“إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَـدُ مِنَ الْمَاءِ وَالـرُّوحِ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُـلَ مَلَكُـوتَ اللهِ.” (يـو ٥:٣)
[اجعلهم مستحقّين هذه النعمة العظيمة التي للعماد المقـدّس عَـرَّهِـم من الإنسان العتيـق وجددّ ميلادهم بالحياة الأبدية واملأهم من قـوة روحـك القـدّوس بمعرفة مسيحك لكي لا يصيروا بعـد أبناء الجسد بل أبناء الملكوت] (من الصلوات السريّة في طقس المعمودية).
[الإستنارة وهى المعمودية مركب تسير نحـو الله مسايرة المسيح رأس الدين تمام العقل، الإستنارة مفتاح ملكوت السموات، استعادة الحياة، عتـق العبودية، انحلال الرباطات] (القديس غريغوريوس الثيئولوغـس)[1]
شــواهــد القــراءات
مزمور عشية (مز١٦: ٣ – ٥)، إنجيل عشية (لو ١٣: ٢٢- ٣٥)، مزمور باكر (مز١:٢٥)، إنجيل باكر (مت٢٣: ١- ٣٩)، (كو ٣: ٥-١٧)، (١يو ٥: ١٣-٢١)، (اع ٢٧: ٢٧-٣٧)، مزمور القدّاس (مز ١٤٢: ١) ،(مز ١٤٢: ٧) ) إنجيل القـدّاس (يو ٩: ١- ٤١).
شــرح القــراءات
هـا نحن قـد وصلنا إلي الأحـد الأخيـر في الصوم الكبير أحد الإستنارة والبصيرة الـروحية والإغتسال بالـروح في المعمودية ولقاء الـرب مع المولود أعمي.
وها هى التوبة في الصوم تُؤْتَي ثمارها المقدسة، فالذين يشبعون من حضن الآب ويعيشون على الكنز السماوي ويتسّلحون بكلمته ويلتمسون برّه ويتدرجون في معرفته وعشرته ويعملون دائما معه ينالون البصيرة التي تعرف الحق وتعيش عليه وتشهد به.
وترتبط المعمودية دائما بالكرازة بالملكوت وإستعلانه (مر١: ١٠) ففي معموديته إنشقّت السماء وتجدّدت طبيعتنا لإستقبال روح الله للسكني الدائمة، فالمعمودية هى باب الملكـوت (يو٥:٣) وفيها نأخذ فعل وقوة موت المسيح له المجد وقيامته (رو٤:٦) فالحياة الأبدية التي أعلنها الرب بتجسّده وموته وقيامته وصعوده زُرِعٓتْ وغُرِسٓت في كياننا الإنساني كبذرة تحمل كل دقائق الحياة والميراث الإلهي المُدخّـر لنا في المسيح أخذها إبن الإنسان ومخلّصه الـرب يسوع وزرعها في بستاننا بالمعمودية وقبلناها بفـرح وراعيناها فنمت وصارت شجـرة كبيرة.
لذلك توضّح أيضاً قـراءات اليـوم بداية إعلان الملكوت فينا وفـرحنا وتذوقنا له وشهادتنا أمام العالم به.
تبدأ المزامير بالكلام عن الحق الإلهي الذي تبتغيه التوبة وتكون كاملة به كما تعلن فحص الإنسان كلّه وتنقيته على الدوام بالنار الإلهية خلال رحلة الحياة يـوم بعـد يـوم.
يتكلم مزمور عشية عن تنقية النار الإلهية للنفس البشرية.
“جربت قلبي وتعهدتني ليلا ومحصتني بالنار فلم تجـد فيّ ظلما”.
ويؤكد مزمور باكـر هـذا الكلام بكشف وفحص القلوب والكلي – أي كشف أعماق الإنسان وسلوك النفس بالحق الإلهي.
“أبلني يارب وجرّبني احم قلبي وكليتي لأن رحمتك أمام عيني هى وقد أرضيتك بحقك”.
كما يعلن مزمور القـدّاس كمال الإحتياج الإنساني للحق الإلهي.
“استجب لي يا رب فقـد فنيت روحي، انصت بحقك إلى طلبتي”.
ويعلـن إنجيـل عشية كمال فرص التوبة للبشرية وكمال عمل الملك وإن كان اليهود يشعرون بتميّزهم عن كل الشعوب وإختيار الله لهم في القـديـم دون باقي الشعوب لأجل تدبيره الإلهي للتجسد لكن بسبب ظلمهم وعـدم توبتهم رُفِضوا رغم كل المواعيد والشريعة والذبائح كتحذير إلهي لكل الناس وكل الشعوب.
“فإذا قام رب البيت ليغلق الباب وبدأتم تقفون خارجآ وتقرعون الباب قائلين يا رب افتح لنا يجيب ويقـول لكم إني لا أعرفكم من أين أنتم حينئذ تبدأون تقـولـون: أكلنا قدامك وشربنا وعلمت في شوارعنا فيقـول لكم: إني لا أعرفكم من أين أنتم اذهبـوا عنّي جميعكم يـا فاعلى الظـلم، وأنتـم تطرحـون خارجـاً ويأتـون مـن المشـارق والمغـارب والشمـال والجنوب فيتكئون في ملكوت الله”.
[أي لا أعرفكم في برّي ونوري] (القديس أغسطينوس).
كما يعلـن نتيجة رفض التوبـة والشفاء الإلهي الذي قدّمه الكلمة المتجسد بصليبه وقيامته.
“ها أنذا أخـرج شياطين وأتم الشفاء اليوم وغداً وفي الثالث أكمل، كم مرة أردت أن أجمع بنيك مثل الطائر في عشه تحت جناحيه ولم تريدوا هوذا بيتكم يترك لكم خراباً وأقـول لكم انكم لا ترونني منذ الآن حتى تقـولـوا مبارك الآتي باسم الـرب”.
أما إنجيـل باكـر فيشرح قصّة رفض الأمة اليهودية للبر والنور الإلهي، وعن الشهود الكذبة والقادة العميان وسبب رفض الله لهم في ملء الزمان، الحياة الشكلية وظلم الآخرين ورياء السلوك وتغيير الخارج فقط وفساد القلب.
“ويل لكم أيها القادة العميان القائلون من حلف بالهيكل فليس بشئ ومن حلف بذهب الهيكل يطالب أيها الجهال والعميان أيما أعظم الذهب أم الهيكل الذي يقدس الذهب، ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراءون لأنكم تعشرون النعنع والشبث والكمون وتركتم أثقال الناموس وهـو العدل والرحمة والإيمان، ويل لكم …. لأنكم تنظفون خارج الكأس والصحفة وداخلهما مملوء خطفاً ونجاسة، هكذا أنتم أيضا تبدو ظواهـركم للناس مثل الصديقين وبواطنكم مملوءة رياء وكل إثــم”.
كما يعلـن العقـوبة والنتيجة لـدوام الـرفض وإستمرار عـدم التوبة وأخطر وأصعب شئ فيها غياب الحضور الإلهي عن الشعب وعـدم رؤيتهم له نتيجة إنعـدام بصيرتهم.
“هوذا أنا أترك لكم بيتكم خـراباً وأني أقـول لكم أنكم من الآن لا ترونني حتى تقـولـوا مبارك الآتي باسم الـرب”.
ويوضّح البولس خلع العتيـق وكل أعماله النجسة (طقس المعمودية) ولبس الجديد الرب يسوع وكل أعماله المعطية الحياة ويشرح جوهر وهدف التوبة الكاملة صورة الإبن وبهاء الإنسان الجديد والمحبة رباط الكمال.
“إذ خلعتم الانسان العتيق مع أعماله ولبستم الإنسان الجديد الذي يتجدد للمعرفة حسب صورة خالقه، ألبسوا إذا كمختاري الله القديسين المحبوبين أحشاء رأفات، وعلى جميع هذه كلها المحبة التي هى رباط الكمال”.
كما يعلـن الكاثوليكـون هدف تجسد الكلمة الإستنارة والبصيرة لمعرفة الإله الحقيقي والإتحاد به والثبات فيه.
“ونعلم أن ابن الله قد جاء وأعطانا بصيرة لنعرف الإله الحقيقي ونثبت في ابنه يسوع المسيح هـذا هـو الإله الحقيقي والحياة الأبديـة”.
بينما يقدّم الإبركسيس قصّة نجاة مائتين وستة وسبعين نفساً والتي تحكي الفرق بين إستنارة أولاد الله لأجل نجاة الآخرين وخلاصهم وبين دهاء أولاد العالم لأجل نجاتهم حتى لو حساب هلاك الآخرين.
“ولما كان النوتية يطلبون أن يهربوا من السفينة أنزلوا القارب إلى البحر بحجة أنهم يمدون المراسي من المقدم قال بولس لقائد المئة والعسكر إن لم يبق هؤلاء في السفينة فلا تستطيعون أنتم أن تنجوا، لذلك ألتمس منكم أن تتناولوا طعاماً لأن ذلك يؤول إلى خلاصكم فإنه لا تهلك من رأس أحدكم شعرة ولما قال هذا أخذ خبزاً وشكر الله أمام الجميع وكسر وطفق يأكل فصاروا كلهم مسرورين وتناولوا هم أيضاً طعاماً وكنا جميعا في السفينة مئتين وستة وسبعين نفساً”.
ويختم إنجيـل القـدّاس بالمولـود أعمي كنموذج لكل المحتاجين للنور الإلهي والإغتسال من مياه الروح وتجـديـد الطبيعة ولقاءه بابن الله الخالق الذي خلق عينين جديدتين لـرؤية المنظورات ومنحه بصيرة إلهية لمعاينة السمائيات وإدراك إبن الله وسجـوده له.
“مادمت في العالم فأنا نور العالم، قال هـذا وتفل على الأرض وصنع من التفل طيناً وطلى به عيني المولود أعمى وقال له اذهب واغسل وجهك في بركة سلوام الذي تفسيره المرسل، فذهب وغسل وجهه وأتي بصيراَ،…. فسمع يسوع أنهم اخـرجـوه خارجـاً فـوجـده وقال له أتؤمن أنت بابن الله، أجاب ذاك وقال من هـو يا سيد لأؤمن به؟ فقال له يسوع انك تـراه وهـو الذي يكلمك فقال اؤمن يا رب وسجـد له”.
كما يحـذّر أيضاً من خطورة رفض نـور العهـد الجديـد ودينونة الـرب للـرافضين بـرّه الإلهي.
“فقال يسوع أتيت أنا دينونة للعالم حتى يبصر العميان ويعمي المبصرون”.
والعجيب أن الثلاثة أناجيل الأخيرة في الصوم لهم علاقة بالماء، لكن ماء السامرة وجرتها تركتها وراءها، وماء المخلّع كان يحتاج للتحريك والملاك، أما ماء المولود أعمي فهو ماء الشفاء بالكلمة والـروح أي ماء المعمودية باب خلاصنا.
- نري هنا شهادة المولود أعمي عن المسيح له المجد “إنه نبي” (يو٩: ١٧)، كما رأينا شهادة السامرية عنه “أرى أنك نبي” (يو٤: ١٩).
لكن أن نراه “إبن الله، المسيا” فهذا يحتاج لإعلان إلهي من إبن الله، لذلك أعلن المسيح له المجد للسامرية عن ذاته أنه المسيا (يو٤: ٢٦)، وأعلن للمولود أعمي عن ذاته أنه إبن الله (يو٩: ٣٧).
وهذا هو ما قاله الرب يسوع لبطرس عندما شهد للاهوته بأن لحماً ودماً لم يعلن لك لكن أبي الذي في السموات (مت١٦: ١٦- ١٧).
وهذا هو جوهر قراءات الصوم الكبير والبصخة المُقدَّسة في الكشف عن طبيعة الثالوث، وصلاحه، ومحبَّته، وبرّه، وقداسته.
وهو الكشف الذي يأتي من الآب بالإبن في الروح القدس كقول القديس أثناسيوس الرسولي، والقديس باسيليوس الكبير (كما هو مشروح بالتفصيل في فصل الرابط بين قراءات الصوم والبصخة والخمسين المُقدسة).
- ويقول رأي أن لقاء الرب يسوع مع المولود أعمي كان في أطراف البلد وبركة سلوم في الناحية الأخري من البلد ، ولكي يذهب المولود أعمي إلى بركة سلوام كان عليه أن يجتاز البلد كلها سائراً أمام كل سكانها، ولأن كل البلد كانت تعرفه فلعلَّ ذهابه أمامهم والطين علي عينيه كان مُثيراً للتساؤل من جانب بعض الناس: من وضع هذا الطين علي عينيك؟ ورُبَّما كان مُثيراً للسخرية من جانب آخر، ورُبَّما جانب ثالث من الناس حاول إثارة الشكوك: لماذا لم يشفيك بوضع يده عليك كما فعل مع آخرين؟.
لذلك كان في ذهاب المولود أعمي إلى بركة سلوام إعلاناً عن إيمانه بكلمة الرب يسوع أن يذهب ويغتسل في بركة سلوام
كما أنَّه بعد نواله الشفاء بإغتساله في البركة ورجوعه بصيراً أيضاً أمام كل سكان بلدته وسط دهشتهم وحيرتهم وإدراكهم لقوَّة الرب يسوع وقدرته على الخلق، ولعلَّ من كان يعرفه من أهل بلدته وسأله عرف من هو مصدر شفاؤه وبصيرته.
لذلك كان في رجوع المولود أعمي من بركة سلوام بعد شفاؤه إعلاناً عن شهادته للمسيح له المجد أمام كل أهل بلدته، والتي كلَّلها بعد ذلك بشهادته أمام الكتبة والفريسيين.
ملخّص القــراءات
مزمور عشية | تنقيّـة النفـس بالنار الإلهية لتعاينه على الـدوام. |
إنجيل عشية | كمال عمل الملك وكمال فـرص التـوبة. |
مزمور باكـر | الله كاشف أعماق النفس التي ترتضي بحقّه. |
إنجيل باكـر | الشهود الأمناء الذين سُفِكت دماؤهم من أجل شهادتهم للملكوت والشهود الكذبة الذين يغلقون الملكوت أمام الناس. |
البولس | خلع العتيق ولبس الجديد الرب يسوع. |
الكاثوليكون | البصيرة والإستنارة لمعرفة الإله الحقيقي. |
الإبركسيس | الفـرق بين إستنارة المؤمنين ودهاء الأشرار. |
مزمور القدّاس | كمال الإحتياج للحق الإلهي وحنين النفس لإشراقة وجه الإبن. |
إنجيل القـدًّاس | ابن الله يمنح الخليقة الجديدة والإستنارة للطبيعة البشرية العتيقة والمولـودة بالعمي خلال مياه المعمودية. |
الأنجيل في فكر آباء الكنيسة الأوائل[2]
“كما أن يسوع لم يتجاهل المولود أعمى أو يهمله، هكذا ينبغي أنْ نَفعَل نحن أيضا .” (القديس أمبروسيوس).
“لكن الخطية لم تكن هي ما تسبّبت في هذا العمى” (القديس أوغسطينوس), “ولا هو ارتكب أيّ ذنب، ولا أبواه.” (القديس يوحنا ذهبيّ الفم)
“هنا يعلن المسيح أنه هو والآب مستمرّان في عمل نفس الأعمال حيث أنه هكذا ينبغي أن نعرف أنه لا فرصةَ للعمل ولا وقت للإيمان أو التوبة بعد انتهاء حياتنا الأرضية.” (القديس يوحنا ذهبيّ الفم).
“أما نحن، ف ينبغي أَلّا ننشغل بالغيبيّات إذن، وبدلاً مِن ذلك نغتنم الوقت الذي وهبنا الله إياه حتى نكمل العمل بوصاياه” (القديس كيرلُّس السكندري), “لأن بعد القيامة سيأتي ظلام الليل على غير المؤمنين.” (القديس أوغسطينوس).
“يظلّ النور باقيًا في العالم طالما أن المسيح حاضر فيه.” (القديس أوغسطينوس).
“إشراقة النور التي للمسيح تمحو الظلمة.” (القديس يوحنا ذهبيّ الفم).
“بشفاء المولود أعمى يكمل يسوع عمله كخالق” (القديس إيريناؤس), “وقد اختار ذات اليوم الذي فيه أتمّ صنع الخليقة ليخلق خلْقًا جديدًا بردّ البصر.” (العلّامة أوريجانوس).
“بدلاً مِن الماء يَستخدِم يسوع لعاب فمه ، لكي يَعلَم كل أحد أن الشفاء لم يعطى بواسطة ماء البِركة، بلْ بواسطته هو؛ لكنه أيضًا قد طلب مِن الرجل أنْ يغتسل، حتى لا يظنّ أحد أن الطين الذي قد مزجه باللعاب هو الذي به تم الشفاء.” (القديس يوحنا ذهبيّ الفم).
“لقد حدث الشفاء الفعلي فيما كان يسوع بعيداً تمامًا عن بِركة سلوام، ما جعل كثيرين شهودًا على حدوث المعجزة.” (العلّامة أوريجانوس).
“ونحن أيضًا نستطيع أنْ نأتي إلى سلوام كمثال لحميم تجديدنا” (القديس إيريناؤس), “إذ نُشفى بماء المعمودية” (القديس أمبروسيوس), “عالِمين أن الشفاء بمياة المعمودية يتم بأمر الرب وبكلمته.” (مار إفرام).
“كجزء مِن الشفاء يسلك الرجل الطريق الطويل المؤدي إلى البِركة وعلى عينيه الطين، لتأكيد معاينة الناس لِمَا قد حدث.” (القديس يوحنا ذهبيّ الفم)
“الآنسان الأعمى قاد العميان” (مار إفرام), “إذ كان لم يزل يجهل مَن هو يسوع” (القديس كيرلُّس السكندري), “فقد روي ما حدث له على قدر علمه، ووصف المعجزة وصف الأعمى ليس إلّا.” (القديس يوحنا ذهبيّ الفم).
لكنه ” صار فيما بعد مبشراً للعميان.” (القديس أوغسطينوس).
“هاتان العينان اللتان فتحهما يسوع عندما بصق على الأرض ستكونان بعدئذ شاهدتين على عمى بصيرة العميان الذين بصقوا في وجهه.” (مار إفرام).
يقوم يسوع بمعجزة الشفاء هذه في يوم السبت في انتهاكٍ للشريعة اليهودية (القديس يوحنا ذهبي الفم).
على الرغم من هذا الفعل الذي يبدو في ظاهره انتهاكاً، إلا أن الإنسان الذي تم شفاؤه كان مصراً على إعلان أن سلطان هذا الشخص الشافي ليس باطلاً (القديس كيرلس الاسكندري)؛ في حين يبقى تركيز الفريسيين على كونه انتهاكاً. كان هناك حفظاً ماديا وروحيا للسبت، والذي يبدو أنهم لا يفهمونه (القديس أوغسطينوس).
على سبيل المثال، كانت هناك سابقة للعمل في يوم السبت في موقف يشوع وأريحا (القديس كيرلس الاسكندري).
في هذه المعجزة نري ان هناك تركيز كبير على ما إذا كان يسوع يستطيع أن يصنع هذه المعجزة في السبت بحيث تضيع روعة المعجزة في موجة الاتهامات (القديس يوحنا ذهبي الفم).
قدم الرجل الاعمي اعترافه بالإيمان في خضم النزاع، وهو اعتراف، رغم صحته، إلا أنه كان في هذه المرحلة لا يزال غير مكتمل (القديس أوغسطينوس).
أولئك الذين يشهدون المعجزة يحاولون إبطال النتائج من خلال استجواب الوالدين (القديس يوحنا ذهبي الفم). كما أن الوالدين، وإن كان ذلك عن دون قصد، يعرضون ابنهم للأذى (أوريجانوس) بحجة عدم وجود حاجة لهم للتحدث عنه بحجة انه كامل السن (القديس أوغسطينوس).
لكن لا داعي للخوف من الطرد من المجمع، فكل من طُرد ظلماً، يعيده المسيح (القديس أوغسطينوس). مع ذلك، يحاول الفريسيون إخفاء هجومهم تحت ستار الدين (القديس يوحنا ذهبي الفم) ولكن بدلاً من ذلك ينتهي بهم الأمر بالتجديف على الله (القديس أوغسطينوس).
لقد اظهر الرجل الأعمي شجاعة في الإيمان (القديس يوحنا ذهبي الفم). لم يعد الرجل الأعمى يحتمل عمى الآخرين (أوغسطينوس) ويثبت أنه أصبح بالفعل تلميذاً ليسوع (القديس كيرلس الاسكندري).
يقدم الفريسيون، بدورهم ، ثناءً غير مقصود في الاعتراف بتلمذته (القديس أوغسطينوس).
بغض النظر عن محاولاتهم الجاهدة لدحض ما حدث، تظل المعجزة دليلًا لا يقبل الجدل على سلطان يسوع (القديس يوحنا ذهبي الفم). وشهادة الرجل الذي كان أعمى تُظهر مدى ضعف حجة الفريسيين بالإضافة إلى بصيرتةالإيمانية (القديس كيرلس الاسكندري)
الكنيسة في قــراءات اليــوم
إنجيل عشيّة | الباب الضيّق وقبول الأمم. |
إنجيل باكر | الهيكل والمذبح. |
البولس | الصلاة بالمزامير في العبادة. |
الإبركسيس | الصوم. |
إنجيل القـدّاس | إبن الله الخالق والـديّـان. |
أفكـار مقتـرحـة للعظـات
“من أخطأ، أهذا أم أبواه لأنه ولد أعمي؟”
جـوهـر معاملات الله وغاية إرادته لنا.
- بينما كان تفكير كثير من اليهود وللأسف بعض المسيحيين إلى الآن أن كل ما يحـدث لنا في الحياة يرجع إلى خطايانا كبشر وما نأخذه أو ما نفقده يرجع سببه لشئ فينا.
- بينما يعلن الـرب أن ما يحدث لنا في حياتنا منذ ولادتنا إيجابي أو سلبي تتدّخل فيه يد الله لأجل أن يؤول في الآخر إلى مجـده فينا حتى أن ما يحدث نتيجة إرادتنا الحـرّة يحوّله الله لخيرنا.
“الذين يحبون الله يجعل الله كل شئ يعمل معهم للخير” (رو٨: ٢٨ حسب الترجمة القبطية).
فليست خطايانا أو إستحقاقاتنا مقياس عمله فينا بل تدبيره لأجل خلاصنا وكي ما يعلن مجـده فينا.
ما دمت في العالم فأنا نــور العالـم
أيـن نجـد نــور المسيح له المجــد ؟
- في كلمته المقـدّسة “سراج لـرجلي كلامك ونور لسبيلي” (مز119: 105)
- في توبتنا اليومية “استيقظ أيها النائم وقم من الأموات فيضئ لك المسيح” (أف ٥: ١٤)
- في المحبّة الأخـويّـة: “من يحب أخاه يثبت في النور وليس فيه عثرة” (١يو٢: ١٠).
- في اليقظة الدائمة والسهر الروحي “فلما استيقظوا رأوا مجـده” (لو٩: ٣٢).
- في معرفة الحق والشهادة له “ونعلم أن ابن الله قد جاء وأعطانا بصيرة لنعرف الحق ونحن في الحق في ابنه يسوع المسيح” (١يو٥: ٢٠).
عظـــات آبائية
أعظم صانع للعجائب – القديس كيرلس الأسكندري[3]
(يو٩: ٨-٩) “فالجيرانُ والذينَ كانوا يَرَوْنَهُ قَبلاً أنَّهُ كانَ أعمَى، قالوا: أليس هذا هو الذي كانَ يَجلِسُ ويَستَعطي؟، آخَرونَ قالوا: هذا هو. وآخَرونَ: إنَّهُ يُشبِهُهُ. وأمّا هو فقالَ: إنِّي أنا هو”.
من الصعب أن يصدق الإنسان مثل هذه العجائب الفائقة. والتي تتجاوز ما يعرفه الإنسان. وأيا كان المصدر الذي تأتي منه، فإن العقل يعجز عن إدراكها، ومن النادر أن تعامل بتقدير حينما تفرض قوتها المقنعة على عقول الناس.
ولأن محاولة فحص ما يتجاوز طاقة العقل تشير إلى وجود حالة من العقل ليست بعيدة عن الجنون، وإني أظن أن عدم إيمان البعض الذين كانوا قد عرفوا الرجل الأعمى قبلا. أثناء تردده على مفارق الطرق. دهشوا حينما رأوه. على غير توقع – قادرا أن ينظر الأشياء ببصر واضح. وانقسموا فيما بينهم،
فالبعض كانوا غير متأكدين مما حدث، والبعض الذين فكروا بعناية في عظمة العمل، يقولون إنه ليس هو نفس الرجل بل هو واحد يشبه ذلك الذي كانوا يعرفونه قبلاً. لأنه في الحقيقة ليس من الغريب أن عبر البعض عن هذا الرأي. فهؤلاء برفضهم للحقيقة كانوا مضطرين أمام عظمة المعجزة أن يكذبوها.
والبعض حفظوا أذهانهم نقية من الإعتراضات الصريحة، وفي توقير ومخافة يعترفون بالمعجزة ويقولون إنه هو نفس الرجل.
أما الذي قد حسم الأمر بسرعة، أن نطق عن نفسه بتصريحه الخاص، الجدير بكل تصديق، لأنه لا يجهل أحد ذاتيته الخاصة حتى ولو كان مريضا بالحمى.
لذلك فمن ناحية، رغم أن هذا العمل المعجزي لا يصدق. بسبب القوة الفائقة التي ظهرت فيه، فإن هذا العمل يشهد لمن عمله إنه أعظم صانع للعجائب.
الطبيب الحقيقي الذي يشفي مجانا – القديس مقاريوس الكبير[4]
ولقد أتى موسي ولكنه لم يقدر أن يعطي شفاءً كاملاً. والكهنة والعطايا والعشور والسبوت والأهلة والغسلات والذبائح والمحرقات وسائر متفرعات البر كانت تحفظ جميعها بالدقة تحت الناموس. ومع ذلك لم يمكن بهاء شفاء النفس وتطهيرها من الينبوع النجس أي ينبوع أفكار الخطية.
وكل بر النفس لم ينفع لشفاء الإنسان إلى أن أتى المخلص نفسه الطبيب الحقيقي الذي يشفي مجانأ فبذل نفسه فداءً لجنس البشر. فهو وحده صنع فداء النفس العظيم وخلاصها وشفاءها، وهو ذاته الذي حررها من العبودية واخرجها من الظلمة ممجدأ إياها بنوره الخاص. فهو حقأ جفف ينبوع الأفكار النجسة الذي كان فيها لأن الكتاب المقدس يقول: “هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم” (يو1: 29).
الدواء الوحيد:
لأن أدويتها التي كانت من الأرض يعني أفعالها البارة لم تقدر أن تعالجها وتشفيها من هذه الضربة العظيمة غير المنظورة بل يتم الشفاء بالطبيعة السماوية الإلهية التي لموهبة الروح القدس. فإنه بواسطة هذا الدواء فقط يمكن للإنسان أن يجد الشفاء و يحصل على الحياة اذ يتطهر في قلبه بالروح القدس. ولكن كما أن تلك المرأة، ولو أنها لم تكن قد شفيت وكان فيها مرضها لكنها جاءت بقدميها إلى الرب، وعند مجيئها نالت الشفاء.
وكما أن الأعمي أيضا الذي لم يقدر أن يمشي ليأتي إلى الرب، بسبب عماه، صرخ إليه صرخة شديدة وصل بها إلى الرب لأنه قال: “إرحمني يا إبن داود” (مز10: 47) وبإيمانه نال الشفاء، إذ أن الرب أتاه بنفسه، وجعله يبصر بوضوح.
كذلك النفس ولو إنها جُرحت بجروح الأهواء الفاسدة وعميت بظلمة الخطية فمع ذلك لا تزال فيها الإرادة أن تصرخ إلى يسوع و تناديه ليأتي ويصنع لها فداءً أبدياً.
ضرورة المجئ إلى المسيح بثقة الإيمان:
لأنه كما أن الأعمي لو لم يصرخ إلى الرب، والمرأة التي كان بها النزف الدموي لو لم تأتِ إليه لما وجدا الشفاء، كذلك الآن إن لم يأتِ الإنسان إلى الرب بإرادته وبكل نية قلبه ويطلب منه بثقة الإيمان التامة فلا يشفي أبداً.
فلماذا شفى هذان الاثنان للوقت بإيمانهما ونحن لم يعد إلينا بصرنا بالحقيقة ولم نُشفَ من أمراضنا الخفية؟ مع أن الرب يهتم ويعتني بالنفس غير المائتة أكثر من الجسد، لأنها إن انفتحت عينيها، كما يقول: “إفتح عيني” (مز119: 18) فلا تعمى أبداً فيما بعد. وإن شُفيت فلا تعود تنجرح أبداً فإنه إن كان الرب عند مجيئه على الأرض اعتنى بالأجساد الفاسدة، فكم بالحري يعتني بالنفس غير المائتة المصنوعة على شبهه؟ ولكن بسبب قلة إيماننا وإنقسام قلوبنا وعدم محبتنا له من كل القلب، وعدم إيماننا به حقيقة، لذلك لم نجد بعد الشفاء الروحي والخلاص.
فلنؤمن به إذن ولنأتِ إليه بالحقيقة لكي يتم فينا حالاً عمل الشفاء الحقيقي، لأنه وعد بأنه يُعطي للذين يسألونه روحه القدوس، ويفتح للذين يقرعون، وبأن الذين يطلبونه يجدونه. فالذي وعد لا يمكن أن يكذب. له المجد والقدرة إلى الأبد آمين.
إستنارة المعمودية – الشهيد كبريانوس[5]
إنني مثلك، ظننت مرة إنني كنت حرًا، مع إنني كنت أسيرًا، مقيدًا في ظلمةٍ روحيةٍ.
نعم كنت حرًا، أحيا كيفما أشاء. ولكنني كنت في فراغٍ إلى زمنٍ طويلٍ. كنت أبحث على الدوام عن شيءٍ أؤمن به. مع تظاهري بأنني واثق من نفسي، كنت كموجةٍ تلطمها الريح. كنت أيضًا أنجذب إلى كل أمور هذه الحياة معتزًا بالممتلكات والسلطة. بينما كنت أعرف في قلبي أن كل هذه الأمور ليست إلا كفقاعةٍ على البحر، تظهر الآن ثم تتفجر لتزول إلي الأبد. مع تظاهري باليقين الخارجي، كنت أعرف أنني مجرد تائه في الحياة، ليس لي خطة أسلكها، ولا مسكن تستقر فيه نفسي.
يمكنك أن ترى إنني لم أعرف شيئًا عن الحياة الحقيقية، الحياة الجديدة المقدمة لنا من فوق. لأنني كنت أبحث عن الحق خلال خبراتي الذاتية، معتمدًا على طرق منطقي الذاتي، لذا بقي الحق مراوغًا. وإذ اعتمدت على فهمي الخاص، كان نور الحضرة الحقيقية لله مجرد إشراقة بعيدة.
سمعت أن رجالًا ونساءً يمكنهم أن يُولدوا من جديد، وأن الله نفسه أعلن طريق تحقيق هذا الميلاد الجديد بالنسبة لنا، وذلك لمحبته للخليقة التائهة مثلي.
في البداية ظننت أن هذا مستحيل. كيف يمكن لشخص مثلي عالمي وعنيف أن يتغير ويصير خليقة جديدة؟ كيف يمكن لمن هو مثلي أن يعبر من تحت المياه ويعلن أنه قد وُلد من جديد؟ هذا بالنسبة لي أمر غير معقول، أن أبقى كما أنا جسمانيًا، بينما يتغير صُلب كياني ذاته، وأصير كأنني إنسان جديد.
لم أرد أن أترك عدم إيماني، ومقاومتي لهذه الفكرة بأنني أولد من فوق. لقد اعترضت: نحن من لحمٍ ودمٍ، مسالكنا طبيعية، غريزية، مغروسة بحق في أجسامنا. إننا بالطبيعة نقدم أنفسنا على الغير، ونسيطر ونتحكم ونصارع لكي نغلب الآخرين مهما كانت التكلفة. توجد بعد ذلك عادات اقتنيناها حتى وإن كانت تضرنا، صارت هذه العادات جزًء منا، كأنها أجسامنا وعظامنا. كيف يُمكن لشخصٍ أحب الشرب والولائم أن يصير ضابطًا لنفسه ومعتدلًا؟ كيف يمكنك أن تستيقظ صباحًا ما وبمسرةٍ ترتدي ثوبًا بسيطًا وقد اعتدت علي الملابس الفاخرة وما تجلبه من الأنظار والتعليقات؟ كيف يمكنك أن تحيا ككائنٍ متواضعٍ بينما قد نلت كرامة في أعين الجماعة…؟
هكذا كان تفكيري الطبيعي، إذ كنت في عبودية لأخطاء لا حصر لها تسكن في جسدي. بالحقيقة يئست من إمكانية التغيير. فقد تكون تلك العادات ضارة لي، لكنها كانت جزءً مني. لذلك كان التغير مستحيلًا، فلماذا أصارع؟ فإنني كنت أشبع رغباتي بتدليلٍ.
ولكن… في يومٍ أخذت خطوة وحيدة بسيطة وضرورية متجهًا نحو الله. تواضعت أمامه وكطفل قلت: “أؤمن”. نزلت تحت المياه المباركة… فغسلت مياه الروح الداخلية وسخ الماضي، وكأن بقعة قذرة قد أُزيلت من كتانٍ فاخرٍ، بل وحدث ما هو أكثر.
