“شريعة الحق كانت في فيه، وإثم لم يوجد في شفتيه. سلك معي في السلام والاستقامة، وأرجع كثيرين عن الإثم ” (ملا ٢ : ٦)
” رفعة قديسيه إلى العلي معه ..فليضيء علينا نور معرفتك الحقيقية لنضيء بشكلك المحيي ”
قسمة للابن في عيد القيامة
” يصلّي في كل لحظة بدموع من أجل الطبيعة غير الناطقة أيضاً ، ومن أجل أعداء الحق ومن أجل الذين يؤذونه ، لكي يُحفظوا ويُغفر لهم . ويصلي أيضاً من أجل الزواحف لأن الرأفة العظمي تتحرك في قلبه بدون حدود او قياس ، فيشابه الله في ذلك[1] ”
” لا يخلص الكاهن لأجل شرفه، إنما إن سلك بما يليق بشرفه ”
القديس جيروم – تفسير سفر الخروج إصحاح ٢٨ – القمص تادرس يعقوب ملطي
شواهد القراءات
(مز ٨٨ : ١٤ ، ١٥) ،(مت ١٠ : ٣٤ – ٤٢) ،(مز ١٣١ : ٧ ، ١٢ ، ١٣) ،(لو ٦ : ١٧ – ٢٣) ،(عب ٧ : ١٨ – ٨ : ١٣) ،(٣يو ١ : ١ – ١٥) ،(أع ١٥: ٣٦ – ١٦ :٥) ،(مز ٩٨ : ٥ ، ٦) ،(يو ١٦ : ٢٠ – ٣٣)
ملاحظات علي قراءات يوم ٢٨ هاتور
+ قراءة إنجيل عشيّة اليوم (مت ١٠ : ٣٤ – ٤٢) هي نفس قراءة إنجيل عشيّة ليوم ٢٦ طوبه ( شهادة التسعة والأربعون شهيداً شيوخ شيهات ) ، يوم ١ نسئ ( شهادة القديس أفتيخوس ) ، وهي نفس قراءة إنجيل باكر ليوم ٢٧ برمودة ( شهادة بقطر بن رومانوس )
وهي القراءة التي تكلمت عن محبة الرب فوق كل شيء ، وبذل الحياة كلها لأجله ، وقبول الألم حتي الموت من أجل الإيمان
+ إنجيل باكر اليوم (لو ٦ : ١٧ – ٢٣) هو إنجيل التطويبات للذين احتملوا الآلام من أجل الإيمان ، وهو الحديث الذي وجهه الرب لتلاميذه القديسين ( آية ٢٠ ) لكي لا ينزعجوا من الإضطهاد الذي سوف يقع عليهم بسبب الكرازة ، وهو نفس إنجيل باكر في قراءات أيام ٢٧ بابه ( تذكار أنبا مكاريوس أسقف إدكو ) ، ٩ هاتور ( تذكار إنعقاد مجمع نيقية ) ، ١٧ هاتور ( تذكار يوحنا ذهبي الفم ) ، ٢٦ طوبه ( تذكار شهادة شيوخ شيهيت )
ويُضاف إلي هذه القراءة الجزء السابق لها (لو ٦ : ١٢ – ٢٣) ، وهو الجزء الخاص بإختيار الآباء الرسل ، لذلك جاء في قراءة إنجيل باكر ليوم ٢٦ بشنس ( تذكار توما الرسول ) ، وإنجيل باكر ليوم ٥ أبيب ( تذكار شهادة القديسين بطرس وبولس ) ، وإنجيل القدّاس في اليوم الثاني من النسئ ( نياحة القدّيس تيطس الرسول )
+ قراءة الكاثوليكون اليوم (٣يو ١: ١ – ١٥) تُشبه قراءة الكاثوليكون (٣يو ١ : ١ – ٨) للأحد الرابع من شهر بشنس
مجيء القراءة اليوم للإشارة للرعاة الصالحين ( ديمتريوس ) ، والرعاة الكذبة ( ديوتريفوس ) ، بينما مجيئها في قراءة الأحد الرابع من بشنس للإشارة إلي سلوك المحبة الشاهدة للمسيح
+ قراءة الإبركسيس اليوم (أع ١٥: ٣٦ – ١٦ : ١ – ٥) هي نفس قراءة الإبركسيس ليوم ٣٠ برمودة ، وأيضاً نفس قراءة الإبركسيس للأحد الرابع من شهر بابه
مجيئها اليوم للإشارة إلي القديس صرابامون أسقف نيقوسيا الذي كانت أيضاً مُضايقات اليهود في أورشليم سبباً في ذهابه بإرشاد إلهي إلي الإسكندرية وإقامته أسقفاً وإستشهاده فيها ( ٢٨ هاتور )
بينما مجيئها يوم ٣٠ برمودة هو للإشارة إلي احتواء الله لضعفات الرعاة في خلافاتهم، وسماح الله لذلك لأجل عظم تدبيره الإلهي ، ولأجل مجيء مار مرقس إلي قبرص ومن بعدها إلي مصر ( ٣٠ برمودة ) ،
أمَّا مجيئها في الأحد الرابع من بابه فهو للإشارة إلي افتقاد الرعاة للرعية ، والتي تعلن افتقاد الله لشعبه ” وافتقد الله شعبه – إنجيل القدَّاس ”
+ قراءة هذا اليوم مُحوَّلة عليها قراءات الأساقفة (خمسة وعشرون قراءة )
القراءات المُحوَّلة
تاسع توت شهادة القديس أنبا بسوره أسقف مصيل
ثالث وعشرون بابة نياحة القديس ديونسيوس أسقف كورنثوس
رابع هاتور نياحة يوحنا ويعقوب أساقفة أرض فارس
رابع عشر هاتور شهادة القديس مرتينوس أسقف ثراكي وتذكار الثلاثة فتية القديسين
ثالث وعشرون هاتور نياحة كرنيليوس الأسقف
عاشر كيهك نياحة أنبا نيقولاوس أسقف مورا
سابع وعشرون كيهك شهادة أنبا ابصادي وغلينيكوس الأساقفة
ثامن عشر طوبة نياحة القديس يعقوب أسقف نصيبين
ثالث وعشرون طوبة شهادة تيموثاوس الأسقف تلميذ بولس الرسول
ثاني وعشرون أمشير تذكار أنبا ماروثا الأسقف
رابع وعشرون أمشير نياحة أنبا أغابيطوس الأسقف
ثاني برمهات نياحة أنبا مكراوه الأسقف
خامس برمهات نياحة أنبا صرابامون الأسقف
سابع عشر برمهات نياحة لعازر حبيب الرب أسقف قبرص
تاسع عشر برمودة شهادة القديس سمعان الأرمني أسقف الفرس
حادي عشر بشنس تذكار أنبا بفنوتيوس الأسقف
سابع عشر بشنس نياحة أبيفانيوس أسقف قبرص
سابع وعشرون بشنس نياحة لعازر أسقف قبرص
ثالث بؤونة شهادة القديس اللاديوس الأسقف
رابع عشر بؤونة شهادة أبا كير ويوحنا وابطولما القسوس
عاشر أبيب شهادة القديس تادرس أسقف الخمس مدن الغربية
ثالث عشر أبيب نياحة القديس بسنتاؤس أسقف قفط
حادي عشر مسري نياحة أنبا مويسيس أسقف أوسيم
رابع وعشرون مسري نياحة أنبا توما أسقف مرعش ونياحة أنبا تكلاهيمانوت الحبشي
خامس النسئ شهادة أنبا يعقوب أسقف مصر
شرح القراءات
قراءات هذا اليوم تخص تذكار القديس صرابامون أسقف نيقية ومُحوّل عليها تذكار خمسة وعشرون من الآباء الأساقفة في أيام مختلفة
لذلك تتركز قراءات اليوم علي المُختارين للخدمة وتبعيتهم للرب ومكافأتهم وضعفاتهم ومعونة الرب لهم
تبدأ المزامير باختيارهم ( مزمور عشية )
ونوره لهم ( مزمور باكر )
واستجابة صلواتهم ( مزمور القداس )
في مزمور عشية نري اختيار الله لخدامه من بين الشعب والمسحة للخدمة والتعضيد السماوي
( رفعت مختاراً من شعبي وجدت داود عبدي مسحته بدهن مقدس لأن يدي تعضده )
وفِي مزمور باكر يهيئ الله لهم سراجه ونوره ويسبغ عليهم من قدسه وهم يتمنطقون بالعدل والبهجة ثمرة برّه فيهم
( كهنتك يلبسون العدل وأبرارك يبتهجون من أجل داود عبدك هيأت سراجاً لمسيحي وعليه يُزهر قدسي )
أما مزمور القدَّاس فيحكي دالتهم عنده واستجابته صلواتهم
( موسي وهارون في الكهنة صموئيل في الذين يدعون باسمه كانوا يدعون الرب وهو كان يستجيب لهم بعامود الغمام كان يكلمهم )
ونجد في القراءات المقارنة بين كهنوت العهد القديم وكهنوت العهد الجديد ( البولس )
ومن هم فعلاً المُختارين ( الكاثوليكون )
وعمل النعمة فيهم ومعهم برغم الضعف البشري ( الإبركسيس )
فيشرح البولس بالتفصيل كهنوت العهد القديم ومحدوديته وعدم كماله كتمهيد للكهنوت الكامل والكاهن الأعظم رئيس الكهنة الذي قدّم ذاته لخلاصنا وبدأ مع البشرية عهداً جديداً للجميع الصغير والكبير وجعل كلمته في أذهانهم وقلوبهم ومحا كل خطاياهم
( لأن أولئك بدون قسم قد صاروا كهنة أما هذا فبقسم من القائل له أقسم الرب ولن يندم أنت كاهن إلي الأبد علي طقس ملكي صادق علي قدر ذلك قد صار يسوع ضامناً لعهد أفضل … قد أخذ كهنوتاً لا يتغير فمن ثم يقدر أن يخلّص أيضاً إلي التمام الذين يتقدمون به إلي الله إذ هو حي في كل حين ليشفع فيهم … لأن هذا هو العهد الذي أعاهد به بيت إسرائيل بعد تلك الأيام يقول الرب أجعل نواميسي في أذهانهم وأكتبها علي قلوبهم وأنا أكون لهم إلهاً وهم يكونون لي شعباً )
ويُظهر الكاثوليكون المُختارين الحقيقيين – غايس وديمتريوس – ويفرّق بينهم وبين الفَعَلة الماكرون المُغيّرون شكلهم إلي شبه رسل المسيح – ديوتريفوس – والفرق بين خدمة الحق وخدمة الذات والمتكأ الأوّل
( أيها الحبيب أنت تفعل بالأمانة كل ما تصنعه إلي الأخوة وعلي الخصوص إلي الغرباء الذين شهدوا بمحبتك أمام الكنيسة … كتبت إلي الكنيسة ولكن ديوتريفوس الذي يحب أن يكون الأول بينهم لا يقبلنا .. وإذ هو غير مكتف بهذه لا يقبل الأخوة ويمنع أيضاً الذين يريدون قبولهم ويطردهم من الكنيسة … أما ديمتريوس فمشهود له من الجميع ومن الحق نفسه )
ويكشف الإبركسيس عن الضعف البشري الواضح للقادة مهما كانت قامتهم ولكن بالرغم من هذا يعمل الله فيهم وبهم ويذهب مرقس الرسول لمصر ويشهد له القديس بولس ولخدمته ويعمل الله أيضاً في الكارز العظيم بولس
( وكان برنابا يريد أن يأخذ معهما يوحنا الذي يُدعي مرقس وأما بولس فكان يريد أن الذي فارقهما من بمفيلية ولم يأتِ معهما للعمل لا يأخذانه معهما فحصل بينهما مغاضبة حتي فارق أحدهما الآخر وبرنابا أخذ مرقس وأقلع إلي قبرص أما بولس فأختار سيلا …. فكانت الكنائس تتشدّد في الإيمان وتزداد في العدد كل يوم )
أما الأناجيل فتتكلّم عن مكافأة المُختارين مع تحذير ( إنجيل عشية )
وتطويب ( إنجيل باكر )
ووعد إلهي ( إنجيل القداس )
يُحذِّر إنجيل عشية من العواطف الضارّة التي تعوق إختيار الله لخدّامه والهروب من الأتعاب وحَمْل الصليب
( من أحب أباً أو أماً أكثر مني فلا يستحقني .. ومن لا يحمل صليبه ويتبعني فلا يستحقني من وجد نفسه يضيَّعها ومن أضاع نفسه من أجلي يجدها)
لكنه أيضاً يُعْلِن مكافأة الخدّام حتي علي الأمور البسيطة
( ومن يسقي أحد هؤلاء الصغار كأس ماء بارد فقط بإسم تلميذ فالحق أقول لكم أنه لا يضيع أجره )
وفِي إنجيل باكر يُعطي التطويب لمن يخدمون برغم تعيير الناس لهم وحتي لو صار إسمهم شرّير من أجل إبن الإنسان
( طوباكم إذا أبغضكم الناس وأفرزوكم وعيّروكم وأخرجوا اسمكم كشرير من أجل إبن الإنسان افرحوا في ذلك اليوم وتهلّلوا فهوذا أجركم عظيم في السماء لأن أباءهم هكذا كانوا يفعلون بالأنبياء )
ويختم إنجيل القداس بوعود الله لخدّامه ومختاريه وفِي ذات الوقت يقارن بين أفراح العالم وأفراح خدّام الله كما جاء أيضاً في إنجيل باكر
( الحق الحق أقول لكم أنكم ستبكون وتنوحون والعالم يفرح أنتم ستحزنون ولكن حُزنكم يتحول إلي فرح … فأنتم كذلك الآن ستتكبَّدون حزناً ولكني سأراكم أيضاً فتفرحون ولا ينزع أحد فرحكم منكم وفِي ذلك اليوم لا تسألونني شيئاً الحق الحق أقول لكم أنَّ كلَّ ما تطلبونه من الآب بإسمي أعطيكم إياه إلي الآن لم تطلبوا شيئا بإسمي أطلبوا فتأخذوا ليكون فرحكم كاملاً … في العالم سيكون لكم ضيق ولكن ثقوا أنا قد غلبت العالم )
ويُعلِّق القديس ديديموس الضرير على كلمة ” خرج ”
” نعم، يقول ربنا ومخلصنا عن نفسه في الإنجيل: “لأني خرجت من قبل الله (الآب) وأتيت، لأني لم آتِ من نفسي لأن ذاك أرسلني” (يو ٨: ٤٢). وبنفس المعنى يقول حبقوق لله: “خرجت لخلاص شعبك، لخلاص مسيحك، سحقت رأس بيت الشرير، معريًا الأساس حتى العنق” (حب ٣: ١٣).
وكما يخرج ويأتي إلى من يخلصهم كذلك يخرج بصورة أوضح عندما يصنع حربًا (ضد إبليس). جاء في سفر ميخا: “فإن هوذا الرب يخرج من مكانه وينزل ويمشي على شوامخ الأرض” (مي ١: ١٣) ، وفي إشعياء: الرب كالجبار يخرج كرجل حروب ينهض غيرته، يهتف ويصرخ ويقوى على أعدائه ” (إش ٤٢ : ١٣) [2].”
ورُبَّما يُقْصَدْ بالمرأة هنا أمنا العذراء والدة الإله لأكثر من سبب
مجيء لقب المرأة ارتباطا بأمنا العذراء والدة الإله جاء في بداية خدمة الرب في عرس قانا الجليل (ما لي ولكِ يا امرأة لم تأت ساعتي بعد) ، وفي تمام وكمال خدمته علي الصليب ( يا امرأة هوذا ابنك )
في هاتان الحادثتين ارتبطتا الكلمة بالصليب، وفي هاتان الحادثتين تَحوَّل الحزن إلي فرح
ورُبَّما المقصود ب ” المرأة وهي تلد تحزن – في ترجمة أخري تعاني – هي آلام الصليب كقول قطع الساعة التاسعة ( أمَّا العالم فيفرح لقبوله الخلاص وأمَّا أحشائي فتلتهب عند نظري إلي صلبوتك ) ، وكقول سمعان الشيخ لها ( وأنت أيضاً سيجوز في نفسك سيف لتعلن أفكار من قلوب كثيرة )
لذلك عندما تمَّ الخلاص بموت المسيح وقيامته لم تعد أمنا العذراء تتذكَّر كل ما اجتازته من ألم ومعاناة بسبب الفرح بالخلاص ( الولد الذي جاء إلي العالم )
وإرتباط كلمة إمرأة بالصليب يذكره البابا غريغوريوس الكبير
” لم يكن رب الملائكة خاضعًا للساعة، إذ هو الذي خلق فيما خلق الساعات والأزمنة. لكن لأن العذراء الأم رغبت في أن يصنع معجزة عندما فرغت الخمر، لذلك للحال أجابها بوضوح كما لو قال: “إني أستطيع أن أفعل معجزة تأتي من عند أبي لا من عند أمي”. فإن ذاك الذي في ذات طبيعة أبيه صنع عجائب جاءت من أمه، وهو أنه يستطيع أن يموت. وذلك عندما كان على الصليب يموت. لقد عرف أمه التي عهد بها لتلميذه قائلًا: “هذه أمك” (يو ١٩: ٢٧ ) . إذن بقوله: “ما ليّ ولك يا امرأة لم تأتِ ساعتي بعد” تعني “المعجزة التي ليست من طبيعتك لست أعرفك فيها. عندما تأتي ساعة الموت سأعرف أنكِ أمي إذ قبلت ذلك فيك أنني أستطيع أن أموت[3] ”
ويشرح أبونا أنطونيوس فكري في تفسير هذا النص
” والمسيح ضرب مثالاً بالمرأة التي تحزن حينما تأتي ساعتها لتلد بسبب الخوف من آلام الولادة ولكن حزنها يشوبه رجاء وفرح وأمل وسريعاً ما يتحول الحزن إلى فرح …. وبالنسبة لنا ، فكل تجربة مادية فيها حزن، ولكن حين نلجأ لله نجد أن الروح القدس يكشف لنا وسط أحزاننا عن وجه المسيح المحب فيتحول حزننا إلى فرح. وأيضاً أحزان التوبة المقدسة هكذا تتحول إلى فرح. فالمسيح بدمه يغفر وبقوته يحول الخسارة لمكاسب روحية. والروح القدس يعطى للمتألم الرؤية لوجه المسيح المملوء حنانا ومحبة فيتعزى.
ولكن لماذا اختار المسيح التشبيه بآلام المرأة التي تلد؟
١-إن المرأة تقبل على هذه الآلام اختيارياً وبإرادتها وهي تعلم قسوة آلامها.
٢- فترة الحزن والألم قليلة جدًاً لا تزيد عن ساعات في حالة الولادة. (هكذا قال المسيح للتلاميذ ويقول لنا “أما قدرتم أن تسهروا معي ساعة واحدة”).
٣- يعقبها فرح بولادة طفل
٤- الولادة بآلامها الصعبة يخرج منها فرح. وهكذا الصليب سيخرج منه قيامة، وأي حزن يسمح به الله لنا سيخرج منه حياة وبه نَكْمُل = “حولت لي العقوبة” (القداس الغريغوري) فالألم نتيجة الخطية يحوله الله إلى خلاص = تزكية أي تنقية.
والأبرار الذين فهموا هذا طلبوا التجربة كما قال داود النبي “أبلنى يا رب وجربنى، نقى قلبي وكليتى” سبعينية (مز ٢٦ : ٢)، ويقول القديس يعقوب “احسبوه كل فرح يا إخوتي حينما تقعون في تجارب متنوعة” (يع ١ : ٢).
وهكذا اختار المسيح آلام الصليب بإرادته (وهي كانت لفترة ساعات) ولكن أعقبها فرح المسيح بولادة كنيسته. ومهما زادت فترة آلامنا في طريق القداسة الذي اخترناه، فهي لن تزيد عن أيام عمرنا، وهي قليلة ، ولكن يعقبها فرح أبدي. آلامنا وتجاربنا هي كآلام الأم إن إحتملناها يولد فينا إنسان جديد فالألم يطهر (١بط ٤: ١). عموماً طريق المسيح يبدأ دائماً بالألم وينتهي بالفرح هنا على الأرض ومن المؤكد في السماء[4].
