فشكرا لله على عطيته التي لا يعبر عنها.” (٢كو ٩: ١٥)
” لكي إذ نحيا بك ونقتات بك نُكمِّل البرَّ في كل حين واسمك القدوس يتمجد فينا ”
صلاة شكر بعد التناول / القداس الغريغوري
” لقد شفَى المرضى، حتى إذ يصيروا أصحّاء يشتركون في خبز البركة، ولكن ماداموا مرضى فلا يقدرون أن ينالوا خبز بركة يسوع[1]
شواهد القراءات
صلاة باكر (مز ٥١: ٧-٨)، (لو ١٤: ٧-١٥)، (مز ١٣٤ : ١-٢) ،( لو ٢٤ : ١-١٢) ،
القداس (١تي ٦ : ٣-١٦) ، (يع ٣ : ١-١٢) (أع ١٨ : ١٢-٢٣)، (مز ١٤٤ : ١٢-١٣)، (لو ٩ : ١٠-١٧)
ملاحظات على قراءات اليوم
+ جزء من مزمور عشيَّة اليوم (أتمسَّك باسمك فإنَّه صالح: قدام أبرارك) جاء أيضاً في قراءة عشيَّة يوم ٣٠ بؤونه (ميلاد يوحنا المعمدان ) كإشارة إلي الأبرار مثل يوحنا المعمدان
+ قراءة البولس اليوم (١تي ٦: ٣ – ١٦) تُشبه قراءة البولس للأحد الرابع من بابه (١تي ٦: ٣ – ٢١)
+ قراءة البولس اليوم إكتفت بالآيات (من ٣ – ١٦) للتأكيد من خلال آيات ٦ – ٨ علي التقوي والقناعة كمصدر للبركة، والتحذير من خلال آيات من ٩ – ١١ من شهوة الغني السريع ومحبَّة المال
+ أمَّا قراءة الأحد الرابع من بابه فأضافت أيضاً آيات (١٧ – ٢١) التي تُعلن إبن الله الذي يحيى الكل (مثال إبن أرملة نايين موضوع قراءة ذاك الأحد) ، لذلك يؤكِّد للأغنياء أهمِّية الإتكِّال علي الله الحي ، والحذر من عدم يقينية الغني ، ومعني الحياة الحقيقيّة في أن يكونوا أسخياء في العطاء كرماء في التوزيع بجانب تمتُّعهم بالحياة
+ قراءة إنجيل القدَّاس اليوم (لو ٩: ١٠ – ١٧) تُشبه قراءة إنجيل القدَّاس لأحد البركة (لو ٩ : ١٢ – ١٧)
المُلاحَظْ هنا هو إختلاف الآيات المُختارة
قراءة أحد البركة إكتفت بالآيات من ١٢ – ١٧ للتركيز علي معجزة إشباع الجموع، أمَّا قراءة اليوم فأضافت آية ١٠ ، ١١ للإشارة إلي ( وكان يُكلِّمهم عن ملكوت الله ) وهي موضوع قراءات شهر أبيب كله ، لذلك أضافت الكنيسة هاتين الآيتين في الأحد الثالث من أبيب عنها في إنجيل أحد البركة
شرح القراءات
يحدثنا هذا الاحد عن غني الملكوت وشبع المتكئين فيه مع الملك
تبدا المزامير بعلامة غني اولاد الله الارتباط باسمه القدّوس لذلك تتدرّج من التمسّك به (مزمور عشيّة)
الي تسبيحه وتمجيده (مزمور باكر)
إلي اختبار حضوره الالهي ( مزمور القدَّاس )
يبدأ مزمور عشيّة بالحديث عن مصادر الغني والبركة اي التمسّك باسمه (اتمسك باسمك فانه صالح قدام ابرارك)
وتسبيحه وتمجيده في العبادة الكنسية في مزمور باكر (سبحوا اسم الرب سبحوا ياعبيد الرب الواقفين في بيت الرب)
واليقين من حضوره الدائم كل وقت (الرب قريب لسائر المستغيثين به ولكل الذين يدعون اليه)
ويقارن انجيل عشية بين متكات العالم ومتكات ملكوت الله فمن يبحثون عن المتكا الاول ويفتخرون بالمجاملات هم اهل هذا العالم بينما من يسعون الي المتكا الاخيربحكمة ومن يبحثون عن المساكين والمنسيين هم اغنياء الملكوت ( وكان يقول للمدعوين مثلا وهو يلاحظ كيف كانوا يختارون المتكات الاولي قائلا لهم متي دعيت من احد الي عرس فلا تتكئ في المتكا الاول …… وقال ايضا للذي دعاه اذا صنعت غذاء او عشاء فلا تدع اصدقائك ولااخوتك ولااقربائك ولاجيرانك الاغنياء لئلا يدعونك هم ايضا فتكون لك مكافاة بل اذا صنعت وليمة فادع المساكين الجدع العرج العمي فيكون لك الطوبي اذ ليس لهم حتي يكافئوك لانك ستكافا في قيامة الابرار )
وتتكلّم القراءات عن خطورة المال دون التقوي والقناعة علي الإحساس بالملكوت (البولس )
وخطورة شهوة التعليم في وجود العثرات ( الكاثوليكون )
وتسخير ملوك العالم لخدمة الملكوت ( الإبركسيس )
ويتكلم البولس عن تجارة الملكوت المربحة والغني الداخلي بالتقوي والقناعة والايمان والبر والمحبة وحياة الاكتفاء والفرق بينها وبين تجارة العالم وشهواته واوجاعها الكثيرة (واما التقوى مع القناعة فهي تجارة عظيمة …. واذ لنا طعام ولباس فلنكتف بهما …. لان محبة المال أصل لكل الشرور الذي اذ ابتغاه قوم ضلوا عن الايمان وطعنوا انفسهم باوجاع كثيرة فاما انت يارجل الله فاهرب من هذا واسع في طلب البر والتقوي والايمان والمحبة والصبر وقبول الالام بوداعة جاهد جهاد الايمان الحسن وتمسك بحياة الابد التي اليها دعيت)
لذلك يحذرنا ايضا الكاثوليكون من ان التهاون في الكلام وعدم ضبط اللسان يمكن ان يخسرنا الملكوت (لا تكونوا معلمين كثيرين يا اخوتي عالمين انكم تاخذون دينونة أعظم لاننا في اشياء كثيرة نعثر جميعنا …. واما اللسان فلا يستطيع أحد من الناس ان يذللة.. به نبارك الله الاب وبه نلعن الناس الذين خلقهم الله علي شبهه من الفم الواحد تخرج البركة واللعنة لا يجب يا اخوتي ان تكون هذه الامور هكذا)
وفي المقابل في الابركسيس يستخدم الله الحكام والولاة للدفاع عن خدمة الملكوت وخدامه (ولما كان غاليون يتولى اخائية اجتمع اليهود بنفس واحدة علي بولس واتوا به الي كرسي الولاية قائلين ان هذا يستميل الناس ان يعبدوا الله بخلاف الناموس واذ كان بولس مزمعا ان يفتح فاه قال غاليون لليهود انه لو كان ظلما اوخبثا رديا يا ايها اليهود لكنت بالحق احتملكم …. فطردهم خارج كرسي الولابة)
ويختم انجيل القداس بالمائدة السماوية المعدة دائما لاولاد الله الذين يلتصقون بالملك عطشا الي الملكوت وغناه وشبعه (فالجموع اذ علموا تبعوه فقبلهم وكان يخاطبهم عن ملكوت الله والمحتاجون الي الشفاء كان يشفيهم … فقال لهم اعطوهم انتم لياكلوا فقال ليس عندنا اكثر من خمسة ارغفة وسمكتين.. فاخذ الارغفة الخمسة والسمكتين ورفع نظره نحو السماء وباركهن ثم كسر واعطي التلاميذ ليقدموا للجمع فاكلوا وشبعوا جميعا)
ملحوظة
إنجيل قداس اليوم (لو ٩: ١٠ – ١٧) يختلف قليلاً عن إنجيل قداس أحد البركة (لو ٩: ١٢ -١٧)
بإضافة آيتين في إنجيل قداس اليوم، وهما اللتان تشرحان ملكوت الله وسط شعبه (كلمهم عن ملكوت الله والمحتاجون إلي الشفاء شفاهم)، وهي موضوع قراءات هذا الشهر ، لذلك لم تأت في إنجيل الأحد الخامس للتركيز فقط علي البركة التي أعطاها المسيح له المجد لشعبه من الخمس خبزات والسمكتين
ملخّص القراءات
غني الملكوت ياتي من التمسك باسمه القدوس والصلاه والعباده الكنسية والتسبيح (المزامير )
ويظهر في الاهتمام بالمساكين والمحتاجين (انجيل عشية)
وهو غني داخلي في القلب (البولس )
مع حرص خارجي في الكلام (الكاثوليكون )
ويدافع عنه احيانا غير المؤمنين ( الابركسيس )
ويعيشه ويتمتع به كل الذين يتبعون الملك في كل مكان (انجيل القداس)
معجزة إشباع الجموع في فكر آباء الكنيسة
“مثل ملكوت الله ما يصنعه المسيّا للتعليم: يشفي ويطعم شعبه؛ هكذا حسب مواعيد الأنبياء القدامى.” (القديس أمبروسيوس).
