الأحد الأول من شهر بؤونة

 

 

افرحوا كل حين صلوا بلا انقطاع اشكروا في كل شيء، لأن هذه هي مشيئة الله في المسيح يسوع من جهتكم لا تطفئوا الروح لا تحتقروا النبوات امتحنوا كل شيء. تمسكوا بالحسن امتنعوا عن كل شبه شر ” (١تس ٥: ١٦-٢٢)

” الفاعل بسلطةٍ مسرتك الطهر علي الذين أحبَّهم وليس كالخادم، البسيط في طبيعته الكثير الأنواع في فعله ينبوع النعم الإلهية ” سر حلول الروح القدس (القدَّاس الكيرلسي )

” هل الروح فينا؟ نعم، بالحق هو فينا، فإننا إذ ننزع الكذب والمرارة والزنا والنجاسة والطمع عن نفوسنا، وإذ نصير هكذا متحننين، مسامحين بعضنا البعض، ليس فينا مزاح، بهذا نحسب مؤهلين، فما الذي يمنع الروح من حلوله فينا وإنارتنا؟ “[1]

 

 

شواهد القراءات

(مز ٦:٩) (مت ١٧: ١-١٣)، (مز ٦٦: ١-٢)، (مت ٢٨: ١-٢٠)، (رو ١٥: ١٣- ٢٩)، (١بط ١: ١-٩)،

(أع ١٢: ٢٥-١٣: ١-١٢)، (مز ١٤٢: ٩-٨)، (لو ١١: ١-١٣)

 

 

ملاحظات على قراءات اليوم

 

+ قراءة إنجيل عشيَّة اليوم (مت ١٧: ١ – ١٣) تُشبه قراءة إنجيل باكر (مت ١٧: ١ – ٩) يوم ٨ توت (تذكار موسي رئيس الأنبياء) ، يوم ١٣ مسري ( عيد التجلّي )

مجئ القراءة اليوم بزيادة أربع آيات (مت ١٧: ١ – ١٣)، وهي هنا تحتوي علي موضوعين: أولهما من آية ١ – ٩ وهي القراءة الخاصة بتجلَّي رب المجد أمام تلاميذه القديسين وهو الجزء المتوافق مع موضوع شهر بؤونه ” الإمتلاء من الروح القدس ” ومجد البشرية في المسيح

أمَّا الجزء المُضاف أي الأربع آيات الزائدة (عن يومي ٨ توت، ١٣ مسري) هو الجزء من آية ١٠ – ١٣ وهي القراءة الخاصة بيوحنا المعمدان، ولعل السبب في إضافتها هو مجئ الأحد الأول من بؤونه مع تذكار يوحنا المعمدان ( ٢ بؤونه ) ، وهو الذي يوضِّح توافق قراءات بعض الآحاد مع أعياد القديسين المشهورين والأعياد السيدية وأعياد العذراء والملائكة ( يمكن الرجوع لباب نظره عامة في قراءات الآيام )

وتأتي يوم ٨ توت لأجل ظهور موسي وإيليا مع الرب علي الجبل، وتأتي يوم ١٣ مسري لأجل التجلَّي ذاته

+ قراءة الكاثوليكون اليوم (١بط ١: ١ – ٩) هي نفس قراءة الكاثوليكون ليوم ٢٩ هاتور (تذكار البابا بطرس خاتم الشهداء)

مجيء القراءة من بداية الإصحاح (بطرس رسول يسوع المسيح …) رُبَّما يكون سببه اسم القديس بطرس، لذلك جاءت في تذكار البابا بطرس، وفي الأحد الأوَّل من شهر بؤونه لأجل نهاية القراءة ” غاية إيمانكم خلاص أنفسكم ”

كما أنها تُشبه قراءة الكاثوليكون (١بط ١: ١ – ١٢) للأحد الأوَّل من شهر أبيب لأجل اسم القديس بطرس (آية ١ ) والذي يأتي مع عيد آبائنا الرسل الأطهار

وتُشبه قراءة الكاثوليكون (١بط ١: ٣ – ١٢) لثاني يوم عيد الصليب يوم ١٢ بابة (شهادة القديس متي الإنجيلي) ،يوم ٩ هاتور (تذكار انعقاد مجمع نيقية) ، ٢٢ كيهك ( تذكار الملاك غبريال ) ، ٣ نسئ ( تذكار الملاك روفائيل )

وهي القراءة التي تكلمت عن الخلاص بالصليب الذي فتش وبحث عنه أنبياء (عيد الصليب)، وعن الذين بشروكم في الروح القدس مثل الآباء الرسل (١٢ بابه)، وعن نقاوة هذا الإيمان والشهادة له (٩ هاتور)، وأنه شهوة الملائكة (يوم ٢٢ كيهك ، و يوم ٣ نسئ )

+ قراءة الإبركسيس اليوم (أع ١٢: ٢٥ – ١٣: ١ – ١٢) تكرَّرت في يوم ٢٥ هاتور، وفي يوم ١٣ برمهات

مجيئها هذا اليوم للإشارة إلى ما جاء في آية ٢ (بينما هم يخدمون الرب ويصومون قال الروح القدس) عن الكنيسة المملوءة من الروح القدس والتي يقودها الروح في كل خدماتها

بينما مجيئها في أيام ٢٥ هاتور، ١٣ برمهات للإشارة إلي السلطان الإلهي في كلام القديسين أمام الأشرار كما حدث مع القديس بولس وأيضاً الشهيد أبوسيفين (٢٥ هاتور) وكما آمن الوالي لما رأي الأعجوبة الحادثة هكذا آمن الحارس لما رأي الأكاليل السماوية في تذكار الأربعين شهيداً بسبسطية (١٣ برمهات)

+ آية ٨ من مزمور القدَّاس اليوم (مز ١٤٢: ٨) تكرَّرت في مزمور باكر الأحد الرابع من شهر هاتور

(عرفني يارب الطريق التي أسلك فيها لأني إليك رفعت نفسي)

الإشارة اليوم إلى قيادة الروح في طريق الحياة، وهذا يظهر أكثر في تكملة هذا المزمور في آية ١٠

علمني أن أعمل رضاك، لأنك أنت إلهي. روحك الصالح يهديني في أرض مستوية

وفي الأحد الرابع من شهر هاتور الإشارة إلى اشتياق الإنسان لمعرفة الطريق مثل الشاب الغني موضوع إنجيل قدَّاس ذاك الأحد

 

 

شرح القراءات

تعلن المزامير كيف نسعى للامتلاء بالروح

تبدأ المزامير بالطلب الدائم                    (مزمور عشيّة)

والاحتياج إلي نور وجهه                         (مزمور باكر )

وقيادة روحه                                    ( مزمور القدَّاس )

مزمور عشية يبدأ بالاتكال والطلب الدائم (ويتكل عليك الذين يعرفون اسمك فلا تترك طالبيك يا رب )

ومزمور باكر يطلب الاستنارة والإستعلان (وليظهر وجهه علينا ويرحمنا لتعرف في الأرض طريقك وفي كل الأمم خلاصك)

ومزمور القداس قيادة الروح (روحك القدوس يهديني إلي الاستقامة)

ويظهر إنجيل عشيّة نصيب البشرية من الامتلاء بالروح وتجلي الطبيعة البشرية في المسيح (وبعد ستة أيام أخذ يسوع بطرس ويعقوب ويوحنا أخاه وأصعدهم علي جبل عال منفردين وحدهم وتجلي قدامهم وأضاء وجهه كالشمس وصارت ثيابه كالنور)

وتُعْلِن القراءات عن عمل الروح في ملء الرجاء                            ( البولس )

وكمال التطهير والتقديس والتنقية                                           ( الكاثوليكون )

وقيادة الروح للخدمة في الكنيسة المُقدَّسة                              ( الإبركسيس )

في البولس نري ملء الروح في حياة المؤمنين في غني رجاءهم وفيض صلاحهم (وليملاكم إله الرجاء من كل فرح وسلام عندما تؤمنون وتزدادون في الرجاء بقوة الروح القدس وأنا نفسي أيضا يا إخوتي متيقن من جهتكم: أنكم أنتم مشحونون من كل عمل صالح )

لكنه يعلن أيضا ملء الروح وفعله في الخدمة والكرازة (لأجل إطاعة الأمم بالقول والفعل بقوة آيات وعجائب وبقوة الروح القدس حتى إني من أورشليم وما حولها إلي إلليريكون قد أتممت بشارة المسيح)

أما الكاثوليكون فيعلن دور وعمل الروح القدس في الخلاص فهو روح التقديس والطاعة لكي ما نتنقى دائما ونتطهر ويتزكى إيماننا (بمقتضي علم الله الآب السابق في تقديس الروح للطاعة ورش دم يسوع المسيح ….. للميراث الذي لا يبلي ولا يتدنس ولا يضمحل …. لكي تكون تزكية إيمانكم كريمة أفضل من الذهب)

بينما يعلن الإبركسيس الكنيسة الممتلئة بالروح من خلال الصوم والصلاة وهو أساس دعوة الخدمة فيها (وبينما هم يخدمون الرب ويصومون قال الروح القدس: أفرزوا لي برنابا وشاول للعمل الذي قد دعوتهما إليه حينئذ صاموا وصلوا ووضعوا عليهما الأيادي ثم أطلقوهما فهذان إذ أرسلا من الروح القدس انحدرا إلى سلوكية)

وهو أيضا الروح الذي يعطي سلطان للخادم على قوات الشر والظلمة (وأما شاول الذي هو بولس أيضا فامتلأ من الروح القدس وقال: أيها الممتلئ من كل غش وكل خبث يا ابن إبليس ياعدو كل بر ألا تزال تفسد سبل الرب المستقيمة فالآن هوذا يد الرب تأتي عليك فتكون أعمي لا تبصر الشمس إلى حين ففي الحال وقع عليه ضباب وظلمة وكان يدور ملتمسا من يقوده بيده فالوالي حينئذ لما رأي آمن وتعجب من تعليم الرب)

ويختم إنجيل القداس بقيمة اللجاجة وهدف حياة الصلاة وهو الامتلاء من الروح القدس فهذا هو سؤالنا وطلبنا وهدف قرعنا الدائم علي باب محبته الإلهية (وأنا أيضا أقول لكم: اسألوا تعطوا أطلبوا تجدوا اقرعوا يفتح لكم …. فأي أب منكم يسأله ابنه خبزا فيعطيه حجرا … فإن كنتم وأنتم أشرار تعرفون أن تعطوا أولادكم عطايا جيدة فكم بالحري الآب من السماء يعطي الروح القدس للذين يسألونه)[2]

” الآب الذي من السماء. لاحظ الفرق بين العبارة في الصلاة الربانية – أبانا الذي في السموات – والعبارة في هذه الآية – من السماء – ان في هذا إشارة إلي أننا متي صلينا تتوجه قلوبنا إليه إلي السماء وترتقي أفكارنا إلي هناك ولكن حينما يستجيب طلباتنا ويهب لنا الخيرات العظيمة فكأنه يتنازل نحونا من السماء ”

 

 

ملخّص القراءات

لذا توضح قراءات اليوم أن ملء الروح يجب أن يكون هدف صلاتنا وعبادتنا                               (إنجيل القداس)

ويُعْطَي للمتكلين عليه العارفين طريقه والساعين إلي الاستقامة                                 (مزمور عشية وباكر والقداس)

وهو الذي يُقدِّسنا للتمام                                                                                           ( الكاثوليكون )

ويملانا من الرجاء                                                                                                 ( البولس )

ويعطي الكنيسة صحة الدعوة والسلطان علي قوات الظلمة                                                     ( الإبركسيس )

ويعطي اتساع للخدمة والكرازة                                                                                        ( البولس )

ويصعد بِنَا في المسيح ومعه إلي جبل التجلي                                                                      (إنجيل باكر )

 

 

صلاة أبانا الذي في السموات في فكر آباء الكنيسة

علم يسوع تلاميذه كيف يصلون (العلامة اوريجانوس).

بتعليمه تلاميذه أن يخاطبوا الله كأب، يضعهم يسوع في نفس العلاقة التي له مع الله، وهذه حظوة ومسؤولية (القديس كيرلس الأسكندرى).

فى كل (مواضع) الإنجيل، سيلاحظ التلاميذ علاقة يسوع مع الله الآب وسيدركون انهم أولاد لله من خلال ابن الله وأن كل الصلوات للآب دائما ما تكون من خلال الابن (العلامة أوريجانوس).

يتضرع يسوع للأب أولا بخصوص من هو الله — اسمه — عمله — سلطانه كملك — يعلم يسوع تلاميذه أن يتعاملوا مع اسم الله كاسم مقدس بمخاطبة الله كأب أن يتقدس اسمه بيننا، واثقين أنه سيستجيب بنعمته من أجل ابنه.

القديسون فقط يستطيعون أن يصلوا “ليأتي ملكوتك” لأن الأشرار لا يريدون ملك (حكم) الله بينما هم لايزالون فى خطاياهم. أن تصلى أن تسري مشيئة الله على الأرض كما هي في السماء هو أن تصلى من أجل الحياة النقية الخالية من الملامة كحياة القديسين في السماء الذين يسكنون فى القداسة فى حضرة الله (القديس كيرلس الأسكندرى).

فى الحقيقة، أن تصلى من أجل ملكوت الله هو أن تصلى من أجل نفسك كواحد من القديسين الذين يقطنون فى الملكوت (القديس أوغسطينوس).

أن تصلى من أجل الخبز هو أن تصلى من أجل فقر القديسين وليس من أجل الغنى (الثراء)، لأن المحتاجين فقط هم الذين يصلون هذا الطلب. إن هذأه الطلبة تحتوي التقوى السرية آلتي تؤدى إلى عدة تفاسير، ولكنها تتركز في الخبز الضروري والكافي (القديس مار إفرايم السرياني).

تاريخ التفاسير يعكس مفهومين رئيسين ١) الخبز المادة الضروري للحياة في هذا العالم ٢) الخبز الجوهري الذي يؤدى إلى الحياة في الدهر الآتي كقوت روحي في الزمن الحالي. بدلا من جعل هذين الأمرين متضادين يقترح اللاهوت الجامع للقديس لوقا (الانجيلي) أن نرى الأمرين معا في ذات (نفس) الوقت (القديس يوحنا كاسيان).

عندما نصلى من أجل الخبز، نحن نصلى من أجل المسيح خبزنا، حيث إن المسيح هو الحياة، والحياة خبز، ألم يقل المسيح “أنا هو خبز الحياة”. (العلامة ترتليان).

غفران الخطايا، الطلبة التي تلي الصلاة من أجل الخبز في الصلاة الربانية، تعطى توازنا للصلاة من أجل الخبز. أن نغفر الخطايا هو تمثل بالله (محاكاة الله) الذي يعطينا الحل (الغفران) من كل آثامنا (القديس كيرلس الإسكندرى).

أن تغفر الخطية هو ان تخدم الله الذي خدمنا بغفران خطايانا (العلامة أوريجانوس). المجرب هو الشيطان، وليس الرب، كما وضح فى تجارب الشيطان ليسوع في البرية (العلامة ترتليان).

القديس لوقا (فى إنجيله) لم يشمل طلبة نجنا من الشر، لأن أن ننجو من التجربة هو نفسه أن ننجو من الشر (القديس كيرلس الأسكندرى).

قواعد الضيافة فى القرن الأول اقتضت ان يقوم المجتمع بضيافة الضيف القادم فى منتصف الليل. يتكلم يسوع عن ضيافة الله، الذي هو، مهما كانت الظروف، كريم ومعطاء، يوفر ما نحتاجه، لأن الله أكثر فضلا مما يستطيع أى إنسان (القديس أوغسطينوس). الخبزات الثلاث تمثل التغذية التي نتلقاها من الله في الأسرار الإلهية. (القديس أمبروز)

إننا نسأل بالصلاة، نطلب بأن نحيا كما يليق، ونقرع بأن نثابر فى الإيمان (بيدي).

كمانح للعطايا الجيدة والنعم، يعدنا الله بقسم أنه سيستجيب لصلواتنا إذا سألنا، طلبنا وقرعنا، ولكن دائما بحسب توقيته (القديس كيرلس الأسكندرى).

أن نقرع على باب الرب يعنى أن نصلى له. الذي نطلبه هو ملكوت الله وحكمه الذى ينعكس(نراه) فى الآب البشرى الذى يمنح عطايا جيدة لأولاده (بيدى). السمكة، البيضة، والخبز تمثل العطايا الإنعامية الجيدة وهي الإيمان، الرجاء والمحبة التي يعطيها الآب السمانى إلى أولاده على الأرض (القديس أوغسطينوس).

عندما نصلى ينبغي أن نطلب هذه العطايا التى تأتى من الروح (القدس) وليس الأشياء التي تضر جسدنا أو نفسنا، لأن الآب يريد أن يمنحنا العطايا الجيدة التى تجعلنا مقدسين وبلا لوم مع القديسين والملائكة المقدسين (القديس كيرلس الأسكندرى).[3]

 

 

الكنيسة في قراءات اليوم

ابن الله شمس البرّ ورب الأنبياء                                         إنجيل عشيّة

قبول الأمم                                                                    البولس

الثالوث والميراث السماوي + امتحان الإيمان                          الكاثوليكون

قيادة الروح القدس للكنيسة وإرسالية الرعاة                          الإبركسيس

الصلوات المحفوظة (الصلاة الربانيّة)                                  انجيل القدَّاس

 

 

أفكار مقترحة لعظات

 

(١) الامتلاء من الروح القدس

١- مصدر الامتلاء ( إشراقة نور وجه الإبن علينا )

” وأضاء وجهه كالشمس ” إنجيل عشيّة

” وليُظهر وجهه علينا ” مزمور باكر

٢- علامات الامتلاء

النمو في حياة الرجاء والفرح والسلام بفعل الروح القدس

” وليملأكم إله الرجاء من كل فرح وسلام عندما تؤمنون وتزدادون في الرجاء بقوة الروح القدس ”   البولس

٣- مجد الامتلاء (مُعجزات عمل الروح القدس في الخدمة )

” لأجل إطاعة الأمم بالقول والفعل بقوة آيات وعجائب وبقوة الروح القدس ”                                البولس

٤- دوام وضمان الإمتلاء (طاعة النفس لعمل الروح القدس)

” بمقتضي علم الله الآب السابق في تقديس الروح للطاعة ورش دم يسوع المسيح ”               الكاثوليكون

٥- قيادة الروح القدس للخدّام والرعاة

” وبينما هم يخدمون الرب ويصومون قال الروح القدس: أفرزوا لي برنابا وشاول للعمل الذي قد دعوتهما إليه حينئذ صاموا وصلوا ووضعوا عليهما الأيادي ثم أطلقوهما فهذان إذ أُرسلا من الروح القدس ”                              الإبركسيس

٦- دعم الروح القدس للخدّام والرعاة ضد قوات الظلمة

” وأما شاول الذي هو بولس أيضاً فامتلأ من الروح القدس وقال: أيها الممتلئ من كل غش وكل خبث ”   الإبركسيس

٧- استقامة النفس إحدى مفاعيل فعل الروح القدس في الإنسان

” روحك القدّوس يهديني إلى الاستقامة ”    مزمور القدَّاس

٨- أهم هدف للصلاة هو الامتلاء من الروح القدس

” فكم بالحريّ الآب من السماء يعطي الروح القدس للذين يسألونه ”                                         إنجيل القدَّاس

 

(٢) طلباتنا من الله (بين عثرات الصلاة وبساطتها وجوهرها وعمقها)

١-عثرات الصلاة

هذا الجيل يريد أن يُري آية

هذه هي آفة العصر الحالي هوس المُعجزات وطلب حل المشاكل بمعجزة وشفاء الأمراض بمعجزة والانتقام من المُضْطَهِدِين بمعجزة وهكذا تحولت الصلاة إلى انتظار الآية والمعجزة رغم أن جواب الرب علي هذا السؤال بمعجزة الصليب (لأَنَّهُ كَمَا كَانَ يُونَانُ فِي بَطْنِ الْحُوتِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَال، هكَذَا يَكُونُ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي قَلْب الأَرْضِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَال. (مت ٤٠:١٢) ومعجزة النعمة أي معجزة الخلاص وتغيير الإنسان من الداخل وليس تغيير الظروف الخارجية والتي إذا لم تحدث يتعثر الناس في محبة الله وكأنهم يقولون (وماذا ننتفع إن التمسناه – (أي ١٥:٢١)

٢- جهلنا بما لنا في المسيح في صلاتنا

«اُطْلُبْ لِنَفْسِكَ آيَةً مِنَ الرَّبِّ إِلهِكَ. عَمِّقْ طَلَبَكَ أَوْ رَفِّعْهُ إِلَى فَوْق» (أش ١١:٧)

نريد أن تفعل لنا كل ما طلبنا – لا تطلبوا مثل أمم العالم

بينما يطلب الرب من الملك آحاز ورئيس شعب الله (أش ٧) أن يطلب طلبة عظيمة يتحجَّج الملك بأعذار واهية ويقول لا أجرب الرب رغم أن الرب بنفسه هو الذي يمنحه هذه النعمة وهذا الحق

وهذا ما يحدث في حياتنا اليومية وفِي صلواتنا استغراقنا في طلبات عالمية مثل أمم العالم (لو ٣٠:١٢) أمَّا ملكوت الله وبرّه (مت ٣٣:٦) فهي خارج مشغوليتنا واهتماماتنا وننحصر فقط فيما هو سوف يُزاد لنا

٣- بساطة الصلاة في احتياجنا لله

(ربي …. أين تمكث (يو ٣٨:١) – كما يشتاق الإيَّل (مز ٤٢: ١) – عند قدميه (لو ١٠: ٣٩)

٤- عمق الصلاة

(واظبوا على الصلاة ساهرين فيها بالشكر) (كو ٢:٤)

يتضح لنا هنا علامات الصلاة بعمق المواظبة أو الانتظام والسهر أي التضرع والشكر أي التسليم وقبول إرادته في حياتنا.

 

(٣) صلاة الكنيسة (ثمارها ومسؤوليتها وقدرة صلاة الكنيسة بفكر الله)

١- ثمار الصلاة بالروح

اسهروا إذا وتضرعوا في كل حين، لكي تحسبوا أهلا للنجاة من جميع هذا المزمع أن يكون، وتقفوا قدام ابن الإنسان» (لو ٢١: ٣٦)

ثمار الصلاة هنا هي القوَّة الإلهية التي يمنحها الله مجاناً لنا فنجتاز التجربة بنعمته كما كان الفتية في الأتون (. دَخَلْنَا فِي النَّارِ وَالْمَاءِ، ثُمَّ أَخْرَجْتَنَا إِلَى الْخِصْبِ. (مز ١٢:٦٦) فليست الاستجابة هنا رفع التجربة، بل رفع الإنسان فوقها لذلك طلب الرب من تلاميذه الثلاثة في بستان جثسيماني الصلاة والسهر لكي يجتازوا تجربة الصليب لكن لأنهم لم يُصلّوا معه لذلك هرب أحدهم وأنكر الآخر

٢- مسؤولية الصلاة لأجل الآخرين

(مجاهد كل حين لأجلكم بالصلوات) (كو ١٢:٤)

” بسبب هذا أحني ركبتي لدى أبي ربنا يسوع المسيح، الذي منه تسمى كل عشيرة في السماوات وعلى الأرض. لكي يعطيكم بحسب غنى مجده، أن تتأيدوا بالقوة بروحه في الإنسان الباطن، ليحل المسيح بالإيمان في قلوبكم، وأنتم متأصلون ومتأسسون في المحبة، حتى تستطيعوا أن تدركوا مع جميع القديسين، ما هو العرض والطول والعمق والعلو، وتعرفوا محبة المسيح الفائقة المعرفة، لكي تمتلئوا إلى كل ملء الله.” (أف ٣: ١٤ – ١٩)

ما أجمل طلبة القديس بولس لشعب كنيسة أفسس أن يتأصلوا ويتأسسوا في المحبّة وفِي إدراك قصد الله في حياتهم وما أجمل أن يكون معروفاً عن خادم ما (أبفراس) أنه خادم الصلاة لأجل الآخرين لأجل إدراكهم مشيئة الله

٣- القدرة الجبَّارة لكنيسة الله المُصلَّية بفكر واحد

(وأما الكنيسة فكانت تصير منها صلاة بلجاجة إلي الله من أجله) (أع ٥:١٢)

الصلاة التي أخرجت بطرس الرسول من السجن ذا الحصن المنيع (أع ١٢ ) والتي زلزلت أساسات السجن مع القديسين بولس وسيلا (  أع ١٦    ) والتي تقدر علي كل أجناد الشر الروحية في السماويات (أف ٦ : ١٢)

 

 

عظات آبائية

 

القديس الأنبا أنطونيوس

عطية الروح القدس

❖ الروح القدس يجعل كل أعمال الله أحلي من العسل وقطر الشهد، سواء أكان تعبًا أو سهراً أو سكونًا أو أعمال رحمة كل ما يصنع لأجل الله يصير لهم حلوًا ، حتي يعلمهم كل شيء (يو ١٤ : ٢٦).

❖ احييك في روح الوداعة، الذي يعطي سلامًا ويبعث عذوبة في نفوس الأبرار. إن الروح لا يأتي لكل نفس، بل للذين يتّطهرون بالكمال من شهواتهم، لإنه قدوس ولا يقدر ان يدخل نفسًا دنسة (تصر على دنسها) إنه لا يتوقف عن سكب رائحة البر والعذوبة عليهم كما هو مكتوب “من الذى يعرف بهجة الروح إلا الذى جعل منه مسكناً له”

❖ كما ان الأشجار لا تقدر أن تنمو ما لم يكن لها ماء طبيعي، هكذا النفس أيضًا ما لم تنل العذوبة السماوية.

النفوس التي تقبل الروح وترتوى بالعذوبة السماوية هي وحدها التي تنمو.

❖ عندما يأتي روح الله ليسكن فيهم، يجلب لهم راحة أو يدعهم يستمتعون بالراحة في كل أنشطتهم، ويجعل نير المسيح حلو لهم، كما هو مكتوب في الأناجيل ” فتجدوا راحة لنفوسكم” (مت ١١: ٢٩)، بالرغم من انهم أخذوا نيره وحملوه.

إذ يصبحون غير مُتعبين في ممارسة الفضيلة وفي الطاعة وسهر الليل، لا يشعرون بغضب إزاء أي فتراء بشرى ولا يحل بهم خوف، لا من إنسان ولا من وحش او من روح، لإن فرح الرب يستقر معهم نهارًا وليلا يهب حياة لعقلهم ويكون طعامهم. بهذا الفرح تنمو النفس، وتصبح قادرة علي كل شيء، أي تصير كاملة ،وبهذا الفرح تصعد إلي السماء.

❖ إننا نرى الطفل ينمو، يبدأ برضع لبن الأم، وبعد ذلك بعض أطعمة وأخيرًا يأكل كل أنواع الطعام الذي يأكله البشر البالغون عادة. بهذا ينمو قويًا ناضجًا ،ويقوى قلبه علي اللقاء مع أعدائه بشجاعة إن هاجموه ولكن إذا أصيب بمرض في طفولته، يقل غذاؤه وتضعف قوته فينشأ ضعيفًا ويستطيع أي عدو أن يقوى عليه ويغلبه ، لكى يستعيد صحته وقوته ليغلب اعداءه ، يلزمه أن يحصل علي مساعدة طبيب متمرس يحظى بعنايته.

هكذا تمامًا بالنسبة للنفس البشرية، فإن اي نقص في الفرح الإلهي يجعلها تضعف وتعانى جراحات كثيرة وإذا حاولت ان تجد إنسانًا ، خادمًا لله، متمرناً  الشفاء الروحي، تلتصق به، فإنه اولاً يشفيها من الشهوات ، وبعد ذلك يقيمها ويعلمها كيف تحصل بمعونة الله علي هذا الفرح الذى هو غذاؤها، حينئذ يمكنها أن تقاوم اعدائها، الأرواح الشريرة وتغلبهم، وتطأ مشوراتهم تحت قدميها، وتمتلئ بالفرح الأكمل.

❖ رائحة الروح القدس مبهجة علي الدوام، عذبة للغاية لا يقدر لسان بشرى ان ينطق بها. ولكن من هم الذين يعرفون هذه المسرة والعذوبة التي للروح إلا أولئك الذين جاء وحل فيهم؟! يأتي الروح القدس ويحل في النفوس التائبة، ولكن بعد أتعاب كثيرة. ونحن نرى أمورًا كثيرة متشابهة حتى في هذا العالم. فمثلًا لا يُحصل على الأحجار الكريمة إلا بمشقة عظيمة. وإذ يبحث القديسون عن هذا الروح يقتنونه بكونه اللؤلؤة الكثيرة الثمن التي يتحدث عنها الإنجيل في مَثَل التاجر الذي كان يطلب اللآلئ الحسنة، وحينما وجد لؤلؤة كثيرة الثمن باع كل ما لديه واشتراها (مت١٣) نفس الأمر فيمثل “الكنز الذي في الحقل” الذي إذ وجده إنسان ذهب وباع كل شيء وأشترى ذلك الحقل (مت ٤٤:١٣).

❖ حرارة الروح القدس تهبنا النصرة علي الشيطان علاوة علي هذا فإن نفس الإنسان تشبه طائراً أيضًا، من حيث أن الدفء هو سبب وجوده في الحياة. فبدون تدفئة البيض لا يخرج الفرخ الحي، هكذا أيضاً بالنسبة للنفس إذ يحيط الله بالنفوس التي تطيعه ويدفئها ،يرفعها إلي الحياة الروحية. وإذ تتحقق النفس أنها مطيعة لله وملتصقة به، تشبه الطائر الذى تكمن حياته في الدفء لهذا ليتكم لا تنفصلون قط عن قوة هذه النار، احترزوا فإنه بسبب هذه النار التي يقدمها الله لكم، يشن الشيطان هجمات كثيرة لعله يحرمكم منها، وهو يعرف أنه لا غلبه له عليكم مادام لكم هذه النار.[4]

 

 

أبوة الآب في صلاة أبانا الذي – العلَّامة أوريجانوس[7]

أبانا الذي في السموات

جدير بنا أن نفحص العهد القديم بالتدقيق لعلنا نجد فيه، في أي سفر من أسفاره، صلاة يدعو المصلي فيها الله بكلمة الآب.

لقد بحثت كثيراً وفتشت بعناية وجِدّ على قدر ما أستطيع فلم أجد صلاة واحدة تتضمن هذا النداء، ولكن هذا لا يعني بالطبع أني أدعي أنه ليس هناك ما يشير إلى أبوة الله، أو أن المؤمنين باسمه لم يُطلَق عليهم لقب البنين “أولاد الله” ولكن ما أقصده بالتحديد أننا لم نجد في أيه صلاة تلك الدالة والثقة والإيمان التي تتجلي في مناداة الله بكلمة “الآب” كما أعلنها المخلص.

أما اطلاق لقب الآب على الله، ولقب البنين أو الأولاد على الملتجئين إلى كلمة الله، فهذا ما يمكننا أن نجده في أماكن متعددة:

ففي سفر التثنية مثلاً يقول: تركت الله الذي أبداك (ولدك) ونسيت الله الذي رعاك (اطعمك) (تث٣٢: ١٨)، كما يقول: أليس هو (الله) أباك ومقتنيك، هو عمَلَكَ وأنشأك (تث٣٢: ٦) ثم يلومهم بقوله: أولاد لا أمانة فيهم (تث٣٢: ٢٠).

وفي سفر إشعياء النبي يقول: ربيت بنين ونشأتهم أما هم فعصوا عليّ (احتقروني) (اش١: ٢).

وفي سفر ملاخي: الإبن يكرم أباه، والعبد يكرم سيده، فإن كنت أنا أباً فأين كرامتي؟ وإن كنت سيداً فأين هيبتي؟ (ملا ١: ٦).

وعلي الرغم من أن الله يُدعي الآب والمولودين فيه بكلمة الإيمان يلقبون بالبنين، إلا أننا لا نجد بين القدماء ذلك المفهوم العميق لهذه البنوة الإيجابية التي لا تتحول أو تتغير.

ومع ذلك فالنصوص التي أوردنا نماذجها تكشف لنا عن حقيقة هؤلاء الذين دعوا بالبنين، لأنهم في الواقع لم يكونوا سوي عبيداً طبقاً لمًا شرحه لنا الرسول بولس إذ يقول: ما دام الوارث قاصـر؛ لا يفـرق شيـئًا عن العبـد مع كونه صاحب الجميع، بل هو تحت أوصياء ووكلاء إلى الوقت المؤجل من أبيه (غل٤: ١)، ولكن ملء الزمان (غل٤:٤) يتضمن مجئ ربنا يسوع المسيح في وسطنا، وحينئذ يستطيع من يطلب أن يأخذ نعمة التبني لكي يُحسب مع الاولاد. وفي هذا يقول القديس بولس: إذ لم تأخذوا روح العبودية أيضًا للخوف بل اخذتم روح التَّبنِّي الذي به نصرخ: يا أبا الآب (رو٨: ١٥).

