أنت دلوقت اختبرت الحرية يبقي قمت مع المسيح ، علشان وإنت بتشترك في الكنيسة وتقول  إخريستوس آنيستي المسيح قام ، مش المسيح قام زمان ، لأ المسيح قام فيّ أنا ، وأنا حر ، والحرية دي بأحسها لأنها هي ممزوجة بالسعادة ، بتشبع نفسي وعلي رأي الحكيم لما يقول :” إن الإنسان حاكم نفسه أفضل من حاكم مدينة ” . فالمهم إن ربنا في نقاشه الطويل في يوحنا ٨ قال لهم أنا هو نور العالم وإنتم ظلمة ، ويوحنا ابتدأ إنجيله بالكلام ده ، النور جاء إلي العالم والظلمة لم تدركه . شفت الحرية بتاعة المسيح تنور القلب ، فيه مقارنة لطيفة كده الظُّلمة دي .. الظُّلمة دي ..قال دي ضد النور ، زي ما هو ضد القيامة ، أوحش صورة للظلمة تشوفها في القبر .. مقفول ما فيهوش ثقب واحد ، مظلم ، ريحة وحشة منتنة ، فلما يطلع واحد من القبر زي لعازر قالوا له بعد أربعة أيام قد أنتن .. قال لهم معلش أنا هو القيامة ، قالوا له ده مربط ، مربطين إيديه ، ومربطين رجليه ، الميت كمان يربطوا بقه ده ما بيتحركش خالص ، قال لهم أنا أقول له قوم يقوم ، فيقوم ويطلع ، وأقدمه للكنيسة وأقول لهم حلوّه فالكنيسة تقرأ له الحل فيتحل من الرباطات بتاعته .

الانسان في الواقع يا إما يكون في قلبه فيه نور .. نور القيامة ، يا إما يكون في قلبه ظلمة القبر ، ويوحنا الحبيب بيقول إن اللي بيبغض أخاه هو اللي في الظُّلمة يسلك ، فيه ظلمة تبص يا عيني تلاقي الإنسان بيأكل في نفسه وحاجات كثيرة شايل همها ومتضايق ، وبعدين تقول الإنسان ده يا عيني عامل في نفسه كده ليه ؟ وبعدين من كثر الحقد والغيظ والضغينة والشر تبص  تلاقي الإنسان ده حتي الأمراض تحل عليه ويتعب وحالته ، ليه كل ده ؟ أصل في ظلمة جوة القبر ، لو جه نور المسيح ونورها يبقي فيه حرية .. يبقي فيه محبة و فرح وسلام ، بإختصار المسيح قال الإنسان اللي يعمل الخطية هو عبد للخطيَّة ، ، وهو مربوط ، فالرباط ده أحياناً يكون زي الرباط اللي كان رابط المرأة السامرية مرّبطها خالص ! مشيت في الطريق ده ، وافتكرت إنها لما تشرب من المية دي تقدر تشبع ، أتاريها كلما تشرب أكثر تتربط أكثر ، وبعدين تسألها وتقول لها إنت يا إمرأة تستطيعي أن تستغني عن المية اللي بتشربي منها ؟ تقول لك يستحيل ..ده أنا عايزة أكثر لولا لحقها المسيح وقال لها تعالي أفك الرباطات بتاعتك دي ، فكي ، فكي الرباطات دي لأن هي رباطات كاذبة ، وأنا أديك المية اللي يشرب منها ما يعطش إلي الأبد ، ابتدأت تعيش تتنسم نسيم الحرية في المسيح يسوع .

إحنا ربنا جه علشان يوهبنا حرية داخلية يحس بيها المسيحي في حياته ، ومن مميزات الحرية دي الفرح ، الإنسان يبقي  سعيد وفرحان ويفك ربنا الرباطات اللي هي ربطت القلب ، أهو ده نصيبنا في القيامة بتاعة المسيح إن إحنا نعيش أحرار ، إحنا مدعوين للحرية وبينبهنا معلمنا بولس الرسول ويقول اثبتوا في الحرية اللي حرركم المسيح بيها ، ما تكونش تحت نير مع غير المؤمنين ، خليكم أحرار كده ، أحرار يعني ايه ؟ قال ما تخليش القلب بتاعك يقع تحت عبودية حاجة أبداً .. واحد واقع تحت عبودية الغيظ والحقد والضغينة والظلم ، واحد واقع قلبه تحت عبودية شهوة الجسد ، واحد واقع قلبه تحت عبودية شهوة المال ، واحد واقع قلبه تحت عبودية حب اللبس والمظاهر . كل ده حاجات بنمر بيها الأيام دي ، وبنعيشها وبنشوف العالم بيسقط بيها .