أشرق نور عليَّ كما من فوق. اغتسلت في سلامٍ لطيفٍ. تطهرت في الحال. قلبي المظلم يتشبع بحضرته، وعرفت… عرفت… أن الحاجز الروحي القائم بيني وبين الله قد زال. تصالح قلبي وقلبه. أدركت الروح، نسمة الآب، قد حلّ فيَّ من هو فوق هذا العالم. وفي تلك اللحظة صرت إنسانًا جديدًا.
منذ ذلك الحين وأنا أنمو في معرفة كيف أحيا بطريقٍ ينعش حياتي الجديدة المعطاة لي ويعينها. ما كنت أتشكك فيه صار لازمًا أن أتعامل معه بكونه الحق واليقين. ما كنت
أخفيه يلزم أن يخرج إلي النور. بهذا ما كنت أسيء فهمه بخصوص الله والعالم الروحي بدأ يصير واضحًا.
وأما عن عاداتي الخاصة بإنساني القديم، فقد تعلمت حسنًا كيف تتغير… حيث تُعاد خلقة هذا الجسد الأرضي بواسطة الله. في كل يوم أنمو علي الدوام، صرت أكثر قوة، وحيوية في روح القداسة.
الآن أخبرك ببساطة الخطوة الأولي في طريق الروح: قف أمام الله كل يومٍ بوقارٍ مقدسٍ، كطفلٍ بريءٍ ثق فيه. هذا الاتجاه يحمي نفسك. يحفظك من أن تصير مثل الذين ظنوا أنهم متأكدون أنهم يخلصون، فصاروا مهملين. بهذا فإن عدونا القديم، الذي يتربص دومًا، أسرهم من جديد.
لتبدأ اليوم أن تسير في طريق البراءة، الذي هو طريق الحياة المستقيمة أمام الله والإنسان. لتسر بخطوة ثابتة. أقصد بهذا أنك تعتمد علي الله بكل قلبك وقوتك.
ألا تشعر به، الآب، إذ هو موجود حولك؟ إنه يود أن يفيض عليك… فقط اذهب إليه وأنت متعطش للحياة الجديدة… افتح الآن نفسك واختبر نعمته، التي هي الحرية والحب والقوة، تنسكب عليك من أعلى، تملأك وتفيض.
افتح نفسك أمامه الآن، هذا الذي هو أبوك وخالقك. كن مستعدًا أن تنال الحياة الجديدة وتمتلئ بها… هذه التي هي الله نفسه.
معجزة شفاء المولود أعمي – عند القديس يوحنا ذهبي الفم[6]
“وفيما هو مجتازٌ رأى إنساناً أعمى منذ ولادته. فسأله تلاميذه يا مُعلم مَن أخطأ هذا أم أبواه حتى وُلِدَ أعمى؟” (يو9: 1ـ 2)
“وفيما هو مجتاز رأى إنساناً أعمى منذ ولادته”.
فلأنه محبٌ جداً للبشر، ويعتني دائماً بخلاصنا، وقد أراد أن يغلق أفواه الرعاع، لا يفوته أن يصنع ما يليق به أن يصنعه حتى ولو لم ينتبه المرء إلى وجوده. وهذا ما كان يعرفه جيداً النبي حين قال: “لكي تتبرر في أقوالك، وتزكو في فضائلك” (مز51: 4). لأجل ذلك، ولأنهم لم يقبلوا المفاهيم السامية لأقواله، بل وصفوه بأن به شيطاناً، بل وشرعوا في قتله حين خرج من الهيكل (راجع يو8: 58)، فعندما شفىَ الأعمى، سكَّن غضبهم بغيابه؛ لأنه
انصرف بعد ذلك، وبصنعه للمعجزة ليَّن قساوتهم وجحودهم، وجعلهم مؤمنين بكلامه.
والمعجزة التي صنعها لم تكن وليدة الصدفة، وإن كانت وقتذاك قد حدثت لأول مرة. فكما هو مكتوب “منذ الدهر لم يُسمع أنَّ أحدًا فتَّح عيني مولودٍ أعمى” (يو9: 32). فهل فتَّح شخصٌ ـ حتذاك ـ عيونَ مولود أعمى؟ ليس بعد. فإذ خرج من الهيكل أتى عن قصدٍ، ليصنع معجزةً صارت ظاهرةً كالآتي: لقد رأى المسيحُ الأعمى، في الوقت الذي لم يكن الأعمى قد تحرَّك نحوه. لكن المسيحَ رمقه بنظرةٍ أثارت انتباه التلاميذ، الأمر الذي دعاهم إلى أن يسألوا المسيح، إذ لاحظوا أنه ينظر إليه باهتمام، قائلين: “يا معلِّم مَن أخطأ هذا أم أبواه حتى وُلِدَ أعمى؟”.
لا شك أن هذا السؤال، سؤالٌ خاطئ؛ لأنه كيف يمكن له أن يخطئ قبل أن يُولد؟ ولماذا يعاقَب هو إذا كان والداه قد أخطأَ؟
إذن، لماذا سأله التلاميذ هذا السؤال؟
قبل أن يصنع المسيح هذه المعجزة، كان قد شفى المشلول (مريض بركة حسدا)، وكان قد قال له: “ها أنت قد برئت فلا تعد تخطئ” (يو5: 14). إذن فقد أدرك التلاميذ أن المشلول كان قد صار مريضاً هكذا بسبب خطاياه، فكأن لسان حالهم يقول له: إذا كان هذا المشلول قد صار مريضًا هكذا بسبب خطاياه، ماذا عن هذا المولود أعمى، هل أخطأ أيضًا؟
إذا كان هذا يصح بالنسبة للمشلول، لكنك في هذه الحالة لا تستطيع أن تقول نفس الأمر؛ لأنه مولودٌ أعمى منذ ولادته. إذن، هل أخطآ والداه؟ ولا هذا أيضًا؛ لأن الطفل لا يُعاقَب لأجل خطايا أبيه. إذا رأى أحدكم طفلاً ما، كان في حالة مزرية، فماذا يمكنه أن يقول عن هذا الطفل؟ هل يسأل عما فعله هذا الطفل؟ أبداً، وإنما دون أن ندخل في تفاصيل، نحن نعبِّر بكل ما نقوله عن حيرتنا. هكذا التلاميذ لم يقولوا هذا الكلام في صيغة سؤال يحتاج إلى إجابة، لكن تعبيرًا عن حيرتهم.
ماذا أجاب المسيح؟ “لا هذا أخطأ ولا أبواه” (يو9: 3). ولأنهم لم يقولوا ببساطة “هل هذا أخطأ أم أبواه؟”، وإنما أضافوا “حتى وُلِدَ أعمى”، لم يقل أنا أخلصهم من خطاياهم لكي يتمجد ابن الله؛ فقد أخطأ هذا ـ بالتأكيد ـ بل وأبواه أيضًا، لكن العمى لم ينتج عن هذا السبب. وهو لم يقل هذه الأقوال لكي يُظهر هذا، أي لكي يُظهر أن هذا لم يُصَب بالعمى من جراء هذا السبب، بينما آخرون أصابهم العمى نتيجة خطايا والديهم، طالما انتهينا إلى أنه لا يمكن أن يخطئ أحدٌ ويعاقب الآخر؛ لأننا لو قبلنا هذا، سنكون ملزمين بالضرورة
أن نقبل الفرضية الأخرى، أي أنه أخطأ قبل أن يُولَد.
إذن، عندما قال: “لا هذا أخطأ”، لم يكن يقصد إمكانية أن يخطئ قبل ولادته، وهو لذلك يُعاقَب. ويسرى هذا أيضاً على قوله: “ولا أبواه”، فهو أيضًا لا يقصد أنه يمكن أن يعاقَب بسبب أبويه، خصوصًا وقد أُلغيَ هذا الأمر بواسطة حزقيال النبي “ما لكم أنتم تضربون هذا المثل على أرض إسرائيل قائلين الآباء أكلوا الحصرم وأسنان الأبناء ضرست. حيّ أنا يقول السيد الرب لا يكون لكم من بعد أن تضربوا هذا المثل في إسرائيل” (حز18: 2ـ3). وموسى يقول: “لا يُقتل الآباء عن الأولاد ولا يُقتل الأولاد عن الآباء” (تث24: 16). وعن ملكٍ (أمصيا بن يوآش ملك يهوذا) قيل: “إنه لم يقتل أبناء القاتلين حسب ما هو مكتوب في سفر شريعة موسى” (2مل14: 6).
فإذا قال أحدكم كيف إذن قيل: “أفتقد ذنوب الآباء في الأبناء وفي الجيل الثالث والرابع من الذين يبغضونني” (تث5: 9)، يمكننا أنْ نقول إنَّ هذا القرار لم يُقَل للكل، لكن لأولئك الذين خرجوا من مصر. وكان بقصد الآتي: لأن هؤلاء الذين خرجوا من مصر قد صاروا ـ بعد أن رأوا علامات ومعجزات ـ أسوأ من أجدادهم الذين لم يروا أيًا من هذه العلامات أو المعجزات، فإنهم يعانون نفس الآلام التي عاناها أولئك لأنهم صنعوا نفس الأخطاء. أمَّا كون أن هذه الأقوال قد قيلت لأولئك، فيمكن للمرء أن يتحقق منه إذا راجع مقطع الكتاب بدقة.
إذن، ما هو سبب ولادته أعمى؟ “لتظهر أعمال الله فيه (مجد الله)”. تواجهنا هنا أيضاً حيرة أخرى! ألا يمكن أن تظهر أعمال الله (مجد الله) دون عقاب هذا؟ هو بالتأكيد لم يقل إن هذا ممكنًا، لكن لكي “يظهر في هذا”. ماذا! هل ظُلِم إذن لأجل مجد الله؟ عن أي ظُلمٍ تتكلم؟ أخبرني؛ فلو كان قد أراد أن يظلمه، ما كان قد جاء به للحياة. لكني أقول: لقد أقامه من العمى بما أنه رآه بالأعين الداخلية.
وهذا ما يجعله مختلفًا عن اليهود، لأنه ما الفائدة التي عادت على اليهود وقد كانت لهم أعينًا جسديةً؟ لقد عوقبوا بالأسوأ لأن أعينهم الداخلية كانت قد صارت عمياء. أيٌ ضررٍ إذن، أصاب المولود أعمى، وقد أبصر رغم عماه؟ إن شرور الحياة الطبيعية لا تحتسب من قبيل الشرور، هكذا أيضًا الصالحات ليست صالحات، فالشر هو فقط الخطية، بينما العمى ليس شرًا. فالله الذي جاء به إلى الحياة من اللا وجود، أي من العدم، كان يمكن أن يتركه هكذا.
ويقول البعض إنهم لا يرون في تعبير “لتظهر أعمال الله فيه (مجد الله)” أي تبرير سببي يفسِّر حالة المولود أعمى، بقدر ما يُعبِّر عن النتيجة، وذلك قياسًا على ما قاله المسيح: “لدينونة أتيت أنا إلى هذا العالم حتى يبصر الذين لا يبصرون، ويعمى الذين يبصرون” (يو9: 39). فالمسيح لم يأتي بالتأكيد لهذا السبب، أي لكي يبصر العميان أو يعمى المبصرون. وأيضًا مثلما يقول القديس بولس الرسول: “إذ معرفة الله ظاهرة فيهم؛ لأن الله أظهرها لهم. لأن أموره غير المنظورة تُرى منذ خلق العالم… حتى أنهم بلا عذر” (رو 1: 19-20)، فبالرغم من أنه لم يكشف عن ذاته لهؤلاء، لأجل هذا السبب، أي لكي لا يجدوا ما يدافعون به عن أنفسهم، بل العكس. وفي موضع آخر أيضًا يقول: “وأمَّا الناموس فدخل لكي تكثر الخطية” (رو5: 20)، فالناموس لم يدخل في حياة البشر لهذا السبب، بل لكي يعيق الخطية.
هل رأيت أن التحديد في كل الحالات السابقة، إنما يُؤكد على النتيجة؟ فهو هنا مثل بنَّاءٍ ماهر، بنى جزءًا من البيت، أمَّا الجزء الآخر فقد تركه ناقصًا، حتى إذا ما أكمل البناء أمام أعينهم، يتأكدون من إتقانه لفن البناء، وإنه هو مَن بنى البيت، وبذلك يقدم دليلاً ضد هؤلاء الذين لا يؤمنون بكل عمله. فهكذا، مثل مسكنٍ على وشك السقوط، يُرمم الله جسدنا ويكمِّله: يشفي اليد اليابسة، يعطي حياةً للأعضاء المشلولة، يشفي العُرج، يطهِّر البُرَّص، يشفي المرضى، يجعل المشلولين معافين (أصحاء)، يعيد الحياة للأموات، يفتِّح أعين العميان، يمنح عيونًا لأولئك الذين لم يكن لديهم، لقد قوَّم كل هذه العيوب، والنواقص التي كانت، والأمراض التي أصابت الطبيعة البشرية، وبذلك أظهر قوته.
قال: “لتظهر أعمال الله فيه (مجد الله)”، وهو هنا يقصد ذاته لا الآب؛ لأن مجد ذاك كان ظاهرًا. إذن، بما أنهم سمعوا أن الله خلق الإنسان عندما أخذ من طين الأرض، لذلك خلق المسيح ـ بنفس الطريقة ـ أعين الأعمى، وكأنه يقول: أنا هو الذي أخذ من تراب الأرض، وخلق الإنسان، وهنا بدا وكأنه كدَّر صفو سامعيه، فاكتفى بما سببه لهم من إزعاج.
إذن، فقد أخذ المسيح من تراب الأرض ومزجه بالتُفل، وأظهر بفعله هذا مجده المستتر؛ لأنه لم يكن شيئًا هيِّنًا أن يُرى على أنه خالق الخليقة. ولم يقتصر الأمر على هذا العمل، بل تتابعت أمورٌ أخرى صار بها الجميع مؤمنين؛ لأن الإيمان بعمله الأعظم، يؤكِّد قدرته على فعل الأصغر. وبما أن الإنسان هو أثمن من كل كائنات الخليقة، والأعين هي أثمن أعضاء الجسد، لذلك أعطى النور للعين ليس هكذا ببساطة، لكن بذات طريقة الخلق؛ لأن العين، بالرغم من أنها عضوٌ صغير في الحجم، إلاَّ أنها العضو الأكثر استخدامًا من كل أعضاء الجسد، وهذا ما أعلنه بولس حين قال: “وإن قالت الأذن لأني لست عينًا لست من الجسد. أفلم تكن لذلك من الجسد” (1كو12: 16)؛ فإن كانت كل أعضاء جسدنا برهانًا لحكمة الله، فبالأكثر جدًا تكون العين، طالما أنها تحكم كل الجسد، فهي تمنح الجمال لكل الجسد، وتزين الوجه. إنها مصباحٌ لكل الأعضاء؛ لأن العين للجسد، مثل الشمس للمسكونة. فإذا أطفأت الشمس، فالكل يهلك ويتغير مسار الكل. هكذا لو أطفأت الأعين، فلا الأرجل تُستخدم، ولا الأيدي، بل ولا أعضاء النفس أيضًا؛ لأننا إذا كنا نعرف الله عن طريق أعضاء النفس، فإننا ـ إن لم نستخدم هذه الأعضاء ـ نفقد القدرة على هذه المعرفة “لأن أموره غير المنظورة تُرى منذ خلق العالم مُدركة بالمصنوعات قدرته السرمدية ولاهوته حتى أنهم بلا عذر” (رو1: 20). وبالتالي ليست العين هي فقط، مصباحٌ للجسد، لكن هي أكثر أعضاء الجسد مصباحٌ للنفس أيضًا، لذلك وُضِعَت في مكانٍ ملوكي في أعلى جزء من الجسد، وتُشرف على كل الحواس. هذه العينُ إذن، خلقها.
ولكي لا تظن أنه كان في احتياج إلى المادة عندما خلق، ولكي تعلم أنه حتى لم يكن يحتاج إلى الطين منذ البداية؛ جاء للوجود بما هو أكثر من الجسد، أي بالجوهر الأكثر أهمية (أي النفس)، والذي لم يكن موجودًا، والذي بالأكثر جدًا خلقه دون احتياج للمادة. إذن، عليك أن تعلم أنه لم يفعل هذا الأمر عن احتياج، لكن لكي يُعلِّم الناس أنه الخالق الأول (للخلق الأول)، مسح الطين على العينين. وقال “أذهب وأغتسل”: لكي تعرف أنه ليس لي احتياج للطين لكي أُفتِّح الأعين، بل لكي يظهر مجدي بفعلي هذا.
وكونه يتحدثُ عن ذاته، يصير واضحًا من أنه بعد أن قال :”لكي تظهر أعمال الله فيه”، أضاف “ينبغي أن أعمل أعمال الذي أرسلني ما دام نهار” (يو9: 4). بمعنى أنه ينبغي عليَّ أن أُظهر ذاتي، وأن أعمل تلك الأعمال التي يمكن أن تبرهن على أنني أعمل نفس الأعمال مع الآب، ليست الأعمال الشبيهة، بل نفسها، الأمر الذي يُظهر بدرجة عظيمة أن أعماله هي ذات أعمال الآب، ولا تختلف عنها إطلاقًا. مَن إذن، يمكنه أن يشك في إنني أراه يستطيع أن يعمل نفس الأعمال مع الآب؟ لأنه لم يخلق فقط الأعين، ولا فتَّحها فقط، بل منحها البصر، الأمر الذي يعني أنه نفخ نفسًا في العين التي لم تكن تبصر، فبالرغم من أنها كانت موجودة شكليًا إلاَّ أنها لم تكن تبصر إطلاقًا، وهكذا منحها قوة الحياة، وزوَّد العضو بكل شيء، شريان وأعصاب وأوردة ودم وكل الأشياء الأخرى التي تتكون منها أجسادنا.
“ينبغي أن أعمل ما دام نهارٌ”.
ما الذي يمكن أن نفهمه من هذه الأقوال؟ وما هي أهميتها؟ أهميتها شديدة على كل الأحوال. وتتبدى هذه الأهمية كالآتي: “مادام نهارٌ” فيه يستطيع الناس أن يؤمنوا بى، وتكون فيه الحياة مستمرة، إذن ينبغي أن أعمل.
“يأتي ليلٌ”، أي الدهر الآتي “حين لا يستطيع أحدٌ أن يعمل”. لم يقل حيث أنا لا أستطيع أن أعمل، بل “حين لا يستطيع أحدٌ أن يعمل”، أي في الوقت الذي لا يكون فيه الإيمان متاحًا، ولا الأتعاب ولا التوبة. أمَّا كون أن الإيمان يُدعىَ عملاً، فهذا ما نفهمه من السؤال الآتي: “ماذا نفعل حتى نعمل أعمال الله” (يو6: 28)، أجاب: “هذا هو عمل الله أن تؤمنوا بالذي هو أرسله” (يو6: 29). إذن، كيف لا يمكن لأحد أن يأتي هذا العمل حين ذاك؟ لأنه ـ حينذاك ـ لا يكون الإيمان مطروحًا كعملٍ يمكن أن يأتيه أحد، بل ـ فقط ـ يسمع الكل سواء أرادوا أم لم يريدوا.
ولكي لا يقول أحدٌ: إنني أعمل هذا من أجل محبة المجد، يُظهر هو (أي المسيح) أنه يعمل كل الأعمال لعنايته بهؤلاء الذين لهم المقدرة ـ فقط ـ هنا على الأرض أن يؤمنوا، ولا يستطيعون هناك أن يجنون أية فائدة. لذلك لا يجب علينا أن نرفض الإيمان هنا على الأرض، بل نتمثل بالأعمى.
فقد كان مستحقًا للشفاء، لأنه لو كان يبصر، لكان قد آمن، وكان قد أتى، وما كان قد بدا وكأنه غير مبالٍ، حتى لو كان قد سمع من مجرد شخصٍ كان هناك، ويظهر هذا واضحًا من رجولته وإيمانه، لأنه كان يمكن أن يفكر في نفسه ويقول: ما أهمية هذا في آخر الأمر؟ لقد صنع طينًا ومسح به عينيَّ، ثم قال لي: “اذهب واغتسل”، فإذا لم يكن يمكنه أن يشفي، لماذا بعد هذا يرسلني إلى بركة سلوام؟
لقد سبق له أن اغتسل مرات كثيرة مع آخرين كثيرين، ولم يجني أية فائدة. إن كان لدى أحدٌ قوةً، يمكنه أن يشفي للتو. وذلك مثلما قال أليشع لنعمان، الذي إذ كان قد أخذ أمرًا بالاغتسال في الأردن، تردد، رغم أن أليشع كان يتمتع في الوقت بسمعة طيبة (راجع 2مل5: 10-11). لكن الأعمى لم يتردد، ولا تشكك، ولا فكَّر في داخله: ما أهمية هذا في آخر الأمر؟ أكان يجب أن يمسح عينيَّ بالطين؟ إن هذا يعمي بالأكثر. مَن أبصر بواسطة هذه الطريقة من قبل؟ لم يفكر بكل هذا. هل رأيت إيمانًا ثابتًا واستعدادا راسخًا مثل هذا؟.
“يأتي ليلٌ” يعني بهذا إن عنايته بالفُجَّار سوف تستمر بعد صلبه، وسوف يرجع كثيرون إلى الإيمان؛ لأنه ما زال نهار. بعد هذا يبعدهم تمامًا فى الدهر الآتى إذا رفضوا الإيمان وهم فى الحياة الحاضرة.
وأريد أن ألفت نظركم لهذا: إذا كان قد قال: “ما دمت في العالم، فأنا نور العالم”، وقال لآخرين: “مادام لكم النور آمنوا بالنور لتصيروا أبناء النور” (يو12: 36)، فلماذا يسمي بولس الحياة الحاضرة ليلًا، أو اليوم الآتي؟ لا يتعارض هذا مع ما قاله المسيح، فهو هنا يقول نفس القول، وإن لم يكن بذات الألفاظ، فبنفس المفهوم. فعندما يقول: “قد تناهى الليل وتقارب النهار” (رو13: 12)، فهو يعني أن الحياة الحاضرة تُدعى ليلاً بالنسبة لأولئك الجالسين في الظلمة، فهو هنا يقارن الليل بالنهار. وبينما يدعو المسيحُ الحياةَ الآتية ليلاً لأنها تخلو من مغفرة الخطايا، يدعوها بولس ليلاً من أجل هؤلاء العائشون في الظلمة، والذين يحيون في الظلمة وعدم الإيمان. ولكنه حين يتوجه بكلامه ناحية المؤمنين يقول: “قد تناهى الليل وتقارب النهار”، وذلك لأنهم سيستمتعون بذلك النور. وهو يدعو الحياة القديمة ليلاً؛ لأنه يقول: “فلنخلع أعمال الظلمة ونلبس أسلحة النور” (رو13: 12).
هل رأيت بأي معنى يقول لأولئك أنه ليلٌ؟ لذلك وبنفس الطريقة يقول لنا: “لنسلك بلياقة كما في نهار” (رو13:13)، لكي نستمتع نحن بذلك النور. ويمكننا أن نعرف مدى جمال هذا النور إذا تأملنا عظمة نور الشمس قياسًا بنور مصباح، فكم بالأكثر جدًا يكون النور الإلهي أعظم من نور الشمس؟ ولكي يعلن هذا قال: “تظلَّم الشمس” (مت24: 29)، بمعنى أنه بسبب ذلك البهاء الوفير لا يمكن للشمس أن تظهر.
وإن كنا نستدين أمولاً لا تحصى من أجل أن نبني بيوتًا منيرةً وجيدة التهوية ونبذل مجهودًا كبيرًا من أجل هذا الأمر، فعلينا إذن أن نفكر فيما يمكن أن نقدمه من أتعاب كي نبني بيتًا بهيًا في ملكوت السموات، حيث يوجد النور الذي لا يوصف. وبينما تنشأ هنا المعارك والمشاحنات من أجل الحدود والحوائط، لا يوجد هناك شيء من مثل هذا، فلا حسد، ولا التفوه بكلام سيئ، ولا يتعارك معنا أحد لأجل حدود الممتلكات. وإذا كنا سوف نترك هذا البيت مجبرين على أية حال، لكننا دائمًا ما نكون في مسكننا السماوي هناك. هنا هذا البيت ـ بمرور الزمن ـ ينهار ويعاني من آلاف الأضرار، بينما ذاك (السماوي) يبقى في غير فساد إلى الأبد، وهذا البيت (هنا) لا يستطيع الفقير أن يبنيه، بينما ذاك يمكن أن يبنيه بفلسين مثل الأرملة. لذلك نحزن حزنًا فائقًا؛ لأنه، بالرغم من أنه توجد خيرات كثيرة أمامنا إلاَّ أننا نتكاسل ولا نبالي، وبينما نبذل أقصى جهد لكي يكون لدينا بيتًا بهيًا
هنا، لا نبالي ولا نهتم ولا ننشغل بالحصول على مسكن في السماويات حتى لو كان مجرد خيمة صغيرة.
اخبرني إذن، أين تريد أن تأخذ مسكنًا هنا؟ أفي الصحراء أم في مدينة من المدن الصغيرة؟ أنا لا أعتقد في هذا، لكن أظن أنك ـ على الأقل ـ تريد أن تأخذ في المدن الملكية والعظيمة حيث يوجد بالأكثر تجارةً وغنىً عظيمًا. لكن أنا أقودك إلى مدينة مثل هذه التي صانعها وبارئها هو الله. هناك ـ من فضلك ـ سوف تبني مبنىً بأموال قليلة وبأقل تعب؛ لأن ذلك المسكن تبنيه أيدي الفقراء، قبل كل شيء. أمَّا ما يحدث الآن، فهو أمثلة للجنون الفظيع. شخصٌ يقتادك إلى أرض فارسية، ويشير عليك أن تبني مسكنًا هناك، ألست تظهر حماقة سيئة بالبناء في أرض غريبة، فضلًا عن أن ذلك يجعلك تقترض بلا هدف؟ كيف إذن تفعل هذا الأمر في الأرض التي سوف تهجرها بعد قليل؟ قد تقول سوف أتركه لأولادي من بعدي. لكن حتى أولئك الأولاد بعد قليل من بعدك سوف يهجرونه، وقد يحدث ذلك قبلك، وبعدها أنت بقليل، وهذا الأمر يحدث بسبب الإحباط عندما لا ترى ورثتك يسكنونه.
لكن هناك في السماء لا يحدث مثل هذا الأمر على الإطلاق، فلا تخف، بل يبقى ثابتًا هذا الذي تناله لك ولأولادك ولأحفادك إذا عاشوا نفس الفضيلة. هذا المسكن يبنيه المسيح. هذا المسكن ليس ضروريًا أن تعيِّن مشرفين عليه، ولا تحمل همه ولا تعتني به؛ لأنه عندما يأخذ الله على عاتقه هذا الأمر فما هي ضرورة الاهتمام؟ ذاك الذي يجمع الكل ويبني المسكن. وليس هذا فقط ما يثير إعجابك، لأن الله هكذا يبنيه، كما تريد وكما يعجبك؛ فهو فنان عظيم يعتنى ويحرص جدًا على مصلحتك. وإذا كنت فقيرًا وتريد أن تبني هذا المسكن فلا أحد يحسدك، ولا يتفوه بكلام سيئ عليك لأن لا أحد يراه من أولئك الذين يحسدون، لكن الملائكة التي تعرف أن تفرح معك لحصولك على هذه الخيرات. لا أحد يستطيع أن يتسلط عليه؛ لأن لا أحد يسكن بالقرب منه مِن هؤلاء الذين يعانون من مثل تلك الأمراض. جيرانك هناك هم القديسون، بولس وبطرس وكل الأنبياء والشهداء، حشد الملائكة ورؤساء الملائكة.
حسنًا، إذن، تعالوا نقدم كل ما لدينا من موجودات في هذه الحياة للفقراء لكي نفوز بتلك الخيام التي نتمنى أن يفوز بها جميعنا بنعمة محب البشر ربنا يسوع المسيح له المجد مع الآب والروح القدس إلى أبد الآبدين آمين.
“قالَ هذا وتفَلَ علَى الأرضِ وصَنَعَ مِنَ التُّفلِ طينًا وطَلَى بالطِّينِ عَينَيِ الأعمَى. وقالَ لهُ: اذهَبِ اغتَسِلْ في بركَةِ سِلوامَ” (يو9: 6 – 7).
هؤلاء الذين يحصلون على فائدة ما من القراءات يجب ألاَّ يبتعدوا ولو قليلاً جدًا عن ما قيل؛ لأنه لأجل هذا أخذنا على عاتقنا وصية تفسير الكتب المقدسة؛ لأن أغلبية الكتب، بالرغم من أنها مفهومة مباشرةً، إلاَّ أنها تحتوي على مفاهيم كثيرة مستترة في الأعماق.
انتبه إذن، ما هو مفهوم هذا المقطع من الإنجيل؟
فهو يقول: “قال هذا وتفل” ما هذا الذي قاله؟ لقد قال: “لكي تَظهَرَ أعمالُ اللهِ فيهِ” (يو9: 3)، و”يجب أنْ أعمل أعمال الذي أرسلني” (يو9: 4). لكن الإنجيلي لم يذكر لنا ذلك ببساطة أو كيفما اتفق، بل أضاف “وتفل”، لكي يعلن لنا أن المسيح يؤكَّد أقواله بأعماله. ولماذا لم يستخدم ماءً على التراب، بل تَفَلَ؟ لأنه، بما أنه سوف يرسله إلى بركة سلوام ليغتسل، فقد يعتقد البعض أن قوة الشفاء تكمن في النبع. لكن لكي تعلم أن القوة التي خرجت من فمه هي القوة التي خلقت الأعين وفتَّحتها، تَفَل إلى أسفل. وهذا ما قصد الإنجيلي أن يعلنه، ولذلك قال: “وصنع من التُفل طينًا”. ولكي لا يبدو أن الأرض (الطين) هي مصدر هذا الإنجاز، أعطى أمرًا أن يغتسل.
فلماذا لم يفعل هكذا ابتداءً، بل أرسله إلى بركة سلوام؟
لأنه أراد أن يكشف مدى إيمان الأعمى، وبالتالي يغلق الطريق على جحود اليهود؛ لأنه كان من الطبيعي أن يراه الكل آتيًا وعينيه ممسوحةً (مطليةً) بالطين؛ وبهذا التناقض يجذب ناحيته كل الأنظار، الذين يعرفونه والذين لا يعرفونه. هؤلاء سوف يضعونه تحت أعينهم، وفي بؤرة اهتمامهم؛ لأنه، وبسبب أنه ليس من السهل أن يؤمن أحدٌ أنه فتَّح عيني مولود أعمى، جعلهم ـ بواسطة انجذاب الكثيرين لغرابة الموقف – مسبقًا، شهودًا كثيرين، وشهود عيان للموقف المتباين، حتى يصيروا منتبهين بالأكثر لكي لا يشكون فيه ويقولون “هذا هو، ليس هو”. كما أنه لم يرد أن يُظهر ذلك الأعمى وكأنه غريب عن الناموس والعهد القديم، أرسله إلى بركة سلوام.
وكان من الممكن للأعمى أن يتساءل عن طبيعة المجد الذي نالته بركة سلوام، طالما أن كثيرين في مرات كثيرة، بالرغم من أنهم غسلوا هناك عيونهم، إلاَّ أنه لم يحدث لهم شيئًا مثل هذا؟ لكن هناك كانت قوة المسيح هي التي فعلت كل شيء. لأجل هذا يضيف الإنجيلي التفسير؛ لأنه عندما قال “سلوام”، أضاف قائلاً: “الذي تفسيره مرسل”، لكي تعلم أن المسيح هو من شفاه هناك، مثلما يقول بولس بالضبط “لأنهم كانوا يشربون من صخرة روحية تابعتهم والصخرة كانت المسيح” (1كو10: 4). فمثلما الصخرة الروحية كانت المسيح، هكذا سلوام كانت أيضًا روحية.
أنا أعتقد أن الظهور المباغت للمياه هنا يذكِّرنا بسرٍ خفي. ما هو إذن هذا السر؟ إنه الظهور غير المتوقع، إنه الأمر الذى صار ويتخطى أى رجاء.
انتبه أيضًا لرأي الأعمى الذي أطاع في كل شيء، فهو لم يقل: إذا كان التراب أو التُفل هو ما يمنح قوة البصر كاملة لعينيَّ، فما حاجتي إذن لبركة سلوام؟ أو إن كنت أحتاج لبركة سلوام، ما هي حاجتي للطين؟ لأي سبب مسح عينيَّ؟ لماذا أمرني أن أذهب لأغتسل؟ إن شيئًا من هذا لم يفكر فيه، ولكن لأمرٍ واحدٍ كان متأهبًا: أن يطيع كل ما أمره به المسيح، لأن أمرًا واحدًا مما أمره به المسيح، لم يُعثِره.
وقد يتبادر إلى ذهن أحدكم أن يقول: كيف أبصر الأعمى عندما وضع طينًا فوق عينيه؟ لن تسمع منا شيئًا آخر، إلاَّ فقط إننا لا نعرف. وليس هناك عجبًا إن كنا لم نعرف؟ فلا الإنجيلي عَرِف، ولا الأعمى الذي شُفيَ، لكن إن كان قد عَرِف ما حدث، إلاَّ أنه لم يدرك الطريقة. وهذا هو ما قاله عندما سُئل: “صنع طينًا وطلى عينيَّ وقال لي اذهب إلى بركة سلوام واغتسل. فمضيت واغتسلت فأبصرت” (يو9: 10). أمَّا كيف صار هذا، فهو ما لا يمكن أن يجيب عنه حتى لو سألوه مرات لا حصر لها. “فالجيران والذين كانوا يرونه قبلاً أنه كان أعمى قالوا أليس هذا هو الذي كان يجلس ويستعطي. آخرون قالوا هذا هو”؛ لأن اختلاف المظهر الذي نتج عن المعجزة أدى بهم إلى عدم التصديق، بالرغم من أنه كان قد حدث ما هو أكثر من هذا لكي يؤمنوا. آخرون قالوا: “أليس هو هذا الذي كان يجلس ويستعطي”، يا لعظمة محب البشر!! لقد نزل ليشفِ بشغف كبير المتسوِّلين ويغلق بفعله أفواه اليهود؛ لأنه أظهر نفس العناية ليس فقط بنخبة المجتمع والمشهورين فيه، والرؤساء، لكن للمهمَّشين؛ لأنه جاء لأجل خلاص الكل.