كما نقرأ في انجيل معلمنا يوحنا: وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد أي المؤمنون باسمه (يو١: ١٢). وفي رسالته الجامعة نتعلم أن المولودين من الله – بفضل روح التَّبني هذه: كل من هو مولود من الله لا يفعل خطية لأن زرعه يثبت فيه ولايستطيع أن يخطئ لأنه مولود من الله (١يو٣: ٩).

فاذا ما أدركنا جيداً ما تُفصِح عنه الكلمات: متي صليتم قولوا أيها الآب – كما جاءت في انجيل معلنا لوقا، ربما نتردد في وجل، ونُحجِم عن مناداة الله بهذا اللقب ما لم نكن بالحقيقية أولاداً لله، مخافة أن نضيف إلى خطايانا إثماً جديداً يتمثل في عدم التقوى وفي هذا التهاون وهذا الاستهتار.

وما أعنيه في هذا التنبيه لا يخرج عما قصد إليه الرسول بولس في رسالته الأولي إلى أهل كورنثوس: ليس أحد يستطيع أن يقول: الرب يسوع، إلا بالروح القدس، وليس أحد وهو يتكلم بروح الله يقول: أنا ثيما ليسوع (١كو١٢: ٣)، ولا شك أن الرسول يستعمل تعبير الروح القديس وروح الله بمعني واحد.

وربما انتابنا شئ من الغموض والإبهام حول المقصود بقوله: “أن يقول الرب يسوع بالروح القدس”، لأن هناك عدداً لا يحصي من المرائين وكثيرين من الهراطقة بل أحياناً حتي من الأرواح الشريرة، وهم ساقطون تحت قوة هذا الإسم يستخدمون هذه الكلمات فكيف يتفق هذا مع ماتعلمناه من أن الانسان لايستطيع أن يقول الرب يسوع إلا بالروح القدس؟، إنهم لا يقولون هذا القول إلا لأنهم مرغمين أمام قوته وسلطانه، أو رياء منهم أمام الناس، ولكن حياتهم وأعمالهم خالية تماماً من سلطان هذه الكلمة.

ولكن خدام كلمة الله وحدهم، من كل ما يعملون، لا يدعون أحداً سيداً ورباً إلا هو. إذاً هؤلاء هم الذين يستطيعون أن يقولوا: “الرب يسوع” بتصرفهم ذاته.

وإذا كان هؤلاء هم الذين يقولون: الرب يسوع، فيترتب على هذا – إحتمالاً- أن كل من يخطئ إنما يجحد أو يلعن كلمة الله بنفس أداء الخطية وبأعماله الشريرة يصرخ قائلاً أنا ثيما ليسوع.

اذاً فهناك فريق من الناس يؤمن ويجاهر بالرب يسوع وعلى نقيضهم فريق آخر يقول أنا ثيما ليسوع. يترتب على هذا أيضاً أن كل من ولد من الله ١يو٣: ٩) ولا يخطئ يشترك في زرع الله الذي يحفظه من كل خطية، ويعلن بأعماله: أبانا الذي في السموات. والروح نفسه يعطي شهادة لأرواحهم – أنهم أولاد الله وورثته وورثة مع المسيح (رو٨: ١٦، ١٧). لأنهم وهم يتألمون معه لهم الحق أن ينتظروا بالرجاء أن يتمجدوا معه أيضاً. إلا أن مثل هؤلاء المؤمنين لا يقولون أو ينادون الله “أبانا” بقلوب واجفة مترددة، ولكن فضلاً عن أعمالهم فإن قلوبهم أيضاً وهي مصدر وينبوع هذه الأعمال الصالحة، إنما تؤمن بالبر بينما أفواههم تعترف وترنم بالخلاص (رون١٠: ١٠).

وفضلاً عن هذا كله فإن الإبن الوحيد يشكل كل أفكار هؤلاء البنين وكلماتهم وأفعالهم لكي تكون على صورته (غل ٤: ١٩)، فتتكاثر فيهم صورة الله غير المنظور (كو١:١٥)، وهكذا تتوافق الصورة مع خليقة الله التي صنعها، الذي يجعل شمسه تشرق على

الصالحين والأشرار، ويمطر على الأبرار والظالمين (مت٥: ٤٥)، هكذا تتمثل فيهم صورة السماوي، الذي هو نفسه صورة الله.

وعلى هذا فالقديسون هم صورة الصورة، ولما كان الإبن هو صورة بهاء الله ورسم جوهره، فهم يأخذون انطباع البنوة ليس فقط لأنهم يصبحون على غرار جسد مجد المسيح (في٣: ٢١)، بل يشابهون أيضاً الله الظاهر في الجسد، لأنهم يتآلفون مع المسيح في جسد مجده واستحال في تجديد أذهانهم (رو١٢: ٢)، ولهذا يقولون في كل الأمور “ابانا الذي في السموات”.

أما الذي يخطئ- كما يقول معلمنا يوحنا في رسالته- فهو من الشيطان لأن الشيطان يخطئ منذ البدء (١يو٣: ٨، ٩).

وكما أن زرع الله الذي يثبت فيمن ولد من الله، يجعل من المستحيل عليه أن يخطئ لأنه تَكَّوَن على صورة الإبن الوحيد الكلمة، فعلى نفس القياس كل من يخطئ يوجد فيه زرع الشيطان، وإذا كان هذا الزرع الشرير في نفسه يتعذر على مثل هذه النفس أن تتقدم الي ما هو أفضل.

ولكن من أجل هذا الغرض بالذات ظهر إبن الله لكي يقضي على أعمال الشيطان (1يو3: 8)، لذلك صار من الممكن عن طريق حلول كلمة الله في أروحنا أن يقضي ويسحق أعمال الشيطان، وأن ينزع الزرع الشرير المغروس فينا لنصبح أولاداً لله.

لهذا لا ينبغي لنا ان نظن من واجبنا ان نتعلم ترديد كلمات الصلاة في الوقت المعين لها فقط، بل يجب ان نفهم ما نقوله (١يو٣: ١٢) في الصلاة بلا انقطاع (١تس٥: ٢٧)، حتي تصبح حياتنا صلاة دائمة لا تنقطع، فيها نردد قولنا: أبانا الذي في السموات.

حذار أن نجعل لنا وطناً على الأرض (في٣: ٢٠) بل يجب أن نسعي جاهدين أن يكون وطننا في السموات عرش الله، لأن مملكة الله قد تأسست على كل من يحمل صورة السماوي، هكذا أصبح هو نفسه سمائيا.

واغفر لنا خطايانا – للقديس كيرلس الأسكندري[8]

 (لو ١١: ٤)

إن إشعياء النبي المبارك عندما كان يتنبأ عن طريق الخلاص بالكرازة بالإنجيل، نطق هكذا قائلاً في موضع ما: “وستكون هناك طريق مستوية يقال لها الطريق المقدسة” (اش ٣٥: ٩)، لأنها تقود أولئك الذين يسلكون فيها إلى القداسة بعبادة روحية وبر أعلى من الناموس .

ويحضر كذلك ما يقوله المسيح لمن يحبونه: “الحق أقول لكم، إن لم يزد بركم على الكتبة والفريسيين، فلن تدخلوا ملكوت الله” (مت٥: ١٠). وأقول إنه من واجب من دعوا بالإيمان إلى معرفة مجد المسيح مخلصنا جميعاً، وقد اتخذوه رأساً لهم أن يفرحوا في تمثلهم بأعماله، وأن يكونوا جادين في أن يجعلوا نورهم يضئ بالسيرة المقدسة التي لم تكن لهم قبل أن يأتوا إلى الإيمان: “لأن الأشياء قد صارت جديدة في المسيح” (٢كو٥: ١٧)

فالرب يطلب من تلاميذه أن يكونوا ودعاء بطيئي الغضب، حتى يستطيعوا أن يقولوا بلا لوم في صلواتهم: “واغفر لنا خطايانا لأننا نحن أيضاً نغفر لكل من أساء إلينا”.

يا لعظمة حكمة الله العجيبة وعمق غنى معرفته الفائقة! إنه يطلب منهم، أولاً أن يسألوه الغفران عن خطاياهم التي ارتكبوها، وبعد ذلك أن يعترفوا أنهم يغفرون أيضاً كلية للآخرين، وكأنهم يسألون الله أن يطيل أناته عليهم كما يفعلون هم أيضاً مع الآخرين، وأن يعاملهم بمثل اللطف الذى يمارسونه هم مع العبيد، إنهم يتوسلون أن ينالوا نفس الكيل من الله الذى يعطي بعدل، ويعرف كيف يظهر الرحمة لكل إنسان.

فتعالوا بنا نسعى لندرك بوضوح أكثر معنى هذه الصلاة، بالتعمق في هذا المقطع الذى أمامنا والتدقيق فيه، فكما قلت: إن الرب أوصانا عندما نتقدم إليه أن نقول: “أغفر لنا خطايانا” فالنفحص معاً من فضلكم ما هي المنفعة التي ننالها من هذه الصلاة فالذين يتوسلون إلى الرب هكذا، ليسوا متشامخين، وهم لا يرتأون في أنفسهم أموراً عظيمة، ولا يتعالون على الضعفاء، بل كما يقول الكتاب “هم قضاة لأنفسهم” (أم١٣: ١٠ س).

فهم ليسوا مثل ذلك الفريسي الجاهل والمتكبر، الذى تجاسر حتى على أن يجعل الرب نفسه شاهداً له، حسبما يقول ذلك المثل “إنسانان صعدا إلى الهيكل ليصليا واحد فريسي والآخر عشار، أما الفريسي  فوقف يصلي في نفسه هكذا: اللهم أنا أشكرك أني لست مثل باقى الناس الخاطفين الظالمين الزناة ولا مثل هذا العشار، أصوم مرتين في الأسبوع وأعشر كل ما أقتنيه، وأما العشار فوقف من بعيد لا يشاء أن يرفع عينيه نحو السماء، بل قرع على صدره قائلاً: اللهم أرحمني أنا الخاطئ، أقول لكم إن هذا نزل إلى بيته مبرراً دون ذاك (لو١٨: ١٠– ١٤).

فانظروا كم هو مهلك للنفس أن يتعالى الإنسان بنفسه على الضعفاء متوهماً أن سلوكه غير معرض للوم من أي ناحية مطلقاً، بل بالحري ينبغي علينا أن نضع في اعتبارنا على الدوام ونفكر: “إننا في أشياء كثيرة نعثر جميعاً” (يع٣: ٢). بل ويمكننا أن نقول إننا دائماً نخطئ، وأحياناً حتى بغير إرادتنا، لأنه مكتوب: “من يستطيع أن يدرك خطاياه؟” (مز١٨: ١٢) وها هو منشد المزامير المغبوط يتوسل إلى الله بحرارة وبصراحة تامة قائلاً: “من الخطايا المستترة طهرني، ومن المتكبرين احفظ عبدك فلا يتسلطوا علي، حينئذ أكون بلا لوم واتنقى من خطية عظيمة” (مز١٨: ٢٣).

وكذلك أيضاً أيوب الذى كان مثالاً عظيماً في الصبر، نراه يقدم ذبائح عن خطايا أبنائه غير المعروفة، أو بالأحرى غير المكتشفة قائلاً: “ربما أخطأ بنيَّ وجدفوا على الله في قلوبهم” (أي١: ٥) ، ونذكر أيضاً بولس ذا الحكمة العالية الذى عندما كتب قائلاً: “فإني لست أشعر بشئ (من الخطأ) في ذاتي”، استدرك قائلاً “لكننى لست بذلك مبرراً ولكن الذى يحكم فيّ هو الرب” (١كو٤: ٤).

إذن من النافع لنا جداً وعلى الدوام أن نخر ساجدين أمام الله الذي يحب كل ما هو صالح ونقول: “أغفر لنا خطايانا”، فهو قد قال بفم أحد أنبيائه القديسين: “أعترف أولاً بتعدياتك لكي تتبرر” (اش٤٣: ٢٦). وإذ لم يكن هذا المبدأ مجهولاً لدى المغبوط داود، فقد أنشد هكذا في مزاميره: “قلت أعترف للرب بذنبي، وأنت غفرت إثم قلبي” (مز٣١: 5). لأن الله سريعاً ما يرضى على الإنسان ويتراءف على من لا يتناسون ذنوبهم، بل يسقطون على وجوههم أمامه ويسألونه الغفران، إلا أنه شديد بحق وعدل على قساة القلوب والمتكبرين، وعلى كل من يسعى بمنتهى الجهل أن يبرئ نفسه من اللوم. فالرب قد قال لمن هو على مثل هذا الحال: “ها أنذا أحاكمك لأنك قلت، إني لم أخطئ” (ار٢: ٣٥)، لأنه من يمكنه أن يفتخر بأن له قلباً نقياً؟ أو من يقدر أن يتجاسر ويقول إنه بريء من الخطايا؟ إذن فالطريق المؤدي إلى الخلاص والذى ينقذ الجادين في السير من غضب الله، هو الإقرار بالذنوب، وأن تقول في صلواتنا لمن يبرر الآثم: “أغفر لنا خطايانا”.

هناك أيضاً طريقة أخرى ننتفع بواسطتها: فأولئك الذين يعترفون بحق أنهم أخطأوا، ويريدون أن ينالوا الصفح من الله فهؤلاء بالضرورة يهابونه باعتباره أنه هو الذى سيكون الديان، فهم لا يمكنهم أن ينسوا أنهم سيقفون أمام كرسي دينونة الله الرهيب، وكما يكتب بولس الحكيم جداً: “لأنه لا بد أننا جميعاً نظهر أمام كرسي المسيح لينال كل واحد ما كان بالجسد بحسب ما صنع خيراً كان أم شراً” (٢كو٥: ١٠).

إن أولئك الذين يضعون في اعتبارهم أنهم لأبد أنهم سيقفون أمام كرسى الديان ويعطون حساباً عما فعلوا، وأنهم إذا أخذوا بجريرة ما، فسوف يقاسون عقاباً مريراً، أو سيمدحون إذا ما كانوا قد سلكوا سلوكاً حسناً وعاشوا حياة فاضلة في الجسد على الأرض، مثل هؤلاء، من جهة سيتوقون إلى الصفح عما ارتكبوا من خطايا حتى ينجوا من العذاب الذى لا نهاية له والعقوبة الأبدية، ومن جهة أخرى، فإنهم يهتمون بأن يحيوا باستقامة ويسيروا سيرة لا عيب فيها، حتى يمكنهم أن ينالوا الإكليل اللائق بحياتهم الفاضلة، لأنهم بهذا سيتلطف بهم الديان، ولن يذكر لهم شيئاً مما عملوه من سيئات، فالرب يقول: “شر الشرير لا يؤذيه يوم يتوب عن شره” (خر٣٣: ١٢).

ولكن لا يتوهم أحد، أنه يحق لكل الناس بلا تفرقة أن يقولوا: “أغفر لنا آثامنا”.

فإنه لا يليق بمن يستمرئون البقاء في شرورهم أن يقولوا: “أغفر لنا خطايانا”، بل لمن تخلوا عن رذائلهم السابقة راغبين بكل جدية أن يحيوا كما يليق بقديسين، وإلا فلا شيء يمنع فعلة الشر، ضاربي الآباء وقاتلي الأمهات، والزناة والسحرة وكل من ارتكب مثل هذه الجرائم الأشد شناعة، أن يستمر في فعلها ويعزز وجود دوافعها الشريرة كما هي بدون تغيير، وينجس نفسه بكل الأفعال الدنيئة، ثم يتقدم إلى الله بجسارة ويقول “أغفر لنا خطايانا”، لهذا السبب فإن مخلص العالم ورب الكل لم يختم هذه العبارة عند هذا الحد، بل أمرنا أن نضيف قائلاً: “لأننا نحن أيضاً قد غفرنا لكل من أساء إلينا” فإن هذا لا يتناسب إلا مع الذين أختاروا لأنفسهم الحياة الفاضلة، وساروا بلا تراخٍ في طريق مشيئة الله، تلك التي هي كما يقول الكتاب: “صالحة ومرضية وكاملة” (رو١٢: ٢)، هؤلاء يتحلون بطول الأناة، ولا يلومون الذين أساءوا إليهم. وحتى إذا ما أساء إليهم أحد فإنهم لا يفكرون في هذا الأمر. فبطء الغضب هو فضيلة ممتازة، وهو ثمرة تلك المحبة التي قال عنها الرسول الحكيم إنها: “تكميل الناموس” (رو١٣: ١٠).

ثم تأملوا معي في جمال هذه الفضيلة الفائقة ولو بالمقارنة مع قبح الرذيلة المضادة لها، لأن الغضب في الواقع هو مرض خطير، ومن استسلم له بفكره صار إنساناً حاد الطبع، نكدًا، عنيفاً، وعنيداً، ومرتعاً خصباً للغضب والصياح، وإذا ما استمر المرء على هذا الحال وقتاً طويلاً لكان من الصعب شفاؤه، بل وأكثر من ذلك نجده دائماً ينظر بعين شريرة لكل من أساء إليه فهو يترقبه بحقد شديد، متطلعاً إلى متى وأين يمكنه أن يلحق الضرر به، وهذا في أغلب الأحيان لا يكون كيلاً بكيل، بل مرات كثيرة يكون الأنتقام أشد من الإساءة بكثير.

إن مثل هذا الإنسان لا يكف عن تدبير المكيدة في الخفاء. ألا يكون مثل هذا قد عرض نفسه لكل العيوب، بل ويكون مبغضاً لله ومرفوضًا منه، وبالتالي يكون في غاية البؤس؟ كما هو مكتوب: “أما سبل الغضوب فهى إلى الموت” (أم١٢: ٢٨).

ولكن الإنسان البسيط القلب غير الغضوب يتسم أول ما يتسم بالاحتمال، إلا أن الاحتمال الذى يمارسه البشر ليس بنفس القدر كالذى يأتي من فوق ومن الله، فإنسان الله لا يستسلم قلبه لانفعال الغضب، بل يسود عليه ويتحكم في نفسه أمام كل إثارة مكدرة تنشأ فيه، إنه صفوح وعطوف على كل رفقائه، لطيف وودود ومترفق بضعف قريبه – وهذه كانت سجايا تلاميذ المخلص – وها هو المغبوط بولس يكتب قائلاً: “نشتم فنبارك، نضطهد فنحتمل، يُفترى علينا فنعظ” (١كو٤: ١٢، ١٣). لأنهم تمثلوا بربهم: “الذى إذ شتم لم يكن يشتم عوضاً، وإذ تألم لم يكن يهدد بل كان يسلم لمن يقضى بعدل” (١بط ٢: ٢٣).

فنحن إذن ينبغي علينا أن نطلب من الله مغفرة خطايانا التي ارتكبناها عندما نكون نحن أنفسنا قد سبقنا وغفرنا لمن أساء إلينا في أي شيء، بشرط أن تكون خطيتهم ضدنا وليس ضد مجد الله الكائن على الكل، لأنه ليس لنا سلطان على هذه الأخيرة، بل تلك التي تكون قد ارتكبت ضدنا نحن، وهكذا بالصفح لأخوتنا عما عملوه في حقنا فإننا يقينا سنجد المسيح مخلص الكل مترفقاً بنا مستعداً أن يظهر رأفته، الذى به ومعه لله الآب التسبيح والسلطان مع الروح القدس إلى دهر الدهور آمين.

 

 

الصلاة الربانية للقديس أغسطينوس

الإيمان يسبق الصلاة

الترتيب الموضوع لكم هو لبنيانكم، أذ يطلب منكم أن تتعلموا أولا ما تؤمنون به (قانون الإيمان)، ثم بعد ذلك تسألون الله وتدعونه (الصلاة الربانية). فيقول الرسول: “لأن كل من يدعو باسم الرب يخلص ” (رو١٠: ١٢) انظر (يؤ٢: ٣٢). هذا النص اقتبسه الرسول بولس الطوباوي من يوئيل النبي الذي تنبأ عن هذه الأيام التى دعا فيها الله كل البشر.

وقد أضاف الرسول: “فكيف يدعون بمن لم يؤمنوا به. وكيف يؤمنون بمن لم يسمعوا به؟ وكيف يسمعون بلا كارز؟ وكيف يكرزون بالمسيح. إذ سمعهم الناس آمنوا، وبإيمانهم دعوا الله، لهذا تعلًمتم أولا ما تؤمنون به (أى قانون الإيمان) واليوم تتعلمون أن تدعوا ذاك الذي تؤمنون به.

لقد تعلمتم قانون الإيمان الذي يحوي موجزا مختصرا لقواعد إيمانكم السامية، موجزا من جهة الألفاظ، وساميا من جهة محتوياته. وأما الصلاة الربانية التى تتسلمونها الآن فلتتعلموها بقلوبكم، ولتكرروها فى الثمانية أيام، فكما سمعتم فى الإنجيل أن الرب نفسه قد لُقًن هذه الصلاة لتلاميذه، ونحن بدورنا تسلمناها منهم إذ فى كل الأرض خرج منطقهم ” (مز١٩: ٤٠) .

أهمية الصلاة الربانية

لقد علم ابن الله ذاته تلاميذه ومؤمنيه هذه الصلاة، لذلك لنا رجاء عظيم فى الفوز فى القضية مادام لنا مثل هذا الشفيع الذي يلقًنَنا ما نطلبه. إنه الديان الجالس عن يمين الآب كما تعرفون، هو شفيعنا وفى نفس الوقت هو الذي سيديننا، لذلك تعلموا هذه الصلاة.

ملاحظات فى الصلاة

 ١- لنعلم ممن نطلب وماذا نطلب

ينبغى على المصلى أن يحذر أمرين: 

 أ- ن يسأل ممن لا ينبغي أن نطلب منه. فلا يجوز لنا أن نطلب من الشيطان أو الأوثان أو الأرواح الشريرة، بل نطلب كل شىء من الرب إلهنا يسوع المسيح، لنطلب من الله أب الأنبياء والرسل والشهداء.

ب- لنحذر من أن نطلب ما لا يجوز طلبه، فماذا ينفعكم لو طلبتم من الله الآب السماوي موت أعدائكم! ألم تسمعوا عما ورد فى المزمور متنبئا عن نهاية يهوذا الخائن المؤلمة إذ يقول: “وصلاته فلتكن خطيئة ” (مز١٠٩: ٧). فإن طلبتم الإثم لأعدائكم، فصلاتكم تكون خطية عليكم.

الاهتمام بالتقوى لا بكثرة الكلام

لقد نهانا ربنا عن كثرة الكلام، حتى لا تقدًم له كلمات كثيرة كما لو كنا نعلمه بكلامنا. لذلك لا تحتاجون في الصلاة إلى الكلام، بل إلى التقوى. “لأن أباكمك يعلم ما تحتاجون إليه قبل أن تسألوه ” (مت٦: ٨)، ولئلا يشك أحد فيقول: إن كان الله يعلم ما نحتاج إليه، فما الداعي إلى الصلاة سواء كانت بكلمات كثيرة أو قليلة؟! نعم أنه يعلم كل ما نحتاج إليه، ولكنه يريدكم أن تصلوا حتى يهبكم حسب اشتياقكم فلا تستخفوا بعطاياه، ناظرين إلى أنه قد وضع فينا هذه الصلاة لتكون أساسا ونموذجا لاشتياقنا، فلا نطلب شيئا غير ما ورد فيها.

أولا: أبانا الذي فى السموات (ممن نطلب ؟)

١- لنصلى بدالة البنوة

يقول: “فصلوا أنتم هكذا: أبانا الذي فى السماوات”، ففى قوله هذا نرى أن الله صار أبا لنا. إنه يكون أباكم متى وُلدتم (بالمعمودية) ولادة جديدة. فالآن (وأنتم على أهبة العماد) قبل ميلادكم الجديد، قد حُبل بكم بزرع الله. إنكم على وشك الوجود حيث ُتجلبون إلى جرن المعمودية رحم الكنيسة.

تذكروا أن لكم أبا في السموات، تذكروا أنكم ولدتم من أبيكم آدم للموت، وأنكم تولدون مرة أخرى من الله الآب للحياة –فما تصلون به قولوه بقلوبكم.

٢- المسيح أخونا الأكبر

علمنا ابن الله ربنا يسوع المسيح هذه الصلاة، وبالرغم من كونه الرب نفسه، كما سمعتم ورددتم فى قانون الإيمان قائلين “ابن الله الوحيد”، ومع هذا فقد وهبنا أن نكون إخوة له. فمن هو هذا الذي يريدنا أن ندعوه أباً لنا سوى أبوه هو؟!

عندما ينجب الآباء ابنا أو اثنين أو ثلاثة يخشون من أن ينجبوا بعد ذلك، من العوز. وأما ميراثنا نحن فكبير، لن يتأثر نصيب كل منا مهما ازداد عدد الوارثين. لهذا دعا الرب كل الشعوب ليكونوا إخوة له بلا عدد. هؤلاء يقولون: “أبانا الذي في السموات”. انظروا كم أخ صار للابن الوحيد بواسطة نعمته، يشاركون من مات لأجلهم فى الميراث؟!

٣- لنسلك كأبناء الله

لنا والدان قد ولدانا على الأرض للشقاء ثم نموت. لكننا وجدنا والدين آخرين، فالله أبونا والكنيسة أمنا، ولدانا للحياة الأبدية.

لنتأمل أيها الأحباء أبناء من قد صرنا. لنسلك بما يليق بأب كهذا، انظروا كيف تنازل خالقنا ليكون أبا لنا؟َ

لقد وجدنا لنا أبا فى السموات ، لذلك وجب علينا الاهتمام بسلوكنا ونحن على الأرض ، لأن من ينتسب لأب كهذا ينبغى عليه السلوكبطريقة يستحق بها أن ينال ميراثه.

٤- جميعنا إخوة

لقد بدأتم تنتسبون إلى عائلة عظيمة، وبهذا النسب يصير الكل إخوة: السيد والعبد، القائد والجندي، الغنى والفقير الخ . للمسيحين آباء أرضيون مختلفو الرتب والطبقات، فمنهم من هم نبلاء، ومنهم المُزدرى بهم، ومع هذا فجميعهم يدعون أبا سماويا واحدا، جميعهم يقولون: “أبانا الذي فى السماوات”، فهل فهموا أنهم إخوة؟! فلا يستنكف السيد من أن يعتبر العبد أخا، ناظرا إلى أن الرب يسوع وهبه أن يكون أخا له.

٥-التطلع إلى السماويات

يا من وجدتم لكم أبا في السماوات، امتنعوا عن الالتصاق بالأمور الارضية، إذ اقترب الوقت الذي فيه تقولون:” أبانا الذي في السماوات“.

 إن كان أبونا في السماء، فهناك أيضا يُعد لنا الميراث. إنه يعطينا إمكاني امتلاك ما قد وهبنا. فقد وهبنا ميراثا لا نرثه بعد موته (كما هو الحال في العالم)، فأبونا حي لا يموت، وسيبقى إلى الأبد هناك حيث نذهب عنده.

ثانياً: الطلبات الست (ماذا نطلب ؟)

لقد سمعنا من هو الذي ينبغي أن ندعوه، وأي رجاء صار لنا لنوال ميراث أبدى، إذ صار لنا أب سماوي. لنسمع الآن إلى ما ينبغي علينا سؤاله، ماذا نطلب من أب كهذا؟

1- ليتقدس اسمك

لماذا تسألون من أجل تقديس اسم الله؟! أنه قدوس، فلماذا تسألون القداسة لمن هو قدوس أصلا! إنكم إذا تسألونه ذلك هل تطلبون لأجل الله وليس لأجل صالحكم؟! لا، افهموا هذا جيدا، وهو إنكم تسألون هذا لأجل أنفسكم. إنكم تسألون من هو قدوس فى ذاته دائما أن يكون مقدسا فيكم.

ماذا تعنى كلمة “ليتقدس”؟ إنها تعنى أن يتقدس اسم الله فيكم ولا يحُتقر فيكم. لذلك فإن ما تطلبونه هو لخيركم، لأنكم إن احتقرتم اسم الله تصيرون (وليس الله) أشرارا.

يتقدس اسم الله فيكم بنوالكم سر المعمودية، ولكنكم لماذا تطلبون هذه الطلبة بعد العماد، إلا لكى يبقى فيكم ما استلمتموه بالعماد إلى الأبد.

٢- ليأت ملكوتك

إن مجيئه آت لا محالة، سواء سألناه ذلك أو لم نسأله. حقا إن ملكوته أبدى، لأنه فى أى وقت لم يكن لله ملكوت! متى بدأ يملك؟! إن ملكوته بلا بداية ولا نهاية.

ينبغى علينا أن نعلم أننا نصلى بهذه الطلبة لأجل أنفسنا وليس لأجل الله، لأننا لا نقول “ليأتي ملكوتك”، كما لو كنا نسأل من أجل أن يملك الله، بل لكي نكون نحن من ملكوته، وذلك إن آمنا به وتقدمنا فى إيماننا هذا. كل المؤمنين الذين يخلصون بدم ابنه الوحيد سيكونون ملكوته. وهذا الملكوت آت بعد القيامة، حيث يأتي الابن بنفسه ويقيم الاموات. ويقول للذين عن يمينه: “تعالوا يا مباركي أبى رثوا الملكوت” (مت٢٥: ٣٤). هذا هو الملكوت الذي نرغبه ونطلبه بقولنا “ليأتي ملكوتك”. إننا نطلب أن يأتي بالنسبة لنا، لأنه وإن لم يأت بالنسبة لنا فسيأتي، ولكن للآخرين. أما إذا انتمينا إلى أعضاء ابنه المولود الوحيد، فسيأتي ملكوته بالنسبة لنا ولا يتأخر.

هل لا زالت سنوات كثيرة على مجيئه كتلك التي عبرت! يقول الرسول يوحنا: “أيها الأولاد أنها الساعة الأخيرة. أنها ساعة طويلة بالنسبة لذلك اليوم الطويل. انظروا كم من السنوات دامت هذه الساعة الأخيرة! إذن فلنسهر حتى ننام بالموت لنقوم فى النهاية ونملك إلى الأبد.

ماذا يقصد بـــ “ليأتي ملكوتك”؟ يجدنا صالحين، فنحن نطلب منه ان يجعلنا صالحين حتى يأتى ملكوته بالنسبة لنا.

لتعطنا نصيبا في ملكوتك، ليأتي بالنسبة لنا ذاك الذي سيأتي لقدسييك ولأبرارك.

لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض.

لتكن مشيئتك” …. ماذا نقول؟  هل لا ينفذ الله مشيئته ما لم نطلب نحن منه ذلك! تذكروا ما تكررونه في قانون الإيمان قائلين: “نؤمن بإله واحد، الله الآب ضابط الكل (القدير) ” فإن كان الله قديرا، فلماذا نصلى أن تكون مشيئته؟

إذن ماذا يقصد بالطلبة “لتكن مشيئتك “؟  إنه يقصد بها أن تعمل مشيئته في ولا أقاومها. وبذلك تطلبون من أجل أنفسكم لا من أجل الله لأن مشيئة الله عاملة فيكم ولو لم تكن بواسطتكم. فمشيئة الله عامله فيمن سيقول لهم “تعالوا يا مباركى أبى رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم” (مت٢٥: ٣٤).

كما تعمل فيمن سيقول لهم: “اذهبوا عنى … إلى النار الأبدية المعدة لإبليس وملائكته” (مت٢٥: ٤١). تعمل مشيئته فى الأولين بأن يأخذ الأبرار والقديسون ملكوت السموات، كما تعمل في الآخرين بمعاقبة الأشرار بالنار الأبدية. أما كون مشيئته تعمل بواسطتنا فهذا أمر آخر. فأنتم لا تصلون لكي تعمل مشيئة بلا فائدة، بل لصالحكم. لأنه سواء أكانت لصالحكم أو لغير صالحكم فهى نافذة، ولكنها ستعمل فيكم وليس بواسطتكم.

ماذا يقصد بكلمتي “السماء، الأرض”؟

 ا-الملائكة والبشر

تصنع الملائكة مشيئة الله، فهل نصنع نحن مشيئته؟! كما أن ملائكتك لا تعارضك، هكذا ليتنا نحن لا نعارضك أيضا. كما أن ملائكتك تخدمك في السماء، هكذا لنخدمك نحن على الأرض.

ملائكته القديسون يطيعونه، إنهم لا يخطئون إليه، بل ينفذون وصاياه لمحبتهم له. ونحن نصلى لكى ننفذ أيضا وصاياه في حب.

ب‌-الروح (أو العقل) والجسد

العقل هو السماء، والجسد هو الأرض. لنقل مع الرسول: “أنا نفسي بذهني أخدم ناموس الله، ولكن بالجسد ناموس الخطية” (رو٧). ُتصنع مشيئة الله في السماء (في الذهن)، لكنها لم تصنع بعد على الأرض (الجسد). لكن عندما يتفق الجسد مع الذهن  “ويُبتلع الموت إلى غلبة” (أنظر ١كو١٥: ٥٤) ، فلا تبقى بعد شهوات جسدية يصارع معها الذهن فينتهى الكفاح الأرضى ، وتعبر الحرب القلبية ، المكتوب عنها : “لأن الجسد يشتهى ضد الروح ، والروح ضد الجسد ، وهذا يقاوم أحدهما الآخر حتى تفعلون ما لا تريدون” (غل٥: ١٧) ؛ أقول عندما تنتهى هذه الحروب وتتحول كل الشهوات إلى محبة ، ولا يبقى فى الجسد ما يضاد الروح ، لا يبقى فيه شىء يُقمع أو يُلجم أو يُطأ بالأقدام ، بل يصير الكل فى وفاق نحو البر، عندئذ تكون مشيئة الله كما فى السماء كذلك على الأرض ” نطلب الكمال .