ملخّص القراءات
يختار الله الرعاة وهم يخدمون بالعدل كأنه رداءهم وهو يستجيب صلواتهم مزمور عشيّة وباكر والقدّاس
خدمة كهنوت العهد الجديد ظهرت ظلالها في القديم ويسطع بهائها في خُدَّام الحق برغم ضعفاتهم البشرية البولس والكاثوليكون والإبركسيس
أحزان وآلام الخدمة التي نقبلها فتجعلنا مُستحقِّين أن نكون تلاميذه وتجعل أجرنا عظيم في السماء وتتحول فينا إلي فرح كامل ونصرة دائمة إنجيل عشيّة وباكر والقدّاس
أفكار مُقترحة للعظات
(١) آلام الخدمة والرعاية وكيفية مواجهتها وتعويضات الله
١- آلام اجتماعية ومكافأة سماوية
” وأعداء الإنسان أهل بيته ” إنجيل عشيَّة
” لأن يدي تُعضِّده ” مزمور عشيَّة
برغم ضيقات المحيطين بالخادم والراعي إنما تسنده اليد الإلهية وتُعضِّده
٢- آلام من الناس يقابلها غني داخلي ومجد إلهي
” طوباكم إذا أبغضكم الناس وأفرزوكم وعيَّروكم .. ” إنجيل باكر
” فهوذا أجركم عظيم في السماء ” إنجيل باكر
” وعليه يُزْهِر قدسي ” مزمور باكر
٣- آلام رعوية ( بسبب رعاة كذبة ) لكن مازال يوجد رعاة أمناء وعاملين بالحق
” ديوتريفس الذي يحب أن يكون الأوَّل بينهم .. لا يقبل الإخوة ” الكاثوليكون
” أما ديمتريوس فمشهود له من الجميع ومن الحق نفسه ” الكاثوليكون
٤- ضعفات القادة وتدبير الله لإحتواء الضعف
” فحصل بينهما مُغاضبة حتي فارق أحدهما الآخر ” الإبركسيس
” فكانت الكنائس تتشدَّد في الإيمان وتزداد في العدد كل يوم ” الإبركسيس
٥- آلام العالم وضيقاته واستجابة الله للصلاة ونصرته لأولاده
” في العالم سيكون لكم ضيق ” إنجيل القدَّاس
” كل ما تطلبونه من الآب بإسمي أُعطيكُم إيَّاه … ولكن ثقوا أنا قد غلبت العالم ” إنجيل القدَّاس
(٢) الكهنوت
١- مسحة الكهنوت
” رفعت مختاراً من شعبي … مسحته بدهن مقدَّس ” مزمور عشيَّة
٢- دعم الكهنوت
” لأن يدي تُعَضِّده ” مزمور عشيَّة
٣- كهنوت العهد الجديد
” وأمَّا هذا فمن أجل أنه يبقي إلي الأبد قد أخذ كهنوتاً لا يتغير فمن ثم يقدر أن يخلّص أيضاً إلي التمام الذين يتقدمون به إلي الله إذ هو حي في كل حين ليشفع فيهم لأنه كان يليق بنا رئيسُ كهنةٍ مثل هذا قدوس بلا شرّ ولا دنس قد انفصل عن الخطاة وأرتفع أهلا من السموات ” البولس
٤- بين النموذج والعثرة
” أيها الحبيب أنت تفعل بالأمانة كلَّ ما تصنعه إلي الأخوة وعلي الخصوص إلي الغرباء الذين شهدوا بمحبتك أمام الكنيسة ”
” ديوتريفس الذي يحب أن يكون الأوَّل بينهم .. لا يقبل الإخوة ” الكاثوليكون
٥- ضعفات القادة والرعاة
” فحصل بينهما مُغاضبة حتي فارق أحدهما الآخر ” الإبركسيس
٦- ضيقات الخدمة
” في العالم سيكون لكم ضيق ” إنجيل القدَّاس
(٣) الفرح الذي لا يُنزع – الطلبة المُستجابة – النصرة الأكيدة إنجيل القدَّاس
١- الفرح الذي لا يُنْزَع
” ولكني سأراكم أيضاً فتفرحون ولا ينزع أحد فرحكم منكم وفِي ذلك اليوم لا تسألونني شيء ”
يوجد فارق كبير بين فرح النفس وفرح القلب
الأول عاطفي إنفعالي سطحي يعتمد علي المؤثرات الخارجية وعلي الجوانب النفسية
الثاني فرح روحي يعتمد علي حضور الله في حياة الإنسان لذلك يمس القلب والأعماق
والجميل أن الرب يقول أننا إذا امتلأنا بهذا الفرح القلبي لا نحتاج أن نسأل شيئاً لأن هذا الفرح ستكون فيه كل الكفاية
(٢) الطلبة المُستجابة
” كل ما تطلبونه من الآب بإسمي أُعطيكُم إيَّاه ”
في هذه الحالة ستكون طلبة أولاد الله ملكوت الله وبرّه (مت ٣٣:٦) وسيكون السؤال الدائم في الصلاة الامتلاء من الروح القدس (لو ١٣:١١) وسننشغل فقط فيما هو لخلاصنا وأي طلبات أخري سنطلبها مع الخضوع الكامل والثقة المتناهية في تدبير أبوته الإلهية ومحبته الفائقة
(٣) النصرة الأكيدة
” في العالم سيكون لكم ضيق ولكن ثقوا أنا قد غلبت العالم ”
غلبتنا علي العالم وضيقاته لا تكون إلَّا به ، الغالب ، والذي خرج غالباً ، ولكي يغلب (رؤ ٢:٦) والغلبة هنا ليست رفع الضيقات ، بل اجتياز أتونها دون ضرر ، وإذا امتلأ الإنسان من محبة المسيح فلن يقف أمامه شدة أو ضيق أو اضطهاد … (رو ٣٥:٨)
عظات آبائية
الشهيد كبريانوس حزنكم يتحول الي فرح
من جهة الراحة، ماذا نجد في العالم سوى حرب دائمة مع الشيطان، وصراع في معركة دائمة ضد سهامه وسيوفه؟! حربنا قائمة ضد محبة المال والكبرياء والغضب وحب الظهور، وصراعنا دائم ضد الشهوات الجسدية وإغراءات العالم.
ففكر الإنسان يحاصره العدو من كل جانب، وتحدق به هجمات الشيطان من كل ناحية. وبالجهد يقدر للفكر أن يدافع، وبالكاد يستطيع أن يُقاوم في كل بقعة. فإن استهان بحب المال، ثارت فيه الشهوات. وإن غلب الشهوات انبثق حب الظهور. وإن انتصر علي حب الظهور اشتعل فيه الغضب والكبرياء، وأغراه السُكر بالخمر، ومزّق الحسد انسجامه مع الآخرين، وأفسدت الغيرة صداقاته.
هكذا تعاني الروح كل يوم من اضطهاداتٍ كثيرةٍ كهذه، ومن مخاطرٍ عظيمةٍ كهذه تُضايق القلب، ومع هذا لا يزال القلب يبتهج ببقائه كثيرًا هنا بين حروب الشيطان! مع أنه كان الأجدر بنا أن تنصب اشتياقاتنا ورغباتنا في الإسراع بالذهاب عند المسيح، عن طريق الموت المعجل. إذ علمنا الرب نفسه قائلًا: “الحق الحق أقول لكم أنكم ستبكون وتنوحون والعالم يفرح؛ أنتم ستحزنون، ولكن حزنكم يتحول إلى فرح” (يو ١٦: ٢٠).
من منّا لا يرغب في أن يكون بلا حزن؟!
من منّا لا يتوق إلى الإسراع لنوال الفرح؟!
لقد أعلن الرب نفسه أيضًا عن وقت تحويل حزننا إلى فرح بقوله: “ولكن سأراكم أيضًا فتفرح قلوبكم ولا ينزع أحد فرحكم منكم” (يو ١٦: ٢٠). مادام فرحنا يكمن في رؤية المسيح… فأي عمى يُصيب فكرنا، وسخافة تنتابنا متى أحببنا أحزان العالم وضيقاته ودموعه أكثر من الإسراع نحو الفرح الذي لا ينزع عنا؟[5]!
القديس كيرلس الأسكندري
معني غلبة العالم في فكر القديس كيرلس الكبير
(يو ٣٣:١٦) “قد كلمتكم بهذا ليكون لكم فيّ سلام ، في العالم سيكون لكم ضيق ولكن ثقوا انا قد غلبت العالم”. وكأن المسيح هنا يلّخص حديثه إليهم من أجل فائدتنا، ويقدم في كلمات قليلة معنى ما قد قاله لهم، ويضع أمامهم معرفة مشيئته بأختصار. وكأنه يقول: لأني قد كلمتكم بهذه الكلمات”لكى يكون لكم فيّ سلام”، ولكى تعرفوا أنكم ستقابلون إضطراباً في العالم، وستتعرضون لضيقات كثيرة من أجلي ولكنكم لن تنهزموا من الأخطار التي تحيط بكم “لأني قد غلبت العالم” .
ولكى أجعل ما قد قلته واضحًا تمامًا بالنسبة لكم، فإني سأشرح لكم اولاً ما معني”ان يكون لنا سلام في المسيح” لأن العالم أي اولئك الذين يحبون أمور العالم، هم في سلام بعضهم مع بعض، ولكنهم ليس لهم سلام في المسيح. فمثلًا ، إن الذين يسعون وراء اللذات الحسية هم أعزاء جدًا ومحبوبون من المشابهين لهم في سعيهم، وأيضًا الإنسان الذي يشتهي الغنى الذي لا يملكه، يكون لهذا السبب جشعًا وميالاً للسرقة، وهو يكون مقبولًا من أولئك الذين يمارسون نفس رذائله.” لأن كل مخلوق يحب مثيله، والإنسان يميل الي شبيهه” بحسب القول (يشوع ابن سيراخ ١٥:١٣).
ولكن في كل العلاقات من هذا النوع فإنه لفظة السلام المقدسة تستخدم في أمور وضيعة، والمثل الذي ذكرناه صحيح ، ولكنه مع القديسين يختلف عما هو مع الأشرار. لإن الخطية ليست هي رباط السلام، بل بالحرى الإيمان والرجاء والمحبة وقوة التقوى من نحو الله.وكل هذا في المسيح . إن أهم العطايا الصالحة المعطاة لنا هي ” السلام في المسيح”، والذى يجذب وراءه المحبة الاخوية التي هي لصيقة للسلام.
الرسول بولس يقول: “إن المحبة هي تكميل الناموس”(رو ٢٠:١٣). والذين يحبون بعضهم بعضًا سوف تأتي إليهم بالتأكيد محبة الله نفسه فوق كل شيءٍ آخر ، وكما يقول يوحنا إنه إن أحب أحد أخاه فلابد ان يحب الله نفسه أيضًا. ويشير الرب الي حقيقة اخرى ، وأعني في كلماته:”في العالم سيكون لكم ضيق، ولكن ثقوا أنا قد غلبت العالم”، فأي شخص يريد ان يفسر هذه الكلمات بمعنى بسيط سيقول هكذا: لقد ظهر المسيح أنه اعلي وأقوى من كل خطية ومن كل عائق عالمى ، ربنا إنه غلب فإنه أيضًا سيمنح القوة للغلبة لأولئك الذين يجاهدون لأجل إسمه.
وإن أراد أحد ان يجد معنى أعمق لهذه الكلمات، فإنه قد يتأمل هكذا: بما أن المسيح كإنسان ، مات وقام من اجلنا ، جاعلًا قيامته بداية الانتصار علي الموت، فإن قوة قيامته ستمتد إلينا نحن بالتأكيد ، حيث ان ذاك الذي غلب الموت هو واحد منا لكونه أتخذ جسدنا، وكمًا إننا بقوته نغلب الخطية ونغلب الموت الذي مات تمامًا في المسيح اولاً، فالمسيح اذ هو الذي يزودنا بالبركة كاقرباء له ، لذلك أيضًا ينبغي ان نثق ونفرح لأننا سوف نغلب العالم .
لإن المسيح كإنسان غلبه لأجلنا ، صائراً بذلك البداية والباب والطريق لجنس البشر، لإن الذين كانوا مرة ساقطين ومهزومين، قد صاروا الان منتصرين وغالبين ، بواسطته فهو الذي غلب كواحد منا ولأجلنا. لانه لو كان قد غلب كإله لما كنا قد انتفعنا بشيء ولكن بغلبته كإنسان نكون نحن غالبين.
لأنه بالنسبة لنا هو آدم الثاني الآتي من السماء حسب الكتاب(١كو ٤٧:١٥) وكما لبسنا اولاً صورة الترابي وصرنا مثله ساقطين تحت نير الخطية، هكذا بالمثل أيضًا سنلبس صورة السمائي(١كو ١٥) أي المسيح، غالبين قوة الخطية ومنتصرين علي كل ضيقة تقابلنا في العالم، لإن المسيح قد غلب العالم[6].
العلَّامة أوريجانوس
لنتأمل الآن عبارة يسوع: “لأني خرجت من قِبَلْ الله وأتيت” (يو ٨: ٤٢). يبدو أنه نافع ليّ أن أضع بجانب هذه الكلمات، الكلمات التالية من ميخا: “اسمع يا شعبي كلماتي، ولتصغِ الأرض وملؤها، وليكن الرب شاهدًا في وسطكم، الرب من بيت المقدس.
فإنه هوذا الرب يخرج من مكانه ويطأ شوامخ الأرض، فتهتز الجبال تحته، وتذوب الوديان كالشمع أمام النار، وكالماء المنصب في منحدرٍ” (مي ١: ٢ – ٤).
الآن تأملوا ما إذا كانت العبارة: “إني خرجت من قِبَل الله” تعادل هذه العبارة، حيث أن الابن في الآب، بكونه في شكل الآب قبل إخلائه لنفسه (في ٢: ٦ – ٧) ، كان الله في مكانه، فإنه يبدو كما في تناقض أنه يخرج من قِبَل الآب وفي نفس الوقت لا يزال في الله.
يُقال إن الله ينزل عندما يتنازل ليعطي اهتمامًا بالضعف البشري. هذا يلزم تمييزه خاصة بالنسبة لربنا ومخلصنا، هذا الذي إذ “لم يحسب خلسة أن يكون معادلًا لله، لكنه أخلى نفسه وأخذ شكل العبد” (في ٢: ٦ – ٧) ، بهذا نزل.
فإنه “ليس أحد صعد إلى السماء إلاَّ الذي نزل من السماء ابن الإنسان الذي هو في السماء” (يو ٣: ١٣) فإن الرب نزل، ليس فقط لكي يهتم بنا بل وأيضًا ليحمل ما هو لنا، إذ “أخذ شكل العبد”، ومع كونه هو نفسه غير منظور بالطبيعة، إذ هو مساوٍ للآب، إلاَّ أنه أخذ شكلًا منظورًا، إذ “وُجد في الهيئة كإنسانٍ” (في ٢: ٧)[7].
القديس يوحنا ذهبي الفم
جهاد الكاهن في حياة التقوى في فكر القديس يوحنا ذهبي الفم
يجب أن يتحصن الكاهن بالأسلحة القوية والعزيمة الصلبة والتقوي الدائمة . ويجب أن يكون يقظاً في كل شيء حتي لا يوجد أي أحد عرياناً وغير محروس وملوث ومضروب من الشيطان بالضربات المميتة .
لأن كثيرين يقفون حول الكاهن ويحاولون أن يجرحوه ويسقطوه لأسفل ، ليس فقط أعداؤه ولكن أيضاً كثير من الذين يتظاهرون بأنهم يحبوه . ولذلك يجب أن يهتم بالنفوس ويحرسها كما عملت نعمة الله في حفظ أجساد القديسين في أتون النار ، إن النار المتقدة ليست هي الاشجار التي تحترق ولا القار (الزفت) الذي يغلي بل هو شيء أسوأ من كل ذلك ، لانه ليست النار المادية هي الخطرة بل كل القذائف من الحقد الذي يحيط بهم الذي هو أخطر من تلك النيران التي كانت تحيط بأجساد الثلاثة فتية .
وحين تكون حياة الكهنة كاملة في كل أمر من الأمور فإن حيل الشياطين لا يمكن أن تؤذيهم . ولكن إن كان الكاهن – ككائن بشري – مخطئاً في أي أمر صغير فإن كل بقية أعماله الصَّالحة لا يمكن أن تدفع كلمات إدانته من المشتكين عليه . وهذه العثرات الصغيرة في حياة الكاهن تسبغ ظلاً علي كل بقية حياته. لأن كل أحد يريد أن يدين الكاهن ليس كأنه إنسان في الجسد ولا كأنه كائن بشري بل ينظرون اليه كأنه ملاك وغير مستثني من ضعفات الآخرين[8].
وأيضاً لذهبي الفم “دموع الراعي”
تذكروا دموعه، لمدة ثلاث سنوات، ليل نهار لم يكف عن البكاء (أع ٢٠: ٣١) وبهذا تفحصون الأمر، إن تلك الدموع تشرق لا أعنى أن تبكوا لأجل الآخرين (وأنى لأود أن تفعلوا ذلك، لكن ذلك أعلى منكم) بل البكاء لأجل خطاياكم أنتم وإني أنصحكم أن تفعلوا ذلك.
أي نبع تشبهونه بتلك الدموع التي في الفردوس، التي تسقى الأرض كلها، لكنكم لن تذكروا شيئًا من هذا القبيل، لأن نبع الدموع هذا يغسل النفوس، وليس الأرض، فإن أرانا أحد بولس وقد اغتسل في دموعه، وهو يئن، لن يكون ذلك بأفضل من رؤية جوقات لا تُحصَى تنال الأكاليل في فرحٍ زائدٍ؟
هذا الأمر يجعل أعين النفس أكثر جمالًا. إنه يكبح البطن، ويملأ بكل محبة الحكمة، بكل لطف، بل إنه قادر حتى أن يلطف نفس الحجر الصلد. بهذه الدموع ترتوي الكنيسة، بها تزرع الأغصان أجل منهما كانت الانفعالات الحية والجوهرية فإن تلك الدموع تطفئها؛ إن تلك الدموع تطفئ الأدران الدنسة التي للشرير.
إذا ما تذكرنا نحن دموعه، نضحك ونحتقر الأمور الحاضرة، تلك الدموع التي طوبها المسيح قائلًا: “طوبى للذين يبكون وينوحون، لأنهم سيضحكون” (مت ٥: ٤ )، (لو ٦ : ٢١).
هذه الدموع التي بكى بها إشعياء النبي وإرميا أيضًا: إذ قال إشعياء “أتركوني وحدي، سأبكي بمرارة” (إش ٢٢: ٤ السبعينية) وأما إرميا النبي فقال: “من يعطيني أذنِّي مياها وعيني ينابيع دموع كثيرة؟ (إر ٩ : ١) وكأن النبع الطبيعي (للبكاء) لم يكن بكافٍ.
ما من شيءٍ أحلى من تلك الدموع. أنها أحلى من الضحك، أن الذين يتعرضون عليه لا يعرفون مدى التعزية التي لها، لا تظنوا أننا نزعم أن هذا الأمر مستنكر، بل هو أمر يجب الصلاة لأجله كثيرًا، لا لكي يخطئ الآخرون، بل، لكي حينما يخطئون، نحزن بانكسار قلب لأجلهم.
هاتان العينان (للقديس بولس) رأتا الفردوس، رأتا السماء الثلاثة، لكنني لا أحسبهما مطوبتين بسبب تلك الرؤية، إذ بسبب تلك الدموع قد رأتا المسيح. حقا طوبى لذلك المشهد، لأنه هو نفسه تمجد به، قائلًا: “ألم أرى أنا يسوع المسيح ربنا” (١كو ٩ : ١) لكي أطوب أن نبكي.
هكذا (بكى) المسيح أيضًا، لكي بسعادة يجب أن يِّوفر دموعه.
فلنتذكر نحن هذه الدموع، ولنأتِ نحن ببناتنا وكذا أولادنا ونبكي نحن حين نراهم في شر.
هكذا الدموع ليست مؤلمة، أجل، الدموع التي تنهمر بسبب مثل هذا الحزن هي أحلى من الدموع المنسابة بسبب اللذة العالمية. اسمعوا النبي يقول: “سمع الرب صوت بكائي، سمع الرب صوت تضرعي” (مز ٦ : ٨).
حينما نعامل إنسانًا خاطئًا، يجب أن نبكي حزانى ومتنهدين، وإذا ما نصحنا أحدًا ولم يستجب، بل يمضي إلى الهلاك، يجب أن نبكي. فهذه هي دموع الحكمة السماوية، وحينما يكون إنسان في فقرٍ، أو في مرض جسماني، أو ميتًا، لا نبكي، لأن تلك أمور لا تستحق الدموع.
لا شيء يمسح الخطايا هكذا كالدموع.
ما من شيء أحلى من الدموع، لأنها هي أشرف عضو تعرفه وأجمل الأعضاء وهي بنت النفس. لهذا ننحني لها، كأننا رأينا النفس ذاتها تنوح[9].