وما صار في حالة المشلول، صار أيضًا في حالة الأعمى. فالمشلول لم يكن يعرف من هو الذي شفاه، ولا الأعمى أيضًا كان قد رآه رأي العين؛ لأنه كان قد ذهب إلى بركة سلوام وهو بعد ما يزال أعمىً. ولأن المسيح أيضًا كان قد رحل.
دائمًا ما يرتحل المسيح، ويظل مختفيًا حتى تتخلص المعجزة من أية شبهة تثار حولها؛ لأن هؤلاء الذين لم يعرفوا من هو، كيف يمكنهم أن يفرحوا ويصفوا ما حدث لهم؟
وبالرغم من أنَّ مَن شُفي لم يكن رحالًا، بل كان من هؤلاء الذين يجلسون بالقرب من أبواب الهيكل، فقد أظهر الكل شكوكًا فيه. فماذا يقول هو عن نفسه؟ “أنا هو”، فهو لم يشعر بخجلٍ لعماه السابق، ولا خاف غضب الشعب، ولا تجنب أن يظهر ذاته ليكرز بمَن أقامه ” فقالوا له كيف انفتحت عيناك. أجاب ذاك وقال إنسانٌ يقال له يسوع”. ماذا تقول؟! أيمكن لإنسانٍ أن يفعل مثل هذا؟ واضحٌ إذن أنه لم يكن يعرف شيئًا عنه منذ البداية “إنسانٌ يقال له يسوع صنع طينًا وطلى عينيَّ”.
انتبه إلى أنه يقول الحق. فهو لم يحكي كيف صنع المعجزة (لأن ما لا يعرفه لا يقوله)، لأنه لم يرَ أنه تفل على الأرض، وإنه طلى بالطين عينيه، لقد أدرك ذلك بالإحساس واللمس “قال لي اذهب إلى بركة سلوام واغتسل”، والسمع يؤكد هذا. ومن أين عرف صوته؟ من مناقشته مع تلاميذه. وبينما يقول كل هذا أخذ تأكيدًا بواسطة الأعمال، لكن لم يستطع أن يصف الطريقة التي حدث بها ذلك. لأن الإيمان لا يحتاج إلى المحسوسات (الحواس) والأمور الملموسة، ولكنه يعتمد بالأكثر على الأمور غير المنظورة. “فقالوا له أين ذاك. قال لا أعلم”. لقد قالوا له “أين ذاك؟” في غيظٍ وحِدَّةٍ.
ولعلك تلاحظ تصرف يسوع المعتدل، فهو لم يبقَ بالقرب ممن شُفي؛ لأنه لم يُرِد أن ينال مجدًا، ولا هو يقوم بالدعاية ليكسب تعاطف الشعب معه. ولاحظ أيضًا إن ما قاله الأعمى قد قاله حبًا في الحق. لقد أرادوا أن يروا يسوع حتى يقتادونه إلى الكهنة؛ ولأنهم فشلوا في هذا اقتادوا الأعمى إلى الفريسيين، الذين سألوه بطريقة فظة، وقد ذكر الإنجيلي أنه كان يوم سبت، وذلك حتى يُظهر توجههم الشرير، والسبب الذي لأجله كانوا يطلبونه، وقد وجدوا في الأمر دافعًا ليتهموه (ليتهموا المسيح) ويمكنهم هكذا أن يزيِّفوا المعجزة لتكون مخالفة للناموس. وهو ما اتضح من أنهم بمجرد أن رأوه، لم يقولوا شيئًا آخر إلاَّ “كيف فتَّح عينيك؟”.
لاحظ أيضًا طريقة السؤال، لأنهم لم يقولوا له كيف أبصرت؟ بل “كيف فتَّح عينيك؟”، لكي يعطوا الأعمى دافعًا لاتهامه بأنه عمل يوم السبت. لكن هذا الذي كان أعمى يتحدث إليهم في إيجاز كما لو أنهم قد سمعوا عما حدث؛ لأنه بدون أن يذكر اسمًا ما، أو أنه قال لي اذهب واغتسل، يقول مباشرةً “طلى عينيَّ وقال لي اذهب إلى بركة سلوام واغتسل”. ويلاحظ أن نية التزييف قد ظهرت جليًا فيما قاله أولئك الذين سألوه عن أي عمل عمله المسيح في يوم السبت؟ طلى بالطين! عليك أيضًا أن تنتبه إلى كيف أن الذي شُفيَ لم يضطرب. فعندما تحدثوا معه ـ فى المقابلة الأولى ـ من الأمور التي حدثت، ولم يلمح
خطر ما، لم يكن هامًا جدًا أن يقول الحق، لكن المدهش أنه ـ الآن ـ بالرغم من أنه لمح خطرًا عظيمًا، فإنه لم يرفض ولم يقل كلامًا مناقضًا لما سبق وأن قاله. ماذا فعل ـ إذن – الفريسيون والآخرون؟ اقتادوه لكي ينكر، ولكن على النقيض، فذلك الذي لم يريدوا أن يعرفوه، عرفوه بدقة كبيرة، وهذا هو ما يعانون منه في كل المعجزات التي أتمها المسيح، والذي سنبينه بوضوح أكثر فيما بعد.
ماذا فعل الفريسيون؟ “فقال قوم من الفريسيين ـ ليس كلهم، ولكن الوقحين منهم ـ هذا الإنسان ليس من الله لأنه لا يحفظ السبت”. آخرون قالوا “كيف يقدر إنسان خاطئ أن يعمل مثل هذه الآيات؟” هل رأيت كيف تجذبهم المعجزات؟ لأن هؤلاء هم أنفسهم الذين أرسلوا أناسًا مسبقًا لكي يقتادونه أمامهم، اسمع ماذا يقولون الآن، فبالرغم من أنهم ليسوا كلهم، بل بما أنهم كانوا من الرؤساء انقادوا جميعًا للعصيان بسبب محبتهم للمجد. لكن الأغلبية من الرؤساء آمنوا به، وإن كانوا لم يعترفوا به جهارًا. أمَّا الشعب الكثير، فكان مهمشًا لأنهم لم يشتركوا معهم في مجمعهم، أمَّا الرؤساء فلأنهم كانوا معروفين وظاهرين، فكان من الصعب أن تكون لديهم شجاعة الاعتراف بالمسيح؛ لأنهم كانوا يحبون الرئاسة، فكثيرون منهم كان يستولي عليهم الخوف. لذلك قال “كيف تقدرون أن تؤمنوا وأنتم تقبلون مجدًا بعضكم من بعض” (يو5: 44). فمنهم من طلبوا أن يقتلوه ظلمًا، ولكن آخرين قالوا إنه إنسان الله، ولكن الذي شفى العميان لا يمكن أن يكون إنسان الله لأنه لم يحفظ السبت، هكذا كان فكرهم متباينًا، فالخاطئ لا يمكن أن يصنع مثل هذه المعجزات.
أولئك إذن صمتوا؛ لأنهم صنفوا هذا الحدث باعتباره شرًا من الشرور، واتجهوا ناحية المخالفة الظاهرة للناموس؛ لأنهم لم يقولوا أنه شفى في السبت، بل “لم يحفظ السبت”. بينما اعترف الآخرون أيضًا بالحدث، وإن كان ذلك على استحياء؛ لأنهم بينما كان يجب عليهم أن يُظهروا كيف أنه لم يحفظ السبت، اعترفوا أن هذا الأمر من المعجزات، وكان هذا طبيعيًا طالما اعتبروه إنسانًا. لأنه إن لم يحدث هذا، لكانوا قد دعموا رأيهم بطريقة أخرى بأنه كان سبت وقت أن فعل هذا. لكن ليس هذا هو رأيهم.
إذن لا أحد من هؤلاء تجرَّأ أن يقول بوضوح هذا الذي أرادوا أن يقولوه، ولا استطاع واحد منهم من التعبير عن رأيه الحقيقي بوضوح لكن في صياغة تعبِّر عن الشك. البعض بسبب أنهم لا يملكون الجرأة، والبعض الآخر بسبب محبتهم لكرسي الرئاسة.
وحدث انشقاقٌ فيما بينهم. هذا الشقاق، وإن بدأ أولاً يصير في الشعب، إلاَّ أنه انتقل بعد ذلك فيما بين الرؤساء “بعضهم يقولون أنه صالح وآخرون يقولون لا بل يضل الشعب” (يو7: 12). هل رأيت كيف غاب الإدراك بالأكثر عن الرؤساء مما أدى إلى انقسامهم على بعضهم فيما بعد؟ وهم بعد هذا الانشقاق لم يقطع أي فريق منهم برأي حسن، مقتدين بالفريسيين. لأنهم لو كانوا قد انقسموا تمامًا، للتو كان يمكنهم أن يعرفوا الحق؛ لأن انشقاقًا تامًا كان من الممكن أن يحدث، ولأجل هذا قال الرب: “لا تظنوا إني جئت لألقي سلامًا على الأرض. ما جئت لألقي سلامًا بل سيفًا” (مت10: 34). ويمكننا أن نؤكد أن هناك اتفاقًا شريرًا، وهناك اختلافًا صالحًا. فالذين بنوا البرج كانوا على اتفاقٍ فيما بينهم نحو شر ذواتهم، وهؤلاء أيضًا هنا انشقوا دون أن يكون انشقاقهم لمصلحتهم.
حول قورح اجتمعوا على الشر، لذلك كان حسنًا أنْ انشقوا على أنفسهم. ويهوذا كان على اتفاق مع اليهود على الشر. إذن، يوجد انشقاقٌ حسن، ويوجد اتفاق شرير. لذلك قال: “إذا كانت عينك اليمنى تعثرك فاقلعها والقها عنك” (مت5: 29)، فإن كان ضروريًا أن نفصل عضوًا من أعضائنا إذا ما سبب لنا الشر، أليس بالأولى يكون ضروريًا أن ننفصل عن الأصدقاء الذين ليس جيدًا أن نكون معهم على اتفاق؟ هكذا لا يكون الاتفاق دائمًا حسنًا، مثلما لا يكون الشقاق دائمًا شرًا.
إن ما أقوله لكم اليوم، إنما أقوله لكي نتجنب الشرور ونطلب الصالحات؛ لأننا عندما نقطع عضوًا من أعضائنا يكون فاسدًا وغير قابل للشفاء، فإننا إنما نفعل ذلك خوفًا على بقية الجسد حتى لا يصاب بذات الضرر. وإذا فعلنا ذلك، فليس عن احتقار لهذا العضو الفاسد، ولكن لكي نحافظ على بقية الجسد. إذا كان الأمر هكذا، فكم هو حري بنا أن نطبق هذا على أولئك الذين يعاشروننا إذا كانت مقاصدهم شريرة؟ بالطبع لسنا في حاجة إلى أن نؤكد على تقويم هؤلاء إذا كان ذلك في استطاعتنا، حتى لا يتسببوا في أي ضرر لنا، لذا ينبغي علينا أن نقوم بكل ما من شأنه بلوغ هذا الهدف. لكن إذا بقى هؤلاء على حالهم دون إصلاح، وأصبحوا مصدر ضرر لنا، عندئذٍ يجب أن نقطعهم ونلقيهم عنا؛ لأن ذلك يكون مكسبًا عظيمًا لنا في كل الأحوال. لذلك ينصحنا الرسول بولس فيقول: ” انزعوا الخبيث من وسطكم” (1كو5: 13)، وأيضًا: “لم تنوحوا حتى يُرفع من وسطكم الذي فعل هذا الفعل” (1كو5: 2). لأن معاشرة الناس الأشرار شرٌ عظيم. فالطاعون ليس أسرع في العدوى، ولا الجرب أكثر تدميرًا للملوثين والمرضى بقدر الشر الناتج عن معاشرة الناس الأشرار “لا تضلوا. فإن المعاشرات الرديئة تفسد الأخلاق الجيدة” (1كو15: 33). والنبي يقول أيضًا: ” ابتعدوا عنهم واعتزلوا” (إر28: 45).
إذن، ليتنا لا نصادق الأشرار، ولنبتعد عن أبنائهم أيضًا، ولا نعطي أهمية للقرابة ونواميسها أو التزاماتها، بل بالأكثر جدًا يجب أن نتجنب الأصدقاء، ومعارفهم أيضًا إذا كانوا أشرارًا؛ لأننا وإن كنا لم نُصَب بعد بأذىً، إلاَّ أننا لن نتمكن من تجنب السمعة الشريرة التي تلصق بنا طالما كان الذين هم من خارج عائلتنا لا يعرفون حقيقة حياتنا، بل يحكمون علينا بالنظر إلى مَن نعاشرهم. هذه الأمور أنصح بها النساء والعذارى؛ لأنه يقول: “معتنين بأمور حسنةٍ قدام جميع الناس” (رو12: 17).
إذن فلنبذل أقصى طاقة حتى لا نكون سبب عثرة للقريب؛ لأن حياتنا حتى ولو كانت مستقيمة تمامًا، يمكنها أن تدمر الآخرين لو أُعثروا فينا.
وهل يمكن للحياة المستقيمة أن تُعثر أحدًا؟ نعم، لأن معاشرة الذين يحيون في استقامة لهؤلاء الذين لا يحيون، تخلق سمعةً شريرةً. ولأن القريب لديه ثقة فينا ـ بالنظر إلى حياتنا المستقيمة ـ لا يرى في معاشرتهم شرًا. إذن، فإن كنا لم نسبب لهم ضررًا مباشرًا، إلاَّ أننا تسببنا في عثرتهم.
هذا أقوله للرجال والنساء والعذارى. أترك لضميرهم أن يعرفوا بدقة كم من الشرور تنتج عن هذا الأمر. أنا لا أتهم أحدًا بالشر أبدًا، ولا أنسب تهمةً لأحد الكاملين في الإيمان، لكن اعلم عندما يُضار الأخ البسيط في الإيمان من كَمَالَك، عندئذٍ يجب أن نحرص على الاعتناء بهذا المريض، وحتى لو لم يتضرر ذاك فقط، فقد يُضار الوثني، لذلك أعطى بولس أمرًا ألاَّ نعثر أحدًا حتى اليهود والوثنيين، وبالأولى أعضاء كنيسة الله “كونوا بلا عثرة لليهود ولليونانيين ولكنيسة الله” (1كو10: 32).
أنا لا أتهم العذارى بشيء شرير؛ لأني أحب البتولية والمحبة لا تفكر في الشر. إنني أعشق طريقة الحياة هذه، ولذلك لا أستطيع أن أفكر فيما هو عبث في الحياة. ولكن كيف أقنع هؤلاء الذين هم من خارج؟ لأنه ينبغي علينا أن نعتني ونحترص حتى لا نسبب عثرة لهؤلاء.
هكذا ليت كل ما يخصنا يكون منظمًا حتى لا نقدِّم لأحد من غير المؤمنين مبررًا لإدانتنا. وإذا كان الذين يحيون في استقامةٍ يمجِّدون الله، هكذا يصير من لا يحيون أسبابًا للتجديف على الله.
ليت لا يكون هناك عصاةٌ فيما بيننا، لكن بالأحرى تتألق أعمالنا لكيما يتمجد أبانا السماوي، ونستمتع نحن بمجده الذي أتمنى أن نناله كلنا بنعمة ومحبة محب البشر ربنا يسوع المسيح الذي له المجد مع الآب والروح القدس إلى الأبد آمين.
المسيح نوري الحقيقي – القديس أغسطينوس[7]
- “لأنك أنت تنير سراجي”. ضياؤنا لا يصدر عن أنفسنا، بل أنت يا رب الذي تنير سراجي.
- “إلهي يضيء ظلمتي”. إننا في ظلمة الخطية؛ ولكن آه يا رب، أنت تضيء ظلمتي.
- أيها النور الحقيقي، الذي تمتع به طوبيا عند تعليمه ابنه، مع أنه كان أعمى!
أيها النور، الذي جعل اسحق -فاقِد البَصَر- يعلن لابنه عن مستقبله!
أيها النور غير المنظور، يا من ترى أعماق القلب البشري!
أنت هو النور، الذي أنار عقل يعقوب، فكشف لأولاده عن الأمور المختلفة…!
أنت هو الكلمة القائل: “ليكن نور”، فكان نور.
قل هذه العبارة الآن أيضًا، حتى تستنير عيناي بالنور الحقيقي، وأميّزه عن غيره من النور…
نعم، خارج ضياءك، تهرب الحقيقة مني، ويقترب الخطأ إليّ. يملأني الزهو، وتهرب الحقيقة مني!
- أنه ينيرني، فتبددي أيتها الظلمة! إنه يخلصني، فوداعًا يا كل الضعف!
- الله يهبني كلًا من معرفة ذاته (النور) والخلاص، فمن ينتزعني عنه…؟! الرب يطرد كل هجمات عدوي، الخفية والظاهرة، فلا أخاف أحدًا!
- نعم يا إلهي… في غياب نورك ظهور للموت، أو بالحري مجيء للعدم.
- يالشقائي… لقد سادت عليّ الظلمة، ومع أنك أنت النور، إلا أنني حجبت وجهي عنك!
- آه! قل هذه العبارة: “ليكن نور”، عندئذ أستطيع أن أعاين النور، وأهرب من الظلمة؛
أعاين الطريق وأترك طريق الضلال؛
أرى الحق وابتعد عن الباطل؛
انظر الحياة وأهرب من الموت؛
إشرق فيَّ يا إلهي، فأنت نوري واستنارتي…
- أيها النور الأسمى، تعجل بالاشراق فيَّ أعمى يُريد أن يصير ملكًا لك!
- الله يهبني كلًا من معرفة ذاته (النور) والخلاص، فمن ينتزعني عنه…؟! الرب يطرد كل هجمات عدوي، الخفية والظاهرة، فلا أخاف أحدًا!
- نعم يا إلهي… في غياب نورك ظهور للموت، أو بالحري مجيء للعدم.
- يالشقائي… لقد سادت عليّ الظلمة، ومع أنك أنت النور، إلا أنني حجبت وجهي عنك!
- آه! قل هذه العبارة: “ليكن نور”، عندئذ أستطيع أن أعاين النور، وأهرب من الظلمة؛
أعاين الطريق وأترك طريق الضلال؛
أرى الحق وابتعد عن الباطل؛
انظر الحياة وأهرب من الموت؛
إشرق فيَّ يا إلهي، فأنت نوري واستنارتي…
- أيها النور الأسمى، تعجل بالاشراق في أعمى يُريد أن يصير ملكًا لك!.
عظات آباء وخدام معاصرون :
المولود أعمى – للبابا تاوضروس الثاني[10]
الأعمى البصير
قصة المولود أعمى .. كيف رآها الآخرون؟
إنها درس في الإيمان ومراحله وتمجيد الله.
المولود أعمى: أعمى منذ ولادته ــ يُعيِّره الناس ــ آمن وأطاع (إيمان مُتدرّج) ــ شهد للمسيح.
هذا الإنسان يُمثِّل النفس المُستعدة للتجاوب مع نعمة الله في أي وقت، سواء:
- وقت العمل (مثل السامرية عند البئر).
- في وقت الضيق (مثل المخلع وقت مرضه).
- في أي يوم من حياته (مثل المولود أعمى عندما قابل المسيح).
أمّا الآخَرون فكان لهم آراء أخرى:
- الجيران: تعجّب وعدم اكتراث (لا مبالاة).
- الفريسيون: ظُلم وعدم إيمان وشكّ.
- الأبوان: آمنوا ولكن خوفهم منعهم من إعلان ذلك.
- المريض: آمن إيماناً ثابتاً فيه تدرُّج ونمو.
فضائل المولود أعمى:
- احتمال التجربة
- طاعة وخضوع
- طهارة اللّسان
- شجاعة الشهادة
وفي النهاية يضع هذا الموقف أمامنا سؤال:
مَن كان أعمى؟.. هذا الرجل أم الفريسيين حوله؟
وإلى أي فريق أنت تنتمي؟
عميان البصيرة الروحية
هناك كثيرون لهم عيون جسدية ولكنهم عميان البصيرة الروحية:
- أعمى عن الحق
- أعمى عن الواجب
- أعمى عن الخطأ
- أعمى عن المسكين
- أعمى عن الله
- أعمى عن الأبدية
- أعمى عن الموت.
يقول مار أفرام السرياني: طوبى للذي يضع أمام عينيه يوم الرحيل وقد ازدرى الكبرياء، قبل أن يظهر فساد طبيعتنا في القبر ونتانتها.
ايضا عظة اخري لقداسة البابا تواضروس الثاني :
يوم الأحد من الأسبوع السادس يو ( ٩ : ١ – ٤١ )
متى ستقول : كنت أعمى والآن أبصر ؟
الأصحاح التاسع كله في إنجيل معلمنا يوحنا البشير يحدثنا عن معجزة المولود أعمى ، وهـو يحكي المعجزة بكل تفاصيلها ، ويكون هـذا هـو اليوم الذي يعتمد فيـه مـن عاشوا كموعوظين طوال فترة الصوم ، لذا يطلقون على هذا الأحد ” أحد التناصير “، وفيه يتم عماد الموعوظين ، ثم يزفـون فـي كـل الكنيسة وهـم ممسكون الشموع ، وهـذا تعبير عن الاستنارة .
سؤال اليوم مهم جدا لكل إنسان ، فالقصة مطروحة باستطالة في الإنجيل تكشف نوعيات الناس أمام الحدث الواحد .
ولا بد أن تنتبه إلى أن آخر ثلاثة أسابيع ” السامرية ، المخلع ، المولود أعمى ” تمت عند الماء ، فالسامرية ارتبطت ببئر يعقوب وهي التي تمثل المرفوضين ، والمخلـع كـان فـي بيـت حسدا ويمثل المقيدين بالمرض سنين طويلة ، والمولود أعمى اغتسل في بركة سلوام وهـو يمثل البعيدين ، وهذا معناه الولادة من الماء والروح ، فالسيد المسيح عندما تقابـل مـع السامرية نجـده يجـدد حياتهـا ، لدرجـة أن فـي أول المقابلة كانـت خاطئة ، وفـي آخـر الأصحاح (يو ٤) صارت قديسة كارزة ، فالمسيح هو الذي يجدد حياة الإنسان . أما المخلع أو المقيد فقد جاء السيد المسيح ليحرره ، فالخطية مثل السلاسل تقيد الإنسان ، فجاء المسيح ليحرره بعد أن تخلى عنه الجميع .
أما معجزة اليوم وقصة المولود أعمى جاء المسيح لكي ما يمنحه النور ، ويجب أن نعرف أن النور ليس هو النور المادي أو الخارجي الذي نعيش فيـه سـواء فـي الشمس أو الأنوار الصناعية أو أنوار النجوم أو حتى أنوار الشموع والقناديل ، لقد جاء المسيح لكي يمنح نوره في قلب الإنسان . هناك بشر لديهم عمى في قلوبهم أو في نفوسهم ، وهذا النوع من البشر متواجد في الحياة باستمرار ولكن ماذا عن داخلهم ؟
المولود أعمـى شخص ولد أعمى ، فسألوا المسيح : هـل هـذا العمـى نتيجة خطية الشخص ذاته أم بسبب أبـويـه ؟ فيجيبهم المسيح : ” لا هـذا أخطأ ولا أبـواه لكـن لتظهر أعمال الله فيه ” (يو ٩ : ٣). لقد أراد السيد المسيح أن يظهر لنا ماذا تصنع الخطية في الإنسان
، فعندما بدأ المسيح يتكلم معه قال : ” ينبغي أن أعمل أعمال الذي أرسلني ما دام نهار . يأتي ليل حين لا يستطيع أحد أن يعمـل . ما دمت في العالم فأنـا نـور العالم ” (يو ٩ : ٤، ٥). هنا المسيح أراد أن يوضح أنه نور لهذا الإنسان لأنه نور العالم ، وعلى هذا الأساس يوجد سؤال لكل شخص منا : متى ستقول اختبار المولود أعمي ؟ متى ستقول كنت أعمى والآن أبصر ؟
عندما ولد المولود أعمى كان الجهاز البصري غير موجود فيه ، وبالتالي عندما أراد السيد المسيح أن يعمـل هـذه المعجـزة مـع الـرجـل الأعمـى تـفـل عـلـى الأرض واستخدم الطين ، وهذا الطين هو مادة الخلق ، عمل السيد المسيح قطعتي الطين وقال للأعمى : ” اذهب اغتسل في بركة سلوام ” (يو ٩ : ٧)، وسلوام هـي بركة خارج البلاد ، وإلى أن وصل الرجـل للبركـة ثـم اغتسـل وإذ بـه يبصـر ، فقـد ذهـب للبركة أعمى ولكنـه عـاد منهـا مبصيراً .
لقد اغتسل واستنارز، تخيل شعور هذا الرجل الذي يرى لأول مرة في حياته ، وبدأ هذا الرجل يدخل في حوار أو عدة حوارات مع الناس :
(۱) حوار مع الجيران : قالوا له : ” كيف انفتحت عيناك ؟”، قال لهم : ” إنسان يقال له يسوع هو الذي صنع ذلك “، وبدأ يحكي لهم الحكاية .
(۲) حوار مع الفريسيين : هؤلاء الفريسيون هم أصحاب العقول الضيقة ، وقالوا له : ” إن مـن فعل هذا الفعل خاطئ “، قال لهم : ” لماذا ؟”، قالوا له: ” لأنه صنع المعجزة يوم سبت “. أرجوك اشعر بمقدار هذه القسوة التي في قلوب البشر ، ومقدار الرحمة التي يقدمها الله ، فالله يريد أن يعمل المعجزة له ليكون في الحياة سعيداً ، إلا أنهم لا يقبلون هذا على الطلاق .
(٣) حـــوار الفريسيين مـع الأب والأم : سأل الفريسيون الأب والأم : ” هـل ابنهمـا ولـد أعمـى فعلا ؟”، فأجابوا بالإيجاب ، وهذا معناه أنه لا مجال للتشكيك ، ثم سألوهما : ” كيف أبصر ؟”، ومـن هـنـا خـاف الأب والأم أن يجيباهم عليهم لئلا يطردوهمـا مـن المجمع ، فلقد كان لكل مدينة في اليهودية مجمع للعبادة . ولكن لا يستطيعون تقديم ذبائح إلا في هيكل أورشليم .
(٤) حوار الفريسيين مع المولود أعمـى : كان قرار الفريسيين أن المسيح خاطئ ، وكان الرد الجميل : ” أخاطئ هو ؟ لست أعلم . إنّما أعلم شيئاً واحداً : أني كنت أعمى والآن أبصر ” (يو ٩ : ٢٥)؛ ثم قال لهم كلمة أغضبتهم جدا ” قد قلت لكم ولم تسمعوا . لماذا تُريدون أن تسمعوا أيضاً ؟ العلكم أنتم تريدون أن تصيروا له تلاميذ ؟” (يو ٩ : ٢٧). لقد كشفهم وكشف ضيق الأفق الموجود فيهم .
+ صور العمى الروحى :
١-إنسان أعمى عن مسكين :
قصة الغني ولعازر، لم يهتم الغني بالفقير المسكين الذي كان يجلس عند باب بيته، بالرغم مـن قـول الكتاب : ” طوبى للذي ينظر إلى المسكين . فـي يـوم الشـر ينجيه الرب ” (مز ١:٤١). هو مبصر لكن عيناه لا ترى المسكين ، وهذا هو الإنسان صاحب القلب القاسي والجاف .
٢ـ إنسان أعمى عن الناس :
هو ما نسميه الأناني ؛ لأنه لا يرى سوى نفسه ، حتى في بيته لا يرى سوى نفسه ، فهو لا يريد سوى راحته ، والعالم الآن يعيش في مجتمعات بها كل الأنواع : المريض والمحتاج والصحيح والفقير والغني ، هناك من يعيش لذاته ، والإنسان الأناني دائما يشعر أنـه عـلـى صـواب ، فهـو حـكـيـم فـي عيني نفسه مثل الفريسيين فهم عميـان عـن النـاس ، وكانوا عميان عن الشخص الذي أبصر ورأى النور لأول مرة.
٣- أعمى عن الموت :
قصة الموت هي الحقيقة الثانية والصادقة في حياتنا ، على رأي الفلسفة اليونانية ” لنأكل ونشرب لأننا غداً نموت ” .
الغني الغبي أعطاه الله خيرات كثيرة ، ولكنه لم يفكر أن يقـدم للنـاس أو يقـوم بعمل طيب ، بل قال : ” أهدم مخازني وأبني أعظم وأجمع هناك جميع غلاتي وخيراتي . وأقول لنفسي : يا نفس لك خيرات كثيرة موضوعة لسنين كثيرة . إستريحي وكلي واشربي وافرحي . فقال له الله : يا غبي ! هذه الليلة تُطلب نفسك منك ، فهذه التي أعددتها لمن تكون ؟” (لو ۱۲ : ۱۸ ـ ۲۰).
٤-أعمى عن الحق :
إنسان لا يتكلم بالحق ، ولا يشهد شهادة حـق ، كاذب ، وكلامـه غـيـر نقـي وغير مستقيم .
في سفر إشعياء يقول : ” ويل للقائلين للشر خيراً وللخير شرا ، الجاعلين الظلام نوراً والنور ظلاماً ، الجاعلين المر حلوا والحلو مراً” (إش ٥ : ٢٠). الفريسيون هم من تنطبق عليهم هذه الكلمات حيث نظروا للمعجزة على أنها شر ؛ لأنها تمت في يوم سبت .
٥– أعمى عن الواجب :
هذا النوع منتشر جداً، ولا يقصد به المجاملة بعضنا لبعض ، ولكن يقصد بالواجب الإنسان المسئول ، فالإنسان المهمل في أسرته والمهمل في وطنه والمهمل في عملـه هـو أعمى عن الواجب ؛ لأنه لا يقوم بعمله ولا يشعر بمسئوليته ، وهذا العمى يؤخر سير الحياة .
٦-أعمى عن الاعتذار :
هذا الشخص يـرى نفسـه دائـمـا أنـه صـواب لا يخطـئ أبـداً ، ولا يمكـن أن يقـول : هناك شخص لديه شجاعة الاعتذار ، فمثلاً الرهبان في الأديرة عندما يتقابلون فـي صلاة التسبحة أو فـي صـلاة الغـروب لا بد أن يصافح كل منهما الآخر ويقولون بعضهم لبعض : ” أخطأت سامحني “، فهم لديهم شجاعة الاعتذار ، في حين أن هناك من لا يرى أنه أخطأ ولا يريد أن يعتذر.
٧ـ أعمى عن الأبدية :
كل أماله وأفكاره وأهدافه فـي التراب ، ولكـن هـل يفكـر فـي السماء والمكان الذي أعده الله له ؟
هذه بعض الصور التي تُظهر أنك مبصر ، لكنك فـي الحقيقة أعمى … يقـول الكتاب : ” فدعوا ثانيـة الإنسـان الـذي كـان أعمى ، … مـاذا صـنـع بـك ؟ كيف فتح عينيك ؟” (يو ٩ : ٢٤، ٢٦).
أرجوك تخيل الموقف … شخص كان أعمى ثم أبصر نتيجة معجزة حدثت ، وهذا موضوع لا يحتاج إلى تحقيق ، ولكن عمى الفريسيين هو الذي صنع ذلك ، والفريسيون بلغة اليوم هم ” الحاصلون على درجة الدكتوراه والمتعمقون في العلوم الدينية “، ولكنهم لا يريدون أن يسمعوا أو يفهموا ، ولا يريدون أن يبصروا ، فهم لديهم عيون ولا يبصرون ، ولهم آذان ولا يسمعون ، وهذه خطية كبيرة جداً ؛ لأنهم كانوا يظنون أنهم يعرفون كل شيء .
يقـول الكتـاب عـنهم أنهـم ” أخرجـوه خارجـاً ” (يو ٩ : ٣٥) قـد يكـون هـذا بلغـة الكتاب المهذبة ، ولـكـن فـي الـواقـع أنهـم طـردوه شـر طـرده ” فسمع يسوع أنهم أخرجـوه خارجـاً ، فوجـده وقـال لـه أتـؤمـن بـابن اللـه ؟” (يو ٩ :٣٥). ” فقال : أومـن يـاسـيد !. وسجد له ” (يو ۹ : ۳۸).
إذا أردت أن ترى المسيح فهو في الفقراء والمعوزين ومـن هـم فـي ضيقة وألم ، هـو فـي الأبرار والقديسين الذين يمجدون اسم المسيح ، هـو فـي الخـدام ، فضـع أمـامـك قـدوة الخدام بكافة المستويات .
نُعيد عليك سؤال اليوم الموجه لك : متى ستقول كنت أعمى والآن أبصر ؟ فليعطنا مسيحنا أن تكون لنا هذه الاستنارة في حياتنا ، وليعطنا النور في قلوبنا ، وتكـون حياتنـا فـي صـورة جديـدة تمجـد اسـم اللـه عـلـى الـدوام ، ويعيش الإنسـان هـذا الأختبار طوال الحياة .