 إننا نقبل وصايا الله، وهي مبهجة لنا … مبهجة لعقولنا، فإننا نُسَر بناموس الله بحسب الإنسان الباطن” (رو٧: ٢٢) وهذه هي مشيئته النافذة في السماء، لأن أرواحنا تشبه السماء، وأما الأرض فهي أجسادنا. إذن ماذا يقصد بالطلبة: “لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض؟ ” يقصد بذلك كما تبتهج عقولنا بوصاياك، فلتُسر أيضا بها أجسادنا. بهذا ينتهي الصراع الذي وصفه الرسول. فعندما تشتهى الروح ضد الجسد تكون مشيئته عاملة في السماء، وعندما لا يشتهى الجسد ضد الروح حينئذ تنفذ مشيئته على الأرض أيضا. فإذ تتم مشيئة الله، يحدث وفاق تام بينهما ويتحول الصراع الحالى إلى نصرة فيما بعد.

ج. الانسان الروحى والانسان الجسدانى

الانسان الروحاني فى الكنيسة هو السماء، أما الجسداني فهو الأرض. هكذا “لتكن مشيئتك كما فى السماء كذلك على الأرض” أي كما يخدمك الروحاني، هكذا ليخدمك الجسداني أيضا بإصلاحه.

د. المؤمنون وغير المؤمنين

يوجد معنى روحى آخر … فقد طلب منا أن نصلى لأجل أعدائنا … فالكنيسة هي السماء، وأعداؤها هم الأرض، فماذا يعنى “لتكن مشيئتك كما فى السماء كذلك على الأرض؟ ” أى من يؤمن بك الأعداء، كما نؤمن نحن بك. إنهم أرض لذلك هم يعادوننا، فليصيروا سماء ً، يكونوا معنا.

السماء هي الكنيسة، لأنها عرش الله والأرض هي غير المؤمنين، الذين قيل عنهم “لأنك تراب Earth ، وإلى التراب تعود” (تك٣: ١٦) فيقصد بــ ” كما فى السماء كذلك على الأرض” ، أى كما فى مؤمنيك كذلك فى الذين يجدفون عليك حتى يصيروا “سماءً

ليتنا عندما نردد هذه الطلبة نفكر فى جميع هذه المعاني سائليتها من الرب.

خبزنا اليومي اعطنا يومياً

عندما تقولون: “ليتقدس اسمك” و” لتكن مشيئتك “، ليأتي ملكوتك، هذه جميعها تحتاج إلى إيضاح حتى لا تحسبوا أنفسكم تطلبون لأجل الله، بل لأجلكم، أما ابتداء من هذه الطلبة حتى نهاية الصلاة، فإنه يظهر بوضوح أننا نصلى إلى الله لأجل صالحنا. فعندما تقولون “خبزنا اليومي أعطنا اليوم”، تعترفون باستعطائكم الله، ولكن لا تخجلوا من هذا، إذ مهما بلغ غنى أى إنسان على الأرض فهو شحاذ من الله.

يقف الشحاذ أمام منزل الغنى، ويقف الغنى أيضا أمام باب ذلك الواحد العظيم فى الغنى. من الغنى يطلب الفقراء، وهو بالتالي يطلب. فلو لم يكن محتاجا ما كان له أن يقرع على آذان الله بالصلاة

وما هو احتياج الغنى؟ أتجاسر فأقول إنه يحتاج إلى خبزه اليومي. لأنه كيف توفرت كل ما لديه من بركات إلا لأن الله وهبه إياها؟! ماذا يكون حاله لو رفع الرب يده عنه؟! ألم ينم كثيرون من الميسورين وقاموا فوجدوا أنفسهم معدمين! فعدم عوز الغنى إنما يرجع إلى مراحم الله وليس إلى قدراته.

ماذا يقصد بالخبز اليومي؟

أ‌. القوت والكساء اليومي

هب لنا يارب أشياء أبدية (الطلبات السابقة). أعطنا أشياء زمنية. لقد وعدت بالملكوت، فلا تمسك عنا الوسيلة التي نعيش بها. ستهبنا مجدا أبديا بإعطائنا ذاتك فيما بعد. أعطنا فى هذه الأرض المئونة الزمنية الى نقتات بها. لذلك فهو خبز يومي، وليعطنا إياه “اليوم” أي في هذه الحياة. لأنكم هل تطلبون خبزا يوميا بعد عبوركم هذه الحياة؟! هناك لا تقل كلمة “يوميا” بل “اليوم”. الآن يقال يوميا، أما هناك فهل سيُدعى “يوميا”حيث يكون يوما واحدا أبديا؟

بلا شك تفهم هذه الطلبة عن الخبز اليومي بمفهومين هما: القوت الضروري للجسد، والقوت اللازم للروح

ينبغى على الإنسان ألا يشتهى أكثر من القوت اليومي، لأنه كما يقول الرسول: “لأننا لم ندخل العالم بشيء؟ وواضح أننا لا نقدر أن نخرج منه بشيء، فإن كان لنا قوت وكسوة فلنكتف بهما ” (١تى ٦: ٧-٨).

إخوتى الأعزاء … هذا الخبز الذي يشبع أجسادنا وينعش أبداننا كل يوم، لا يعطيه الله للذين يمجدونه فحسب، بل وللذين يجدفون عليه أيضا، “فإنه يشرق شمسه على الأشرار والصالحين، ويمطر على الأبرار والظالمين (مت٥: ٤٥). إنكم تمجدون الله وهو يفوتكم، إنكم تجدفون عليه ومع هذا يطعمكم. إنه ينتظر توبتكم، فإن لم تتغيروا فسيدينكم.

ب‌.كلمة الله

ج. سر الافخارستيا

٥- وأغفر لنا ذنوبنا، كما نغفر نحن أيضا للمذنبين إلينا

وأغفر لنا ما علينا” ؛ إننا مدينون بالخطايا لا بالمال. ولكنكم قد تقولون: وهل أنتم أيضا مدينون بالخطايا؟ أجيب نعم.

أأنتم أيها الأساقفة مدينون؟ نعم نحن مدينون أيضا

ما هذا ياربى؟! أزيلوا عنكم هذا (أى دينونة الأساقفة) ولا تخطئوا

لقد نلنا سر المعمودية، ومع ذلك فنحن مدينون، لا لأن المعمودية لم تغفر خطية معينة، وإنما لأننا نرتكب فى حياتنا ما يحتاج إلى غفران يومي.

إن الذين اعتمدوا، وبعد خروجهم من جرن المعمودية انتقلوا من العالم فى الحال، هؤلاء تركوا العالم وهم بلا خطية، وأما من اعتمد، وبقي فى هذه الحياة، فإنه يرتكب نجاسات بسبب ضعفه الجسدي، وبالرغم من أن ما يرتكبه من نجاسات لا يؤدى إلى غرف سفينة حياته، إلا أنها تحتاج إلى مضخة تنزح هذه النجاسات التى دخلت السفينة لئلا يؤدى دخولها شيئا فشيئا إلى غرق السفينة. وأما المضخة فهي الصلاة، ولكن علينا أن نصنع الإحسان أيضا مع الصلاة. فعندما نستخدم المضخة لنزح ما بالسفينة، نستخدم أصواتنا وأيدينا.

ونحن أيضا نستخدم أصواتنا عندما نصلى قائلين: “أغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضا للمذنبين إلينا” ونعمل بأيدينا عندما ” نكسر للجائع خبزا وندخل المساكين التائهين إلى بيوتنا” (أنظر إش٥٨: ٧). اصنع إحسانا فى قلب الفقير فيشفع فيك أمام الرب.

إننا نقول “أغفر لنا ذنوبنا” … أى إنسان يعيش فى هذه الحياة ولا يحتاج إلى هذه الطلبة؟ قد يتكبر الإنسان، لكنه لا يستطيع أن يتبرر.  من الأفضل له أن يقتدى بالعشار، لا أن ينتفخ كالفريسي الذي صعد إلى الهيكل متباهيا باستحقاقه، خافيا جراحاته، فألذى قال:” اللهم ارحمنى أنا الخاطئ” (مت١٨: ١٢) عرف إلى أين يصعد.

أنظروا أيها الأخوة، كيف علم الرب يسوع تلاميذه الذين هم رسله الأولين العظماء، قادة قطيعنا، علمهم أن يصلوا بهذه الصلاة فإن كان القادة يطلبون من اجل مغفرة خطاياهم، فكم بالأكثر ينبغي علينا نحن الحملان؟؟!

ففى “جرن الولادة الجديدة”، ننال مغفرة جميع خطايانا ومع ذلك فنحن نُساق إلى ضيقات عظيمة ما لم ننل المغفرة اليومية بهذه الطلبة المقدسة. فالصلاة والإحسان يرفعان الخطايا، بشرط ألا ترتكب تلك الخطايا التى بسببها نُحرم من الخبز اليومى (من التناول من الأسرار المقدسة). علينا أن نتجنب كل الآثام التي بسببها نستحق تأديبيات قاسية.

لا تحسبوا أنفسكم أنكم أبراراً عندما لا تستطيعون القوى “أغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضا للمذنبين إلينا

إنسان يخطىء بالتلذذ بالنظر إلى ما لا يجوز النظر إليه. فمن يستطيع أنن يسيطر على عينيه بسرعة ليغلقها؟!

من يستطيع أن يضبط أذنيه أو عينيه؟ يمكنكم أن تغلقوا العين حيثما تشاءون، ولكن الآذن تحتاج إلى مجهود لإغلاقها، إنها ستبقى مفتوحة ، ولا يمكن إغلاقها عن سماع هذه الأمور بلذة ، أما تخطئون رغم عدم ارتكابكم للخطية (لأنكم تنصتون بالرغم من إرادتكم) ؟

يا لعظم الخطايا التي يرتكبها اللسان! نعم أن بعضها تحرم الانسان من الاقتراب إلى المذبح كالتجديف، فاللسان ينطق بالتجديف كما قد ينطق بكلمات تافهة غير لائقة.

امنعوا أيديكم عن ارتكاب الخطايا، وأرجلكم عن الجري نحو الشر، وأعينكم عن النظر نحو كل ما هو قبيح، وآذانكم عن الاستماع بلذة إلى الحديث القبيح، وألسنتكم عن النطق بألفاظ معيبة، ومع هذا فأخبروني إن كان يستطيع أحدكم أن يضبط الأفكار؟! إخوتى كم مرة نصلى ونحن مشتتى الفكر، كما لو نسينا أمام من نحن واقفوان أو أمام من نطرح أنفسنا؟!

اغفروا من القلب، أي انزعوا الغضب من قلوبكم. لنقل فى كل يوم “اغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضا للمذنبين إلينا” وليكن هذا القول من القلب، عالمين بما نقوله. أنه عهد وميثاق، إنه ارتباط بيننا وبين الله. فالرب إلهنا يقول لن: “اغفروا يُغفَر لكم”، فإن لم نغفر للآخرين تبقى خطايانا علينا وليس عليهم.

أبنائي الأعزاء المحبوبين، أطلب إليكم أن تستمعوا إلى، فقد عرفت ما هو صالح لكم في الصلاة الربانية. لقد اقترب موعد عمادكم. اغفروا للآخرين عن كل شيء. إن كان فى قلب أحدكم شيئا على آخر، فلتغفروا له. ادخلوا المعمودية هكذا وأنتم متأكدون أن جميع خطاياكم التي ارتكبتموها قد غُفرت لكم سواء الخطية الجدية التي ولدتم بها، والتي بسببها تسرعون للرضاعة من نعمة المخلص، أو تلك الخطايا التي ارتكبتموها فى حياتكم، إن كانت بالكلام أو بالفعل أو بالفكر. فتخرجون من ماء المعمودية كما من أمام حضرة إلهكم، متأكدين من العفو التام عن جميع آثامكم.

لقد وهبنا الله ميثاقا وعهدا وارتباطا راسخا فيه، فمن أراد القول “اغفر لنا ذنوبنا” بطريقة مجدية، عليه أن ينطق بحق قائلا: “كما نغفر نحن أيضا للمذنبين إلينا”. فإن لم ننطق بهذا القول الأخير، أو قلناه بخداع بكون طلبنا الغفران باطلا.

إننا نقول لكم يا من اقترن موعد عمادكم المقدس أن تغفروا من قلوبكم كل شيء، وأنتم أيضا أيها المؤمنون الذين تنتفعون بإصغائكم إلى هذه الصلاة وشرحها، اغفروا كل ما على الآخرين غفرانا تاما من قلوبكم. اغفروا من قلوبكم التي يراها الله. لأنه أحيانا يغفر الانسان بفمه، ولكنه لا يغفر لأخيه من قلبه. يغفر بالفم لأجل البشر، ولا يغفر من قلبه حيث لا يخاف عين الله. لا أقل من أن تغفروا فى هذه الأيام المقدسة (أيام الصوم الكبير) كل ما أبقيتموه في قلوبكم على الآخرين.

مكتوب ” لا تغرب الشمس على غيظكم” (أف٤: ٢٦) ومع ذلك فهوذا قد غابت الشمس مرارا على غيظكم. انزعوا غيظكم، فإننا نحتفل بأيام الشمس العظيم (المسيح)، هذه الشمس المكتوب عنها “لك تشرق شمس البر، والشفاء في أجنحتها” (مل٤: ٢). فإن كنتم غضبى، فلا تدعوا هذه الشمس(المسيح) تغرب فى قلوبكم على غيظكم، لئلا يغرب شمس البر عنكم وتبقون فى الظلام.

لا تظنوا أن الغضب (أى عدم الغفران للآخرين) أمر يُستهان به، إذ يقول النبي: “تعكرت من الغضب عيناي” (مز٦: ٧). فبالتأكيد لا يستطيع متوعك العينين معاينة الشمس، فإن حاول النظر إليهما أضرته.

وما هو الغضب؟ أنه شهوة الانتقام. يشتهى الانسان الانتقام مع أن المسيح لم ينتقم بعد، ولا الشهداء انتقموا. إن أناة الله لا زالت تنتظر اهتداء أعداء المسيح وأعداء الشهداء. فمن نحن حتى نطلب لأنفسنا الانتقام؟! فلو طلب الله الانتقام منا فهل نستطيع أن نثبت! فإن كان الله الذي لا يضرنا في شيء لا يرغب في الانتقام منا، فهل نطلب نحن الخطاة على الدوام الانتقام لأنفسنا؟! إذن اغفروا من قلوبكم للآخرين.

وإذا غضبتم فلا تخطئوا، “اغضبوا ولا تخطئوا”. فأنتم كبشرتغضبون متى تغلَب الغضب عليكم. ولكن وجب عليكم ألا تخطئوا بإبقائه في قلوبكم. لأنكم إن تركتموه فى قلوبكم صار الغضب ضدكم ويحرمكم من معاينة النور. لذلك اغفروا للأخرين.

ما هو الغضل؟ أنه شهوة الانتقام. وما هي الكراهية؟ إنها غضب مزمن. فإن الغضب متى أزمن صار كراهية. فالغضب هو “قذى” وأما الكراهية فهى “خشبة” فأحيانا ننظر إلى غضب أخينا كخطية يرتكبها، ونحن في نفس الوقت نحتفظ في قلوبنا بالكراهية. لذلك يقول السيد المسيح: “لماذا تنظر القذى فى عين أخيك وأما الخشبة التى فى عينيك فلا تفطن لها؟

كيف تنمو القذى لتصير خشبة؟ بعدم استئصالها سريعا فإذ تتركون الشمس تشرق وتغرب كثيرا على غيظكم تحعلوه يزمن … وإذ ترونه بالشكوك الشريرة تجعلونه ينتعش ويصير (كراهية) خشبة.

فلترتعبوا عند سماعكم “كل من يبغض أخاه فهو قاتل نفس” (١يو٣: ١٥). حقا إنكم لم تقتلوه بالسيف ولا سببتم له جروحا، إنما بالكراهية التي في قلوبكم تعتبرون قاتلين ومجرمين في عيني الله.

إن وجدتم في منازلكم عقارب وأفاعي، أفلا تجتهدوا لطردها حتى تعيشوا في أمان منها فى منازلكم؟! ومع ذلك هوذا الغضب يتأصل في قلوبكم، وتنمو فيكم كراهيات كثيرة وخشب كثير وعقارب وأفاعي، ومع ذلك فلا تنقون قلوبكم التي هي مسكن الله.

هل نستطيع أن نغفر لأعدائنا؟

لكن إذا كان لكم أعداء فماذا تفعلون؟! تيقظوا لأنفسكم وأحبوا أعدائكم. لأن عدوكم لا يستطيع بقوته أن يؤذيكم. قدر ما تؤذون أنفسكم بعدم محبتكم له. فقد يتلف عقاركم، أو قطعانكم، أو منازلكم، أو خدمكم، أو خادماتكم، أو أبناءكم، أو زوجاتكم … أو على الأكثر ُيعطى له سلطان على أجسادكم، ولكن هل فى قدرته أن يؤذى أرواحكم كما تؤذونها أنتم؟!

أعزائى الأحباء، أتوسل إليكم أن تسعوا نحو الكمال، ولكن هل فى استطاعتي أن أهبكم القدرة على محبة الأعداء؟ إن الله وحده هو الذي يستطيع أن يهبكم هذه القوة، ذاك الذي تقولون له “لتكن مشيئتك كما فى السماء كذلك على الأرض

لا تنظروا إلى محبة الأعداء كأمر مستحيل بالنسبة لكم، فإنني بحسب خبرتي أعرف مسيحيين يحبون أعداءهم. فإن ظهرت محبة الأعداء كامر مستحيل فإنكم لن تحبونهم. فعليكم أولا أن تؤمنوا أنه يمكن لكم أن تحبوا أعداءكم، وصلوا حتى تعمل إرادة الله فيكم لأنكم ماذا تنتفعون بما يصيب أخوكم (عدوكم)؟! فلولا كونه شريرا ما كان قد صار عدوا لكم. إذن فعليكم أن تشتهوا له الخير، فينتهى شره، وبالتالي لا يعود بعد يكون عدوا لكم. إنه عدو لكم لا بسبب طبيعته البشرية، بل بسبب خطيته.

لقد كان شاول عدوا للكنيسة، وكانت الكنيسة تقيم صلوات من أجله ليصير صديقا لها. فلم يكف شاول عن اضطهاد الكنيسة فحسب، بل وصار يجاهد لمساعدتها. لقد أُقيمت صلوات ضده لكنها لم تكن ضد طبيعته، بل ضد افتراءاته. فلتكن صلواتكم ضد افتراءات عدوكم حتى تباد، أما هو فيحيا. لأنه إن مات عدوكم، تفقدونه كعدو، ولكنكم تخسرونه كصديق أيضا. أما إذا ماتت افتراءاته فتفقدون عدوا، وفى نفس الوقت تكسبون صديقا.

هل جميع الذين في الكنيسة، والذين يقتربون إلى المذبح، والذين يتناولون من جسد المسيح ودمه ، يحبون الرب ؟ ومع هذا فجميعهم يقولون: “أغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضا للمذنبين إلينا”   بماذا يجيبون لو قال الله لهم: “لماذا تسألونني أن أفي بوعدي، ومع ذلك فأنتم لم تنفذوا ما طلبته منكم ؟ ماذا وعدت؟ أن أغفر خطاياكم. وبماذا أمرتم؟ أن تغفروا للمذنبيين إليكم.

كيف تستطيعون بالحري تنفيذ ما أمركم به الرب ما لم تحبوا أعداءكم، نعم بالحري صلوا لكى تحبوهم

كيف نحب أعداءنا؟

١- بالتدريب على مسامحتهم عندما يعتذرون

إن لم تغفروا للآخرين تهلكون. لذلك إن استسمحكم عدوكم اغفروا له للحال. هل كثير عليكم أن تغفروا له عندما يعتذر لكم؟! إن كانت محبة عدوكم أثناء إساءته لكم صعبة عليكم، فهل كثير عليكم أن تحبوه عندما يتوسل إليكم؟! لكنكم قد تقولون لقد كان من قبل قاسيا، ولهذا تكرهونه. ومع هذا فإننى أفضل ألا تكرهونه حتى أثناء إساءته لكم!

٢- تذكر محبة المسيح لأعدائه

عندما تعانون من قسوة عدوكم، استحسن أن تذكروا قول الرب: “يا أبتاه أغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون ” (لو٢٣: ٣٤).

إننى أشتاق بالأكثر أن تتذكروا كلمات إلهكم هذه، حتى أثناء اعتداء عدوكم عليكم، لكنكم قد تقولون إنه قال ذلك كإله، أما أنا الضعيف الخاطئ، كيف أستطيع ذلك؟! إن كان ربكم مثلا عاليا بالنسبة لكم فلتنظروا إلى زميلكم الخادم، فإذ كانوا يرجمون إسطفانوس، كان يصلى بركب منحنية لأجل أعدائه قائلا: “يارب لا تقم لهم هذه الخطية” (أع٧: ٦). لقد كانوا يقذفونه بالحجارة، دون أن يطلبوا منه العفو، ومع هذا كان يصلى لأجلهم.

أريد أن تتمثلوا به. تقدموا إلى الأمام. لماذا تسحبون قلوبكم إلى الأرض إلى الأبد؟ اسمعوا: “ارفعوا قلوبكم”. فإن لم تستطيعوا أن تحبوا أعداءكم أثناء اعتدائهم عليكم، فلا أقل من أن تحبوهم أثناء طلبهم العفو منكم. فإن قال لكم: “أخي أخطأت إليك، اعف عنى، فإن لم تغفروا له ، لا أقول بأن صلاتكم تُمحى من قلوبكم ، بل ستمحى نفوسكم من كتاب الله.

مغفرة الخطايا للآخرين لا تعنى عدم التأديب

إن كان ينبغى عليكم أن تغفروا للآخرين أو تزيلوا من قلوبكم كراهيتكم لهم، فإننى أطلب إليكم ألا تمتنعوا عن تأديبهم بلياقة. ماذا يحدث لو طلب أحدكم الصفح منى، ولكن وجب على أن أؤدبه.

عدم الشك فى نية طالب العفو

لعلكم تقولون: أنه يخدعنا. أنه يتظاهر. يا من تدينوا القلوب، هل تستطيعون أن تخبرونى ما هى أفكار آبائكم أو حتى أفكاركم التي جالت لكم بالأمس؟ إن عدوكم يطلب منكم الصفح. اغفروا له بكل وسيلة. فإن لم تغفروا له لا تضرونه، بل تضرون أنفسكم. لأنه عرف ما ينبغي عليه أن يفعله. فإذ تمتنعون عن قبول اعتذاره، يذهب إلى ربكم ويقول له: “يارب لقد طلبت من زميلى العبد ليغفر لى فلم يشاء. اغفر أنت لي”  .

أليس فى سلطان الله أن يغفر له؟! هكذا سينال الغفران من إلهه، ويعود محاليلا من خطيته، بينما تبقون أنتم مربوطين بالخطية، إذ يأتى وقت الصلاة الذى تقولون فيه: “أغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضا للمذنبين إلينا “، فيجيبكم الرب “أيها العبيد الأشرار، كل هذا الدين تركته لكم لأنكم طلبتم إلى ، أفما كان ينبغى عليكم أنتم أيضا أن ترحموا العبيد رفقاءكم كما رحمتكم أنا ” انظر (مت١٨: ٣٢-٣٣) . هذه ليست كلماتي، لكنها من الإنجيل نفسه.

٦-ولا تدخلنا فى تجربة لكن نجنا من الشرير

لقد تحدثنا كثيرا عن الخطايا التي سبق أن ارتكبناها، ولكن بماذا نصلى لأجل الخطايا المقبلة؟

ولا تدخلنا فى تجربة

 أغفر لنا ذنوبنا التي ارتكبناها، وهبنا أيضا ألا نخطئ بعد بأية خطية. لأن من يُغلب من التجربة يسقط فى الخطية. لهذا يقول الرسول يعقوب: “لا يقل أحد إذ جُرب إنى أجرب من قبل الله، لأن الله غير مجرب بالشرور، وهو لا يجرب أحدا. ولكن كل واحد يجرب إذ انجذب وانخدع من شهوته. ثم الشهوة إذا حبلت تلد خطية، والخطية إذا كملت تنتج موتا “(يع١: ١٣-١٥). فإذ لا تنجذبون إلى الشهوة لا تقبلونها، فإن قبلتموها تكونون كما لو كنتم تحتضنوها بقلوبكم.

إن الشهوة تثور، فأضبطوا أنفسكم ولا تتبعوها. أنها نجسة ومحرمة. أنها تفصلكم عن الله. فعليكم ألا تحتضنوها بقبولكم لها، لئلا تلد، لأنه إن قبلتموها أي احتضنتموها حبلت، و”الشهوة” إذا حبلت تلد خطية. ألا تخافوا من أن تلد خطية؟! والخطية تنتج موتا. فإن لم تخافوا من الخطية، خافوا من عاقبتها، أي خافوا من الموت. الخطية حلوة، ولكن الموت مر. إنكم تخطئون بسبب المال، أو لمركز عالمي، أو بسبب امرأة، أو أي شيء آخر، هذه التي ستتركونها متى أغلقتم أعينكم للموت، وأما الخطية التي ترتكبونها فستحملونها معكم بعد الموت.

الله لا يجرب أحدا بالتجارب التي ننخدع بها ونضل، ولكنه في عمق عدله يسمح بلا شك أن يتخلى عن البعض، فيجد المجرب فرصته، لأنه لا يجد في الانسان الذي تخلى عنه الله أية مقاومة فإذ يتخلى الله عنهم يتقدم المجرب كمالك لهم. لهذا نقول: ” لا تدخلنا في تجربة ” أي لا تتخل عنا.

ماذا يعلمنا الرسول يعقوب؟ أن نحارب شهواتنا. فإنكم مزمعون أن تطرحوا خطاياكم بنوالكم سر العماد المقدس، ولكن مع ذلك تبقى شهوات تحاربون إياها بعد تجديدكم، لأن الصراع معها سيزال قائما.

لا تخافوا من أي عدو خارجي. انتصروا على أنفسكم، فتغلبوا العالم كله. لأنه ما هو سلطان المجرب الخارجي عليكم، سواء أكان الشيطان أخادمه؟! فمن يبث أمامكم محبة الربح لإغرائكم بالخطية لن يجد فى داخلكم الطمع، عندئذ لا يستطيع أن يفعل بكم شيئا، أما إن وُجد فيكم الطمع فستحترقون عندما يغريكم بالربح، وبذلك يصطادكم بطعم فاسد.

وإن قدم العدو أمامكم نساء فائقات الجمال، فإن كانت العفة في داخلكم، فستغلبون العدو المظلم الخارجي. حاربوا شهوتكم الداخلية فلا يستطيع العدو أ، يقتصكم بطعم امرأة غريبة.

إنكم لا تدركون عدوكم، لكنكم تدركون شهواتكم … إذن فلتسيطروا على شهواتكم التى تلمسوها داخلكم.

لكن نجنا من الشرير

لنفهم هذه العبارة على أنها مكملة للعبارة “لا تدخلنا في تجربة”، لذلك عطفت بحرف “لكن”. تُفهم العبارتان على أنهما طلبة واحدة فبنجاتنا من الشرير لا ندخل في تجربة، وبعدم إدخالنا في تجربة ننجو من الشرير.

تقسيم الطلبات

الطلبات الثلاث الأولى تخص الحياة الأبدية، لأنه ينبغي أن يتقدس اسم الله فينا على الدوام، وأن يبقى ملكوته دائما، وأن نصنع مشيئته إلى الأبد

أما “خبزنا اليومي” فهو ضروري لنا حاليا، وكل الطلبات التالية تخص الحياة الحاضرة. فالخبز اليومي نحتاج إليه في هذه الحياة، ومغفرة الخطايا ضرورية في هذا العالم، لأننا إذ نصل إلى الحياة الأخرى لا تكون هناك خطايا. وفى هذا العالم توجد تجارب حيث إن الإبحار فيه خطير، لكننا عندما نتساوى مع ملائكة الله، لا نعود بعد نحتاج إلى الصلاة من أجل مغفرة الخطايا.

تاكيد الطلبة الخامسة

فإنه إن غفرتم للناس زلاتهم يغفر لكم أيضا أبوكم السماوى ، وإن لم تغفروا للناس زلاتهم ، لا يغفر لكم أبوكم السماوى أيضا زلاتكم “

أحبائي الأعزاء، حقا إنها لتجربة خطيرة فى هذه الحياة، أن نجرب بالتجربة الخاصة بغفران خطايانا. إنها لتجربة خطيرة، أن يُؤخذ منا ما نشفى به جراحات التجارب الأخرى. إننى أعلم أنكم لم تفهموني بعد. أنصتوا إلى فتفهمون

(يقصد القديس أوغسطينوس أنه لو كانت تجربتنا هى عدم المغفرة للآخرين ، أى كراهيتنا لهم وحب للانتقام لأنفسنا منهم ، فإننا نكون بذلك قد أغلقنا على أنفسنا باب الغفران للتجارب الأخرى ، لأنه لن تغفر لنا أية خطية ما لم نغفر نحن للآخرين)

افترض ان الطمع حارب إنسانا، فسقط هذا الانسان في الطمع، رغم كونه مجاهدا ممتازا، لقد جُرح هذا الانسان فى صراعاته، ولكن هذا المصارع (رغم جراحاته)، لديه الباعث أن يقول: “أغفر لنا ذنوبنا”. هكذا يجد هذا المصارع فرصته لسؤال الغفران متى سقط في أية تجربة.

ولكن ما هى هذه التجربة الخطيرة التى سبق أن أشرت إليها؟ إنها حب الانتقام لأنفسنا. إنها تجربة خطيرة أن يلتهب الإنسان غضبا ويحترق انتقاما. بسببها نخسر نوال المغفرة عن الخطايا الأخرى. إنكم إن ارتكبتم أية خطية أخرى أو شهوات أخرى، فستجدون علاجكم في القول “اغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضا للمذنبين إلينا”، ولكن إن خسرتم قوة هذه الطلبة فستبقون في كل خطاياكم.

عندما علمنا ربنا وسيدنا ومخلصنا ست أو سبع طلبات في هذه الصلاة، لم يعالج أية طلبة ولا أمرنا بإحداها مثل ما فعل بهذه الطلبة، وذلك لعلمه بخطورتها في الحياة، فعندما ختم الصلاة الربانية لم يتوسع في أية طلبة، بل قال:” فإن غفرتم للناس زلاتهم“.

احترزوا يا إخوتي، يا أبنائي، يا أولاد الله، احذروا من الغضب. إننى أرجوكم أن تحاربوا إلى النهاية بكل قلوبكم. فإن وجدتم الغضب ماثلا أمامكم صلوا إلى الله حتى يعطيكم النصرة على أنفسكم. لا أقول إن يعطيكم النصرة على أعدائكم الخارجين، بل على أرواحكم الداخلية.