وصدقني كل هؤلاء ليسوا أحرار ، علي رأي أغسطينوس يقول تشبيه جميل جداً بيقول واحد بيقول لك أنا بأملك الحاجة الفلانية دية ، مثلاً بيملك عزبة بحاله ولا برج كبير خالص ، فبيقول أبداً ده هو مش بيملكها ، ده هي اللي بتملكه ، ليه ؟ لأن هو قاعد نايم علي سريره مش بيتمتع بالنوم زي بقية الناس .. فكره عمال مربوط بالمشاكل ها يعمل ويخلي ويسوي ويرتب ويخطط .. وده مضايقه في الموضوع ده ، وده مش راضي يجيب له الموضوع ده ، وده متعطل في الحاجات اللي بيعملها .. فأصبح الحاجة اللي الإنسان بيفتكر إنه يملكها اتاريها هي اللي بتملكه ، يبقي الإنسان عبد بعد ما كان سيد ، فالحقيقة العبودية إن القلب يخضع للحاجة ويحاول يقتنيها ، أول لما يحاول يقتنيها يبقي عبد لها ..تربطه من رقبته . لكن الإنسان الحر اللي عاوز يثبت في الحرية اللي حرره المسيح بيها هو الإنسان اللي يخلي القلب بتاعه للمسيح ، يستعمل العالم ويحب أبوه وأمه وأخوته و أمرأته وأولاده لكن لا يستعبد لشيء في هذا الوجود ، علشان كده الكتاب يقول له كده ” يا ابني أعطني قلبك ” فالإنسان الحر قلبه مستولي عليه ربنا .. لأنه يقول إيه حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك .. الوصايا ده مش المسيح قالها علشان قاعدين في الصحراء .. أو دخلوا الدير ، قالها علشان المسيح العادي اللي عايش في العالم يستعمل العالم لكن ما يستعبدش في العالم ، والقديسين يشبهوا المسيحي في العالم بمركب ، المركب دي ما فيهاش ولا خرم وآهي ماشية في وسط البحر ، لكن البحر ما يخشش جواها ، ماشية في وسط البحر ، والبحر شايلها وبتستخدم البحر ، ولكن المركب ديه مش ملك للبحر ، هي اللي قاعدة فيها هو اللي بيدير ها وبيوجهها.

علشان كده يا اعزائي نصيبنا النهاردة في القيامة زي ما بيعرضه الإنجيل إن إحنا نثبت في الحرية التي بها حررنا المسيح ،  ولا نرتبك بنير العبودية ، ولا نشاكل هذا الدَّهر ، ولا حاجة تكون مسيطرة علي قلبنا إلا اللي حبنا ومات من أجلنا ، الحرية دي كلفت المسيح كثير .. كلفته صليبه وقيامته .. المسيح عارف إن أنا اللي مربوط ، فأخذوه علي عمود كده وربطوه علشان يجلدوه ، وده اللي الخطية بتعمله في الإنسان ، الشيطان يزحلق الإنسان كده لغاية لما يجيبه ، ويجي رابطه ، لما يربطه ينزل عليه الشيطان ما عندوش رحمة علي البني آدم أبداً لأنه هو عدو الخير ، هو كذاب وأبو الكذاب وبيعرض لنا العالم بعرض يقول له إن خررت وسجدت لي أعطيك كل ممالك الأرض ، كذاب ، يعرض الشيطان وبعدين يربط .. ولما يربطنا بعدين يجلدنا ، فالمسيح رب المجد قال طيب أنا شايف البشرية كلها مربّطة ، أنا أروح علي العمود ده واتربط ، أنت يا ربي يسوع فيه قوة في الوجود تقدر تربطك ، أنت تتربط ؟ قال علشانك إنت ،علشان أفكك ، أنا أتربط بدالك ، أتربط بدالك ، أنا أتجلد بدالك ، الخطية عرتك ، عرت آدم ، فأنا لازم أتصلب عريان ، يقول لك فعروه، إنت تقدر تأخذ من مفاهيم الصليب حاجات كثيرة خالص بحيث إنك تقدر تحس إن كل حركة صغيرة حصلت للمسيح في أثناء صلبه إنما كانت من أجل تحريرنا ، هو اتعري علشان يغطيني بنعمته، أنا مربوط ، هو اتربط بدالي علشان يفكني، أنا عليّ دين هو وفِي الصك اللي كان علينا وسمره في الصليب ، أنا كنت عبد لأني بعت نفسي لإبليس بمزاجي ، بحريتي ، وهو باعوه بثلاثين من الفضة ، ثلاثين من الفضة يعني ثلاثة وثلث جنيه ، ده السعر العام أو العالمي للبيع اللي هو ثمن العبد . لما تحب تشتري عبد تطلع ثلاثة جنيه وتلت تبقي دفعت تمن العبد ، أنا عبد ، هو اتباع بثمن العبد علشان يخليني سيد ، علشان كده يقول معلمنا بطرس الرسول إن إحنا ما نستهينش بالسيادة ، منستهنش بالسيادة يعني إحنا بقينا أسياد ، فالي يرجع يبيع نفسه تاني يبقي بيستهين بالسيادة اللي إداها له المسيح ، إحنا بقينا ملوك ، أولاد ملك ، إحنا إترشمنا بالميرون اللي كان الملوك بيترشموا بزيت ما يطولوهوش ، إحنا بقينا أولاد الملك السَّماويّ ، فاللي يستهين بالحرية دي يبقي إيه ؟ يبقي عبد ، والعبد لا يبقي في البيت ، يبقي استهان بالسيادة .