المرجع : كتاب اختبرني يا الله صفحة ٣٤٧ – قداسة البابا تواضروس الثاني
الاصحاح التاسع من انجيل يوحنا – المتنيح الأنبا أثناسيوس مطران بني سويف والبهنسا[8]
انقسمت الجموع حول حقيقة الرب يسوع، وازداد الشر بينهم حتى هموا بأن يرجموه. فخرج من بينهم “مُجتازًا في وسطِهِمْ” (٨: ٥٩).
“وفيما هو مُجتازٌ رأَى إنسانًا أعمَى منذُ وِلادَتِهِ” وكانت هذه المعجزة فرصة أخرى ليظهر نوره فيزداد المؤمنون وثوقاً به، بينما يغالي المعاندون في تطرفهم وعدائهم. ولقد قال هو (في نهاية الإصحاح): “لدَينونَةٍ أتيتُ أنا إلَى هذا العالَمِ، حتَّى يُبصِرَ الذينَ لا يُبصِرونَ ويَعمَى الذينَ يُبصِرونَ” (۳۹:۹)
لهذه المعجزة قوة للأسباب الآتية:
- لم يسبقها أي حديث بين الرب والرجل الذي كان أعمى. فهو قد ولد أعمى ولا يعرف شيئاً عن مناظر الحياة. وهو بذلك يمثل البشرية العمياء عن النعمة، لأنها منذ أن سقطت انغمست في الخطايا والظلمة، وهي عاجزة تماماً عن انقاذ نفسها، والرب لم يسأله أن كان يريد أن يبصر، وكأنه يتقدم لخلاص البشرية دون أن تسأله، وهي في حالة يأس تام من رؤية الخلاص، وهكذا جاء الرب إلى العالم الممتلئ بالبشر الذين لا يعرفون احتياجاتهم مثلما قال عن نينوى قديماً أنه: “يوجَدُ فيها أكثَرُ مِنِ اثنَتَيْ عشَرَةَ رِبوَةً مِنَ الناسِ الذينَ لا يَعرِفونَ يَمينَهُمْ مِنْ شِمالِهِمْ، وبَهائمُ كثيرَةٌ” (يون٤: ١١).
- سبق المعجزة حديثه في الهيكل “أنا هو نورُ العالَمِ. مَنْ يتبَعني فلا يَمشي في الظُّلمَةِ” (٨: ١٢) وعن إبراهيمُ الذي تهَلَّلَ بأنْ يَرَى يوم الرب فرأَى وفَرِحَ (٨: ٥٦) وهاهو يقابل الرجل فيقول ” يَنبَغي أنْ أعمَلَ… ما دامَ نهارٌ….. ما دُمتُ في العالَمِ فأنا نورُ العالَمِ” ووهب الرجل نور البصر . فالبصر دلالة مادية على أن الرب هو النور الحقيقي.
- القدماء يعتقدون أن للعاب قوة على الشفاء، وكان اليهود يعتقدون أن اللعاب أيضاً يستعمل مرافقاً للسحر. ولذا فی قصص السنهدرينا يقول بار عقيبة: [الذي يقرأ سحراً على جرح ويبصق على جرح لا نصيب له في الحياة الأخرى].
وهناك أيضاً كلام لمعلم يهودي اسمه صموئيل (توفي عام ٢٥٤م) يقول: [لا يليق بالإنسان أن يضع لعاباً صائماً على العينين يوم السبت]. فاستعمال اللعاب بمعنى القوة الروحية للحياة كان شائعاً عند اليهود.
وجاء في إنجيل مرقس أيضاً أنهم “جاءوا إليهِ بأصَمَّ أعقَدَ، …فأخَذَهُ مِنْ بَينِ الجَمعِ علَى ناحيَةٍ، ووَضَعَ أصابِعَهُ في أُذُنَيهِ وتفَلَ ولَمَسَ لسانَهُ” (مر7: 32، 33).
- واجه السيد في هذه القصة أفكارا شائعة كثيرة فكانوا يعتقدون أن المرض نتيجة خطية الإنسان وقد يعاقب بها ابنه بعده، بينما الكتاب يورد “وأنتُمْ تقولونَ: لماذا لا يَحمِلُ الِابنُ مِنْ إثمِ الأبِ؟ أمّا الِابنُ فقد فعَلَ حَقًّا وعَدلاً. وحَفِظَ جميعَ فرائضي وعَمِلَ بها فحياةً يَحيا. النَّفسُ التي تُخطِئُ هي تموت” (حز١٨: ١٩، ۲۰) وهذا رداً على الذين كانوا يقولون:” الآباءُ أكلوا الحِصرِمَ وأسنانُ الأبناءِ ضَرِسَتْ” (حز۲:۱۸) ويستمر الإصحاح في شرح قاعدة أن الإنسان مسئول عن خطيته فقط .
أما قوله في الشريعة” لأنِّي أنا الرَّبَّ إلَهَكَ إلَهٌ غَيورٌ، أفتَقِدُ ذُنوبَ الآباءِ في الأبناءِ في الجيلِ الثّالِثِ والرّابِعِ مِنْ مُبغِضيَّ” (خر20: 5) فإنه يعني أن بعض الخطايا تنتقل إلى الأجيال التالية، والرب يحاسب كل نفس عن فعلها متتبعا الخطية في الجميع. وهو ليس يقول أفتقد عقاب الآباء في الأبناء بل الذنوب.
- كما واجه اعتقادا بتناسخ الأرواح، إذ كان البعض يعتقد أن الروح اذا أخطأت فأنها تعود بعد خروجها من الجسد لتسكن جسداً آخر تتعذب فيه حتى تتنقی من شرها. فكأنهم يسألونه هل روح هذا الإنسان أخطأت وهي في شخص آخر أم أن أبويه أخطآ فعوقبا في ابنهما.
أما هو فقال أنه لا الأبوان ولا الأبن ولكن هذا الموقف کان لکي يتمجد الله فيه. وهذا يرينا كيف أن الرب يحول الشر خيراً والألم سلاماً ونراه يقول كلاماً مشابهاً في قصة لعازر: “هذا المَرَضُ ليس للموتِ، بل لأجلِ مَجدِ اللهِ، ليَتَمَجَّدَ ابنُ اللهِ بهِ” (١١: ٤).
(۹ :٤) مادامت هناك فرصة للعمل فالوقت نهار، فالنهار للعمل والليل للراحة. وبالنسبة لنا قد يعني الليل العجز أو المرض أو التجارب أو الموت.
(٦–١٢) وصَنَعَ مِنَ التُّفلِ طينًا. صنع الرب آدم أولاً من طين وها هو السيد المسيح يخلق للرجل عيناً من ذات المادة.
ذهب واغتسل في بركة سلوام وهي البركة التي كانوا كل يوم في عيد المظال يأخذون منها الماء باحتفال ويسكبونه على المذبح علامة على التطهير ونضح ماء الخلاص. فاغتسال الرجل في بركة سلوام يشير إلى الرب المطهِّر الحقيقي، والمرسل من السماء للخلاص وإنارة حياتنا.
ومضى وأغتسل فأتى بصيراً. اشارة أيضاً إلى ماء المعمودية “لأنَّ كُلَّكُمُ الذينَ اعتَمَدتُمْ بالمَسيحِ قد لَبِستُمُ المَسيحَ”) غل٣: ٢٧) كانت القصة مثيرة إلى حد بعيد.
فكانوا يتساءلون أهو ذلك الأعمى أم لا. وهو يقول: “إنِّي أنا هو”، ويقول: “إنسانٌ يُقالُ لهُ يَسوعُ صَنَعَ طينًا وطَلَى عَينَيَّ، وقالَ لي: اذهَبْ إلَى بركَةِ سِلوامَ واغتَسِلْ. فمَضَيتُ واغتَسَلتُ فأبصَرتُ. فقالوا لهُ: أين ذاكَ؟. قالَ: لا أعلَمُ”.
وهكذا تكون نعمة الله هي القوة الحقيقية الفعالة في بساطة، حين نطيع ونغتسل فنبصر. وليس عمل الخلاص عمل البشر بل الله. لقد أطاع ذلك الرجل فأبصر. وفي هذا يقول الرسول: “ولكنني أخاف أنه كما خدعت الحية حواء بمكرها هكذا تفسد أذهانكم عن البساطة التي في المسيح” (۲کو۳:۱۱).
(٩: ١٣–٣٤) الشاهد البسيط:
ثار الرؤساء أمام هذه المعجزة الفذة، فليس الأمر شفاء رجل مريض على حافة بركة الشفاء يترجي الصحة، وليس كلاماً عن ماء الحياة أو نور العالم يفسره كل إنسان كما يشاء، ولا معلماً يسمى نفسه ابن الله ويقول عنه الآخرون أن به شیطاناً، بل الشعب كله يواجه معجزة خلق عينين لرجل كان يجلس ويستعطي والجميع يعرفونه، فكان اضطرابهم شديداً، واجتمع مجلسهم لبحث الأمر.
أما الرب يسوع فكان رقيقا جدا معهم، وتجنب أثارتهم إلى أقصى ما أمكن، فلما حان العيد لم يذهب مع الجموع بل ذهب “كأنَّهُ في الخَفاءِ” (یو٧: ١٠) ولما أراد أن يُعَلِّم دخل الهيكل “كانَ العيدُ قد انتَصَفَ” (٧: ١٤) وعلم في هدوء، حتى أن قوماً من أهل أورشليم قالوا “أليس هذا هو الذي يَطلُبونَ أنْ يَقتُلوهُ؟ وها هو يتكلَّمُ جِهارًا ولا يقولونَ لهُ شَيئًا!” (٧: 25، ٢٦) مما يدل على هدوء الموقف، ولما فتح عيني الرجل كان العيد قد انتهى والجموع تفرقت .
كان يسوع يعمل المعجزات كل يوم، وعمل معجزات شفاء كثيرة في السبت، فكان واضحاً أنه يعتبر السبت يوماً يليق فيه شفاء النفس والجسد (٧: ٢٣،٢٤) ولكنهم غير مستعدين لتقدير مواقفه بأي حال .
استدعى المجمع الرجل فأقر بما حدث معه، وانقسم المجمع وقال البعض أنه ليس من الله لأنه لا يحفظ السبت، وغيرهم قالوا كيف يقدر إنسان خاطئ أن يعمل مثل هذه الآيات.
استدعوا أبويه فأقرا أن الرجل ابنهما ولكنهما أمتنعا عن الدخول في مناقشة كيفية إبصاره، حتى لايحكم المجمع عليهما .
وكان هدف المجمع هذه المرة أن يحكم بأن يسوع ليس هو المسيا، وأنه إنسان مُعتَدِ على الناموس، وهكذا يمهدون لأحكام أكثر قسوة ولذلك “تعاهَدوا أنَّهُ إنِ اعتَرَفَ أحَدٌ بأنَّهُ المَسيحُ يُخرَجُ مِنَ المَجمَعِ” (9: 22).
أما ذلك الإنسان فكانت له نفس بسيطة وشهد وناقش في صراحة مباشرة هادئة أعجزت المعلمين:
- فكان يقص القصة بوضوح وبساطة لا يدخل الشك أو التشكيك فيها (١١-١٢، ١٥).
- كان يشرح الأمر أكثر كلما سألوه أكثر، فبينما يريدونه أن يتراجع في القصة كان يزداد إيضاحاً فأول الأمر قال “أبصَرتُ” (۱۱) ثم قال “فأنا أُبصِرُ”(١٥) ثم قال “كُنتُ أعمَى والآنَ أُبصِرُ” (٢٥)، ومهما تملقوه في الكلام ليتراجع مثلما فعلوا حين دعوه ثانية ” “أعطِ مَجدًا للهِ” (24)، كان يتكلم في بساطة وبراءة “قد قُلتُ لكُمْ ولم تسمَعوا. لماذا تُريدونَ أنْ تسمَعوا أيضًا؟ ألَعَلَّكُمْ أنتُمْ تُريدونَ أنْ تصيروا لهُ تلاميذَ؟” (۲۷).
- حين ناقشوه بحجج لاهوتية رد عليهم مما اختبر، قالوا أنهم يعلمون أن هذا الإنسان خاطئ، ويعلمون أن موسی کلمه الله، أما هذا فلم يكلمه الله. فرد الرد القاطع الذي يليق بكل مسيحي أن يردده على مر الأوقات “إنَّ في هذا عَجَبًا! إنَّكُمْ لستُمْ تعلَمونَ مِنْ أين هو، وقد فتحَ عَينَيَّ” (30) ولم يكن الرجل يقول أي شئ لا يعرفه، فلما سأله الجموع عن مكان يسوع قال: “لا أعلَمُ” (۱۲) ولكن كلامه الإيجابي كان قوياً وفي بساطته معلماً حتى أن الرؤساء ضجوا منه فأخرجوه من المجمع .
حرى بكل مسيحي أن يكون هذا اختباره سواء عرف في اللاهوت أو الكتاب أو لم يعرف، قال ذلك الرجل: لاأعلم إلا قصتي الحية فأقصها عليكم .. أبصرت لم أطلب منه أن يشفيني وشفاني بفضله الخالص، لم يأخذ مني شيئاً مقابل ذلك، بل شفاني واختفى فلم أعلم أين هو، لا أعرف شكله لأنه شفائي وأنا أعمى، وذهبت واغتسلت فأبصرت ولم أره من ذلك الحين، فلست بعد قادراً على وصفه، وانما أصف ما حدث لي، وما أرى الآن، ولم أكن قبل أرى شيئاً.
لا أعلم إلا أني أطعت في بساطة، فحصلت على النور، لذلك أشهد على الدوام أمام الجميع.
(٩: ٣٥–٤١) أتؤمن بابن الله:
لم يكن الرجل قد رأى السيد بالعين الجسدية، ولكنه شهد له أمام الجميع فأخرجه المجمع منه أي حكموا عليه بالإفراز من الجماعة، مثلما كانوا قد اتفقوا (۲۲) .
وحينئذ ظهر له يسوع ليشجعه ويكمل إيمانه. كان الرجل لا يعرف يسوع بالوجه، وكان يقول عنه أنه نبي (۱۷)، وكثيرين يحبون يسوع لمعجزاته أو يشعرون إنه إنسان ممتاز Superman، أما هو فهو الله المتجسد، وبدون هذا الإيمان ليس خلاص للمؤمن.
ولذا قابل السيد الرجل وقال له “أتؤمِنُ بابنِ اللهِ؟” فأجاب الرجل “مَنْ هو؟” أي أنه يؤمن به ولكن يريد أن يعرفه، قال له يسوع “قد رأيتَهُ، والذي يتكلَّمُ معكَ هو هو!” Ekeimos estin ، ومعناها: هو الكائن، وهو ترادف أنا هو Ego Eimi، التي تعني: أنا الكائن، فرد المؤمن الصريح للحال قائلاً “أومِنُ يا سيِّدُ!. وسجَدَ لهُ”.
وهنا قال الرب “لدَينونَةٍ أتيتُ أنا إلَى هذا العالَمِ، حتَّى يُبصِرَ الذينَ لا يُبصِرونَ [أي الذين لايدعون لأنفسهم المعرفة، والذين يعترفون بعجزهم] ويَعمَى الذينَ يُبصِرون [أي الذين يدعون لأنفسهم المعرفة “لأنَّهُمْ إذ كانوا يَجهَلونَ بِرَّ اللهِ، ويَطلُبونَ أنْ يُثبِتوا بِرَّ أنفُسِهِمْ لم يُخضَعوا لبِرِّ اللهِ” (رو۳:۱۰)].
ولما كان الرجل أعمى كان يجلس ويستعطي، ونحن كلنا في الخطية لا نري نور المسيح وفقراء من النعمة، ولما فتحت عيناه أبصر جيداً ويدافع عن اسم المسيح، ولم يستعط فيما بعد، لأنه صار غنياً بنعمة السيد.
كل إنسان في الخطية بائس وفقير وأعمى وعریان، ولكن بعمل النعمة وبشراء الثياب البيض والذهب المصفی بالنار يبصر ويشبع ويستغني بنعمته (رؤ٣: ١٧).
لا نستسهل الخطية!.. فطالما هي موجودة تجعلنا فقراء من النعمة لا نرى نور الله في بؤسنا وكآبتنا، وأما بنعمة السيد المسيح فنصير مبتهجين فرحين شباعى.
والناس لم يصدقوا . وهكذا في الحياة الروحية . لايصدق الناس التغيير الذي يحدث في بني الله ويقولون أليس هذا فلان؟ ما الذي غير حياته، ويلزمهم أن يعرفوا أنه قابل الرب وسلمه عينيه، سلمه المزدرى وغير الموجود فتجددت الحياة وعاش في استنارة داخلية وقوة وشبع.
هذه حال الشخص بعد الإيمان بالرب، أو بعد التوبة إن كان مؤمناً متراخياً ثم تاب وانتصب.
وهذا موقف بعض الناس في العالم، لا يهتمون ، ولا يستغربون لمن يحيا بينهم في الخطية. أما حين يتوب ويتغير فيبدأون في الاستغراب. لما فُتِحَت عينا ذلك الرجل، أخرجوه من المجمع، ولو عاد أعمى لأبقوه.
وكانت المحكمة تمثل التصرف غير المؤمن المعادي للنعمة المستتر وراء قواعد وشكليات، كان قرارها مسبقاً بأن كل من أقر بالرب يخرج من المجمع، ولم يكن هدفهم فحص القضية إن كانت عينا الرجل إنفتحتا أم لا، والرجل أجاب بشجاعة كأنه يقول: “لا تخافوا مِنَ الذينَ يَقتُلونَ الجَسَدَ ولكن النَّفسَ لا يَقدِرونَ أنْ يَقتُلوها” (مت10: 28) ولذا علينا أن نعلن الحق دائمًا لأن مَنْ يُنكِرُني قُدّامَ الناسِ يُنكِرُهُ ابن الانسان قدام ملائكته، ولنعلنه بتصرفنا. لم تبحث المحكمة عن الروحيات وأما المتهم فتمسك بها وأعلنها، مثلما تمسك يوسف بالفضيلة وقَبِلَ السجن ثمناً لأمانته.
وحين رأي الرجل الرب في النهاية وتعرف عليه أعلن إيمانه وسجد له، كان إيمان الرجل ينمو تدريجياً، من معرفة اسم يسوع فقط إلى أنه نبي، إلى أنه ابن الله وسجد له. ونحن نُعَمِّد الأطفال لينموا في الإيمان تدريجياً. وكان كل نموه نتيجة قبوله كلمة الرب وطاعتها، فاغتسل، وأبصر ونما والتصق في خشوع بالرب .
والإيمان يَثبُت وينمو في الإنسان البسيط والإنسان المعقد.
أقام راهب في الرهبنة مدة كان يقيس نفسه بغيره من الرهبان الذين ينمون في المعرفة والفضيلة، والأعمال الصالحة، بينما هو يعاني من محاربات وأفكار، ويخيل إليه أنه غير نامٍ كغيره ، فقال له أبوه أن: هناك نوعين من الناس، أناس حربهم خارج نفوسهم، وهؤلاء يظهرون في نمو وإثمار، وآخرون حربهم داخل ذواتهم، لإقتناء فضائل الصبر في الجهاد الفكري، فلا يظن أولئك الذين جهادهم داخل نفوسهم أنهم ينالون أقل من الذين يجاهدون خارج نفوسهم، ولا يسهل لإنسان أن يحول نفسه إلى نفس آخر، فبعض القديسين كانوا يسلكون طريق الإيمان في بساطة عجيبة، كما كانت القديسة مريم العذراء، ويوحنا الحبيب، وإليشع النبي. والبعض الآخر يسيرون في طريق أكثر تعقيداً مثل يونان، وجدعون.
انر يارب عقولنا (احد النور) للمتنيح أنبا كيرلس مطران ميلانو
أنر يارب عقولنا وقلوبنا وأضئ أفهامنا
يشرق الله بنوره علي عقل الإنسان فيسبيه إلى الأعالي ، وبه يمجد الله الملتحف بالنور ، ويراه في كل حياته ، كما يقول الشيخ الروحاني ” يرى الله عندما يأكل في لقمة الخبز ، ويحس به عندما يشرب ، ويدرك أنه خبز الحياة ، وينبوع الماء الحي ” .
نحن نرتل في التسبحة قائلين “الله هو النور ، وساكن في النور ، وتسبحه ملائكة من نور .. ” وبنوره نعاين النور ، لأنه هو النور الذي أضاء في الظلمة والظلمة لم تدرکه (يو ١ : ٥) .
تعلمنا الكنيسة في صلاة باكر أن نطلب من الرب لكي يشرق علينا بنور وجهه ، ويضئ علينا بنور علمه الإلهي ، ونرجو أن ينير عقولنا وقلوبنا ، وأفهامنا … بل تيقظنا أيضا في منتصف الليل ، حتى لا ننسى أننا أبناء النور . وتقول ” قوموا يا بني النور لنسبح رب القوات” .
العالم وضع في الشرير ، وبإغراءات العالم ينخدع الإنسان وينحدر إلى الظلام . لذلك اعطانا الله الوصية عونا ، وجعلها منيرة تضئ العينين عن بعد (مز ١٩ : ٨) .
فهذه الوصية إن شغلت العقل وسكنت القلب ، نسير بمعرفة نور الله القدوس ، ونبعد عن ظلام الشر ، وننجو من الهلاك . كما وضح الرب بأن الشعب السالك في الظلمة هلك من عـدم المعرفة (أش ٥ : ١٣) .
العقل منحة من الرب ، وبه يصفي الإنسان ما يكنزه في القلب ، ويبقي ما يحمله في يوم ترحاله إلى موطنه الأبدي … ويستنير العقل عندما ينشغل بأقوال الله وآياته ، ووعوده الصادقة … وهكذا ينير عندما يكنز ، ويخبئ كلمة الله كما يقول المرنم ” إعلان أقوالك ينير لي ” (مز ۱۱۹ : ۱۳۰) .
السيد المسيح هو نور العالم :
وله نقول أنر عقولنا وقلوبنا … لأنه بنور المسيح يستطيع الإنسان أن يحلق بعقله ، وقلبه في السماويات . وبعيدا عن هذا النور يغرق الإنسان بعقله وقلبه في الأرضيات .
لقد اتكأ يوحنا الحبيب علي صدر السيد المسيح ، وسند عقله علي قلب المسيح ، وحلق معه في السماويات وهو في المنفى . لذا يقول الشيخ الروحاني “ضع رأسك على ركبتي ربك”.ضع عقلك واسترح كطفل على ركبتي المسيح حاملك .النور في المسيح ، ومن يقترب منه تنكشف كل ظلمات العقل والقلب . وتنقشع الظلمة لمن يرغب … أنظر كيف أضاء السيد المسيح بنوره على ظلمة عقل المراة التي حبت المديح وقالت “طوبى للبطن الذي حملك ، والثديين الذين رضعتهما” (لو ۱۱ : ۲۷) .
النور وضح لـها “بل طـوبى للذين يسمعون كلام الله ويحفظونه ” (لو ١١ : ٢٨) أنار السيد المسيح على الذين يحيون في ظلمة القلق ، والخوف من المستقبل ، وهموم المأكل والملبس ، بالإشارة إلى طيور السماء التي لا تزرع ، ولا تحصد ، ولا تخزن والرب يعطيها القوت وأيضا إلى زنابق الحقل .
الذين يهتمون بالسعي وراء الممتلكات والاتكال عليها … لو فتحوا أبواب عقولهم وقلوبهم للمسيح الواقف خلفها ، لدخل فيهم النور ، وكشف لہم نهاية الغنى الغبي . الذي هدم ، وبنى ، ووسع ، وجمع وظن أنه صنع لنفسه أبدية على الأرض ، ونسى انه لا منفعة تحت الشمس (جا ۲ : ١١) وهذه التي أعدها لمن تكون ؟ بعدها تؤخذ نفسه منه …
السيد المسيح جاء ليضيء عقولنا وقلوبنا بسراجه المنير، فينظر الإنسان إلى خطاياه، ويخرج الخشبة التي في عينه (مت ٧ : ٥) . أنه بالظلمة يهتم الإنسان بخطاب غيره ، وبالقذى التي في عين أخيه . وينسى السؤال الموجه له أعطني حساب وكالتك لا حساب وكالة غيرك.
أرحمنا وأنر عقولنا وقلوبنا :
نصلي قائلين “افنوتي ناي نان” “اللهم ارحمنا” ، ويضاء الصليب بالشموع ، لكي تتذكر أن المسيح هو النور الذي أصعدنا من عمق الظلمة وأضاء علينا ، ويرحمنا ، ويسمعنا ويباركنا ، ويغفر خطايانا ، ويبعدها عن العقل والقلب .
طريق النور :
نشكر الله لأنه بالمعمودية أنار عقولنا وخزائن قلوبنا ، وحل فيها وجعلها كأورشليم السمانية … ويضيئ أفهامنا عندما نتبع الحمل حيثما يذهب .
إن كانت الخطية تفصل القلب والعقل عن النور ، فالتوبة تبدد الظلمة بنور المسيح ، لأن التوبة هي قيامة الحي من بين الحواس الميتة … وكما يقول الشيخ الروحاني “التوبة تجلي النوراني من الصدأ . والمضيئون الذي احتقروا التوبة تركتهم ، ونزلوا إلى الجحيم السفلي” .
في قصة الابن الضال لما رجع الابن إلي نفسه . رجع النور إلي عقله ، وانتقل من الظلمة التي كان يحيا فيها مع الخنازير إلى النور الحقيقي .
النور الحقيقي هو لقاء بين السيد المسيح الحي من بين الأموات ، ومع الإنسان الميت بين الأحياء .
وكما نرى النور الحقيقي في المعمودية ، وفي التوبة ، نراه أيضا في التعليم المستقيم . لذا نقول بعد عظات أبائنا القديسين التي تقرأ في أسبوع الآلام “فلنختم عظة أبينا القديس…الذي أنار عقولنا وعيون قلوبنا… بتعاليمه النافعة ” .
الله حاضر عندنا كل يوم على المذبح ، ونتحد به بالتناول طالبين منه في القسمة “أن يجعل جسده ودمه إنارة لأجسادنا ، وشفاء لأمراضنا ، وتطهيرا لأثامنا ، وغسلا لأدناسنا … وتثقيفا لعقولنا وقلوبنا ، ونقاوة وتهذيبا لأفكارنا وأذهاننا” .
لقد افتقدنا الرب مرارا كثيرة وبطرق متنوعة ، إلى أن جاء ملء الزمان فأتى إلينا على الأرض ، وأشرق بنوره الحقيقي ليهدي الضالين وغير العارفين .
أضئ أفهامنا لنفهم كلامك المحيي
رأينا في المقال السابق أن الرب ينير عيوننا ، وقلوبنا ، ويضئ أفهامنا من خلال النور الحقيقي في سر المعمودية المقدس ، وطريق التوبة ، والتعليم المستقيم ، سر الأفخارستيا …
من الرب نطلب أن يضئ أفهامنا لكي نفهم كلامه المحيي . لأن كلمة الله حية وفعالة وأمضى من كل سيف ذي حدين (عب ٤ : ١٢)السيد المسيح هو الكلمة المتجسد ، وفيه الأبدية وهذا ما قاله معلمنا بطرس الرسول “إلى من نذهب وكلام الحياة الأبدية عندك” (يو ٦ : ٦٨) .
بالرب نفهم كلامه المحي ، ونعلم أننا أولاد الله ، وندرك أن عمانوئيل إلهنا معنا في كل مكان وإلى انقضاء الدهر . وبه نعرف أنه ساكن فينا بروحه القدوس ، كما يقول الشيخ الروحاني “أعطنا يا رب أن ندخل بك إلى هيكل أنفسنا ، فنراك يا ذخيرة الحياة المخفية” .
نطلب الرب لنفهم :
يضئ الرب على أفهامنا لكي نرى الروح المخفي وراء كل حرف من كلامه المحيي . المفسرون للكتب المقدسة استنارت عقولهم أولاً بكلام الله المحيي وفهموا ، وكشفوا قصد الله وتدابيره ولم يعتمدوا على أفهامهم .
ما أسهل على الإنسان أن يعتمد على فهمه وحده ويهلك . أو يعتمد على فكر غيره المنفرد ويهلك معه .. لذا يقول الحكيم ” على فهمك لا تعتمد ” (أم ٤ : ٥) . “الأغبياء يموتون من نقص الفهم” (أم ١٠ : ٢١) . لذا تسهر الكنيسة وتضئ علينا وتعلمنا : على أفهامنا لا نعتمد ، ولا نستند على من يعتمد على فهمه وحده ، وأن نثبت في الغرس الثابت ” الكنيسة ” التي غرسها المسيح بيمينه ورواها بدمه ، وأن نتحد بما هو حاضر عندنا كل يوم على المذبح ، وأن نتسلق بمن نرى نهاية سيرتهم الحسنة ونتمثل بإيمانهم . ونستشير من هو ثابت في الكرمة ، والقريب من المذبح الناطق السماوي ، والملتصق بالقديسين الأطهار ليساعدنا كيف نخرج على آثار الغنم ونرعي عند مساكن الرعاة .
الفهم المظلم :
يوجد من يعتمد على فهمه ، ويظن أنه يقدم خدمة للرب . هؤلاء قال عنهم السيد المسيح “تأتي ساعة يظن كل من يقتلكم أنه يقدم خدمة للرب” (يو ١٦ : ٢) . هذا الفهم غير مضيء لأن كل من يقتل يرتكب جريمة … فكيف تكون الجريمة خدمة للرب ؟! وكيف بالفكر المظلم تكون غيرة مقدسة للرب ؟! وضح لنا الكتاب المقدس في سفر العدد كيف اعتمد قورح وداثان وأبيرام على أفهامهم المظلمة ، وجذبوا معهم أناساً من بني إسرائيل بلغوا مئتين وخمسين ، قاوموا موسي وهارون وقالوا “كفاكما إن كل الجماعة مقدسة وفي وسطها الرب ..” (عد ١٦ : ٣) وقاوموا الكهنوت المفرز من الله ، فابتلعتهم الأرض بعد أن فتحت فاها عليهم .
ويذكر لنا سفر أعمال آبائنا الرسل إنه قام ثوداس بفهمه المظلم والتصق به عدد من الرجال … وأخيراً قتل ، وجميع الذين انقادوا إليه تبددوا وصاروا لا شيء (أع ٥ : ٣٥) . وبعده قام يهوذا الجليلي وأزاغ وراءه شعباً غفيراً ، فذاك أيضاً هلك وجميع الذين انقادوا إليه تشتتوا (أع ٥ : ٣٧) .
نور يجذب للأعالي :
أضاء السيد المسيح بنوره على عقل المرأة السامرية ، فأحبته ومن حديثه الحنون فهمت كلامه المحيي . ولما دخل قلبها حدث تحول داخلي . فالقلب الذي كان يحمل بئر للنجاسة ، صار فيه بئر للقداسة …. ومن هذا البئر الجديد شرب السامريون فاحبوا النبع الذي يضئ أفهامهم ويجذبهم نحوه .
نور يحول المعرفة إلي حياة :
القديسون وصلوا للقداسة ونموا في الفضيلة ، بعدما أضاء الرب عليهم وتحولت معرفتهم إلى حياة عملية . فنقرأ عن القديس بيصاريون الذي أعطى ثوبه للمحتاج … وعندما سألوه أين الثوب الذي كان يرتديه ؟ أشار إلى الكتاب المقدس معلمه ولما تشبع قلبه وعقله بالكلام الحي ، نجح بانه اقتنى ما في الكتاب المقدس من تعاليم … وباع الكتاب المقدس ليصنع صدقة . وبالمثل في حياه القديس الأنبا ابرام ، الذي كان يحيا في العطاء بكل سخاء وسرور … أعطى كل شيء وعاش يردد قول أحد الأباء “إن فقدت كل شيء ، ولم يبقي معي سوى الله وحده ، فأنا معي كل شيء . لأن الله هو الكل في الكل” .
المرجع : كتاب شفتاك يا عروس تقطران شهداً (الجزء الثاني صفحة ٥٧) – دير الانبا شنودة رئيس المتوحدين العامر بميلانو
نور العالم للمتنيح الأنبا بيمن أسقف ملوي
” أنا هو نور العالم ، من يتبعني فلا يمشي في الظلمة ” (یو ۱۲:۸) من الألقاب التي عرف بها الرب يسوع في الكتاب المقدس ، أنه نور العالم إنه هو النور الحقيقي ، الذي يضئ في الظلمة ، والظلمة لا تدركه ولا تعرفه .. وهذا اللقب ذكره المسيح له المجد عن نفسه ، عندما قدموا له المرأة التي أمسكت في الزنا، وكانوا يطلبون رجمها .. أشار الرب في سرية روحية ، أن الظلمة لم تكن في المرأة الزانية التي تابت ، وإنما في الفريسيين الذين يعيشون في حياة مظلمة داخلية، ويدعون أنهم يعرفون النور والحق والوصايا . وأطلق هذا اللقب مرة أخرى ، عندما رأى المولود أعمى .. وواجه الفريسيين الحاقدين ، الذين لم يفرحوا لأن الرب أعاد البصر لهذا المسكين ، إنما أظلمت قلوبهم بالحقد، وأدانوا المخلص أنه عمل المعجزة يوم سبت…فالقضية إذا مسيحيا ليست هي قضية بصر العينين الجسديتين ، إنما البصيرة التي في الداخل ، التي تعرف الانسان الحق ، وتلهمه الصلاح . وتقوده إلى الطريق ، وتحفظه في النور والحق والحب والحياة الحقيقية .. وحتى يستكمل المقال أبعاده ، نسأل :
١ – ما الذي جاء عن النور في العهد القديم ، وإشاراته ورموزه عن المخلص ؟
۲ – ما أعلنه السيد الرب لنا عن شخصه کنور للعالم ، وعلاقة هذا بالمفاهيم اللاهوتية الأساسية ، مثل الحق والحب والحياة ؟
٣ – ما هي التداريب الروحية ، التي نخرج بها من دراستنا هذه ، کی نحيا في النور ونسلك كأبناء نور ؟
النور في العهد القديم
في سفر التكوين ، نقرأ عن أن الله الذي هو نور لا يدني منه ، إذ رأي الأرض خربة وخالية ، مشوشة ومضطربة .. أخذ روح الله يرف علی وجه المياه .