وأيضاً لذهبي الفم “فرح وسط الآلام”
وعندما كتب إلى أهل تسالونيكى ، أشار إلى أشياء مشابهة أيضاً : ” وأنتم صرتم متمثلين بنا وبالرب ، إذ قبلتم الكلمة في ضيق كثير ” . لاحظ كيف جاز هؤلاء الضيق ، وليس فقط مجرد ضيق ، بل ضيقات كثيرة . لأن التجربة كانت صعبة ، والخطر كان مستمراً ، ولم يترك الذين جاهدوا أن يلتقطوا أنفاسهم أو يستريحوا .
لكن رغم كل هذه المعاناه ، وهذه الآلام ، لم يغضبوا ، ولم يتذمروا ، ولم يفقدوا شجاعتهم ، بل فرحوا كثيراً جداً ، من أين تستنتج هذا ؟ من كلمات الرسول بولس نفسه ، لأنه بعدما قال : ” في ضيق كثير ” ، أضاف : ” يفرح الروح القدس ” .
معلنا هكذا بأن التجارب وإن كانت قد سببت ضيقاً كثيراً ، إلا أنها قد ولدت فرحاً . لأن الذى عزاهم وأراح ضميرهم ، هو أن كل هذه المعاناة ، كانت لأجل المسيح . وما يدهشنى في المسيحيين آنذاك ، ليس في حجم أو قدر المعاناة والآلام التي جازوها ، بقدر ما أنهم عندما إجتازوا هذه الضيقات لأجل الله ، كانوا فرحين . وعندما يجتاز المرء الضيقة ، يعانى ، فهذه سمة من سمات الشجاعة ، والنفس المحبة لله .
لكن أن يحتمل أحد التجربة بنبل وشجاعة ، وأن يشكر ذاك الذى سمع بالتجربة ، فهذا ملمح نفس تتسم بالبطولة ، ومتطلعة نحو الأمور السمائية ، ومتحررة من كل الأمور الأرضيه . وليس فقط قد وصل الأمر إلى هذا الحد ، لكنه أعلن عن شرور أخرى قد عاناها المؤمنين أنذاك من أصدقائهم وأقربائهم ، وهذا كان أسوأ شيء ، هكذا يقول : ” فإنكم أيها الإخوة صرتم متمثلين بكنائس الله التي هي في اليهودية في المسيح يسوع ، لأنكم تألمتم أنتم أيضاً من أهل عشيرتكم تلك الآلام عينها ، كما هم أيضاً من اليهود ” في كل شيء صرتم متمثلين ؟ في أنكم ” تألمتم أنتم أيضاً من أهل عشيرتكم – كما من اليهود ” . إذاً ها هي حرب ، بل وحرب أهلية ، سبب ألماً كبيراً . يقول النبى : ” لأنه ليس عدو يعيرننى فأحمل .
ليس مبغضى تعظم على فأختبى منه . بل أنت إنسان عديلى ، إلفى وصديقى ” . وهذا ما حدث آنذاك كان يشغل الرسول بولس وهو يرى المؤمنين وهم يعانون ويتعبون ، فقد أراد المضطهدين أن يجعلوهم يركعون تحت ثقل الكوارث ، وأن يتألمون بسبب الإصابات المؤلمة جداً ، وإستخدموا أساليب متنوعة حتى يهبطوا من عزيمتهم الآن يقول لهم : ” إذ هو عادل عند الله أن الذين يضايقونكم يجازيهم ضيقاً ، وإياكم الذين تتضايقون راحة معنا ، عند استعلان الرب يسوع من السماء ” ويقول في موضع آخر الرب قريب لا تهتموا بشئ ” ، ويقول أيضاً : ” فلا تطرحوا ثقتكم التي لها مجازاة عظيمة . لأنكم تحتاجون إلى الصبر ، حتى إذا صنعتم مشيئة الله تنالوا الموعد ” .
بعد ذلك يحثهم على الإحتمال ، قائلاً : لأنه بعد قليل جداً سيأتى الآتى ولا يبطئ ” . تماماً مثل طفل يبكى ، ويتضايق بسبب غياب أمه ، ويطلبها بإستمرار وبدموع ، ثم يأتي جار ويعزيه ، قائلاً له إنتظر قليلاً ، وأينما تكون ، ستأتى أمك .
هكذا فعل الرسول بولس وهو يرى المؤمنين وهم متضايقون ، ويبكون ويحزنون ، ويطلبون جميعاً ظهور المسيح ، لأنه لم يكن في مقدورهم بعد أن يحتملوا هذا السيل من الكوازرث ،معزياً إياهم قائلاً : ” بعد قليل جداً سيأتى الآتى ولا يبطئ ” .
سمات الرسالة السمائية
إذاً فقد عانى التلاميذ آلامًا لا حصر لها ، فمثل الحملان المحاطة بالذئاب ، هكذا هم أيضاً فقد واجهوا هجوماً من كل مكان ، ومن أجل كل هذا ، صارت هذه الآلام ظاهرة ، أكثر مما قلنا سابقاً ولكى تعلم أن المعلمين قد نالهم الكثير من الآلام ، ليست بأقل من هذه الآلام ، بل عانوا ما هو أصعب بكثير ، لأنه بقدر ما تكدر وأغتم أعداء الحقيقة ، بقدر ما إضطهدوا المعلمين أكثر بكثير من غيرهم .
فذاك الذى كلمنا قبلاً عن هذه الآلام ، ستسمعوا منه الآن ، حين يكتب إلى أهل كورنثوس ، قائلاً : ” ولسنا نجعل عثرة في شيء لئلا تلام الخدمة. بل في كل شيء نظهر أنفسنا كخدام الله : في صبر كثير في شدائد في ضرورات في ضيقات ، في ضربات ، في سجون في اضطرابات ، في أتعاب ، في أسهار في أصوام ” . لاحظ كم المآسى التي أحصاها ، وكم عدد التجارب التي اجتازها ؟ فيكتب إليهم قائلاً : ” أهم خدام المسيح ؟ أقول كمختل العقل ، فأنا أفضل : في الأتعاب أكثر ، في الضربات أوفر.
بعد ذلك أراد أن يقنعنا كيف أن ما هو أكثر أهمية من أي شيء ، أن تتألم لأجل المسيح ، فهذا يعد أكثر أهمية من أن تكون صانع عجائب ، مظهراً سماته الرسولية ، موضحاً كيف أنه أسمى من هؤلاء ، لا أقول أسمى من الرسل ، بل أسمى من الرسل الكذبة ، مبرهناً على تفوقه وامتيازه ، ليس بآيات وعجائب ، بل بأخطار مستمرة ، قائلاً : ” في سجون أكثر ، في الميتات مراراً كثيرة من اليهود خمس مرات قبلت أربعين جلدة إلا واحدة . ثلاثة مرات ضربت بالعصى ، مرة رجمت ، ثلاث مرات انكسرت بى السفينة ليلاً ونهاراً قضيت في العمق .
بأسفار كثيرة بأخطار سيول ، بأخطار لصوص ، بأخطار من جنسى ، بأخطار من الأمم ، بأخطار في المدينة ، بأخطار في البرية ، بأخطار في البحر ، بأخطار من إخوة كذبة في تعب وكد ، في أسهار مراراً كثيرة ، في جوع وعطش ، في أصوام مراراً كثيرة ، في برد وعرى . عدا ما هو دون ذلك ” . هذه هي السمات الصحيحة للرسالة الحقيقية .
لأن الآيات والعجائب لا تفيد في شيء لأنهم مراراً كثيرة قد صنعوا معجزات ، ولم يربحوا شيئاً من وراء هذه المعجزات ، بل إنهم بعد كل هذه المعجزات ، سمعوا منه ” إنى لم أعرفكم قط ! اذهبوا عنى يا فاعلى الإثم ! ” لكن الذين يمكنهم أن يقولوا ما قاله الرسول بولس ، هم قله الآن ، ولن يسمعوا ذلك الصوت ، وسيرتفعوا إلى السماء بدالة ، وسيتمتعوا بكل الخيرات السمائية .
مجد الحياة الأخروية
ورغم أن الحديث قد إبتعد عن الموضوع ، لكن لا تخافوا ، فأنا لم أنسى وعدى لكم ، لنعود إلى موضوعنا الآن . إننى لم أبتعد مصادفة ، بل أردت أن أقيم الدليل والبرهان على ما أقوله ، بطريقة واضحة لا تقبل الشك ، وفى نفس الوت أشجع وأسند النفوس المتألمة ، حتى يتعزى كل من يمر بتجارب أو كل من يتعرض لمخاطر ، فيتعلم كيف يتألم مع بولس ، بل مع الرب يسوع . وعندما يشترك في آلام هذا الزمان الحاضر ، سينال مجد الحياة الأبدية . يقول : ” إن كنا نتألم معه لكى نتمجد أيضاً معه ” . وأيضاً : ” إن كنا نصبر فسنملك أيضاً معه ” . لأن هناك ضرورة في كل الأحوال ، أن يتألم المؤمن ويجتاز الضيقات لأن : ” وجميع الذين يريدون أن يعيشوا بالتقوى في المسيح يسوع يضطهدون ” .
وأيضاً يقول كاتب الحكمة : ” يا أبنى إن أقبلت لخدمة الرب الإله فأثبت على البر والتقوى وأعدد نفسك للتجربة أرشد قلبك وإحتمل ” . أمر جيد هو الإعلان مسبقاً ، بأننا سنجتاز التجارب سريعاً وبشدة في هذه الحياة الحاضرة ، لأن إختبار الآلام ضرورة وسند كبير وتعزية قوية . إن أتون الإتضاع ، كبير جداً ، ومتيز وإستثنائى ، ويثمر الكثير من الفوائد ، إسمع الكلام اللاحق ، يقول : ” اله يمحص في النار والمرضيين من الناس يمحصون في أتون الإتضاع ” .
وهذا معناه كما أن الذهب يتعذب في النار ، حتى يصير أكثر نقاوة ، هكذا هي نفوسنا ، بسبب الآلام والتجارب ، تخرج مشرقة وفى بهاء ، ويزول كل دنس خطاياها وينتهى . لذلك قال إبراهيم للغنى : ” وكذلك لعازر ( قد إجتاز ) البلايا . والآن هو يتعزى وأنت تتعذب ” .
ويكتب الرسول بولس إلى أهل كورنثوس ، قائلاً : ” من أجل هذا فيكم كثيرين ضعفاء ومرضى ، وكثيرون يرقدون . لأننا لو كنا حكمنا على أنفسنا لما حكم علينا ، ولكن إذ قد حكم علينا ، نؤدب من الرب لكى لا ندان مع العالم ” لذلك فإن الشاب الذى زنى مع امرأة أبيه قد سلمه لهلاك الجسد ، حتى تخلص الروح ، مبرهناً هكذا بأن التجربة التي تأتى ، تقود إلى الخلاص ، كما أن التجارب لمن يحتملها بشكر وفرح ، ستؤدى إلى تنقية النفس بشكل كامل . إذاً هكذا إجتاز المؤمنون ألاماً وكوارث كثيرة ، وأن التلاميذ والمعلمين ، لم يستطيعوا أن ينعموا بالهدوء والراحة ، وكانت أخطار شتى تحيط بهم من كل ناحية ، وكل هذا قد أظهرناه ، بل وأكثر من ذلك يمكن أن يجدد كل من يريد أن يتفحص الكتب الإلهية[10] .
القديس يوحنا كاسيان “النصرة”
لنتعلَّم في كل شيء أن نشعر بضعفنا الطبيعي، وفي نفس الوقت ندرك معونته، فنقول مع القدِّيسين:
“دحرتني دحورًا لأسقط، أمَّا الرب فعضَّدني. قوتي وتسبحتي الرب، وقد صار لي خلاصًا” (مز ١١٨: ١٣ – ١٤).
“لولا أن الرب معيني لسكنت نفسي سريعًا أرض السكوت، إذ قلت قد زلّت قدماي فرحمتك يا رب تعضدني” (مز ٩٤: ١٧ – ١٩).
ناظرين أيضًا أن قلوبنا تتقوَّى في مخافة الرب وفي الصبر، فنقول: “وكان الرب سندي، أخرجني إلى الرحب” (مز ١٨: ١٨ – ١٩).
وإذ نعلم أن المعرفة تنمو بالتقدُّم في العمل، نقول: “لأنَّك تضيء مصباحي أيُّها الرب، يا إلهي أنر ظلمتي، لأنَّه بك أخلص من التجربة وبك أتحصَّن”. حينئذ نشعر نحن أنفسنا بالانتماء إلى الشجاعة والصبر ونسير في طريق الفضيلة مباشرة وبسهولة عظيمة وبغير جهد، فنقول: “إنَّه الله الذي يمنطقني بالقوَّة ويجعل طرقي كاملة، الذي يجعل قدميَّ كقدميّ الإيل، ويجلسني في الأعالي، ويعلِّم يديَّ الحرب”.
نملك أيضًا روح التمييز، فنتقوَّى بذاك الذي به نستطيع أن نقهر أعداءنا، ونصرخ إلى الله: “تأديبك جاء عليَّ إلى النهاية، وسوف يعلِّمني تأديبك، توسِّع خطواتي تحتي فلم تتقلقل عقباي، ولأنِّي أنا هكذا أتقوَّي بمعونتك وقوَّتك”.
بجسارة أقول هذه الكلمات: “أتبع أعدائي فأدركهم، ولا أرجع حتى أفنيهم. أسحقهم فلا يستطيعون القيام، يسقطون تحت رجليَّ” (مز ١٨ : ٣٧ – ٣٨).
مرة ثانية نراعي ضعفنا الخاص وندرك هذه الحقيقة أنَّه بينما نظل مثقَّلين بالضعف الجسدي لا نستطيع بدون معونته أن نغلب مثل هؤلاء الأعداء (خطايانا)، فنقول: “بك سوف نشتِّت أعدائنا”، “باسمك ندوس القائمين علينا، لأنِّي علي قوسي لا أتَّكل، وسيفي لا يخلِّصني، لأنَّك أنت خلَّصتنا من مضايقينا، أخزيت مبغضينا” (مز ٤٤: ٦ – ٨) ، لكن فضلًا عن ذلك: “تمنطقني بقوَّة للقتال، تصرع تحتي القائمين عليَّ، وتعطني أقفية أعدائي ومبغضي أفنيهم” (مز ١٨ : ٣٩ – ٤٠).
إذ نتأمَّل أنَّنا بأسلحتنا الخاصة لا نستطيع أن نغلب، نقول: “امسك مجنًا وترسًا وانهض إلى معونتي، أشرع رمحًا وصد تلقاء مطاردي. قل لنفسي: خلاصكِ أنا” (مز ٣٥: ٢ – ٣).
“وتجعل يدي كسهمٍ من نحاس، وتجعل لي ترس خلاصك ويمينك تعضِّدني” (مز ١٨: ٣٥).
“آباؤنا ليس بسيفهم امتلكوا الأرض، ولا ذراعهم خلَّصتهم، لكن يمينك وذراعك ونور وجهك، لأنَّك رضيت عنهم” (مز ٤٤: ٤ – ٥).
أخيرًا بعقل مملوء غيرة نتأمَّل في كل بركاته بالشكر، فنصرخ إليه بمشاعر قلبيَّة عميقة لأجل كل هذه الأمور، لأنَّنا قاتلنا وأخذنا منه نور المعرفة وضبط النفس والتمييز (الفطنة)، ولأنَّه زودنا بأسلحته الخاصة، ومنطقنا بالفضيلة وجعل أعداءنا يهربون من أمامنا، وأعطانا القوَّة أن نحطِّمهم ونجعلهم كالرماد أمام الريح. “أحبَّك يا رب يا قوَّتي، الرب صخرتي ومنقذي، إلهي صخرتي به اَحتمي، ترسي وقرن خلاصي وملجأي، أدعو الرب الحميد فأتخلَّص من أعدائي” (مز ١٨: ٢ – ٤)
إنَّنا ندخل في سلسلة لا تنقطع من الحروب، يتبعها نصرات متتالية، وتمتُّع متجدِّد بقوَّة الله الغالبة بنا وفينا. يقول الرسول: “إذ أسلحة محاربتنا ليست جسديَّة، بل قادرة بالله على هدم حصون، هادمين ظنونًا وكل علو يرتفع ضد معرفة الله، ومستأسرين كل فكر إلى طاعة المسيح” (٢كو ١٠: ٣ – ٥). ويقول المرتِّل: “يسقط عن يسارك ألوف، وعن يمينك ربوات، وأنت لا يقتربون إليك” (مز ٩١: ٧)[11].
البابا غريغوريوس الكبير: الصفات الواجبة في الراعي
الأعمى هو الذي لا يعرف ضياء التأمل السمائي، فالذي أدركته ظلمة العالم الحاضر لا يستطيع أن يدرك النور الآتي لأنه لا يشتاق إليه. لذلك فهو لا يعرف أن يخطو أو يعرف إلى أين يمضي، ومن ثم قالت حنة النبية: “لأجل أتقيائه يحرس والأشرار في الظلام يصمتون” (١صم ٢ : ٩).
الأعرج هو الذي يعرف حقًا الطريق لكنه لا يستطيع أن يسير فيه بثبات بسبب نفسه العليلة، ولأنه لا يستطيع أن يرتفع بعاداته القبيحة إلى مستوى الفضيلة، فإنه لا يملك القوة ليسلك تبعًا لإرادته. لذلك قال القديس بولس الرسول: “قوِّموا الأيادي المسترخية والركب المخلعة واصنعوا لأرجلكم مسالك مستقيمة لكي لا يعتسف الأعرج بل بالحرى يُشفي” (عب ١٢ : ١٢ -١٣).
الأفطس هو الذي يعجز عن التمييز، فنحن نميز بحاسة الشم الروائح الذكية من العفنة. إن هذه الحاسة تُشير حقًا إلى حاسة التمييز التي بها نختار الفضيلة ونرفض الرذيلة. لذلك قيل في مدح الكنيسة العروس: “أنفك كبرج لبنان” (نش ٧ : ٤). فالكنيسة المقدسة تدرك تمامًا بالتمييز التجارب التي تُثار عليها بأسباب متنوعة، وتعرف مقدمًا – من فوق برجها – معارك الشر المزمعة أن تحدث.
الزوائدي… بعض الناس ينشغلون دائمًا بأسئلة فضولية أكثر من اللازم، وهم لا يعترفون أنهم أغبياء، ولكنهم يفرطون في الثقة بنفوسهم، لذلك أضاف الكتاب قائلًا: “ولا زوائدي”. ومن الواضح أن الأنف الكبير المنحني يعبر عن إفراط في التمييز، وهذا الإفراط يشوه كمال هذه الحاسة وجمالها.
الرجل الذي فيه كسر رجل وكسر يد هو الذي لا يستطيع مطلقًا أن يسير في طريق الله وقد تجرد تمامًا من نصيب الأعمال الصالحة. في هذا يختلف عن الأعرج الذي يمكنه – ولو بصعوبة – الاشتراك في الأعمال الصالحة، أما المكسور فقد تجرد منها تمامًا.
الأحدب هو الذي يرزح تحت ثقل الهموم العالمية فلا يمكنه أن يرفع عينيه إلى ما هو فوق بل يُثبتها على موطئ الأقدام حيث أدنى الأشياء. وهو إن سمع أخبارًا سارة عن مسكن الآب السماوي فإنه – تحت ثقل عاداته الشريرة – لا يستطيع أن يرفع محيا قلبه ولا يستطيع حتى أن يرتفع بفكره الذي ربطته الهموم العالمية إلى الأرض. هذا الإنسان يقول عنه المرتل داود: “لويت إنحنيت إلى الغاية” (مز ٣٨ : ٦). ويقول الإله المتجسد عن هؤلاء رافضًا آثامهم: “والذي سقط بين الشوك هم الذين يسمعون ثم يذهبون فيختنقون من هموم الحياة وغناها ولذاتها ولا ينضجون ثمرًا” (لو ٨ : ١٤).
أما الأكشم أو من على عينيه غشاوة فهو الذي بنظراته الطبيعية يضيئ بمعرفة الحق لكن عينيه اظلمتا بالأعمال الجسدية، فالعين التي عليها غشاوة تكون حدقتها سليمة لكن الجفون تضعف وتنتفخ بسبب الإفرازات وتذبل بسبب سيل الدموع فتضعف حدقة العين. إن البعض تضعف بصريتهم بسبب الحياة الجسدية، هؤلاء كان لهم قدرة تمييز الخير لكن بصيرتهم اظلمت بسبب اعتيادهم فعل الإثم.
الذي على عينيه غشاوة هو الذي كان له بالفطرة فطنة الحواس لكنه شوهها بحياته الفاسدة. لمثل هؤلاء يقول الملاك: “كحل عينيك بكحل لكي تبصر” (رؤ ٣: ١٨). إن كحلنا عيوننا بكحل لنبصر فإننا نقوى عيون أفهامنا بأدوية الأعمال الصالحة لتبصر بريق النور الحقيقي.