“لإطعام الخمسة آلاف دلالات في العهد القديم. فإن يسوع هو النبي الشبيه بموسى الذي أطعم الشعب في البرّيّة.” (القديس كيرلُّس السكندري).
“كذلك فإن لمعجزة الإشباع بعض أوجه الشبه التي تربطها بالعهد القديم: – فالخمس خبزات مثلاً تشير إلى أسفار موسى الخمسة.” (القديس أوغسطينوس).
“أيضًا، قد تكون الخمس خبزات إشارة إلى الحواسّ الخمس، والسبع خبزات التي أشبعت الأربعة آلاف هي خبز تقديس الراحة المبشّر بخبزات القيامة الثمان.” (القديس أمبروسيوس).
“هذا الخبز هو كلمة الله التي تنمو في السر الذي قد صيّر الماء خمرًافي عرس قانا. إن الطعام المعجزيّ مِن الخبز والسمك والفائض عن الأربعة آلاف يعِدّ الطريق لطعام المسيح الأبقى: جسده ودمه. ومعجزة الإشباع هذه هي إشارة إلى إشباع الكنيسة بمائدة الرب ;بالوليمة السمائية.” (القديس أمبروسيوس).
“هذا الفائض يحفّز الذين لديهم القليل لضيافة الغرباء؛ إذ أن الرب سيوفّر كل احتياج.” (القديس كيرلُّس السكندري).
“مائدة الشركة مع يسوع هي إشارة لِمَا هو آت… الطعام الأُخرويّ{الأبدي}، وهو ما يعِدّه خبز الحياة يسوع للمؤمنين لحياة العالم.” (القديس كيرلُّس السكندري)[2].
الكنيسة في قراءات اليوم
قيامة الأبرار وملكوت الله إنجيل عشيّة
جهاد الإيمان الحسن والحياة الأبديّة البولس
ظهور ربنا يسوع المسيح. البولس
جهنم الكاثوليكون
أفكار مقترحة لعظات
(١) وليمة الملكوت
١- مجد الإتضاع والعطاء
” بل متي دُعيت فاذهب واتكئ في الموضع الأخير حتي إذا جاء الذي دعاك يقول لك يا صديقي انتقل إلي فوق حينئذ يكون لك شرف أمام المتكئين معك …. بل إذا صنعت وليمة فادعُ المساكين الجدع العرج العُمي فيكون لك الطوبي ” إنجيل عشيّة
٢- مجد التقوى والقناعة
” وأما التقوي مع القناعة فهي تجارة عظيمة … وإذ لنا طعام ولباس فلنكتف بهما ” البولس
٣- مجد الوجود الدائم معه
” فالجموع إذ علموا تبعوه فقبلهم وكان يخاطبهم عن ملكوت الله ” إنجيل القدَّاس
٤- مجد الإمتلاء من عطيته
” فأكلوا وشبعوا جميعاً ” إنجيل القدَّاس
(٢) مصادر البركة
١- غني حضوره وكلمته في حياتنا
فالجموع اذ علموا تبعوه فقبلهم وكان يخاطبهم عن ملكوت الله
كل الذين يتبعوه ويحرصون على الجلوس معه وتخصيص الوقت وإظهار الإشتياق نحوه يشبعون من محبّته وتتبارك حياتهم
٢- الشركة والعطاء
كانت الخمسة خبزات والسمكتين طعام شخص أو على الأكثر أسرة صغيرة لكنها من يد الرب أشبعت الجموع كلها وذلك يبرز أهمّية عطاء المحبّة وغني الشركة والبركة المرافقة لها والغامرة بفيض
٣- الصلاة والشكر
فاخذ الارغفة الخمسة والسمكتين ورفع نظره نحو السماء وباركهن
كلما نأخذ عطايانا من يد الله ونمزجها بالشكر وقبول كل شيء من يده الإلهية تأتي البركة والعطية التي لا يعبر عنها
(٢كو ٩: ١٥)
٤- النظام والترتيب
لأنهم كانوا نحو خمسة الاف رجل فقال لتلاميذه اتكئوهم فرقا خمسين خمسين ففعلوا هكذا واتكأوا الجميع
لا شك أن ترتيب الجموع خمسين خمسين جعل التوزيع سهلاً ومُحادياً وفِي وقت بسيط ولو كان بدون نظام وبطريقة عشوائية لم يكن ممكناً شبع الجموع وكان ربما من غير الممكن جمع الكسر بصورة لائقة
٥- التدبير والتوفير
إجمعوا الكسر وصيَّة إلهيَّة لنعرف قيمة الفضلات والبواقي وإذا كانت فضلات البعض لإعواز الآخرين (٢كو ٨: ١٤) فكيف لا نكون مدبرين فيما نأكله وفيما نملكه
(٣) بين مفردات عجز البشر ومفاتيح الله للبركة
١- بين مفردات عجز البشر (موضع قفر) ومفاتيح الله للبركة (رفع نظره نحو السماء)
ربما يكون أوضح مثال لذلك وقت مجاعة بني إسرائيل بسبب هجوم المديانيين وحصارهم لشعب الله ورغم محنة الشعب والمجاعة والغلاء الفظيع جاءت كلمة أليشع النبي ليُطمْئِن الشعب بأنه في يوم واحد ستنتهي المجاعة وتكون وفرة في الدقيق والشعير لذلك إستهزأ به الجندي الواقف علي الباب قائلاً: هوذا الرب يصنع كُوي في السماء فردَّ عليه النبي بأنه سوف يري ولكنه لا يأكل (وقد مات بالفعل بسبب إندفاع الناس)
” فخرج الشعب و نهبوا محلة الاراميين فكانت كيلة الدقيق بشاقل و كيلتا الشعير بشاقل حسب كلام الرب و اقام الملك على الباب الجندي الذي كان يستند على يده فداسه الشعب في الباب فمات كما قال رجل الله الذي تكلم عند نزول الملك اليه فانه لما تكلم رجل الله الى الملك قائلا كيلتا شعير بشاقل و كيلة دقيق بشاقل تكون في مثل هذا الوقت غدا في باب السامرة و اجاب الجندي رجل الله و قال هوذا الرب يصنع كوى في السماء هل يكون مثل هذا الامر قال انك ترى بعينيك و لكنك لا تاكل منه ” (٢مل ٧: ١٦-١٩)
٢- بين مفردات البشر (ليس عندنا) – ومفاتيح الله للبركة (وشكر وبارك)
من أجمل الأمثلة علي ذلك حبقوق النبي الذي يبتهج بالرب ويفرح بخلاصه ويشكره بالرغم من عدم إزهار التين وضعف محصول الكروم والزيتونة وغياب الطعام من الحقول والغنم من الحظائر والبقر من المذاود
” فمع انه لا يزهر التين و لا يكون حمل في الكروم يكذب عمل الزيتونة و الحقول لا تصنع طعاما ينقطع الغنم من الحظيرة و لا بقر في المذاود فاني ابتهج بالرب و افرح باله خلاصي الرب السيد قوتي و يجعل قدمي كالايائل و يمشيني على مرتفعاتي ” (حب٣: ١٧-١٩)
٣- بين مفردات البشر (ما هذا لمثل هؤلاء) – ومفاتيح الله للبركة (وكسر وأعطي)
ما أجمله مثل ومثال لهذا أرملة صرفه صيدا التي قالت لإيليا النبي أنها ستأكل الكعكة هي وإبنها قبل أن يموتا بالجوع بسبب المجاعة، ولكن يطلب منها النبي أن تعمل له أولاً وتعطيه قبل إبنها وكلمته بأن الأكل سوف لا ينقطع من بيتها وتصديق المرأة لكلامه فأعطته رغم عدم كفاية ماعندها – بشرياً ومنطقياً – لهم