ومعنى هذا أن الحياة بدأت تدب في الخراب والفوضى..
وأعد روح الله الأرض ، ليقول الآب فأبنه الكلمة ليكن نور فكان نور…
وهكذا كان النور إفصاحا عن طبيعة الله
فالله هو النور الحقيقي ، وخلق النور كان من عمل يديه ، وكل ما يعمله الله حسن ، ورأى الله أن النور حسن ، فهو حسن لأنه صنعة يديه، ولأنه يعلن عن طبيعة الله النورانية الحقانية ، ولأنه يمهد لأعمال الخلقة العظيمة الآتية من بعد، ولأن سيكون متعة وجمالا للإنسان الذي أراد خلقته على صورته ومثاله ، لينعم بكل ما يخلقه له .
الله يسكن في نور لا يدني منه، وهو النور الحقيقي . ولكنه إذا أراد أن يكشف للإنسان عن شئ من طبيعته النورانية ، أعطاه النور الحى ، ليكون واسطة وإيضاحا عن إمكانية التلامس مع النور الإلهي ، هذا النور الحقيقي الذي كل من يتبعه لا يمشي في الظلمة البتة.
وكان الرمز صريحا في خيمة الإجتماع، فالمغارة الذهبية بشعبها الست وسرجها السبعة ، كانت تشير في وضوح إلى الرب يسوع المسيح ، الذي هو نور العالم ، والنور الحقيقي الذي ينير كل إنسان (يو ١ : ٩)، كان نورها مستمرا من المساء إلى الصباح بإستمرار.. وكانت من ذهب نقی، تشير إلى المسيح الآتی کنور العالم ، وإلى النقاوة الكاملة في شخص المسيح ، وإلى المؤمنين سيضيئون كأنوار في العالم (في ۲: ١٥).
وكذلك كان نور الله ومجده يحل بين الكروبين على غطاء تابوت الشهادة (خر ٤٠ : ٣٥) فلم يقدر موسى أن يدخل خيمة الاجتماع، لأن السحابة حلت عليه، وبهاء الرب ملأ المسكن.
وورد بسفر العدد أنه “وفي يوم إقامة المسكن غطت السحابة المسكن خيمة الشهادة وفي المساء كان على المسكن كمنظر نار إلى الصباح . هكذا كان دائما السحاب تغطيه ومنظر النار ليلا ” (عدد ٩: ١٥- ١٦).
لقد كان النور نهارا في السحابة ، واللهيب ليلا في عمود النار ، إشارة إلی نور المسيح الذي يضئ في قلوب المؤمنين نهارا وليلا يهدی مواكبهم طرق السلام .
وفي عيد المظال أيضا ، كان اليهود يوقدون المنارة ، ثم يسكبون الماء على درج الهيكل ، ليذكرهم العيد كيف أخرج الرب لهم الماء من الصخر ، وكيف هداهم بعمود النور ليلا و السحابة نهارا…وفي هذا اليوم من العيد العظيم ، وقف يسوع بجوار المنارة وشاهد الطقس يجري ، وأعلن عن نفسه أنه نور العالم ، وأن من يؤمن به تخرج من بطنه أنهار ماء حي.
لقد كان النور مرتبطا بالمسيا إرتباطا شديدا طيلة العهد القديم وبالأخص في سفر أشعياء النبي الإنجيلي.
+ ” الشعب السالك في الظلمة أبصر نورا عظيما الجالسون في أرض ظلال الموت أشرق عليهم نور ” ( اش ۲:۹) .
+ قد جعلتك نورا للأمم ، لتكون خلاصي إلى أقصى الأرض ( أش ٤٩: ٦) أنظر أيضا ( أش ٦٠ :١)، ( أش٤٢: ٦).
المسيح هو النور الحقيقي
+ هو نور شخصية المبارك ” الرب نوری وخلاصی”.
+ وهو نور في طبيعته ” الله نور وليس فيه ظلمة البتة ” .
+ وهو نور في معرفته ” كل حق هو نور . إنه ينير لكل إنسان أتيا إلى العالم لهذا كل من يتبعه ، يحيا في النور ويصبح هو أيضا نورا للآخرين.
النور والحياة
إن المتأمل في اللاهوت الأرثوذكسي يجد ثمة إرتباطا شديدا بين النور والحياة ، النور والحق ، النور والحب . فالمسيح هو النور وهو الحياة وقد أعلن عن هذا بوضوح عند قبر لعازر .. حيث المعركة التي واجهت فيها الحياة ظلمة الموت والخطيئة .
فهو عندما يعلن عن حبيبه لعازر انه قد نام ، أي قد مات ، يقول إن كان أحد يمشي في النهار لا يعثر ، لأنه ينظر نور العالم ، ولكن إن كان أحد يمشي في الليل يعثر لأن النور ليس فيه.
فالخطيئة هي التي أثمرت الموت ، إذ يقول الكتاب أجرة الخطية موت ، أما هبة الله هي حياة أبدية ، وأما الذي يؤمن بالإبن فله حياة أبدية ولو مات فسوف يحيا لأن الحياة هي في شخص الرب يسوع ونوره ونلبس أسلحة النور ولنسلك بلياقة كما في النهار ، لا بالبطر والسكر لا بالمضاجع والعهر ، لا بالخصام والحسد، بل إلبسوا الرب يسوع المسيح . ولا تصنعوا تدبيرا للجسد لأجل الشهوات . (رو ۱۳ : ۱۳ ،١٤).
النور والحق
المسيح هو النور الحقيقي ، وهو الحق كما هو الحب والحياة . والإرتباط وثيق تماما بين النور والحق . فهما طريق الرب. وقد سلم للكنيسة الروح القدس ، وسلمه الآباء لتلاميذهم ، حتی سمیت المسيحية في عصر الرسل طريقة الرب .. إنها الحياة التي فيها النور ، القداسة، الوضوح والصراحة والاستقامة ، الحق الذي لا يعرف غشا أو التواء أو دبلوماسية وأشعياء في القديم بروح النبوة ، حذر بشدة من الدخول في طريق الإلتواء أو خداعا طريق الخداع ومجاملة الناس على حساب الوصية وحق الله . “ويل للقائلين للشر خير ، وللخير شرا ، الجاعلين الظلام نورا والنور ظلاما والجاعلين المر حلوا والحلو مرا ، ويل للحكماء في أعين أنفسهم والفهماء عند ذواتهم” (أش ٥ : ۲۰).
ولقد أوضح الرب هذه الحقيقة ، عندما واجه الكتبة والفريسين ، الذين تنطبق عليهم ويلات أشعياء ، عندما قال : وهذه هي الدينونة، أن النور قد جاء الى العالم وأحب الناس الظلمة أكثر من النور، لأن أعمالهم كانت شريرة (يو٣ :١٩- ٢٠)
وفي الإرتباط بين النور والحق ، قال الرب له المجد ، وأما من يفعل الحق ، فيقبل إلى النور ، لكي تظهر أعماله أنها بالله معمولة ( يو ٣: ۲۱) .
والنور الذي أعلن لنا في شخص المسيح ، ليس إضاءة مادية ، بل هو طريق ومنهج وحياة وسلوك وإختيار “فسيروا مادام لكم النور ، لئلا يدرككم الظلام ، والذي يسير في الظلام ، لا يعلم إلى أين يذهب . مادام لكم النور ، آمنوا بالنور لتصيروا أبناء النور” (يو ۱۲ : ٣٥) .
ويقول بولس الرسول لأهل أفسس “لأنكم كنتم قبلا ظلمة أما الآن فنور في الرب اسلكوا كأولاد نور” (أف ٥: ٨) .
ويقول معلمنا يوحنا البشير “ولكن إن سلكنا في النور ، كما هو في النور فلنا شركة بعضنا مع بعض ، ودم يسوع المسيح إبنه يطهرنا من كل خطية” (ایو ١:٧) .
ويربط الرسول بولس في إلهام بديع ، بين حياة القداسة واليقظة الروحية من ناحية ، والنور والنهار من ناحية أخرى.
ويشير بالليل إلى النجاسة وظلمة الخطية ، بقوله “فلستم فی ظلمة ، حتی يدرككم ذلك اليوم كلص . جميعكم أبناء نور وأبناء نهار. لسنا من ليل ، ولا ظلمة ، فلا ننم إذا كالباقين ، بل لنسهر ونصح ، لأن الذين ينامون فبالليل ينامون ، والذين يسكرون فبالليل يسكرون” (١تس ٥: ٢، ٦).
وهذه صرخته المدوية التي أيقظت أوغسطينوس ، وأعطته حياة التوبة “قد تناهي الليل ، وتقارب النهار ، فلنخلع أعمال الظلمة”.
النور والحب
لم نجد رسولا ربط بين النور الإلهي والحب المقدس ، مثلما فعل القديس يوحنا الرسول . فرسالته الأولى يدور محورها الأساسي حول هذه القضية اللاهوتية.
إن النور والحب الحقيقي هما واحد في شخص المسيح ، وأن كل من في النور يحب ومن يحب يحيا في النور ، ومن لا يحب فلم يعرف النور ، وفي الظلمة يسلك. “أيها الأحباء لنحب بعضنا بعضا ، لأن المحبة هي من الله وكل من يحب فقد ولد من الله ، ومن لا يحب لم يعرف الله ، لأن الله محبة”.
“من قال إنه في النور ، وهو يبغض أخاه ، فهو إلى الآن في الظلمة ، من يحب أخاه يثبت في النور ، وليس فيه عثرة وأما من يبغض أخاه فهو في الظلمة وفي الظلمة يسلك ، ولا يعلم أين يمضي، لأن الظلمة أعمت عينيه” (ایو ٤: ٧ – ۸ ، ایو ۹:۲ – ۱۱).
تداريب روحية
- نور المسيح يكشف ظلمتي الداخلية
إذا جلست في الظلمة فالرب نور لي (می ۷: ۸) .. هل أنا أحب الأخوة ؟
هل أنا أسلك في الحق ؟ هل أنا أسمح لنور المسيح أن يستعلن في داخلي بروح القداسة ، حتى يظهر رائحة المسيح الذكية للناس ؟ “لتشرق فينا الحواس المضيئة ، والأفكار النورانية ، ولا تغطينا ظلمة الآلام” .
نور المسيح يهدی طرقی
+ سراج لرجلي كلامك ، ونور لسبیلی (مز۱۱۹: ١٠٥) .
+ لان الوصية مصباح والشريعة نور ، وتوبيخات الأدب طريق الحياة (أم ٦ : ۲۳).
+ هل أجلس متتلمذا كل يوم عند أقدامه ، أطلب منه بإلحاح أن يقود خطواتي بنوره
الإلهي ؟ أم أن دوافعى ذاتية ، ومحركات قلبي أرضية بشرية ؟
- نور المسيح يبهج حياتي
أيها النور الحقيقي ، الذي يضئ لكل إنسان آت إلى العالم ، أتيت إلى العالم بمحبتك للبشر ، وكل الخليقة تهللت بمجيئك ، أعطني أن أبتهج بنور محبتك ، وليبدد نور حبك ظلمات الحقد والحسد والقلق. هبنا في كل يوم حاضر أن نرضيك فيه ، لنكون أبناء نور وأبناء قيامة.
المرجع : كتاب ألقاب المسيح ووظائفه صفحة ٨٦ – الأنبا بيمن أسقف ملوي وأنصنا والأشمونين
المسيح نور العالم للمتنيح أنبا إبيفانيوس
“ثم كلمهم يسوع أيضا قائلا: أنا هو نور العالم.من يتبعنى فلا يمشى فى الظلمة، بل يكون له نور الحياة “(يو٨: ١٢) .
العتمة تسود :
قبل مجىء المسيح واستعلانه كنور للعالم، كان الظلام الروحى يعم الارض ، ومن جراء احتجاب النور الالهى ، كان الأنين من سلطان الظلمة على الطبيعة البشرية غصة ألم مكتومة فى صدور الأتقياء ، حسبما يصف الكتاب المقدس البار “لوط” قائلا عنه : “اذ كان البار ، بالنظر والسمع وهو ساكن بينهم ، يعذب يوما فيوما نفسه البارة بالأفعال الأثيمة” (٢بط ٢: ٨ )
كانت ظلمة الخطية قلعة حصينة فى مدينة الموت أرض شقائنا ، استطاع عدو جنسنا أن يوجه سهامه منها الى الناس ، كما استطاع _من طول زمان حكمه من قلعة الظلمة هذه _ أن يجد لظلمته مسارا وطريقا داخل نفس الانسان ، حتى تغلغلت فى كيانه كله. ومن خلال عمل الظلمة فى الانسان ، استطاعت الخطية أن تجسم فيه صفات الانسان العتيق ، بعد أن اطمست الصورة الالهية داخل الانسان وفى مجال الظلمة خلا الجو لسلاطين الموت لكى تبدد وتهلك قطيع البشرية، حتى ملكت وسيطرت على ميول الانسان. وصارت هذه الميول هى المجال المحبب والادوات المناسبة التى من خلالها نفث عدو الخير سموم شره فى قلب الانسان فأفسد طريقه: “ورأى الله الأرض فاذا هى قد فسدت ، اذ كان كل بشر قد افسد طريقه على الارض”(تك٦: ١٢). حتى الافكار والتصورات والغرائز الفطرية المجبولة حسنا فى الانسان ، وضعها العدو تحت تصرفه، وطرح عليها نيره فأمست هى وقود النار الذى يشعل به لهيب الشهوة داخل كيان الانسان:” كل تصور أفكار قلبه انما هو شرير كل يوم”(تك ٦: ٥).
وعلى صعيد ظلمة بنى الأنسان ، اكتسى وجه البشرية بعرق كد السنين، وعاشت التعاسة والحرمان ، وامتلأت من السآمة والملل، وعانت من العجز وفراغ النفس . وفوق ذلك فقد حفرت الظلمة لها خطوطا عميقة فى أرض النفس، ورمى العدو بذور زوانه فيها ، حتى أثمرت ثمرا رديا.
ومن جراء سيادة الظلمة، وتملك الخطية على الأعضاء، وسيطرة الشهوة على الغرائز تسيدت العتمة على الانسان المطرود من حضرة الله، فهبط من علو الشركة الحية مع الله (فى الفردوس) الى حضيض الترابيات،كقول الله لآدم “لأنك تراب والى تراب تعود” (تك ٣: ١٩). وقد زاد من مرارة الأنسان شعوره بالفقر والافلاس الروحى معا من كل ميراث روحى ، اذ صارت البشرية كلها ” شعب منهوب ومسلوب. قد اصطيد فى الحفر كله” (اش ٤٢: ٢٢).وأصبحت الظلمة غماما كثيفا ينتشر على وجه الأرض ويغطى كل ساكنيها ” لأنه ها هى الظلمة تغطى الأرض والظلام الدامس الأمم” (اش٦٠: ٢).
الرجاء يتجدد :
ومع شعور الانسان بافلاسه، واحساسه بالموت يسرى فى كيانه ، رفعت البشرية وجهها الى فوق تترجى الخلاص :
فيعقوب أبو الأسباط يتنهد منتظرا الخلاص فيقول: “لخلاصك انتظرت يارب”(تك٤٩: ١٨). وظل الألحاح شديدا من قبل البشرية _فى شخص الأنبياء_ فى طلب اشراق النور والخلاص : فداود النبى يصرخ “ياالله أرجعنا ، وأنر بوجهك فنخلص”( مز٨٠ : ٣)، ويتوسل قائلا : “أرسل نورك وحقك”(مز ٤٣: ٣). ويواصل صراخه:”أضىء بوجهك على عبدك خلصنى برحمتك يارب ، لا تدعنى أخزى لأنى دعوتك”(مز٣١: ١٦، ١٧).
استجابة الله لصراخ الانسان[١] :
وينظر الله الى ظلمه الأنسان وبؤسه، فيرثى لحال بنى المذلة، ويستجيب لصراخ البائسين . وتأتى الاستجابة على لسان الأنبياء الناطقين بروح الله، لتعلن قرب مجىء النور الذى سيعوض عن تعب السنين ومشقتها ، ويبدل عناء الانسان وبؤسه ومرارة عبوديته، بحلاوة عتقه من قيود الظلمة، واسترداده من بين أنياب الموت ، ورد الانسان الغارق فى ظلمة الأحزان الى الله مصدر عزائه دفعة أخرى :
فأيوب الصديق يفرح بشروق النور على حياته، وخلاصه من حفرة الهلاك ، فيقول: “فدى نفسى من العبور الى الحفرة، فترى حياتى النور “(أى٣٣: ٢٨ ).
واشعياء النبى يعزى النفس البشرية قائلا لها :”لأنه قد جاء نورك، ومجد الرب أشرق عليك”(اش٦٠: ١). ويبشر الجالسين فى الظلمة قائلا: “الشعب السالك فى الظلمة أبصر نورا عظيما . الجالسون فى أرض ظلال الموت أشرق عليهم نور” ( اش ٩: ٢).
وكذلك ناحوم النبى يكرز بالدفء للقلوب التى جمدها صقيع البعد عن الله، فيقول :”فى يوم البرد تشرق الشمس”(نا٣: ١٧).
وزكريا النبى يبشر البشرية التى أمسى عليها الزمان، وتراكمت عليها الظلمة وكأنها فى مساء دائم قائلا : ” وقت المساء يكون نور”(زك١٤: ٧)
وأيضا ملاخى النبى يهتف فرحا لشفاء البشرية من أمراض ظلمة الخطية وعطبها من كل بر، بانسكاب أشعة شمس البر عليها قائلا:” تشرق شمس البر والشفاء فى أجنحتها”( ملا٤: ٢)
استعلان النور :
وأخيرا، وفى ملء الزمان، جاء المسيح وأعلن نفسه كنور حقيقى صادر من عند الآب :”خرجت من عند الآب ، وقد أتيت الى العالم”(يو١٦: ٢٨)، تدفعه وتحركه قوة الحب الكامنة فيه من جهة خلاص الأنسان من سلطان الظلمة، وتحطيم حواجزها التى نشأت من جراء معصيةالانسان.
جاء المسيح كبهاء مجد الآب ، ليلاشى الضباب المتكاثف على قلوب الناس، ويحررهم من سلاسل الظلمة التى أسرتهم واستولت عليهم :”كى يرجعوا من ظلمات الى نور، ومن سلطان الشيطان الى الله”(اع٢٦: ١٨) ظلمة العبودية للشهوات :”لتخرج من الحبس المأسورين من بيت السجن الجالسين فى الظلمة”( اش ٤٢: ٧).
جاء ليريح التعابى والمتضايقين، والذين من كثرة يأسهم تراءى لهم أن الحياة ليل لا يعقبه نهار ، ولكيما يحمل أثقال كل القلوب التى انسحقت تحت عبء أحمال الهموم والآلام ، داعيا اياهم :”تعالوا الى يا جميع المتعبين والثقيلى الأحمال ، وأنا أريحكم”(مت ١١: ٢٨)
جاء النور الحقيقى كقوة حياة جديدة ليوقف تيار الأثم عن السريان فى كيان الأنسان، ليقيم وينقذ كل الغارقين فى بحار الظلمة ويحيى من جديد كل من جرفه تيار الموت :”ارحمنى يارب. انظر مذلتى من مبغضى، يا رافعى من أبواب الموت”(مز٩: ١٣)”أما أنا فقد أتيت لتكون لهم حياة “(يو١٢: ١٢)
على عتبة الاحساس بدخول النور :
طالما لم تكن هناك موانع _ من جهة الانسان_ تقف فى وجه النور ليدخل ويعمل ، فهو يبدأ عمله حالا، وان كان بطيئا وعلى مهل ، ولكن أثره يكون واضحا جليا يوما بعد يوم. وازاء دخول النور الى القلب يبدأ الانسان بمؤازرة روح الله حسب الآية:”ان كنتم بالروح تميتون أعمال الجسد فستحيون”(رو٨: ١٣)فى اماتة الانسان العتيق_ بكل صفاته وشهواته القديمة_لكى يترك المجال لبذرة الانسان الجديد أن تطلع وتنمو. وعندئذ تبدأ صورة الانسان الجديد المخلوق بحسب الله فى البر وقداسة الحق أن تأخذ فى الظهور . واذ يدخل النور الى القلب وهو محمل بالحياة، ينساب تيار الحياة فى القلب كسريان النهر المتدفق الذى يكتسح أمامه كل مخلفات الظلمة وآثارها. لذلك فهو سمى “نور الحياة” (يو٨: ١٢)
ولا يكف النور عن عمله حسب قول الرب :”أبى يعمل حتى الأن وأنا أعمل”(يو ٥: ١٧)، بل يستمر فى عمله حتى يفطم النفس عن الملذات والنزوات الماضية التى كان يشرب منها بلا ارتواء. وبفعل النور المتواصل تقل الأستجابة لالحاح الغريزة ومتطلبات الشهوة، حتى يجىء اليوم الذى يدوس عليها الأنسان برجليه، ويشمئزمن كل أعمال الظلمة”النفس الشبعانة(من عمل النور) تدوس العسل”(ام٢٧: ٧) فالنفس تجد شبعها الحقيقى فى كلمة الله التى هى نور، وفى وسائط النعمة المغذية لبذرة الحياة فى الداخل . ومع التسليم والخضوع لعمل النور ، يبدد النور كل قلق ومخاوف فى الداخل ليحل محلها السلام والهدوء والفرح وراحة الضمير :” سلاما أترك لكم سلامى أعطيكم “( يو١٤: ٢٧) وبطبيعة عمل النور كنور ، فهو يضىء الطريق الروحى أمام الأنسان ، ويقود خطواته فى طريق السلام”يهدى أقدامنا فى طريق السلام”( لو١: ٧٩)،”سراج لرجلى كلامك ونور لسبيلى”(مز١١٩: ١٠٥)، كما يتولى تنبيه الانسان وتحذيره من كل المعاثر وحفر الهلاك :”لأن الرب يكون معتمدك، ويصون رجلك من أن تؤخذ”(ام٣: ٢٦).
أبناء نور وأبناء نهار :
الانسان العائش فى الظلمة اما أنه يحاول التملص من سلطان النور فيبقى فى الخطية، واما أنه بتصميم القلب على السير فى طريق النور وأمام قوة عمل النور ، تبدأ الظلمة تتراجع الى الوراء شيئا فشيئا حتى يملك النور على القلب ويملأ كل جوانبه ، ويصير سندا قويا ومعينا جبارا لكل من يصارع ويجاهد ضد أباطيل ظلمة العالم .
ولا يقف عمل النور عند حد المعونة والسند، بل يصير هو نفسه القائد الأول على خط النار فى المعركة الضارية بين مملكة النور ومملكة الظلمة، ليصد هجوم الخطية. كما يستعلن النور عمله كقوة الهية فتبطل عمل الأعداء غير المنظورين ، وترد السهام النارية الموجهة الى أولاد الله من قوات الظلمة:”صنع قوة بذراعه. شتت المستكبرين “(لو١: ٥١) “الله لنا ملجأ وقوة”(مز٤٦: ١) ، لأنه بسلطان وقوة يأمر الأرواح النجسة فتخرج “( لو٤: ٣٦) . ومنذ مجىء المسيح ، والى يومنا هذا ، وحتى مجيئه الثانى سيظل الصراع قائما والحرب بلا هدنة بين النور والظلمة . لذلك يوصينا الرب محذرا ايانا :” فسيروا مادام لكم النور لئلا يدرككم الظلام “( يو ١٢: ٣٥ ) ولكن من دواعى سرورنا ، أنه بحضور النور الالهى الى عالمنا ، استعلن ملكوت الله ، ملكوت النور الأبدى . أتى النور الى أرضنا وأبى أن يفارقها ، بل امتد وتعمق حتى تغلغل طبيعة الانسان ذاته فولده من جديد ، وبدأت ملامح النور تتكامل داخل الانسان حتى تشكل وتمخض عن انسان جديد بطبيعة جديدة وعطايا صالحة من عند أبى الآنوار. وباندفاق النور على أرضنا لم تعد الطبيعة البشرية سقيمة أو عقيمة ، بل صار قمح برها ملأنا فى السنبل ، أى الحياة ملآنة من ثمار الروح القدس :”محبة فرح سلام ، طول أناة لطف صلاح ، ايمان وداعة تعفف (غل٥: ٢٢، ٢٣).
ومع بزوغ النور فى قلوب المولودين من فوق ، تنقطع الصلة التى كانت تربط قلوبهم وأفكارهم بالأرض وشهواتها ، وتصير سيرتهم فى السموات ولا يعودون يطأطئون رؤوسهم وينحنون لنير العدو وسلطانه، ولا يعود ميولهم وعواطفهم سائبة تتجه أينما أرادت، اذ تنضبط وتخضع لعمل الله ولتتميم مشيئته ، “أن أفعل مشيئتك ياالهى سررت”(مز٤٠: ٨ ) ، ” أقمع جسدى وأستعبده”(١كو ٩: ٢٧).
ومن جراء استضاءة النفوس بنور الله ، رأينا من هذه النفوس قمما شوامخ مثل الشهداء الأبرار الذين فرطوا فى حياتهم ولم يفرطوا فى النور الذى احتواهم وملك عليهم . كما رأينا أشجارا فارعة ظليلة ، استظل تحت غصون برها كثيرون .
وهكذا مع استعلان النور فى عالم الانسان ، انحسر عنه سلطان ملاك الظلمة وتضاءل نفوذه :”الآن يطرح رئيس هذا العالم خارجا”( يو١٢: ٣١)، وصار رأس الظلمة ورئيسها فاقدا قوته أمام كل السائرين فى طريق النور كأبناء نور وأبناء نهار.
القديس كيرلس الكبير :
(ان كلمة الله ينير كل انسان آت الى العالم ليس عن طريق التعليم ، كما يفعل الملائكة مثلا أو الناس ، ولكنه عن طريق الخلق كاله يبث فى الذين يدعوهم الى الوجود بذرة الحكمة والمعرفة الالهية، ويغرس فيهم أصل الفهم ، وهكذا يجعل الكائن الحى عاقلا ، وشريكا لطبيعته الخاصة اذ يشع فى ذهنه اشعاعات من النور الأسنى بالكيفية التى يعملها هو ، وأعتقد أن الكلام الكثير غير جائر فى هذه الأمور ……..والخليقة حينما تستنير بشركة هذا النور ، فانها تدعى بل وتكون نورا ( مت ٥: ١٤) وترتقى الى ما يفوق طبيعتها الخاصة، بنعمة الذى يمجدها ويكللها بكافة الكرامات …..
فالرب يتعطف حقا على الصغار ، الأدنياء بحسب طبيعتهم الخاصة، ويجعلهم عظماء وجديرين بأن يتعجب منهم بسبب احسانه عليهم ، لأنه كاله أراد أن يسبغ علينا خبراته الخاصة بسخاء ، ولذلك يدعونا آلهة (يو١٠: ٣٤) ، ونورا ( مت٥: ١٤) ، وأى الخيرات لم يدعنا اليها ؟؟ (شرح انجيل يوحنا ١: ٩)
ويتأمل الآباء فى نور قيامة المسيح :
(الآن أضاءت علينا اشعاعات من نور المسيح المقدس، وأشرقت علينا أضواء صافية من الروح القدس النقى ، وانفتحت علينا كنوز سماوية من المجد والالوهية . لقد ابتلع الليل الكثيف الحالك ، وانقشع الظلام الدامس واختفى ظل الموت الكئيب . الحياة امتدت وشملت كل واحد ، وامتلأ الجميع من النور غير المحدود . الفجر الجديد أشرق على الجميع ، والمسيح العظيم القوى غير المائت الذى قبل كوكب الصبح (مز١٠٩: ٢) بل وقبل كل الأجسام المنيرة ، صار يضىء الآن على الجميع أكثر من الشمس . بسبب ذلك أوجد لنا نحن المؤمنين به يوما جديدا مضيئا عظيما أبديا لا ينقص نوره، انه الفصح السرى الذى كانوا يحتفلون به رمزيا فى الناموس ، ولكنه الآن اكتمل بالتمام فى المسيح ، انه الفصح العجيب ، ابداع فضيلة الله وفعل قوته، العيد الحقيقى والتذكار الأبدي الذى فيه نبع انعدام الآلام من الألم، وعدم الموت من الموت، والحياة من القبر ، والشفاء من الجروح ، والقيامة من السقوط ، والصعود الى أعلى (السموات) من النزول الى أسفل(الجحيم).
عظة فصحية من القرن الثانى ، محفوظة ضمن كتابات ق. يوحنا ذهبى الفم
المرجع : كتاب مفاهيم إنجيلية صفحة ٤٠ – أنبا إبيفانيوس (أسقف ورئيس دير القديس أنبا مقار)
المولود أعمى – المتنيح القمص بيشوي كامل[9]
النهاردة أحد التناصير. لأنه فيه ارتباط كبير جدآ بين الشخص الأعمي في بصيرته وفي حياته وبين الشخص اللي ماشافش المسيح. ونلاحظ في كلام المسيح أن هو بيقول لهم “أنا هو نور العالم” فإذا النور علشان يتشاف محتاج لعين، عين سليمة.
الله نور ولكن النور لن يرى إلا بالعين. فلابد أن تكون العين أيضآ سليمة.
لذلك يا أحبائي إنحجبت الرؤية عن الانسان من يوم ما أخطأ. لما أخطأ الإنسان مبقاش يشوف ربنا ..
حصل له عمى في حياته. الله هو هو ماتغيرش.. الله هو ماتغيرش، لكن الإنسان مبيشوفش ربنا. يمكن أنت تقول الكنيسة دايماً تتكلم عن الخطية والتوبة، وبلاش تعمل حاجات وحشة، ونروق قلبنا ونصفيه.. ونعيش في سلام.. أبداً احنا معندناش مجرد وصايا أو شرائع علشان لما نعملها هناخذ عليها مكافأة في الآخر.
لكن حقيقة إن أحنا محتاجين إن أحنا نبصر الله، لأنه إذا أبصر الإنسان كل شيء ما عدا الله فما قيمة ذلك؟..
لذلك يا أحبائي كان آدم متعته الأولى إن هو يسمع صوت الله كل صباح مع ريح الصباح. و كان يرى الله بقلبه وبحياته الداخلية، فيفرح ويعيش يومه فرحان. مفيش يوم يعدي على آدم مسمعش فيه صوت ربنا وشافه.. صحيح ربنا لا يُرى بالعين البشرية ولكنه يرى بعين القلب.
فأصبح النهاردة الحوادث دي ماتحطتش جزافاً كده. أحنا النهاردة في حد التناصير الكنيسة اختارت الانجيل ده بذكاء الروح القدس والهامه. إن حصل حاجة في حياتنا نكون فين.. إن عيوننا انفتحت وطبعا أي واحد مر بالمراحل دي كان أعمي وبعدين فتح.
قد أيه بقي خايف على عينه تتعمي تاني. خايف خالص حتي لو شاف بصيص من النور.
آدم أعمى نفسه بنفسه، لأنه فصل نفسه عن ربنا. آدم أعمى نفسه بنفسه لأنه عمل له كيان مستقل عن الله وملأ قلبه بالكبرياء عارفاً الخير والشر يبقي زي ربنا ولا حوجة لربنا.
خطية الإنسان ذاته وكرامته وكبريائه سخافاته إن هو يظن هو شيء مع إن الإنسان كما يقول إشعياء: “كُفُّوا عَنِ الإِنْسَانِ فإنه نسمة” (إش2: 22) اذا خرجت منه ميبقاش فاضل فيه شيء. فآدم أعمى نفسه بنفسه، وفقد البصيرة بتاعته. المسيح جاي مخصوص علشان يفتح العنين بتاعته. آدي موضوع المولود اعمى، وقصد الله فيه حتي إن تلاميذه قالوا له ده أخطأ ولا أبواه؟..
احنا كنا المرة اللي فاتت بنتكلم عن المخلع، يقول له لا تعود تخطئ لئلا يكون لك أشر.
النهاردة بيقول: لا ده أخطأ ولا أبواه.. الحكاية كلها إن الناس أتعمت. أنا جاي علشان أفتح البصيرة.. علشان أفتح البصيرة يعني اللي أحنا بنسميها الإستنارة، والاستنارة عندنا يعني اللي هي المعمودية. والإنسان اللي أتولد من فوق بيتنور قلبه وتتنور حياته. متبقاش حياته من التراب فيبتدي يشوف. الأمور الروحية لا ترى بالحواس الجسدية. ومعلمنا بولس الرسول يقول هذا “قارنين الروحيات بالروحيات”. علشان أشوف الأمور الروحية لازم أكون انسان روحاني. وده إشكال المسيحية. أن أنت توصل للمسيح النهاردة مش مسألة إقناع فكري. إن أنت تقنعه بالفكر أو تثبت له التثليث والتوحيد أو أو …….. إلى آخره…. لا……. النهاردة إشكال المسيحية في الشرق والغرب إشكال الإنسان المادي. عينه اتعمدت يشوف ربنا ازاي؟ الله جه نور للعالم بيقول كده “أنا جيت” وجيت مش بس نور، جيت أفتح كمان العنين المغمضة علشان خاطر أوصل الناس لرؤيتي ولما الناس تشوفني هتعيش سعيدة.