أما الذي في عينيه بياض فهو الذي حرم من معاينة النور الحقيقي بسبب عماه مدفوعًا بادعاء الحكمة والصلاح. إن حدقة العين تبصر إن كانت سوداء لكن إن كان بها بياض فهي لا تبصر شيئًا، فمن الواضح أنه حينما يدرك الإنسان أنه أحمق وأثيم فإنه يفهم بقوى عقله مدى وهج الضياء الداخلي، لكنه إذ يعزي إلى نفسه إشراق الحكمة والصلاح فإنه يحجز عنها ضياء المعرفة الفائق، أما بالنسبة لكبرياء مجده الذاتي فإنه يعبث إذ يحاول إدراك بريق النور الإلهي فقد قيل عن البعض: “بينما هم يزعمون أنهم حكماء صاروا جهلاء” (رو ١: ٢٢).
أما الإنسان الأجرب فهو الذي يسوده دائمًا بطر الجسد. ففي حالة الجرب تنتثر الحرارة الداخلية على الجلد، وهذه الحالة تمثل الدعارة تمامًا. وهكذا عندما يُترجم إغراء القلب بالأفعال فإننا نستطيع أن نقول أن الحرارة الداخلية تنتثر كما ينتثر الجرب على الجلد، أما الأذى الظاهر الذي يلحق بالجسد فإنه يطابق هذه الحقيقة.
إنه كما أن الشهوة إذا لم تخضع في الفكر فإنها تسود بالفعل، لذلك كان بولس مهتمًا بتطهيرها كما لو كانت جربًا على الجلد فقال: “لم تصبكم تجربة إلاَّ بشرية” (١كو ١٠: ١٣). وكأنه يُريد أن يوضح أنه كبشر لا بُد أن نقاسي من تجارب الفكر، ولكن إن تغلبت علينا في وسط حربنا معها واستقرت في قلوبنا فإن هذا يكون من الشيطان.
أما الأكلف فقد أتلف الطمع عقله، فإن لم يضبط هذا الطمع في الأمور الصغيرة فإنه سيسود على حياته كلها. إن الكلف يغزو الجسد لكنه لا يسبب آلامًا، وينتشر على المريض دون أن يُضايقه، لكنه يشوه جمال الأعضاء، وهكذا الطمع أيضًا إذ يملأ عقل ضحيته بالسرور إلاَّ أنه يُنجسه. وإذ يضع أمام الفكر أشياء ليقتنيها فإنه يثيره بالبغضة والعداوة.
أما أنه لا يسبب آلامًا فهذا لأنه يعد النفس العليلة بأشياء كثيرة وفيرة ثمنًا للخطية. أما أن جمال الأعضاء يتشوه فهذا لأن الجشع يشوه جمال الفضيلة، أي أن الجسد كله يفسد حقًا إذا ملأت الرذائل نفس الإنسان، لذلك يقول القديس بولس بحق: “لأن محبة المال أصل لكل الشرور” (١تي ٦ : ١٠).
أما مرضوض الخصي، مع أنه لا يفعل النجاسة إلاَّ أنه يرزح تحت نير التفكير الدائم فيها بإفراط، ومع أنه لم يتدنس أبدًا بالفعل إلاَّ أن قلبه افتتن بلهو الدعارة دون أي وخز للضمير.
إن مرض إرتضاض الخصية يحدث نتيجة دخول سائل داخلي في الخصية فيسبب مضايقات وتورم معيب. فمرضوض الخصي إذن هو الذي يترك لفكره العنان في الأمور التي تحرك الشهوة، وبذلك يحمل في قلبه حملًا دنيئًا لا تستطيع نفسه أن تلقيه عنها وهو يفتقر في نفس الوقت إلى القوة ليرتفع بنفسه إلى التدرب العلني على الأعمال الصالحة إذ هو يرزح تحت ثقل أعماله الفاضحة الخفية.
إذن فليمتنع كل من به إحدى هذه العيوب التي سبق ذكرها عن تقديم خبز الرب، لأنه لا يستطيع إنسان أن يكفر عن ذنوب الآخرين مادامت نقائصه الشخصية تملك عليه[12]
عظات آباء وخدام معاصرين
قداسة البابا تواضروس الثاني
الفرح المسيحى
هذا الفصل هو اعلان أن مسيحيتنا فرح وسعادة وبهجة تملأ العالم كله . ولكن كيف ؟
١- بشخص المسيح الحال فينا : نقدمه لكل انسان متذكرين أن التلاميذ فرحوا عندما رأوا الرب (يو ٢٠:٢٠) .
٢- بالاهتمام بالناس : بالصلاة تفتح لهم مكانا فى قلبك . وتذكر قول مريض بيت حسدا : ” ليس لى انسان ” (يو٥: ٧) .
٣- بالتشجيع : فكل انسان يحتاج كلمات التقدير: التى قد تغير الانسان كله.
مثل : ارميا / موسى / السامرية / زكا /…..بالتقدير تحولوا الى جبابرة فى الحياة الروحية . ………
٤- باللطف والابتسامة للآخرين ….فهى أجمل هدية :
+ ابتسامة مسيحية نابعة من قلب سعيد بوجود الله . ويقول القديس أبوللو وعمرة ثمانين سنة :” لماذا نجاهد ونحن عابسى الوجه . ألسنا ورثة الحياة الآبدية ” .
+ ان أروع هدية يمكن أن يتلقاها المرء هى أن يبتسم له الآخرين .
فرحكم كاملا
فى عدد ٢٤ من انجيل هذا اليوم نقرأ :
” اطلبوا ” بالايمان ” تأخذوا ” بالصبر ” فيكون فرحكم كاملا ” .
١- طلب بالايمان :
مثل …قصة داود وجليات طلب داود قوة الله فهزم جليات بايمانه .بالايمان تستجاب صلواتنا ، نصلى لأجل اخوتنا ، وننال البصيرة والمعرفة ونحفظ أنفسنا من الشر .
٢- عطية الصبر
أــ بعد عقم طويل جاء يوحنا المعمدان أعظم مواليد النساء
ب ــ بعد شر طويل تحول شاول الطرسوسى الى بولس الرسول الكارز العظيم.
ج ــ بعد ضلال كثير عاد أوغسطينوس وتاب وأصبح قديسا وأسقفا .
٣- تمام الفرح :
الفرح أنواع :
+ سلبى :
- يونان فرح باليقطينة ….
- سليمان فرح بتعبه تحت الشمس ولكنها كانت أفراح بأشياء مادية فانتهت سريعا .
- فرح بالاثم …….
- فرح باخراج الشياطين …
+ايجابى :
- بواسائط النعمة …… التى تقودنا الى التوبة (لو ١٥) .
- بالذهاب للكنيسة ….. نقترب من الله أكثر فننتصر فى أوقات التجارب (يع١: ٢)
- بالملكوت السمائى ……ادخل الى فرح سيدك (مت ٢٥: ٢١)[13] .
المتنيح الأنبا أثناسيوس مطران بني سويف والبهنسا
الصلاة (يو١٦: ٢٣-۳۱)
أنه يقول في ذلك اليوم لا تسألونني شيئا. لعله يقصد أن المؤمن الذي ينمو في الشركة مع الله تكون حياته في توافق مع الرب فتسری فيه اشتياقاته إلى القدوس كصلاة دائمة. وكأنه لايحتاج أن يتخذ موقف الصلاة ليعبر عن طلباته، بل كل حياته صلاة .
بينما كان دانیال مشغولا في الأعمال الكثيرة كان يقيم صلاة مع ركوع وتسبيح ثلاث مرات في النهار (دا ٦ : ١٠) وكان داود النبي يقول سبع مرات في النهار سبحتك على أحكام عدلك ” (مز ١١٩ : ١٦٤) ولكن داود يعبر عن خلجات قلبه المرتفعة إلى الرب دائما مع أنفاس الحياة فيقوله “ياإله تسبیحی لا تسكت . بدل محبتی يخاصموننى . أما أنا فصلاة ” (مز ۱۰۹ :٤).
على أن هذه الصورة من التوافق بين الغصن والكرمة ، لاتعني ألا يصلي المؤمن ويلح في الصلاة لان الرب قال : “ينبغي أن يصلي كل حين ولا يمل ..افلا ينصف الله مختاريه الصارخين إليه نهارا وليلا وهو متمهل عليهم ، (لو ۱:١٨ و ۷) . وهو هناك يقول . “أطلبوا تأخذوا ليكون فرحكم کاملا ” والصلاة تجوز في كل وقت لأن الله مستعد أن يسمعها دائما.
يصلي لك كل تقي في وقت يجدك فيه . عند غمارة المياه الكثيرة .. بترنم النجاة تكتنفنی ” (مز ٣٢ : ٦–۷) .
(يو١٦ : ۳۲ – ۳۲) الصبر في الضيق :
لا يطلب الراعي من الرعية أن تقف معه لأنه هو الذي يدافع عنها من الشر ويسندها وقت الشدة . وهكذا يقول الرب أنهم يتفرقون كل واحد إلى خاصته ویترکونه وحده ، وهو ليس وحده لأن الآب ، فيجب على المؤمن أن يكون ساندا للناس في ظروفهم ، دون أن يطلب منهم أن يقفوا معه في ظروفه .
على أننا قد ندرك هنا أن الإنسان العادي يلجأ إلى خاصته عند الضيق . وأما المؤمن فيلجأ إلى الرب ، ولا يكون وحده ولذا يختم هذا الحديث بقوله ” قد كلمتكم بهذا ليكون لكم في سلام . في العالم يكون لكم ضيق ولكن ثقوا أنا غلبت العالم[14] “.
المتنيح الأنبا كيرلس مطران ميلانو
كيف ترعي مع الراعي وتأكل مع الذئب
تعالي نهتم ونفحص انفسنا.. تعالي نجلس مع انفسنا ونحكم عليها قبل ان يحكم علينا.
هيا بنا ندخل إلي أعماقنا.. ونكشف حقيقه انفسنا. اجلس مع نفسك.. ولا تكن محابيا ولا منحازا لها لئلا تتسبب في ضررها. اجلس معها.. ولا تكن دائما منساقا لها لأنك تحبها بالطبع.. خلصها من الخداع الذي تعيش فيه.
لا تكن انت دائما المحامي لنفسك بل كن قاضيا عادلا عليها. ثق بعد اكتشافك لاعماق نفسك يكون حكمك عليها غير مؤذيا لها.. فانت لا تعدمها بيدك انما تعدم كل ما فيها من عادات رديئه.. انت لا تقيدها بسلاسل انما تفكها من قيود اخطائها .. انت لا تحبسها في الظلمه.. انما تحررها من كل عبوديه.. وتصعدها الي النور.
اثنان هما الغني الغبي… والابن الضال.. كل منهما جلس مع نفسه.. احدهما وهو الغني الغبي استجاب لرغبات نفسه بدون تعقل فهدم مخازنه وبني اعظم.. وجمع جميع غلاته وخيراته وقال لنفسه لك خيرات كثيره لسنين كثيره… استريحي وكلي واشربي وافرحي..وبعد كل هذا سمع الصوت القائل.. اليوم تطلب نفسك منك.. هذه التي اعددتها لمن تكون؟! (لو ١٢-٢٠) لقد اهلك نفسه بتلبيه رغباتها. بينما الأخر جلس يتحدث مع نفسه يعاتبها على ما يعيش فيه.. تحدث معها بتعقل قائلا …. اقوم الان ارجع الي ابي.. واقول اخطات” لقد انقذ نفسه من الضلال (لو ١٥ : ١١)..
هل تريد ان ترضي نفسك ام تصنع ما هو خير لها؟! هل انت علي خلاف مستمر مع نفسك؟! وياتري ما هو سبب خلافك معها؟! هل لانك لا تصنع لها كل ما يرضيها؟!…
لنجلس كل منا مع نفسه… نتحاجج معها .. نعاتبها .. الي ان ننقذها… ماذا تقول لنفسك اذا رايتها تسير في طريقين متناقضين؟!
ماذا تعمل اذا رايت نفسك تقوم بدور القاضي.. تحكم علي كثيرين وتحبسهم في اعماقها ولا تريد ان تحررهم وللاسف مستنده علي اوهام ليس فيها شيء من الصحه وان كانت هناك اخطاء في الاخرين من اقام نفسك قاضيا؟!
أخبرنى ماذا تعمل لنفسك المسكينه المخدوعه التي اختارت وظيفه القاضي؟! او كيف تحتفظ بهذة الوظيفه لتكون علي نفسها فقط؟!
ترى ماذا تعمل مع نفسك ان ضبطها متلبسه بميول متعارضه؟! كيف تكون مع المسيح الذي يسكن في الاعالي ويعشقها.. والذي قال مملكتي ليست من هذا العالم.. وانت تطلب السفليات؟! هل انت مقتنع بان نفسك تعرج بين فرقتين؟ كيف تقدم بيدك قرابين وذبائح الله.. وانت بنفسك وبيديك تقدم نفس القرابين للبعل؟! بماذا تجيب صوت ايليا النبي القائل.. حتي متي تعرجون بين الفرقتين.. ان كان الرب هو الله فاتبعوه.. وان كان البعل فاتبعوه (۱مل ۱۸:۲۱). كيف تحب الله .. وتحب العالم؟! كيف تحب ما في اعماق الله.. وتحب ما في اعماق العالم؟!
كيف تعبد الله وتعبد المال؟! كيف تقدم المجد والكرامه لله وانت منتظر كل مجد وكل كرامه من الذين هم حولك؟! كيف تسير في طريق الرحمه… وانت لا ترحم؟! كيف تشكر الله لانه سترك واعانك.. وانت لا تستر احد؟! كيف تنظر القذي التي في عين اخيك… ولا تبالي بالخشبه التي في عينك؟! اجلس مع نفسك.. .. فهناك امر اكثر خطورة هو كيف ترعي انت مع الراعي… وفي نفس الوقت تاكل مع الذئب؟! تعالي اسال نفسك من هو الراعي؟! ومن هو الذي يرعي مع الراعي؟! ومن هو الذي ياكل مع الذئب؟! الله هو الراعي الصالح.. هو راعي كل البشريه هو راعي الخراف الناطقه.. لكن من الذي يرعي مع الراعي الصالح؟!
انت ترعي مع الراعي.. لانك تحمل قلبك وفكرك ومشاعرك واعماقك وبهم تسير وراء الراعي… وتتبعه وتسمع صوته.. ان كنت خادما…وتهتم بالمخدوم لكي يتذوق ما ذقته انت وينظر ما نظرته انت من حلاوة المسيح.. وان يتبع المسيح الذي تتبعه ..انت فانت ترعي مع المسيح. ان كنت ابا لاسره.. وتجاهد لكي تكون انت واهل بيتك تعبدون الرب.. فانت ترعي مع الراعي.. وان كنت منشغلا بان تزرع الخصال الحميده في تربه قلبك وقلب اولادك.. وكنت تسير علي نهج المسيح في الوداعه والاتضاع فانت ترعي مع الراعي.
اما الذي يرعي مع الراعي وياكل مع الذئب هو الذي يسكن في مراعي المحبه وقلبه يتمسك بالكراهيه. الذي يخدم الابرياء اولاد القطيع الصغير ويسلمهم الخطيه هو الذي يرعي مع الراعي وياكل مع الذئب. الذي يمارس الاسرار الكنسيه ويتردد علي بيت الله باستمرار ويلتجيء الي السحره وفعله الاعمال الشريره … اليس هو ذلك الذي يرعي مع الراعي وياكل مع الذئب؟!
الذي يعمل في بيت الرب بيت (الراعي ولا يشبع من التفرس في حلاوة الله… انما كل ما يشغله هو جمع المال فقط.. اليس هو يرعي مع الراعي ويأكل مع الذئب الذي جعله الرب قاضيا ليحكم بالعدل ولكنه عوج القضاء فبدا يبرئ المذنب ويذنب البريء اليس هو ذلك الذي يرعي مع الراعي ويأكل مع الذئب؟! الذي يقف ليمجد الله وقلبه منشغل بمجد الناس لا اليس هو ذلك الذي يرعي مع الراعي ويأكل الذئب؟! هيا بنا نجلس مع انفسنا ونتذكر ونتعلم من داود المرنم الذي كان يرعي مع الراعي… وكل اهتماماته هي ان يكون قلبه هو ملكا لله وحده.. لقد دخل الذئب الي قلبه ليأكل منه الطهارة.. فرفض ان يعمل مع الذئب.. ورفض قلبه بالكامل.. وطلب من الراعي الذي يتبعه ان يخلق فيه قلبا[15].
المتنيح الأنبا يؤانس أسقف الغربية
هل القسوس هم الأساقفة ؟
جميع طوائف البروتستانتية ، ومن سار في فلكها ، ممن تنكر الكهنوت المسيحي ، تعتقد وتعلم أن القسوس ( الشيوخ أو المشايخ ) هم عينهم الأساقفة وإن هذه الأسماء الثلاثة : شيخ ، قس ، أسقف ، إنما هي ثلاثة مدلولات لوظيفة كنسية واحدة … وقالوا فيما قالوا ، أن تسمية قسيس ربما عبرت عن الرتبة ، بينما تسمية أسقف عبرت عن واجبات هذه الوظيفة . وأن الأولى أخذت عن المجمع اليهودى ، والثانية عن الجماعات اليونانية …
أما مصدر هذا الإعتقاد فهو :
*المقارنة بين (أع ٢٠: ١٧) ، (أع ٢٠: ٢٨) ، حيث يدعى نفس الأشخاص بالتسميتين ( قسوس وأساقفة ) .
*مقارنة (١تي ٣: ١ – ٧) مع (١تي ٥ : ١٧ – ١٩) ، حيث الأولى تصف مؤهلات الأساقفة ، بينما توضح الثانية تنظيمات باسم الشيوخ .
*أن القديس بولس الرسول يوجه رسالة فيلبى إلى الأساقفة والشمامسة ، دون أي ذكر للقسوس (في ١ : ١) .
*وأن القديس بولس ، في رسالته إلى تيطس بعدما تكلم عن الشيوخ إنتقل فجأة للحديث عن مؤهلات الأسقف (تي ١ : ٥ – ٧) ، مما يشعر بأن التسميتين لنفس الأشخاص والوظيفة … هذا هو مدعاة إعتقادهم .
لكننا سنرى أن الأساقفة ، كانوا منذ عصر الرسل ، رتبة أخرى غير القسوس المدعوين في ترجمة العهد الجديد البيروتية البروتستانتية ، شيوخاً ومشايخ ، وأن رتبة الأسقفية أسمى من رتبة القيسيسية .
١- أول ما تقابلنا كلمة ” شيخ ” في سفر الأعمال الرسل ، حينما أرسلت كنيسة أنطاكية تقدمتها إلى ” المشايخ ( في كنيسة أورشليم ) بيد برنابا وشاول ” (أع ١١ : ٣٠) . وكان ذلك بسبب المجاعة التي تنبأ عنها النبى أغابوس … وبمقارنة هذا النص بما ورد في (أع ٤ : ٣٥) ، عن الأموال التي كان المؤمنون يضعونها تحت أقدم الرسل ، يتضح لنا حدوث تحول في نوع الخدمة التي كان الرسل مسئولين عنا في بادئ الأمر … لقد انتقلت هذه الخدمة ( قبول العطايا المادية ) ، من الرسل إلى المشايخ .
ولما برزت مشكلة التهود في الكنيسة الأولى ، وكان أول ظهورها في أنطاكية ، رتب الإخوة المؤمنون في أنطاكية أن ” يصعد بولس وبرنابا وأناس آخرون منهم إلى الرسل والمشايخ إلى أورشليم من أجل هذه المسألة. ولما حضروا إلى أورشليم قبلتهم الكنيسة والرسل والمشايخ ” … وما لبث مجمع أورشليم أن أنعقد ” فاجتمع الرسل والمشايخ لينظروا في هذا الأمر ” .
وبعد فحص الموضوع : ” رأى الرسل والمشايخ مع كل الكنيسة أن يختاروا رجلين منهم ، فيرسلوهم إلى أنطاكية مع بولس وبرنابا ” … أما صيغة الرسائل فكانت … ” الرسل والمشايخ والأخوة يهدون سلاماً إلى الإخوة الذين من الأمم في أنطاكية ” … وبعدها يقول كاتب سفر الأعمال : ” وإذ كانوا يجتازون في المدن ، كانوا يسلمونهم القضايا التي حكم بها الرسل والمشايخ الذين في أورشليم ليحفظوها ” (أع ١٦ : ٤) .
من يكون إذن هؤلاء المشايخ الذين تكرر ذكرهم فيما يتصل بمجمع أورشليم إلى جوار الرسل ؟ هل هم الأساقفة ؟ ثابت تاريخياً أنه لم يكن هناك حتى ذلك الوقت سوى يعقوب البار أسقفاً على أورشليم . فمن يكون هؤلاء سوى الكهنة القسوس ، الذين تحولت إليهم بعض الخدمة التي كان الرسل يقومون بها أولاً كما ذكرنا … وبالتأكيد ، لم يكونوا الشمامسة ، فهؤلاء أمرهم واضح.