إنكم ترون يا أحبائى كم من الطلبات علمنا إياها ربنا المسيح، وبالكد تجدون فيها طلبة خاصة بالخبز اليومي. أنه يوجه كل تفكيرنا نحو الحياة المقبلة. لأنه لماذا نخاف لئلا يهبنا شيئا مما نحتاج إليه، وقد وعده قائلا: “اطلبوا أولا ملكوت الله وبره، وهذه كلها تزاد لكم” (مت٦: ٣١) قبل أن تطلبوها، فكثيرون جُربوا حتى بالجوع فوجدوا إنهم ذهب، ومع ذلك لم ينسهم الله.[9]

 

الصلاة الربانية للقديس كبريانوس

  ١- أيها الاخوة الأحباء ، ان وصايا الانجيل ما هى الا تعاليم الهيه ، هى الاساس الذى يبنى عليه رجاؤنا ، والجدار الذى يستند اليه ايماننا ، هى الغذاء لابهاج القلب ، والدفات لتوجيه مسيرتنا ، والمعين لنوال الخلاص ، فهى اذ ترشد الأذهان الوديعة للمؤمنين الذين على الأرض ، تقودهم الى ملكوت السموات فالله أراد أن يصل الينا كلامه من خلال عبيده الأنبياء ، ولكن كم تكون أعظم بكثير ، تعاليم ابنه ، تلك التى يشهد لها – بصوته – الله الكلمة الذى كان فى الأنبياء ليس بعد يدعو الى تهيئة الطريق لمجيئه ، لكنه أتى بنفسه لكى يدلّنا على الطريق ويرينا اياه ، حتى نمسك بطريق الحياة ، مع الرب القائد والمرشد لنا ، اذ قد استنرنا بالنعمة ، نحن الذين كنا قبلاً تائهين فى ظلال الموت كعميان ، بدون تدبير

  ٢- فبجانب نصائحه الخلاصية ووصاياه الالهية التي يرشد بها خاصته لأجل خلاصهم ، أعطانا بنفسه أيضاً صورة للصلاة ، وقام بإرشادنا ونصحنا بما يجب أن نصلى لأجله  فالله الذى جبلنا لنحيا ، علمنا بصلاحه أيضاً كيف نصلى ، ذاك الصلاح الذى به تنازل ليعطى ويهب لنا كل شيء ، حتى اذا ما خاطبنا الآب بهذه الصلاة وهذا التضرع الذى علّمنا الأبن اياه ، يسمعنا الآب بسهولة أكثر  لقد أخبر سابقاً : ” ولكن تأتى ساعة ، وهى الآن ، حين الساجدون الحقيقيون يسجدون للآب بالروح والحق ” (يو ٤: ٢٣) ، وهكذا حقق المسيح ما قد وعد به سابقاً ، اذ نحن الذين بتقديسه ايانا نلنا الروح والحق ، نستطيع بتعليمه أن نسجد بالروح والح   فهل هناك صلاة يمكن أن تكون أكثر روحانية من تلك التي علّمنا ايّاها السيد المسيح ، الذى بواسطته أرسل لنا الروح القدس ؟ أيّة صلاة للآب يمكن أن تكون أكثر صدقاً من تلك التي أعطاها ايانا الابن – الذى هو الحق – لذلك فالصلاة بخلاف ما علم به لا تكون جهل فقط، بل تكون خطية أيضاً، اذ هو نفسه قد قرر قائلاً: ” رفضتم وصية الله لتحفظوا تقليدكم ؛ ” (مر ٧: ٩)

  ٣-لذلك أيها الاخوة الأحباء اذا صلينا بهذه الحال، تكون الصلاة التي ترتفع من شفاهنا بمثابة صلاة المخلّص نفسه اننا نصلى كما علمنا الله ربنا، وفى صلاة المسيح نحن نقترب من الله، لعل الله الآب يتبين في توسلاتنا كلمات ابنه ، وليت الله الذى يسكن فى قلوبنا يصير أيضاً على شفاهنا ، حيث انه هو شفيع خطايانا أمام الآب ، فنحن الخطأة عندما تصلى انما ننطق بشفاهنا كلمات شفيعنا، الذى قال : ” كل ما طلبتم من الآب بأسمى يعطيكم ” (يو ١٦: ٢٣) فكم بالأكثر تكون صلاتنا فعالة في اسم الرب اذا ما كنا نطلب بنفس كلامه ؛

 ٤-ولكن ليت صلاتنا وطلباتنا تكون بمهابة وانسحاق ، متذكرين أننا واقفون فى حضرة الله وأنه يجب علينا أن نرضيه سواء بمظهر الجسد أو بطريقة الكلام ، فكما من سمات الانسان الذى بلا حياء أن يعمل ضجة وصخب ، فهكذا على الجانب الآخر ، يليق بالانسان المتواضع أن يصلى بطلبات هادئة بالإضافة الى ذلك ، فقد أمرنا الرب فى تعاليمه أن نصلى فى الخفاء فى الأماكن المنعزلة والبعيدة عن الأنظار ، فى مخادعنا ، لأنه يليق بايماننا ، أن ندرك أن الله حاضر فى كل مكان ، وأنه يسمع ويرى الكل وبعظمة جلاله ينفذ حتى الى المواضع السرية والخفية ، كما هو مكتوب ” ألعلى اله من قريب ، يقول الرب ؟ أما أملأ أنا السماوات والأرض، يقول الرب؟ (ار٢٣: ٢٣-٢٤) وأيضاً : ” فى كل مكان عينا الرب مراقبتان الطالحين والصالحين ” ( أم ١٥: ٣) وعندما نلتقى بالاخوة فى مكان واحد ونحتفل بالذبيحة الالهية مع كاهن الله ، يجب أن نراعى النظام والهدوء ، فلا نتلو صلواتنا بكلمات لا معنى لها ، ولا نضج بالثرثرة والصراخ بل نستودعها لله بخشوع  فالله هو سامع للقلب لا للصوت ، ومن يرى أفكار البشر لا يحتاج الى التنبيه بالصراخ ، كما يُثبت لنا الرب هذا بقوله : ” لماذا تفكرون بالشر فى قلوبكم ؟ ” (مت٩: ٤) وفى موضع آخر يقول: ” فستعرف جميع الكنائس انى أنا هو الفاحص الكلى والقلوب ” ( رؤ٢: ٢٣)

 ٥-هذا هو ما فعلته حنة أم صموئيل ، كما ورد فى سفر صموئيل الأول ، فهى ترسم لنا صورة من صور الكنيسة الملنزمة والمتيقظة ، التى تصلى الى الله لا بصخب ، ولكن بهدوء وتواضع ، فى أعماق قلبها ، انها تكلمت بصلاة خفية لكن بأيمان ظاهر ، تكلمت بقلبها لا بصوتها ، لأنها طلبت بايمان واثقة أن الرب هكذا يسمع ، وأنها ستنال طلبتها  والكتاب المقدس يؤكد ذلك عندما يقول : ” فان حنة كانت تتكلم فى قلبها ، وشفتاها فقط تتحركان ، وصوتها لم يسمع ” (١صم ١: ١٣) وأيضاً فى المزمور : ” تكلموا فى قلوبكم على مضاجعكم ، واسكتوا ” (مز٤:٤ ) كما يشير الروح القدس الى تلك الأمور عينها من خلال ارميا فيقول : ” فقولوا فى قلوبكم لك يارب ينبغى السجود ” (باروخ ٦:٥)

٦-أيها الاخوة الأحباء ، ليت الانسان العابد ألا يجهل هذا الأسلوب الذى صلى به العشار مع الفريسى فى الهيكل ، فالعشار لم يرفع عينيه باجتراء نحو السماء ولا بأيادى مرفوعة بافتخار ، بل لقد طلب معونة المراحم الالهية قارعاً صدره ، مُعترفاً بالخطايا الدفينة بينما كان الفريسى فخوراً بنفسه ، فاستحق العشار أن ينال التقديس أكثر من ذلك الفريسى ، لأنه لم يضع رجاء خلاصه على ثقته فى بره ، اذ لا يوجد من هو بلا خطية ، ولكنه صلى بتواضع معترفاً بخطيته ، فسمع صلاته الذى يغفر للنتضعين ، وهذه الأمور يسجلها الرب فى انجيله قائلا : ” انسانان صعدا الى الهيكل ليصليا ، واحد فريسى والآخر عشار أما الفريسى فوقف يصلى فى نفسه هكذا : اللهم أنا أشكرك أنى لست مثل باقى الناس الخاطفين الظالمين الزناة ، ولا مثل هذا العشار أصوم مرتين فى الأسبوع ، وأعشر كل ما أقتنيه وأما العشار فوقف من بعيد ، لا يشاء أن يرفع عينيه نحو السماء ، بل قرع على صدره قائلاً : اللهم ارحمنى ، أنا الخاطىء  أقول لكم : ان هذا نزل الى بيته مبرراً دون ذاك ، لأن كل من يرفع نفسه يتضع ، ومن يضع نفسه يرتفع ” (لو ١٨: ١٠- ١٤)

 ٧-أيها الاخوة الأحباء، بعد أن تعلمنا هذه الأمور من الكتب المقدسة، وعرفنا كيف ينبغي أن نتقدم الى الصلاة، فلنتعلم أيضاً من الرب كمعلم لنا ما يجب أن نصلى به أنه يقول: ” فصلوا أنتم هكذا: أبانا الذى فى السماوات ، ليتقدس اسمك  ليأت ملكوتك  لتكن مشيئتك كما فى السماء كذلك على الأرض خبزنا كفافنا أعطنا اليوم واغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضاً للمذنبيين الينا ولا تدخلنا في تجربة لكن نجنا من الشرير  لأن لك الملك والقوة ، والمجد ، الى الأبد ، آمين ” (مت ٦: ٩- ١٣)

 ٨-وفوق كل شيء فان رئيس السلام ومعلم الوحدة لم يشأ أن نصلى كل واحد بمعزل عن الآخر ، أو كل واحد عن نفسه فقط ، لأننا لا نقول : ” أبى الذى فى السموات ” أو ” أعطنى ” خبزى اليومى  ولا يسأل أحد أن تُغفر له ذنوبه فقط ولا أن لا يُدخل فى تجربة وينجى من الشرير ، بمفرده فقط بل أن صيغة ” نحن ” هى طابع الصلاة العامة ، فحينما نصلى فلسنا نصلى عن شخص واحد بل لأجل الشعب كله ، لأن الشعب كله شعب واحد  واله السلام ورب الاتحاد الذى دعانا الى ” الاتفاق ” والذى علمنا الوحدة ، أراد أنه كما حملنا جميعنا فى واحد ، هكذا كل واحد لابد أن يصلى عن الجميع  ان قانون الصلاة هذا عمل به الثلاثة فتية عندما طرحوا فى الأتون الملتهب ، اذ اتحدوا معاً فى الصلاة وفى اتفاق الروح  وهذا ما يؤكده لنا الكتاب المقدس ، وفى شرحه لنا عن كيفية صلاة هؤلاء الفتية ، أعطانا مثالاً يجب أن نقتدى به فى صلواتنا نحن أيضاً ، حتى نكون على ما كانوا عليه اذ يقول : ” حينئذ سبح الثلاثة بفم واحد ومجدوا وباركوا الله ” (تتمة دانيال ٣: ٥١) كما من فم واحد ، مع أن المسيح لم يكن قد علّم بعد كيف يصلون  وهكذا كانت صلواتهم نافعة ومقتدرة ، لأن الصلاة البسيطة والروحية المملوءة سلاماً تستحق الاستجابة من الرب

هكذا أيضاً صلّى الرسل مع التلاميذ بعد صعود الرب فيقول عنهم الكتاب: ” كلهم كانوا يواظبون بنفس واحدة على الصلاة والطلبة، مع النساء ، ومريم أم يسوع ، ومع اخوته ” (أع ١: ١٤) كانوا مواظبين على الصلاة بنفس واحدة ، معلنين من خلال ملازمتهم ووحدانيتهم فى الصلاة أن الله الذى يقال عنه فى المزمور : ” الله مُسكنُ المتوحدين فى بيت ” (مز ٦٨: ٦) لا يقبل في مسكنه الإلهي الأبدي – أى ملكوت السموات – الا أولئك الذين ارتفعت صلاتهم نحوه بقلب واحد

†   ” أبانا الذى فى السموات

  ٩-بالاضافة الى هذا، أيها الاخوة الأحباء، أننا حقاً نتعجب من كثرة وعظم الأمور العميقة الموجودة فى الصلاة الربانية والمجتمعة فى هذه الكلمات، لكنها تفيض بغنى روحي لا ينضب، حتى انه فى هذا القول الموجز لا يفوتنا شىء من التعليم السماوى مما يجب أن تحويه طلباتنا وتوسلاتنا

ويقول لنا الرب : ” صلوا أنتم هكذا أبانا الذى فى السموات ” فالانسان الجديد المولود ثانية والعائد الى الهة بالنعمة ، يبادر بقوله : ” أبى ، لأنه صار ابناً يقول يوحنا الحبيب : ” الى خاصته جاء وخاصته لم تقبله ، وأما الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أبناء الله أى المؤمنون باسمه ” (يو١: ١١-١٢) لذلك ، فألذى آمن باسمه وصار ابناً لله ، يجب عليه من الآن أن يقدم الشكر ويعلن بنوته لله من خلال اعلانه أن الله هو أباه الذى فى السموات  وعليه أيضاً أن يشهد فى الكلمات الأولى ذاتها عن ميلاده الجديد ، وأنه رفض الأب الأرضى والجسدى ، وبدأ أيضاً ألاّ يعرف أبًا الا ذاك الذى فى السماء كما هو مكتوب : ” الذى قال عن أبيه وأمه : لم أرهما ، وباخوته لم يعترف ، وأولاده لم يعرف ، بل حفظوا كلامك وصانوا عهدك ” (تث ٣٣: ٩) وقد أمرنا الرب أيضاً فى انجيله ” ولا تدعوا لكم أباً على الأرض ، لأن أباكم واحد الذى فى السموات ” (مت ٢٣: ٩) وأجاب على التلميذ الذى طلب أن يدفن أبيه : ” دع الموتى يدفنون موتاهم ” (مت ٨: ٢٢) ، لأنه قال أن أبيه قد مات بينما أبو المؤمنين هو حي

١٠-أيها الاخوة الأحباء ، ينبغى لنا أن ندرك ونعى أننا يجب أن ندعوه كأب سماوى ، ليس هذا فحسب ، ولكن يجب أن ندعوه ” أبانا ” أى أب الذين يؤمنون ، أب الذين بدأوا أن يكونوا أبناء الله بعد أن قدّسهم الله وردّهم الى ما كانوا عليه من قبل الميلاد بالنعمة الروحية هذا الصوت توبيخ وادانة لليهود ، ليس لأنهم بعدم ايمان لم يكتفوا فقط برفض المسيح ، ذاك الذى أعلن لهم عنه من خلال الأنبياء وارسل هو اليهم أولاً ، بل لأنهم بقساوة قضوا عليه بالموت فهؤلاء لا يستطيعون الآن القول بأن الله أبوهم ، لأن الرب يخزيهم بقوله : ” أنتم من أب هم ابليس ، وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا  ذاك كان قتالاً للناس من البدء ، ولم يثبت فى الحق لأنه ليس فيه الحق ” (يو٨: ٤٨) ويعلن الله بغضب من خلال اشعياء النبى قائلا : ” ربيت بنين ونشأتهم ، أما هم فعصوا علىّ الثور يعرف قانيه والحمار معلف صاحبه ، أما اسرائيل فلا يعرف  شعبي لا يفهم  ويل للأمة الخاطئة ، الشعب الثقيل الاثم ، نسل فاعلي الشر ، أولاد مفسدين ؛ تركوا الرب ، استهانوا بقدوس اسرائيل ” (اش١: ٢-٤) وفى رفضنا نحن المسيحيين لعصيان اليهود نقول نحن المسيحيين عندما نصلى ” أبانا ” ، لأن الله قد صار أبًا لنا ولم يعد أبًا لليهود الذين رفضوه فلا يستطيع شعب خاطئ أن يكون ابنًا ولكن لقب ابنًا يُمنح لأولئك الذين نالوا غفران الخطايا ، والوعد بالأبدية كما يقول الرب نفسه : ” ان كان من يعمل الخطية هو عبد للخطية ، والعبد لا يبقى في البيت الى الأبد ، أمّا الابن فيبقى الى الأبد ” (يو ٨: ٣٤-٣٥)

١١- يا لعظمة رأفة الرب بنا ، ويا لجلال نعمته ولطفه من نحونا فى أن يجعلنا نصلى فى حضرة الله ، بل وندعوه ” أبانا “وكما أن المسيح هو ابن الله ، كذلك نحن أيضاً قد دُعينا أبناء وما كان أحد منا يجرؤ أن يستعمل هذه الكلمة فى الصلاة لولا أن الرب نفسه قد اختصنا بهذا

 لذلك ينبغي علينا أيها الاخوة الأحباء ، أن نضع فى الاعتبار أنه اذا كنا ندعو الله أبانا ، فعلينا أن نسلك كبنين لله واذا كنا قد رضينا بأن يكون الله أبانا فيجب أن يكون له السلطان علينا ( كأب ) وأن يرضى علينا (كأبناء) يليق بنا أن نكون هياكل لله ، حيث يستطيع الناس  (بواسطتنا) أن يتقابلوا مع الحضرة الالهية ، فلا ينبغى أن ننكث بسيرتنا ، العهد مع الروح القدس  لقد شرعنا أن نصير سماويين وروحيين ، فعلينا أن نقصد ونتمم كل ما هو سمائى وروحي  الرب نفسه قال : ” فأنى أكرم الذين يكرمونني ، والذين يحتقروننى يصغرون ” ( ١صم ٢: ٣٠) ، والرسول المبارك أوضح هذا في رسالته : ” انكم لستم لأنفسكم ؟ لأنكم قد اشتريتم بثمن فمجدوا الله فى أجسادكم وفى أرواحكم التي هي لله ” (١كو ٦: ١٩-٢٠)     

†   ” ليتقدس اسمك

12- بعد ذلك يقول ” ليتقدس اسمك ” ليس أننا نطلب أن يتقدس الله من خلال صلواتنا، ولكننا نطلب منه أن يتقدس اسمه فينا  فضلاً عن ذلك بمن يتقدس الله اذا كان هو ذاته الذى يُقدس ؟   والاجابة على هذا السؤال هي أنه اذا كان الله يقول : ” وتكونون قديسين ، لأنى أنا قدوس ” (لا ١١: ٤٤) ، اذن فعلينا أن نسأل ونتضرّع ، نحن الذين اتقدّسنا فى المعمودية ، أن نُكمل فيما ابتدأناه من حياة القداسة ، ولأجل هذا نحن نصلى يومياً ، لأننا فى حاجة لتقدّيس يومي ، حتى نغتسل من خطايانا بالتقديس المستمر نحن الذين نخطئ يومياً  والرسول يخبرنا بماهية ذلك التقدّيس الذى نناله بلطف الله عندما يقول : ” لا زناة ولا عبدة أوثان ولا فاسقون ولا مأبونون ولا مضاجعوا ذكور ، ولا سارقون ولا طماعون ولا سكيرون ولا شتامون ولا خاطفون يرثون ملكوت الله  وهكذا كل أناس منكم  لكن اغتسلتم ، بل تقدستم ، بل تبررتم باسم الرب يسوع وبروح الهنا ” (١كو ٦: ٩- ١١) فهو يقول أننا تقدسنا فى اسم الرب يسوع وبروح الهنا نحن نصلى أن يثبت فينا هذا التقديس ، فاذ حذر الرب الديّان الانسان – الذى شفاه وأقامه – من مرضه ألا يخطئ بعد لئلا يكون له أشر ، فنحن أيضاً نتوسل بهذه الصلوات المستمرة ، ونطلب هذا نهاراً وليلاً أن ذلك التقديس أيضاً الذى نلناه بنعمة الله أن يُحفظ فينا بواسطة حمايته

†  ” ليأت ملكوتك

١٣- يلى ذلك في الصلاة: ” ليأتي ملكوتك ” نحن نطلب أن يكون الملكوت حاضراً عندنا كما سبقنا وطلبنا أن يتقدس اسمه فينا ولكن كيف يكون ذلك ؟ ألا يكون ذلك بأن يملك الله علينا ؟ نحن فى الواقع نصلى طالبين اتيان الملكوت الذى وعدنا به الله ، هذا الذى نلناه بدم الرب يسوع المسيح وبآلامه قبلاً كنا عبيداً أرقاء ، والآن نحن مطالبون بأن نملك تحت سلطان المسيح وفى مملكته هذه التى وعدنا بها هو نفسه عندما يقول : ” تعالوا يا مباركى أبى رثوا الملكوت العد لكم منذ تأسيس العالم ” (مت ٢٥ : ٣٤) قد يعنى ملكوت الله أيضاً المسيح نفسه شخصياً ، فهو الذى تناديه كل يوم ، ونرغب أن يُسرع فى مجيئه ليحقق رجاءنا حيث أنه قيامتنا – لأننا به وفيه سنقوم من جديد – فهكذا أيضاً نستطيع أن نفهم أن المسيح هو ملكوت الله لأننا فيه وبه سنملك أيضاً  لكننا نفعل حسناً اذ نطلب ملكوت الله ، الذى هو أيضاً ملكوت السموات ، لأنه يوجد أيضاً ملكوت أرضى ولكن الذى زهد فى أمور هذا الدهر فقد ارتفع فوق كرامات هذا العالم وممالكه ، لذلك فان من كرّس ذاته لله وللمسيح لا يعود يطلب ممالك الأرض بل ملكوت السموات نحن فى حاجة أن نصلى بلا انقطاع حتى لا نفقد هذا الملكوت السماوى ( بالرغم من أننا وعُدنا به ) كما سقط اليهود الذين كان لهم هذا الوعد أولاً وينطبق علينا قول الرب : ” ان كثيرين سيأتون من المشارق والمغارب ويتكئون مع ابراهيم واسحق ويعقوب فى ملكوت السماوات ، وأما بنو الملكوت فُيطرحون الى الظلمة الخارجية هناك يكون البكاء وصرير الاسنان ” (مت ٨: ١١و ١٢) ، يرينا الرب أن اليهود كانوا سابقاً بنى الملكوت لما تمسكوا ببنوتهم لله ، ولكن بعد أن زال اسم الآب من وسطهم ، فقد زال الملكوت أيضاً لذلك فنحن المسيحيين الذين فى صلاتنا قد دعونا الله ” أباناً ” نصلى أيضاً أن يأتى ملكوته الينا وفينا

† ” لتكن مشيئتك كما فى السماء كذلك على الأرض “

١٤- نحن نصلى أن تتم مشيئة الله فينا وعندما نضيف قائلين: لتكن مشيئتك على الأرض كما فى السماء، ليس معنى ذلك أن يفعل الله ما يشاء ، ولكن بالأحرى أن نستطيع نحن أن نفعل مشيئة الله فمن يستطيع أن يمنع الله أن يفعل ما يشاء ؟ أمّا نحن فان عدو الخير يتربص بنا ويعوقنا عن اطاعة مشيئة الله ، ويحاول أن يمنعنا ، فى كل شىء ، بالفكر والفعل ، فى كل الأمور فنحن نصلى ونسأل أن تتم مشيئته فينا ، ولكى ما تكمل نحتاج الى معونته وحمايته  ذلك لأنه لا يوجد انسان يستمد قوته من امكانياته الذاتيه ، ولكنه يكون فى أمان بسب نعمة الله ورحمته الرب نفسه أبان الضعف الذى لبسه ( بارادته ) عندما قال : ” يا أبتاه  ان أمكن فلتعبر عنى هذه الكأس”(مت ٢٦: ٣٩) ولكيما يعطى تلاميذه مثالاً مُبينًا ضعف الطبيعة البشرية التى حملها فى نفسه ، ويريد أن يقدم مثالاً لتلاميذه حتى لا يفعلوا مشيئتهم ، بل مشيئة الله ، أضاف قائلاً : ” ولكن لتكن لا ارادتى بل ارادتك (لو ٢٢: ٤٢) وفى موضع آخر يحدد بدقة : ” لأنى قد نزلت من السماء ، ليس لأعمل مشيئتى ، بل مشيئة الذى أرسلني ” (يو ٦: ٣٨) فاذا كان ” الابن ” نفسه قد اهتم أن يعمل مشيئة ” الآب ”  فكم بالحرى يجب على العبد أن يبادر بعمل مشيئة سيده ؛ كما يحثنا القديس يوحنا فى رسالته قائلاً : ” لا تحبوا العالم ولا الأشياء التى فى العالم  ان أحب أحد العالم فليست فيه محبة الآب لأن كل ما فى العالم : شهوة الجسد ، وشهوة العيون ، وتعظم المعيشة ، ليس من الآب بل من العالم  والعالم يمضى وشهوته ، وأما الذى يصنع مشيئة الله فيثبت الى الأبد ” (١يو ٢: ١٥- ١٧) فمن أراد أن يثبت الى الأبد فعليه أن يعمل مشيئة الله الأبدي

 ١٥- هذه هي مشيئة الله التي عملها المسيح وعلمها : وتلكهى : تواضع السيرة ، صلابة الايمان ، الوداعة فى الكلام ، والحكمة فى التصرف ، الشفقة فى المعاملات ، الانضباط فى الأخلاق ، عدم الاضرار بأحد ، احتمال الاساءة التى تأتى علينا من الآخرين ، حفظ السلام مع الاخوة ، محبة الله من كل القلب ، نحبه لأنه أب ، ونخافه لكونه الهاً ، لا نفضل شيئاً عن المسيح ، لأنه فضلنا على كل شىء ، أن نكون راسخين فى محبته بعهد لا ينفصم ، ثابتين تحت الصليب بشجاعة وثقة ؛ وعندما تقوم علينا حرب من أجل اسمه أو اكرامه ، فليكن لنا رباطة الخأش مقابل كل المصاعب ، حتى يمكن أن نجاهد حتى النهاية ، والصبر حتى الموت لنفوز بالاكليل المقدم : هذا هو معنى الارادة أن نكون وارثين مع المسيح ، متممين وصايا الله ، عاملين مشيئة الآب

١٦- نحن نطلب أن تتم مشيئة الله فى السماء ، وكذلك على الأرض لأن كليهما يساهمان فى تكميل خلاصنا فالجسد هو من الأرض ، والروح هو من السماء ، فنحن اذاً سماء وأرض  لذلك أن تكون مشيئة الله فى الأثنين ، أى فى جسدنا كما فى روحنا ، وحيث أنه يوجد عراك وتصادم بين الاثنين اللذين يتصارعان ، فنحن لا نفعل ما نريده : فالروح تطلب ما هو سمائى والهى ، أما الجسد فيجرى وراء ما هو أرضى ووقتي لذلك فنحن نطلب بلجاجة أن تتدخل معونة الله وتصالح الاثنين حتى تكمل مشيئة الله فى الروح وفى الجسد معاً ، وتفوز النفس التى جدّدها الله بالخلاص  وهذا ما يعلنه القديس بولس بوضوح : ” لأن الجسد يشتهى ضد الروح ، والروح ضد الجسد ، وهذان يقاوم أحدهما الآخر حتى تفعلون ما لا تريدون وأعمال الجسد ظاهرة ، التى هى : زنى ، عهارة ، نجاسة ، دعارة ، عبادة الأوثان ، سحر ، عداوة ، خصام ، غيرة ، سخط ، تحزب ، شقاق ، بدعة ، حسد ، قتل ، سُكر ، بطر ، وأمثال هذه التى أسبق فأقول لكم عنها كما سبقت فقلت أيضاً : ان الذين يفعلون مثل هذه لا يرثون ملكوت الله وأما ثمر الروح فهو : محبة ، فرح ، سلام ، طول أناة ، لطف ، صلاح ، ايمان ، وداعة ، تعفف ” (غل ٥: ١٧و ١٩-٢٣) من أجل هذا نحن نطلب فى صلواتنا كل يوم ، بل كل ساعة ، أن تتم مشيئة الله بخصوصنا كما فى السماء كذلك على الأرض ، لأن مشيئة الله ، هى أن تحل الأمور السمائية مكان الأمور الأرضية فى حياتنا ، وأن يكون نصيب الروح والله هو الغالب.

١٧- أيها الاخوة الأحباء، هذه الكلمات تعنى أيضاً شيئاً آخر: أنتم تعلمون أن الرب دائماً يحثنا أن نحب أعداءنا، وأن نصلى من أجل مضطهدينا فيجب علينا أن نصلى من أجل هؤلاء الذين مازالوا بعد أرضيين وليسوا سمائيين، لكي يخضعوا هم أيضاً لمشيئة الله هذه، تلك المشيئة التى خضع لها المسيح خضوعاً كاملاً من أجل خلاص البشرية. المسيح لم يدعو تلاميذه: ” أرضاً “، بل ” ملح الأرض “، والرسول يقول انه بينما الانسان الأول أُخذ من تراب الأرض، فان الثاني أتى من السماء

 (١كو ١٥: ٤٧) ، فعلينا أن نتشبه بأبينا السماوي ، الذى يشرق شمسه على الصالحين والأشرار ، والذى يمنح المطر للأبرار وللظالمين ، لهذا يعلمنا المسيح أن نصلى من أجل خلاص جميع البشر  لكى ما تتم فينا مشيئة الله ، بالأيمان ، نصير نحن سمائيين ، ثم عندما نطلب أن تتم مشيئة الله على الأرض كما هي في السماء : أعنى تكمل كذلك في غير المؤمنين – الذين هم بحسب مولدهم الأول مازالوا بعد أرضيين – حتى يصبحوا سمائيين بميلادهم من الماء والروح   

†    ”  أعطنا خبزنا اليومي “

 ١٨- ثم نتابع الصلاة قائلين : ” أعطنا خبزنا اليومى ” هذه الطلبة يمكن أن تؤخذ بمعنيين : المعنى الأول : روحى ، والمعنى الثانى حرفى ، وكلا التفسيرين ، بحسب تدبير العناية الالهية ، يساهمان حتماً فى خلاصنا فالمسيح هو خبز الحياة ، وهذا الخبز لا يخص كل العالم ، وانما يخصنا نحن  وكما نقول : ” أبانا ” لأنه أب لكل من يؤمن ، كذلك بالمثل نحن ندعو المسيح ” خبزنا ” ، لأن المسيح هو الخبز للذين هم متحدين بجسده  ولكى نحصل على هذا الخبز ، نحن نصلى كل يوم ( على الدوام ) ، فنحن الذين نحيا فى المسيح ، ونتناول دائماً سر الافخارستيا كطعام لخلاصنا ، لا نود أبداً أن نمتنع من الشركة المقدسة بسبب خطية قبيحة قد تحرمنا من خبز السماء ، وتفصلنا عن جسد المسيح ، حسبما نادى هو نفسه وحذرنا قائلاً : ” أنا هو الخبز الحى النازل من السماء  ان أكل أحد من هذا الخبز يحيا الى الأبد  والخبز الذى أنا أعطى هو جسدى الذى أبذله من أجل حياة العالم ” (يو ٦: ٥١) وبالتالي عندما يقول الرب : من يأكل من هذا الخبز يحيا الى الأبد ، ليؤكد أن الذين يحيون هم الذين يمدون اليد الى جسده ( قديماً فى القرون الأولى كان التناول يُسلم فى اليد اليمنى للمتناول حيث يضع يده اليسرى تحت اليمنى ثم يتناول ولكن ألغى ذلك الى ما هو يتم حالياً )، ويتناولون الافخارستيا فى الشركة المقدسة ، وبناء على ذلك ينبغى علينا من جانب آخر أن نحترس ونصلى حتى لا يبقى أحد بعيداً عن الخلاص ، اذا انفصل عن جسد المسيح بسبب منعه من التناول ان الرب سبق فأنذرنا : ” ان لم تأكلوا جسد ابن الانسان وتشربوا دمه ، فليس لكم حياة فيكم ” (يو ٦: ٥٣) فنحن اذاً نطلب على الدوام أن نتناول خبزنا – الذى هو المسيح —  حتى نبقى أحياء فى المسيح ، ولا نبعد قط عن نعمته أو عن جسده.