أطن أحنا كلنا موافقين أن حياتنا من غير المسيح معتمة ومظلمة وملهاش قيمة إن كان العمر اللي ضيعناه في العالم كل حياتنا من أولها لآخرها، إن لم يكن المسيح فيها في الصغير و الكبير فهي تافهة لا تزيد عن تفاهة الإنسان اللي هينتهي في لحظة. فالمسيح جه علشان كدة قال لنيقوديموس إن لم تولد من فوق لن تدخل ملكوت الله. قال له هتولد ازاي؟ قال له، تروح تتغسل تتولد من المية. قال له إزاي.. هتشوف دلوقتي، جاب الراجل المولود أعمي ده وقال له تعال: هات عينيك، حط له طين وقال له روح اغتسل في البركة. طب ما أنت يا ربي اللي بتقدر تقول له فتح ما تقول فتح عينك وخلاص. مانت ده أنت قلت للراجل المفلوج اللي ايديه كانت يابسة مشلولة قلت له مد ايديك، هو معقول واحد مشلول يمد ايده! يمدها ازاي؟ قلت له مد ايديك فمدها فعادت صحيحة.
دا أنت بتكسر كل القوانين.. كل القوانين. أنا عارف الراجل أيده خفت الأول علشان يمدها و لا مدها وهي كانت لسة مشلولة.
مرة قريت بحث عن الموضوع ده، فيقول لك ان يسوع كان عنده ايحاء نفسي، فالراجل أيده المشلولة وللأسف الراجل كبير في اللاهوتيات فمد ايده بالايحاء النفسي، فمدها فعادت صحيحة. لا.. أبداً.. لا.. دي قوة يسوع الخالقة علشان كدة حط له طين..
لكن عايز أنا أسال على نقطة مهمة, ليه راح قال له: أتغسل في البركة، يعني روح لأن عن طريق الميه هتقدر تشوف.
صدقوني يا أحبائي علشان أحنا في النعمة دي وعايشين فيها مش قادرين نقدر الإنسان الذي لم تنفتح عينه علي رؤية يسوع بالمعمودية إنسان مسكين تائه في العالم، الإنسان الذي لم تنفتح عينه لرؤية ربنا بكلمة الانجيل إنسان عايش في الظلمة. تقول لي ربنا موجود يا أخي. عارفين أن ربنا موجود وعارفين أن النور موجود، لكنه المطلوب لي أن يكون لي عين.
الله يا أحبائي جاء للناس بيقول كدة، في الأصحاح الأول لانجيل معلمنا يوحنا “جاء للعالم وكان نور العالم، و الظلمة لم تدركه” اذاً الصراع كان بين الظلمة والنور، فنور العنين لما نورت العنين..
لو تسمع أنت النهاردة البولس اللي كان بيتقري علينا بيقول “فأميتوا أعضاءَكُمُ التي علَى الأرضِ: الزِّنا، النَّجاسَةَ، الهَوَى، الشَّهوةَ الرَّديَّةَ، الطَّمَعَ -الذي هو عِبادَةُ الأوثانِ- الأُمورَ التي مِنْ أجلِها يأتي غَضَبُ اللهِ علَى أبناءِ المَعصيَةِ” (كو3: 5، 6)..
المعمودية عبارة عن موت زي ما هتشوف دلوقتي، الراجل ده مر بفترات موت مثلاً دة انطرد من الكنيسة من مجمع اليهود، قالوا له أمشي أطلع بره، أنت راجل كافر، مبتعرفش ربنا وأنت مولود بالخطية وأنت هتتحدف لجهنم علشان كدة لازم تتطلع تترمي بره الكنيسة، لأن أنت مش مننا. متفتكرش إن دي حاجة بسيطة. خلينا نمسك واحد قاعد دلوقتي في الكنيسة ونطرده ونقول له أمشي أطلع بره ونطرده ونجيب فراش الكنيسة يمسكه ويرميه بره وكمان نرميه لجهنم. دي الكنيسة اللي قررت كدة أو مجمع اليهود اللي قرر كدة. الراجل مر بفترات موت رهيب علشان خاطر كدة مشي في الشارع بعيد عنك زي التائه، غلبان كدة فبص لقي يسوع هُبّ جاي في سكته مرة تانية. قال له مين أنت؟ قال إنسان مطرود محكوم علي بالهلاك الأبدي.
قال له أنت تعرف مين بيكلمك. قال له واحد شكله حلو لطيف، قال له اللي فتح لك عينك، قال له طيب خليني أبص أشوفك، قال له أنا النور اللي في العالم.
قال له أنا عندي عينين كمان أشوفك وأتمتع بيك. دي آخر آية في الإصحاح التاسع. الإصحاح العاشر يقول “أنا هو الراعي الصالح”. يسوع عمل له حظيرة ومعناها أن الشخص اللي اتدفن في الحظيرة بتاعته هي كدة علي طول يترمي ويأخذ يسوع.
“المولود من الجسد جسد هو، والمولود من الروح هو روح”. أولاد الله اللي منظرهم في العالم أحيانآ بيكون مرفوضين لأنهم زي المعلم بتاعهم, وإن كانوا قلة فميخافوش لأن هم القطيع الصغير، ولكن هم في رعاية يسوع وفي أحضانه وفي الحظيرة بتاعته. فتنفتح عينيه علشان يشوف المسيح.
بعد كدة خلينا نكون واعيين بنعمة المسيح، اللي كان مبيشوفش وشاف نور المسيح يعمل ايه في عينه دي؟. يحافظ عليها قد أيه؟ ها أقول لك يحافظ عليها إزاي:
لأن أي مرض بسيط يصيب عينه معروف نتيجتها أيه، الراجل ده عارف، قال لك شوف خدوا مني كل حاجة في الدنيا بس أشوف يسوع.
فأنا باقول إن اللحظة اللي العمى الروحي يدخل في قلبنا بناخد نتيجة خطيرة، عارف أيه؟ بنفقد المسيح.
يعني أنت تقول لي مثلاً أن بيني وبين أخويا فيه حاجة، وأنا مش هاسامحه وهو الغلطان وهو مفتري وهو وهو…. إلي آخره، طيب كل ده أنت صاحب حق معاك، و قلبك متعكر ومتضايق وتعبان، طيب كل ده مظبوط، لكن أيه النتيجة؟، النتيجة أن قلبك مش نقي، فمش هتشوف ربنا، يبقي حصل عمى ثاني.
لذلك يا أحبائي بأي قوة وبكل قدرتنا نحافظ على سلامة حياتنا الروحية اللي استلمناها من المسيح.. نحافظ على الثوب الأبيض الذي لبسناه يوم المعمودية، علشان ينته أبيض نقابل به المسيح، ويتوسخ نغسله بسرعة بدم المسيح. ودم يسوع المسيح يطهر من كل خطية.
المسيحيين مطالبين اليوم أنهم يحترسوا لأن الأيام قصيرة وشريرة، ويحرصوا على نقاوة قلوبهم بكل قوتهم. لأنهم يفهموا كويس لأن إذا الظلمة دخلت القلوب سواء كان من ماديات هذا العالم أو الشهوات اللي عماله تجرفنا أو من الأحقاد والضغوط الشديدة، إذا دخلت الأمور دي للقلب يحصل عمى للقلب من جديد. يبقي أيه قيمة مسيحيتنا وما قيمة معموديتنا؟ أية قيمة اللي اخذناه؟.. فحط النقط دي في ذهنك علشان تحب تعرف أن أنت بعد مانفتحت عينيك أنت في نعمة عظيمة دلوقت. عظيمة جداً زي ما كنا بنقول يوم الجمعة اللي فاتت في حديث ربنا مع نيقوديموس أنت قاعد في الكنيسة النهاردة تقول دي كنيستي وده حقي. ده أنا أبن لربنا وتخش تاكل من جسد الرب ودمه وتقول ده أنا أبنه ودي أكلتي وهو مات علشاني، وتبص للصليب تقول ده بتاعي أنا، واخد بالك، فأنت في درجة عظيمة، أنت أخدتها فحافظ على عينيك علشان مترجعش تفقد رؤية ربنا يسوع مرة ثانية، بعدما أغتسلت في بركة سلوام.
النقطة الثانية اللي أحنا نود أن تكون موضوع تأملنا أن ربنا قال للراجل .. قالوا له ده أخطأ أم أبواه، قال لهم: لا هذا ولا أبواه لكن لكي تظهر أعمال الله فيه. أو لكي يتمجد الله فيه. يتمجد الله في الانسان الأعمى ده موضوع لطيف يتمجد في انسان أعمى..
أحنا سمعنا عن مجد ربنا، حكي لنا عنه داود النبي وموسى في الخلقة “السموات تحدث بمجد الله والفلك يخبر بعمل يديه” ياما أحنا قلنا أن الله تمجد في خلقة الإنسان وصنعه على صورته ومثاله. النهاردة بنتكلم عن مجد ربنا. مجد ربنا في الخليقة كلها.. أنظروا إلى طيور السماء.. أنظروا إلى زنابق الحقل. واللي بيشتغلوا في العلم يشوفوا أسرار الله وفي الكون، واللي بيشتغلوا في طبيعة الانسان ووظائف أعضائه وتشريح جسمه يشوفوا مجد ربنا فيه. شوف ربنا مجده في كل حاجة في السحاب في النجوم في الفلك، لكن النهاردة أحنا بنتكلم عن مجد من نوع ثاني.
أيه ربنا اللي أنت عاوز تعمله لنا؟ قال أنا النهاردة باتمجد بطريقة جديدة، أنا باتمجد عن طريق الإنسان.. نشكرك يا يسوع.. يعني ممكن تتمجد فيّ أنا؟.. قال أي واحد أنا جاي النهاردة علشان أتمجد في حياة الإنسان.
وإذا كان الموضوع ده بتاع تفتيح عينين الراجل المولود أعمى ده هياخدوه الناس اللاهوتيين أساتذة اللاهوت في الجامعات ويبحثوا عنه ويكتبوا في كتب ومجلدات أنا هاعرض للعالم النهاردة لاهوت من نوع جديد.
لاهوتي أنا ما قيمته بالنسبة للإنسان إللي ظهر في الانسان نفسه وأتمتع بيه الانسان. أيه يعني لما تقعد توصف لي ربنا وتسميه لي مائة أسم أو ألف أسم وتقول لي على عظمة الله وأمجاده في خلقته والطبيعة.. كل الحاجات دي اللي شفناها في العهد القديم واللي شفناها في المزامير وتقول لي الخليقة كلها بتسبح ربنا وتمجده.. لا أنا عاوزه يتمجد فيّ أنا الراجل الغلبان، وممكن يتمجد فيّ.. قال اتمجد في أضعف واحد.
مرة من المرات كان قدامي 5000 واحد عايزين ياكلوا، وبعدين قلت لهم تاكلوا. الرسل قالوا لا مفيش.. عايزين 200 جنيه أو 200 دينار نروح ونجيب من فين أنت هتعمل أزمة وهتحرجنا والناس هتموت في السكة، فلقى طفل صغير كدة بقلب صافي نقي كويس معاه خمس خبزات. قال له تجيب يا حبيبي الخمس خبزات دول وأوكل الناس وأوكلك، قال له أتفضل يا يسوع. و لا الولد قال له: طب خد أربعة وخللي لي رغيف ولا حاجة. ممكن أنقذ ألـ 5000 نفس دول ما عدا الأطفال والنساء عن طريق العيل.. إذاً مجد الله دلوقتي مش محتاج لإنسان كبير ولا صاحب مركز ولا انسان ذو قدرة.. ولا يسر الله بساقي الرجل وعضلاته.. يعني ولا محتاج لقوة وجاب داود الصغير الشاب الصغير علشان يقتل الفلسطيني الضخم الكبير ده.
النهاردة الله بيتمجد جوه في حياة الإنسان، دي حاجة ممتعة جداً وأنا عاوز أطلبها منك يا يسوع النهاردة إن أنت تتمجد بيّ أنا وتتمجد فيّ علشان أنا لما تتمجد فيّ تتمجد بيّ تبقى ليّ قيمة. لكن أنا لما متدخلش في حياتي أنا قيمتي أيه؟!.. ها يزيد عن قيمتي المعرفة حفنة التراب اللي أتاخدت منها، ما تتمجد فيّ يا يسوع، ما أنت أتمجدت في حياة ناس كثير من القديسين ومن الناس اللي …. يا سلام.
قال أنا اتمجد في الضعف، مش معني كدة أنه ما يتمجدش بالقوة. وأقول لكم سر كمان وأتمجد في الإنسان بعد ما يموت كمان، عندنا مار مينا العجايبي ده شخص أتمجد الله في حياته، ومات وأترمي في الصحراء ومر علي الأقل حوالي ثلاثة قرون أو قرنين مثلاً من الزمان وأنتهت حياة هذا الإنسان. وراجل ماشي عنده غنم كل لما غنمة جربانة تتمرغ في التراب تخف، وسمع الملك وكانت أبنته مصابة بمرض جلدي، فبعت وقال شوفوا تخففوها أزاي، فحلمت بالليل أن مارمينا مدفون تحتها.
وآدي مار مينا اللي الناس عمالة تمجده، وأتبنت مدينة بأسم مارمينا وفي جميع أنحاء العالم في أوروبا، وفي أفريقيا من تحت وفي آسيا كانوا يجدون القارورات اللي هي القزايز الفخار مرسوم عليها مارمينا وفيه ميه، معناها أن صيته وصل لكل مكان، وده ربنا أتمجد فيه أمتى ده، بالنسبة لينا أتمجد بعدما مات، الحتة دي عايز أتكئ عليها.
أبو مقار ربنا أتمجد فيه أزاي؟.. قال أبو مقار أتهم تهمة ظالمة، أن هو غلط مع واحدة وأتهمته وأدعت عليه، فأخذوه ورموا الطين على وشه وجرجروه وقالوا له أنت عامل لنا أنك كاهن وقسيس وبتعبد وعابد وبتصلي وبتعلمنا وبتقترف الجريمة الخطيرة دي.
أنت تتجوز البنت دي وتبقي مسئول عنها. قال حاضر ورفع أمره لربنا واتبسط أنه على الأقل أتخفى عن الناس.. لاحظ أن الناس دول كانوا بيتبسطوا لما تجيهم الأذية دي، لأنه على الأقل الناس مش هتمدحهم بعد كدة فيبقى هو بينهم وبين ربنا أتفتحت السكة وأتقفلت السكة بينهم وبين الناس.
ودة كمان واضح يوم لما جات تولد البنت دي، وربنا أعلن لها أنها مش هتولد وهتتعذب لغاية لما تقول الحقيقة، لما راح له تلميذه وقال له: القرية كلها جاية تمجدك، قال له الحق ناخذ عزالنا ونهرب علشان أحنا ربنا أنقذنا من التجربة الأولانيه وعداها على خير هيوقعنا الشيطان في تجربة المدح الباطل، فربنا يتمجد بعد الموت، يعني ده وصل لدرجة الموت مش لازم الموت الجسدي زي مارمينا.
فالمسيح في كلمته الأخيرة بيقول كدة لتلاميذه أن أبن الإنسان جاي يتمجد في العالم. أيه أتمجد إزاي؟.. قال أتمجدت اني حبيت الشخص اللي هيطعني واللي سلمني خلاص ودفع الفلوس. فالمجد بتاع ربنا مجد داخلي مش مجد في الظاهر. يتمجد الله في حياة الانسان قال آه بعديها على طول بعد الحتة دي قال: إن لم تقع حبة الحنطة في الأرض وتموت لا تأتي بثمر وحدها.. أيه يا ربي؟.. قال عايز أتمجد في حباية حنطة صغيرة، و حباية قمح، قال تعمل فيها أيه علشان تتمجد يا ربي. قال تتدفن جوه وتموت عن العالم، بنموت عن شهواته. وكل عملية إماتة هي تمجيد لربنا. ومش ممكن فيه سكة توصل لمجد ربنا غير الصليب. هل ممكن فيه طريقة ثانية؟ ممكن نرمي الصليب ونشوف سكة ثانية؟
التلاميذ حبوا يهملوا الصليب، قال لهم: لا… دي السكة الوحيدة. فمجد ربنا مش هييجي غير عن طريق صليبنا.
لأجل هذا يا أحبائي بحق كل لما تنفذ وصية المسيح كلما نموت عن محبة العالم. كلما تموت عن شهوات العالم، كلما يتولد في قلبك محبة لله وشهوة لله، وكلما تبص تلاقيك بقيت كبير قدام ربنا، وتحس أن ربنا في حياتك وبعد كدة تبص تلاقي فيه مجد فعلاً. بس الناس مش هتشوفه بره مش هاتشوف بره خالص. لكن مجدك بينك وبين ربنا.
ما هو الراجل المولود أعمي ده لما طلع محدش أدي له قيمة غير المسيح. قال له أنا اللي خففت عينيك، فالراجل أنبسط وقال له: كفايا لي أنت يا يسوع. هو دة مجدي.
هل تؤمن النهاردة أن مجدك هو في يسوع، فتموت عن كل حاجة ثانية؟ وإذا خسرت كل حاجة وكسبت المسيح، يبقي كل ما كان ربح حسبته لأجل معرفة المسيح خسارة… خليك شجاع، شجاع، وبقوة كدة تقول “أنا نصيبي هو الرب” وأن دة مجدي والمسيج قال تصلبوا الذات.
فالمجد بتاعنا في المسيحية بيجي من صلب الذات وبيجي بالموت. ده مجد الكنيسة.
مجد الكنيسة وعظمتها لما نحب نحكي عن آبائنا نقول كانت كنيسة غلبانة وكانت كنيسة شهداء وكانت كنيسة مضطهدة من العالم وكانت الكنيسة المضحية وكانت كنيسة الأصوام وكانت كنيسة العبادة، وكانوا الناس اللي بيسكنوا في الجبال والبراري وشقوق الأرض من أجل عظم محبتهم في الملك المسيح ونقعد نتغني بالكلام دة، لكن المجد هو سكته هو دة.. الصليب.
النقطة الثانية: المجد ممكن نوصل ليه بسكة واحدة مش بسكتين، بعد الأمانة وحمل الصليب. أن ربنا يسوع يلمس العنيين.
يسوع يلمس العنيين.. جاب طين ولمس عيينه، والمجد ميتحسش يا أحبائي إلا بلمسة من يسوع. أنت عارف المثل العادي اللي يقول لك فلان ده تحط التراب في أيديه يطلع ذهب يا سلام.. كدة فلان دة كدة.. حاجة غربية جداً.
أمال أحنا لما نتحط في أيدين المسيح نطلع أيه؟.. لما أحنا بنتحط في أيدين المسيح نطلع أيه..؟ أمال لما ناخذ لمسة من لمسات يسوع الحلوة نطلع أيه…؟ أمال لما يسوع يدخل في حياتي، ويلمس قلبي ويلمس حياتي أبقى أيه….؟ّ!
أنا محتاج للمسة منك يا يسوع ولو لمسة لهدب ثوبك زي المرأة نازفة الدم.
أنا محتاج للمسة منك.. أنا نفسي لمسة حتي من رجليك زي المرأة الخاطية وفجرت في عينيها ينابيع دموع، وفجرت في قلبها ينابيع حب..
نفسي في لمسة منك.
لأجل هذا يا أحبائي كم من وقت ضائع من حياتنا كان ممكن أحنا نتلامس فيه مع كلمة ربنا. ومع الأنجيل بتاعه ومع وصيته، لكن فضلنا أننا نتلامس مع أمور أخرى كثيرة ما عدا المسيح. وحياتنا ومجدنا هي في لمسة ربنا يسوع لينا. في لمسة المسيح لينا. المجد اللي موجود لينا أننا نلتصق بربنا. لما واحد يلتصق بإنسان تافه يبقي تافه و لما واحد يلتصق بانسان عظيم يبقي عظيم ما بالك بقى اللي يلتصق بربنا غير المحدود يبقى أيه؟ علشان كدة داود النبي يقول “خير لي الألتصاق بالرب” والالتصاق دي كلمة لاهوتية عميقة جداً لأن أحنا حقيقة في عهد النعمة أصبجنا أعضاء في جسم المسيح.
فالالتصاق مش تشبيه، التصاق حقيقي.. ولما يتكلم المسيح عن سر الزواج في الكنيسة علشان الناس اللي بره ما تفهمش السر ده يعني أيه؟ علشان كدة ممكن يتجوز أثنين يتجوز ثلاثة يتجوز أربعة.. ده سر يقول عنه بولس الرسول في رسالته لأفسس “كما أحب المسيح الكنيسة لأننا من لحمه ومن عظامه. هذا السر عظيم. أقوله من نحو المسيح والكنيسة”.
فالألتصاق هنا والأتحاد لما بيشبه المسيح بالزواج عاوز يوري أن إتحاده بالكنيسة هو الأصل في الزواج. والزواج المسيحي صورة طبق الأصل لإلتصاق المسيح بالكنيسة.
عارف مرة ثانية يقول أيه المسيح؟.. أنا الراس، رأس الكنيسة. بولس الرسول يقول عن المسيح أنه هو الرأس وأحنا جسمه. عارف أيه الرأس بالنسبة للجسم. مش هاشرح الوظائف يعني ولا حاجة، مافهمش، لكن تعال إقطع رأس واحد وأفصلها عن جسمه يبقى فاضل فيه أيه؟.. ما فضلش فيه حاجة.
آه ودة الإنسان من غير لمسة المسيح. عبارة عن جسد بدون رأس يساوي أيه؟.. ميساويش حاجة أبداً. بسرعة يساوي الزبالة.
لذلك يا أحبائي بلمسة يسوع للراجل الأعمي خلقت منه عينين مفتحة. خير لي الإلتصاق بالرب. ربنا يعطينا كلنا النعمة إن كل لحظة، كل دقيقة، نقفها قدام ربنا في صلاة عميقة منبثقة من قلبك دي لحظة التصاق بربنا فأنت بتكبر.
كل وقت بتقضيه في قراءة الانجيل وفي سماع كلمة ربنا بتكبر لأن أنت كلمة ربنا تتلامس مع حياتك.
كل وقفة صامته أمام صليب المسيح أنت بتتلامس معاه مع أمجاده .
يا أحبائي عمرنا اللي موجود على الأرض ده كيف نقضيه إلا في الالتصاق بربنا علشان نكبر. علشان كدة الفنان القبطي المصري القديم لما كان يرسم صورة القديس يعمله هالة كبيرة على رأسه. شوف كل القديسين لازم حواليهم هالة، صحيح أحنا بنفرقهم عن الهالة بتاعة المسيح.. المسيح الهالة بتاعته مرسوم وراها صليب. دي بس للمسيح. لكن كل القديسين حواليهم هالة، لكن يهوذا الراجل الفنان القبطي راسمه من غير هالة على رأسه. والفنان القبطي أيضا لما كان يرسم القديس يرسمه كبير، مار جرجس كبير كدة والحصان بتاعه صغير وهو عاوز يعبر أن الشخص ده لما انحاز لله والتصق به كبر. حتي لو انطرد من العالم.
فالنقطة الأولانية إن الله يتمجد في حياتي، ممكن؟.. ممكن جدآ.. وطريق المجد هو طريق الصليب وطريق الإماتة عن العالم، وحبة الحنطة لما تنزل في الأرض وتتدفن تأتي بثمر كثير. وطريق المجد هو لمسة من يسوع،
ما أعظم يا أحبائي إن حياتي يتمجد فيها ربنا.. ده يبقي شرف كبير خالص.
ما أجمل أن بيتي وأسرتي يتمجد فيها ربنا.
يا سلام على البيت اللي يبقى البيت ده ملتصق بربنا بيت ملتصق بربنا تخش فيه تلاقي ريحة الحب.. والمحبة والتضحية والإحتمال، تشم في البيت ريحة المسيح، تبص لمنظر البيت.. منظر الناس اللي فيه، تبص تلاقي ملامح يسوع كدة واضحة في حياتهم، تقول الله بيتمجد في البيت دة، ليه؟ لأن ربنا عايش فيه، فالبيت اللي ربنا عايش فيه يبقي ربنا يتمجد فيه.
يا ربي أحنا النهاردة لا شيء ينقصنا بالمرة إلا إن أنت تتمجد في حياتنا.
و ربنا يتمجد في الضعف أيضآ، ملقيتش يا رب حد تتمجد فيه غير الراجل يا رب اللي عينه عاميه؟ مفيش حد أبداً؟.. فيه ناس كثير عينيهم كبيرة وستة علي ستة ونظرهم كويس. قال أنا أتمجد في الضعف. أنتم فاكرين أيه؟ “قوتي في الضعف تكمل” وبولس علشان حاجة ثانية قال له “تكفيك نعمتي لأن قوتي في الضعف تكمل” وأبتدا بولس الرسول كآلة طيعة في أيدين ربنا، يختبر أن ربنا يتمجد في خدمته وهو ضعيف ومريض وتعبان أكثر من قوته الأولي قبلما يعرف المسيح، وأيه رأيك أن بولس الرسول أول حركة لتمجيد ربنا فيه أنه عماه. أول لما ظهر له في السكة جري له أيه؟ أتعمي، أتعمي عن الماضي كله. وبعدين قال له طب أعمل أيه يا رب دلوقت. قال له أنا ها أتمجد فيك. قال له تتمجد أزاي؟ فالتلاميذ أشتكوا، قالوا الرجل ده خطر بيننا، قال لهم: سأريه كيف سيتألم من أجل أسمي”…..
هاتتمجد فيه يا رب؟ قال “هاتمجد فيه قدام أمم وولاة وملوك كثيرين “هاحطه قدام الملوك يبهدلوا فيه، وأتمجد فيه، وأخلي ريحة المسيح تطلع منه قدام الملوك والولاة، وأتعمى بولس وقال له طب أعمل أيه يا رب لحياتي الجديدة؟ قال له روح لحنانيا.. روح للكنيسة يعني توريك تعمل أيه؟ فراح لحنانيا قال له تعال آمن وأعتمد، فوقعت قشور من عينيه أتغسل يعني في بركة سلوام وتمجد الله في حياة بولس، طب ما كنت تتمجد بشهاداته وبمركزه وعلمه، وكان بولس ده راجل كبير في الكنيسة، قال: لا.. أنا أتمجد بيه وهو أعمي كدة وبيجرجروه من بيت لبيت علشان يلتمس طريقه، وتنفتح عينيه على رؤية المسيح، وأتمجد فيه بضعفه.
باختصار يا أحبائي نحن نرجو من الله أنه يتمجد في حياتنا، هو جه نور للعالم، وجه يفتح العينين. أعطانا هذه البصيرة فلنحافظ عليها بكل قوتنا ونمشي في طريق الصليب بتاعنا، حاملينه بفرح وبلذة وبسرور وفي طريق الإماته عن العالم، ونطلب لمسة من يسوع في حياتنا، ونقول له يا ربي: ما قيمة حياتي بعد أن تنفصل عنك أعطيني يا رب أن تكون قدماي في كل حين كما يقول داود النبي “وضعت الرب أمامي في كل حين لأنه عن يميني كي لا أتزعزع.
أحنا هنقول أكثر من داود كمان.. هنقول له يا ربي أنا عضو في جسمك فماتسمحش أبداً أن العضو دة ينقطع منك، أنا الكرمة وأنتم الأغصان، نحن أعضاء جسمه من لحمه ومن عظامه.. هل يوجد مجد أعظم من هذا يا أحبائي!!..
الهنا الصالح يتمجد في كل واحد مننا يفتح قلبه لربنا ويحتفظ ببصيرته الروحية اللي وهبها له في المعمودية. ولإلهنا المجد دائماً أبدياً آمين.
المولود أعمى – المتنيح القمص لوقا سيداروس[11]
من أخطأ هذا أم أبواه حتی ولد أعمى؟
هكذا سأل التلاميذ الرب يسوع. فالإنسان دائماً يميل إلى الحكم على الآخرين وتعليل الأمور تعليلاً كثيراً ما يكون خاطئاً.. ولكن ما أبعد أحكام الله عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء، لأن من عرف فكر الرب.. بل كما علت السماء عن الأرض يعلو فكر الله عن الناس وطرقه عن طرقهم .
لكي تظهر أعمال الله فيه
هكذا أجاب الرب على استفسار التلاميذ. فالله قادر أن يتمجد في الضعف، وفي الكوارث، وفي الولادات المشوهة، وفي الأمراض المستعصية.
قد تكون كل هذه الأمور بقصد عال جداً وتدبير في ذهن الله..
فلو نظرنا بعين الرب يسوع لأدرکنا كل الأمور التي حولنا مهما كانت صعبة ستؤول لمجد الله..
عندما سمع الرب مرض لعازر قال: “هذا المرض ليس للموت لكن لمجد الله”.. ليت كل أمورنا تدفعنا أن نبحث عن مجد الله في حياتنا وننظر كيف يتمجد الله في نهاية كل هذه الأمور .
مادمت في العالم فأنا نور العالم
المسيح يعلن لنا ذاته.. لأنه جاء ليظهر لنا ذاته ويصالحنا مع الله، والمعجزات التي صنعها الرب كانت تكشف عن المسيح وتعطينا أن ندرك حقنا ونتمتع به.
فالمسيح في هذه المعجزة يقدم نفسه لنا ليس شافياً لعين جسدية لإنسان أعمى، ولكنه يقدم نفسه، وقبل أن يصنع المعجزة.. يقدم نفسه نوراً للعالم.. العميان ليس حسب الجسد، بل حسب الروح للجالسين في الظلمة وظلال الموت، ومعرفة المسيح هي معرفة النور الحقيقي الذي يضيء لكل إنسان آت إلى العالم.
من يتبع المسيح لا يعود يمشي في الظلام، بل بنور المسيح يعاين النور.. الله الذي قال أن يشرق نور من ظلمة، هو الذي أنار في قلوبنا لإنارة معرفة مجد الله في وجه يسوع المسيح .
بعد ما طلى الرب عيني المولود أعمي بالطين قال له: “اذهَبِ اغتَسِلْ في بركَةِ سِلوامَ” الذي تفسيرُهُ: (مُرسَلٌ). فمضي واغتسل وأتي بصيراً.
نحن هنا أمام خليقة جديدة، ونهاية لميلاد عتيق حسب الجسد الترابي، ونهاية العمى واغتسال في مياه الروح، ونور يشرق لأول مرة، إن كل هذه الأمور تعطينا فكرة عن خيرات المعمودية في حياتنا.
من تدبير الكنيسة المقدسة أن يقرأ هذا الفصل في يوم اقتبال نفوس كثيرة نعمة العماد لكي ندرك أسرار ملكوت الله .
المعمودية بصيرة ونور
نَحنُ “نَعلَمُ أنَّ ابنَ اللهِ قد جاءَ وأعطانا بَصيرَةً لنَعرِفَ الحَقَّ” (۱يو٥: 20). هكذا يعلمنا القديس يوحنا الحبيب في رسالته الأولى، ويربط بين الميلاد من الله، والنور والمحبة للأخوة. وهذه هي الحياة الأبدية كما عاشتها الكنيسة كلها، وكما سجلها لنا الآباء الذين سلكوا في النور .
- البصيرة التي وهبها لنا الله بالخليقة الجديدة والإغتسال في مياه العمودية المقدسة. نستطيع بها أن نقول إننا غير ناظرين إلى الأشياء التي تُرىَ وقتية، أما التي لا تُرىَ فأبدية.
- البصيرة الروحية تستطيع أن تقبل أعمال الله في الأسرار بلا مجادلة ولا شوشرة، إذ تكون قد سقطت عنها القشور مثل عيني شاول، وقد انتهت منها ظلمة الجهل وعدم الإيمان، بوضع يد حنانيا المرسل له من الله، فأبصر في الحال وقام وأعتمد.
- البصيرة الروحية تستطيع أن ترى جيش الملائكة النورانيين يحاربون عنا ونحن محاصرين بقوات الشر التي في العالم، فنمتلى طمأنينة ونصرخ قائلين: “الذين معنا اكثر من الذين علينا” مثل ما فعل اليشع النبي مع تلميذه قائلاً: “اکشف یا رب عن عين الغلام” (2مل6: 16، 17).
- البصيرة الروحية ترى بإيمان في تنفيذ وصية الله وطاعته عن حب، حتى إلى تقديم الأبن الوحيد مثل أب الآباء ابراهيم، ترى أبعد من الحوادث الزمنية وتتخطى الحواجز، وترى الله قادر على الإقامة من الأموات أيضاً .
فتتشدد في الإيمان وتبلغ إلى رؤية الله، حتى أن ابراهیم دعا ذلك المكان “يَهوهْ يِرأهْ” أي أنه نظر الرب وعاين صليبه وذبيحته عن حب، وقیامته من خلال ذبيحة الحب التي قدم بها اسحق على المذبح.
- البصيرة الروحية التي أخذناها في المعمودية نستطيع بها أن نقول أننا ناظرين إلى الرب بوجه مكشوف.. ونقول من يقين الإيمان للآخرين عن الرب يسوع الذي رأيناه وشاهدناه بعيوننا، ونفهم المكتوب لأهل غلاطية: “أنتُمُ الذينَ أمامَ عُيونِكُمْ قد رُسِمَ يَسوعُ المَسيحُ بَينَكُمْ مَصلوبًا” .
- البصيرة الروحية التي أخذناها في المعمودية إن أهملناها وحولنا نظرنا إلى العالم والمشتهيات، وانشغلنا بالأباطيل، فإن عيوننا تضعف وتبتديء بصيرتنا تكل، فلا نعود نتحقق من رؤية الله، مثل ما قال الرب لملاك كنيسة اللاودكية: “تقولُ: إنِّي أنا غَنيٌّ وقد استَغنَيتُ، ولا حاجَةَ لي إلَى شَيءٍ، ولستَ تعلَمُ أنَّكَ أنتَ الشَّقيُّ والباَئسُ وفَقيرٌ وأعمَى وعُريانٌ”، هنا ضعفت البصيرة فلم يعد يعرف حقيقة نفسه وحقيقة حالته. وقد قال الرب: “كحِّلْ عَينَيكَ بكُحلٍ لكَيْ تُبصِرَ”، وهذه هي التوبة مع التوبيخات والتأديبات الإلهية ودموع الندامة والرجوع إلى الله.