٢- وفى سنة ٥٨ حضر القديس بولس إلى أورشليم حاملاً معة إحسانات كنائسه الأممية ، إلى فقراء أورشليم ، وقابل القديس يعقوب أسقف أورشليم ، وحضر جميع المشايخ تلك المقابلة (أع ٢١ : ١٨) . فمن يكون هؤلاء المشايخ الذين حضروا مع أسقف أورشليم ، إلا الكهنة القسوس .
٣- ولا ينبغي أن يتبادر إلى الأذهان ، أن هؤلاء الشيوخ كانوا من الوجهاء والأراخنة المتقدمين أو الأعضاء البارزين . فنفس القديس يعقوب أسقف أورشليم ، يكشف في رسالته الجامعة التي تحمل اسمه ، الدور الذى كان لهؤلاء القسوس في الكنيسة ، فيقول : ” أمريض أحد بينكم فليدع شيوخ ( قسوس ) الكنيسة فيصلوا عليه ، ويدهنوه بزيت باسم الرب .
وصلاة الإيمان تشفى المريض والرب يقيمه ، وإن كان قد فعل خطية تغفر له ” (يع ٥ : ١٤-١٥) … هكذا نرى أن هـؤلاء الشيوخ ( القسوس ) لا يمكن أن يكونوا مجرد أعضاء بارزين في وسط الجماعة المسيحية ، بل هم خدام منوط بهم وظيفة دينية طقسية ، ولهم القدرة على منح نعم روحية … وحديث معلمنا بولس الرسول في ميليتس إلى قسوس أفسس ، شاهد قوى على وظائفهم الرعوية (أع ٢٠ : ٢٨ – ٣١)
٤- الرابط الظاهري السطحي بين (أع ٢٠ : ١٧) ” ومن ميليتس أرسل إلى أفسس واستدعى قسوس الكنيسة ” ، وبين (أع ٢٠ : ٢٨) حيث يدعوهم أساقفة ” إحترزوا إذن لأنفسكم ولجميع الرعية التي أقامكم الروح القدس فيها أساقفة لترعوا كنيسة الله التي إقتناها بدمه ” … هذا الخلط نتج من الترجمة العربية لكلمة episkopos اليونانية إلى أسقف . فهذه الكلمة في اليونانية – كما قلنا سابقاً – تعنى ” ناظر ” overseer ، ” مدير ” superintendentأ، ” معتنى ” exercises car over one hoe أو ” قيم ” guardian . فلماذا ترجمت إلى العربية في هذا الموضوع بكلمة أسقف ، وهو ليس المعنى الوحيد للكلمة ؟ هذا ، بينما ترجمت نفس الكلمة اليونانية في (١بط ٥ : ٢) ” نظاراً ” … ” أرعوا رعية الله التي بينكم نظاراً ، لا عن إضطرار بل بالإختيار ” …
وفى الترجمة الإنجليزية مثلاً ، نجد أن هذه الكلمة في الآيه المذكورة (أع ٢٠ : ٢٨) ، لم تترجم بكلمة bishops أي أساقفة ، بل ترجمت إلى المعانى الأخرى التي تعنيها هذه الكلمة – فترجمت guardians ، وترجمت في أحدث ترجمة لجامعتى إكسفورد وكامبريدج : which the holy spirit has given you charge …
كما أن كلمة أسقف التي وردت في الترجمة العربية للآية (١بط ٢ : ٢٥) ” لأنكم كنتم كخراف ضالة ، لكنكم رجعتم الآن إلى راعى نفوسكم وأسقفها ” ، لم ترد في الترجمات الأخرى هكذا . فوردت في الترجمة الإنجليزية guardian وليس bishop . وردت في الترجمة الفرنسيه gardian وليس èvêque كما في الآيات الأخرى التي تتكلم عن الأسقف كرتبة كهنوتية .
واضح إذن من كل ما سبق أن كلمة ” أساقفة ” الواردة في الترجمة العربية للآية (أع ٢٠ : ٢٨) ، لا تعنى الرتبة الكهنوتية بحسب مفهوم الكلمة ، بل المقصود هوالمعنى اللغوي للكلمة على النحو الذى ذكرناه . ولعل أكبر دليل على صدق رأينا هذا ، هو أن القديس لوقا كاتب سفر الأعمال قال عن بولس أنه : ” إستدعى قسوس الكنيسة ” … وقد فهمت الكنيسة منذ القديم الآيه المذكورة على هذا النحو … فالقديس يوحنا ذهبى فمه – وهومن أئمة التفسير في الكنيسة الجامعة – في تفسيره لهذه الآية ، لا يذكر كلمة أساقفة ، بل نظار .
٥- أما الادعاء بأن القديس بولس لم يشر إلى القسوس بينما ذكر شروط الأسقف والشمامسة في رسالته الأولى إلى تيموثاوس (١تي ٣ : ١ – ١٣) ، فهو إدعاء غير صحيح … فالواقع أن مار بولس تكلم في نفس الرسالة عن القسوس تحت اسم الشيوخ ، فقال ” أما الشيوخ ( القسوس ) المدبرون حسناً ، فليحسبوا أهلاً لكرامة مضاعفة ، ولا سيما الذين يتعبون في الكلمة والتعليم … لا تقبل شكاية على شيخ ( قس ) إلا على شاهدين أو ثلاثة شهود ” … ولئلا يظن أحد أنه قصد بالشيوخ كبار السن ( كما في ١ تى ٥ : ١ ) ، قال بعدها مباشرة : ” لا تضع يداً على أحد بالعجلة ولا تشترك في خطايا الآخرين ” … وواضح أنه يقصد بوضع اليد هنا الرسامة الكهنوتية ، – كما سنشرح ذلك فيما بعد .
وجديراً بالذكر أن القديس بولس ، غالباً ما يشير إلى القسوس في رسائله الأخرى بحسب الخدمات التي كانوا يقومون بها . فيذكر مدبرين ، ورعاه ومعلمين ، وأساقفة وشمامسة (في ١ : ١) ، ومرشدين . وفى (١تي ٥ : ١٧) يذكر ” الشيوخ المدبرين حسناً “.
٦- القديس بولس ، يوجه رسالتة إلى فيلبى إلى ” جميع القديسين في المسيح يسوع الذين في فيلبى مع أساقفة وشمامسة ” (في ١ : ١) – وليس هناك أي ذكر أو أشارة إلى القسوس . ومن الملاحظ أن القديس بولس في كل مرة تكلم فيها عن الأسقف بالمعنى الكهنوتى ذكره بصيغة المفرد .
أما عن القسوس ( الشيوخ ) ، فلم يرد ذكرهم في كتابات العهد الجديد ، سواء لبولس أو لكاتب سفر الأعمال أو لغيرهم إلا بصيغة الجمع … والمرات الوحيدة التي وردت فيها كلمة شيخ في صيغة المفرد ، قصد بها شيخوخة السن وليس وظيفة القسيس الكهنوتية ، وفى هذا دليل على سمو رتبة الأسقفية عن القسيسية ، والدرجة الأسمى عدد وظائفها أقل من الأدنى منها …
من أجل هذا فإن أولئك الذين ذكرهم القديس بولس في (في ١ : ١) على أنهم أساقفة ، هم في الواقع قسوس وليسوا أساقفة وهو في هذه الحالة يخاطب هؤلاء القسوس باعتبار خدمتهم وعملهم الرعوى . ومن ناحية أخرى ، فإن التقليد القديم جداً منذ تأسيس الكنيسة إستقر على أن يقام أسقف واحد على مدينة واحدة ، أو على إقليم ( عدة مدن ) …
أما القديس يوحنا الذهبى فمه – وهو من أعمدة التفسير في الكنيسة الجامعة – فيرى – إلى جانب ما ذكرنا – أن مار بولس كان يعنى بالأساقفة القسوس ، لأن العادة كانت أن يتبادل الخدام الألقاب … يقول في تفسيره للآية (في ١ : ١) : يقول ( مار بولس ) إلى شركائى الأساقفة والشمامسة . ما هذا ، هل كان هناك أساقفة عديدون لمدينة واحدة ؟ قطعاً لا .
لكنه دعا القسوس هكذا ، لأنهم كانوا يتبادلون الألقاب . وكان الأسقف يدعى خادماً . ولهذا السبب ، فحينما ، كتب إلى تيموثاوس – وهو أسقف – قال له : ” تمم خدمتك ” . أما كونه أسقفاً فيتضح من قوله له : ” لا تضع يدك على أحد بالعجلة ” (١تي ٥ : ٢٢) ، وأيضاً : ” المعطاة لك بوضع أيد المشيخة ” (١تي ٤ : ١٤) . ومع ذلك فلا يمكن أن يكون القسوس ( الشيوخ ) قد وضعوا أيديهم على أسقف … لذلك – وكما قلت – فقد دعى القسوس قديماً أساقفة ، وخداماً للمسيح . ودعى الأساقفة شيوخاً … ولكن فيما عدا ذلك فالاسم الخاص مخصص بوضوح لكل منهم .
٧- أما ما جاء في (تى ١ : ٥ – ٧) ” من أجل هذا تركتك في كريت لكى تكمل ترتيب الأمور الناقصة ، وتقيم في كل مدينة شيوخاً ( قسوساً ) كما أوصيتك . إن كان أحد بلا لوم … لأنه يجب أن يكون الأسقف بلا لوم كوكيل الله ” … فا القديس بولس يتكلم أولاً عن القسوس ، ثم ينتقل فجأة ليتكلم عن الأسقف ، مما يوحى للبعض أن القسوس والأساقفة هم درجة واحدة .
ونلاحظ هنا ، أنه في الوقت الذى يتكلم فيه عن إقامة شيوخ ( قسوس ) بصيغة الجمع ، ينتقل فجأة لكلام عن الأسقف بصيغة المفرد … أما السبب في ذلك فهو لأن الكنيسة درجت على إختيار الأساقفة من بين القسوس … ووضعت شروطاً خاصة لمن يرقى لهذه الدرجة السامية … فلا تعارض بين النصين ، ولا خلط بين الرتبتين والوظيفتين … ومازالت الكنيسة حتى الآن تمارس التريقة من درجة كهنوتية إلى أخرى .
يقول الأستاذ كينث وست في شرحه للاصحاح الخامس من الرسالة الأولى إلى تيموثاوس ، مستشهداً برأى أستاذ آخر يدعى فنسنت ، يقول : [ إن النقد الحديث ، يضطرنا – كما أعتقد أن نتخلى عن فكرة وحدة الأسقف والشيخ ( القس ) ] . ويستشهد بشهادة القديس أكليمنضس الرومانى ، في أن الأساقفة متميزين عن القسوس . وإذا كان الأساقفة يشار إليهم بوضوح كقسوس ، فما ذلك إلا لأنهم كانوا يختارون من بين جماعة القسوس ، وظلوا يحتفظون بالاسم حتى بعد أن تركوا الوظيفة .
وفى تفسيره (تى ١ : ٥ – ٧) يورد الأستاذ وست أيضاً رأى الأستاذ فنسنت الذى يقول : [ إن معنى الوصية ، هو أن يختار تيطس من بين مجموعة الشيوخ ( القسوس ) ذوى السمعة الطيبة ، بعضاً ، ليكونوا نظاراً ( أساقفة ) على الكنائس في المدن المتعددة … ونفس المعنى يورده أيضاً المؤلف في معرض حديثة عن (٢يو ١) فيقول : [ من بين رتبة هؤلاء ( القسوس ) ، كان يختار الأساقفة ” .
درجات الكهنوت الثلاثة في كتابات الآباء الرسوليين :
نلاحظ أن درجات الكهنوت الثلاثة ( الأسقفية والقسيسية والشماسيه ، ) واضحة كل الوضوح في كتابات الآباء الرسوليين ، ونقصد بهم تلاميذ الرسل ومعاصريهم . ونكتفى بعينتين من كتابات القديسين كلمينضس الرومانى ، وأغناطيوس الأنطاكى الشهيد .
- يقول كلمينضس في رسالته إلى كنيسة كورنثوس : [ والرسل … بعد أن كرزوا في الأقاليم والمدن ، أقاموا باكورة أعمالهم – بعد أن اختبروهم في الروح – أساقفة وشمامسة لأولئك الذين سيؤمنون فيما بعد … طوبى لأولئك القسوس ( الشيوخ) ، الذين اكملوا قبل الآن ( تنيحوا ) ، فقد كان انتقامهم من هذا العالم مثمراً وكاملاً ] .
- أما أغناطيوس الشهيد ، فقد أشار مراراً في رسائله إلى درجات الكهنوت الثلاثة :
( أ ) يقول في رسالته إلى أهل أفسس : [ يليق بكم أن تكونوا باتفاق مع إرادة الأسقف الذى يدبركم ، بعد أن أقامه الله عليكم ، الأمر الذى تفعلونه بالحقيقة من تلقاء أنفسكم ، حيث أن الروح يعلمكم أن قسوسكم الذائعى الصيت كما يليق بالله ، منسجمون مع الأسقف ، إنسجام الأوتار يالقيثارة ] .
(ب) وفى رسالته إلى التراليين يقول : [ إخضعوا للأسقف كما للرب ، لأنه يسهر لأجل نفوسكم ، كإنسان سيعطى حساباً لله . من الضرورى إذن – مهما فعلتم – ألا تفعلوا أمراً بدون الأسقف . واخضعوا للقسوس كما لرسل يسوع المسيح رجائنا … ويليق بكم أيضاً – من كل وجه – أن ترضوا الشمامسة الذين هم خدام أسرار يسوع المسيح . فهم ليسوا خدام طعام وشراب ، بل خدام كنيسة الله ] .
(ج) ومن رسالته إلى أهل فيلادلفيا : [ لى ثقة بكم في الرب ، أن لا تتحولوا عن ذهنكم – وأكتب إليكم واثقاً في محبتكم اللائقة بالله ، حاثاً إياكم أن يكون لكم إيمان واحد … وافخارستيا واحدة . فإنه ليس سوى جسد واحد لربنا يسوع المسيح ، ودمه الواحد الذى سفك عنا … ومذبح واحد للكنيسة كلها أسقف واحد مع القسوس والشمامسة شركائى في الخدمة ] .
(د ) ويذكر في قصة إستشهاده ، أنه بعد أن وصل إلى سميرنا ( أزمير ) ، إستقبله هناك الأساقفة والقسوس والشمامسة ، الذين أسرعوا من الجهات المتاخمة للقائه والتبرك منه [16] .
كمال حبيب ( المتنيح الأنبا بيمن أسقف ملوي )
الفرح الحقيقي
ستبكون وتنوحون والعالم يفرح ،
أنتم ستحزنون ولكن حزنكم يتحول إلى فرح .
الحق الحق أقول لكم ،
أنتم عندكم الآن حزن ولكن سأراكم أيضاً
فتفرح قلوبكم ولا ينزع أحد فرحكم منكم (يو ۲٠:١٦-۲۲)
أهمية الفرح :
يقول رجال علم النفس أن الإنسان الفرح غالبا ما يحيا في صحة جسمية قوية وحالة نفسية سليمة كما يكون انتاجه وفيراً. وتكاد تتفق كل مدارس علم النفس في أن الفرح حاجة نفسية عند الفرح يحتاج لها ويسعى اليها سعياً متواصلا .
و لقد ثبت أن الانسان عندما يكون فرحا يتعلم بسهولة بعكس الحال عندما يكون حزينا أو متضايقاً ، فإن هذه الحالة النفسية تتضارب مع دوافع التعلم ومثيراته .
و الشباب خاصة يميل إلى الفرح ، ولذلك نجده يكون الجماعات والأندية ليحيا فيها مع الرفقة في جو ملىء بالفرح والابتهاج .
على ذلك فإن دراسة موضوع الفرح تهم الجميع . لذلك فإنه يتعين علينا بادي. ذي بد. أن نعرف :
ما هو الفرح الحقيقي ؟
هل إذا وجدنا إنساناً يضحك تحكم عليه بأنه فرح لمجرد أنه يضحك ؟
وهل إذا قابلنا شخصاً يبتسم نحكم عليه أنه فرح لمجرد أنه يبتسم ،
وهل الشباب الذي يلهو و يعبث ويلقى النكات البذيئة على فارغة الطريق أناس فرحون ؟
وهل الفرح أن يسكر الإنسان بالخمر ويتمايل ذات اليمين وذات اليسار ؟
الحقيقة أن الناس يحكمون أحياناً أحكاماً ظاهرية فيقولون إن أصحاب الحالات السابقة فرحون ، ولكن الفرح الحقيقي فرح يتصف بالدوام . أعني أنه من النوع الذي أوصى به الكتاب المقدس عندما قال افرحوا كل حين ، (١تي ٥ : ١٦) (في٣ : ١) ، (تی٤ : ٤).
لأن الإنسان الثمل لا يكون فرحا عندما يفيق ، كما أن الشاب الذي يدمن المخدرات لا يكون مبتهجاً عندما يصحو من حالة التخدير . . بل على العكس من هذا فإن هذا وذاك ينالها غم وحزن شديد في الأعماق ، عندما تنقشع سحابة النشوة الظاهرية لتظهر دناءة النفس واخفاقها امام ذاتها .
أما الإنسان المسيحى فهو فرح في كل وقت . . في الشدة والضيق كما في الترقية والتقدير . في المرض والألم كما في الصحة والهناءة . . ذلك لأنه يحس أن كل ظروف حياته ليست ملك يديه ، ولكن هي من الله ولله ولسان حاله يقول مع يعقوب الرسول, أحسبوه كل فرح یا اخوتى حينما تقعون في تجارب متنوعة ، (يع ٢:١).
وهكذا يكون المعيار الأول للإيمان الحقيقي مدى احتفاظ الإنسان بفرحه الداخلي دون أن تتسرب اليه هموم العالم الخارجية وظروفه السيئة ، بل هو في كل حين يطلب من إلهه المحب ليكون فرحه كاملا (يو ١٥ : ١١) وفي الكتاب المقدس شخصیتان توضمان ديمومة الفرح مع اختلاف ظروف الحياة – يوسف في العهد القديم يحتفظ بفرحه وسلامه في السجن كما في بيت أبيه ، عند فوطيفار كما في عرش الوزارة . والعذراء مريم في العهد الجديد تبتهج بالرب في اليتم كما في قمة المجد ، في وجود الرب في بيتها كما في تركه إياها للكرازة…عند الصلبوت كما في اللقاء بعد الانتصار على القبر .
والصفة الثانية من صفات الفرح الحقيقي أن يكون في الرب . وعلى ذلك فإن كل فرح عالمي مهما بدا أمام الناس هو فرح ظاهرى يخرج عن دائرة الفرح الحقيقى . والعذراء مريم توضح هذه الناحية بقولها” تعظم نفسى الرب وتبتهج روحى بالله مخلصی ” (لو ١: ٤٧) وداود النبي إذ شعر أن الرب مصدر فرحه هتف قائلا” فرحت بالقائلين لى إلى بيت الرب نذهب ” (مز ١٢٢ : ۱).
و ليس أدل على أن الفرح الحقيقى مصدره الرب من أن الذين لمست قلوبهم محبة الله تركوا العالم وعاشوا حياتهم كلها ليتلذذوا بالرب (مز ٣٧ : ٤) . ولم ينضب معين تأملاتهم واختباراتهم في الفرح الذي ملأ قلوبهم من الله .
بل إن الشهداء أقطع دليل على عظم قيمة الفرح الإلهي ، فقد تضاءلت غريزة حب البقاء حتى تلاشت عندما وقفت أمامها الرغبة في التعبير عن الفرح الداخلي بالإيمان الجديد الذي أكل القلب وأشعله سعيراً ملتهباً . . ومظهر التعبير عن الفرح الداخلي الترتيل والتهليل والتسبيح الدائم الذي تغني به أجدادنا حتى في ساحات الاستشهاد ، عندما اختلط ترتيلهم بزئير الأسود ولهيب النيران . ولا عجب إذن في أن المسيحية وإن جلبت على الإنسان أحزانا ظاهرية مصدرها الضيق في العالم ، إلا أنها تحمل في جوهرها كل عناصر الفرح الحقيقي للنفس الإنسانية .
و لنحلل الفرح إذن لنرى مدى تحقيق المسيحية لعوامله الأولية :
مقومات الفرع المنيني :
( 1 ) السلام : إنه أهم عامل لوجود الفرح الحقيقي فلن نجد إنساناً فرحا بالحقيقة إلا إذا كان يتمتع بالسلام الداخلي ، والسلام قبل كل شيء ، هبة علوية من السماء .. فقد وعد السيد المسيح المؤمنين أن يمنحهم سلاما ليس كسلام العالم بل سلاما يفوق كل عقل يحفظ قلوبهم وأفكارهم في المسيح يسوع.