١٩- ويمكننا أيضاً أن نفهم هذه الطلبة على الوجه التالي : نحن قد جحدنا العالم ، وبنعمة الايمان قد رفضنا تنعماته وغواياته فنحن نطلب مجرد قوتنا ( اليومي ) ، لأن الرب يقول : ” كل واحد منكم لا يترك جميع أمواله ، لا يقدر أن يكون لي تلميذاً ” (لو ١٤: ٣٣) فمن يبدأ أن يكون تلميذاً للمسيح ويترك كل شىء ، حسب كلمة الرب ، فله أن يطلب غذاء يومه فقط ولا تمتد طلبته الى أبعد من هذا  والرب أيضاً قال : ” فلا تهتموا للغد ، لأن الغد يهتم بما لنفسه  يكفى اليوم شرَه ” (مت ٦: ٣٤) اذاً فالتلميذ له الحق أن يُطالب بغذاء يومه ، بينما غير مسموح له أن ينشغل بالغد  بل انه لا يتوافق أن الذين يطلبون ملكوت الله ليأتي سريعاً ، أنهم هم أنفسهم يهتمون بأن يطول بقاؤهم فى هذه الحياة الدنيا والرسول ينبهنا لهذا لك يُهذب ، ويشدد ، ويقوى ايماننا ورجاءنا بقوله : ” لأننا لم ندخل العالم بشىء ، وواضح أننا لا نخرج منه بشيء  فان كان لنا قوت وكسوة ، فلنكتف بهما ، وأما الذين يريدون أن يكونوا أغنياء ، فيسقطون فى تجربة وفخ وشهوات كثيرة غبية ومضرة  تُغرق الناس فى العطب والهلاك لأن محبة المال أصل لكل الشرور ، الذى اذ ابتغاه قوم ضلوا عن الايمان ، وطعنوا أنفسهم بأوجاع كثيرة ” (١تى ٦: ٧- ١٠)

   ٢٠- المسيح يعلمنا أن محبة المال ليست فقط رديئة: بل انها أيضاً خطيرة، انها تحوى داخلها الجذر الذى تتفرع منه جميع الشرور المغرية الخداعة التي تضلل النفس البشرية ان الرب قد رد على حماقة الغنى الذى كان يُمنى نفسه بتنعمه بغنى هذا الدهر بقوله : ” يا غبى ؛ هذه الليلة تُطلب نفسك منك ، فهذه التى أعددتها لمن تكون ؟ ” (لو١٢: ٢٠) فالغبي الذى كان يفكر في وفرة محصوله، ذاك الذى كانت حياته على وشك الانتهاء كان يفكر في وفرة أرزاقه ومقابل هذا يؤكد الرب أن الكامل هو من يبيع كل ما يملك ويوزعه على المساكين، وبهذا يكنز لنفسه كنزاً فى السماء بل ويزيد الرب على هذا أنه يمكننا أن نقتفى آثاره وننهج سبيل آلامه المجيدة، اذا ما أمكننا أن نتحرّر من عوائق كل الهموم المادية، واذ نتخلى عن أموالنا نقدمها لله كدليل على تقديم حياتنا نفسها له قرباناً، ولكى يعدنا الرب لهذا يأخذ في تعليمنا المبادئ التي تقوم عليها الصلاة

٢١- الخبز اليومي لا يمكن أن يعوز الصديق، فقد كُتب: ” الرب لا يجيع نفس الصديق ” (أم ١٠: ٣)، وأيضاً: ” كنت فتى وقد شخت، ولم أر صديقاً تُخلىَ عنه، ولا ذرية له تلتمس خبزاً ” (مز ٣٧: ٢٥) ثم ان الرب وعد قائلاً: ” فلا تهتموا قائلين: ماذا نأكل ؟ أو ماذا نشرب؟ أو ماذا نلبس  فان هذه كلها تطلبها الأمم لأن أباكم السماوي يعلم أنكم تحتاجون الى هذه كلها  لكن اطلبوا أولاً ملكوت الله وبره ، وهذه كلها تُزاد لكم ” (مت ٦: ٣١—٣٣) فهؤلاء الذين يطلبون ملكوت الله وبره ، قد وعد بأن كل الأشياء ستزداد الى ما يسألونه وأكثر مما يحتاجونه ، فكل شيء في الحقيقة هو ملك لله ، وكل من يقتنى الله فلن يعوزه شىء ان كان لا يعوزهم الله نفسه  وهكذا كان دانيال وهو في الحبس ، حسب أمر الملك ، فى جب الأسود ، كان يتقبل طعامه من الله وكان يقتات به وسط الوحوش المفترسة الجائعة التي لم تمسه بأذى كذلك ايليا بالمثل كان يُعال خلال هروبه كما كان يُعال خلال وحدته عندما كان مُطارداً ، حيث كانت الغربان والطيور تأتى له بما يقتات به ويا للأسف ويا لشناعة قسوة شرّ الانسان : الوحوش المفترسة ترحم ، والطيور تأتيه بالغذاء ، أما البشر فينصبون المكايد ويتصفون بالقسوة                                                                      

 †  ” اغفر لنا ذنوبنا

 ٢٢- بعد ذلك نتضرع أيضاً لأجل خطايانا قائلين : ” واغفر لنا ذنوبنا ، كما نغفر نحن أيضاً للمذنبين الينا ” بعد طلب قوتنا اليومى ، نحن نطلب الصفح عن الخطية  لأن الذى يقتات من يد الله ينبغى أن تكون حياته ممتدة فى الله ، فلا يكون رجاؤه بالحياة الحاضرة الزمنية فقط ، بل أيضاً بالأبدية ، تلك التى لا يمكنه أن ينالها الا اذا غُفرت له خطاياه ، وتلك الخطايا يسميها الرب ” ديوناً ” ، وحسب قول الانجيل : ” كل ذلك الدين تركته لك لأنك طلبت الىّ ” (مت ١٨: ٣٢) انه من الضرورة والحكمة ، بل ونافع لنفوسنا أن يذكرّنا الرب بأننا خطاة ، وذلك فى دعوته لنا أن نطلب من أجل مغفرة خطايانا  وهكذا تستعيد النفس وعيها بمرارة الخطية ؛ فحتى لا يمدح أحد أفكاره ويظن فى نفسه أنه بار ، ويضل بهذا الافتخار المعيب ، لذلك يجب أن نعرف ونعلم أننا معرّضون للخطية كل يوم ، وذلك عندما نُطالب بأن نلتمس كل يوم الصفح عن خطايانا والرسول يوحنا هو أيضاً ينبهنا فى رسالته : ” ان قلنا : انه ليس لنا خطية نضلَ أنفسنا وليس الحق فينا ، ان اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل ، حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل اثم ” (١يو ١: ٨و ٩) انه يجمع فى رسالته بين أمرين ( شرط وجواب شرط ) : انه فى صلواتنا ينبغى علينا أن نطلب الصفح عن خطايانا ، أما من جهة الرب ، فيؤكد الرسول انه أمين فى وعده بأن يصفح عنها لأن الذى علّمنا أن نطلب المغفرة عمّا علينا من ذنوب وخطايا ، وعدنا فى نفس الوقت أنه برحمته الأبوية سيصفح لنا عنها

٢٣- الرب يحدد بدقة شروط صفحه : انه يُلزمنا أن نترك نحن أيضاً الديون للمديونين لنا ، ما دمنا نطلب نحن بالمثل أن تُترك لنا ديوننا اننا لا نستطيع أن نطلب غفران ذنوبنا الا اذا صنعنا نحن بالمثل من نحو من أذنب الينا انه يقول في موضع آخر : ” بالكيل الذى به تكيلون يُكال لكم ” (مت ٧: ٢) العبد الذى سامحه سيده بكل ديونه ، عندما رفض أن يفعل بالمثل هو أيضاً من نحو رفقائه طُرح في السجن  لأنه لم يشأ أن يعفو عن رفيقه ولذا فَقَدَ العفو الذى سبق وحصل عليه من سيده والرب في حكمه هذا أراد أن يشدّد على هذه الحقيقة بقوة : ” متى وقفتم تصلون ، فاغفروا ان كان لكم على أحد شيء لكى يغفر لكم أيضاً أبوكم الذى فى السموات زلاتكم وان لم تغفروا أنتم لا يغفر أبوكم الذى في السموات أيضاً زلاتكم  ” (مر ١١: ٢٥- ٢٦)  اذاً ، لن يكون لك عذر يوم الدينونة ، عندما تحاكم طبقاً لسلوكك تجاه الآخرين وكما فعلت سيُفعل أيضاً بك فالرب أوصانا أن نكون صانعي سلام وفى اتفاق وبفكر واحد  وكما ولدنا الله بالميلاد الثاني هكذا يريدنا أن نكمّل بحسب هذا الميلاد القدثانى ، لكيما نثبت في سلام الله نحن الذين صرنا أبناء الله ، وأن يكون لنا قلب واحد وفكر واحد اذ لنا روح واحد  لذلك لا ُيقبل قربان من يحرضون على الانشقاق ، بل انه يأمرهم أن يرجعوا عن المذبح ليتصالحوا أولاً مع اخوتهم  الله لا يرضى ألا بالصلوات المرفوعة فى سلام  ان أبهج تقدمة يمكننا أن نُهديها لله هي سلام واتفاق الاخوة ، ووحدة كل المؤمنين في الآب والابن والروح القدس

 ٢٤- فحتى في الذبائح التي قدمها هابيل وقايين لم ينظر الله الى التقدمات فى حد ذاتها بل الى قلبيهما : فالعطية كانت مقبولة حيث كان القلب مقبولاً أمام الله واذ كان هابيل مسالماً وباراً ، الذى قدم ذبيحته بنفس نقية الى الله ، يعلمنا أن نتمثل به عندما نقدم قرباننا ، فينبغى أن يكون ذلك بمخافة الرب ، وبساطة قلب ، ونيّة صادقة بالوفاق والسلام مع الجميع  فهابيل بتقديم قربانه لله متحليّا بهذه السجايا استحق هو نفسه أن يصير قربان استشهاد  لقد أشار بدمه الى ألام الرب ، لأنه كان يمتلك فى ذاته بر وسلام الرب  ومن هم مثله بمثل هذه الصفات سيكللهم الرب ، وسينتقم لهم فى يوم الدينونة ولكن محبو الخصام والانشقاق الذين لا يريدون أن يحيوا فى سلام مع اخوتهم ، فعلى النقيض ، فهم مدانون بحسب شهادة الرسول المبارك والانجيل ، حتى ولو قدّموا أنفسهم للذبح ، فلن يكونوا أقل اجراماً بسبب الشقاق الذى زرعوه بين الاخوة ، لأنه مكتوب : ” كل من يبغض أخاه فهو قاتل نفس ” (١يو ٣: ١٥) كل قاتل نفس لا ينال ملكوت السموات ولا يحيا مع الله ، فمن يفضّل أن يتمثل بيهوذا وليس بالمسيح ، فلن يمكنه أن يحيا فى المسيح  فيالجسامة هذا الجرم ، الذى لا يمكن حتى لمعمودية الدم نفسها أن تمحوه ؛ فيا لشدة ثقل هذه الجريمة التى لا يقدر حتى الاستشهاد أن يكّفر عنها

† ” ولا تدخلنا في تجربة “

 ٢٥- الرب يحثنا أن نقول فى الصلاة : ” ولا تدخلنا فى تجربة ” ومن هذا القول يتبين أن خصمنا لا يمكنه أن يفعل أمراً ما ضدنا دون سماح سابق من الله ، وعليه فهو وحده الذى ينبغى علينا أن نخافه ونتّقيه ونراعيه فى كل شىء ، لأن سلطان العدو فى التجارب التى يحيكها ضدنا هو خاضع لسلطان الله هذا ما يؤكده الكتاب المقدس عندما يقول : ” وجاء نبوخذ نصر الى أورشليم وحاصرها وأسلمها الرب الى يديه ” (٢مل ٢٤: ١١) العدو يُعطى سلطاناً علينا من جراء خطايانا ، حسبما هو مكتوب : ” من دفع يعقوب الى السلب واسرائيل الى الناهبين ؟ أليس الرب الذي أخطأنا اليه ولم يشاءوا أن يسلكوا فى طرقه ولم يسمعوا لشريعته؟ فسكب عليه حمو غضبه ” (اش ٤٢: ٢٤و ٢٥) ومرة أخرى عندما أخطأ سليمان وحاد عن طريق الرب قيل: ” وأقام الرب خصماً لسليمان ” (١مل ١١: ١٤)

 26- الله قد يعطى ابليس السلطان علينا لغايتين: اما لأجل تأديبنا اذا أخطأنا، أو من أجل تمجيدنا اذا جُزنا الامتحان وهذا ما نراه في حالة أيوب: ” هوذا كل ماله في يدك؟ وانما اليه لا تمد يدك ” (أي ١: ١٢) وفى الانجيل يقول الرب ابان آلامه : ” لم يكن لك علىّ سلطان البته ، لو لم تكن قد أعطيت من فوق ” (يو ١٩: ١١)  فاذاً عندما نصلى أن لا ندخل فى تجربة ، نحن نتذكر ضعفنا وعجزنا فيما نطلب لأجله ، حتى لا يفتخر أحد بنفسه ، أو يترفع أحد بجسارة ، ناسباً لنفسه المجد فى ايمانه أو فى آلامه ، بينما الرب يعلمنا بنفسه الاتضاع ، عندما يقول : ” اسهروا وصلوا لئلا تدخلوا فى تجربة  أما الروح فنشيط ، وأما الجسد فضعيف ” (مر ١٤: ٣٨) فاذا اعترفنا بضعفنا أولاً ، واذا ما سلمنا أمرنا فى كل ما نطلبه بمخافة ووقار ، فاننا نستطيع أن نكون على يقين من أن كل ما يُطلب بتضرع فى مخافة واكرام لله فهو يمنحه بحسب صلاحه

†   ” لكن نجنا من الشرير “

 ٢٧- بعد كل هذا كختام للصلاة تأتى عبارة قصيرة تجمع باختصار كل الطلبات فى النهاية نقول : ولن نجنا من الشر ( أو الشرير ) ونحن نفهم بهذا ما يحيكه العدو ضدنا من مكائد فى هذا العالم ، ولكننا على يقين أن لنا سنداً قوياً ، وذلك عندما يأتى الرب الى نجاتنا ويمنح معونته لمن يترجونه فعندما نقول : ” نجنا من الشر أو الشرير ” لا يبقى لنا شىء بعد نلح فى طلبه : فقد طلبنا أخيراً حماية الله لنا ضد الشر هذه الصلاة تجعلنا محصنين ضد مكايد الشيطان أو العالم فما هو الذى يخشاه الانسان فى هذه الحياة ، اذا كان الله هو نفسه الذى يحميه ؟

 ٢٨- انى لمتعجب يا اخوتى الأحباء لروعة هذه الصلاة الربانية التى علّمها لنا الله ، التى مع ايجازها تشمل كل مطالبنا بالحقيقة ان ربنا يسوع المسيح كلمة الله جاء لأجل كل البشر ، للحكماء كما للجهلاء ، دون تفريق بين الأجناس أو الأعمار ، مُرجعاً مبادىء الايمان الى أصولها الأولية حتى يمكن لأبسط الناس أن يمسك بها وهكذا عندما علّمنا السيد المسيح ما هى الحياة الأبدية تضمن بايجاز سر الحياة بقوله عبارة الهية عظيمة : ” وهذه هى الحياة الأبدية : أن يعرفوك أنت الاله الحقيقى وحدك ويسوع المسيح الذى أرسلته ” (يو ١٧: ٣) وأيضاً عندما جمع من الناموس والأنبياء الوصية الأولى والعظمى بين الوصايا قال : ” اسمع يا اسرائيل  الرب الهنا رب واحد  وتحب الرب الهك من كل قلبك ، ومن كل نفسك ، ومن كل قدرتك  هذه هى الوصية الأولى وثانية مثلها هى : تحب قريبك كنفسك ” (مر ١٢: ٢٩- ٣١) وأيضاً : ” فكل ما تريدون أن يفعل الناس بكم 0 افعلوا هكذا أنتم أيضا بهم ، لأن هذا هو الناموس والأنبياء ” (مت ٧: ١٢)

٢٩- ولم يعلّمنا الرب الصلاة بالكلام فقط بل بالفعل أيضاً، اذ كان دائما يصلّى ويتضرّع شاهداً لنا عما يجب أن نفعله على مثاله الشخصي كما هو مكتوب:” وأما هو فكان يعتزل في البراري ويصلى “(لو٥: ١٦) وأيضاً: ” خرج الى الجبل ليصلّى وقضى الليل كله فى الصلاة لله ” (لو ٦: ١٢) فاذا كان الذى بلا خطية يصلّى ، فكم بالأكثر يجب علينا نحن الخطاة أن نصلّى ؛ واذا كان هو يصلّى دائماً ويسهر طوال الليل بطلبات لا تنقطع ، فكم بالأولى يجب أن نسهر نحن في الليل في صلاة دائمة مستمرة

٣٠- ولكن الرب صلّى وطلب لا لأجل نفسه فلماذا يصلّى من أجل نفسه من كان بلا خطية؟ لكنه صلّى لأجل خطايانا ، كما أعلن هو نفسه عندما قال لبطرس : ” هوذا الشيطان طلبكم لكى يغربلكم كالحنطة ؛ ولكنى طلبت من أجلك لكى لا يفنى ايمانك ” (لو ٢٢: ٣١-٣٢) وبعد ذلك يطلب من الآب لأجل الجميع قائلاً : ” ولست أسأل من أجل هؤلاء فقط ، بل أيضاً من أجل الذين يؤمنون بي بكلامهم ، ليكون الجميع واحداً ” (يو ١٧: ٢٠-٢١) فكم هي عظيمة غنى محبة الله ورحمته من أجل خلاصنا ، فانه لم يكتف فقط بأن يفدينا بدمه بل أيضاً صلّى من أجلنا لننظر الأن ما هي طلبته في الصلاة ، هي أنه كما أن الآب والأبن واحد ، كذلك نثبت نحن أيضاً فى وحدانية كاملة  ومن هذا يمكننا أن نفهم كم هي عظيمة خطية من يصنع انقسام في الوحدة والسلام لأنه لأجل هذه الوحدة قد طلب الرب ، راغباً بالتأكيد أن يحيا شعبه في سلام اذ علم أن الانشقاق لا يؤدى بنا الى ملكوت الله

٣١- فعندما نقف للصلاة ، أيها الاخوة الأحباء ، يجب أن نكون منتبهين وجادين بكل القلب ، ومنكبين على صلواتنا لتذهب عنا كل الأفكار الجسدية والعالمية ، ولا ندع نفوسنا فى هذا الوقت تفكّر فى أى شىء الا فيما نصلّى لأجله فقط لذلك فالكاهن أيضاً قبل أن يصلّى يهيىء أذهان الأخوة بمقدمة ، قائلاً ” ارفعوا قلوبكم ” ، حتى عندما يرد الشعب ب ” هى عند الرب ” يتذكر هو أنه لا ينبغى أن يفكر فى أى شىء الا فى الرب وحده  ليت القلب يكون مُغلقاً أمام العدو ، ومفتوحاً لله وحده ولا ندع عدو الله يقترب منه فى وقت الصلاة لأن كثيراً ما يدخل الينا خلسة ويتسلّل الى الداخل وبمكر شديد يُشتت صلواتنا عن الله ، حتى يكون فى قلبنا شىء وفى كلامنا شىء أخر ، بينما يجب ألاّ تكون الصلاة الى الرب باللسان فقط بل بالروح والذهن أيضاً ، بنية صادقة وخالصة  ولكن كم يكون توانيك ، أن يشتت انباهك وتنسلق بفكرك بعيداً بسبب أفكار حمقاء ودنسة ، بينما أنت تصلًى الى الرب كما لو كان يوجد شىء آخر يجب أن تفكر فيه أكثر أهمية عما تتكلّم به مع الله ؛ كيف تتطلب أن يسمعك الله بينما لا تسمع أنت نفسك ؟ هل تريد أن ينتبه اليك الله عندما تصلّى بينما أنت غير منتبه لنفسك؟ فهذا بالتأكيد معناه أنك غافل تماماً عن العدو، أي أنك تسئ الى عظمة الله عندما تصلّى باستهتار، هذا معناه أنك يقظ بعينيك ولكنك نائماً بقلبك، بينما يجب أن يكون المسيحى مستيقظاً بقلبه مع كونه نائماً بعينيه، كما هو مكتوب بلسان الكنيسة فى نشيد الأناشيد : ” أنا نائمة وقلبى مستيقظ ” (نش٥: ٢) لذلك يحذر الرسول باهتمام وبحرص قائلاً : ” واظبوا على الصلاة ساهرين فيها بالشكر ” (كو ٤: ٢) مُعلمًا ومُظهراً أن الذين يستطيعون نوال طلبتهم من الله هم الذين يراهم الله يقظين في صلاتهم

 ٣٢- بالإضافة الى ذلك ، فهؤلاء الذين يصلّون يجب ألا يتقدموا الى الله بصلوات غير مثمرة  فعندما تقدم صلاة غير مثمرة الى الله ، تكون الطلبة بلا أثر ، فكما أن كل شجرة لا تأتى بثمر تُقطع وتُلقى فى النار ، فكذلك الكلمات التى بلا ثمر لا يمكن أن تستحق أى شىء من الله لأنها خالية من ثمر العمل الصالح لذلك يرشدنا الكتاب المقدس قائلا : ” صالحة الصلاة مع الصوم والصدقة ” (طو١٢: ٨) لأن الله الذى سيجازى فى يوم الدينونة لأجل أعمالنا وعطائنا ، فهو أيضاً الذى فى حياتنا على الأرض يقبل صلاتنا المقترنة بالأعمال الصالحة بحسب مراحمه لذلك فعلى سبيل المثال عندما صلّى كرنيليوس قائد المئة سُمعت طلبته لأنه اعتاد تقديم الصدقات للناس ، مع تقديم الصلاة الدائمة الدائمة لله ، فظهر له ملاك عندما كان يصلّى نحو الساعة التاسعة حاملاً شهادة لأجل أعماله قائلاً : ” يا كرنيليوس ؛ صلواتك وصدقاتك صعدت تذكاراً أمام الله ” ( أع ١٠ : ٣- ٤)

 ٣٣- الصلوات التي تصعد الى الله سريعاً هي التي – بتزكية أعمالنا —  تتقدم بإلحاح الى الله  هكذا أيضاً كان رافائيل شاهداً لصلاة طوبيا الدائمة وأعماله الصالحة المستمرة اذ قال : ” أما أعمال الله فأذاعتها والاعتراف بها كرامة انك حين كنت تصلى بدموع وتدفن الموتى ، وتترك طعامك وتخبأ الموتى في بيتك نهاراً وتدفنهم ليلاً ، كنت أنا أرفع صلاتك الى الرب  واذ كنت مقبولاً أمام الله كان لابد أن تُمتحن بتجربة والآن فان الرب قد أرسلني لأشفيك وأخلص سارة كنتك من الشيطان فأنى أنا رفائيل الملاك أحد السبعة الواقفين أمام الرب ” (طو ١٢: ٧ ، ١٢—١٥)  والرب يذكرنا أيضا من خلال اشعياء ويعلمنا أمور مشابهة قائلا : ” حلّ قيود الشرفكَ عُقد النير واطلاق المسحوقين أحراراً ، وتطع كل نير أليس أن تَكسر للجائع خبزك ، وأن تُدخل المساكين التائهين الى بيتك ؟ اذا رأيت عرياناً أن تكسوه ، وأن لا تتغاضى عن لحمك  حينئذ ينفجر مثل الصبح نورك ، وتنبت صحتك سريعاً ، ويسير برك أمامك ، ومجد الرب يجمع سَاقَتكَ حينئذ تدعو فيُجيب الرب تستغيث فيقول : هانذا ” (اش ٥٨ : ٦—٩) لقد وعد الله بأنه سيكون قريب وسيسمع ويحفظ أولئك الذين بحلّهم قيود الشر من قلوبهم ، وتقدماتهم لأهل بيت الله كوصاياه ، وتنفيذهم لما يأمر الله به ، يُزكون أنفسهم في أن يسمعهم الله  عندما قدم الاخوة لبولس الرسول احتياجاته في عوز ضيقته قال أن الأعمال الصالحة التي تُقدم هي بمثابة ذبائح لله : ” قد امتلأت اذ قبلت من أبفرودتس الأشياء التي من عندكم نسيم رائحة طيبة ذبيحة مقبولة مرضية عند الله ” (في ٤: ١٨) فعندما يشفق أحد على الفقراء فهو يُقرض الرب ، وعندما يعطى أحد الأصاغر يعطى الله  وبذلك يقدم ذبيحة ، رائحة طيبة لله

٣٤- وفى تأدية الصلاة ، نرى أن الثلاث فتية مع دانيال ، لكونهم أقوياء فى ايمانهم ومنصرين رغم سبيهم ، كانوا يلتزمون بصلوات الساعة الثالثة والسادسة والتاسعة ، كمثال لسر الثالوث الذى أظهر فى الأيام الأخيرة  فاذ تتوالى الساعات من الأولى الى الثالثة ، يكتمل رقم الثالوث ، وأيضاً اذ تتوالى الساعات من الرابعة الى السادسة يكتمل ثالوثاً ثانياً ، وعندما يكتمل توالى الساعات من السابعة الى التاسعة ، يكتمل عدد الثالوث الكامل كل ثلاث ساعات ( أى الثالوث ثلاث مرات ) وهكذا استخدم المتعبدون لله منذ زمن بعيد هذه الفترات الزمنية بأسلوب روحى لأجل الصلاة فى أوقات مقننة ومحددة وظهر لاحقاً أن تلك الأسرار كانت هكذا قديماً اذ كان الأبرار قديماً يصلون هكذا فالروح القدس حلّ على التلاميذ فى الساعة الثالثة متمماً نعمة وعد الرب  وفى الساعة السادسة صعد بطرس على السطح حيث جاءه أمر بالرؤيا وبكلام الله يحثه على قبول الجميع الى نعمة الخلاص اذ كان سابقاً فى شك من قبول الأمم فى المعمودية ومن الساعة السادسة الى الساعة التاسعة غسل الرب خطايانا بدمه اذ صُلب ، ثم أكمل انتصاره بآلامه حتى يفدينا ويحيينا

٣٥- ولكن بالنسبة لنا – فى العهد الجديد – أيها الاخوة الأحباء ، فبجانب صلوات السواعى هذه ، فان الأوقات والصلوات المقدسة قد زادت عدداً الآن  فصار لابد من أن نصلى أيضاً فى الصباح لنصنع تذكار قيامة الرب بصلاة باكر  وقد أشار الروح القدس الى هذا مسبقا فى المزامير قائلاً : ” يا ملكى والهى لأنى اليك أصلى يارب بالغداة تسمع صوتى  وبالغداة أوجه صلاتى نحوك وأنتظر ” (مز٥: ٢) ومرة أخرى يتكلم الرب على فم هوشع النبى : ” يبكرون الىّ هلم نرجع الى الرب ” (هو ٥: ١٥و ٦: ١) وبالضرورة يجب أن نصلّى أيضاً فى الغروب ونهاية النهار ، فحيث أن المسيح هو الشمس الحقيقية والنهار الحقيقى ، وحيث أن شمس العالم ونهاره يغيبان ، فعندما نصلّى ونطلب أن يأتينا النور ثانية0 فنحن نصلّى لأجل مجىء المسيح الذى سيعطينا نعمة النور الأبدى  وبالاضافة الى ذلك ، فالروح القدس فى المزامير يُظهر أن المسيح يُدعى ” النهار ” أو ” اليوم ” فيقول : ” الحجر الذى رفضه البناؤون صار رأس الزاوية  من قبل الرب كان هذا وهو عجيب فى أعيننا هذا هو اليوم الذى صنعه الرب  نبتهج ونفرح فيه ” (مز ١١٨: ٢٢—٢٤) وأيضاً يشهد ملاخي النبي بأنه يُدعى ” الشمس ” عندما يقول : ” ولكم أيها المتقون اسمى تُشرق شمس البر والشفاء فى أجنحتها ” (ملا ٤: ٢) ولكن اذا كان فى الكتاب المقدس أن المسيح هو الشمس الحقيقية  واليوم الحقيقى فلا توجد اذن ساعة لا يجب أن يعبد فيها المسيحيون الله دائماً وباستمرار فنحن الذين في المسيح – الذى هو الشمس الحقيقية واليوم الحقيقى – يجب أن نداوم على الطلبات خلال اليوم كله ويجب أن نصلى وعندما – بحسب قانون هذا العالم – تأتى الليالى المتعاقبة التى تتكرر بدورتها المتناوبة ، فان الذين يصلّون لا يغشاهم الظلام ، لأن بنى النور لهم النهار حتى في الليل متى يكون اذن بلا نور ، من كان فى قلبه النور الالهى ؟ أو متى يفتقد الى النهار أو الى الشمس من كان المسيح نهاره وشمسه؟

٣٦- فلا نتوقف اذن عن الصلاة نحن الذين فى المسيح ، أى الذين دائماً فى النور ، حتى فى أثناء الليل  فهكذا حنّة النبية الأرملة التى كانت تصلّى وتسهر دون انقطاع ، وكانت تثابر على ما يليق بالله ، كما هو مكتوب فى الانجيل : ” لا تفارق الهيكل عابدة بأصوام وطلبات ليلاً ونهاراً ” (لو ٢: ٣٧) لينظر الى هذا كل من الأمم الذين لم يستنيروا بعد ، واليهود الذين بقوا فى الظلمة برفضهم للنور ، ليتنا أيها الاخوة الأحباء ، نحن الذين دائماً فى نور الرب ، نحن الذين نتذكر ونتمسك بما ابتدأنا أن نكونه بعد نوال النعمة ليكن لنا الليل كالنهار  لنؤمن أننا دائماً نسير فى النور (١يو ١: ٧) ولا ندع الظلمة التي هربنا أن تعوقنا دعونا ألا نتوقف عن الصلاة فى أى من ساعات الليل ، ولا نضيع أوقات الصلاة فى تكاسل واستهتار بل نحن الذين خُلقنا ووُلدنا من جديد بالروح وبرحمة الله ، لنتمثل بما سنكون عليه في يوم ما حيث أننا في الملكوت سيكون لنا النهار وحده بدون توسط الليل ، لنكن يقظين في الليل كما في النهار وحيث أننا سنصلى ونعطى شكراً لله الى الأبد فلا نتوقف فى هذه الحياة أيضاً عن الصلاة والشكر

المرجع : كتاب مقالات القديس كبريانوس أسقف قرطاجنة الشهيد ( صفحة ٦٧ – ٩٦ ) – ترجمة وإعداد الراهب القمص مرقوريوس الأنبا بيشوي

 

 

 

عظات آباء وخدّام معاصرين

 

قداسة البابا تواضروس

الصلاة النقية:

+ لباس العرس والدخول إلى السماء يتكون من:

أ – ثوب: الصلاة الربانية               تغطى كل أمورنا.

ب – منطقة: صلاة الشكر             تحيط كل حياتنا .

ج – حذاء: مزمور التوبة                يحفظ كل نقاوتنا.

+ الصلاة الربانية تتكون من:

١ – أبانا: أب + أبونا (لجميعنا)

٢) ثلاث طلبات لتمجيد الله:

أ – تقديس الاسم.             ب – إتيان الملكوت              ج- تكميل المشيئة

٣) كما في السماء كذلك على الأرض

٤) ٣ طلبات لحاجات الإنسان:

أ – طلب الخبز           الحاضر

ب – طلب الغفران.       الماضي

ج – طلب المعونة         المستقبل

الصلاة الروحية:

+ الله هو صديق نصف الليل:

صديق: جاء لفداء الإنسان الساقط.

+ ٣ خبزات : مشبع احتياجات الجسد والنفس والروح .

= الإيمان الثالوثى.

= عطايا الله للبشرية: الإيمان + الرجاء + المحبة

+ الباب مغلق: الفهم مغلق

الحجر – الخبز … / قساوة القلب – (المحبة)

الحية – السمكة.. / مجد الإيمان – (الإيمان)

العقرب – البيضة.. / قطع الرجاء – (الرجاء)

+ في الصلاة الربانية نقول:

ليتقدس اسمك    ليأتي ملكوتك      لتكن مشيئتك.[5]

 

 

أيضاً لقداسة البابا تواضروس

 

لو (١١:  ١ – ١٠) كيف تصلى؟

إنجيل الجمعة الأولى في الصوم يبـدأ بسؤال واضـح جـدا، وهـو أن تلاميذ السيد المسيح قالوا له: ” علمنا أن تُصلي “، ولذلك السؤال يكون ” كيف تُصلي؟”. كثير ينظرون إلى الصلاة باعتبارها فعل روحي، وينظرون إليها على أنهـا فـن ” فـن الصلاة “، ولكننـا نـرى أن الصلاة هـي حيـاة ” حياة الصلاة “، وحياة الصلاة ليست حياة لوقت معين ولا في مناسبة معينة ولا في مكان معين، الصلاة حياة يعيشها الإنسان طوال حياته، والسيد المسيح قال وصية: ” ينبغي أن يصلى كل حين ولا يمل ” (لو ۱۸: ۱). وكأن الصلاة مرتبطة بالتنفس ، والصلاة هنا تعني العلاقة التي تربط بينك وبين الله ، وهـذه العلاقـة هـي علاقـة داخليـة فـي القلـب الـداخلي ، وهـي ليست مظهريـة وليست خارجية ، ولكنها علاقة من الداخل ، فصمتك قد يكون صلاة ، وترنيمك صلاة ، وقفتك صلاة ، حتى أننـا نـقـرأ فـي سـفـر النشيد عـن عـروس النشيد ” أنا نائمة وقلبي مستيقظ ” (نش ٥ : ٢) ، القلب المستيقظ للصلاة وكأن نبضات القلب هي تعبير عن نبضات الحب ، حب الإنسان لله ، وحب التواجد في حضرته على الدوام ، يقول داود النبي : ” جعلت الرب أمامي فـي كـل حـين. لأنـه عـن يمينـي فـلا أتزعزع ” (مز ١٦: ٨) ودائماً كلمة اليمين تعني القوة ، لقد جعلت الرب أمامي كل حين من خلال الصلاة ، وهذا ما قال عنـه فـي مزمور آخر: ” أحبك يا رب يا قوتي” (مز ۱۸ : ۱).

أحياناً الإنسان قد ينسى نفسه بمعرفته وعلمه وبمنصبه وهيئته، ولكن داود النبي وقـف بـرغم أنه كان ملكاً عظيماً وقال هذا التعبير: ” أحبـك يـا رب يـا قـوتـي “، وقـوتـي ليست أمـوالي ولا مكاني ولا معرفتي، بـل هـي أنـت يـا رب ، فحياة الإنسان مرتبطة بالله وهذه هي القوة.

لذلك الصلاة تأخـذ شكلا واحـداً، مشـاعرك تكـون صـلاة، ودمـوعـك صـلوات، وسجودك صلاة، وصمتك أيضاً صلاة، حتى أن داود النبي قال : ” من الأعماق صرخت إليك يا رب” (مز  ۱۳۰ : ۱). لا أحد يسمع هذه الصرخة سوى الله، أعماق القلب وأعماق النفس البشرية هي التي تصلي وتخاطب الله، والله يسمع ويستجيب. ولهذا فـي كـل قـداس نسـمـع نـداء مـن الأب الكاهـن فـي صيغة سؤال: ” ايـن هـي قلوبكم؟” فيرد الشعب ويقـول: ” هـي عنـد الـرب “، ليسـت هـي عـلـى الأرض، بـل السماء ، كل إحساسك متجه نحو السماء.