إن دموع التوبة هي معموديتنا المتكررة التي نسترد بها قوة بصيرتنا لنعرف الله، ونعرف ذواتنا ودواخلنا أيضاً .
ولكن ماذا بعد المعمودية أيضاً؟
“بَعدَما أُنِرتُمْ صَبَرتُمْ علَى مُجاهَدَةِ آلامٍ كثيرَةٍ… مِنْ جِهَةٍ مَشهورينَ بتعييراتٍ وضيقاتٍ” هكذا قال الرسول بولس للعبرانيين، أنه بعد ما قبلوا الإيمان ودخلوا في شركة ميراث القديسين في النور واستناروا بالمعمودية المقدسة تعرضوا لمضايقات وجهادات كثيرة وتعییرات، وهذا ما نراه واضحاً في قصة المولود الأعمى أنه بعد ما فتح الرب عينيه اصطدم بمقاومات ومحاكمات من الفريسيين ورؤساء اليهود.
أليس هذا حال الشعب في القديم، بعد ما جاز بحر العماد كان عليه أن يحارب عماليق..
إذن الشيطان يرصد حركاتنا کعدو جنسنا من اللحظة التي فيها يفتح الرب عيوننا بالمعمودية أو باغتسال دموع التوبة..
من هذه اللحظة يقف الشيطان ليهيج العواطف حولنا ويثير الناس ضدنا وكأننا غرباء على جسم المجتمع.
أتؤمن بإبن الله؟.. نعم يا رب، وسجد له
لم يكن صعباً أن ينطق الإنسان بإقرار الإيمان مثل ما فعل بطرس تماماً عندما أنار الرب بصيرته وقال: “أنتَ هو المَسيحُ ابنُ اللهِ الحَيِّ”. فالمسيح بكلمته ينقي القلب ويطهر الداخل.
أنتم أنقياء بسبب الكلام الذي کلمتكم به.
ونقاوة القلب تؤهلنا لرؤية الله “طوبَى للأنقياءِ القَلبِ، لأنَّهُمْ يُعايِنونَ اللهَ” والإيمان به.
الأحد السادس من الصوم الكبير للمتنيح القمص تادرس البراموسي
أنى كنت أعمى والأن أبصر (يو ٩ – ١ – ٤١)
هذه المعجزة العظيمة لم لا يذكرها أحد من الإنجيلين ألا القديس يوحنا ويرجح المفسرون أنها حدثت عند مدخل الهيكل حيث كان يجتمع المتسولون يستجدوا الناس للعطاء صنعها الرب يسوع أمام جمهور الشعب وكون أنه ولد أعمى جعل شفاءه عجيب مما كان فقد البصر بعد ولادته لكان عرف السبب مما جعل التلاميذ يسألون أهكذا أخطأ أم أبواه حتى ولد أعمى . كان اليهود يعتقدون أن ما أصاب هذا الإنسان نتيجة الخطية نعم أن الخطية سبب كل المصائب والشرور وكل ما أصاب بها نسل أدم هو سببه المعصية لكن في بعض الأحيان تكون المصائب نتيجة لامتحان الأيمان وأظهار الفضائل. مثل أيوب البار وكثيرون غيره من القديسين أمتحنهم الله بمصائب فادحة وكانوا قديسين يشهد لهم التاريخ. رد الرب يسوع على التلاميذ قائلا لا هذا أخطأ ولا أبواه لكن لتظهر أعمال الله فيه لم يقصد الرب يسوع أن هذا الرجل بلا خطية أو والديه لم يقترفا أثم . فمن المعروف أن خطية أبونا أدم شملت الجميع وورثها كل نسله . لكن المقصود من قول الرب أنه لم يفقد هذا الإنسان بصره قبل أن يود لكن الله سمح بذلك لكى يظهر الله قوته في الإنسان ليستنير جسداً وروحاً ويكون شفاءه سبب خلاص لأخرين ولو لم تحدث هذه المعجزة لما أمن هؤلاء الذين أمنوا بسببه صنع الرب يسوع هذه المعجزة لى يظهر للجميع أنه الله الخالق لان الإنسان خلق من طين وقال البعض أنه نقص في مقلتى هذا الإنسان فأكمله الرب يسوع من نفس معدن الإنسان وبالرغم من أن الطين مضر للعين لكن ليبين الرب أنه شفاء بقوة تفوق الطبيعة وانه جابل الكل وخالق البرية شفاء هذا الرجل أظهر أنه نور العالم وشمس البر . وإنارة العيون الجسدية رمز إلى إنارة العيون الروحية التي هي النفوس . عجيب هو الرب في أعماله فتارة يشفى المريض بكلمة وتارة باللمس وتارة بالتفل في عينيه ووضع يده عليه ومرة أخرى بالطين كما فعل مع هذا الرجل مضى هذا الرجل وأغتسل وأتى بصيراً ليس بقوة الاغتسال بالماء بل بقوة السيد المسيح وقد شفيت نفسه بطاعته للمسيح والأيمان به بعد شفاء هذا الأعمى حدث كثير من المباحثات بين هذا الرجل واليهود وشهد أن الرب يسوع هو الذى أبرأه وآمن به ومن حسد اليهود كانوا يطلبون قتل الرب يسوع لأنه صنع هذا في يوم السبت حتى الوالدين تهربوا من المسئولية لكى لا يحرموا من الميزات اليهودية وكل من كان يعترف ويؤمن بالمسيح يخرج من المجمع ويحرم من الحقوق الدينية المدنية ممكن لمدة معينة أو مدى الحياة وكان يجوز بقتل من يحرم من المجمع لذلك خاف الوالدين وقالوا هو كامل السن أسالوه
العظة الأولى
أ- مواود أعمى وفقير متسول
ب- تسأولات وشكوك هذا أخطأ
ج – عمل الله وخلقه للإنسان
د – نقص الإنسان وتدخل الخالق
هـ – طاعة العبد وتكميل الوصية
و – عدم التصديق وتبلبل الأفكار
ذ – الفريسيين والتزمت الأعمى
ح – تشكيك الشعب في لاهوت المسيح
ط – تهرب الأهل من المسئولية والخوف على المناصب
ى – أيمان الرجل تدرج الأيمان إنسان . نبى . إله . سجد له
ك – المقارنة بين موسى والسيد المسيح
ل – العمى الروحى وجهل الشعوب
م – إهانة الناس وتحقيرهم لمن يتوب الاستعداد لملاقة الرب لأن اليوم قريب
العظة الثانية
أ- معلم وتلاميذ وأعمى
ب – شفاء ونور وتمجيد
ج – طين وبركة واغتسال
د – طاعة وشفاء ومعرفة
هـ – الشك وعدم الأيمان مشكلة العصر
و – أعمى وفقير ومتروك
ذ – تزمر اليهود وتصرفهم المعهود
ح – سؤال الوالدين والتهرب الممقوت
ط – يعطون المجد لله وينكرون عطاياه
ك – تفضيل موسى على المسيح لأن قلبهم جريح
ل – التبشير بيسوع والإعلان للجموع
م – تأكيد الأيمان وأبصره بالعيان
ن – عمى المبصرين وابصر العميان
العظة الثالث
أ- عمى البصيرة يجعل الإنسان في حيرة
ب – إعلان الحقيقة وكشف المستور
ج – شفاء العينين واستنارة القلب
د – حكمة الخالق في وضع الطين
هـ – الفقر من المال ومن البصر ومن الفضيلة
و – الفلسفة العمياء وحب التسلط
ذ – موقف الوالدين وإنكارهم للحق
ح – الجبن والخوف وإنكار المعروف
ط – إعلان الحق وأعطاه المجد
ى – الحكم الظالم والرأى العقيم
ك – سجود المريض وأيمانه الأكيد
ل – تفتح العميان وخلاص الإنسان[13]
المسيح .. النور للمتنيح القمص بولس باسيلي
تقسيم على ضوء القراءات الكنسية
البولس : (کو ٣: ٥ – ۱۷)
الكاثوليكون : (۱يو ٥ :۱۳ – ۲۱)
الابرکسیس : (أع ۲۷ : ۲۷ – ۳۷)
الانجيل : (يو ۹: ۱- ٤١)
القسم الأول – المسيح يدعو العميان إلى النور
يدعو الخطاة إلى التوبة : كما أوصانا على فم يوحنا الحبيب
قائلا في (الكاثوليكون) « إن كنا نعلم أنه مهما طلبنا يسمع لنا » (١يو ٥ : ١٥).
(۲) يدعو السالكين في الظلام إلى النور:« كتبت إليكم … لكي تعلموا ان لكم حياة أبدية و لكي تؤمنوا باسم ابن الله » (۱ يو ۱۳:٥)
القسم الثاني – الطريق إلى النور
(١) إماتة أعضاء الخطية : كما أوصت رسالة البولس « اميتوا أعضاءکم التي على الأرض الزنا النجاسة الهوى الشهوة الردية
الطمع الذي هو عبادة الأوثان … الخ » (کو ٣ : ٥ -۷) •
(۲) طرح وسائط الانحراف : « اطرحوا عنكم انتم أيضاً الكل : الغضب السخط الخبث التجديف الكلام القبيح من أفواهكم ، لا
تكذبوا بعضكم على بعض » (كو ٣ : ٨ ، ٩).
حول عظة الأحد السادس (يو ٩: ١- ٣٨)
من أخطأ ؟
- أعجبني قول أحد القديسين في هذا الصدد : « إذا لم يستطع زيت نعمة الله أن يلين من حديد قلوبنا ، يلينها الله في نيران أتون الألم،
وإذا لم تصلح تربة قلوبنا لبذار الكلمة الحية فإن الله يجرب فيها مجرفته و محراثه وفلاحته فيقلب عاليها سافلها بالآلات الضيقات ،
وإذا عميت عيوننا عن رؤية نفوسنا حق الرؤية رد إلينا الله أبصارنا بوضع كحل التجارب المحرق فيها .»
ذلك نرى أن الضيقات نار تلين عودنا ومحراث يحسن تربة قلوبنا وكحل محرق يفتح عيوننا ، ثقل عظيم يخفض كبرياءنا ، فهل نكره الضيقات والألم ؟!!
- قال يوحنا ذهي الفم « إنه لو لم يضرب الشيطان ایوب بالضربات المختلفة والقروح ما ظهرت لنا أشعة إيمانه البراقة ، بل بقيت مغطاة في مكانها ، ولو يجلس في الرماد ، ما كان ليبلغنا شيء عن فيض غناه الروحي » .
وقد قال « دونام » إذا دققنا في هاون التجربة كالطيب ، يفوح منها أريج عطر جداً ما كان ليظهر منه قبل عملية الدق إلا القليل جداً ، وكالورد إذا لم تمسه بقی برائحة وقتية للقليلين بخلاف ما إذا مسته يد .. فلا تتذمر من «الدق» ولا تغضب من «العصر» !!
قالت سيدة مجربة مؤمنة كانت تقابل دائماً من زوجها بالضيق والاذلال يزيد قساوة فازيد لينا كعود زاده الاحراق طیباً
- تحوى القيثارة كل قوة الفن في اوتارها ، ولكن إذا لم تمسسها يد بقيت بلا صوت ، إنها في حاجة إلى يد تحرك هذه الأوتار لتشنف آذان السامعين وكذلك نفسي و نفسك أيها المؤمن قد تحتوى على اسمي المواهب والبركات غير أنها لا تعطى صوت تسبيح أو شكر لله ، إنها في حاجة إلى يد الله تمسها وتحركها بالتجربة والضيقة ، عندئذ تخرج أجمل الأصوات !
لتظهر أعمال الله فيه
- قال أحد القديسين « لما تنمو فروع الشجرة على جانب واحد ويترك الجانب الآخر بلا اغصان ولا ثمر ، يمسك البستاني الحكيم
سكينة ويقطع ولكن ای جزء ؟ إنه لا يمد يده ليقطع بعض الأغصان من الجانب المثمر بل يمد يده ويجرح الشجرة في الجانب البائر لأنه يعلم أن كل جرح ستظهر فيه برعمة يتبعها غصن .
هكذا المؤمن كم يكون سعيداً حين تمر عليه سكين الضيقات والتجارب إذا كان وراء هذه السكين برعمة ، ولكن ويل لأولئك
الذين يزدادون بواراً بعد كل جرح من السكين !
هو كامل السن ؟۱
- كمال السن عند اليهود حين يبلغ الانسان الثلاثين ، ولذلك رأينا السيد المسيح ينتظر حتى يتم الثلاثين فيبدأ الكرازة العملية :
أما الأعمار بالنسبة للانسان فليست هي كل شيء ، فلا تقاس السن بالطول فكم من شاب عاش الثلاثين او الأربعين فقط ولكنها أربعون قصراً حافلة بجلائل الأعمال، وكم من شيخ عمر الثمانين أو المائة لكنها مائة من الخرائب يزعق فيها البوم وينعق فيها الغراب .
إننا يجب أن نعيش أعمارنا بعرضها ، أي بما نؤديه للانسانية من خدمات ، وبعمقها أي بروحانيتها ابعد إلى العمق والقوا شباككم
للصيد، وبارتفاعها أي بشرکتها القوية مع الله .
- الله لا يهمه کم عمرنا الجسدي ، بل يسال کم عمرنا الروحي ؟ كم لنا من العمر مع المسيح في الإيمان . إن الله لا يتعجل النمو كما
نتعجله نحن ، يتم بلوغ الحصان بعد 4 سنوات من ولادته ، والانسان بعد ۲۱ سنة ، وشجرة البلوط بعد مائة سنة ، ليس المهم متي تصل إلى البلوغ بل هل نسير باستمرار نحو البلوغ ؟
لا يحل فعله في السبوت
- قرأت عن اليهود إنهم كانوا يفاخرون العالم كله بأنهم يفضلون الموت على کسر السبت . قرأت عن ربان السفينة الذي انحرفت
دفتها وكان ذلك عندما غربت شمس يوم الجمعة ودخل السبت فرفض أن يقبض على الدفة ويصلح سير السفينة ، إنه فضل أن
تتكسر السفينة ويغرق مع ركابها على أن يكسر يوم السبت ، وقرأت عن ذبح آلاف من اليهود في إحدى المعارك لأن السبت كان
قد دخل أثناء هجوم المهاجمين ، ورأى اليهود أنه من الأفضل أن تكسر رقابهم من أن يكسروا السبت بحمل السلاح هجوماً على الأعداء.
لقد رتب حاخامات اليهود كما ذكر « المرشد » دستوراً يتضمن ۳۹ مادة كلها قوانين تحذيرية ضد كاسري يوم السبت ، ومن بين
القوانين التسعة والثلاثين قطف السنابل يوم السبت لأنه حصاد وفركها بين الأيدی حرام أيضاً !
ومن بين هذه القوانين العجيبة أنه حرام أن يخرج الخياط حاملا ابرته عند إقبال الظلام ليلة السبت لئلا ينساها معه فيحملها يوم
السبت وهذا جرم لا يغتفر ، وحرام أن يخرج الكاتب أيضاً وقلمه على أذنه ، وعلى الانسان عموماً ألا يلبس يوم السبت حذاء كثير
المسامير لئلا يعتبر حاملا لها ، وقد حدث خلاف بشأن الأعرج هل يجوز أن يضع رجله الخشبية أم لا يجوز يوم السبت ! ما أعجب
هذه الحياة المشحونة بالرياء !
إننا إن أوصينا بيوم الراحة الجديد يوم الأحد، فعلينا أن نقدس أيضاً بقية أيام الأسبوع في العمل، فقد ذكر الوحي أن الله عمل ستة أيام وقال في ستة أيام تعمل جميع عملك ، ولكن هناك كثيرين يستريحون يوم الأحد. ويستريحون بلا عمل أيضاً ۔ بقية الأسبوع وهذا أيضاً حرام !
كنت أعمي والآن أبصر
بعد أن كانت عينه عمياء لا تبصر ، عاد فأبصر ، واول ما أبصر
أبصر يسرع ، لذلك رأيناه يسمع أنهم أخرجوه خارجاً فوجده يسوع وقال له أتؤمن بأن الله ، أجاب ذاك وقال من هو يا سيد لاؤمن به فقال له يسوع قد رأيته والذي يتكلم معك هو هو فقال أؤمن يا سید وسجد لله !
ما أحلى أن تبصر ابصاراً روحياً . لقد رای موسي الله في العليقة فتشجع وخلص شعباً من عبوديته وإذلاله .. ورأی شاول
الطرسوسی الرب يسوع خارجاً من دمشق فكان أميناً لرؤياه وتغير إلى بولس رسول الجهاد العظيم ، ورأی داود الرب الإله فتغير
تغيراً أبدياً ، وابراهيم رأى يوم الرب ففرح وتهلل ، فهل رايت الرب ؟
تعالوا ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب !
نعلم أن الله لا يسمع للخطاة لقد بلغت شجاعة هذا الأعمى حداً منقطع النظير ، فلقد ناقش اليهود وواجههم وقاومهم وصارعهم في عدة مواقف ، قالوا له هذا الانسان ليس من الله لأنه لا يحفظ السبت ، آخرون قالوا كيف يقدر إنسان خاطىء أن يعمل مثل هذه الآيات …
قالوا أيضاً للأعمى ماذا تقول أنت عنه من حيث انه فتح عينيك فقال إنه نبي …
وقالوا له أعط مجداً لله نحن نعلم أن هذا الانسان خاطیء
فأجاب ذاك وقال أخاطئ هو لست أعلم إنما أعلم شيئاً واحداً إني كنت أعمى والآن أبصر ،
فقالوا له أيضاً : ماذا صنع بك كيف فتح عينيك؟
أجابهم قد قلت لكم ولم تسمعوا لماذا تريدون أن تسمعوا أيضا. ألعلكم أنتم تريدون أن تصيروا له تلاميذ
فشتموه وقالوا أنت تلميذ ذاك وأما نحن فإننا تلاميذ موسی ،
نحن نعلم أن موسي كلمه الله ، وأما هذا فما نعلم من این هو؟
أجاب الرجل وقال لهم إن في هذا عجبا إنكم لستم تعلمون من أين هو وقد فتح عيني و نعلم أن الله لا يسمع للخطاة ولكنه إن
كان أحد يتقي الله ويفعل مشيئته فلهذا يسمع، منذ الدهر لم يسمع أن أحداً فتح عین مولود أعمي ، لو لم يكن هذا من الله لم يقدر أن يفعل شيئاً !!
هذه درجات من الشجاعة قوية إن دلت على شيء فعلى تلك الروح الثائرة التي لا ترهب إنساناً ولا تفزع من بشر ..
هذه حاجتنا في هذا العصر .. الشجاعة .. نعم لقد لاقى ما لاقي من عنت واضطهاد بسبب شجاعته، ولكن لم لا ؟ ألم يدفع يوحنا المعمدان راسه ثمناً لشجاعته ؟ و ألم يضح آباؤنا بدمائهم في سبيل الحق ؟
أؤمن یا سید وسجد له
- بعد ان تفتحت عيناه آمن بالمسيح وسجد له ، سجود العبادة وسجود الشكر والعرفان بالجميل. أما سجود العبادة فهذا منوط به الرب يسوع وحده «للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد » (مت ٤: ١٠) وغير جائز تقديمه لغيره « لا يكن فيك إله غريب ولا تسجد لإله اجنبي » (مز ٨١ :٩) . واما السجود للاكرام فقد أجازه الرب وصرح به راجع (تلك ٢٧ : ٢٩ و ٤٩ : ٧) ، (خر ١١ :٨) (١صم٢ : ٣٦) ، (إش ٤٩ : ۲۳، ١٤:٦٠) ، (رؤ ٣: ٩)
لقد سجد ابراهيم للملائكة (تك ۲:۱۸) وكذلك لوط (تك ۱:۱۹) و(يشوع ٥ : ١٤) ، ويوحنا (رو ۱۰:۱۹ و ۷:۲۲) وبلعام (عدد
۲۱:۱۳) والمرأة الشونمية لاليشع (۲مل ٤ : ٣٧) و نبوخذ نصر لدانيال (٢ : ٤٦ ) وشاول لصموئيل النبي (١صم ١٤:۲۸) و کرنيلیوس لبطرس (اع ١٠ : ٢٥) وحافظ السجن لبولس (اع ١٦ : ۲۹) .
إن الأعمی سجد لله تعبد وشكراً .
والشكر واجب بل هو ذبيحة علينا أن نقدمها من قلوبنا للسيح ، ولذلك يقول داود النبي «اذبح لله حمداً» .
ذكر لنا المرشد عن شاب غني في روما مرض مرضاً شديداً لم يكن يرجو لنفسه عنه شفاء ، فلما أراد الرب وشفي ، رفع عينيه إلى فوق وقال ايها الإله كلى الغني كيف أشكرك إني مستعد أن أقدم لك كل مالى ، وسمعه هرماس الراعي فقال له إن كل عطية صالحة تأتي من فوق ، وأنت إذ ذاك لن تستطيع أن ترسل إلى فوق شيئاً ، ولكن تعال معي ، واخذه إلى عشة حقيرة ، وهناك رأي عائلة كانت بالحق صورة البؤس والشقاء ، كان الرجل مريضا والمرأة تكاد تموت والاولاد عرايا جياعا ، وقال هرماس : حول شكرك لله إسعافا لهذه العائلة ، وانفق الشاب الغني بسخاء ، وكانت العائلة تدعوه ملاك الله ، وقال هرماس كذلك ينبغي أن تفعل، حول وجهك الشاكر أولا إلى فوق إلى الله ثم إلى تحت إلى الناس !!
عمي .. وعمي !!
- الذين يرجعون إلى ختام الأصحاح الثامن ( قبل هذا الأصحاح مباشرة) يقرأون قول البشير «فرفعوا حجارة ليرجمره اما یسوع
فاختفى وخرج من الهيكل مجتازاً في وسطهم ومضى هكذا» (يو٨: ٥٩).
ثم يفتتح الأصحاح التاسع مباشرة بالقول « وفیما هو مجتاز رأى إنسانا أعمى منذ ولادته » (يو ۱:۹) والذين يدققون في سبب رفع
الحجارة ورجم يسوع في الأصحاح السابق يرى جماعة اليهوديحاجونه ويعترضونه قائلين له « ألسنا نقول حسنا إنك سامری
وبك شيطان، أجاب يسوع انا ليس بي شيطان لكني أكرم أبي وأنتم تهينوني . أنا لست اطلب مجدى يوجد من يطلب ويدين .. فقال له اليهود الآن علمنا أن بك شيطانا .. إلخ » .
لقد صارع يسوع جماعة الفريسيين في الإصحاح الثامن ، ورأی فيهم عميانا في قلوبهم وأرواحهم لم يخضعوا له ولم يطلبوا نوراً ،
فمضى واختفى عنهم واجتاز إلى رجل مولود اعمی جسديا فنقل إلى عينيه نور البصر ، وإلى قلبه نور البصيرة ..
ترك يسوع العميان الحقيقيين – عميان القلوب – في الإصحاح الثامن وذهب إلى اعمی العينين في الإصحاح التاسع .. وياله من
فارق كبير بين عميان وعميان .. والى عميان .
الإصحاح الثامن – إلى الفريسيين المغرورين – يوجه يسوع خطابه قائلا : « لو كنتم عمياناً لما كانت لكم خطية ولكن الآن تقولون إننا نبصر فخطيتكم باقية » .
- من أخطر الخطر على حياتنا أن هناك كثيرين يعيشون بالقرب من النور وهم عمیان ، مثال ذلك اللص اليسار الذي كان جسده يلامس جسد المسيح ومع ذلك لم يعرف كيف يستفيد بهذا الجوار ولا بهذه الملامسة فعاش مظلماً أعمي لا يرى النور بينما بينه و بين النور أقل المسافات .
وإلى اليوم نرى كثيرين يجاورون يسوع ويعملون في كرم يسوع ويخدمون يسوع مثلهم في ذلك مثل صانعی فلك نوح من النجارين والحدادين ومختلف العمال الذين شاركوا في صنعه ومع ذلك لم يدخلوه .
اللهم ارحمنا واحمنا من هذا المصير المرير !!
والآن أبصر :
- تدرج إيمان المولود تدرجا جميلا كما نلحظه في سيرته في البشارة ، ففي بادئ الأمر يتمثل يسوع أمامه « إنساناً » إذ قال « إنسان يقال له يسوع صنع طينا وطلى عینی » (يو ۱۱:۹) ومن ثم نراه يعترف به « نبيا » فنسمعه يقول « إنه نبي » (یو ۱۷:۹)
ثم بعد قليل يعترف به « رسولا » فنسمعه يقول « لو لم يكن هذا
من الله لم يقدر أن يفعل شيئا » (یو ۹ : ۳۳) وأخيراً يرتقي إيمانه إلى ذروة السلم فيؤمن به « إلهاً » إذ نسمع يسوع يقول له « أتؤمن بابن الله » أجاب ذاك وقال من هو يا سيد لأومن به فقال له يسوع « قد رايته والذي يتكلم معك هو هو فقال أؤمن يا سید وسجد له » ( يو ۹: ٣٥ – ۳۸) .
يا معلم من أخطأ هذا أم أبواه حتى ولد أعمى؟
- كان التلاميذ في تساؤلهم هذا إنما يرددون نظرية كانت مشهورة بين الناس في ذلك الوقت وهي نظرية « تناسخ الأرواح » وفوراً نرى یسوع يقطع تلك النظرية فيقول « لا هذا أخطأ ولا أبواه ولكن لكي تظهر أعمال الله فيه ». وبهذا أوضح المعلم الصالح أن العمى لم يكن مرده خطية الابن ولا إلى خطية الأبوين .
لقد شاع في الأوساط اليهودية أن مصير الشرير هو أن يقطع من أرض الأحياء وكان هذا الرد من یسوع تحدياً صارخاً للرأي السائد في ذلك العصر !!
أين ذاك ؟ قال لا أعلم
- عبارة قالها بادىء ذي بدء الأعمى عن المسيح الذي أبراه حين سألوه عنه ، قال لا اعلم أين ذاك ؟ ولكنه أخيراً آمن به إيماناً عميقاً
.. ولكن إلى اليوم لا يزال كثيرون – رغم ما آتاه المسيح من آيات ومعجزات ، ورغم ما ملأ الدنيا من كلماته البينات ، رغم هذا فلا يزال كثيرون لا يعلمون ، ولعلنا لا نزال نذكر ما نشرته الصحف حول تصريح « تيتوف » رائد الفضاء الروسي يوم قال في رحلته للفضاء :
« لقد فتشت عمن يسمونه الله في رحلتي حول الفضاء فلم ألتق به ».
وفي هذا ينشد الشاعر المؤمن رداً عليه فيقول :
يا من وصلت إلى فضاء الكون لم تبصر إلها
الله عرشه فوق فلك النجم مجده قد تناهی
أفهل وصلت إلى النجوم وقد بلغت إلى سماها
حتي تقول مقالة عمياء قد جهلت عماها
بل لم تصل للشمس والشمس قريب مستواها
بل لم تصل للشهب والشهب رذاذ من لظاها
بل لم تصل للزهرة العليا ولم تدرك مداها
بل لم تصل للبدر والبدر من الأرض فتاها
بل قد وصلت إلى ضئيل من فضاء قد تناهي
ملا الغرور عليك نفسك وابتلاها في عماها
رحت تهذي قائلا إنك لم تلق إلها
أفهل رأيت الكون في إبداع صنعه، دون صانع ؟
أفهل رأيت النجم يجري ثم يجری دون دافع ؟
أفهل رأيت الفجر يسرى في ضياء المتدافع ؟
هلا رأيت الشمس تدفع باللظى مثل المدافع ؟
ولماذا لم تحرقك منها نارها إذ ليس مانع ؟
إن الذي أنكرت أن له وجوداً ، جد رائع
لهو المهيمن والذي من غير حفظه انت ضائع
وهو الذي أنشاك شيئاً من جنين جد مائع
وهو الذي أعطاك عقلا انت دونه غير نافع
فاعرف له هذا الصنيع وتب اليه ، انت سامع ؟!
صنع يسوع الطين وفتح عينيه :
- كانت عيناه مغلقتين ففتحهما يسوع بأحقر المواد ، بل بالخامة التي اعتادت ان تعمى العيون !
ما احوجنا اليوم إلى عيون مفتوحة نشهد بها أسرار الحياة. لقد قرأنا عن هاجر ان الله « فتح عينيها فأبصرت بئر ماء » (تلك ۱۹:۲۱) وسمعنا المرنم يصرخ ويقول « أنر عيني لئلا أنام نوم الموت » (مز ۳:۱۳). وفي سفر الملوك نسمع اليشع يصلي من اجل علامة الحائر الخائف فيقول « يارب افتح عينيه فيبصر » ( ۲ مل ٦: ١٧)
ثم يصلي أيضاً من اجل الشعب فيقول : « يارب افتح أعين هؤلاء فيبصروا » (۲ مل ۲۰:٦) .
هذه هي العيون المفتوحة التي نرجو الله أن ينيرها لجميعنا[14]
المولود أعمي للمتنيح الأرشيدياكون بانوب عبده
١ – انفرد يوحنا الإنجيلى بذكر معجزة شفاء الرجل المولود أعمى التي نحن بصددها هنا ، وهى إحدى المعجزات التي توقع اليهود أن يصنعها المسيح عند مجيئه ، كما جاء في نبوءة إشعياء القائلة “قولوا لخائفى القلوب تشددوا لا تخافوا . هوذا إلهكم … هو يأتي ويخلصكم . حينئذ تتفتح عيون العمى وآذان الصم تتفتح ” (إش ٣٥ : ٤ – ٥) . ويرجح المفسرون أن هذه المعجزة حصلت عند مدخل الهيكل حيث كان يجتمع المتسولون ، وذلك قياساً على حادثاً الرجل الأعرج من بطن أمه الذى كان يضعه ذووه ” كل يوم عند باب الهيكل الذى يقال له الجميل ليسأل صدقة من الذين يدخلون الهيكل ” (أع ٣ : ٢) . وقد صنعها يسوع علانية أمام جمهور الشعب مما جعل إبراء هذا المولود أعمى أعجب مما لو كان فقد البصر بعد ولادته .
٢ – ولقد لفتت حال هذا الرجل أنظار التلاميذ أثناء سيرهم مع سيدهم فسألوه قائلين “يا معلم من أخطاء هذا أم أبواه حتى ولد أعمى” . ولعل الدى حملهم على هذا السؤال سابق قوله للمخلع الذى كان مطروحاً عند البركة ثمان وثلاثين سنه” ها أنت قد برئت فلا تخطئ أيضاً لئلاً يكون لك أشر” (يو٥ : ١٤) . ويدل سؤالهم على أن اليهود كانوا يعتقدون أن الخطية هي علة المصائب التي تحل بالناس ، وأن خطايا الوالدين هي علة مصائب أولادهم قبل ولادتهم . نعم إن هذا صحيح في كثير من الأحيان وأن بلايا نسل آدم نتيجة معصيته ، ولكن تكون البلايا أحياناً أخرى للأمتحان وإظهار الفضل كما في حالة أيوب وغيره من القديسين الذين امتحنهم الله بمصائب فادحة ، وقد تكون لأسباب أخرى أشرنا إليها في مناسبة سابقة .
وجاء بأحد المخطوطات الكنسية القديمة أن سؤال التلاميذ إن كان الرجل قد أخطأ حتى ولد أعمى فيه إشارة إلى “أن الله علام الغيوب ، وهو يعلم أن إنساناً ما إذا كان معافى في أعضائه يكثر من الخطية ، يبتليه بالوجع في العضو الذى يعلم أنه يوجعه فتنقص منه الخطية ، ومن هنا نعلم أن كل مرض أو بلية أو فقر أو إهانة يبتلى الله بها الإنسان لا يبتليه بها إلا لما يعلم أن ذلك يكون سبباً في نقص خطيته . ومتى رأينا من تناله البلية يخطئ فنعلم أنه لو كان معافى لكان أكثر خطية ، والفقير الذى تراه يخطئ لو كان غنياً لكان أكثر خطية ” . أما يوحنا فم الذهب فيقول إن التلاميذ لم يرتابوا في كون الأعمى أخطأ قبل مولده ، لأن الخطأ في هذه الحالة أمر غير ممكن ، بل يرتابوا في علة إصابته بالعمى قبل مولده ، وأن معنى قولهم من أخطأ هذا أم أبواه هو أن الله كثيراً ما يعاقب الأبناء بذنوب الآباء ، فكثيراً ما يولد الأولاد وهم عميان أو مقعدون أو مشوهون ، وكثيراً ما يموتون حالا عقب ولادتهم . كما مات ابن داود المولود من الفسق .