الابن الضال

من أروع الأمثلة اللذيذة جدا عن الحرية والعبودية ، الابن الضال كان في بيت أبوه ، كان بيأكل وبيشرب مبسوط ٢٤ قيراط ، نقول له إزاي الأحوال ، يقول لك البيت ده سجن ، نقول له البيت سجن ما أنت بتآكل وبتشرب ومبسوط ، يقول لك أبويا بيديني  الفلوس مصروف ، ومضيقين عليّ ، أنا عبد في البيت مش واخد حريتي ، طب حريتك إيه ؟ قال أروح أسهر مع الناس ، ده الخدامين اللي بيشتغلوا عند أبويا بيمضوا لياليهم بره وبيسهروا للصبح ، وبيعملوا كل حاجة ، وأنا محروم من الحاجات دي ، شفت أنا في سجن إزاي ؟ يا ابني ده أنت في نعمة ، كفاية إنك في بيت أبوك ، لا أنا في سجن ، كان الأب يقدر يقعده بالعافية ، قال له روح جرب الحرية الكاذبة . ما هو العالم بيعرض الحرية كذب ، فراح هناك ، شوية كده الشيطان زين له الدنيا فبقت حلوة لذيذة إتزحلق شوية شوية ، وصل في الأخر بقي يشتغل عبد عند راعي الخنازير ، فيدوبك يديله لقمته ويذله ، لقمة عيش ويذله ، قعد يتأمل ده أنا سبت مركز كبير ورجعت واستهنت بالسيادة . رجع تاني لأبوه أخده بالحضن ، ودخله البيت تاني ، وإداله لقمة ، دبح له العجل المسمن، كان زمان يأكل من العجل ده ويقول ” أيه الأكل ده ؟ ” وبعدين يقعد يتذمر ، وبعدين بقي له الأكل لذيذ ، ، طعام الأحرار الحلوين ، بقي البيت بتاعه بيت الحرية ، وطب القيود اللي كانت فيه ؟ واللي مازالت فيه ؟ قال دي علامات المحبة ، زي الأم اللي بتمسك ابنها وخايفة إيده تقع في النار ، فبتحوشها والواد بيصرخ عايز يلعب في النار ، أو يحط إيده في وسط ماكينة أو بتاع ، فأمه تشد إيده وتمسكها ، والواد بيصرخ ومش فاهم فاكر إن أمه بتربط إيديه ، ابتدأ يفهم بقي ، كبر فابتدأ يفهم إن القيود اللي كان أبوه بيمنعه منها دي علامات حبه ، فهو كان بيقول له ماتسهرش بره لأنه خايف عليه ، دي ماكانتش عبودية .

شوفوا أد إيه الشيطان خبيث ، يقول لك آدي المسيحية وآدي وصاياها وآدي الإنجيل. وآدي الحاجات الصعبة اللي فيها ،  كلها قيود في قيود في قيود دي صعبة المسيحية ، آمال عايزين إيه ؟ عايزين حاجة سهلة ، عاوزين باب واسع ، لا ياحبيبي .. الباب الواسع نهايته هلاك أبدي ، لكن الباب الضيق يؤدي للحياة الأبدية ، ده طريق الحرية ، عارف إيه بقي طريق الحرية ؟ آهو واضح زي الشمس ” من أراد أن يكون لي تلاميذاً ويعيش حر ينكر نفسه ، سيبه من نفسه ، ويحمل صليبه ويمشي ورايا فرحان ، ويفهم كل حاجة في الصليب وحلاوتها ولذتها ، الصليب ده مش حاجة للعار وبس ، ده الصليب ده كله معمول علشاني ، ده الصليب ده هو المحبة اللي اتسكبت عليه ده لما حبني للمنتهي كسر ذاته ، وصلب نفسه ، سكب نفسه زي ما بيقول الكتاب المقدس . فالحرية مش ممكن تكون بره عن الصليب ، دي السكة بتاعتها ، عاوز يخش للحرية من الباب الواسع ده آخرته هلاك أبدي ، ده جهل زي الجهل بتاع الابن الضال ، لكن لما فهم ورجع ..فهم إن العيشة في بيت أبوه هي دي الحرية ، فده يوحنا ٨ حديثه عن الحرية .