عندما طلب التلاميذ من الرب يسوع أن يعلمهم الصلاة قائلين له : ” علمنا يا رب أن تصلي “، قـد نتساءل هي الصلاة محتاجة تعليم ؟ هـل محتاجـة إرشـاد ؟ هـل محتاجة حكمة ؟ وبالتأكيد هي محتاجـة كـل هـذا ، ولذلك أعطاهم السيد المسيح النموذج المثالي للصلاة وهي التي تسميها ” الصلاة الربانية “، أو أحياناً نُسميها ” صلاة الصلوات “، وقد وضع هذه الصلوات في عبارات قليلة ولكنها واسعة المعاني ، وصارت هذه الصلاة هي الصلاة الرسمية في المسيحية تصليها شرقاً وغرباً ، ويمكن أن تعتبر بمثابة البذرة التي نشأت منها كل صلواتنا ، فكل الصلوات الموجودة سواء الصلوات الفردية أو الجماعية أو الشخصية أو الرسمية كل هذه الصلوات نشأت من هذه البذرة “الصلاة الربانية “.

قصة

تحكي لنا سير القديسين قصة جميلة عن أن أحد الذين كانوا يعيشون في البرية كان لا يعرف من الصلاة سوى ” الصلاة الربانية “، وكان يتلوها كـل يـوم مـرات ومرات ، ولكنه كان يصليها بمشاعره ، وكان عندما يقـف يصلي كان يقـول : ” أبانا الذي فـي السموات ” ثم يصمت كي يعيش هذه الكلمات ، وبتكرار هذا الأمـر مـرات عديدة كان عندما يقف ويقول : ” أبانا الذي في السموات ” يسمع صوت يقول له : ” نعم يا حبيبي “، ثم يقـول لـه : ” ليتقـدس اسمك بأعمالك ، لتكن مشيئتك مرتبطة بمشيئتي ، ليـأت ملكوتك …”، وصارت الصلاة وكأنهـا حـوار وليس كلمات نقولها ، هـي صـلاة قصيرة ولكنها عميقة في المعنى .

في الصلاة الربانية عشر معان متكاملة هي:

( ١ ) فيهـا روح البنوة : ( أبانا ) ومعناهـا إن أنـا ابـن لـك يـا رب ، شعور البنوة شعور مريح للإنسان .

( ٢ ) فيهـا روح الأخـوة ، إن روح الأخـوة تجمعنـا مـع الله الواحـد الأب ، ولذلك تصلي بصيغة الجمع ، وصار هو اللقب ، بعض الكنائس مثل الكنيسة الأثيوبية تنادي الأب البطريرك والأب الأسقف والأب الكاهن بكلمة ” أبونا ” إلى هذا اليوم.

( ٣ ) فيها روح المهابة : أنت تقف أمام الحضرة السماوية ، فالسماء نراهـا بأعيننا ونقول عنها ” مسكن الله الحي في كل مكان “.

( ٤ ) فيها روح القداسـة : ليتقدس اسمـك يـا رب فـي حيـاتي ، أحياناً فـي مسيرة حياة الإنسان قد ينسى اسم الله وينسى تقديس اسمه ، ولذلك نعتبر الحلفان خطية ، فأحيانا يستخدم الإنسـان اسـم اللـه بـلا مـصـداقية. فـي هـذه الوصية ” ليتقدس اسمـك يـا رب “، يتقـدس فـي كلامي ، فنجـد واحـداً فـي كلامـه غامضاً ليتقدس اسمك يـا رب هـو صاحب الحـق هـو الـذي يـرى ويعرف أفعالك وأفكارك ونظرات عينيك، هو الذي يعرف مشاعرك قبل أن تخرج.

(٥ ) فيها روح الاستعداد : ليأت ملكوتك ، الإنسان الذي ينظر لملكوت الله أو ينتظر أن يكون له نصيب في السماء إذا انتهت حياته على الأرض فسوف يكون وجوده في السماء. وليأت ملكوتك تشير إلى الإحساس اليومي بأنك مدعو لهذا الملكوت ، فأنت مدعو لأن يكـون لـك حـيـاة فـي السـماء ونُسميها ” الحياة الجديدة، أو الحياة الآخـرة أو الحياة الأبدية ” .

فـي مـثـل العـذارى الحكيمـات والجـاهلات ، كانـت العـذارى الحكيمـات منتظـرات العريس ، يقـول الكتاب : ” والمستعدات دخلـن معـه إلـى العـرس ” (مـت ٢٥ : ١٠). وهذه ليست معاني جسدية لكنها معان روحية ، وغير المستعدات يسميهن الكتاب المقدس ” بالجاهلات “، وقد ذهبن للعريس بعدما مر الوقت وقرعن على الباب ” يا سيد يا سيد افـتـح لنـا ” (مـت ٢٥ : ١١). فسمعـن صـوتاً يقـول لهـن : ” إنـي مـا أعـرفكن ” (مت ٢٥ : ١٢). هؤلاء ليس لهن نصيب ، لقد أغلق الباب أمامهن ، ولذلك يا إخوتي روح الاستعداد هي : ليأت ملكوتك .

( ٦ )  روح التسليم : لتكن مشيئتك ، الإنسان الذي يعيش حسب مشيئة الله هو الإنسان الذي يرى أن كل شيء يصنعه الله أنه خير، هناك شخص متذمر على كل شيء لا يقبل شيئاً ، دائماً معاند متمرد لا يعجبه أي شيء لا مكان ولا زمان ولا إنسان ولا أي شيء ، وهناك آخـر يعيش حياة الرضا والقبول ، هذه الحياة : لتكن مشيئتك يا رب ، ولذلك القديس بولس الرسول وضعها في عبارة جميلة قائلا : ” كل الأشياء تعمل معاً للخير للذين يحبون الله ” (رو ٨ : ٢٨)، كل الأشياء حتى لو كانت أمامنا ظاهرة أنها ليست خيراً. روح التسليم هي من تقـول وتردد قائلة : ” أنـا فـي يـدك يـا رب ، وأنت تقود أيام حياتي من يوم ليوم ، ومن سنة لسنة ، ومن مسئولية لمسئولية “.

( ٧ ) روح الاتكـال : ” كمـا فـي السـماء كذلك على الأرض “. وهـذه عبـارة مفصلية فقبلها ثلاثة يخصون ربنا ” ليتقدس اسمك ـ ليأت ملكوتك ـ لتكن مشيئتك “، وتعـنـي هـذه العبـارة أنـي أريـد يـا رب أن تكـون الأرض الـتي خلقتهـا مـثـل السـماء ، أريـد أن يكـون بـيـتي مـثـل السـماء ، وتكـون كنيسـتي مـثـل السـماء ، ويكـون وطـني مـثـل السـماء ، أريـد أن تكـون البشرية كلـهـا مـثـل السماء ، وأظـن أن هـذا هـو قـمـة المراد .

مـن صـفات السماء أنها صافية ، لذلك أريد أن تكون الأرض صافية مثل السماء، واسعة مثل السماء، كلها سلام وفرح مثل السماء.

( ٨ )  روح القناعة : خبزنا كفافنا أعطنا اليوم ، هذه تُسمى ” روح القناعة ” والقناعة صورة مـن صـور الـرضـا أو الشبع الداخلي ، والرضا والشـبـع الـداخلي لا يـأتـي أبـداً بـأمـور مادية ، ولكن بقدر ارتباطك ووجودك في الحضرة الإلهية بقدر شبعك ؛ لأن القلب لا يشبع بطعام أو ماديات إنما يشبع باللـه فقـط ، شبع الإنسـان هـو بالله خالقه ، لذلك الوصـيـة تقـول : ” يا ابنـي أعطنـي قلبـك ” (أم ٢٣ : ٢٦)، فقلـب الإنسـان هـو ملك الله فقط ، فلا يراه أحد سوى الله،  فهذا القلب هو خزانة تخص الله بكل ما فيه ، وهذا ما يجعلنا نحفظ الصلاة ونعرف فوائدها ، فالصلاة وقاية لقلبك بدلاً مـن أن يتشوه ، فهي تجعل قلبـك نقياً دائماً وهـذا مـا تصـليه باستمرار: ” قلباً نقياً اخلق في يا الله ، وروحاً مستقيماً جدد في داخلي” (مز ٥١ : ١٠) .

(٩ ) روح المغفرة : ” اغفر لنا ذنوبنا كما نغفـر نحن أيضا للمذنبين إلينا “. الله صاحب المغفرة ولكنه أعطى للإنسان قوة المسامحة، لكن المعادلة الرائعة تقول: ” إنه على قدر ما تسامح الآخر على قدر ما تحصل على غفران الله “، لابد أن تسامح كل أحد إذا وصلت هذه الحقيقة إلى أعماقك فأنت المستفيد الأول. قد أتعجب عندما يحدث خلاف بين اثنين، ويظل هذا الخلاف مدة طويلة، فأنت لا تعرف هذا المعنى البسيط في ” أبانا الذي في السموات “؛ لأنك عندما تسامح مـن أخطأ في حقك فأنت الكسبان لأنك ستحصل على المغفـرة الإلهية، يقـول لنا الكتاب المقدس : ” الجميع أخطأوا وأعوزهم  مجد الله ” (رو ۳ : ۲۳).

من سيرفع الخطية عني؟! هذه هي روح المغفرة التي يسكبها الله عليك.

(١٠) روح الحرص والحذر: ” لا تُدخلنا في تجربة لكن نجنا من الشرير “. نحن نعيش في عالم فيه الخير والشر، وبه ضعفات كثيرة وخطايا متنوعة، فالإنسان عندما يقف أمام الخطايا ماذا يفعل؟ لا بد أن ينتبه لذلك. إننا في رحاب البرية دائماً نتعلم أن الخطية يسبقها الغفلة، والغفلة هي التي تجعل الإنسان ينسى الوصية وتحلي الخطية، لكننـا نـقـف أمـام اللـه ونـقـول لـه: ” لا تدخلنا فـي تجـربـة لـكـن نجنـا مـن الشرير “. لذا ما دمت محصن بروح الصلاة الدائمة لا يستطيع أحد أن يؤذيك مالم توذ نفسك.

هـذه هـي الصلاة الربانيـة وهـي ” صلاة الصلوات “، حيث تُقـدم لـنـا نمـوذجـاً لـروح الصلاة، سـواء روح البنـوة، أو روح الأخـوة أو المهابـة أو القداسـة أو روح الاستعداد أو روح الاتكال على الله أو القناعة أو المغفرة أو الحرص والانتباه، كل هذه المفاهيم تدخل فـي أي صلاة أنت تُقدمها.

قد تعلم أن الصلوات متعددة في الكنيسة، فهناك صلاة مـن كلمة واحدة وهي ” يا رب ارحم “، وصلاة ممكن أن تكون عبارة مثل ” يا رب يسوع المسيح ارحمني أنا الخاطئ “، ويأتي فعل الصلاة ” اللجاجة ” أي الإلحاح على الله، لكن مشكلة الإنسان اليوم أن كل حياته صارت إلكترونية فعاش في عصر السرعة، والحياة الروحية ليست هكذا، فعندما تأتي لتزرع بذرة قد تحتاج شهوراً حتى تنبت ، وهناك نباتات تحتاج سنين ؛ لأن كل شـيء يحتاج وقتاً .

هذا المثل يعلمنا اللجاجة، وهذه اللجاجة هي استمرار الطلبة أمام الله مـن أجـل ما تُريده. قد نسمع عن ” الأم مونيكا ” البارة التي ظلت تصلي ٢٠ سنة بدموع مـن أجـل ابنهـا أوغسطينوس، وقـد أتـت الـدموع بابنهـا ولـيـس هـذا فحسب، بـل صـار القديس أوغسطينوس المعلم والفيلسوف اللاهوتي، وصار أول من كتب اعترافاته، والسبب هي صلوات أمه التي استمرت ٢٠ سنة، وقس على هذا الكثير من النماذج العديدة.

اللجاجة يا أحبائي هي أحد عناصر نجاح الصلاة، والله عندما لا يستجيب إنما يفعـل هـذا لخيرك، لـذا يـقـول: ” اسألوا تعطـوا. اطلبـوا تـجـدوا. اقرعـوا يـفـتـح لـكـم ” (مت ۷: ٧). لا يأتي عليـك يـوم وتيأس أو تشك أو تشعر أن صلواتك لا يسمعها الله، فهو يسمع كل كلمة، فهو يسمع ما لا تسمعه أنت، قد يسمع مشاعرك وأنين قلبك. كلمة ” اسألوا ” قد تكون باللسان وتصلي بـه صـلوات عديدة، أما “اطلبوا” فتكون بلسانك ومشاعر قلبـك أيضاً، أمـا “اقـرعـوا يـفـتـح لـكـم” فتكـون باللسان وبالمشـاعر وبالإرادة الداخلية وكأنك وحدة واحدة تقف أمام الله.

الخلاصة أن الله أعطانا هذه النعمة “نعمة الصلاة”، ونعمة التواجد في الحضرة الإلهية، ونعمة التمتع بالأذن التي تسمع صلواتك، لذلك روح الصلاة مرتبطة أيضاً بفترة الأصوام، صحيح أن الصوم عمل جسدي لكن الصلاة عمل روحي، صحيح أن الصوم عمل لا يقدر عليه كل إنسان مثل الأطفال والمرضى لكن الصلاة عمل يقـوم بـه كل إنسان مهما كان الضعف ، ومهما كانت الكلمات ، فبحسب مشاعر قلبك الله يسمع ويستجيب. الصلاة الربانية هي اللسان الحلو الذي يقدر أن يعيش به الإنسان ويستمد منه روح الصلاة وشكلها ، وحياة الصلاة في كل يوم من أيام حياتك . فليعطنا مسيحنا يا أحبائي أن تكون حياتنا كلها صلاة، كما قال داود النبي : ” أما أنا فصلاة ” (مز ١٠٩ : ٤) ،  ويقول لنا الله ” إني فتشت فوجدت قلب داود حسب قلبي ” (أع ۱۳ : ۲۲) ليفتش الله في وسطنا ويجد القلوب التي حسب قلبه.[6]

 

 

المتنيح الأنبا اثناسيوس مطران بني سويف والبهنسا

موضوع الصلاة: (مت٦: ٩-١٥)

تنقسم الصلاة الربية الى مقدمة وسبع طلبات وخاتمة.

المقدمة: أبانا الذي في السموات ولم يقل ” ابی ” بل “ابانا” | فالصلاة شركة مع الآب والكنيسة: وهو الذي في السموات اي اللاهوت القدوس فلنعلم مع من نتكلم .

الطلبات: وكلها روحية . ولكن ثلاثا منها تختص بتمجيد الله . وأربع بحاجات البشر.

وليست العبادة أساسا طلبات، بل هي تسبيح. ولذا نجد الجزء الأول ” ليتقدس اسمك”وهذا تسبيح أي قدوس أنت يا الله. ولذا نجد الصلوات الكنسية تسبيحات جزء كبير منها ونجد المزامير وصلوات القديسين تسبیحات في غالبيتها . ثم نقول « ليأت ملكوتك » ، و « لتكن مشيئتك ، وفي هذه الثلاثة اجزاء تسبيح وتسليم له فنتقدم بتقديس اسمه وتمجيد ملكوته الى تقديس اسمه فينا وامتلاكه ایانا وسريان كلمته على الأرض كما هي في السماء وعلينا كمطيعين .

والأربع طلبات المختصة بالناس ” خبزنا الجوهري ” أو “خبزنا الآتی ” أو ” كفافنا ” اعطنا الآن ” من يقبل الى فلا يجوع. ومن يؤمن بي فلا يعطش أبدا ” (يو ٦: ٣٥) فخبز الدهر الآتي هو رب المجد ووجودنا معه ” نعلم أنه اذا أظهر نكون مثله (في عالم النور) لأننا سنراه كما هو (نتغذى عليه ) ، (ايو ۳ : ۲ )” فاننا ننظر الآن في مرأة في لغز لكن حينئذ وجها لوجه ” (اکو ۱۳ : ۱۲) فاذا ما طلبنا الخبز الروحي فنحن نطلب نعم السماء وفعل الرب فينا وفي هذا نمو فيه لا ينتهی .

ثم نطلب غفران خطايانا وقد وضع لهذا الغفران شرط أن نغفر للمذنبين الينا، فان لم نغفر القليل الذي لنا لا يغفر لنا الكثير الذي علينا.

ونطلب الا يدخلنا في تجربة، ولكن عدو الخير لابد أن يحاربنا فنطلب أن ينجينا منه اذا ما حاربنا. وهكذا نختم بالتمجيد ” لأن لك الملك والقوة …”.

ولما كان الرب قد قال “كل ما طلبتم من الأب باسمي يعطيكم “(يو ١٦: ٢٣-٢٤) فان الكنيسة توصي أولادها بأن يقولوا بعد هذه الطلبات ” باسم المسيح يسوع ربنا، ثم يختمون ” لأن لك الملك والقوة … إلخ ” ومدى الصلاة الربانية غير متناه : فلا يظنن مؤمن أنه ارتفع عن مستواها لأن القديسين يصلونها ليل نهار ، ولا يصلون الى مدي بركاتها .[7]

 

 

المتنيح القمص تادرس البراموسي

 

أسألوا تعطوا أطلبوا تجدوا أقرعوا يفتح لكم (لو ١١ – ١ ١٣)

نلاحظ في ترتيب الصلاة الربانية التي عملها الرب يسوع لتلاميذه ففي أولها تمجيد لله تبارك أسمه ثم بعد ذلك الطلبات الأخرى. أن تمجيد الله له المجد يضعنا في أطار ذهبى سليم لتطلب منه بعد ذلك احتياجاتنا وكثير ما تتخلل صلواتنا طلبات أكثر منها شكر وتمجيد للرب يسوع الذي يعطى بسخاء ولا يعير. ترتكز هذه الصلاة على ثلاث جوانب مضيئة ومهمة مضمونها. إلحاحنا في الطلب ثم لجاجتنا في الصلاة. استجابة الله لنا، حتى لو تأنى.

كما ضرب لنا مثل قاضى وصديق نصف الليل. وهكذا أن الرب له المجد أحن وأقرب من هؤلاء جميعاً. أن تدبير مؤقت ولا يمكننا أن نخزن عطايا الله. ثم نقطع كل اتصالنا به. كما لا يمكن أن يحدث عندنا اكتفاء ذاتى يغنينا عن الطلب من الله والالتجاء إليه.

فأن كنت تحس بنقص مصادرك الجسدية أو تحس بفراغ روحى . اسأل نفسك كم ظللت بعيداً عن الله مصدر القوت ومصدر القوة ومعطى الخيرات هو الخالق وهو الرازق فلا تيأس، بل التجئ وهو الذي يعطى بسخاء ولا يعير حاسب نفسك كل يوم وكل ساعة. لأن الخطأ والتقصير منك. عندما علم الرب يسوع تلاميذه الصلاة الربانية جعل من الغفران حجر الزاوية. وفى علاقتهم بالله. غفر الرب يسوع خطايانا. فمن ثم يجب علينا أن نغفر نحن أيضاً لكل من يسئ ألينا فأن كنا لا نغفر فهل واضح أننا لم نفهم أننا وكل البشر نحتاج بشدة للغفران فأن لم نغفر خطايا الآخرين فلن يغفر الله لنا.

وقال الوحي الألهى على لسان يوحنا الإنجيلى أن قلنا أننا بلا خطية نضل أنفسنا وليس الحق فينا. لكن إذا اعترفنا بخطايانا فهو يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل اثم وتسهيلاً لتوبة الخطاة قد وضعت الكنيسة سر الاعتراف أي سر التوبة ولكي يقترب الجميع إلى الله وقد أعطى للكهنة السلطان قائلاً من غفرتم لهم خطاياهم غفرت ومن أمسكتموها عليهم أمسكت الإلحاح في الصلاة يصنع الكثير. لتغير قلوبنا وعقولنا فمن المفيد أن نصلى كما لو أن الاستجابة تعتمد على صلاتنا وان كنا واثقين أن الاستجابة تعتمد على الله والالحاح في الصلاة. يعيننا على أدراك عمل الله معنا. أن كل الآباء الأرضيين يعاملون أولادهم معاملة حسنة فكم بالحرى أبونا السماوي الكامل. يعامل أبناءه أفضل معاملة. ويعطيهم الروح القدس الذي هو أعظم عطية يهبها الله للإنسان وكما وعد تلاميذه بحلول الروح القدس عليهم هكذا كان الموعد لنا كما قال يؤئيل النبى الوعد لكم ولأولادكم والذين على بعد

 

العظة الأولى

أ – الصلاة الدائمة. والقلب الخاشع

ب – طلب المعرفة والتمسك بالحسن

ج – الصلاة الربانية وعمقها الروحى

د – الصلاة باسم الأب ووساطة الأبن

هـ- تقديس أسم الرب وطلب الملكوت

و – تقديم المشيئة. وطلب الحقيقة

ذ – لتعيش حياة السمائيين بالثقة واليقين

ح – القناعة. وتكريم الأخرين

ط – نغفر للآخرين ليغفر لنا الرب

ى – احتمال التجارب ومحبة الجميع

ك – انتصارنا على الشر. وحيل الشرير

ل – يهرب الشر ويحل السلام

 

العظة الثانية

أ – الصلاة المستجابة

ب – اللجاجة في الصلاة

ج – الصلاة من قلب نقى خالي من الأحقاد

د – لا تيأس لو تأنى الرب في الأحابة

هـ – رضاء الحب وأسرار البركات

و – الصلاة لطلب الخير وليس للأنتقام

ذ – الصلاة لأجل الأخرين في ضيقاتهم

ح – الصلاة لكى يكون لنا الرجاء في العطاء

ط – الصلاة المرائية. والصلاة الدائمة

ى – الثقة القوية والفرح بالعطية

ك – العشرة مع الله والسعى لجذب الخطاة

ل – طلب الغفران. والتوبة بأيمان

العظة الثالثة

أ – أحتياج الرب للصلاة واحتياجنا نحن

ب – نبعد عن الأفكار ونلتصق بالبار

ج – طلب العلم من منبع الحب

د – الصلاة الربانية وما تحويه من عمق

هـ – الصلاة والطلب بلجاجة واللجوء وقت الحاجة

و – باب السماء مفتوح ومناجاة الروح

ذ – الصلاة والعطاء وشركة السماء

ح – نعطى فنعطى. ويكون لنا الميراث

ط – المحبة القوية ومغفرة الخطية

ى – الأجرة من نفس العمل اغفروا ويغفر لكم

العظة الرابعة

أ – الصلاة الانفرادية والخلوة الروحية

ب – الصلاة والدروس المستفادة

ج – الدرس النافع والطريق إلى التوبة

د. مدى استجابة الرب لصلواتنا

هـ – الباب المفتوح والأذن الصاغية

و – العطايا الجيدة والطلب المستجاب

ذ – كريم العطاء واستجداء الرحمة

ح – العطاء المقبول والعطاء المرفوض

ط – الصلاة العائلية وفائدتها على الأسرة

ى – مذبح العائلة وبركاته الدائمة[8]

 

 

دكتور نصحي عبد الشهيد

الصلاة والروح القدس

الصلاة هي الطريق الأساسي الذى نتهئ به لنوال عمل الروح القدس فينا بقوة . فالرب نفسه وعد أن الآب السماوى ” يعطى الروح القدس للذين يسألونه ” (لو ١١ : ١٣) ، وهو يحثنا على الصلاة كثيراً ” ينبغي أن يُصلى كل حين ولا يُمل ” ( لو ١٨ : ١ ) ” اسألوا تعطوا أطلبوا تجدوا أقرعوا يُفتح لكم ” (لو ١١ : ٩) . ” وأن سألتم شيئاً بأسمى فإني أفعله ” ، وأيضاً ” أطلبوا تأخذوا ليكون فرحكم كاملاً ” (يو ١٤ : ١٤- ١٦ : ٢٤) .

عطش إلى الله :

والصلاة هي العطش الروحي إلى الله الذى يطفئه المسيح بسكب الروح القدس لذلك يقول ” من يشرب من الماء الذى أعطيه أنا لن يعطش إلى الأبد بل الماء الذى أعطيه يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياة ابدية ” (يو ١٤ : ٤) . وأيضاً ” إن عطش أحد فليقبل إلى ويشرب. ومن آمن بى تجرى من بطنه أنهار ماء حي . قال هذا عن الروح الذى كان المؤمنون مزمعين أن يقبلوه ” (يو ٧ : ٣٧- ٣٩) . فالصلاة هي تعبير عن العطش إلى الله وبهذا العطش مع الصلاة بإيمان يجرى في داخلنا ينبوع ماء حى ، بل يقول الرب تجرى من داخلنا ” أنهار ماء حي ” التي هي أنهار الروح القدس المتدفقة من الرب يسوع في مجده على قلوبنا كما يقول القديس أثناسيوس [ حينما نعطش إليه فهو يشبعنا إذ هو الدى وقف في اليوم الأخير من العيد وصرخ ” إن عطش أحد فليقبل إلىّ ويشرب ” . لأن هذا هو الحب الذي للقديسين في كل حين. إنهم لا يكفون عن تقديم ذبيحتهم الدائمة التي يقدمونها للرب بلا انقطاع، ويعطشون دائماً ويطلبون منه أن يشربوا … والرسول يوصينا ” أشكروا في كل شيء صلوا بلا انقطاع ” . فأولئك الذين ينشغلون بالصلاة فإنهم ينتظرون الرب دائماً ويقولون: ” فلنتتبع لنعرف الرب ، سنجده مستعداً كالصبح ، وسيأتي إلينا كالمطر المبكر ، كمطر متأخر يسقى الأرض ” (هو ٦ : ٣) . فهو يشبعهم ليس فقط بوفرة وسخاء حسب كثرة محبته، مانحاً لهم نعمة الروح في كل حين . ويوضّح ما يعطشون إليه بقوله على الفور ” من آمن بي ” لأنه ” كالمياه الباردة لنفس عطشانة ” بحسب الأمثال (ام ٢٥ : ٢٥) . وهكذا فان مجيء الروح لأولئك الذين يؤمنون بالرب هو أفضل من كل انتعاش وابتهاج] .

تقديم أنفسنا ذبيحة دائمة بالصلاة:

وهكذا يعلمنا القديس أثناسيوس أن العطش إلى الله معناه تقديم أنفسنا ذبيحة بالصلاة وأن المسيح يشبع هذا العطش الذي نعبر عنه بالصلاة بأن يمنح روحه بغنى للذين ينتظرون الرب في الصلاة. ويوضح أن ما يعطش إليه المؤمنون بالصلاة هو مجئ الروح الذي يكون بالنسبة إليهم أفضل من كل انتعاش وفرح في العالم. لا شك أن هناك علاقة لا تنفصم بين الصلاة وبين الروح القدس وبالتالي بين الصلاة وبين الروح القدس وبالتالي بين الصلاة والامتلاء بالروح. فالروح القدس في أول مجيئه يوم الخمسين حل على الكنيسة وهى مجتمعة معاً بنفس واحدة ومواظبة على الصلاة والطلبة (أع ١ : ١٤) . ولذلك يقول القديس مقاريوس [من شاء أن يكون مسكناً للمسيح ويمتلئ من الروح القدس … يجب عليه أن يواظب دائماً على الصلاة وينتظر دائماً بإيمان وتوقّع إفتقاد الرب وعونه] . وهو يذكر أهمية المواظبة على الصلاة بإيمان وتوقّع ويؤكد في نفس الوقت مع الصلاة على السعي في طاعة وصايا المسيح وتسليم النفس له.

كل هذه يذكرها معاً كوسائل ضرورية لنوال ملء الروح القدس. ويقول: [فلنتوسل إلى الله ونطلب منه باجتهاد وبإيمان، حتى يهبنا أن نجد في قلوبنا هذا الغنى، أي كنز المسيح الحقيقي بقوة الروح وفاعليته] . ويقول أيضاً: [فلنتوسل إذاً إلى الله بإيمان وبالمحبة والرجاء الكثير، لكى يمنحنا النعمة السماوية، نعمة الروح القدس ، لكى ما يحكمنا ويضبطنا ذلك الروح نفسه أيضاً ، ويقودنا إلى كل إرادة الله وينعشنا ويحيينا بكل أنواع إنعاشه وإحيائه لكى بواسطة عمل الروح هذا وفاعلية النعمة ، والنمو الروحاني نتقدم ، لنحسب أهلاً لإدراك كمال ملء المسيح كما يقول الرسول ” لتمتلئوا بكل ملء المسيح ” (اف ٣ : ١٩) . وأيضاً يقول: ” إلى أن تنتهى جميعنا إلى إنسان كامل إلى قياس قامة ملء المسيح ” (اف ٤ : ١٣) . ولقد وعد الرب كل الذين يؤمنون به ويسألونه بالحق أن يعطيهم أسرار شركة الروح الذى لا ينطق به] .

وهكذا يؤكد القديس مقاريوس كثيراً على ضرورة الصلاة مع الإيمان والمحبة لأجل ملء الروح. وهذا التأكيد على الصلاة لنوال ملء الروح نجده أيضاً عند القديس انطونيوس إذ يقول: [هذا الروح الناري العظيم ، الذى قبلته أنا أقبلوه أنتم أيضاً .

وإذا أرادتم أن تقبلوه لكى يسكن فيكم فقدموا أولاً اتعاب الجسد وتواضع القلب ، وارفعوا أفكاركم إلى السماء في النهار والليل واطلبوا بكل قلبكم هذا الروح الناري القدوس وحينئذ يعطى لكم … ] .

ويقول القديس أنطونيوس أيضا لأولاده مشجعاً إياهم على نوال الروح [ ولا تفكروا في قلوبكم وتكونوا ذوى قلبيين وتقولوا من يستطيع أن يقبل هذا الروح ؟ لا يا أولادى ، لا تدعوا هذه الأفكار أن تدخل إلى عقولكم بل اطلبوا باستقامة قلب وأنتم وأنا أبوكم أجتهد معكم وأطلب لأجلكم لكى تقبلوة … اديموا الطلبة باجتهاد من قلوبكم فإنه سيُعطى لكم ، لأن ذلك الروح يسكن في القلوب المستقيمة … وحينما تنالون هذا الروح ، فإنه يكشف لكم أسرار السماء ، ويطرد منكم كل خوف ، ويغمركم فرح سماوى نهاراً وليلاً ، وهكذا ستصيرون – وأنتم في هذا الجسد – مثل أولئك الذين قد دخلوا إلى الملكوت فعلاً ] .

فالقديس أنطونيوس يلح على الصلاة والطلبة من كل القلب لأجل نوال الروح وقبوله . ومع الصلاة والطلبة باجتهاد يؤكد على تواضع القلب من أجل قبول الروح وهو طبعاً لا يقصد قبول الروح أن أولاده لم يكونوا قد أخذوا الروح القدس في المعمودية ولكنه يقصد نوال ملء الروح وقوته أو تدفق فيض الروح القدس وملئه للإنسان عن طريق الصلاة وتواضع القلب والثقة والإيمان في أن الرب يعطيه لهم.

ونحد في حديث القديس أنطونيوس تحذير من الشك في نوال الروح النارى [لا تفكروا في قلوبكم وتكونوا ذوى قلبين وتقولوا من يستطيع أن يقبل هذا .. لا تدعوا هذه الأفكار أن تدخل عقولكم، بل اطلبوا باستقامة قلب وأنتم تقبلوه] . فلكي يملأنا الروح يلزم أن نصلى كثيراً ونطلبه بإيمان ونثق ان الرب يسكب ملئه علينا وفينا كما وعد.

تواضع القلب  :

وينبغي أن نطلب بتواضع قلب ووداعة لأن الروح القدس لا يستريح مع النفوس المتعالية ” فالله يقاوم المستكبرين وأما المتواضعين فيعطيهم نعمة  ، فتواضعوا تحت يد الله القوية ” (١بط ٥ : ٥ -٦) . ويقول القديس أنطونيوس [ قدموا أولاً تواضع القلب واطلبوا هذا الروح الناري ] . فمنذ القديم أعلن الله بلسان إشعياء النبي أنه يسكن مع المُنسحق والمتواضع الروح : ” لأنه هكذا قال العلى المرتفع ساكن الأبد القدوس اسمه .

في الموضع المرتفع المقدس أسكن ومع المنسحق والمتواضع الروح لأحيي روح المتواضعين ولأحيي قلب المُنسحقين ” (إش ٥٧ : ١٥) . وسكنى الله معنا وفينا معناها حلوله بروحه لنصير هيكلاً له يستريح فيه ، وروح الله لا يستريح إلا في القلب المتواضع البسيط . ومن هنا نفهم لماذا يقول الرب يسوع أن الآب يعلن أسراره السماوية وملكوته ويعطى معرفته للأطفال ويخفيها عن الحكماء والفهماء ، ويقول إن هذه هي مسرة الآب : ” أخفيت هذه عن الحكماء والفهماء وأعلنتها للأطفال نعم أيها الآب لأن هكذا صارت المسرة أمامك ” (لو ١٠ : ٢١) . وكان يقصد بالأطفال تلاميذه . وعلى أساس هذه القاعدة فإن الروح القدس يملأ النفوس البسيطة المتضعة بسهولة ، فإن الأرض المنخفضة تجرى إليها المياه منحدرة بسهولة ، أما الأراضي المرتفعة فلا تستطيع المياه أن تجرى فيها . هذه تحتاج أن تنخفض لتتدفق فيه المياه ، هكذا أيضاً مع أنهار الماء الحى ، أي الروح القدس فهو يتتدفق باستمرار من الرب يسوع بجسده المُمجد ، ولكنه ينجذب بسهولة إلى النفوس البسيطة الصغيرة .