( ۲ ) الاتكال على الله والإيمان بقوته:
إن الإنسان المسيحي يحيا في سلام لأنه يحس بأن إلهه يحمل عنه كل متاعبه : ألق على الرب همك وهو يعولك، من الضيق دعوت الرب فأجابني من الرحب، الرب لي فلا أخاف واقد اختبر داود النبي حياة الفرح الداخلي العميق لأنه كان رجل الاتكال على الله ، إذ عرف من حياته عناية الله به عندما هاجمه الأسد والدب ، وعندما صارع جليات الجبار .
ولذلك نجد مزاميره تنضح دائما بعلامات التهليل الحقيقي والثقة الأكيدة بمعونة الرب للإنسان المؤمن فسمعه ينشد على قيثارته” ليفرح جميع المتكلين عليك ، إلى الأبد يهتفون وتظللهم ويبتهج بك محبو اسمك ” (مز ٥٠ : ١١) وفي موضع آخر يقول جعلت الرب أمامي في كل حين لأنه عن يميني فلا اتزعزع . لذلك فرح قلبي وابتهجت روحی – جسدي أيضا يسكن مطمئنا (مز ١٦: ٩) .
و بطرس الرسول يترجم هذه المشاعر المقدسة في قوله ” ذلك وإن كنتم ولا ترونه الآن لكن تؤمنون به فتبتهجون بفرح لا ينطق به ، (١بط ۱ : ۸) ، وما من شك في أن حياة الاتكال تعطى للنفس طمانينة وسلاما يفتقر اليه الانسان البائس الذي يحيا وحيداً في خضم الحياة المتلاطمة والقيم المتضاربة ، ولعل أروع صورة توضح ما نقول تلك التي نقرأها في أعمال الرسل عندما ألقى بطرس في السجن وأخذ يرنم ويهلل ثم نام فرحا حتى جاء ملاك الرب وأخرجه بقوة عجيبة ، وتاريخ كنيستنا ملىء بالمواقف التي فيها اتكل رجالها على الله.
فعبرت التجارب وظلت هي قوية راسخة كمقدار رسوخ الفرح في قلوب أبنائها . ولسان حالها قول المرنم . هم عثروا وسقطوا وأما نحن فقمنا وانتصرنا ، (مز ۸:۲۰) .
(۳) هدوء الضمير والنفس:
وهناك فارق كبير بين هدوء الضمير ونوم الضمير . فداود عندما أخطأ خطيئته المعروفة نام ضميره واحتاج إلى منبه قوى يوقظه ولما استيقظ ضميره بكى على فعلته حتى أنه كان يعوم فراشه بدموعه ، وهدوء الضمير لا يتحقق اطلاقا إلا إذا كانت مخافة الرب عميقة في قلب المؤمن كقول داود ” سمر خوفك في الحمى ” كما أن التوبة والاعتراف تهيء للنفس تخلصا من براثن الخطيئة وتغسلها من آثارها السيئة فيصبح الضمير في حالة أقرب إلى الهدوء والرضا وهكذا كلما أحس الإنسان بأفعاله الرديئة وكلما جاهد للتخلص منها مستندا إلى نعمة الرب ومعونته . هدأ ضميره واستراح لأن النفس تسلك في طرق الرب .
وقمة هذا الهدوء عندما ترجع النفس إلى موضع راحتها . ومسيحيتنا تهيء لنا مصدراً عظيما للفرح عندما تضع أمام أعيننا ملكوت الله الذي قيل عنه إنه بر وسلام و فرح في الروح القدس (رؤ ٤ : ٧) وهذا الهدف يعزى المؤمن في جهاده لأنه يحس أن ضيقته الأرضية تنشىء له ثقل مجد أبدى” ويحس أيضا أن أمجاداً سماوية تنتظره هناك في الوضع الذي هرب منه الحزن والتنهد في نور القديسين و بولس الرسول عبر عن أهمية هذا الهدف في تعزيتنا وهدوءنا الداخلي بقوله” لو كان لنا رجا. فقط في هذا العالم لكنا أشقى جميع الناس “.
وعلى ذلك فإن النفس تقبل راضية كل ضيق وكل تجربة لأن أيام الغربة قليلة ولا بد أن تنتهى . أما أمجاد السماء فهي أبدية ، ويسوع نفسه يمسح بيده كل دمعة من دموع أحبائه . وهكذا يلخص بولس الرسول هذه النواحي بقوله, فرحين في الرجاء ، (رو ۱۲ : ١٥).
كما أن السيد ذكر أهمية ملكوت السماء في فرح المؤمن إذ قال بفمه الطاهر ” و لكن لا تفرحوا بهذا أن الأرواح تخضع لكم بل افرحوا بالحرى أن أسماءكم كتبت في السموات ” (لو ۱۰ : ٢٠) . وهكذا يكون الرجاء مصدر تعزبة النفس وهدوئها وعربون فرحها الدائم فيا بعد .
( ٤ ) المحبة ووحدانية الروح :
يقول بولس الرسول ” افرحوا . اكملوا . تعزوا اهتموا اهتماما واحدا … عيشوا بالسلام وإله المحبة والسلام سيكون معكم ” (١كو ۱۳ : ۱۱).
وهكذا يحدد معلم المسيحية الإطار الذي فيه يجب أن يحيا المؤمن … إطار المحبة والاهتمام الواحد … هذا الاهتمام الواحد الذي يظهر في الفكر الواحد والقلب الواحد والنفس الواحدة كما يقول الكتاب. وكان الجمهور المؤمنين قلب واحد، . وعندما كانت كنيستنا روحاً واحدة يحس كل فرد فيها بآلام أخيه ويشاركه أحزانه وأفراحه كان المؤمنون سعداء في حياتهم ، ولكن عندما دخلت الأطماع الشخصية والأهواء الفردية وميول الأنانية جاءت معها الفرقة والانقسامات ، وتمزقت وحدانية الروح و بردت المحبة وتعددت الاهتمامات ونزع الفرح من قلوب الناس …
كم نحن في حاجة إلى الاقتداء برب المجد في محبته وصفحه عن الأعداء ، کی لا نفرح بسقوط أعدائنا ولا تبتهج قلوبنا إذا عثروا (أم ٢٤ : ١٧) ، كم نحن في حاجة إلى أن نقتدى بيوسف الذي قبل أخاه يهوذا الذي باعه عندما جاء إلى مصر …كم نحن في حاجة إلى البحث عن الخروف الضال کی نفرح به مع السماء أكثر من التسع والتسعين التي لم تضل (مت ۱۸ : ۳) كم نحن في حاجة إلى أن نعيش في سلام ومحبة !! كى نفرح مع الفرحين ونحزن مع الحزاني …
نحس باحتياجات الفقير كما لا نحسد الغنى ، و نعطف على الفقير والضعيف و الصغير دون أن نتآمر على القوى . بذلك يعطينا الرب الفرح الدائم الذي يملأ قلوبنا …
وختام الأمر كله أن المؤمن الذي امتلأ قلبه فرحا مقدسا وكان مصدر فرحه دائما الاتكال على الرب والثقة بقوته العجيبة وحجر زاويته السلاح المقدس الذي من الرب و منبعه هدوء الضمير وراحة النفس ، ومثيره الوحدانية والترابط الإجتماعي المتين مع كافة المؤمنين … إن مثل هذا المؤمن يحيا في نمط يختلف عن أهل العالم الذين يعيشون معه و تتسع حدود حياتهم في فرحها وابتهاجها …في سرورها وعزائها إلى اللانهاية المطلقة عندما تلتق بالرب في سماء المجد؟[17]
القديس القمص بيشوي كامل
الكنيسة والعالم
الكنيسة هى جسد الرب يسوع السرى والكنيسة المجاهدة تعيش فى هذا العالم بقوة السيد المسيح رأسها الكنيسة فى العالم كالسفينة شراعها الصليب المقدس وربانها الرب يسوع ، والسفينة تمخر عباب بحر هذا العالم ، لكن مياة العالم لا تدخل فيها . والسفينة تعبر بحر هذا العالم ، فى اتجاه مضاد لتياراته ، تسير بقوة الروح القدس ضد تيار العالم ، وهذا السير المتواصل هو علامة حيويتها وقوتها ، والكنيسة تنفع العالم كثيرا لأنها نور ، والنور يبدد ظلماته ولأن بها رئيس الحياة ، والحياة تبدد فساد الموت ، ..
والكنيسة تحنو على أهل العالم لكى تنتشل النفوس التى لاطمتها أمواج العالم لتغرقها . فالكنيسة سفينة انقاذ وسفينة نجاة تعمل عمل السامرى الصالح مع الجميع … تعمل عمل الرب المخلص .
أولا : الكنيسة ليست من هذا العالم
الغربة طبيعتها ” لو كنتم من العالم لكان العالم يحب خاصته “(يو ١٥: ١٩) .
فالكنيسة ليست من خاصة العالم . رئيسها ولد فى مذود ، وطرده ملك الأرض فهرب لمصر وتغرب ، ثم جاء يصنع خيرا وأخيرا اتهموه أنه مجدف وضد قيصر فصلبوه ، وسبب ذلك أنه شهد للحق ضد الباطل ، ضد العالم .
أسلوب الحياة فى الكنيسة
ليس هو اسلوب العالم ، لا تهتم بخارج الصفحة بل بالداخل ، لا تجرى وراء الموضات بل تحفظ جمال الانسان الداخلى فى طهارته أسلوب العالم من الدهاء والمكر والكذب والنفاق والرياء والمداهنة والدخول فيما لقيصر …
هذا الأسلوب اذا دخل الكنيسة يكون تسرب لمياه العالم اليها . التحول الى الأساليب الاجتماعية فى حل المشاكل الروحية لأنسان هو طوفان من بحر العالم على الكنيسة . حل المشاكل الأسرية بالنظريات الجنسية والسيكلوجية هو نوع من جنوح سفينة الكنيسة لتصطدم بصخرة هذا العالم .
الكنيسة لها مبادئها الخاصة . اشتراكيتها الأختيارية ، سلامها الروحانى . محبتها للجميع . الخضوع للرؤساء . التواضع ، الاتكال على الله ، انكار الذات …
الكنيسة قلبها مفرغ من مجد العالم ، لأنه مملوء بمحبة المسيح ، والوطن السماوى . ولأن محبة العالم عداوة لله ” لا تحبوا العالم ولا الأشياء التى فى العالم ” (١يو ٢: ١٥) . الكنسية تعبر العالم ، وتستعمل العالم ولا تتعلق بالعالم ( تحب العالم ) ، حبها مركز فى المسيح ، وتعمل كل شىء فى العالم لمجد المسيح .
ثانيا : الكنيسة أقوى من العالم
الكنيسة ضد العالم وهى أقوى منه ” ثقوا أنا قد غلبت العالم ” ، ” أكتب اليكم أيها الأحداث لأنكم قد غلبتم الشرير ” (١يو ٢: ١٣) . قوية بالهها ، مضيئة بطهارتها شمس البر ، جميلة بانعكاس ضوء المسيح عليها ، مخيفة للشرير بصلاتها وأسرارها “من هى المشرقة مثل الصباح ، جميلة كالقمر ، طاهرة كالشمس ، مرهبة كجيوش بألوية ” (نش ٦: ٤) .
الكنيسة غنية بالمسيح لا تتذمر أو تشتكى ” فهى فقيرة وتغنى كثيرين … لاشىء لها وهى تملك كل شىء(٢كو ٦: ١٠) . وليس لها ذهب أو فضة لكن لها اسم يسوع الذى أقام الأعرج ( أع ٣ ) .
الكنيسة القوية : هزمت الأباطرة بمحبتها ، وحولت الذئاب الى حملان . وهزمت شهوات العالم بحبها للمصلوب وقوة صليبه … ما أرهبها كجيش بألوية . ؛؛؛
ثالثا : الكنيسة مسؤلة عن العالم
١ــ كارزة بالخبر السارــ الخلاص ، ليست داعية لمذهب أخلاقى ولا لعقيدة فلسفية ، بل كارزة بالمسيح المصلوب لليهود عثرة ولليونانيين جهالة … وللنفوس المعذبة خلاصا وانقاذا . وكارزة بالقيامة من الأموات . هى تشهد أن الله يخلق من موتنا حياة ، الله يخلق من الزانية قديسة ، ومن زكا العشار انسانا محبا للعطاء ، ومن شاول القاسى بولس الخادم .
تشهد أن المسيح قام وأقام الموتى ويقيم كل يوم ، ليس بها رائحة موت بل رائحة المسيح الذى قام ، تدخلها النفوس الميتة النتنة فتخرج قائمة وحية ولها رائحة المسيح ، يدخلها الزانى وخرج طاهرا ، يدخلها الحقود ويخرج محبا ، يدخلها المتكبر ويخرج متواضعا … الكنيسة الكارزة بالقيامة تدعو دائما للتوبة .
٢ــ الكنيسة الخادمة ، فى تواضع وجرأة ــ تضمد جراحات النفوس النازفة من خطر لصوص الطريق ، تضع زيت فتطيب النفوس المجروحة ــ هى سامرى صالح هذا العالم لكل غريب الجنس . تقوى ايمان الضعفاء وتسندهم ، انها تؤمن بنقل الجبال ، تمد يدها للملحدين فتبث بها من ايمانها ، وتنقل اليائسين الى قمم جبال الايمان ، تؤمن بالصلاة من أجل الضعفاء ولا تؤمن باهمالهم ” من هذه الطالعة من البرية كأعمدة من دخان معطرة بالمر واللبان ” (نش ٣: ٦) .
الكنيسة تجاهد فى الصلاة من أجل العالم كله ــ وتخرج اليه بقلب مفتوح ، لا تعرف الانعزال الا من أجل الصلاة ، ثم تعود الى العالم لتخدمه وتجذبه الى فوق … حياتها العمل ” أبى يعمل حتى الآن وأنا أعمل ” (يو ٥: ١٧) . والكنيسة نور العالم تجذب الغرباء للمسيح بأعمالها ــ الكنيسة حارسة لتعاليم المسيح ، وحارسة للتقليد الرسولى وشاهدة للحق ولكنها تعطى ” ما لقيصر لقيصر وما لله لله ” (مر ١٢: ١٧)[18] .
المتنيح القمص يوسف أسعد
مصادر الفرح
الفرح ثمرة من ثمار الروح القدس، وفي هذا النوع من الثمار يمكننا أن نبحث عن بعض من مصادر هذا الفرح .
١-الفرح بالرب نفسه
من يعيش حياة روحية سليمة ينقاد بالروح ويهتم بأضرام الروح، ولا يطفئ عمل الروح فيه، هذا النسان لا بد ان يتجلى له الرب ، ويريه ذاته كوعده في الأنجيل لمار يوحنا ” سأراكم أيضاً فتفرح قلوبكم ” (يو ١٦ : ٢٢).
فلا شك ان رؤية الرب في حياتنا اليومية من خلال معاملاته، ومن خلال كتابه وقديسيه في كنيسته ، تجعل الأنسان يتهلل مع أشعياء النبي ويقول :”فرحاً أفرح بالرب “(إش ٦١ : ١٠).
فإذا كانت طلعة المحب تُفرح قلب الحبيب، فلا شك حينما نلمس في حياتنا من الكتاب المقدس قراءة أو تطبيقاً تأخذ لأنفسنا فرحاً مصدره شخص الرب نفسه ، وداود النبي يقول لنا ” أفرحوا بالرب و أبتهجوا ” (مز ٣٢: ١١).
ولذلك نجد ان الرب هو مصدر فرح القديسين وبهجتهم، فهم يحبونه، ويحبون أسمه ويفرحون بشخصه…
لأنه هو الوحيد الحي إلي أبد الآبدين، فيفرحون به كملك يغزو القلب بوداعة، فحتى لو أتى على حمار أو جحش فهو يدخل الى قلوب الملايين ويغيرها تغيراً عجيباً، يجعل الجميع يتعجبون من هذا التغيير.
فنجد شاباً يرفض الزواج الذي هو سر مقدس، وذلك ليس لنه يعاني من الفل ،أو أنه لم يجد من تناسبه ، بل لأنه قد أكتشف محبة الرب وشعر أنه يستحق أن يدوس على كل عسل من أجله ، وأن كل حلاوة لا تكون مثل حلاوته ، وأن كل غالي لا يصل الى مقدار غلاوته .
نعم يا أحبائي إن القديسون الذين يشعرون بالرب يسوع تجدهم دائماً فرحين .. كمثل الطفل الذي يتعلق بأبيه او أمه ، فحينما يسمع قرعاً لهما على الباب ترون لهفته عليهم ، لأن شخصية الأب و الأم بالنسبة للأولاد شيئاً فريداً يعي لهم فرحاً عجيباً.
و لذلك حينما ظهر الرب للتلاميذ و أراهم يديه وجنبه :” فرح التلاميذ إذ رأوا الرب “(يو ٢٠ : ٢٠).
٢- الفرح بخلاص الرب
إن كنت لا تستطيع أن تعي معنى أن تفرح بالرب أذكر قول حبقوق النبي “أفرح بإله خلاصي”(حب ٣ : ١٨) فهو الأله الذي يخلص دائماً وسيظل يخلص لملكوته الأبدي .
إن وقوع الأنسان في تجربة أو أزمة تجعله يختبر فيها أنواع من الخلاص والنجاه من يد الرب ، وهذا يختلف عن خلاص المحامبن مثلاً الذي يمكن ان يخلص الأنسان من الأزمة بواسطة الثغرات التي توجد في القانون أو بواسطة أساليب كثيرة لا تتفق مع فكرة الخلاص الذي من الرب .
اما دانيال النبي الذي كان اميناً وناجحاً في عمله ، فحسده صغار النفوس حتى تعرض أن يلقى في وسط أسود جائعة، فمن يخلص هذا الأنسان ؟ وما معنى فرحه بالرب أله خلاصه؟
أن مجرد رؤية الأسود مفزعة ، فكم حينما يجد الأنسان نفسه أمامها وهي جائعة !! قد نلقي لهذا النسان بحبل ، ولكن من يضمن الأ تلتهمه هذه الأسود قبل أن يصل الحبل اليه؟ ولكن أله خلاص دانيال جعله يدرك أن هناك ملائكة أرسلهم الرب فسدوا أفواه الأسود ، ولم يصنع به ضرراً فهذا عندما يقول :”أفرح بأله خلاصي” فكم يكون هذا الفرح مصدره شخص الرب نفسه الذي يخلص الأنسان من محن وأزمات كثرة وخطايا كثيرة .
لجل هذا أفراح الروحيين تتركز دائماً في شخص عريسهم ، هذا العريس الذي من أجلهم أفتقر وهو غني لكي بفقره يغتنون في الأيمان وفي كل شئ حتى يصلوا الى ملئ قامته .
لذلك يا أحبائي من التداريب النافعة ان الأنسان يضع شخص الرب يسوع امام عينيه كل يوم ويأخذ جزء من حياته تاملات تنفع فرحه ، وتشبع جوعه الى الفرح الروحي ، والإنسان الذي يتعود كل يوم ان يفكر في شخص الرب و كيف يخلصه ، حتماً سيغني مع اولئك الذين قالوا : أفرحوا لن الرب قد تمم لنا ما لا نستطيع ان نعمله ، لهذا يا أحبائي إذا أرتبطتم بشخص الرب ستجدون مصدر الفرح معكم أينما كنتم .
٣- الفرح ببيت الرب
كثيرون يدخلون الكنيسة ويخرجون منها وحياتهم كما هي وغمهم يزيد والآمهم كما هي ، لهذا أرجوكم إذا دخلتم الكنيسة ابحثوا عن شخص الرب يسوع، ابحثوا عنه دائماً .
والمقصود بالكنيسة ليس المبنى فقط ، بل كل تجمع من المؤمنين يُسمى في مفهومنا الأيماني ” كنيسة ” فابحث عم شخص الرب يسوع في كل تجمع من المؤمنين الذين يعيشون بالروح ، إذا لم تجده في وسطهم أو لم تجدهم مهتمين به ، أبحث أنت عنه فهو مصدر فرح حقيقي .
لأجل هذا قال الرب كوعد في سفر إشعياء النبي “أفرحهم في بيت صلاتي “(إش ٥٦: ٧) فإذا دخلت بيت الله يا عزيزي ولم تشعر بالفرح تأكد أن هناك خللاً في روحياتك .
إذا دخلت بيت الله لتصلي ،فلا يمكن ان يتركك تخرج بدون دفعة ولمسة فرح ، ولكن إذا دخلت لتكلم الناس أو تقابل او تفتقد الناس ، او لترعى مصالحك فصدقني يا عزيزي كما دخلت ستخرج ، ربما تدخل محملاً وتخرج فارغاً.