الحرية هي رجوع لحضن الأب

الحرية هي الرجوع لحضن الآب من جديد .. الحرية هي العيشة في بيت ربنا .. الحرية هي حمل نير المسيح ووصيته ..” نيري هين وحملي خفيف ” . المسيح جه علشان يوهبنا حرية مش من بتاعة العالم الكذابة .. الحرية اللي توهب السعادة .. الحرية اللي ما تملكش حاجة علي قلبنا إلا اللي حبنا ومات من أجلنا هو ده اللي له أن يملك علي قلبنا لأنه فدانا بدمه ، الشخص الحر ما بيتغلبش أبداً ، شوفوا المسيح بيقول لنا إيه ؟ ثقوا فيّ وفِي كلامي ..” ثقوا أنا قد غلبت العالم ” . عارف العالم ده اللي عمّال يعمل لنا زي السينما حاجات كل يوم عروض جديدة ، العالم ده كله أنا غلبته ، مافيش حاجة جديدة في العالم ، شهوة الجسد ، وشهوة العيون وتعظم المعيشة ، من أيام آدم ما حصلش حاجة ، كلها بس ألوان جديدة ،  لكن ثقوا أنا قد غلبت العالم ، وأنا لما أطلع علي الصليب وأنا إن ارتفعت إلي فوق ، وإرتفعت علي الصليب أجذب إليّ الجميع ، وها يعيشوا الناس يعشقوا الصليب بتاعي ويشيلوه وهم فرحانين ، ومش هأحكي لك علي قد إيه الشهداء عارف التراتيل الفرايحي الجميلة في الكنيسة دي كانوا يرتلوها وهم رايحين إيه الإستشهاد ، فرحانين أصلهم داسوا علي العالم ، مافيش حاجة غالباهم ، بيقول معلمنا بولس الرسول :” الذين هم للمسيح صلبوا العالم ” مافيش حاجة غالباهم ، قد صلبوا الجسد مع الاهواء والشهوات ” . ومرة ثانية بيقول ” حاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح الذي به قد صلب العالم لي وأنا للعالم ” .

الحرية هي القيامة

القيامة بقي هي البهجة ، قيامة الإنسان هي الحرية ، فالحرية هي نصيب النفوس اللي دخلت من الباب الضيق وشالت الصليب ، فإذا كان الصليب هو الطريق للحرية ، يبقي الحرية هي الثمرة للقيامة ، يبقي ده هو نصيبنا النهاردة في قيامة المسيح .

من أجل هذا يا أحبائي .. الرسول بيقول اثبتوا في الحرية اللي حررنا المسيح بها ، فربنا يعطينا نعمة وبركة حتي نعيش في عمق هذه الإختبارات علشان نحس بالقيامة في حياتنا ، وبكرة نتكلم في المرأة السامرية كده ، واقرأها وعيش فيها ، نشوف الانسانة الغلبانه دي إزاي اتحولت إلي قديسة ومبشرة وإنسانة حرة وتحررت من العبودية .

ربنا ببركة القيامة المقدَّسة يعيّشنا كلنا في ملء القيامة وملء الحرية ويمتعنا كلنا ببركة قيامته وحديثه.

لإلهنا المجد الدائم أبدياً آمين.[9]

 

 

 

المراجع

 

[1]تفسير تيموثاوس الثانية (ص 30 : 14-17) – القمص تادرس يعقـوب ملطي.

[2] – نسكيات الأنبا أنطونيوس صفحة ١٣٦ – مراجعة وتقديم نيافة أنبا متاؤس أسقف ورئيس دير السريان العامر .

[3] – علم الباترولوجي في الستة قرون الأولي صفحة ٩٩ – القمص تادرس يعقوب ملطي

[4] – نقاوة القلب في المفهوم الكتابي والآبائي صفحة ٨٠٠ – إعداد أحد الآباء الرهبان بدير السيدة العذراء ” برموس ”

[5] – يوحنا الذهبي الفم نقاوة القلب في المفهوم الكتابي والآبائي صفحة ٨٠٠ – إعداد أحد الآباء الرهبان بدير السيدة العذراء ” برموس ”

[6] – إختبرني يا الله صفحة ١٤٨ – قداسة البابا تواضروس الثاني

[7] – مفاهيم إنجيلية صفحة ١١٢ – المتنيح أنبا إبيفانيوس أسقف ورئيس دير القديس أنبا مقار

[8] – الحق بين المعمدان وبلعام صفحة ٨ – القمص إشعياء ميخائيل – كنيسة رئيس الملائكة ميخائيل بالظاهر

[9] – عظات مضيئة معاشة صفحة ٣٦١ – إصدار مطرانية ملوي وأنصنا والأشمونين