وهذا يؤكد ما سبق أن قلناه في تكريس القلب والحياة للرب عن ضرورة التفرغ من ذواتنا ليملأنا الروح. لذلك لا نستغرب عندما نجد أن الروح القدس يعمل بقوة في نفوس صغيرة وتبدوا في نظرنا ضعيفة بينما لا تظهر قوته فينا نحن الذين نظن أننا أفضل منهم وأقوى وأكثر منهم دراية وعلماً ومعرفة ” اختار الله ضغفاء العالم ليخزى الأقوياء واختار الله جهال العالم ليخزى الحكماء لكى لا يفتخر كل ذي جسد أمامه . حتى كما مكتوب من افتخر فليفتخر بالرب ” (١كو ١: ٢٧ – ٣١) .

فالصلاة هي الوسيلة الطبيعية والجو الطبيعى الذى به وفيه يفيض الروح بملئه . ولكن إن لم نصل بإيمان منتظرين بثقة نوال ملء الروح ، وإن لم نصل بفكر بسيط وقلب متضع فلن يفيض فينا الروح بملئه ، فالصلاة تساعدنا على اكتشاف حاجتنا إلى البساطة والإتضاع وتحطيم كبرياء قلوبنا حتى ننال تواضع القلب بعمل الروح القدس نفسه فينا ، لكى يستطيع الروح بعد ذلك أن يتدفق فينا ويملأنا بدون عائق ، أي يرفع حواجز ذواتنا أولاً لكى يمكنه بعد ذلك أن يملأنا . فالصلاة هي طريق الملء بالروح .

غاية الحياة المسيحية الحقيقية هي إقتناء الروح القدس :

هذا ما يقوله القديس سيرافيم الراهب الروسى في القرن التاسع عشر وذلك في الكتاب الذى أصدره عنه قدس الأب القمص ويصا السريانى ( الأنبا إيساك حالياً ) : [ إن الصلاة والصوم واعمال الخير المقدمة باسم المسيح هي أعمال ممدوحة في حد ذاتها ، ولكنها لا تعتبر هدفاً … إنها وسائل أوبضائع أرضية على الإنسان أن يتاجر فيها ليصنع مكاسب مودعةًفى بنك الروح للتوفير … لاحظ أن أي عمل إن لم نكن نعمله حباً في المسيح ، لا يجلب لنا ثمار الروح القدس ، ولا يكون له أجر في الآخرة ولا نعمة في هذه الحياة …

إن الإنسان الذى يشكو أن أعماله كثيرة ومع ذلك لا يحس بثمار روحية هو إنسان يعمل لحساب ذاته وليس لحساب المسيح . نعم يا صديق الرب إن إقتناء الروح القدس ، روح الله ، الأقنوم الثالث الأقدس ، هو الهدف الحقيقى للحياة المسيحية ، وما الصلاة والصوم والسهر والصدقة وغيرها من الأعمال الصالحة المعمولة حباً في المسيح ، غير وسائل لهذا الهدف … ] .

معنى إقتناء الروح القدس :

[ عندئذ سألت الأب سيرافيم ، بأى معنى تتكلم عن إقتناء الروح … فأجابنى : إن الإقتناء معناه أن تأخذ شيئاً ملكاً لك ، هل تفهم ؟ ألا تقول هكذا عن إقتناء المال ! نفي المعنى بالنسبة لإقتناء الروح القدس ، هل تعلم ماذا تعنى كلمة إقتناء بالمعنى البشرى ؟ الإنسان العادي هدف الحياة عنده هو إقتناء المال او نوال الألقاب أو المكافآت ، أما الإنسان المسيحى فالروح القدس عنده هو رأس مال أبدى يمكن امتلاكه بوسائل مشابهة لوسائل امتلاك المال . ربنا يسوع المسيح كلمة الله يُشبه حياتنا بسوق متاجرة ، ويدعوا الجميع أن يتاجروا إلى أن يجئ ثانية ، مفتدين الوقت. وهذا يعنى اربحوا في زمانكم ودبروا أوقاتكم الثمينة جداً لتقبلوا الإله السماوى تاجروا في البضائع الأرضيه التي هو الأعمال الصالحة المعمولة حباً في المسيح، التي تؤهلنا لنعمة الروح الكلى قدسه الذى بدونه لا خلاص لأى إنسان. لأن كل نفس إنما تحيا بالروح القدس وتتنقى مرتفعة ومتلألئة بالثالوث الواحد بحالة فائقة سرية عجيبة. إن النفوس تصبحومسكناً لروح الله الكلى القدرة ونحن لا نكون أهلاً لسكناه إلا إذا عرفنا كيف يمكننا أن نقتنيه. وهو الذى سبق ويهيئ نفوسنا وأجسادنا لنكون هيكلاً لله الخالق حسب الآيه : ” [ وأسكن فيهم وأكون لهم إلهاً ويكونون لى شعباً ]  . (لا ٢٦ : ١٢) ، (٢ كو ٦ : ١٦) .

 

 

ويواصل الشيخ سيرافيم حديثة:

 

الصلاة وسيلة لإقتناء الروح القدس:

إن كل عمل محبة في المسيح يعطى نعمة الروح القدس ، والصلاة هي أسهل الوسائل وأكثرها فاعلية ويسهل استخدامها في كل آن : فقد تود الذهاب إلى الكنيسة ولكن ليس هناك كنيسة أو أن خدمة القداس تكون قد انتهت ، وقد تود مساعدة فقير ولكنك لا تجد فقيراً في طريقك ، وقد تود أن تبقى طاهراً ولكن بالنظر إلى ضعفك أمام مكايد العدو لم تستطع . أما الصلاة فإنها تصلح كل وقت، وكل إنسان يستطيع أن يقوم بها : الغنى والفقير ، الصحيح والعليل ، الصالح والخاطئ . إن قوة الصلاة عظيمة وهى تعطى نعمة الروح القدس أكثر من شيء . بواسطة الصلاة نستطيع أن نخاطب الرب الصالح والمحيي.. ] .

علينا أن نصلى إلى أن يحل الروح القدس علينا ويعطينا بحسب قياس يعرفه هو، ويملأنا من نعمته السمائية. وإذا زارنا الروح علينا أن نتوقف عن الصلاة ونصمت أمامة لكي تسمع النفس وتفهم رسالته … لماذا نستمر في التوسل إليه قائلين: هلم تفضل وحل فينا.. في حين أنه يكون قد آتى وحل فعلاً؟ افترض إنك دعوتنى لزيارتك في بيتك وأنا قد وصلت إلى البيت، ولكنك تستمر في دعوتى مكرراً لى ” من فضلك تعال ” . سأفكر بلا شك هكذا: لابد أن عقله قد تاه ، إننى هنا ورغم ذلك يستمر في دعوتى ! هكذا عندما يتعطف الروح القدس ليزورنا علينا أن نتوقف عن الصلاة الصوتية. يجب على النفس أن تكون صامتة تماماً لكى تسمع وتفهم رسالته لأن المعزى يكون آنذاك قد أتى وحل فينا ليخلصنا نحن الذين سلمنا له ذواتنا ودعونا اسمه القدوس كى نقتنيه بكل تواضع ومحبة في هياكل نفوسنا الجائعة والمتعطشة لمجيئه] .[9]

 

 

المتنيح الدكتور موريس تواضروس الأستاذ بالكلية الإكليريكية

 

المدلولات الروحية واللاهوتية لما جاء في انجيل القداس

عدد١: ليس لكم أجر عند (Para)أبيكم:

يلاحظ هنا ان الحرف Para(عند)         في وضعه اللغوي (حيث يجئ بعده الاسم – أبيكم – في حالة القابل) لا يشير إلي الله كمصدر أو أصل للمفاجاة, أي لا يقصد هنا أن يتحدث عن الله كمصدر للمكافأة بل يعني الحرف   Para(مع) فالمعني الصحيح للنص هو لن يحفظ لكم الأجر ولن ينتظركم إلي جانب أبيكم أو مع أبيكم.

عدد٢: تصوت قدامك بالبوق (Salpisys) :

لا يبدو أن هذا كان يحدث بصورة علنية فيصوت المتصدق بالبوق أمامه حتي يمجده الناس، لكن يبدو أن هذه الصورة مستوحاة من صورة الأبواق التي كانت عند خزينة المعبد, حيث كان يوجد ثلاثة عشر صندوقاً في لجمع المال, علي شكل أبواق أنظر

(لو٢١: ٢ )(مر١٢: ٤١) .

استوفوا (Apechousin) أجرهم:

يلاحظ هنا أن الحرف apo في بداية الكلام يعني: في صورة كاملة أي أنهم أخذوا (بالكامل) أجرهم، ولم يعد لهم بعد شئ من الأجر لكي ينتظروه. لقد أخذوا كل ما يستحقون.

عدد٧: يكررون الكلام باطلاً ((Battalogysyte :

يعني الفعل: يتمتم. يفأفئ – ثم صار يعني: يثرثر. يتكلم باسراف. يعيد نفس الكلام مرات كثيرة، كما كان الحال بالنسبة لعبدة البعل {1مل 18: 26} وأرطاميس الأفسسيين (أع١٩: ٣٤)

عدد11: كفافنا (eplousion) خبزنا كفافنا:

هذه الكلمة تترجم بصور مختلفة في الصلاة الربانية فالبعض يصلي: خبزنا كفافنا، والبعض الآخر يُصلي: خبزنا الجوهري, وهناك من يصلي: خبزنا الآتي. فما سر هذا التنوع؟

إن كلمة (eplousion)صفة لكلمة (الخبز) arton وهذه الصفة وردت في العهد الجديد مرتين فقط في (مت٦: ١١) – (لو١١: ٣) ويمكن أن ترد هذه الصفة إلي الأصول التالية:

١/ epiousia (epi + ousia) = الجوهري.

وإذا أخذنا بهذا الأعتبار, كان علينا أن نصلي: خبزنا الجوهري.

٢/ مشتقة من الفعل ep-ienai بمعني: التالي – القادم – الآتي.

وإذا أخذنا بهذا الأعتبار, كان علينا أن نصلي خبزنا الآتي .

٣/ مشتقة من الفعل ep-einai = الكافي لليوم الحاضر، أي يكفي من يوم لآخر. والصلاة تتجه هنا إلى الخبز الذي يكفي ليوم ويوصل إلي اليوم الذي يليه.

وإذا أخذنا بهذا الأعتبار, فإننا نصلي: خبزنا كفافنا.

وهذا المفهوم الأخير، يعني أن السيد المسيح, يدعو أن نصلي كل يوم من أجل ما يكفي حاجتنا اليومية. وهذا يتفق مع ما يوصي به السيد المسيح في الأعداد التالية من حديثه، حيث يقول: [فلا تهتموا للغد] (مت٦: ٣٤).

وعند القديس متي، يلاحظ أن كلمة (eplousion) مرتبطة بكلمة (اليوم) في عبارة واحدة، أي أن الصلاة تتجه هنا إلي خبز اليوم، أو الخبز الذي يكفي ليوم.

ويتضح هذا بالأكثر من النص الذي أورده القديس لوقا، حيث يقول: [خبزنا كفافنا، أعطنا كل يوم] (لو١١: ٣).

ويتفق هذا المعني مع ما ورد في سفر الخروج، عن الخبز الذي أعطاه الله من السماء [فيخرج الشعب ويلتقطون حاجة اليوم بيومها] (خر ١٦: ٤).

عدد١٢: ذنوبنا ((Ophellymata            وأغفر لنا ذنوبنا:

تعني الكلمة: ديوننا. فالخطية تصور هنا كدين, والخاطئ (Opheilw) كمدين, كما يبدو من أستعمال الفعل في (مت ١٨: ٢٨-٣٠) .

وعلي ذلك فالكلمة تمثل الخطيئة من ناحية كعمل خاطئ، ومن ناحية أخري كأمر يتطلب إيفاء ما علينا.

نغفر (aphykamen) [كما نغفر نحن أيضاً]:

حرفياً تعني: نُبعد. نصرف النظر عن. نعفو. ويلاحظ أن الفعل هنا ورد في الزمن الماضي، أي أن الترجمة الدقيقة هي: كما غفرنا نحن.

في الصلاة الربانية إذن يفترض, أنه قبل أن نطلب من الله أن يغفر لنا ذنوبنا, يجب أن نكون نحن قد غفرنا لمن أساء إلينا, أي أن المصلي قبل أن يطلب من الله أن يترك ما عليه من دين, يجب أن يكون هو قد ترك للآخرين ما عليهم من دين.

وهذا ما أراد السيد المسيح أن يوضحه في مثل الملك وعبيده فقد سامح الملك عبده الذي كان مديوناً له بعشرة ألاف وزنة, غير أن ذلك العبد كان له واحد من العبيد رفقائه مديوناً له بمائة دينار ولكنه لم يسامحه, بل ألقاه في السجن حتي يوفي الدين [ فلما رأي العبيد رفقاؤه ما كان حزنوا جداً, وأتوا وقصوا علي سيدهم كل ما جري.

فدعاه حينئذ سيده وقال له: أيها العبد الشرير, كل ذلك الدين تركته لك لأنك طلبت لي, أفما كان ينبغي أنك أيضاً ترحم العبد رفيقك كما رحمتك, وغضب سيده وسلمه إلي المعذبين حتي يوفي كل ما كان عليه. فهكذا أبي السماوي يفعل بكم إن لم تتركوا من قلوبكم كل واحد لأخيه زلاته] (مت١٨: ٢٣ -٣٥).

عدد١٣: تجربة ((Peirasmon

لا تدخلنا في تجربة:

من الخطأ أن نحدد هذه الكلمة علي أنها تعني فقط الاغواء للشر. انها تعني التجربة من أي نوع, دون الاشارة إلي كيفيتها الأخلاقية. وهكذا نقرأفي (تك٢٢: ١) أن الله أمتحن ابراهيم. وفي (يو٦: ٦) [قال يسوع لفيلبس من أين نبتاع خبزاً ليأكل كل هؤلاء, وإنما قال هذا ليمتحنه لأنه هو علم ما هو مزمع أن يفعل]. وفي (أع١٦: ٧), فإن بولس وتيموثيوس جربا أن يذهبا إلي بيثينية فلم يدعهما الروح. وفي (٢كو ١٣: ٥), يقول الرسول بولس [جربوا أنفسكم هل أنتم في الايمان]. وهنا علي العموم, فإن هذه المناسبات والمواقف المختلفة يمكن أن تهئ فرصة للخطيئة.

عندما نصلي إلي الله فإننا لا نستطيع أن ندعوه أن لا يجربنا بالشر [لأن الله غير مجرب بالشرور وهو لا يجرب أحداً, ولكن كل واحد يجرب إذا انجذب وأنخدع من شهوته] (يع١: ١٣ – ١٤).

عدد١٤: الزلات (Paraptwmata)

[إن غفرتم للناس زلاتهم].

يستعمل السيد المسيح هنا كلمة أخري عن الخطية. وهناك كلمات أخري أيضاً تدل علي الخطية، فهناك مثلاً كلمة ((amartia التي يستعملها القديس لوقا في الصلاة الربية, وفي نفس الوقت يتحدث عن الخطية كدين (لو١٣: ٤) علي نحو ما فعل القديس متي. وليس هناك من صعوبة في افتراض أن السيد المسيح وهو يتكلم عن الخطايا بوجه عام، فإنه يستعمل اصطلاحات مختلفة تعبر عن الصور المختلفة للعمل الخاطئ أنظر(مت١: ٢١) حيث قيل [يخلص شعبه من خطاياهم].

وأما الكلمة التي نحن بصددها (Paraptwmata) فهي تشتق من الفعل ((Parapiptw وتعني: يسقط- يرتد عن- يزل (أخلاقياً)، يلقي بنفسه جانباً. وعلي ذلك، فهي تحمل معني مرتبطاً بالخطيئة من حيث إنها تدل علي الخروج عن الهدف أو عدم اصابة المرضي. وفي الاستعمال الكلاسيكي، يستعمل الفعل غالباً ليشير إلي السقوط المتعمد، كما هو في حالة أن يلقي الانسان بنفسه علي الأعداء، وهذا هو المعني السائد في لغة الكتاب، حيث يشار إلي الخطيئة كعمل عنيد متصلب ومتعمد, وطائش متهور.

وإليك بعض الأمثلة الكتابية عن هذا المفهوم للخطيئة:

[وخانوا إله ابراهيم وزنوا وراء آلهة شعوب الأرض الذين طردهم الرب من أمامهم]       (١أي ٥: ٢٥).

[فمات شاول بخيانته التي بها خان الرب من أجل كلام الرب الذي لم يحفظه، وأيضاً لأجل طلبه إلي الجان للسؤال. ولم يسأل من الرب، فأماته وحول المملكة إلي داود بن يسي] (أي ١٠: ١٣-١٤).

[ولما تشدد ارتفع قلبه إلى الهلاك وخان الرب الهه و دخل هيكل الرب ليوقد على مذبح البخور. ودخل وراءه عزريا الكاهن ومعه ثمانون من كهنة الرب بني البأس. وقاوموا عزيا الملك وقالوا له ليس لك يا عزيا ان توقد للرب، بل للكهنة بني هرون المقدسين للإيقاد اخرج من المقدس لأنك خنت و ليس لك من كرامة من عند الرب الاله. فحنق عزيا وكان في يده مجمرة للإيقاد وعند حنقه على الكهنة خرج برص في جبهته أمام الكهنة في بيت الرب بجانب مذبح البخور. فالتفت نحوه عزرياهو الكاهن الراس وكل الكهنة و إذا هو ابرص في جبهته فطردوه من هناك حتى انه هو نفسه بادر إلى الخروج لان الرب ضربه] (أي٢٦: ١٦-٢٠).

أنظر أيضاً: (أخبار الأيام الثاني ٢٩: ٦) – (حزقيال ١٤: ١٣, ١٨: ٢٦).

وعلي ذلك، فالخطية لا تتضمن عذراً أو مبرراً. انها انتهاك أو تدنيس أو أعتداء واعٍ متعمد علي الحق. انها تتضمن اذن الاثم أو الشعور بالاثم, ولذلك فإنها تذكر في العهد الجديد مرتبطة بالحاجة إلي الغفران والعفو, كما يبدو من الآيات التالية :

[الذي أُسلم من أجل خطايانا وأقيم لأجل تبريرنا] (رو٤: ٢٥)

[وليس كما بواحد قد أخطأ هكذا العطية لأن الحكم من واحد للدينونة وأما الهبة فمن جري خطايا كثيرة للتبرير] (رو٥: ١٦).

[ونحن أموات بالخطايا أحياناً مع المسيح. بالنعمة أنتم مخلصون] (أف٢: ٥)

[وإذا كنتم أمواتاً في الخطايا… أحياكم معه مسامحاً لكم بجميع الخطايا] (كو٢: ١٣) وتختلف كلمة ((Paraptwma التي نحن بصدد شرحها عن كلمة ((Parabasis التي تعني المخالفة الموضوعية والتجاوز والانتهاك للناموس، بينما أن كلمة ((Paraptwma تتضمن معني الخطيئة من حيث تأثيرها علي الفاعل، ولذلك فهي تذكر مرتبطة بالعبارات التي تشير إلي نتائج الخطية وإلي العلاج منها, كما يبدو من الآيات التالية :

[ولكن لَيس كَالخطِية هكَذا أَيضًا الهبةُ. لأَنه إن كَان بخطية وَاحدٍ مات الكَثيرون، فبالأَولَى كَثيرًا نعمة الله، والعطِية بالنعمة الَتي بالإنسان الواحد يسوعَ المسيح، قد ازدادت للكَثيرين] (رو٥: ١٥) أنظر أيضاً (رو٥: ١٧)

عدد١٦: ومتي صمتم (Nysteuyte):

يُستعمل هذا الفعل في زمن المضارع، أي أن السيد المسيح يتحدث عن الصوم كعمل يمارس في الوقت الحاضر ويتقدم ويتصاعد مع الزمن، فكأنه يقول: عندما تصومون الآن أو فيما بعد.

عابسين (Skuthrwpei)                              [ ومتي صمتم فلا تكونوا عابسين ]

أي ذات ملامح حزينة كئيبة تعبر عن الألم أو الأستياء أو عدم السرور. ولم تستعمل هذه الكلمة في العهد الجديد إلا مرتين: في هذا الموضع: وكذلك في الانجيل للقديس لوقا حيث صار حديث عن تلميذي عمواس، وقد كانا يسيران ويتطارحان الكلام وهما عابسين بسبب الأحداث التي تمت مع يسوع الناصري [كيف أسلمه رؤساء الكهنة لقضاء الموت وصلبوه…] (لو٢٤: ١٣-٢١). وفي الاستعمال الكلاسيكي كانت تعني: متجهم الوجه- نكد..

يغيرون ((Aphanizousin وجوههم:

إن الفكرة الأساسية هنا، يحجب أو يخفي الوجه أكثر من أن يغيره. ويبدو هذا من المقابلة في نفس الآية بين هذه الكلمة، والكلمة المضادة لها وهي: يظهروا (Phanwsin) أي أن المعني في هذه الآية أنهم يخفون وجههم الحقيقي لكي يظهروا بوجه مقنع مزيف بقصد خداع الناس. لقد قصد السيد المسيح بكلامه أن يشير إلى المظاهر التي ترتبط عادة بالصوم مثل عدم غسل الوجه وعدم دهن الرأس. ولذلك كانت وصية السيد المسيح للصائمين [أدهن رأسك وأغسل وجهك لكي لا تظهر للناس صائماً بل لأبيك الذي في الخفاء، وأبوك الذي يري في الخفاء يجازيك علانية] (مت٦: ١٧-١٨)[10]

 

 

 الأب القمص يوسف حنا جاد – كنيسة الشهيد أبي سيفين بالمهندسين

كتاب وكيل الظلم ( صفحة ١٠ – ٤٧) –

في مثل وكيل الظلم هناك ٣ شخصيات:

١- صاحب الوكالة

٢- الوكيل

٣- المـديـونـيـن

١-صاحب الوكالة: هو الآب الخالق الذي هو المصدر الـوحـيـد للحياة لكل الخليفة التي نراها والتي لا نراهـا وهـو له مطلق الـحـريـة في أن يذل من يشاء ويرفع من يشاء كما شهد بذلك نبوخذنصر في سفر دانيال ـ أما المـديـونـون فهم الخليقة ـ ولعل تاج الخليقة هو ادم وكل ذريته.. فهم المدينون والمحكوم عليهم بالموت لأنهم اكلوا من الشجرة المنهى عنها بكامل ارادتهم وحريتهم ـ لذلك اسـتـحـقـوا الـمـوت بـكـافـة اشـكـالـه وانـواعـه.. ولـكـن هناك اشـكـال وهـو أن صاحب الـوكـالـة يحب مديونية محبة كاملة عميقة واحبهم إلى المنتهى برغم رداءتهم. «اذ هكذا احب الله العالم» فماذا يعمل صاحب الوكالة؟ لقد قرر أن يبذل ابنه الحبيب لكي لا يهلك كل من يؤمن به تـكـون لـه الحياة الابدية ـ فمن هو ابنه الحبيب.

٢- الوكيل: الابن أي حلقة الاتصال بين صاحب الوكالة (الآب) والمديونين (الخليقة) جاء يعلم ويرشد ويهدى ويكمل الناموس ولكن العالم (الشرير) وشى به أنه كاسر للسبت ويريد أن يمنع الجزية عن الدولة ورغم أنه مولود بلا خطية ـ وشهد لنفسه بقوله من منكم يبكتنى على خطية إلا أنهم حـكـمـوا أصلبه أصلبه أصلبه.. ونجحت الوشاية في القضاء على هذا الوكيل وصدر الحكم بصلبه. لقد قام مـلـوك الأرض وتأمـر الـرؤسـاء مـعـاً عـلـى الـرب وعـلـى مسيحه ـ ومع كل الوشايات التي قدمت ضد هذا الـوكـيـل إلا أنه على الصليب غـفـر لـلـواشـيـن بـه ولجميع المديـونـيـن (حمل الدين عنهم) وارتضى أن يـصـيـر لـعـنـة لأنه علق على خشبة مع إنه البار ـ وأرتضى أن يكون المهان والمجروح لأجل اثامنا – رغم أنه بلا خطية وبار.

أحبائي هناك من يرى في المسيح أنه كـاسـر السبت ـ وأنه ببعلزبول رئيس الشياطين يخرج الشيطان ـ ولـكـن مـاذا تـرى فيه أنت !

انه سـدد الـديـون عنا. رفع عقاب خطايانا وصرنـا ابرياء. وبـدمـه ننجو من قبضة الجحيم. وبالايمان به تكتب لنا الحياة الأبدية ونغلب العالم. هل يمكن أن يكون السيد المسيح ، هو الوكيل في هذا المثل ، هو الله في صورة انسان جاء إلينا على الأرض (الظلمة) وعاش في عالم الظلمة (هذه ساعتكم وسلطان الظلمة) وشـابـهـنـا فـي كـل شـئ مـاعـدا الخطية.

ورغم انه الله القدوس إلا أنه ارتضى بالاهانة وصار لعنة لأجلنا لأنـه مـلـعـون كـل مـن يـعـلـق عـلـى خـشـبة. وكـان يـجـول يـصـنع خيراً في شعبه واعظاً اياهم أنهم غرباء عن هذا العالم (المظلم) وأنهم نور للعالم وانهم ملح الأرض ويؤكد هذا المعنى بولس الرسـول بـقـولـه اننا شعب الله سفراء له على الأرض كأن الله يعظ بنا ، وأننا نحيا في العالم كشهود عليه ليوم الدينونة وفي مجئ السيد المسيح عاش حياتنا بالكامل ودعانا تمثلوا بي ودعانا إلى حمل الصليب وقبول الضيقة التي لأجل اسمه طـوبـي لـكـم اذا طردوكـم وعـيـروكـم ـ وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم.

عاش في دروب الظلام والظلمة وقال أن رئيس هذا العالم يأتي وليس له فـي شيء لأنه كـان بـارا برا مطلقا فمن منكم يبكتنى على خطية حتى الخطية الجدية التي نتوارثها ومع انه البار إلا أنهم أي رؤساء الشعب وشـوا بـه ـ وقـالـوا أنـه مـسـتـحـق لـلـمـوت وقـد تـحـقـق لـهـم مـا ارادوه وهـكـذا تـحـقـقـت اردة الآب وهـي! هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كـل مـن يـؤمن به. فمدح السيد (الآب) وكيل الظلم (الابن) اذ بحكمة فعل لأن الآب سـر بأن يـسـحـقـه. الأبن هنا صار مجروحاً لأجل احبائه ومسحوق لأجل اثام (مدیونی سيده)..

أحبائي طالما أن السيد المسيح تجسد أي نزل إلى الأرض (عالم الظلمة) ـ وطالما أن له رسالة على الأرض فهـو وكيل في أرض الظلمة.

أحبائي هل تدرك الان الكنز المخفي في هذا المثل ـ وان كان التصديق صعب.. فهناك أيضاً من لا يصدق ويتساءل كيف يصير الاله انسان (بالتجسد) ان الله الاب سر بان يسحق (الابن) ابن محبته لكي يعتق البشرية من الموت الحقيقي وهو يؤكد بقوله لذاتي في بنی آدم ـ وان حرركم الابن من ديونكم نحو الاب السماوي فبالحقيقة تصيرون احرار.

٩- لحجة الاتهامات الزور (وشاية) التي قدمت في حق السيد المسيح وهو في ثياب (وكيل الظلم)

(يو ١٨: ٣٠) . خير ان يموت انسان ولا تهلك الامه كلها (يو ١١: ٥٠). لو لم يكـن فـاعـل شـر لـمـا كـنـا سلمناه لك

١-أنه مسـتـوجـب الـمـوت لانه قـد جـدف مـت (مت ٢٦: ٦٦ )

٢- انقض هذا الهيكل وفي ثلاثة ايام ابنيه (مر ١٤ : ٦٠)

٣- يفسد الامه ويمنع ان تعطى الـجـزيـة لـقـيـصـر (٢٣ : ٢)

٤-هناك من قالوا انه يـضـل الـشـعـب (يو٧ : ١٢)

٥- انه سامری وبه شيطان (يو ٨ : ٤٨)

٦- هذا الانسان ليس من الله لانه لا يحفظ السبت (يو ٩ : ١٥)

٧- نحن نعلم أن هذا الانسان خاطئ  (يو ٩ : ٢٤)

٨- خير أن يموت الأنسان ولا يهلك الأمه كلها (يو ١١ : ٥٠)

٩- لو لم يكن فاعل شر لما كنا سلمناه لك (يو ١٨ : ٣٠)

يـقـول الكتاب يشـبه مـلـكـوت الـسـمـوات كنزاً مـخـفـى فـي حـقـل – وهـا نـحـن نـكـشـف عـن الـكـنـز الـمـخـفـى في هذا المثل. فليـس كـل الـحـقـل كـنـزا بـل الـكـنـز يـحـتـل مـقـدار مـحـدد فقط في الحقل.

لكن هذا المثل يؤكد أن الحياة الأرضية هي أرض ظلمة وهي ليست دائمة بل مؤقته وطوبى لمن يفكر في مستقبله الأبدى بعد هذه الحياة الأرضية ولعـل الـرحـمة والعمل الصالح هما خير استثمار في هذه الحياة… فمن يـفـكـر ويـخـطـط ويقتنى ويكنز سيضئ مصباحه في اليوم الأخير أما يتغافل ويتناسى ولا يهتم ويرددها أنا ماض إلى الموت فلماذا لى بكورية فلا أبدية سعيدة له.

احبائي يعلنها بولس الرسـول صـراحـة ـ اذ لسنا بعد ابناء الظلمة بل نحن ابناء النور – فالظلام هو العالم وأهل الظلمة هم أهل العالم ـ ولذلك ففي بدء الخليقة قال الله لـيـكـن نـور ـ فـكـان نـور ـ لـقـد احـب الناس (اهل العالم) الظلمة اكثر من النور لان اعمالهم كانت شـريـره.

وانـت يـاعـزيـزى ماذا تحب وكـيـف تريد أن تسلك؟ أنت لك الحرية ان سلكت كأهل العالم – وعشت للعالم ـ وقلت ها أنا ماض إلى الموت فلماذا لى بكورية فسيحترمك العالم – لـكـن سـتـحـذف اسمك مـن سـفـر الحياة كهيرودس وبيلاطس.

ما سلكت بمفاهيم السماء وابناء النور واقتنيت الحياة الابدية ـ فستنال اكليل الحياة الذي اعده الله للذين يحبونه حسب تعبك وجهادك. حدد هدفك من على الارض وابديتك واعلم ان الارض بكل ما فيها ستنحل وسـتـحـتـرق ـ وكـل ما في الارض باطل ـ وتأكد ياعزيزي أن وكالتك (رسالتك) في الحياة سوف تنتهى سواء شئت أم لم تشاء وستقف امام الله يوماً ما تعطى حساب الوكالة ـ ليس هناك اعذار.. فأنت بلا عذر ايها الانسان.. وليس هناك محاباة ـ لكن البشر نوعان فهناك فريق يفهم ما يقوله الله للكنائس فيتوب ـ وهناك فـريـق بلا عقل لا يفهم للتوبة معنى ـ وكما قال (المزمور ٤٩: ٢٠) انسان لايفهم يشبه البهائم التي تباد فيحكم على نفسه بالزوال.

* وبعـد نـداء .. احـتـرسـوا مـن الـواشـون فـمـن هـم الـواشـون؟.. فـالـواشـي الاكبر هو الشيطان الذي يريد أن يشتكى على مختارى الله.

* الـواشـى قـد يـكـون رؤساء الشعب على السيد المسيح.

* الـواشـى قـد يـكـون الأخ الأكبر في مثل الابن الضال.

* الـواشـى قـد يـكـون يهوذا ضد المرأة ساكبة الطيب.

*  الـواشـى قـد يـكـون سمعان الابرص الذي يدين المسيح ( لو كان هذا نبياً ويدين الخاطئه أيضاً ..

فـالـوشـايـة قـد تـكـون مـن (الـخـارجـيـن عـلـى الايمان) وقـد تـكـون مـن حراس الـشـريـعـة ـ بـل وقـد تـكـون مـن أهل البيت اذ يقول السيد المسيح جرحـت فـي بيـت احبائي. وقـد يـكـون الـواشـون اصحاب الساعة الاولى ضد اصحاب الساعة الحادية عشر. عـزيـزى إحـذر لئلا تـكـون أنـت أحـد الـواشـيين على الوكلاء ـ فلا تـديـنـوا لـكـي لا تـدانـوا ولا تشـوا بـأحـد لئلا يحكم عليكم..