” فقال لها إيليا: لا تخافي. ادخلي واعملي كقولك، ولكن اعملي لي منها كعكة صغيرة أولا واخرجي بها إلي، ثم اعملي لك ولابنك أخيرا لأنه هكذا قال الرب إله إسرائيل: إن كوار الدقيق لا يفرغ، وكوز الزيت لا ينقص، إلى اليوم الذي فيه يعطي الرب مطرا على وجه الأرض فذهبت وفعلت حسب قول إيليا، وأكلت هي وهو وبيتها أياما ” (1مل ١٧: ١٣ -١٥)
٤- البركة في الكثرة أم الكثرة في البركة؟
هو سؤال يأتي في أذهان كثيرين، هل معني كثرة ما يقتنيه الإنسان ويملكه هو دليل البركة السماوية ، أم أن البركة السماوية هي حضور المسيح له المجد في حياتنا ، ومنه يأتي الإحساس بالفيض والبركة والغني بصرف النظر عن ما نملكه من قليل أو كثير
١- كثرة بدون بركة
هذا ما حذَّر القديس بولس الأغنياء منه، عندما أوصاهم أن لا يتَّكلوا علي عدم يقينية الغني ، دون غني العطاء للآخرين ودون الاتضاع (١تي ٦ : ١٧) ، وكأنه استحضر أمامه المثل الذي أعطاه الرب في الافتخار الكاذب بالغني (لو ١٢ : ٢٠) ، وكيف أفسدت شهوة محبَّة المال الكثيرين وطعنتهم بأوجاع كثيرة (١تي ٦ : ١٠) ، بل وقادت أحد تلاميذ المسيح إلي تسليم سيده (مر ١٤ : ١٠) بسبب محبَّته للفضة
٢- الكثرة في البركة
هنا يأتي الإحساس بالغني الداخلي حتي الفيض (٢كو ٨: ٩) ، ويعيش الإنسان شكر ما يعيشه في قليل أو كثير ( في٤ : ١٢) ويبتهج بالعطاء من الأعواز (٢كو ٨ : ٢) ، بل ويكون الإنسان في عوزه مصدر غني لكثيرين (٢كو ٦ : ١٠)
عظات آبائية وعظات آباء معاصرين
يمكن الرجوع لعظات يوم الأربعاء من الأسبوع الثاني في الصوم الكبير
وعظة قداسة البابا تواضروس في يوم الإثنين من الأسبوع الخامس من الصوم الكبير
معجزة إشباع الجموع في فكر القديس كيرلس الكبير
(يو١١:٦)”وَأَخَذَ يَسُوعُ الأَرْغِفَةَ وَشَكَرَ، وَوَزَّعَ عَلَى التَّلاَمِيذِ، وَالتَّلاَمِيذُ أَعْطَوُا الْمُتَّكِئِينَ. وَكَذلِكَ مِنَ السَّمَكَتَيْنِ بِقَدْرِ مَا شَاءُوا”.
لقد شكر الرب. كمثال لنا ونموذج للتقوي ينبغي ان يكون فينا: وهاهوذا كإنسان،ينسب مرة أخري قوة المعجزة للطبيعة الإلهية.هكذا كانت عادته،انه كمثال للتقوي،كما قلت،يساعد اولئك الذين كشف لهم معلماً اياهم الامور البالغة السمو،وبتدبير يحجب كرامته الإلهية،الي ان يقترب زمان آلامه:والذي كان يبذل قصاري اهتمامه ليخفيه عن “رئيس هذا العالم”
قابل (١كو٨:٢) لهذا السبب نراه في موضع اخر ايضاً، يستخدم كلمات بشرية، كإنسان ويشفي اذهان سامعيه مرة اخري احياناً بتشويقيات حكيمة جداً،كما في قوله “ايها الاب اشكرك لانك سمعت لي”(يو ٤١:١١).
اترون كم كان حديثه بشكل بشري، حديثاً محسوباً حساباً جيداً يربك فهم البسطاء جداً؛ لكنه حينما يقول هذا، كإنسان، فإنه سرعان ما يكشف عن اسلوب التدبير، ويبقي هدف مشيئته محتجبًا،
بترتيب فائق السمو، مقوياً ذهن البسطاء الذين صدموا، (إذ يقول): وانا علمت انك في كل حين تسمع لي (يو ٤٢:١١) لماذا (يارب) تتحدث بمثل هذه الاشياء؟ يقول لأجل هذا الجمع الواقف قلت ليؤمنوا انك ارسلتني.اليس من الواضح إذن انه يهدف أن يعيننا بطرق متنوعة، ولكي يحقق ما يليق به اي سر التدبير بالجسد،
كان في بعض الأحيان ينزل بنفسه الي اقل مما هو عليه في الحقيقة؟ لذلك فكما في تلك الفقرة، فإن عبارة “اشكرك” تؤخذ بشكل تدبيري، هكذا هي ايضاً هنا. {فإن لفظة “بارك” تفهم انها عن الخبز}.
لكن جدير بنا ان نلاحظ انه بدلًا من “شكر” يقول متي البشير “بارك”(مت١٩:١٤). ولكن كتابات القديسين لا تتعارض باي حال من الاحوال، لان بولس سوف يوضح ان كلا الأمرين واحد، قائلاً إن “كل طعام الله جيد، ولا يرفض شئ،إذا أخذ مع الشكر لأنه يقدس بكلمة الله والصلاة”(١تي٤-٤:٥)
لكن ذاك الذي يقدس بالصلاة في توسل، وهو ما نفعله دائمًا على المائدة، وهو بالتأكيد يتبارك.
ولكن لما كان من اللائق الا نترك اي شيء نافع دون فحص من جانبنا، هيا نتحدث قليلًا عن “خمسة ارغفة الشعير”، التي كانت مع الغلام، وعن السمكتين: لان كل نوع من هذه الأنواع ذاتها، الي جانب الاعداد انما هو مفعم بالسر.
(إذ قد يتساءل شخص مجتهد في البحث)لماذا لم تكن الارغفة سوي خمسة، ولم تكن الاسماك ثلاثة؟ ولماذا الارغفة خمسة والأسماك أربع؟ وفي أية مناسبة علي الإطلاق يوجد احصاء للعدد الموجود، ولماذا لم يقل بالحري وبأكثر بساطة وبشكل عام إن الجموع الكثيرة التي بلا حصر والذين تبعوه قد تم اطعامهم كلهم بأشياء قليلة؟ الحقيقة ان الإنجيلي المبارك قد احصي وبكل اجتهاد تلك الأشياء أيضًا، ليعطينا بالتأكيد شيئًا ما نفكر فيه، والذي يحتاج منا ان نتفحصه ايضاً.
يقول إن الارغفة كانت خمسة وانها كانت من الشعير وانهما سمكتان وبهذه اطعم المسيح الذين يحبونه. واعتقد (وعلي محب الحكمة ان يبحث عن شيء آخر افضل)انه بالأرغفة الخمسة يشير الي كتاب الحكيم جداً موسي ذي الاسفار الخمسة أعني الناموس كله الذي كان بمثابة الطعام الثقيل والذي اعطي لنا بواسطة الحرف لان هذا ما يلمح اليه لفظ “الشعير”.لكنه يشير “بالسمكتين” الي ذلك الطعام الذي حصلنا عليه بواسطة الصيادين اعني الكتب الشهية جداً التي لتلاميذ المخلص،(ويقول)إنهما اثنتان إشارة إلي الكرازة الرسولية والإنجيلية التي أشرقت في وسطنا والتي هي مخطوطات الصيادين وكتاباتهم الروحية.