٣ – وقد أجاب السيد على سؤال تلاميذه بقوله “لا هذا أخطأ ولا أبواه لكن لتظهر أعمال الله فيه” ، وليس معنى هذا أن ذلك الأعمى أو أبويه كانوا بلا خطية ، فالثابت أن الخطية الأصلية وما صدر عنها من غوائل كالأمراض مثلاً قد أصابت نسل آدم كله ، وأن الخطية كما مر بنا هي أيضاً عله كثير من البلايا ، ولكن قصد مخلصنا بهذه الإجابة هو القول بأنه لحكمة يعرفها الله تعالى قد سمح أن يفقد هذا الإنسان بصره قبل ولادته لكى تظهرقوة الله فيستنير جسداً ونفساً ، ويكون شفاؤه سبباً في خلاص أخرين ، فليس عماه هو العلة في ظهور قدرة الله بل هي حكمة الله التي سمحت بحصول العمى فكانت الرحمة بشفائه هي العلة فى ظهور القدرة الإلهية . ويرى بعضهم أن أعمال الله لم تكن علة في ولادة هذا الرجل أعمى بل إن ولادته أعمى كانت سبباً لإظهار أعمال الله به ، لأنه لو لم يعرض له العمى لما أحتاج إلى الشفاء ، ولو لم يقبل الشفاء لما أظهر السيد فيه تلك المعجزة الكبرى ، ولولم تحصل المعجزة لما آمن هو ولا آمن غيره بسببه . وينطبق مثل هذا الكلام على قول يسوع لتلاميذه فيم بعد عن مرض لعازر” هذا المرض ليس للموت بل لأجل مجد الله ليتمجد ابن الله به ” (يو ١١ : ٤) .
٤ – ثم مضى رب المجد يقول “ينبغي لنا أن نعمل أعمال الذى أرسلنا ما دام النهار” ، ويريد بهذه الأعمال أعمال القوة والمحبة والرحمة وكل الأعمال المختصة بفداء العالم وخلاصه . وأخص أعمال الله التي يقصدها له المجد في حالة هذا المولود أعمى هي خلقة عينين له من تراب كما خلق الله جسد الإنسان من تراب . وبهذا يظهر أنه إله يخلق من التراب جسداً كما عمل أبوه . وهذا تكرر لقوله لتلاميذه سابقاً أثناء حديثه مع السامرية “طعامى أن أعمل مشيئة الذى أرسلني وأتمم عمله ” (يو ٤ : ٣٤) . وقوله أيضاً في مناسبة أخرى ” الأعمال التي أعطانى الآب لأكملها … هي تشهد لى ” (يو ٥ : ٣٦) . وعبارة “ما دام النهار” في قوله “ينبغي لنا أن نعمل أعمال الذى أرسلنا ” يريد بها زمان حياته في الجسد على الأرض ، كما أن عبارة ” يأتي ليل “في قوله بعد ذلك ” يأتي ليل حين لا يستطيع أحد أن يعمل ” يريد بها وقت موته وغيابه بالجسد عن الأرض . فكأنه قال إننى في المدة الباقية من خدمتى أعمل أعمال الذى أرسلنى ، على على أن هذا لا ينافى أنه يعد صعوده يجرى أعماله في الكنيسة والعالم بروحه .
٥ – وبياناً لعمله الأساسى في العالم وهو إنارته ، وتمهيداً لتفتيح عينى الأعمى قال “ما دمت في العالم فأنا نور العالم ” أي أنه ما دام من خاصة النور أن يضئ ، وبما أنه النور الحقيقى كما قال عنه يوحنا (يو ١ : ٩) فينبغى أن ينير عينى هذا الأعمى ، وإنارة العيون الجسدية رمز إلى إنارة العيون الروحية التي هي النفوس ، وبهذا يعلمنا أن نفتح عيوننا على نوره دائماً ، بمحبته وحفظ وصاياه وتناول جسده ودمه ليكون لنا نور وضياء يضئ لنا بخوفه لكى نتحفظ من كل خطية ، لأن التحفظ منها نور والوقوع فيها ظلمة ، ومن يتبعه “لا يمشى في الظلمة بل يكون له نور الحياة ” (يو ٨ : ١٢) . وقد تمت بهذا القول نبوة إشعياء النبى التي يقول فيها الوحى عنه “وأجعلك عهداً للشعب ونوراً للأمم لتفتح عيون العمى لتخرج من الحبس المأسورين من بيت السجن الجالسين في الظلمة ” . (إش٤٢ : ٦ – ٧) ، فما أكثر الذين يعيشون في ظلام روحى ، ليتهم يقبلون إليه ليستنيروا !
٦ – ولما قال أنا نور العالم “تفل على الأرض وصنع من التفل طيناً وطلى بالطين عينى الأعمى” ، كما فعل مرة سابقة في حالة الأصم الأخرس الذى ” أخذه من بين الجمع على ناحية ووضع أصابعه في أذنيه وتفل ولمس لسانه (مر٧ : ٣٣) فانفتحت أذناه وانحل رباط لسانه وكما فعل بعد هذه مرة أخرى سابقة في حالة أعمى بيت صيدا الذى تفل في عينيه فأبصر (مر٨ : ٢٣) . ومعلوم أن الطين من شأنه أن يضر البصر ويجلب العمى ، ولكن سيد الكل استخدمه في الشفاء ليبين أنه يشفى بقوة تفوق الطبيعة وأنه جابل الجبلة الطبيعية وخالق البرية باسرها ، وأنه غير مقيد بوسيلة واحدة لإظهار آياته ، فتاره يشفى باللمس ، وتارة بالتفل في العينين ، وتارة بوضع اليد مما يدل على أنه إله .
٧ – ثم قال للأعمى “إذهب اغسل وجهك في بركة سلوام الذى تفسيره مرسل . فمضى وغسل وجهه وأتى بصيراً ” ، ولا شك أنه أسترد بصره لا بقوة الاغتسال بالمياه بل بقوة المسيح ، وقد شفيت نفسه أيضاً بأطاعته أوامر السيد والإيمان به واستنارة بصره بتفلة فم المخلص وغسل الماء هي إشارة إلى المولودين بعمى الخطية الذين بالإيمان بكلمة المخلص وغسل المعمودية يتطهرون وتستنير نفوسهم.ولعل اغتسال نعمان الأبرص السريانى في الأردن حسب قول رجل الله أليشع وشفائه من برصه (٢مل ٥ : ١٤ ) كان رمزاً لاغتسال المريض ببرص الخطية في مياه المعمودية وتطهيره . أما سلوام الذى أمره المخلص بالأغتسال فيها فهى عين في سفح جبل صهيون يجرى ماؤها ساعات وأيام ثم يغور . وسلوام معناها المرسلة أو المبعوثه لأن ماءها كان يبعث في قنوات لسقى البساتين . وما أحسن إرسال السيد المسيح هذا الأعمى ليغتسل في سلوام ، أو سلوحا حسب بعض النسخ ومعناها المرسلة ، إذ بذلك يذكره بأن الذى شفاه مرسل من الله ، لأن المسيح يسمى شيلون كما ورد في (تك ٤٩ : ١٠) ، وشيلون بالعبرية تنطق سلوام بالسريانية . وكما أرسله الآب هكذا ارسل هو تلاميذه للكرازة والمعمودية ، إذ قال لهم ” فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والآبن والروح القدس . وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به ” (مت ٢٨ : ١٩ – ٢٠) . وبما أنه كان قد سبق فأعطاهم سلطان مغفرة الخطايا ، فكأنه قد أعطاهم أن يغفروا بالمعمودية والتوبة والأعتراف لأنه بغيرها لا تكون مغفرة . ويرى فم الذهب أن السيد أرسل الأعمى إلى بركة سلوام ليغتسل حتى يمر في طريقة إليها بوسط المدينة فيشهد آخرون لعماه وبرئه منه .
٨ – غيرت عودة البصر إلى الأعمى من منظره بعض التغيير مما أورث مشاهديه الحيره في أمره حتى كادوا لا يصدقون أنه ” هو الذى كان يجلس ويستعطى” .
٩ – ولكنهم لما حدقوا النظر فيه ، وبخاصة جيرانه والذين اعتادوا أن يتصدقوا عليه ، “قالوا هذا هو” ، أما الذين كانوا لا يرونه إلا قليلاً فقالوا “إنه يشبهه” ، “وأما هو فقال إنى أنا هو” ، ليقضى على شكوكهم .
١٠ – وهنا سألوه قائلين “كيف انفتحت عيناك” ليعرفوا من الذى شفاه .
١١ – فذكر لهم أسم المحسن إليه وكيف أبرأه .
١٢ – فسألوه عن مكانه فأجاب “لا أعلم” ، مما يدل على أن السيد بعد أن شفاه اعتزل الجميع فراراً من المديح لأنه لم يكن يطلب مجد نفسه وليصرفنا عن إلتماس المجد الباطل .
١٣ – أخذت الجموع الرجل الذى كان أعمى إلى الفريسيين ، وكان بعضها يقصد فحص هذا العمل الغريب وبعضها الآخر يقصد شكاية يسوع لأنه أبرأه في السبت ، وكان هذا بتدبير من الله لتشتهر الأعجوبة وتشهد بصحة تعليم يسوع .
١٤ – وذكر الإنجيل أنه “كان سبت” حين صنع يسوع المعجزة ، وذلك ليبين سبب بغض اليهود له ، لأنهم زعموا أن عمل الرحمة يناقض شريعة السبت والحال أنه تقديس له . وجاء بالمخطوط القديم المشار إليه سابقاً “أن الإنجيل المقدس أوضح لنا ما هو سبت الله وعيده وراحته ، أنه شفاؤنا وخلاصنا والإحسان إلينا ، ولعظم محبته فينا يستريح إذا نالنا إحسان . ولكون زوال العمى العقلى عنا ونظر عقولنا إلى ضياء ملكوته وبهاء لاهوته هو أعظم خلاص لنا ، لذلك يستريح به ويفرح جداً ، هذا هو سبته لأن السبت تفسيره الراحة . ولهذا يلعن لله من تشغله الدنيا عن مثل هذا العمل لأنه لعن من يشتغل يوم السبت بعمل دنيوى يلهيه عن القراءة والصلاة لأنهما سبت الله وراحته وعيده” .
١٥ – وسأل الفريسيون الرجل “كيف أبصر” فأجابهم بما حدث له في إيجاز ، متحاشياً ذكر أسم يسوع حتى لا يثيرهم به لأنه عرف خبث نيتهم ، ولعله لم يذكره لأنه معلوم أو أنهم سمعوه ممن جاءوا به إليهم .
١٦ – وهنا قام الخلاف بينهم ، فالمنافقون منهم الذين اتخذوا الدين ستاراً يخفون وراءه حقدهم وبغضهم للمسيح قالوا “هذا الإنسان ليس من الله لأنه لا يحفظ السبت ” . أما ذوو الفطنة منهم الذين لا يملكون مع الهوى فأنهم وإن لم يصرحوا بأن أعماله تدل على أنه نبى ، إلا أنهم نطقوا بما يفيد ذلك ضمناً حين قالوا ” كيف يقدر إنسان خاطئ أن يعمل مثل هذه الآيات” . فالذى معه الله لا يمكن أن يكون رفيقاً للشيطان . ولقد سبق فأقر له نيقوديموس بمثل ذلك الحين قال له “لأنه ليس أحد يقدر أن يعمل هذه الآيات التي تعمل إن لم يكن الله معه ” (يو ٣ : ٢) ، وسنرى فيما بعد أن الأعمى نفسه أقر بمثل ذلك حين قال “لولم يكن هذا من الله لم يقدر أن يفعل شيئاً ” (يو ٩ : ٣٣) .
١٧ – ولما لم يتفقوا اتجهوا إلى الأعمى لمعرفة رأيه فيه عساه ينقض كلامه ، فرد عليهم بمثل ما ردت السامرية (يو ٤ : ١٩) إذ قال “إنه نبى” . وليته قال “إنه نبى” كما قالت الجموع بعد معجزة الأرغفة الخمسة والسمكتين (يو ٦ : ١٤) . وإذ ذاك يكون قد أصاب كبد الحقيقة تماماً ، ولكنه على كل حال أظهر شجاعة عظيمة أمام قوم أغلبهم من أعداء يسوع .
١٨ – رأى الفريسيون وقد أفحمهم الأعمى أن يلجأوا إلى والديه لعلهم يفوزون منهما بتصريح يكذبان فيه ابنهما وينكران أنه ولد أعمى إكراماً لخاطرهم .
١٩ – فسألوهما إن كان الأعمى أبنهما ، وهل ولد أعمى ، وكيف أبصر .
٢٠ – فأقرا ببنوته وبأنه ولد أعمى ،
٢١ – أما عن كيفية أبصاره فقالا إنهما لا يعلمان ، وأحالا السائلين على الأعمى ليجيب عن نفسه لأنه “كامل السن” أي بلغ الثلاثون من عمره .
٢٢ – وقد أوضح البشر السر في هذه الحالة وهو أنهما كانا يخافان من اليهود أن يحكموا عليهما بالإخراج من المجمع إن اعترفا بأن يسوع هو المسيح ، وهذا هو عين السبب الذى حمل كثيرين من الرؤساء ألا يعترفوا به (يو ١٢ : ٤٢) ، وجعل يوسف الذى من الرامة يذهب خفية إلى بيلاطس ليطلب جسد يسوع (يو ١٩ : ٣٨) . ويراد بالإخراج من المجمع الحرمان من الحقوق الدينية والمدنية ، أما لمدة معينة وإما مدى الحياة ، وكان يجوز أن يقرن الحرمان بجوار قتل المحروم وهو عقاب هائل .
٢٣ – حدا بالأبوين أن يقولا “إنه كامل السن أسألوه” .
٢٤ – اتجه الفريسيون إلى الأعمى ثانية قائلين”أعط مجداً لله” وهذا ضرب من الأستحلاف كان يستعمله العبرانيون ، ثم قالوا ” نحن نعلم أن هذا الإنسان خاطئ” ويريدون به يسوع ،
٢٥ – فلم يسلم الأعمى بهذه التهمه ورد قائلاً “أخاطئ هو . لست أعلم . إنما أعلم شيئاً وأحداً . أنى كنت أعمى والآن أبصر” . وهذا مالا يقدر خاطئ على فعله .
٢٦ – فلما رأوه يعيد شهادته الأولى استعادوه القصة من جديد لعله يخطئ في إعادتها فيجدون منفذاً للخلاص من حيرتهم ،
٢٧ – ولكنه رد قائلاً ” قد قلت لكم ولم تسمعوا ….. ألعلكم تريدون أن تصيروا له تلاميذ ” بسبب كثرة فحصكم ،
٢٨ – وهنا اشتد حنقهم وغيظهم “وشتموه وقالوا أنت تلميذ ذاك . وأما نحن فأننا تلاميذ موسى” .
٢٩ – ثم قالوا “نحن نعلم أن موسى كلمة الله. وأما هذا فما نعلم من أين هو” ، وهو قول يدل على الغباوة والتعنت لأن الذى يعمل مثل تلك العجائب التي لم يستطع موسى ولا الأنبياء أن يأتوا بمثلها لابد أن يكون مرسلاً من الله .
٣٠ – وهذا الأستنتاج الذى لم يفهموه فطن إليه الأعمى ، وأبدى عجبه من أنهم وهم قادة الشعب في الروحيات جهلوا من أين هو ومن أين سلطانه .
٣١ – لم يكتفى الأعمى بأبداء عجبه من جهلهم بل أضاف قائلاً “ونعلم أن الله لا يسمع للخطاة ” سواء أكانوا أنبياء كذبة أو معلمين محتالين أو مسحاء دجالين ، ففي الوقت الذى لم يستمع فيه لكهنة البعل مثلاً نراه يستجيب لإيليا النبى . ثم مضى يقول ” ولكن إن كان أحد يتقى الله ويفعل مشيئة فلهذا يسمع ” . فيسوع إذاً ليس بخاطئ كما تدعون بل هو من الله .
٣٢ – وفوق ذلك فأنه “منذ الدهر لم يسمع أن أحداً فتح عينى مولود أعمى” ، فليس بين العجائب المدونه في الكتاب ما يدل على أن نبياً من الأنبياء فتح عينى مولود أعمى ” ، ويتضح من هذا أن يسوع أعظم من جميعهم ،
٣٣ – ولولم يكن مرسلاً من الله “لم يقدر أن يفعل شيئاً ” ، ويكون ادعاؤكم بأنكم لا تعرفون من أين هو دليلاً قائماً على كبريائكم وحقدكم عليه بغير مبرر .
٣٤ – فلما فشلت محاولاتهم في حمل الأعمى على إنكار المعجزة ، كبر عليهم أن يتولى إرشادهم وهو في نظرهم جاهل خاطئ ، فقالوا له “في الخطايا ولدت أنت بجملتك وأنت تعلمنا ” . وهذا القول منهم يدل على أنهم كانوا يعتبرونه خاطئا نفساً وجسداً بدليل ولادته أعمى من بطن أمه ، وأنه لا يجوز لمثل هذا أن يعلمهم وهم الكاملون في الخير والعلم في نظر أنفسهم ، على أن إدراك الأعمى لما خفى عليهم الدليل على أن الحق يغيب عن المتكبروين المتعظمين ويظهر للبسطاء المتواضعين . ثم ما لبثوا أن حكموا بأخراجه خارجاً أي قطعوه وحرموه من حقوقه المدنية والدينية كما أسلفنا .
٣٥ – انتشر خبر طرد الأعمى بين الناس حتى وصل إلى يسوع ، وإن كان لا ينفى هذا أنه علم به لأنه عالم المستورات ، ولما وجده أراد أن يشفى نفسه تفضلاً كما أنار بصره من قبل فقال له ” أتؤمن بابن الله ” أي هل تؤمن بالمسيح الموعود به ؟
٣٦ – ولأن الأعمى لم يكن قد رأى يسوع ، لا قبل فتح عينيه ولا بعد ذلك لأنه اختطف إلى الفريسيين ، وأن غاية ما اعتقده فيمن شفاه أنه نبى مرسل من الله يستطيع أن يصنع من المعجزات ما لا يستطيعه غيره ، فقد رد على المخلص قائلاً “من هو يا سيد لأؤمن به ” ؟
٣٧ – وهنا أجابه سيد الكل قائلاً “قد رأيته والذى يتكلم معك هوهو” ، وهذه شهادة من فمه المقدس تؤيد ” أن ناسوته المنظور والمسموع كلامه هو ابن الله ، فليخز وليفتضح من يفرق لاهوته من ناسوته ، فناسوته المأخوذ من مريم هو ابن الله بالحقيقة المولود من الآب قبل كل الدهور ، وليس أن الناسوت كان قبل الدهور ، لأنه بالحقيقة مأخوذ من مريم ، بل لاتحاده باللاهوت الأزلى بغير استحالة كل منهما ، أي أنهما مسيح واحد ، رب واحد ، إله واحد ، لذلك أكثر الرب المديح لبطرس لما اعترف أنه أبن الله (مت ١٤ : ٣٣ ، ١٦ : ١٦) . مع ما نظره أنه إنسان ، وتوما أيضاً جس ناسوته المجروح الذى من طبيعة آدم واعترف أنه ربه وإلهه ، والآب نفسه شهد لهذا الناسوت الذى نزل عليه الروح القدس مثل حمامة عند الأردن بقوله “هذا هو ابنى الحبيب الذى به سررت” .
٣٨ – وعند ذلك رد الذى كان أعمى وقد استنارت بصيرته فقال “أؤمن ياسيد . وسجد له” أي ها أنا أؤمن أنك ابن الله حقيقة وأسجد لك لأنك ربى وإلهى .
٣٩ – ولما أعلن الرجل هذا الأيمان الخالص وقرنه بالسجود وبساطة القلب نطق رب المجد بتصريحه الخطير الدى قال فيه ” لدينونة أتيت أنا إلى هذا العالم ” أي أننى أتيت لإعلان ما في قلوب المؤمنين وغير المؤمنين ، وتمييز الأبرار من الأشرار . فأنير قلوب من كانوا يبدون عمياناً لجهلهم بالله وبأمور الخلاص ، وأرذل المتكبرين الذين يرفضوننى أنا ينبوع الحياة ، ثم تمم تصريحه بقوله “حتى يبصر الذين لا يبصرون ويعمى الذين يبصرون” أي حتى أنير البصيرة الروحية لأولئك الذين حسبهم الفريسيون عمياناً لتواضعهم وبساطتهم مثل هذا الأعمى ، فيرون طريق الحق والخلاص ، وأما الذين يظنون أنفسهم في غير حاجة إلى النور ، وأنهم حكماء وفهماء كالفريسين فأتركهم في الظلمة التي اختاروها لأنفسهم حتى يأتي هلاكهم بغته .
٤٠ – فلما سمع الفريسيون منه ذلك قالوا “ألعلنا نحن أيضاً عميان” أي أنك بقولك هذا توبخنا وتتهمنا بعمى القلب والنفس مع أننا علماء الشريعة ، فكيف تتجاسر على ذلك ؟ وعندئذ رد عليهم قائلاً “لوكنتم عمياناً لما كانت لكن خطية” أي لو كان عماكم ناشئاً عن جهلكم بالكتاب المقدس والشريعة الطبيعية وعدم القدرة على التمييز بين الحلال و الحرام لما أدنتكم على عدم المعرفة بأننى المسيح ، “ولكن الآن تقولون إننا نبصر” أي أنكم تقرون أن لكم وسائط معرفة الحق ، وأنكم حكماء وقادرون على التمييز بين من أرسله الله ومن أرسله الشيطان ولذلك ” فخطيتكم باقية ” لأن عماكم عن الحق اختيارى . فقد أصررتم على عنادكم ، ولم تؤمنوا بأنى أنا المسيح ، رغم النبوات العديدة ، ورغم معجزاتى وتعاليمى ونور العقل ونور الضمير ، وحيث قد أغمضتم عيونكم عن
الحق والإعلانات السماوية فلا أمل لكم في الخلاص.[15]
شرح لبعض معاني جاءت في إنجيل القدَّاس للمتنيح الدكتور موريس تواضروس
التسبيح
أولاً : كاسم
١- Ainos تسبيح” هيأت تسبيحا”(مت٢١: ١٦) ، ” إذ رأوا سبحوا الله “(لو ١٨: ٤٣) .
٢- Epainos مدح – حمد ، واستعملت علي النحو التالي :
أ- التسبيح المقدم لله ، لمدح مجده (أف ١: ١٢) ، وفي (أف ١: ١٤) ، بالنسبة لفداء الكنيسة ” لفداء المقتني لمدح مجده ، وفي (أف ١: ٦) ، يشار إلي مجد نعمته نحو الكنيسة وفي (١: ١١) يقدم التسبيح كنتيجة لثمر البر الذي حصل عليه المؤمنون بواسطة الرب يسوع .
ب- المدح المقدم من الله ” مدحه ليس من الناس (رو ٢: ٢٩) ، ” المدح لكل واحد من الله ” (١كو ٤: ٥) ، ” توجد للمدح والكرامة والمجد “(١بط ١: ٧) .
ج- لكل من يستحق المدح ” إن كان مدح ففي هذا افتكروا “(في ٤: ٨) .
د- في مدح الكنائس للكارزين بالانجيل ” الأخ الذي مدحه في الإنجيل “(٢كو ٨: ١٨) .
هـ- في مدح الذين يفعلون الخير من قبل رؤسائهم ” افعل الصلاح فيكون لك مدح منه “(رو ١٣: ٣) ، والمدح لفاعلي الخير “(١بط ٢: ١٤) .
٤- Doxa مجد ” اعط مجداً لله “(يو ٩: ٢٤) .
٥- Arety فضيلة ، وتعني “حمد” في (١بط ٢: ٩) ” لكي تخبروا بفضائل الذي دعاكم ”
ثانياً كفعل
١- ainew يسبح ، وعلي الدوام يُوجه التسبيح لله بواسطة (أ) الملائكة (لو ٢: ١٣) (ب) البشر (لو ١٩: ٣٧ ، ٢٤: ٥٣) ، (أع ٢: ٤٧ ، ٣: ٨ ، ٩) ، (رو ١٥: ١١) ، (رؤ ١٩: ٥)
٢- Epainew يمدح (لو ١٦: ٨ )، (رو ١٥: ١١) ، (١كو ١١: ٢ ، ٢٢: ١٧)
٣- Humnew يسبح ، وتستعمل :
أ- كفعل متعد (أع ١٦: ٢٥) ، (عب ٢: ١٢) .
ب- كفعل لازم (مت ٢٦: ٣٠) ، (مر ١٤: ٢٦) .
٤- Psallw يرتل – يسبح (رو ١٥: ٩) ، (١كو ١٤: ١٥) ، (أف ٥: ١٩) ، (يع ٥: ١٣) .
٥- Exomologew يحمد (مت ١١: ٢٥) ، (لو ١٠: ٢١) ،(رو ١٤: ١١ ، ١٥: ٩) .
٦- Eulogew يبارك ” وبارك الله “(لو ١: ٦٤) .
أسمع (akoum)
أ – استعمل كفعل غير متعد (مت ١١ : ١٥) ،(مر ٤ : ٢٣) .
ب – كفعل متعد (أع ٩ : ٧ ، ٢٢ : ٩) .
وعندما يُقال أن الله يسمع الصلاة ، فهذا يعنى ان الله يستجيب للصلاة (يو ٩ : ٣١) : ونعلم أن الله لا يسمع للخطاة ، ولكن إن كان أحد يتقى الله ويفعل مشيئته فلهذا يسمع ) انظر ايضاً (١يو٥ : ١٤ ، ١٥). وهناك صيغ أخرى للفعل وردت بنفس المعنى :
أ – eisskouw بمعنى
١ – يسمع ( لو١ : ١٣) ، (أع ١ : ٣١) ، (١كو ١٤ : ٢١) ، (عب ٥ : ٧)
٢ – يستجيب (مت ٦ : ٧) .
ب – diskouw : يسمع (أع ٢٣ : ٣٥) .
ج – epakouw يسمع (٢كو ٦ :٢) .
د – prokouw يسمع قبل (كو ١ : ٥) .
هـ – paralouw لا يسمع (مت ١٨ : ٧ ) . وهناك أفعال أخرى تعطى نفس المعنى ( يسمع ) .
١ – enwtizomai يسمع – يصغى (أع ٢ : ١٤) .
٢ – peitharchew يطيع – يذعن (أع ٥ : ٢٩ ، ٣٢ ، ٢٧ : ٢١ ، (تى ٣ : ١)
ومن الأسماء المشتقة :
أ – akoy بمعنى
١ – سمع (مت ١٣ : ١٤) ، (١كو ١٢ : ١٧) ، (٢بط ٢ : ٨) .
٢ – أذن (مر ٧ : ٣٥)
٣ – خبر (مت ٤ : ٢٤) ، (مر ١ : ٢٨) ، (يو ١٢ : ٣٨) .
ب – akroatys الذى يسمع – السامع (رو ٢ : ١٣) ، (يع ١ : ٢٢ ، ٢٣ ، ٢٥) .
ينير (Phwtizw)
استعملت :
أ – كفعل غير متعد (لأن الرب الإله ينبر عليهم) (رؤ ٢٢ :٥).
ب – كفعل متعد :
١ – يضئ (لو ١١ : ٣٦) ، (رؤ ٢١ : ٢٣) وفى المبنى للمجهول (رؤ ١٨ : ١) . وفى المعنى المجازى عن الضياء الروحانى (الذى ينير كل إنسان أتياً الى العالم) (يو ١ : ٩) (مستنيرة عيون أذهانكم) أف ١ : ٨ (وانظر أف ٣ : ٩) .
٢ – يُحضر الى الضوء ، يُظهر (الرب سينير خفايا الظلام ، ” أنار الحياة والخلود) (٢تى ١ : ١٠) . والاسم phws بمعنى نور واستعمل حرفيا عن النور الذى يقع تحت البصر، وفى المعنى المجازى استعمل عن النور الروحى (مت ٥ : ١٦) ولذلك يسمى المؤمنون ” أبناء النور ” (لو ١٦ : ٨).
وفى ما عدا النور بالمعنى الحرفي للكلمة ، فقط استعملت الكلمة في المعانى التالية :
١ – مجد المكان الذى يحل فيه الله ” ساكناً في نور لا يدنى منه ” (١تى ٦ : ١٦).
٢ – طبيعة الله (الله نور وليس فيه ظلمة) (١يو ١ : ٥)
٣ – الله كمصدر للنور (أبى الأنوار) (يع ١ : ١٧) ، (أش ٦٠ : ١٩-٢٠) .
٤ – خيرات الله (مز ٤ : ٦) والملك (أم ١٦ : ١٥) والرجل القوى (أيوب ٢٩ : ٢٤) .
٥ – المسيح الذى ينير الإنسان (يو ١ : ٤ ، ٥ ، ٩ ، ٣ : ١٩ ، ٨ : ١٢ ، ٩ : ٥ ، ١٢ : ٣٥ ، ٣٦ ، ٤٦) ، (أع ١٣ : ٤٧) .
٦ – نور الكتب المقدسة (سراج لرجلى كلامك ونور لسبيلى) (مز ١١٩ : ١٠٥) ، وأحكام ووصايا الله (أش ٥١ : ٤) ، (أم ٦ : ٢٣) . أرشاد الله (أيوب ٢٩ : ٣) ، (مز ١١٢ : ٤) ، (أش ٥٨ : ١٠) ، مع استنكار إرشاد الإنسان (رو ٢ : ١٩) .
٧ – الخلاص (١بط ٢ : ٩)
٨ – البر (رو ١٣ : ١٢) ، (٢كو ١١ : ١٤ ، ١٥) ، (١يو٢ : ٩ ، ١٠) .
٩ – نور الشهادة لله ( مت ٥ : ١٤ ، ١٦ ، يو ٥ : ٣٥ ) . وهناك الأسم ( phwtismos ) بمعنى : إنارة ، واستعملت مجازيا في ٢ كو ٤ : ٤ ، عن إنارة الإنجيل ، وفى ٢ كو ٤ : ٦ عن معرفة مجد الله ( انظر في الترجمة السبعينية : (أيوب ٣ : ٩) ، (مز ٢٧ : ١، ٤٤ : ٣ ، ٧٨ : ١٤، ٩٠ : ٨ ، ١٣٩ : ١١) .
وهناك الصفة phwteinos بمعنى نير :
الجسد النير ( مت ٦ : ٢٢ ) ، سحابة نيرة ( مت ١٧ : ٥ ) (وانطر لو ١١ : ٣٦ ) .
من وحي قــراءات اليــوم
لا هذا أخطأ ولا أبواه (يو ٩ : ٣)
- كل ما يشغلني في الآخرين خطاياهم وأنت مشغول بمجدهم وعملك فيهم.
- أنا أبحث في الأسباب وأنت تعالج النتائج.
- أنت مشغول بإعلان نورك لي وأنا في الظلام أفتّش على خبايا الآخرين.
- نحن نتقـن دور القاضي الذي يحكم وأنت لاتكلّ عن عملك كطبيب دائما يعالج.
- أنت تدعـونا كل يوم أن نمضي ونغتسل ونحن مشغولون بعمى الآخريـن عن قـذارتنا.
- نحن نتافف من الخطاة في مجمعنا وأنت تقابلهم في الشوارع والأزقّة.
- أنت تحاور الخطاة ونحن نستنّكف أن نتعلم من أولادك.
- أنت تبحث كل يوم عن من يحتاج إلى معونة ونحن نفتّش أولاً في دفاتـرهـم.
- نحن نـري الآخـريـن عميان بينما أنت حزيـن على ظلام رؤيتنا.
المراجع
[1]– تفسير التكـويـن ص ٣٥٢ – القمص تادرس يعقـوب ملطي.
[2]– Elowsky, J.C. & Oden, T.C. ( 2006 ). John 1 – 10 ( The Ancient Christian Commentary on Scripture, New testament part IVa ). Illinois ( U.S.A ) : InterVarsity press. Pages 319,328,329
- يو ٩ : ١-١٢ ترجمةالأخت: إيفيت منير – كنيسة مار مرقص ببني سويف.
- يو ٩ : ١٣ – ٣٤: ترجمةالأخ : كيرلس كامل مرقص – كنيسة رئيس الملائكة ميخائيل بأبو قرقاص.
[3]– كتاب شرح إنجيل يوحنا للقديس كيرلس الأسكندري المجلد الأول صفحة ٦٧٣ – ترجمة دكتور نصحي عبد الشهيد.
[4]– كتاب عظات القديس مقاريوس الكبير – العظة العشرون – صفحة ١٢٤الطبعة الثانية 1991- ترجمة د. نصحي عبد الشهيد.
[5]– كتاب تفسير سفر أعمال الرسل الإصحاح الثامن – القمص تادرس يعقوب ملطي.
[6]– ترجمة دكتور جورج عوض ومنشورة علي موقع مركز دراسات الآباء – نصوص آبائية – بتاريخ ٢٠ أبريل لسنة 2013.
[7]– كتاب تفسير سفر المزامير – مزمور ١٨، مزمور ٢٧ – القمص تادرس يعقوب ملطي.
[8] – دراسات في الكتاب المقدس – انجيل يوحنا – ص 167- 175 – للأنبا أثناسيوس مطران بني سويف والبهنسا
[9]– كتاب عظات مضيئة معاشة – صفحة ١٢٥- إصدار مطرانية ملوي وأنصنا والأشمونين.
[10]– كتاب المنجلية القبطية الارثوذكسية – للبابا تواضروس الثاني.
[11]– كتاب تأملات روحية في قراءات أناجيل آحاد السنة القبطية – كنيسة مار جرجس سبورتنج – ص 311 – 316
[12]–كتاب دراسات لاهوتية ولغوية في كتاب العهد الجديد ( الجزء الثاني صفحات ٥٧ ، ٩٢ ، ٩٧ ) – دكتور موريس تواضروس أستاذ العهد الجديد بالكلية الإكليريكية.
[13] – تأملات وعناصر روحية في أحاد وأيام السنة التوتية (الجزء الأول صفحة ١٠٢ – إعداد القمص تادرس البراموسي)
[14] – المواعظ النموذجية ( الجزء الخامس صفحة ٢٨٥ – القمص بولس باسيلي)
[15] – كنوز النعمة (الجزء الرابع صفحة ٤٧٨) – الأرشيدياكون بانوب عبده