فإذا دخلت بيت الله أهتم بالصلاة ولا تنشغل بشئ إلا أن تُحدث شخص الرب يسوع هذا الذي هو وحده مصدر وأساس فرحنا .
فالصلاة هي عبارة عن حديث مع مصدر الفرح .. فاهتم جداً في صلواتك ان تركز على شخص الرب نفسه، أجعله محور صلاتك وهدفها ، اما إذا دخلت لتحدثه عن جسدياتك.. او عن رغباتك ، فلن تخرج بشئ، أما اذا حدثته عن شخصه وخلاصه فسوف تاخذ ما تريد حتى دون ان تطلب ، وسوف تاخذ أيضاً ما لا يُعطى إلا باللب وهو نمة الفرح .
الأنسان الروحي لا يدخل الكنيسة من اجل نشاطات أو من اجل أن يزكي شخصيته ، لكنه يدخل من أجل أن يقابل الرب يسوع نفسه ، فلذلك لابد ان يخرج فرحان، لان كل من يدخل اليه بقلب مستقيم للصلاة يفرح ، لهذا قال داود النبي ط فرحت بالقائلين لي إلى بيت الرب نذهب ” (مز١٢٢ : ١).
من يقول لك تعال لنذهب لبيت الرب يجب ان تفرح به ، لأنك ستذهب الى من ينتشلك من غم وهم مستمر ، الى مكان وعد الرب فيه ان يفرح تابعيه الذين يدخلون بقلب مستقيم .
لأجل هذا يا عزيزي أذا كنت فعلاً قد أختبرت بيت ربنا كمصدر من مصادر فرحك فستفرح فعلاً بكل ما يدعوك الى بيت ربنا ، لأنه لا يوجد مثل فرح القلب الذي تشعر به داخل بيته ، وذلك لأنك ستشعر أن لك عائلة كبيرة في السماء تسندك وتشاركك ، وعائلة أخرى هنا على الأرض تشاركك أيضاً في الفرح ، فيتحول فرحك الى أفراح كثيرة وتحيا حياة فرح حقيقي وشركة حقيقية .
هذا غير الكتبة والفريسيين الذين قال عنهم سيدنا له المجد انهم يطوفون البحر والبر ليكسبوا دخيلاً واحداً حتى إذا كسبوه يجعلوه أبناً لجهنم مضاعفاً مثلهم (مت ٢٣ : ١٥) ، فليس كل أنسان يدعوك لبيت الرب يكون فعلاً فرحاً بالرب و يريد أ، يُذيقك حلاوة هذا الفرح .. فأحذر ممن قال عنهم بولس الرسول :” واما قوم فعن حسد وخصام يكرزون بالمسيح وأما عن قوم فبمسرة . فهؤلاء عن تحزب ينادون بالمسيح لا عن إخلاص ..” (في ١ : ١٥ ، ١٦) .
أما ماربولس فكان يقول لهم “لأني لم اعزم أ، أعرف شيئاً بينكم إلا يسوع المسيح وإياه مصلوباً”(١كو ٢: ٢)
لذلك يا عزيزي أفرح جداً بالشخصية الروحية التي ذاقت حلاوة ربنا و تجدها تدعوك لكي ما تتذوق فرحه في بيته ، أفرح بالرب وقديسيه الذين يفرحون معك في بيت الرب .
٤- الفرح بكلمة الرب
أهم ما في كلمة ربا هي قدرتها على تغيير حياتنا تغييراً لا يشعر به أحد سوانا، فنجد أن أفراحاً جديدة نشعر بها لا يحسها أحد من حولنا ، فالفرح الحقيقي الذي يطلبه من الرب هو تطبيق وصاياه.
ولا شئ يسعد النسان ويفرحه قدر فرحه الداخلي حينما يشعر أن كلمة الرب قد غيرت فكره ونظرته للأخرين ،واتجاهاته ،وأسلوبه في الأمانة والتعامل مع مال الناس ومال الله ، وفي العمال البسيطة اليومية التي لم تعد تربكه أو تقلقه او تتركه مهموماً فيشعر بالفرح أن الله يغير داخله .
فعبادة الرب هي طاعته وتطبيق وصاياه بفرح يبدأمن داخل الأنسان بشعور لا يشعره آخر سواه، لأنه هو وحده الذي يتذوق هذه المعرفة الجديدة من خلال خبرة وصايا الله، فمثلاً ربما أنسان يظل معتزاً بكرامته… ثم يجد نفسه مع كلمة يقرأها يفتح بها الله قلبه ، فيشعر أن كرامته لم تعد هي كل أهتماماته ، ويجعله يشعر أن تركه وتنازله عنها جعله يتقدم سريعاً جداً في الروحيات ، ويشعر أن الله يأتمنه على تعزيات أكبر ، ويشعر أنه أضاع وقتاً من عمره في أنشغاله بذاته وكرامته ، فيشعر كم أن كلمة الرب قد فرّحت قلبه.
ومن يأخذ ما يسمعه من وصايا الله يومياً لا لكي يحولها الى دراسة أو معرفة إنما يحولها إلى تطبيق في حياته على قدر طاقته فعلى هذا تحل البركة .
والبركة لسيت شيئاً مرئياً وأنما نرى أثرها داخل الأسرة وفي مجال العمل وفي مواجهة المعارك مع الشياطين او مع الناس الأشرار فالبركة تحل على مختبري الكلمة ، وتجدون أثرها في دخولهم وخروجهم ، فمجرد دخولهم في مكان يجعل البركة تسري فيه .
والركة جعلها الله للجميع فهي ليست وقفاً على الرتب الكهنوتية أو على الرهبان والراهبات ، أنما هي ميراث لكل تقي يؤمن بكلمة الله ويعيشها ويطبقها ، فالذي يفرق بين القديسين وغيرهم هو مقدار ما عاشوه من جهاد من أجل تطبيق كلمة الله .
هناك أيضاً من مصادر الفرح وهو رسائل الرسل ، يقول سفر الأعمال في الأصحاح الخامس عشر انه قامت مباحثات حول دخول الأمم الى الأيمان ، وحول الختان و اكل المخنوق والدم وحول الزنا ، وانتهت هذه المباحثات الى رسائل كتبها الرسل وأعطوها لأثنين ، فهؤلاء لما أنطلقوا وجاءوا الى أنطاكية وجمعوا الجمهور وقرأوا الرسالة ، ففرحوا فرحاً عظيماً بسبب التعزية أو بسبب الوعظ والتعليم الذي كان بها .
أن رسائل الرسل وتعاليم الرسل تطبع فينا فرحاً عجيباً فمثلاً حينما نقرأ الرسالة الى العبرانيين يقول معلمنا بولس الرسول للمؤمنين :”قبلتم سلب أموالكم بفرح “(عب ١٠ : ٣٤) فكم تعالج هذه الرسائل ما فينا وكم تعطينا من فرح لا ينطق به ومجيد .
وعندما نقرأفي رسالة معلمنا بولس الرسول الى أهل فيلبي نجده يقول :”أفرحوا في الرب كل حين وأقول أيضاً أفرحوا “( في ٤ : ٤) بالرغم من انه كان يكتب بعض رسائله وهو في السجن ويديه ورجليه مربوطتان بسلسلة في المقطرة فماذا كان مصدر فرح مار بولس ؟ لقد كان مصدر فرحه انه عرف الرب “لأعرفه وقوة قيامته وشركة الآمه متشبهاً بموته “(في ٣ : ١٠) فأصبحت رسائله وخطاباته مصدر فرح .
ولذلك الكنيسة في القداس تضع لنا كل يوم قراءة من رسائل ماربولس ، وكذلك من رسائل الكاثوليكون( التي كتبها مار بطرس ، ويوحنا ويعقوب ويهوذا ) أي أن في كل قداس تضع لنا الكنيسة قراءتين من رسائل الرسل .
يا أحبائي .. ليتك تدرسون رسائل الرسل وتقرأونها بعمق .. فإذا كان مصدر الفرح هو شخص الرب وبيت الرب فتلاميذ الرب ورسائلهم هم أيضاً يعطوننا فرح حقيقي .
٥- الفرح بإجراء الحق
من مصادر الفرح أيضاً ما جاء في سفر الأمثال في الأصحاح الحادي والعشرون “إجراء الحق فرح للصديق ( أم ٢١ : ١٥) ”
فالمحبة لا تفرج بالأثم بل تفرح بالحق ، والحق يا أحبائي يحرر طاقات المحبة المبدعة.. وحينما يُهزم الحق تُجرح المحبة ، وحينما يُنصف الحق تبتهج المحبة وتفرح ، لهذا إجراء الحق دائماً مصدر من مصادر الفرح لأولاد الله ، ومن يسير في طريق الحق كقول قداسة البابا شنودة الثالث ط لايستاء مطلقاً من كلمة حق أن تُكتب أو تُقال ” بل بالعكس يجد ان كل إجراء للحق مصدراً من مصادر فرحه .
ان الذين يعيشون بالتواء قلب في أساليبهم الشخصية او معاملاتهم اليومية لا يشعرون بالفرح.
وجزء أساسي من إجراء الحق هو التوبة والبعد عن المسالك المعوجة ، فكل مرة تجلس فيها الى نفسك بتوبة صادقة وتبحث عن الحق وتجريه ، ومهما تجد من معاناه ستنام فرحان ، لأن إجراء الحق يشدد توبتك ويفرح بك المسيح وملائكته كقوله ” إنه هكذا يكون فرح في السماء بخاطئ واحد يتوب “(لو ١٥ : ٧)
من أجل ذلك أجر الحق في حياتك وأبعد عن الأعوجاج في الكلامفي السلوك في النظرة في التصرف وأنصف الرب اولاً في حياتك…. فهو الذي أعطاك ذاته مصدراً للفرح ، فلا تعلي شهوتك ورغبتك ولا تعطي لعاداتك إطلاقاً أكثر دون ان تدري انها تستعبدك .
وإجراء الحق ليس معناه أن نكون قضاة بين الناس ونقول لهذا أنت مخططئ ولذاك أنت غير مخطئ ، إن فهمنا إجراء الحق بهذه الطريقة فهذا معناه أننا نبني عمارة عشرة ادوار بداًمن الدور العاشر دون أن نبدأ بالدور الأول لإجراء الحق في حياتنا الشخصية ، فيصي إجراء الحق مصدراً لفرحنا.
٦- الفرح بالتعب في عمل الخير والمصالحة
هناك أيضاً يا أحبائي عناء وتعب في عمل صلح بين أثنين ، فهناك مشكلة أستمريت فيها أربعة أشهر كاملة من الجهاد والعناء من اجل حل نزاع بين أثنين متاخصمين ، لكن صدقوني يا أحبائي أن فرح الأنسان بهذا التعب مثلما قال سليمان الحكيم في سفر الجامعة ” قلبي فرح بكل تعبي ” ( جا ٢ : ١٠).
فإذا تعبت مع نفسك ليلة أو ليالي لكي تجري الحق في حياتك ،فتعبك هذا وضبطبك لنفسك ومحاسبتك لها وتدقيقك سيكون سبب من أسباب فرحك .
إن اردت ان تفرح بتعبك فأجعل تعبك في اتجاه خلاص نفسك ، اتعب من اجل أن تربح الرب في أحشائك أولاً، ارح الحق في حياتك اولاً فتفرح انت وهكذا مهما مر بك من تعب ستجد ان أتعابك صارت مصدراً لفرحك
فإذا وجدنا إنساناً يمسك قطعة من الطين ويشتغل بها شهور لكي في النهاية تصبح تمثالاً، فكم نفرح جداً بهذا الأنسان ويٌعمل له معرض ونجد انه فرح بقطعة طين خلق أو صنع جمالاً او تمثالاً.
أرجوك ان تفرح بالرب .. والرب قداسة لا تتفق مع النجاسة ، وهو قدوس لا يتفق مع العالم ، هو نور والعالم ظلمة، فلا يمكن ان تستقيم حياتك وتُجري الحق إلا عندما تكون دائماًمع الله ولست مع العالم .
هكذا انت يا عزيزي أفرح بالرب في بيته ، ومع قديسيه وتلاميذه ورسائلهم وكلمته.
الثبات في الفرح :
أن أردت ان تعيش الفرح فأثبت في فرحك بالرب ، فأن حركة البندول لا تنفع ، لان الفرح يحتاج الى نفس ثابتة مستقرة … عزمت أن تكون أعماقها مكرسة للرب وحياتها شاهدة له ، وموتها ممجداً للرب ، فمار بولس الرسول هو صاحب القول :”إن عشنا فللرب نعيش وإن متنا فللرب نموت فإن عشنا او متنا فللرب نحن ” (رو ١٤ : ٨) .
٧- الفرح برفاق الطريق
يا عزيزي.. لاشك ان هناك في الطريق رفاق ، ففيالأرض كلها قديسون يفرحون بالرب .. وعندما أشعر أن لي أخوة سائرين في نفس الطريق وبنفس الروح فيصبح هذا مصدراً لفرحي.
كما كان هذا مصدراً من مصادر فرح لمار بولس الرسول عندما أتى اليه ثلاثة من الأخوة إسطفانوس و فرتوناتوس ، و أخائيكوس ، فقال عنهم لأهل كورونثوس ” نقصانكم هؤلاء قد جبروه إذ أراحوا روحي وروحكم “(١كو ١٦ : ١٧-١٨).
ونحن اليوم نرى أنه بعد ٧٠ سنة من أفكار الألحاد التي نُشرت بطريقة أجبارية في بلاد عاشت محكومة بالحديد والنار ، نرى اليوم أن ربنا يمجد ذاته ويعلن شخصه أنه مهما طال الزمن فالحق هو الحق حتى وأن دخل القبر ثلاثة أيام ، لهذا إخوتنا هناك شركاء لنا في الفرح ، وأخوتنا في كل موضع في الأرض يعيشون بهذا الأيمان.
فان أردت أن تفرح ياعزيزي بالرب وتُجري فرحه في أعماقك ، أعرف هؤلاء الذين يُفرّحون ويعيشون من أجل فرح الله فيهم ، وحاف بأستمرار على صداقات روحية تفرح بالرب وبرسله ورسائلهم وصلاتهم.. عن هؤلاء إبحث فهم مصدر من مصادر فرحك
المتنيح القمص لوقا سبداروس
نجم يفضل عن نجم في المجد
لاشك أن جميع الذين استحقوا الملكوت وكتبت اسماؤهم في سفر حيوة الخروف يتمتعون ويتنعمون بالسرور والفرح الأبدي ، بلا نقص ولا إحساس بالنقص فالكل في حالة مليء وكفاية ومصدر الفرح هو الوجود الدائم في حضن القدير إذ لا يخرجوا الي خارج بعدما يكون الباب قد اغلق ولا عودة الي تعب أو جهاد ولا تذكار لشر أو اشرار ولا مقاوم ولا حروب لأن ابليس المشتكي علي جنسنا يكون قد طرح الي الأبد .
ولا يمكن بحال من الأحوال أن يوصف مجد السماء بالفاظ بشرية ولكن المختارون حصلوا علي عربون الفرح السماوي وهم بعد في الجسد فقالوا انه فرح لا ينطق به ومجيد وأن ما رأوه لا يسوغ لأنسان أن يتحدث عنه لأنهم رأوا ما لا يري وما لم تره العين (انظر ١كو ٣: ٩) .
علي أنه إن كان الكمال هو الجو السائد في السماء فهذا لا يعني عدم التمايز بين الأبرار ،فالمجازاة في السماء تكون بحسب الجهاد علي الأرض ” نعطي كل واحد بحسب أعماله ” فالشهداء مثلاً الذين ضحوا بدمائهم من أجل الملك المسيح الذين بلغ الحب أقصي درجاته حتي الدم ، الذين شهدوا للرَّب شهادة الصدق والحق وصمدوا ضد أهواء العالم وإغراءاته وواجهوا من العذاب مالا يمكن وصفه أو شرحه حتي آخر نسمة وقصص الأبرار الشهداء لا تقع تحت حصر إذ قد بلغت أعدادهم الملايين … تنبض بالحب للصليب والتضحية من أجل شهادة يسوع المسيح والسؤال هل يستوي هؤلاء الشهداء بغيرهم من المؤمنين في السماء ؟
والجواب مسجل في سفر الرؤيا بغاية الوضوح ” رأيت نفوس الذين قتلوا من أجل شهادة المسيح تحت المذبح ” (رؤ ٦: ٩) .
لم يحظ أحد بهذا النصيب الفاخر سوي الشهداء لأنهم مستحقون إذ ان الله عادل لأنه لا ينسي تعب المحبة حتي كأس الماء البارد لا يضيع أجره ، أنه يمجد شهداءه الذين ذبحوا من أجله ان يخصهم بان تتمتع نفوسهم بالوجود تحت المذبح الناطق السمائي عوض ما قدموا دماءهم حباً في الذي صلب من أجلهم .
فان قيل عن رب المجد أنه قائم في وسط العرش كخروف قائم كأنه مذبوح كتعبير عن فخر الصلب ومجد القيامة ليس علي الأرض بل في السماء كركيزة للمجد الدائم في السماء الي ابد الآبدين فيكون قيام نفوس الشهداء تحت المذبح تعبيراً عن تكريم شهادتهم التي اكملوها من اجل يسوع الي ابد الدهور .
فان كانت شهادة الشهداء لم تستغرق علي الأرض لحظات معدودة إلا أنها قائمة في السماء مكرمة من الله الي جيل الأجيال .
لذلك فان الكنيسة المتغربة علي الأرض تعيش كأنها في السماء تكرم الشهداء وتكرم أجسادهم ومنذ القرون الأولي والمذابح تقام علي أجساد الشهداء وبذلك تكون الكنيسة قد نقلت الينا ونحن علي الأرض عربون المنظر الروحاني في السماء حيث تستقر أرواح الشهداء تحت المذبح السماوي بطريقة لا يعبر عنها ولا يسوغ لأنسان ان يتكلم عنها[20].
المتنيح القمص تادرس البراموسي
اليوم الثامن والعشرون من شهر هاتور المبارك
في العالم سيكون لكم ضيق لكن ثقوا أنا قد غلبت العالم ( يو ١٦-٢٣)
تختلف لغتنا عن لغة العالم . يرانا العالم ويحكم علينا من لغتنا . وقد علمنا الرب يسوع أن نتميز عن لغة العالم . ويشـهد الكتاب المقدس قائلا : ” أولاد الله طاهرون وأولاد أبليس .. فمن السهل جداً كما أكتشفت الجارية عندما سمعت صوت بطرس يتكلم في ليلة آلام السيد المسيح له المجد قالت له لغتك تظهرك ليس لأنه جليلي بـل لأنه لا يتفوه بكلمة ردية . من حلف وشتيمة وكذب وكل لغة العالم .
ما أراد أن يثبت لها أنه لا يعرف المسيح في ساعة ضعف بشـرى أنكر المسيح وأبتدأ يحلف ويشتم لكي يبرأ نفسه لكنه سقط في خطا أشنع لكنه تذكر وندم وبكى لذلك نرى الرب يسوع يعلمنـا كيف نتكلم وبأى لغة وكان الرب يسوع يبتدأ حديثه دائماً بكلمـة الحق الحق أقول لكم لأنه هو الحق ولا يتكلم إلا بالحق وكـان يكررهـا من يؤكد لنا ما يقوله ويطلب منا دائماً أن نقتدى به حيث قال نـار مثالاً لكم فقالا لكي تتبعوا أثر خطواتي واليوم يكلمنا عن الضيق والآلام والأحزان التي تلحق بنا في العالم يعطينا درساً وافيا لربما زاد علينا الآلام نرجع إلى الوراء ونخسر المعركة . فالكتاب المقدس يقول لنا من يضع يده على الممرات وينظر إلى الوراء لا يصلح لملكوت السموات (لو ٩-٦٢) .
أيضاً تبكون وتنحون والعالم يفرح . لأنكم أنتم لستم من العـالم أنتم تختلفون كثيراً عن أهل العالم . هؤلاء الناس الذين يلهثون وراء شهواتهم ومحبتهم للمال. أنتم تحزنون لأنكـم تنظـرون متألمين. تحزنون أيضاً لأنكم ترون الشر يحيط بكم . في العالم لكن حزنكم لا يطول لأنه سريعاً يتحول إلى فرح عندما ترون نجاحكم في الخدمة وتسلكون طريق سيدكم . وجرب لهم مثلاً بالمرأة التـى تبدو آلام الولادة ونسيان الماضي عندما ترى أنها ولدت إنسان فـى العالم.