هكذا فإن المخلص إذ يخلط الجديد بالقديم وبالناموس وتعاليم العهد الجديد فهو يقوت انفس المؤمنين به إلي الحياة التي هي بلا شك الحياة الأبدية وكون التلاميذ من الصيادين فهو (كمًا أفترض) أمر واضح وجلي وبالرغم من أن الجميع لم يكونوا صيادين إلا ان بينهم من كانوا كذلك وان مناقشتنا لن ترتد عن الحق فيما قيل
(يو١٢:٦-١٣)”فَلَمَّا شَبِعُوا، قَالَ لِتَلاَمِيذِهِ: «اجْمَعُوا الْكِسَرَ الْفَاضِلَةَ لِكَيْ لاَ يَضِيعَ شَيْءٌ» فجَمَعُوا وَمَلأُوا اثْنَتَيْ عَشْرَةَ قُفَّةً منَ الْكِسَرِ، مِنْ خَمْسَةِ أَرْغِفَةِ الشَّعِيرِ، الَّتِي فَضَلَتْ عَنِ الآكِلِينَ.
قد يبدو للبعض ان المسيح يهتم بتوفير الكسر حتي انه امر تلاميذه ان يجمعوها معاً.ومع هذا(فأنا أظن) أن كل إنسان قد يتصور بشكل ملائم ان المسيح لا يحتمل ان ينزل الي مثل هذه الدرجة من الدنو ولماذا أقول المسيح بل أن احداً منا لن يفعل ذلك: انه ما المفترض ان تكونه تلك البقايا من خمسة ارغفة من الشعير لكن الآية تتضمن تدبيراً عظيماً، وتجعل المعجزة واضحة للسامعين.
لأنه ما أعظم تأثير السلطان الإلهي في هذا الأمر من جهة انه لم تكن الجموع فقط غفيرة تلك التي شبعت من خمسة ارغفة شعير وسمكتين بل اثنتي عشرة قفة مملوءة بالكسر قد تم جمعها ايضاً هكذا فإن المعجزة تطرد شكًا آخر وبجمع الكسر يتأكد الإيمان انه كانت هناك وفرة من الطعام حقا وليس مجرد خداع نظر لعيون المشتركين في الوليمة أو الذين يخدمونهم.
فما اعظم تلك الفائدة لنا وما اجدرها بالتأمل انظروا كيف انه بواسطة هذه المعجزة يجعلنا أوفر غيرة في اشتياقتنا لممارسة الضيافة بفرح بالغ ويدعونا بصراحة بواسطة الاشياء التي تمت إلي الإيقان أن الله لن يخيب من يستعد للتوزيع ويتهلل بمسلك المحبة الأخوية ويتمم باستعداد ما هو مكتوب “ان تكسر للجائع خبزك”(اش٧:٥٨)
لاننا نجد ان التلاميذ في البداية كانوا مترددين في فعل ذلك الامر، لكن المخلص إذ رأي انهم يفكرون هكذا، وهبهم عدداً وفيراً من الكسر؛ ويعلمنا نحن ايضاً، اننا إذ ننفق قليلًا لأجل مجد الله، ننال نعمة أوفر حسب قول المسيح “كَيْلًا جَيِّدًا مُلَبَّدًا مَهْزُوزًا فَائِضًا يُعْطُونَ فِي أَحْضَانِكُمْ.”(لو٣٨:٦).
لهذا لا يجب ان نكون كسالي حيال شركة المحبة نحو الاخوة، بل نتقدم بالحري نحو العزم الصالح، ونترك عنا بقدر المستطاع الجبن والخوف الذي يدفعنا ألا نضيف الآخرين واذ نتثبت في الرجاء بالإيمان بقوة الله لمضاعفة القليل ايضاً، لنفتح احشائنا للمحتاجين حسب أمر الناموس. لأن الله يقول:”افتح احشاءك بسعة لأخيك المحتاج الذي معك انظر (تث١١:١٥)
لأنه متي ستصير رحيماً، إن ظللت قاسياً في هذه الحياة؟ متي ستتمم الوصية ان كنت تبدو وقت القدرة علي عملها منزلقاً الي التراخي؟ تذكر المرنم وهو يقول “انه ليس في الموت ذكرك. في الهاوية من يحمدك(مز٥:٦). لأنه اي ثمر يكون بعد ممن قد مات، أو كيف لأي من الذين انحدروا إلي الهاوية أن يذكر الله بتتميم وصاياه؟”لان الله قد أغلق عليه” كما هو مكتوب (اي٢٣:٣) لذلك فالحكيم جداً بولس يعلمنا ايضاً، إذ يكتب الي البعض حسبما لنا فرصة فلنعمل الخير (غل١٠:٦)[3]
قداسة البابا تواضروس المسيح شبعنا
+ معجزة إشباع الجموع: تتكرر يوميا في صلاة الساعة التاسعة – إنه الخالق العظيم
+ ابتدأ النهار يميل: نهار الحياة/ نهار الشباب/ نهار السعادة/ نهار الصحة
«امکث معنا لأن النهار قد مال …» تلميذي عمواس.
من أين نبتاع خبزا؟ سؤال المسيح لفيليبس ..
– آدم آدم أين أنت ؟
– قايين أين أخوك ؟
– «أين وضعتموه» لعازر؟
– من يقول الناس أني أنا؟
كلها أسئلة للإثارة.. وطلب الاعتراف.
عطية الغلام
١- قدم كل طعامه (كريم) بعد أن خرج ومعه طعامه (مستعد)
٢- أسعد بتقدمته البسيطة الآلاف
٣- المسيح يطالبنا بالوزنة البسيطة
رحلتنا للملكوت
هذه المعجزة (لو ٩: ١٠- ١٧) لإشباع الجموع تتكرر يوميا وسنويا، والهدف منها في هذا الوقت – (الأحد الثالث من أبيب) أي نهاية العام القبطي – وهو الإشارة للملكوت.
ثلاث مراحل يمر بها الإنسان المسيحي
أ – رحـلـة الخـدمـة
– اختبار قوة المسيح وكلمتـه.
– اختبار حياة الإيمان والتسليم.
ب – الانفـراد مـع الـرب:
– امتلاء بالقوة وتجديد العهد. – تصحيح الأخطاء والضعفات.
جـ – الحديث عن الملكوت:
تعظيم الاشتياق نحو السماء.
الاستعداد بالعمل والجهـاد[4].
المتنيح القمص لوقا سيداروس
البركة من إنجيل معلمنا مارمرقس الرسول (مر٦: ٣٠ – ٤٠) بركاته علينا آمين
سر البركة أن توضع المادة في يد إنسان متقدس الْقَلِيلُ في يَدْ الصِّدِّيقِ خَيْرٌ مِنْ ثَرْوَةِ أَشْرَارٍ كَثِيرِينَ (مز ١٦:٣٧)
البركة هي أن يصير القليل كثيراً بعمل إلهي، ولا يجوز معها كثرة الأسئلة، لأن البركة سر. والمزمور يقول: “البركات يعطيها واضع الناموس”. وأيضاً يقول: “الْقَلِيلُ في يَدْ الصَّدِّيقِ خَيْرٌ مِنْ ثَرْوَةِ أَشْرَارٍ كَثِيرِينَ”. فالإنسان المقدس الذي لا يملك سوى القليل أفضل ممن يعيش في الشر ويملك ثروة كبيرة. الأموال والمقتنيات والطعام والشراب مواد جامدة لا تتحرك ولا تفعل خيراً أو شراً، لكنها تخضع لليد التي تمسك بها وتتصرف فيها. أرغفة الشعير الخمسة مثلاً لم تكن تكفي لإطعام الجموع. هذه الخبزات الضعيفة الصغيرة، لم يكن لها قيمة في ذاتها. لكن حين وُضِعَتْ في يد المسيح، حازت على نعمة فائقة. أصبح للخبزات قيمة عظيمة وتوزعت وأشبعت وصار لها دوراً كبيراً جداً. فالمادة في حد ذاتها لا قيمة لها، لكنها تستمد قيمتها من صاحبها وتتقدس عندما يمتلكها قديس. كانت الأموال تدفق على الأنبا أبرام أسقف الفيوم من كل مكان ، حتى أنهم فتحوا له مكتباً خاصاً للبريد في الفيوم لتلقي الرسائل والحوالات البريدية والأموال التي ترد إليه النقود التي كانت تصل إلى يده كانت نقوداً عادية. لكنها عندما وضعت في يده، نالت نعمة وبركة وعملت عملاً كبيراً جداً. نفس الأموال إذا وضعت في يد إنسان آخر، قد تصبح سبيلاً للشر. فكل ما يُعمل من شرور في العالم اليوم من نجاسات وقمار ومخدرات وتجارة سلاح، تُعمل من أجل المال. فالأموال إذا وصلت إلى أيدي جماعة غير متقدسين، تصبح سبباً للفساد والخراب والهلاك. إذاً النقطة الأولى تتلخص في أن المادة إذا وقعت في يد إنسان شرير تصير مُهْلِكَة، وإذا دخلت في يد إنسان مُتقدس تتقدس.