عزيزي يامن تعيش في عصر الظلمة ـ وزمـن الـعـولمـة ـ وهـو سـمـات كـل عـصـر ـ لا تهتم كثيراً بـكـلام الناس.. ولا تسعى لأن يمدحوك لأن الناس سـريـعـو التغير والـتـحـول فـالـذيـن صـرخـوا أحد السعف أوصنا لابن داود اوصنا في الاعالي ـ هذا هو ملك اسرائيل. هم بذاتهم وبذات اللسان ـ قـالـوا يـوم الجمعة اصلبه اصلبه دمه علينا وعلى اولادنا ـ وليس لنا ملك إلا قيصر.

ولذلك طـوب الكتاب الانسان الذي يـكـون مـدحـه مـن الله ـ ولـيـس من الناس. وبعـد يـاعـزيـزي في تفسير هذا المثل وكيل الظلم (لو ١٦) لابد ان تدرك هذه الامور وتضعها في حساباتك.

١)ان المثل شئ والـواقـع شـئ اخـر اذ ان الـعـالـم بـكـل مـا فـيـه مـن قارات وبحـار يـمـكـن أن يوضع فـي لـوحـة  ٢م في ١ام في حجرة الجغرافيا بالمدارس. فالصورة شئ والأصل شئ ولكن هناك مقياس رسم قد يكون اسم: الاف الكيلومترات.

٢) مـديـونـي السيد (صاحب الوكالة) هم اخـوتـه وهـم مـديـنـون له شخصياً وليس مدينون للوكيل (شخصياً) والوكيل ما هو إلا حلقة الاتصال بين السيد (الذي لا يرى) ـ والـمـديـونـيـن البائسي الحال قاطنى الأرض.

٣) الوكيل بين فكي رحى الاول اذ هكذا احب الله العالم – والحجر الثاني هو الديون الثقيلة على (الخليقة) ادم وكل ذريته وعدم قدرتهم على الـوفـاء بـديـونـهـم ـ وكـان ان (بذل) ابنه الـوحـيـد (الوكيل) اذ بذل سمعته وكرامته (ابی اعظم منی) بل وبذل مشيئته (لـتـكـن لا مشيئتي بل مشيئتك) ـ والكأس التي اعطاني الآب الا اشربها وان كنا نقول ان المثل شئ والواقع شئ فالمثل عن انسان (مـحـدود فـي وكـالـتـه) ـ وتنتهى وكالته (حياته) بالمـوت الـجـسـدى ـ أما السيد المسيح فهو الغير محدود في وكالته وهو الديان وهو وحده الذي له ان يمحو صك خطايانا. ووكالته لن تنتهى لأنه الله في صورة انسان (عظيـم هـو سـر الـتـقـوى الله ظهر في الـجـسـد).

أحبائي لقد كان اسحق ابن ابراهيم رمزاً للسيد المسيح في طاعته لأبيه. وكما حمل اسحق حطب المحرقة هكذا المسيح حمل خشبة الصليب. وكـمـا رجـع اسـحـق حـيـاً هـكـذا المسيح قام من بين الاموات . لـقـد كـان اسـحـق مثلاً للسيد المسيح في طاعته لأبيه وحمله حطب المحرقة ورجـوعـه حياً من بعد موته (بالنيه) بيد ابيه ابراهيم .

حقاً ـ ان المثل شئ ولـكـن مـا يشير إليه المثل شئ اخـر..

۱۰- تعليـق

طـول عـمـرنـا نعتبر ان هذا وكيل الظلم انسان (شـريـر) ـ لذلك صعب أن نصدق أو نلقى بظل هذا المثل على شخص السيد ـ ولـلامـانـه تـقـول أن السيد المسيح شـابهـنـا فـي كـل شـئ مـاعـدا الخطية ولان هذا المثل (وكـيـل الظلم) يـنـطـبـق عـلـى كـل الـبـشـر وينطبق على كل انسان حي ولـه وكالة في عالم الظلمة اذن فمن هذا المنطلق ـ فهذا المثل ينطبق على شخص السيد المسيح الذي شابهنا فـي كـل شـئ ماعدا الخطية – وحـدها – فعلى كل انسان أن يغفر للآخرين بقدر وكالته ووزناته أما السيد المسيح فغفرانه بلا حدود وهذا الوكيل كانت سلطانه لا تتعدى غـفـران أكـثـر مـن ٢٠٪ ـ أما المسيح فـغـفـرانـه بلا حدود ۱۰۰٪ .

وكما ان الوكيل كانت حياته (وكالته) محدوده بقدر سنی حياته ـ أما السيد المسيح فهو ابدى ازلی دائم سلطانه بلا حدود ولو كان هذا المثل لا ينطبق على شخص السيد المسيح لكان الوحي الالهي سجل هذا الموقف بقوله أن السيد المسيح شابهنا في كل شئ ماعدا الخطية ومثل وكيل الظلم.

نعم ان الوكيل خفض الديون للذين احبوه فقط وبالطبع لم يخفض للذين وشوا به لأن الانسان محدود في محبته للاخرين.. نعم لقد سامح يوسف الصديق زوجة فوطيفار واخوته الذين باعوه. ونعم لقد سامح داود شاولا ولم يقتله بقولـه كـيف آمـد يـدى إلى مسيح الرب. ولكن ليس كل الوكلاء في عالم الظلمة في درجة روحية كيوسف الصديق وداود النبي أما السيد المسيح الله الذي في صورة انسان فانه احب خليقته كلها منذ آدم إلى آخر الـدهـور ولـذا اعـطـاهـا غـفـران كاملا ودائما لمـن يـؤمـن بـه١٠٠ ٪ free

وربما يتساءل البعض هل وكيل الظلم انسـان شـريـر سـئ ـ ام انه بار مظلوم؟ وللاجابـة نـقـول نـحـن البـشـر مـحـدودي الفهم ظلمناه اما فاحص القلوب فمدحه ـ بأنه حكيم.. والحكيم هو الذي يحمى نفسه واسرته من المخاطر ـ وهذا امر منطقي وطبيعي.. وحكمته تظهر لأنه فكر في مستقبله الابدى بعد أن تنتهى حياته بالجسد.. ولو كان هذا الوكيـل شـريـرا خبيثاً لكان السيد المسيح اعطاه الويلات كما اعطاها للكتبة والـفـريـسـيـن الـمـرأوون – ولو كان هذا الوكيل غير اميناً في وكالته لكان قد مزق الـصـكـوك وقـال فـي نـفـسـه اهـی خـربـانـه خـربـانـه.. ولو كان هذا الوكيل غير اميناً في وكالته أو خائناً لسيده . لـكـان الـوحـى الالـهـي قـد لـقـبـه.. كـمـا لـقـب يـهـوذا بأنه كان سارقاً للصندوق وكان يأخذ كل ما يلقى به بل وأكثر من هذا فان يهوذا لـم يـكـن سـارقاً للصندوق فـقـط بـل وخائناً لسيده ـ الامر الذي جعله يبيع سيده بثلاثين من الفضة ونؤكـدهـا فـنـقـول

يا أحبائي ـ نـحـن امام مثل والمثل شئ والتأمل فيه شئ اخر فان كانت اصابع اليد الواحده تختلف فيها البصمات من اصبع لاخر فبلاشك ان المثل شئ والواقع شئ آخر ونحن لا ندعى المعرفة لكن نريد أن نزيح بعض الظلم الذي وقع على كاهل هذا الوكيل منذ زمان بعيد بسبب ضعف بصيرتنا الروحية ـ فيا ترى هل افلحنا أو نجحنا أم أن النظرة السطحية ستظل هي المسيطرة على مـسـتـقـبـل هـذا الـوكـيـل والموشى به من اصحاب المصالح المختلفة عندئذ نـكـون اشبه بأولئك الذين الـصـقـوا تهمة بـواحـد ـ فلما ثبتت براءته بذاته عز عليهم رفع التهمة عنه وهـذا هـو حـال الـدنيا.

لذلك سألت وكيل الظلم «المظلوم» حدثني لماذا تمثال العدالة دائماً يرسم على شكل إمرأة معصوبة العينين؟. فأجاب في البلاد التي يحكمها قانون (النور) تـكـون العـدالة معصوبة العينين لتحكم بالحق فلا ترى إلا الحق ـ الحق وحـده ـ دون النظر إلى الشخصيات أو الـخـواطـر أو المحسوبيات ـ التي تحكم لهم.. أما في البلاد التي يحكمها قانون (الظلمة) تكون العدالة معصوبة العينين لكي لا ترى الـحـق ـ فيظل الظالم ظالماً إلى أن تنتهى وكالته ويظل المظلوم مظلوماً إلى ان تنتهى وكالته وعندما يلتقيان الظالم والمظلوم امام العدل الالهى ـ عندئذ ينطـق العـدل الالهي بالحكم النهائي ـ فـيـقـول مات الظالم ودفن.. ومات المظلوم وحملته الملائكة إلى احضان ابونا ابراهيم.. وعجبي.

وجـاء نـا الان تعليق على التعليق السابق

قد يكون السيد المسيح لقب المثل بوكيل الظلم ربما لان الـواشـون ظـلـمـوه هـو دون ذنب جناه ـ الم يقـل الـوحـى الالهى عن السيد المسيح انه ظلم واما هو فلم يفتح فاه وان الذي بلا خطية صار لـعـنـة لاجلنا لانه مـلـعـون كـل مـن يـعـلـق عـلـى خـشـبة وايـضـاً جـرحـت فـي بيـت احبائى.. واللا ايه وكيل الظلم – مثل حي في حياتنا في المدرسة اثناء الامتحانات هناك لجان رأفة الهدف منها تنظر إلى الـراسـبـيـن خـصـوصـاً فـي ثلاث مـواد ـ لـكـى تـرفـع الـراسـب فـي احـدى هـذه الـمـواد ويـنـجـح بـتـعـويـض مـادتيـن ولا يـرسـب ويضيع عليه العام كله.

في المستشفيات والـلـوكـانـدات هناك فواتير تصل إلى الحسابات مكتوبة عليها Free ذلك لانها انفقت على اناس يـهـمـوا صاحب المنشأة ـ أو يـقـومـون بعمل تسهيلات ما وتختلف السلطة التي توقع على المستند حسب قيمته ومـديـونـي السيد هم اخوته. فهناك سلطة للوكيل بأن يصنع تخفيض نسبه ما وهناك وكيل أعلى بسلطة اعلى و Free اكـثـر فـوكـيـل الظلم كانت سلطاته ان الـ ١٠٠ تصبح ٨٠ والـ ٨٠ تصبح ۵۰.

أما السيد المسيح (الديان) فسلطته ان يمنح الـ Free لصاحب الدين ۵۰۰ دينار والاخر ۵۰ دينار اذ لم يكن لهما ما يوفيان فسامحهما أي اعطاهما Freeوان حرركم الابن بالحقيقة تصيرون احرار كما في حادثة سمعان الفريسي والمرأة الخاطئة.

ما معنى غفران الخطية..

معناها أنك انسان خاطئ بطبيعتك (بالخطية ولدتني امي) ـ وأنك مـديـون ـ ولا تستطيع ان تسدد الديون عنك ـ وان ثمن الخطية هـو الـمـوت ـ موتاً تـمـوت ـ ولأنك انسان عريان لاتملك شئ ـ لذلك كان التدبير الالهي ـ ان الله الذي خلقك بدون ارادتك وهب لك الخلاص مجاناً بشروط معينه ـ هو أن تحبه محبة كاملة من كل القلب دون غيره وتؤمن بابنه وان تلتزم بـوصـايـاه فـتـحـب الاخـريـن وتـغـفـر لـهـم بـل وتغسل اقدامهم ـ فمن يقبل اليه بهذه الشروط فهو مستعد ان يحمل الدين عنك.. ويعطيك شيكاً إلهياً مكتوباً بدمه لسداد كـافـة ديونك وديون كـل مـن يـؤمـن بـه ـ فـمـن يـقـبـل إلى لا اطرده خارجاً ـ أما الذين لا يلتزمون بالوصية والذين لا يؤمنون بهذا الوكيل وظهور الله الجسد ـ بل ويتنكرون له ـ فـديـونهم باقيه ـ ولن يروا الأبدية السعيدة ـ إلا بعـد مـا يـوفـون الـفـلـس الاخيـر ولـن يـوفـونـه طالما سيظلوا متمسكين بوشاياتهم نحو هذا الوكيل – فـمـن يـجـدف على الابن ثم يتوب يـغـفـر لـه أما من سيظل على تـجـديـفـه حـتـى الـمـوت بـدون تـوبـة ـ فـلـن يـغـفـر لـه لا فـي هـذا الـدهر ولا الاتى ـ كشاول الـطـرسـوسـى الذي كان مجدفا على الابن ـ ثم تاب فـصـار بـولـس الـرسـول الـكـارز العظيم وصاحب اكليل البر في ملكوت الله. وقبل ان ننتهـى مـن حـوارنا مع وكيل الظلم الذي هو حكيم في نظر الله سألناه ثلاث اسئلة :

١- من هو الحكيم؟

فقال هو الذي يراعي ضميره في مصلحته الخاصة واسرته ووطنه وعلاقته بالله ـ ولا يكسر وصية الله تحت أي امر مهما كان كموسى النبي الذي هو أول من استلم لوحى الشريعة من الله لكنه للاسف كسرهما..

۲. من هو الخبيث؟

هو الثعلب المكار الذي يرعى مصالحه ويدوس على مصالح الآخرين. فلا يرحم الآخرين ولا يترك الله يرحمهم لانه انانی.

۳. من هو الغبي؟

هو الذي ينسى ابديته ويتلاهي في ملذات الدنيا كالغنى الغبي.

وما هي نصيحتك لكل قارئ لهذا المثل.. وكيل الظلم ان الحياة الارضية بدون حكمة = ضياع للحياة الابدية اقتنى الحكمة ـ اقتنى الفهم فهما القلادة التي تتألق بها يوم الدينونة كالعذاري الحكيمات. على قدر طاقتـكـم (وكالتكم) سالمـوا جميع الناس واغـفـروا لهم.

الحكيم والاحكم – حكمة هذا الدهر

+ من هو الحكيم ـ هو الذي يعمل على ان ينجى نفسه ويـهـرب مـن طـوفـان الشر كـالحية حينما تشـعـر بالـخـطـر تهـرب.

+ ودعانا السيد المسيح ان نكون حكماء كالحيات.. من هو الاحـكـم ـ هو الحكيم ويستطيع ان يعلم غيره الحكمة ـ أو هـو الـذي يـفـهـم إرادة سيده ويـنـفـذهـا فـورا.

+ من هو الشرير هو الذي يصنع الشر اما الاكثر شـراً هو الذي يشجع غيره على الشر. كأهل العالم رو١/٣٣

حكمة هذا الدهر ـ وحكمة ابناء النور

في عالم الظلمة مفاهيم تتعارض مع مفاهيم ابناء النور فالغني الذي قال اهدم مخازنی حكيم في نظر العالم لكنه غبي في نظر الله. أما الذي ينفق امواله لأجل الـمـلـكـوت كـانـطـونيـوس فهـو الـحـكـيـم فـي نظـر الله.

المرأة سـاكـبـة الـطـيـب فـي نـظـر يـهـوذا (اهل العالم) اتلاف أما في نظر السيد المسيح فهو تكفين للسيد المسيح وحينما يكرز بهذا الانجيل يذكر ما فعلته هذه المرأة تذكارا لها لكى نـقـتـدى بها ـ ونسير على منوالها. الذي يحفظ نفسه في نظر العالم هو الحكيم ـ أما الذي يهلك نفسه لأجل الانجيل ولأجل المسيح فهو الذي سيربح ابديته في ملكوت السموات .

احبائي لقد أوفينا هذا المثل حقه بقدر الامكانيات المتاحة لنا ـ فهل مازال هناك غموض حول هذا المثل فـكـل املنا ان نحسـن صـورة هـذا الـوكـيـل ولعلنا نجحنا.

١١- حقائق مره اكتشفها لنا مثل وكيل الظلم

١)الكثيرين ـ والكثيرين جداً لا يقرأون الكتاب المقدس.. ولذلك فان كان السيد المسيح ينصحنا بقوله سيروا في النور.. إلا أننا بأرادتنـا نـتـرك الـنـور(الـمـجـانـي) ـ والـذي هـو هـبـه مـن الله ونسعى نـسـتـقـى الـمـعـرفـه مـن ابـار مـشـقـقـه لا تضبط ماء لذلك نحن نشعر بالعطش الدائم .

كل البيوت فيها أناجيل لكن لا تفتح لأن القلب مغلق عن سماع صوت الله وهذه مسئولية شخصيه لكل واحد.. ووصية السيد المسيح لنا فتشوا الكتب فهى تشهد لي.

٢) حتى النبذات والوريقات يأخذونها ولكن سرعة الحياة تعطلهم عن فتحها أو الالتفات إلى ما فيها من انباء أو انذارات.. لذلك يتأسـف الـوحـى الالهي بقوله أنه عند المجئ الثاني للرب يسوع العله يجد الايمان على الارض؟ يقصد الايمان العملي نعم الايمان في الكتب والنبذات والنشرات لكنه مهمل لأننا في عصر الموبايلات والتيك اوای Take away فمحدش فاضي ـ والـعـقـل صار فارغاً إلا من بعض الأمور السطحية ـ اليومية ـ التي تطفو على سطح الفكر ـ وهي قضايا يومية الاكل والشرب والمواصلات والموضة واخر ما وصلت إليه القنوات الفضائية مـن فـرقـــات..

٣) لم تعد الناس تفكـر فـي ابديتها بل لا تفكر إلا في الامور الحياتية اليومية ـ ورغم أن الله خلق الانسان حـيـوانـا مـفـكـراً ـ إلا أنه اكتفى بالصفة الاولى فقط وجعل الصفة الثانية (مـفـكـراً) من اختصاص بعض الناس وبهـذا فـقـد الانسـان صـفـة الـتـفـكـيـر أو الـمحـاولـه لـلـتـفـكـيـر والـمـنـطـق يـقـول يـفـكـر لـيـه طالما أن هناك من يـفـكـر لـه ويـقـوده مثل الـ.. وكلمة نقولها للحق ورزقنا على الله ويزعل اللي يزعل ـ انـسـان لا يفكر يشبه البهائم التي تباد (مز٤٩: ٢٠) ـ انسان لا يفكر لا ابدية سعيدة له ـ لأن الابدية مرتبطه بالفكر ـ وحساب النفقة ـ وهذا هـو جـوهـر المثل وكيل الظلم – ماذا افعل لكي يقبلوني في المظال الابدية وعبد المظال ـ هو عيد يهودي كان يستمر لمدة اسـبـوع يـجـتـمـعـون فـي اورشليم اشارة إلى الـتـواجـد فـي الـحـضـرة الالهيه ـ وطبعاً بعد أن تنتهـى حيـاتـنـا فـسـوف يعيش الابرار فـي الحضرة الالهيه وإلى الأبد.

نقولها للاسف غابت فكرة الابدية من فكرنا كمسيحين وشابهنا الناس في كل شئ كلامهم حياتهم خطاياهم بل حتى ملابسهم وتسليتهم. لقد كانت التحية بين المسيحين زمان ایام البركة هي الرب ات ـ ماران اثا ـ أمـا تحـيـة الـيـوم فـصـارت هـالـو وبای بای. أن الـوكـيـل فـي عـالـم الـظـلـم يـدعـونـا ان نـعـود إلى رشـدنـا ونـسـتـيـقـظ من غفلتنا وسـكـرتـنـا ـ وهموم الحياة.. فنأخذ حذرنا.. فالرب ات لا محاله ـ ووكالتنا على الارض ستنتهي حتماً فماذا نحـن فـاعـلـون لـكـى نـسـتـحـق المـراحـم الالهيه.. أنت بلا عذر ايها الانسان ـ لقد خلقك الله في أحـسـن صـورة على صورته ومثاله ـ ووضعك في احسن مكان في الجنة.. لكنك يا آدم بارادتك احببت العصيان والتمرد ولـما كـان الـمـوت هو النتيجة الطبيعية كثمرة للخطية.. رأت الحكمة الالهيه ان يتجسد الله الكلمة ويرفع عقاب خطايانا ـ فنحن الذين اخطأنا وهو الذي دفع الديون عنا ـ وأعطانا البراءة الكاملة أن امنا به وقبلناه رباً وفادياً ومخلصاً.. فلماذا نجد التمرد من قساه القلوب ـ لماذا نجد التمرد من فـاقـدى المعرفة والفهم الـروحـي ـ لقد سقط يهوذا التلميذ في فخ محبة المال ـ وسقط بلعام النبي في نفس المصيدة.. وخرب الله بيـت عـالـي الـكـاهـن ـ لأنه اهمل في تربية اولاده كـمـا يـلـيـق كـأولاد الله ـ فـالـى مـتـى نـتـغـافـل ـ أنه نداء مـن وكـيـل الظلم إلى الاحياء بالجسد لعلهم يحيون بالروح ـ ويـفـهـمـون ما يقوله الروح للكنيسة ـ أنه نداء دائم لك ياعزيزى قبل أن تسمع الصوت الالهى اعط حساب الوكالة ولكي تحذر سماع الحكم «اذهبوا عني» فتلقى خارج الملكوت.

١٢- همسة عتاب لشباب اليوم

أنه لا يعرف كيف يـفـكـر.. تسأله تأكل ايـه يـقـولـك أي حاجة.. وغالباً يـرسـي الأمـر انـه يـنـام خـفـيـف يـسـأل طالب ثانوى هتدخل علمى وللا ادبـى يـقـولـك مش عارف ـ بل اكـثـر مـن كـده تـقـول لـواحـد عـاوز تـتـجـوز وللا لا يـقـولـك أي حاجة. لذلك لا تنشأ المشاكل من فراغ.. فالله كما يقول وكيل الظلم غير مجرب بالشرور ولكن الانسان صاحب المشكلة له على الاقل ٧٥٪ من المشكلة يعنى هو السبب فيها فمثلاً مشكلة البطالة مين السبب فيها تلاقي الشاب نفسه ليه لأنه دخل كلية سوف يتخرج منها لا يجد عملاً فلو كان قد فكر قبل دخول الكلية وسأل نفسه ما المستقبل وما هو العمل الذي ينتظرني ـ ما حدثت مشكلة البطالة. البلد دلوقتى محتاجة مؤهل فنى متوسط تجد اعلانات تملأ الجرائد كل يوم ومع هذا لا احد يعمل والكل بيبحث عن وظيفة تناسبه على مزاجـه ـ لا يا حبيبي أنت الواجب عليك أن تتكيف حسب حاجة العمل ـ وليس العمل هو الذي يتكيف حسب مزاجك.

العمل اليدوى عمل مقدس ـ لقد عمل المسيح نجاراً يـقـوت نـفـسـه ويـقـوت والدته ولا يعيش عاله على المجتمع. لذلك كان من حكمة اليهود ان يعلموا اولادهم مع الحياة المدرسية عمل يدوى يقـوتـه ـ فلذلك كان بولس الرسول فيلسوف لـكـن لما الفلسفة لم تطعمه خبزا ـ عمل خياماً وقـال حـاجـتـي وحـاجـات الـذيـن معي خـدمتها هاتان الـيـدان.. ان كان الكتاب يقول من لا يعمل لا يأكل.. فوكيل الظلم الحكيـم يـنـصـحـنـا مـن لا يـفـكـر صـح لحياته ومستقبله لا يحاول ان يقتنى السعادة التي يحلم بها ـ بل يكتفى بما يلقـى إليه من السـعـداء الـذيـن فـكـروا صح ونجـحـوا وحـقـقـوا ذواتهم.

وكيل الظلم ينصحنا ان نـكـون حـكـماء مائة في المائة ـ لأن الحكمة المنقوصه تجلب على صاحبها المتاعب فسألناه كيف؟

قال ما رأيكم في السامري الصالح – قلنا انسان يحب الخير لـلـكـل.. حتى الاعـداء. قال لكنه لم يسلم من الاذى؟ قلنا له كيف ـ قال بعد أن اودع مريضه المستشفى ودفع له دينارين اتعمل محضر ولـكـن اليهودى وشى بالسامري الصالح وادعى انه هو الذي سرقه وانه هو الذي ضربه.. ونسى عمل الرحمة اللى عمله فيه ـ وتحول المحضر إلى النيابة التي امرت بالقبض على السامري الصالح وحكمت بصلبه يوم الجمعة الحزينة بسبب الوشايات التي قدمت ضده ولـعـدم وجـود شـهـود اثبات وأدى حال الدنيا.

فالـحـكـمـة تـعـنـى الحـذر مع الجميع ـ ولا تنسى ان اصـدقـاء الـيـوم قد يتحولون إلى اعداء وساعتها يـسـتـخـدمـون كل ما لديهم من مستندات للشر.. لذلك جاءت الحكمة القائلة ـ اللهم نجيني من اصدقائي أمـا اعـدائـي فـأنـا كـفـيـل بيهم. والـحـكـمـة ضـروريـة فـي كـل فضيلة ـ فأى فضيلة تمارسها بدون حكمة قد تنقلب إلى ضدها ولا تنسى أن راس الحكمة هو مخافة الله.

عزيزي صاحب الوكالة تقول للوكيل (لو ١٦) ما هذا الذي أسمع عنك … ثم اصدرت أحكامك بإنهاء وكالة الـوكـيـل أن الذي يأخذ بالسمع فقط يظلم الأخـريـن – لذلك عليك أن تتحـقـق بـنـفـسـك يـا صـاحـب الـوكـالة . لا سيما أن الذين وشـوا بـه هم أصحاب مصلحة.

عـزيـزي حينما تسمع / عليك ان تـتـحـقـق ثم ان تـتـاكـد حـتـى يـكـون حكمك صائبا بـقـدر اهتمامك بالأمر . لذلك اشترط المشرع الالهى ان لا يـحـكـم فـي اي قضية الابناء على الشهـود … و يجب ان يـكـون الـشـهـود ليس لهم مصلحة ولا خائفين من امر ما بشأن هذه القضية – و لا مرتشين لان الرشـوة تـعـوج الـقـضـاء

ولا مـن شـريـبـي الـخـمـر الـمـتـلـفـيـن لاتزان الـعـقـل .. حتى الـقـاضـي الامين حينما يستشـعـر بـعـدم الارتياح فـي قـضيـة مـا فـأنه يعتذر عنها حتى لا يشـوب الـحـكـم اي خلل و حتى في القضاء هناك مراحل و استئناف و العرض امام محكمة عليا و هكذا كل هذه الامور لـكـي تظهر الحقيقة الكاملة و لـيـكـون ايضا الحكم صحيحا لان العدل الحقيقي يمثل الحضور الالهي لله .

والـفـرق بـيـن الـقـضاء الأرضي والقضاء الإلهي ان القضاء الأرضي يحتاج إلى أوراق ومستندات وهناك الـواشـون الـذي بسلطانهم ان يقدموا للقضاء أوراق أو مستندات مزورة .. فالقاضي برئ وحـسـن الـنـيـة فـي حـكـمـه حـسـب الأوراق الـمـقـدمـة لـه أما القضاء الإلهى فإن الله ينظر إلى القلب وخفياته فالله يقرأ فـكـر الناس ويحاسب الناس على أفكارهم وليس سلوكياتهم

فـالـفـرسـيـن مـثـلا كـانـوا يـطـيـلـون الصلوات و السـجـود امـام الـهـيـكـل .. و مع هـذا يـقـول لهم السيد المسيح ويـل لـكـم و لماذا .. هل الصلاة حـرام .. يـقـول الـوحـي الالهى لانهم تمسـكـوا بالشكل الخـارجـي دون الجوهر . سمعان الـفـرسـي يعمل وليمة (امام الناس ) يظهر انه رجل مضياف و کریم و مفيش بعد كدة مع هذا فان السيد المسيح يرفض هذه الوليمة الملائة رياء – لانها وليمة شكلية و ليست قلبية ولذلك يقـول الـوحـي الالهى يا بنى اعطيني قلبك .. و ليس مالك او وقتك .. فالله يهتم بعطاء القلب و ليس عطاء اليدين – الخالي من الحب الحقيقي – في يوم احد السعف استقبلت الجموع السيد المسيح بالسعف و هذا اليهود – اوصانا في الاعالي .. و مع هذا فان السيد المسيح يبكي ؟ تبكـي عـلـي ماذا يا سيد ؟

ابـكـي لأنها اي اورشليم لم تعرف زمان افـتـقـادهـا – لـم تـقـدم تـوبـة قلبية – لم تدرك حقيقة المسيح الملك – انه ملك سمائي و ليس ارضي -انه ملك علي القلوب و ليس على العروش و للأسف حينما ادركت اورشليم الحقيقة – لم تستمر في خداعها طويلا بل صرخت بكل صراحة ليس لنا ملك الا قيصر حتى لو كان الثمن خراب الهيكل .. فالإنسان دائما ينظر الى العينين اما الله فينظر الى القلب احيانا الانسان الروحاني يعمل تصرفات في نظر البعض (غلط) كما كان نوح حينما يبني الفلك .. او ابراهيم حينما يـقـدم ابنه اسـحـق كـذبيحة – او حينما يـديـر الـمـؤمـن خـده الاخـر

لكن السؤال الذي يدور بالـذهـن يـجـب ان يـكـون مـاذا يـقـول الله عنى الله وليس الناس .[12]

 

 

من وحي قراءات اليوم

 

+ إسألوا تعطوا اطلبوا تجدوا اقرعوا يفتح لكم …. يعطي الروح القدس للذين يسألونه (لو١١:١٣).

+ ليس معني الآية أن كل ما نسأله سنأخذه وأن كل ما نطلبه سنجده.

+ جوهر الطلب يجب أن يكون الإمتلاء من الروح القدس.

+ إذا أخذنا كل ما سألنا دون الإمتلاء من الروح لن نشبع وسيستمر عطشنا أكثر.

+ الإمتلاء من الروح يجعلنا ندرك تدبير الله في أمور حياتنا فلا نعيش في حيرة.

+ الإمتلاء من الروح يشبع قلوبنا فنعيش في كفاية محبّته.

+ الإمتلاء من الروح يُقلَّل أسئلتنا في الصلاة ويحوّلها إليّ تسبيح وشكر.

+ ” هذه كلها تزاد لكم ” آية تعلن أنه رغم أن ” هذه كلها ” هي هموم حياتنا وأكثر طلباتنا فعندما نقارنها بعطية الروح تصير زوائد وأمور بسيطة.

+ يريد الله أن يملأني بروحه بينما أن غارق في طلباتي واحتياجاتي منه.

+ الصلاة التي تملأ الإنسان بالروح تجعله لا يطلب إِلَّا لأجل إخوته وكل البشر.

+ ” نسألك أن تجدّده في إحشائنا.. روح الاستقامة ” طلبة الكنيسة في قطع الساعة الثالثة ليتها تكون طلبتنا واحتياجنا وصراخنا كل لحظة.

+ ” هدف الحياة هو اقتناء (أي الامتلاء المُتَجدِّد من) الروح القدس ” ق. سيرافيم ساروفسكي[11].

 

 

 

المراجع:

 

١- القديس يوحنا ذهبي الفم – تفسير رسالة أفسس إصحاح ٥ – القمص تادرس يعقوب ملطي

٢-ملحوظة: (كنز التفسير الشماس بشارة بولس ص ٢٩٨ )

٣- Jr, A.J. & Oden, T.C. (2003). Luke (The Ancient Christian Commentary on Scripture, New Testament part III ). Illinois (U.S.A): InterVarsity Press. Pages 184

ترجمة الأستاذ إدوارد ميخائيل – كنيسة العذراء مريم – رونوك – ڤرچينيا – أمريكا

٤- كتاب عطية الروح القدس (صفحة ٣٩) – القمص تادرس يعقوب ملطي

٥- المرجع: كتاب إختبرني يا الله (صفحة ٦٠) – قداسة البابا تواضروس الثاني

٦-  المرجع: كتاب إختبرني يا الله (صفحة ٦٠ ) – قداسة البابا تواضروس الثاني

٧-  المرجع: كتاب دراسات في الكتاب المقدس – إنجيل متي (صفحة ١٤٢ – ١٤٤ ) – الأنبا أثناسيوس مطران كرسي بني سويف والبهنسا

٨-  المرجع: كتاب تأملات وعناصر روحية في أحاد وأيام السنة التوتية ( الجزء الأول صفحة ٢٠٨ ) – إعداد القمص تادرس البراموسي

9-المرجع: الكتاب الشهري للشباب والخدام ( عدد يونيو ويوليو لسنة ٢٠١١) – بيت التكريس لخدمة الكرازة

١٠- المرجع: كتاب المدلولات اللاهوتية والروحية في الكتاب المقدس بحسب إنجيل متي ( صفحة ٥٢ ) – دكتور موريس تواضروس أستاذ العهد الجديد بالكلية الإكليريكية

١١- المرجع: كتاب إختبرني يا الله (صفحة ٦٠ ) – قداسة البابا تواضروس الثاني