أجمل ما في حياتنا مع المسيح قوله سأراكم وتفرح قلوبكم ولا ينتذع أحد فرحكم منكم بعد كل الآلام التي كلمهم عنها أعطاهم كم هائل من الفرح والسعادة . إن لم يكن لنا دالة علـى أحـد لا يمكـن أن نتجاسر لنطلب منه شئ لذلك أراد الرب يسوع أن يزيل عنا كل المخاوف فقال لتلاميذه إلى الآن لم تطلبوا شـيئا بأسـمى أطلب تأخذوا ليكون فرحكم كاملاً في كل مرة يثبت لنا قائلاً أنا من عنـد الرب خرجت يعني يعرفنا أن سماوي من السماء ولابد له أن يرجع إلى وطنه في يوم من الأيام لم يفهم التلاميذ معنى أتيت إلى العـالم وأيضاً أترك العالم وأذهب إلى الآب ولكن تأتى ساعة عندما يحـل الروح القدس عليكم لا أكلمكم أيضاً بمثال بل أبين لكـم بواسـطة الروح القدس الذي فيكم وأنير قلوبكم حتى أخبركم عن الآب علانية حينئذ تفهمون عدل الله وقداسته ورحمته ومحبته أنتم أمنتم أنى من عند الآب خرجت لأني إبن الله الأزلى خرجت من عند الآب لأفدى العالم . أتيت إلى العالم وتجسدت من الروح القدس وأخذت جسداً . السيدة العذراء مريم وأيضا أترك العالم وأذهب إلى الله أي أصعد إلى السماء وأجلس عن العظمة في الأعالي .
قال له تلاميذه : أننا نعلم أنك عالم بكل شيء في قلوبنا ولست تحتاج أن يسألك أحد ولهذا نؤمن أنك من الله . قال لهم أنتم مـاز التم في البداية لم تقووا على احتمال المشقات لكن تأتى ساعة وقد أتت الآن تتفرقون كل واحد إلى خاصته وتتركوني أين بطرس الذي قـال لا أتركك حتى أموت معك وأين ابن زبدي يعقوب ويوحنا اللذان طلب في الجلوس عن يميني وعن يساري وابن يهوذا الذي اغتراه المل لكي يأمن مستقبله . تركوني أنا وحدى . وأنا لست وحدى لأن الآب معي قد كلمتك بهذا ليكن لكم في سلام . حتى لـو قبضـوا علـى وأسلموني للموت لا أترككم . في العالم سيكون لكم ضيق لكن ثقوا أنا قد غلبت العالم (يو ١٦-٣٣)[21].
الأب أنتوني م. كونيارس
أحيا لا أنا، بل المسيح يحيا في (غل۲: ٢٠)
قصة:
هناك قصة عن أحد الرهبان الذي قرع على بـاب السماء طالبا الإذن بالدخول، فأجابه صوت: “من أنت؟” فأجابه الراهـب “إنه أنا”، فلم يفتح الباب، ومرت سنوات عديدة وأعـاد الرّاهـب المحاولة قارعا الباب مرة ثانية فسأله نفس الصوت: “مـن أنـت؟” فأجابه أيضا “إنه أنا” فلم يفتح الباب أيضا، وأخيرا وبعد سنين عديدة أخرى، أعاد الراهب الكرة، بعدما اكتسب حكمة كبيرة كمسيحي وصار متقدما في العمر، وفي هذه المرة عندما سأله الصـوت: “مـن أنت؟”، فأجابه الراهب: “أنت في”، وعندها أجابه الصوت “أدخل” أنت في.
من هو المسيحي؟ هناك إجابات كثيرة محتملة لهذا السؤال. الإنسان الذي يعترف أن يسوع المسيح هو ابن الله، أو هو الذي يشكل حياته وفقا لتعاليم السيد المسيح، أو من نال سر العماد أو هو الشخص المنتمي للكنيسة، أو هو الذي يحب أعداءه ويصلي من أجل الذين يضطهدونه، أو الذي يتناول الأسرار المقدسة، أو هو الذي يصلي كل يوم أحد، أو هو الذي يهب حياته للسيد المسيح كإله… إلخ. كل هذه التعريفات جيدة، لكن كلها تعريفات غير مكتملة، لأنها غفلت العنصر الأكثر أهمية الذي يميز المسيحي الحقيقي، إنه الإنسان الذي يعيش المسيح فيه. أنت في.
القديس بولس الرسول يفسر ذلك عندما يقول: “فأحيا لا أنا، بل المسيح يحيا في… » (غل ۲ : ٢٠)، والسيد المسيح عبر عن هذا عندما قال: “أنا الكرمة وأنتم الأغصان. الذي يثبت في وأنا فيه هذا يأتي بثمر كثير، لأنكم بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئًا” (يوحنا ١٥ : ٥)، “من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت في وأنا فيه” (يوحنا ٦ :٥٦) … أنت في.
جوهر إيمان بولس الرسول ليس أن الإنسان يتبرر بالإيمان كما قد يظن البعض، بل إن جوهر إيمان بولس الرسول هو الاتحاد مع المسيح: “فأحيا لا أنا، بل المسيح يحيا في… “، هذا هو جوهر المسيحية: “عمانوئيل الله معنا”، “عمانوئيل الله فينا”. إن التعبير المفضل لبولس الرسول هو عبارة: «في المسيح»، فقد كررها ١٦٤ مرة في رسائله، ليعبر عن مدى قرب وحميمية اتحاده مع المسيح.
فنحن لا نقول عندما نتحدث اليوم إننا في القديس يوحنا ذهبي الفم، أو في القديس باسيليوس الكبير، لكنّنا نظل نستخدم عبارة في المسيح. فكل مرة نكرر هذه العبارة، نكون قد جاهرنا بإيماننا بقوة ووضوح، نكون قد أوضحنا أن المسيح ليس مجرد حقيقة تاريخية، وليس مجرد شخصية عظيمة من الماضي، لكنّه الله حي، موجود فينا الآن. أنت في!
القديس أوغسطينوس الذي تحول للمسيح بعد حياة من الانحلال الأخلاقي التام ، كان سائرا في الطريق، عندما أتت من الاتجاه المعاكس واحدة من الخليلات اللواتي كان يعرفهن، فنادته بإغواء: “أوغسطينوس”، فأكمل القديس طريقه دون أن يلوي على شيء؛ فنادته ثانية: “أوغسطينوس، إنه أنا”، فأدار القديس أوغسطينوس رأسه بالكاد وأجاب: “نعم، لكن أنا لست أنا”.
السيد المسيح الآن هو ساكن في النفوس، في حضور يجعل كل الأشياء جديدة! أنت في!
قصة
كان شاب وفتاة يتمشيان ذات يوم ويتجاذبان أطراف الحديث حول صديقة مشتركة، فقال أحدهما: “مارى لديها ما أسميه شخصية مشرقة”، فأجابه الآخر مؤكدا: “هذا صحيح، لكن بم تفسر هذا الإشراق في شخصيتها”، وعندها استدارا حول منحنى في الطريق بحيث أبصرا نهرا دافقا، على ضفته الأخرى تقع قلعة شامخة. فقال الشاب: “انظري لهذه القلعة القديمة المهيبة هناك؟ عندما كنت صبيا صغيرا كنت أعشق الجلوس هنا كل مساء والتطلع لتلك القلعة، فأنا أعرف ما يحدث بداخلها من خلال المصابيح المضاءة بها.
فلو كان هناك عدد قليل من الأشخاص، أرى بريقا خافتا لكن عندما يأتيهم أصدقاء، تضاء المزيد من المصابيح وتصبح القلعة قطعة من الجمال. وذات مرة، عندما زارهم واحد من العائلة المالكة، أضيئت كل أنوار القلعة بالكامل، ولم أر في عمري مثل هذا التألق والإشراق”، ثم استدار لصديقته وقال: “أعتقد أن هذا هو التفسير الوحيد الذي أستطيع به أن أفسر شخصية ماري اللامعة. إنها تستضيف بفرح شخصية ملكية!”
نحن لسنا قلاعا، لكننا هياكل للإله الحي، وحينما يتواجد هذا الضيف الملكي بداخلنا، فإنه يمنح البهجة، والسلام، والمحبة، والنور لحياتنا.
صلاة
“عندما يغفل عني، وأنسى، أو أهمل،
ويظل قلبي شاعرا بالسلام في داخله،
أنا أعرف ما هذا، إنه أنت في
عندما يشطب على أماني، وتتجاهل اقتراحاتي،
ويتهكم على نصائحي، وأظل صبورا ومحباً،
عندما أعلو على المشاكل، وأواجه الصعاب بنجاح،
عندما أواجه الخسارة، والغبن، والارتباك باتزان ،وصفاء.
أنا أعرف ما هذا، إنه أنت في.
عندما تبهجني الأشياء البسيطة،
عندما أقابل الشر بالخير،
عندما أسامح وأدير خدي الآخر أيضا،
عندما لا أذكر الآخرين إلا بالخير،
ولا أرى فيهم إلا الخير.
أنا أعرف ما هذا، إنه أنت في.
عندما أساعد الآخرين، وأمشى معهم بدلا من الميل ميلين،
عندما أقوم بأكثر مما هو منتظر،
عندما أتحدث بكلمة الحق،
وأعيش الحق الذي أعرفه أنا أعرف ما هذا، إنه أنت في.
لك كل المجد،
يا ربي يسوع المسيح،
مع أبيك الصالح والروح القدس
من الآن وإلى الأبد، آمين[22]
المتنيح الدكتور راغب عبد النور
الاستشهاد والكنيسة
غار أحد الرسل غيرة ليست حسب الحق ، فأستل سيفه دفاعاً عن السيد الرب في محاولة للتصدي علي الذين أمسكوا به من الجند وعبيد رؤساء الكهنة . وفي محاولته هذه ، التي كان دافعها نوعا من الانفعال وعدم وضوح الرؤيا أمامه فيما يختص لإنجيل ربنا يسوع المسيح ، فأن هذا الرسول وهو الرسول بطرس ، فأنه لم يصب غير أذن أحد العبيد اسمه ملخس … ومن الناحية الايجابية ، فأن عملية بطرس لم تُسفِر عن شيء ذي بال بالنسبة للقبض علي ربنا يسوع ، هذا فضلا عن حكم التخطئة التي خطَّأهُ به الرب يسوع .
لكن القبض علي يسوع سار قُدُماً في طريقه المرسوم وحسب النبوات ، وحسبما رتب الرب لنفسه … ولن نكون مخطئين لو قلنا عن عملية الرسول بطرس أنها كانت من التفاهة ، بحيث لم يكن في مقدورها أن تغير من مجري الحوادث ، فالأذن التي بترت لم تكن هي اليد التي كانت توثق الرب بكل عنف وكل قوة ، وهذه الأذن لم تكن قلب الرجل الذي أمتلأ حقداً بالنسبة للرب يسوع المسيح .
تاريخ الاستشهاد في الكنيسة تاريخ طويل وعريض ، عرض الأيمان في الأرض وبطول التاريخ … لكن هذا الاستشهاد في الكنيسة – رغم الملايين من الناس الذين ذهبوا ضحايا بواسطته ، فأنهم في نفس الوقت كانوا مشاعل مضيئة للأيمان في الأرض وكواكب مضيئة في ملكوت السموات .
الشهيد عضو في الكنيسة الحية ، والاستشهاد – كل ما استطاع أن يفعله للشهيد – هو أنه غير من مكان أقامه الشهيد ، فبعد أن كان مقيما في أرضنا أصبح مقيما في فردوس النعيم .
أما الكنيسة عروس الفادي فهي كيان شامل للمكانين أو شامل للحالين … فهي كنيسة تشمل المؤمنين الغرباء في الجسد ، كما أنها تشمل المؤمنين المنتصرين علي الجسد … علي أهواء الجسد وعلي تعذيبات الجسد ، وصاروا في فردوس النعيم .
لابد للإيمان بالمسيح أن ينتشر
ترك الرب يسوع المسيح وصية لتلاميذه بأن يكرزوا للعالم أجمع . ويقابل هذه الوصية في طريق مضاد ، بأن لابد لهذا الايمان أن ينحصر ، أو ينعدم من الوجود ، ومن أجل هذا الهدف الذي اعتبروه أهم الأهداف وأخطرها ، تألف كل أصحاب السلطة في الأرض فاتفقت كلمتهم بأن كل من جاهر بإيمانه بالسيد المسيح ، كان لابد أن يُقدَّم لتعذيب قد يطول وقد يقصر ، ثم ينتهي التعذيب بالموت ، ثم اصطلح الحكام أن يقدموا للموت المؤمنين جماعات أو سكان بلاد بأكملها بحيث لا ينجو من حكم الموت أحد .
وكانت النتيجة عكس ما توقعه أعداء الايمان ، فأن الايمان بالكلمة انتشر أمره ، واستشري خطره ، وانضمت الي حظيرة الايمان أعداد كثيرة جداً ، نتيجة لهذا الاضطهاد المرير . لا تقل أبداً عن الأعداد التي آمنت نتيجة الكرازة بالكلمة .
هذه ظاهرة تستحق التسجيل ، أن الشهادة بالدم كانت كرازة … كرازة لا يشوبها الضعف ولا ينقصها الدليل . فأنها كانت لا تعتمد علي بيان اللسان أو علي فصاحة الانسان ، وحسبنا دليلا علي صدقها أن الكارزين بها ، حين كان لهم الخيار بين الحياة وانكار هذا الايمان ، وبين الموت أن كانوا هم من أنصار هذا الايمان أو من الدعاة له . فاختاروا الموت ، اختيارهم للصدق وللأفضل .
اضطهاد المؤمنين دليل علي ضعف أعداء الايمان ، لذلك فأن الجولة تنتهي دائما بانتصار الايمان الصادق الصامد . الايمان الذي لا ترعبه أو ترعشه التلويحات أو التلميحات ، أو التنازلات … حتي لو وصل التنازل بصاحبه إلي درجة التنازل عن الحياة برُمتها .
حين كانت الكنيسة بجدرانها وأعمدتها ، تزينها قطرات دم الشهداء ، وفوق الجميع كان يشمُخ الرب بصليبه وبدمه كانت الشهادة فيها شهادة قوية ، شهادة لا تنقصها مساندة الروح القدس وفاعليته في المخدومين . لكن حين يطلو الطلاء ، وتحل الزينة محل الدماء ، فكل منا في مكان الصمت ويجيد الاستماع لكلمات الرثاء ، أو لكلمات جوفاء … فأين نحن من الكرازة وأين نحن من الشهادة بقوة ؟
يقول بولس الرسول في رسالته الي العبرانيين ” إذ لنا سحابة من الشهود ” فالشهداء ما زالوا في مكانهم ، وما زالت دماؤهم الشاهدة والصارخة تعبر عن نفسها ، عبر العصور والأجيال في غير توقف أو تلكؤ .
حتي لو طرأت علي الكنيسة أجواء وتطورات غريبة علي دعوة الايمان ، وحاولت هذه التطورات أن تفرض نفسها فرض الواقع ، فأن هذا لن يغير من الأمر شيئاً ، لأن الايمان ، إن أعوزته الصورة اللامعة المنظورة ، والمشهود لها ، فإنه يظل كما هو في مثاليته كالتيار الخفي يعمل عمل الله ، بشهادة الكلمة أو بشهادة الدم ، وأنه في ذلك يلقي أكثر من تأييد ، بل حتي الذين تجرفهم الأمواج أو تخدعهم التطورات ، فأن صوت الرب الهاتف فيهم والمبكت لهم ، يظل في مكانه من كل تصرفاتهم ، ويظلون هم في حالة قلق محرومين من سلام الله ، السلام الذي يملأ القلوب والأفكار .
لكن هذا لا يمنع أنهم يخترعون الكثير من الخدع التي تجعلهم في مكان الاسترخاء أو الاستسلام ، أو في مكان الهروب من واقع حياتهم بأنواع من التسليات غير المشروعة ، فتحملهم الي درجة اللاوعي ، واللا إدراك واللا مسؤولية … ولا نستطيع أن نخلع علي هذه الحالة الأخيرة أنها حالة من السلام[23] .
من وحي قراءات اليوم
” متي ولدت الطفل لا تعود تتذكر الشدة بسبب الفرح ” (يو ١٦ : ٢١)
الجهاد القانوني
+ ما أصعب آلام المُخاض للمرأة لشدتها وما أجملها لانتظار المولود
+ هكذا الجهاد القانوني في انتظار زيارات النعمة ما أصعبه ولكن ما أجمل دفء حضور النعمة في القلب
+ الفرح بحضور المسيح يتجاوز ويبتلع مرار مُخاض الجهاد الروحي
+ بل ويجعله جهاداً محبوباً وتعب يُسْتَهان به
+ ما أصعب أن تحتمل المرأة معاناة تسعة أشهر فيأتي طفل ميت
+ هكذا من يجاهد لأي هدف خارج اشتهاء حضوره الإلهي وفيض نعمته
+ لذلك يقول الفرح القلبي والذي لا يُنزع من نفوسنا وقلوبنا (يو ٢٢:١٦) هو ثمرة رؤيته الإلهية
+ وكما يتدرج الحَمْل البشري في تسعة أشهر هكذا تنتظر النعمة اكتمال وقانونية جهادنا (٢تي ٢ : ٥)
+ لكن فيض النعمة لا يكون ثمن جهادنا أو يتناسب مع شدته
+ بل يجتذبه اشتقاقات القلوب العطشى للبرّ الإلهي في جهادها الروحي
المراجع
١١١- مار اسحق السرياني ص ٢٤٥ – زاد الأرثوذكسية الأب أنطونيوس آليفيزوبولوس
١١٢- تفسير سفر زكريا الإصحاح الرابع عشر – القمص تادرس يعقوب ملطي
١١٣- البابا غريغوريوس (الكبير) – تفسير إنجيل يوحنا الإصحاح الثاني – القمص تادرس يعقوب ملطي
١١٤- شرح إنجيل يوحنا الإصحاح السادس عشر – القمص أنطونيوس فكري
١١٥- تفسير سفر الحكمة ( إصحاح ٤ ) ، تفسير سفر أيوب ( إصحاح ٣ ) – القمص تادرس يعقوب ملطي
١١٦- المرجع : القديس كيرلس الأسكندري – مشروع الكنوز القبطية
١١٧- المرجع: تفسير سفر ميخا ( الإصحاح الأول ) – القمص تادرس يعقوب ملطي
١١٨- كتاب سياحة القلب صفحة ٧٠ – القمص أشعياء ميخائيل – كنيسة الملاك ميخائيل بالظاهر
١١٩- تفسير سفر أعمال الرسل ( إصحاح ٢٠ ) – القمص تادرس يعقوب ملطي
١٢٠- المرجع : كتاب الحقيقة والظلال للقديس يوحنا ذهبي الفم ( صفحة ٧٥ ) – ترجمة دكتور سعيد حكيم يعقوب
١٢١- المرجع : تفسير سفر التثنية ( الإصحاح العشرون ) – القمص تادرس يعقوب ملطي
١٢٢- المرجع : تفسير سفر اللاويين ( إصحاح ٢١ ) – القمص تادرس يعقوب ملطي
١٢٣- المرجع : كتاب المنجلية القبطية الأرثوذكسية ( صفحة ٥٧ ) – قداسة البابا تواضروس الثاني
١٢٤- كتاب دراسات في الكتاب المقدس – إنجيل متي ( صفحة ٢١٢ ) – الأنبا أثناسيوس مطران كرسي بني سويف والبهنسا
١٢٥- كتاب شفتاك يا عروس تقطران شهداً (الجزء الأول صفحة ٤٦ ) – إصدار دير الأنبا شنوده العامر بإيبارشية ميلانو
١٢٦- المرجع : كتاب الكنيسة المسيحية في عصر الرسل ( صفحة ٢١٦ ) – الأنبا يؤانس أسقف كرسي الغربية
١٢٧- المرجع : مجلة مدارس الاحد شهر فبراير لسنة ١٩٥٩
١٢٨- كتاب نبذات روحية هادفة (الجزء الأول مقالة رقم ١٨ ) – القمص بيشوي كامل – مشروع الكنوز القبطية
١٢٩- المرجع : كتاب الفرح ( صفحة ٩ ) – القمص يوسف أسعد
١٣٠- كتاب محفل الملائكة وسحابة الشهود ( صفحة ٧ ) – القمص لوقا سيداروس
١٣١- كتاب تأملات وعناصر روحية في آحاد وأيام السنة التوتية (الجزء الثالث صفحة ١٠٢ ) – إعداد القمص تادرس البراموسي
١٣٢- كتاب كنوز من رسائل بولس الرسول (الجزء الاول صفحة ٥٦ ) – الأب أنتونى م. كونيارس – إصدار مطرانية بني مزار والبهنسا
١٣٣- المرجع : كتاب نيروز الإستشهاد ( صفحة ٤٤ ) – الدكتور راغب عبد النور