العبرة ليست بالكثرة بَرَكَةُ الرَّبِّ هِيَ تُغْنِي وَلا يَزِيدُ الرَّبُّ مَعَهَا تَعَباً. (أم ۲۲:۱۰)
النقطة الثانية هي أن العبرة ليست بالكثرة. قد يظن الإنسان أنه إذا جمع أموالاً وفيرة وحاز ممتلكات كثيرة، يصبح من الأثرياء ومتى أصبح ثرياً، تنتفخ ذاته ويصبح له مكانة كبيرة في المجتمع. لكن العبرة ليست بالكثرة، وإنما العبرة في البركة. فإذا وضع الإنسان في ذهنه أن يجمع المال، يدخل الشيطان ويضع إصبعه، فيجمع الإنسان إلى كيس مثقوب. وقد تنحرف الإرادة، فيبحث عن المال بشتى الطرق، بحق أو بغير حق. ضع في ذهنك أن العبرة ليست بالكثرة، لأن الخمس خبزات الصغيرة، أصبحت بركة كبيرة في المسيح. وكل شيء يتقدس بكلمة الله والصلاة. نحن مقدسون للمسيح، ومدعوين للتقديس. فنحن أعضاء في جسد المسيح، نتناول جسده ودمه الأقدسين واتحادنا بالمسيح يجعلنا نبارك كل شيء. لذلك كل شيء يقع بين يديك، يتقدس ويتبارك كل ما في بيتك مقدس ومبروك، لأن وسيلة الحصول عليه مقدسة. أنت في حياتك متقدس، وكل ما يصل إلى يدك يتقدس. كل شيء يتقدس في حياة أولاد الله الملابس تُباع وتشترى من المتاجر، لكن متى ارتداها أحد القديسين، تتقدس. أتظن أن ثياب المسيح كانت مصنوعة من قماش نازل من السماء، لذلك كان الجموع يتزاحمون ليلمسوا ولو طرف هدب ثوبه آباؤنا القديسون كانوا يرتدون ثياباً عادية، لكنها تقدست عندما ارتدوها . لذلك فإن قطعة صغيرة من ثوب الأنبا أبرام ثمينة جداً، لأنها انتسبت لأحد القديسين ولامست جسده المقدس. الحياة هي التي تُقدس المادة. إذا كنت مقدساً ، تُقدس ما بين يديك وتقدس المادة التي تستعملها. وإذا انحرف الإنسان، يصبح عبداً للمادة والأموال والمقتنيات والشهوات القديسون استخدموا المادة وهم ملتصقين بالله، فصارت المادة في حالة من التجلي. لذلك لما وقف المسيح على جبل التجلي، صارت ثيابه بيضاء كالنور. وعندما أمسك الخمس أرغفة بيديه الطاهرتين، وبارك وشكر وكسر، لم تعد الأرغفة عادية، بل أصبح فيها سر عجیب و صارت تزيد وتنمو وتطعم وتشبع. هناك آمن بالبركة وليس الكثرة أمن أن الله قادر أن يضع يده في الحياة، ويلمس الحياة نفسها فيبارك لن يكون بركة دون لمسة الله في الحياة. لذلك يقول الكتاب: بَرَكَةُ الرَّبِّ هِيَ تُغْنِي وَلَا يَزِيدُ الرَّبُّ مَعَهَا تَعَباً”. لأن مع الغني، يوجد تعب. ومع كثرة المال، كثرة الهموم والمخاوف بركة الرب هي تغني. لا تهتم إن كنت تملك القليل أو الكثير ، الأهم هو أن تشعر بيد المسيح معك لذلك
مَتَى كَانَ لأَحَدٍ كَثِيرٌ فَلَيْسَتْ حَيَاتُهُ مِنْ أَمْوَالِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَكُونُوا أَغْنِيَاءَ فَيَسْقُطُونَ فِي تَجْرِبَةٍ وَفَخُ. (١ تي ٦: ٩)
النقطة الثالثة مَتَى كَانَ لأَحَدٍ كَثِيرٌ فَلَيْسَتْ حَيَاتُهُ مِنْ أَمْوَالِهِ” هل تستمد الحياة من الممتلكات؟ هل تستمد حياتك من أموالك؟ لابد أن يفصل ذهن الإنسان بين ما يمتلكه وما يحياه. فحتى لو امتلكت الدنيا بأسرها، فإن ممتلكاتك لا تمنحك الحياة. المادة لا تعطي الحياة. مَتَى كَانَ لأَحَدٍ كَثِيرٌ فَلَيْسَتْ حَيَاتُهُ مِنْ أَمْوَالِهِ. نحن نستمد الحياة من المسيح وليس مما نمتلكه آباؤنا القديسون عاشوا فقراء جداً، ولكن كانوا مملوئين حياة. حين ينصرف ذهن الإنسان ناحية الملكية، يدخل في متاهات كثيرة جداً. لذلك يقول بولس الرسول في رسالته الأولى إلى تيموثاوس: “وَأَمَّا الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَكُونُوا أَغْنِيَاءَ فَيَسْقُطُونَ فِي تَجْرِبَةٍ وَفَحْ وَشَهَوَاتٍ كَثِيرَةٍ غَبِيَّةٍ وَمُضِرَّةٍ تُغَرِّقُ النَّاسَ فِي الْعَطَبِ وَالْهَلَاكِ. حين يريد الإنسان أن يستحوذ ويمتلك، يقع في تجربة وفخ. قد يقع في الطمع أو الخصام أو السرقة أو أي من الذنوب والعادات الرديئة التي تُغرق النفس في الهلاك الذين يريدون أن يكونوا أغنياء في هذا الدهر ، تنكسر بهم السفينة. لذلك لا تقل: “أنا أريد أن أكون غنياً ، بل قل: “أريد فقط أن أشعر بيد المسيح في حياتي”. هذا هو الغنى الحقيقي.
قدم نفسك خبزاً مكسوراً أَخَذَ يَسُوعُ الأَرْغِفَةَ وَشَكَرَ وَوَزَّعَ عَلَى التَّلَامِيذِ وَالتَّلَامِيذُ أَعْطَوُا الْمُتَّكِئِينَ. (يو ٦: ١١)
النقطة الرابعة أن الخبزات التي أمسك بها المسيح كسرها. وإلا كيف كان يمكن توزيعها! المسيح له المجد أمسك الخبزات وشكر وبارك وكسر ووزع هذه النقطة ضد الأنانية. لأن الثروة والملكية تجعلان الإنسان يتحوصل حول ذاته فقط، فيجمع لنفسه ويدور حول نفسه ويريد ما لنفسه ومصلحته فقط وأولاً مهما كان الأمر. المسيح كسر ووزع. هذا العمل ضد الذات. أترضى أن تُكْسَر وتُوَزَع؟ أترضي أن تبذل نفسك وتعطي ذاتك لآخر ؟ هذه هي البركة. فإن كان الإنسان يعيش لِذَاته ومسراته ولَذَّاتِه وراحة نفسه فقط، يكون خُبزة صحيحة. لكن لما يبدأ يتذوق المسيح ويضع حياته في يد المسيح، يُكْسَر ويصير بَرَكَة. أن يُكْسَر الإنسان ويُوزَع، عملية صعبة بكل تأكيد لكنها لذيذة. فجيد ومرضي أمام الله أن يحيا الإنسان لآخرين. ماذا يجني الإنسان إن كان يحيا لذاته؟ سر الفرح في الكسر والتوزيع وإسعاد وإشباع الكثيرين. حين يعيش الإنسان لآخرين ويبذل نفسه ويَكْسِر الأنا الخاصة به، يوزع وينتشر ويكون سبب فرح للآخرين. سر الفرح في الحياة المسيحية هو الصليب علي الصليب بذل المسيح ذاته وكسر نفسه لأجل آخرين. لذلك نحن نتناول المسيح خبزاً مكسوراً. صدقني، كلما يُشفق الإنسان على نفسه من الكسر، كلما يكون بعيداً عن حياة الفرح وفي اليوم الذي فيه يكسر الإنسان ذاته ويفرط فيها، يختبر ويتذوق طعم الفرح.
المسيح له المجد في يمينه شبع سرور
تُعَرِّفُنِي سَبِيلَ الْحَيَاةِ. أَمَامَكَ شِبَعُ سُرُورٍ فِي يَمِينِكَ نِعَمٌ إِلَى الأَبَدِ. (مز ١١:١٦) النقطة الخامسة أن المسيح له المجد في يمينه شبع سرور. لما سأل يسوع فيلبس “مِنْ أَيْنَ نَبْتَاعُ خُبْزَاً لِيَأْكُلَ هَؤُلَاءِ؟”، أَجَابَهُ فِيلُبُسُ: “لاَ يَكْفِيهِمْ خُبْزَ بِمِئَتَيْ دِينَارٍ لِيَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَيْئاً يَسِيراً.” أي قليل من الطعام أو تصبيرة”. لكن حاشا أن يكون عند المسيح تصبيرة. عند البشر، كل شيء يكون بقدر وحساب. أما المسيح فعنده غنى وافر ، وهو لا يعطي بحساب. لذلك أكلوا جميعهم وشبعوا. أتعتقد أنك تدخل عند المسيح في الكنيسة، وتتناول شيئاً يسيراً ! لا يصح ! أنا أدخل إلي الكنيسة، وأشبع حتى الامتلاء. عند المسيح، أشبع حتى يفضل عني الخبز. الإبن الضال وهو في الكورة ،البعيدة، كان يشتهي أن يأكل الخرنوب أكل الخنازير الذي يمثل طعام العالم. وعندما عاد لنفسه ، قال “كم” من أجير عند أبي يفضل عنه الخبز”. إفهم تماماً أن المسيح يعطي للشبع. وجودك وسط الخمسة آلاف هو وجودك في الكنيسة والمسيح قائم في وسطها يُشبع ويعطي بيده إياك أن تخرج من الكنيسة جائعاً. ما دمت ضيفاً على المسيح وهو يكسر ويوزع بيده، يعطيك لتأكل فتخرج من الكنيسة شبعان جداً من ناحية الفرح ومن ناحية التعزية ومن ناحية السلام ومن ناحية هدوء النفس هل يكون هذا حالك عندما تخرج من الكنيسة؟ أتعجب صدقوني لإنسان يخرج من الكنيسة غضبان، مُتعب، مُثقل النفس يتشاجر بمجرد خروجه. مثل هذا المسكين لم يأخذ ولم يأكل ولم يشبع إذا كان الإنسان وسط الخمسة آلاف والمسيح بيده يكسر الخبزات ويعطي، سيشبع من كل جهة. أكلوا جميعهم وشبعوا ” . يخرج الإنسان من الكنيسة شبعان جداً، فرحان جداً، مكتفي جداً، لا يُعوزه شيء لأنه أخذ طبعاً الشبع ليس تمثيلية يقنع بها الإنسان نفسه، بل هو طعام حقيقي. نحن نتناول المسيح الذي قال: جسدي” مأكل “حق”. أنت تأكل الحق وليس خيالاً، تأكل وتشبع وتخرج نفسك شبعانة تستطيع أن تدوس العسل ولربنا المجد الدائم إلى الأبد آمين.
المرجع كتاب الينبوع للمتنيح القمص لوقا سيداروس صفحة ٥٠- ٥٣
الخروج وراء المسيح
إنجيل القداس من بشارة معلمنا مار مرقس البشير (مر٨ : ١- ٩) بركاته علينا آمين.
اترك كل شيء واتبع المسيح إذْهَبْ مِنْ أَرْضِكَ وَمِنْ عَشِيرَتِكَ وَمِنْ بَيْتِ أبيكَ إلَى الأَرْضِ الَّتِي أريك (تك۱۲ : ۱)
جمع غفير من الرجال والنساء والأطفال خرجوا وراء المسيح وظلوا كما يقول الإنجيل ثلاثة أيام صائمين بلا طعام أو شراب. فقد كان الموضع الذي يتسع لخمسة آلاف رجل ومثلهم من النساء والأطفال قفراً يبعد عن المدينة والضوضاء والأشغال تركوا كل شئ وخرجوا وراءه ونسوا أمر الطعام، إذ كانت قلوبهم متجهة نحو المسيح بإخلاص. وهذه علامة يمكن للإنسان أن يميزها في نفسه. إن كان يتبع المسيح ولا يزال متمسك بتوافه أو عظائم الأمور التي تخص الأرض، فهذه لا تُعد تبعية. التبعية التلقائية التي رأيناها في نواة الكنيسة، الجموع الأولى الذين خرجوا وراء المسيح بإخلاص دون أن ا حساب شيء فتركوا البيوت والأشغال والاهتمامات. المضبوطة هي يحسبو راجع الإنجيل من بداية سفر التكوين، تجد أن بداية الحركة الروحية هي أن يترك الإنسان من قلبه كل شيء ويتبع المسيح دون أن يحسب حساب شيء أو يعول الهم أو يخاف على شيء مما في العالم كله. بهذا المفهوم العميق خرج وراء المسيح أناس بسطاء جداً من الفلاحين والصيادين الفقراء. كان هذا الخروج يضاهي خروج أبونا إبراهيم أبو الآباء حين قال له الرب: إذْهَبْ مِنْ أَرْضِكَ وَمِنْ عَشِيرَتِكَ وَمِنْ بَيْتِ أَبِيكَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أريكَ”. فترك كل شئ. كذلك حينما دعا يسوع متى الرسول وقَالَ لَهُ: “اتْبَعْنِي، تَرَكَ كُلَّ شَيْءٍ وَقَامَ وَتَبِعَهُ. إذا كان قلب الإنسان متعلقاً بأمر من أمور العالم لن يتبع المسيح. تبعية المسيح في الواقع هي اختيار الحرية من رباطات العالم بمجرد أن يجد الإنسان المسيح ويحبه ويتعلق به ويتبعه من قلبه، تنقطع وتنفك القيود والرباطات. ويترك الإنسان كل ما في العالم ليس عن اضطرار، ولكن عن اختيار المسيح قال عن التاجر الذي كان يطلب اللآلئ الحسنة أنه لَمَّا وَجَدَ لُؤْلُؤًةً وَاحِدَةً كَثِيرَةَ الثَّمَنِ، مَضَى وَبَاعَ كُلَّ مَا كَانَ لَهُ وَاشْتَرَاهَا. تبعية المسيح على هذا الوجه تكون حركة قلبية داخلية، فيها يترك الإنسان الأب والأم والأخ والصديق ليلتصق بالواحد لذلك لا تتعجب أبداً أن المسيح يقول: إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَيَّ وَلَا يُبْغِضُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَامْرَأَتَهُ وَأَوْلَادَهُ وَإِخْوَتَهُ وَأَخَوَاتِهِ حَتَّى نَفْسَهُ أَيْضاً فَلا يَقْدِرُ أَنْ يَكُونَ لِي تِلْمِيذاً”.
كلام المسيح يؤكل مأكلاً حقيقياً للحياة ليس بالخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ بَل بِكُلِّ مَا يَخْرُجُ مِنْ فَمِ الرَّبِّ يَحْيَا الإِنْسَانُ. (تث ۳:۸)
لا عجب أن الجموع مكثوا ثلاثة أيام دون تعب أو ملل ولم يصيبهم جوع أو عطش. لأن هذه هي طبيعة كلمة المسيح. كلام المسيح محيي، يستطيع أن يغني الإنسان عن حاجات الجسد والغرائز الطبيعية، مثل غريزة الجوع والرغبة في تناول الطعام الذي بدونه لا تقوم الحياة. والطبيعي أن الناس في أيام المسيح كانوا يتناولون طعاماً في الصباح قبل الذهاب لأعمالهم ووقت الظهيرة وفي المساء. لكنهم نسوا أمر الطعام تماماً، لولا أن المسيح أشفق على الجمع إذ كان لهم ثلاثة أيام يمكثون معه وهم صائمين. وفي سفر التثنية توجد آية يحفظها الجميع عن ظهر قلب تقول: “ليْسَ بِالخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الْإِنْسَانُ بَلْ بِكُلِّ مَا يَخْرُجُ مِنْ فَمِ الرَّبِّ يَحْيَا الإِنْسَانُ.” أي أن كلام المسيح وهم أكلوا الكلام الذي سمعوه بآذانهم مأكلاً حقيقياً. نحن نختبر هذا الشبع عندما نعيش بالروح. إذا اندمج الإنسان بالروح في الصلاة، يكف عما للجسد. قد يقف الإنسان ساعة أو ساعتين يصلي، وقد سمعنا عن آباء، منهم من كان يقضي الليل كله واقفاً في الصلاة. بالطبع كانوا بشراً لهم أجساد مثل أجسادنا ، لكنهم كانوا يستمدون نعمة الحياة والوجود والعقل والقوة من معطي الحياة وليس من مصدر مادي. وعرفوا طعم مذاقة سماوية تشدد الجسد. مكث الجموع مع المسيح ثلاثة أيام صائمين دون طعام. لأنه هو نفسه الذي عال بني إسرائيل أربعين عاماً في البرية وأنزل لهم المن النازل من السماء فأكلوه وعاشوا به وهو من قال: “أَنَا هُوَ الْخُبْزُ الْحَيُّ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ”. لذلك لي شهوة أن أتذوق الإنجيل، أخذ منه وأشبع ولا تعود حاجات الجسد تشغلني.
الإنجيل للحياة، تأخذ منه وتأكل وتشبع. وكلما قُرِئَ الإنجيل في الكنيسة، إعلم أن المتكلم هو المسيح. هذه قاعدة متى دخلت إلى الكنيسة وسمعت الشماس يقول “قفوا” بخوف من الله وانصتوا لسماع الإنجيل المقدس”، إعلم أن المسيح يتكلم بذاته، فيجب أن تكون في كامل انتباهك. لذلك تُحرم قوانين الكنيسة على من يدخل أثناء قراءة الإنجيل أن يتحرك في الكنيسة نحو المقعد ، بل عليه أن يثبت في مطرحه لأن المسيح بذاته يتكلم. والشمعتان المضاءتان على جانبي المنجلية كملاكين يعلنان حضور المسيح المتكلم. فأنت لا تسمع الإنجيل على فم شماس أو كاهن، بل من فم المسيح ذاته.
المرجع كتاب الينبوع للمتنيح القمص لوقا سيداروس صفحة ٢٢٢، ٢٢٣
المتنيح القمص لوقا سيداروس
معجزة إشباع الجموع فصل من إنجيل القداس من بشارة معلمنا لوقا البشير ( لو ٩ : ١٢ – ١٧ ) بركاته تكون معنا أمين وصول النعمة أَعْطُوهُمْ أَنْتُمْ لِيَأْكُلُوا (لو۹: ۱۳)
الناس أكلوا وشبعوا بأيدي الرسل الأطهار طبعاً المسيح الذي بارك في الخمس خبزات، يستطيع أن يشبع الجموع بنفسه. لكن هذا هو الطريق الذي رسمه المسيح لوصول النعمة. كان من الممكن أن يجلسوا حيث كانوا، والذي كسر الخبزات لتشبع الخمس آلاف يوصلها لهم. لكنه قال: “أَعْطُوهُمْ أَنْتُمْ لِيَأْكُلُوا”، وأطعمهم بأيدي الرسل الذين أخذوا من يد المسيح وأعطوهم. وهو ما يحدث إلى الآن. لا يوجد وسيط ، والناس، لكن هذا هو تدبير الله وعمله ألا يمكن أن أعترف على يد المسيح بدلاً من الكاهن؟ وهل يمكن أن تتناول من يد المسيح وتعتمد من يده بشكل مباشر ؟ هل تعتقد أن هناك من يحجز المسيح عنك؟ المسيح هو الذي عين الرسل الأطهار وأعطاهم سلطاناً، وأعطاهم أن يعملوا هذا العمل، ليكونوا قنوات لتوصيل النعمة. هل تظن أن تدبير الكنيسة منذ البدء أو الرسل الأطهار أو خلفائهم يعملون كوسطاء بينك وبين الله؟ هل هم أغراب عنك؟ الرسل الأطهار هم آباؤنا، والكاهن الذي يناولني، هو أبي وليس بين الله غريباً عني. الفكر البروتستانتي فكر مر وردئ لأن الرسل الأطهار هم آبائي وهم أعمدة السماء. لما المسيح أعطاهم ليعطوا الجموع وأوصل النعمة بأيديهم، لم يكونوا عائقاً أو مانعاً. النعمة تصل لي من خلال هذه القنوات، والمسيح هو الكل في الكل فعلاً إنجيل البركة إنجيل لذيذ جداً، يجب أن نشبع منه إياك أن تظن أنها قصة مستهلكة، سمعتها عشرات المرات وترددها كل يوم في صلاة الساعة التاسعة من النهار. الإنجيل لا حدود له ولا يُشبع منه، تأخذ وتأخذ حتى يفضل عنك الخبز، إلى أن تشبع نفسك وجسدك وروحك.
بركة المسيح ليست للأمور المادية رَفَعَ نَظَرَهُ نَحْوَ السَّمَاءِ وَبَارَكَها ثُمَّ كَسَّرَ وَأَعْطَى التَّلَامِيذَ لِيُقَدِّمُوا لِلْجَمْع (لو ١٦:٩)
أريدك أن تفكر في قيمة الخبزات في ذاتها. خمس خبزات ،شعير ليس لهم قيمة، وأقصى ما يمكن أن تعمل هذه الخبزات هو أن تشبع إنسان واحد الأمر الذي تغير في الخبزات، هو أنها وضعت في يد ربنا يسوع المسيح. أمسكها بيده المقدسة التي بلا عيب ولا دنس وباركها. وعندما نقرأ الإنجيل بأكثر تدقيق يقول: “رَفَعَ نَظَرَهُ نَحْوَ السَّمَاءِ وَبَارَكَها ثُمَّ كَسَّرَ وَأَعْطَى التَّلَامِيذَ . حين أخذ المسيح الخبزات على يده وباركها، أصبح في الخبزة سر داخلي عجيب جداً. تحولت إلى خبزة مبروكة. فتوزعت الخمس خبزات على خمسة آلاف رجل. أي أن الخبزة الواحدة، أشبعت ألف نفس. هل يمكن لخبزة واحدة أن تطعم ألف نفس! سر البركة استودع في هذه الخبزة البسيطة ، فأصبحت تشبع ألف إنسان وتفيض. هي لا تظن أن بركة المسيح وسر المسيح للأمور المادية مثل الخبز. لأن الخبزات الجديدة في يد المسيح، أنت وأنا. في العهد القديم، كانت البركة تستودع في الأمور المادية. فكان لما عبر بنو إسرائيل نهر الأردن، أنهم وقفوا وأوقفوا فرقة على جبل يباركون، وفرقة ثانية يلعنون جبل للبركة وجبل للعنة. وأخذوا يُعددون البركات التي يمكن أن يأخذها الإنسان إذا نفذ الناموس. فيكون مباركاً في كثرة الأولاد، وفي سلة الخبز التي لا تَفْرُغ أبداً ، والثور يلقح ولا يخطئ، والغنم والبقر ينمو ويُكثر، والكرمة والتينة وكل الخيرات المادية تزدهر. أما إن لم يرض الرب عن الإنسان يكون ملعوناً في دخوله وخروجه، في المدينة وخارجها، وتأتي عليه الأمراض والسيف، يبحث عن الخبز فلا يجد، والأرض لا تعطيه قوتها والأشجار والزروع لا تثمر. كان هذا هو العهد العتيق، الذي كان محصوراً في الأمور المادية. تصور أن البعض لديه هذه العقلية حتى الآن يعتقدون أن البركة الإلهية في كثرة الأموال! هذا خطأ. فقد كانت الأمور المادية تعبيراً عن البركة للإنسان اليهودي لأنه مادي جسداني. وإلى الآن يعتقد اليهود أن زيادة خيرات الأرض دليلاً على رضي الله. إذا رضي الله عن إنسان تزيد خيرات الأرض. وإذا غضب عليه، تنبري وتصير ضده.
سرا البركة هو الاتحاد بالمسيح والحياة به القَلِيلُ في يد الصِّدِّيقِ خَيْرٌ مِنْ ثَرْوَةِ أَشْرَارٍ كَثِيرين (مز ٣٧: ١٦)
الله يصير سر البركة هو الاتحاد بالمسيح والحياة به هذا السر يصحب الإنسان حيثما يذهب، ويُعرف الإنسان بأنه مبروك ومقدس لأنه إنسان الله وحبيب المسيح والبركة ليست زيادة الأمور المادية، لكن البركة هي أن ، في حياتك ويستخدمك في أعمال الخير عادة ما يشكو الناس من ضيق الوقت وسرعة مرور قطار الزمن الذي يأخذ معه سنوات العمر الإنسان المسيحي المتمسك بالمسيح، لا يخشى الزمن. لأن كل يوم فيه سر البركة. والبركة ليست في كثرة عدد الساعات. فاليوم لن يزيد عن أربع وعشرين ساعة، لكن البركة في كم الأعمال الجليلة التي يستخدمنا الله فيها خلال ساعات اليوم الواحد. هل تستطيع أن تصف مثلاً أحد أيام حياة أنبا ابرآم أسقف الفيوم؟ بالتأكيد عدد ساعات يومه لم تزد ساعة واحدة ، لكن أعمال الخير التي عملها في ساعات اليوم كانت بلا عدد فكان يومه مبروك للغاية وكبير جداً. الإنسان الموضوع في يد المسيح، الذي يستخدمه المسيح ويخدم به، يومه يكون يوم خلاص والوقت عنده وقت مقبول كل وقته بركة. وفي المقابل، عندما يحيد الإنسان ويخرج من يد المسيح، يدخل في يد أخرى، فيصير لعنة لنفسه ولعنة للآخرين. ويكون سبب خراب لنفسه وسبب خراب للآخرين. الشيطان حين يمتلك الإنسان يعمل به خراب في نفسه وفي عائلته، وفي كل مكان تطأه قدماه يسئ إلى كل ما يلمسه لأن الإنسان المتنجس، ينجس كل ما يلمسه. بينما الإنسان المقدس يبارك كل شيء. يبارك المأكل والمشرب، ويبارك الدخول والخروج ويبارك القليل. “أَلْقَلِيلُ في يد الصِّدِّيقِ خَيْرٌ مِنْ ثَرْوَةِ أَشْرَارٍ كَثِيرِينَ”. يمكن للإنسان بالفعل أن يبارك أو يدنس. المسيح بارك الخبزات وبالأكثر بارك أولاده أنظروا إلى الرسل الأطهار هؤلاء الإثني عشر الذين فتنوا المسكونة، كانوا سر البركة أينما ذهبوا حول العالم فهل يمكن لي في حدودي الضيقة الصغيرة أن يكون في سر البركة؟ حتماً إنسان الله حينما يدخل إلى مكان، يحل السلام لأنه حامل المسيح. يعطي سلاماً للنفوس الموجودة لأنه مبروك.
الشبع الروحي فيه الكمال المسيحي الرَّبُّ رَاعِيَّ فَلا يُعْوِزُنِي شَيْءٌ. (مز ۲۳ : ۱)
أمسك المسيح الخبزات وباركها وكسرها وأعطى فأشبعت لذلك يقول الكتاب: “أكلوا جميعهم وشبعوا”. طبعاً الوصول للشبع هو نقطة الشعور بالرضا. وهذا هو منهج المسيح، فلا يوجد عند المسيح جائع. والمزمور يقول: “اَلرَّبُّ رَاعِيَّ فَلاَ يُعْوزُنِي شَيْءٌ”. أكون بالحقيقة شبعان. لو أعطوني أموال الدنيا أو خسرت أموال الدنيا، هذا الأمر يخرج عن الشبع. لأن كل ما في العالم لا يُشبع نفسك. ألا تنظر المسيح أشبعهم في البداية حين سمعوا كلامه وجلسوا معه، ودخل إليهم كلام الحياة. ثم قدم لهم الخبز فأكلوا وشبعوا علامة الشبع علامة بسيطة عليك أن تحفظها في ذاكرتك ولا تنساها أبداً، وهي للآخرين ولا تقارن نفسك بالآخرين. حين تفكر أن فلان اشترى سيارة، أو نجح في عمل ما، أو حصل على مكسب كبير ، أو تنظر إلى أولاده وتفكر في أن حالهم أفضل من أولادك، وتقول “اشمعنا”، تكون غیر شبعان طالما وُجدَت هذه الآفة في الحياة، لا يكون الإنسان شبعاناً عليك أن تضع عينيك على المسيح. تشعر أنه أعطاك خيراً فائقاً ارجع لنفسك لترى نفسك على أصولها، هل تستحق الخير الذي أخذته؟ المسيح أعطاني بسخاء، وأعطاني أكثر مما أستحق وفوق ما أفتكر النعم التي أخذتها ليست للاستحقاق، وإنما هي نعم وإحسانات الله عليّ. حتى في الروح، حين ينعم الله على أخي بغني النعم الروحية، فيصنع آيات وعجائب، هل هذا ضدي ؟ هل نحن أحزاب؟ كلا، هذا لحسابي. كل ما في الكنيسة من معجزات ومواهب الله
هي لحسابي كلها لحساب الكنيسة، فنحن لسنا أحزاب الواحد ضد الآخر. إن أصاب أخوك خيراً وفيراً، تفرح له جداً لأنه أخوك. أما الغيرة العالمية المقيتة فهي علامة عدم الشبع. لما يشبع الإنسان من المسيح يزهد في كل ما للغير من الأقوال الجميلة لمار اسحق السرياني والتي كان يحبها البابا كيرلس: “ازهد فيما للناس يحبك الناس”. ازهد في الأمور العالمية التي في أيدي إخوتك، وكذلك الأمور الروحية، يحبك الناس. القديس بولس الرسول لما كرز في وسط البلاد، كان هناك أثرياء ضمن رعيته. فحين قدم التقرير الأخير في سفر الأعمال إصحاح ۲۰ ، استدعى قسوس الكنيسة وقال لهم: “فِضَّةَ أَوْ ذَهَبَ أَوْ ثياب أحَدٍ لَمْ أَشْتَهِ. حتى شهوة الأمور التي في أيدي الناس لم تأتِ على قلبه. وهذا هو الكمال المسيحي. باركها وكسرها وأعطاها فأشبعت هل ممكن تكون هذه هي حياتك؟ ممكن يكون في حياتك حقاً ، سر البركة، وتكون متنازل فعلاً عن ذاتك وعن كرامتك، وتعطي حياتك للمسيح يكسرها ويوزعها لمن يشاء؟ تستطيع أن تُشبع لا إلى سد حاجة الجسد، بل إلى شَبَّع أبدى في المسيح يسوع. ولربنا المجد الدائم إلى الأبد آمين.
المرجع : كتاب الينبوع للمتنيح القمص لوقا سيداروس ( صفحة ١٥٠ ، ١٥٥ ، ١٥٦، ١٥٨، ١٥٩ )
من وحي قراءات الأحد الثالث من شهر أبيب
أعطي التلاميذ والتلاميذ أعطوا الجموع (لو ١٦:٩)
كلمهم عن ملكوت الله يفسر لنا لماذا شبعوا بالقليل
أعطوهم أنتم ليأكلوا وصية الرب لكل راعي وكل خادم
العجيب أن التلاميذ أعطوا للرب الخبزات والسمكتين ولم يسألوا كيف؟
كل عطية صالحة من فوق لكننا كرعاة أحياناً ننسي مع الوقت
اثنين زائد خمسة يساوي خمسة آلاف بيده الإلهيه
أعطي التلاميذ للجموع الأكل والرب أعطاهم الشبع
إتكاء الجموع فرقا فرقا جعل التوزيع سهلا ومحايدا
رفع نظره نحو السماء يعلن من أين يأتي الشبع
إجمعوا الكسر يعلمنا أن لاننسي في شبعنا من يحتاجون إلى كسرنا
تذكرنا هذه المعجزة بالإفخارستيا في حضور الرب وشركة التلاميذ وشبع الجموع
المراجع :
١- العلامة أوريجانوس تفسير إنجيل متي إصحاح ١٤ – القمص تادرس يعقوب ملطي
Jr, A.J. & Oden, T.C. (2003). Luke (The Ancient Christian Commentary on Scripture, New Testament part III). Illinois (U.S.A): InterVarsity Press. Pages 150
٢- ترجمة الأخت إيفيت منير – كنيسة مار مرقس ببني سويف
٣- شرح إنجيل يوحنا لكيرلس عامود الدين (صفحة ٣٢٨) – مشروع الكنوز القبطية
٤- المرجع: كتاب المنجلية القبطية الأرثوذكسية صفحة (٢٦١) – قداسة البابا تواضروس الثاني