” تقدر على كل شيء، وهي واحدة، وتجدد كل شيء وهي ثابتة في ذاتها. وفي كل جيل تحل في النفوس القديسة؛ فتنشئ أحباء لله وأنبياء، ” (حك ٧: ٢٧)
نتقدم إلى حضرتك واثقين برحمتك وأنت تحل داخلنا بالمحبة إملأنا من خوفك وألهب قلوبنا بشوقك ألق فينا نعمتك طهر حواسنا برحمتك هب لنا دموعًا نقية وإغسلنا من أدناس الخطية صيرنا هياكل مقدسة لحلولك وأواني مطهرة لقبولك
قسمة للإبن – القديس كيرلس
” جاء المسيح لكي يوحّد الطبيعة البشرية بروحه الخاص، أي روح اللاهوت، وقد أتى ليصنع عقلًا جديدًا، ونفسًا جديدة، وعيونًا جديدة، وآذانًا جديدة، ولسانًا جديدًا روحانيًا. وبالاختصار أُناسًا جددًا كلية، هذا هو ما جاء لكي يعمله في أولئك الذين يؤمنون به. إذ صيّرهم أوانٍ جديدة، ويمسحهم بنور معرفته الإلهية، لكي يصب فيهم الخمر الجديدة، التي هي روحه، لأنه يقول أن “الخمر الجديدة ينبغي أن توضع في زقاقٍ جديدة” (مت ٩ : ١٧)[1] ”
شواهد القراءات
صلاة باكر (مز ٧١: ١)،(مت ١٢ : ١٥ – ٢٣)،
(مز ٧١ : ٩ ، ١٨) (مت ٢٢: ٤١ – ٤٦)
القداس ،(غل ٤ : ١٩ – ٥ : ١) ،(١يو ٤ : ١٥ – ٥ : ٤) ،(أع ١٣ : ٣٦ – ٤٣) ،(مز ٧١ : ١٦ ، ١٧) ،(يو ١ : ١ – ١٣)
ملاحظات على قراءات يوم ٣٠ كيهك
+ تتضح أهميَّة قراءة اليوم وارتباطها بعيد الميلاد في أنها تُقْرَأ حتي لو جاءت في الأحد الخامس في شهر كيهك
( كذلك أيضًا إذا كان الأحد الخامس في شهر كيهك في يوم 30 كيهك لا تقرأ قراءات الأحد الخامس بل قراءات ٣٠ كيهك حيث أنها تكمل وتخدم على قراءات عيد الميلاد فلا يجوز استبدالها[2]. )
+ قراءة إنجيل عشيّة اليوم (مت ١٢ : ١٥ – ٢٣) هي نفس قراءة إنجيل باكر ليوم ٢٤ بشنس ، وتُشبه قراءة إنجيل القداس ليوم ٢٥ هاتور (مت ١٢ : ٩ – ٢٣) والتركيز في هذين اليومين ( ٣٠ كيهك ، ٢٤ بشنس ) علي ما جاء في نهاية نص الإنجيل ” وعلي اسمه يكون رجاء الأمم ” لأن تذكار ٣٠ كيهك خاص بالقديس يوأنس قمص شيهيت وموضوع قراءات هذا اليوم هو عطايا ميلاد المسيح للبشرية كلها ، وقراءات يوم ٢٤ بشنس التي تتكلم عن خلاص الله للأمم لأجل عيد دخول المسيح أرض مصر أما إضافة الستّة الآيات في قراءة ٢٥ هاتور ( من آية ٩ إي ١٤ ) للتركيز علي سلطان الرب في الشفاء كإشارة إلي سلطان أولاد الله عامة ، وأيضاً إشارة إلي أبو سيفين ( صاحب تذكار ذلك اليوم ) كضابط له سلطان بصفة خاصة
+ قراءة إنجيل باكر اليوم (مت ٢٢ : ٤١ – ٤٦) هي نفس قراءة إنجيل عشيَّة (مت ٢٢ : ٤١ – ٤٦) الأحد الرابع من بشنس مجيئها اليوم للكلام عن ولادة الابن من الآب وملكوت العهد الجديد الذي تحقَّق بتجسُّد الكلمة أمَّا مجيئها في الأحد الرابع من بشنس للكلام علي نصرتنا في المسيح علي كل قوات الظلمة ( قال الربُّ لربَّي اجلس عن يميني حتي أضع أعدائك تحت قدميك ) ، وهي موضوع قراءة هذا الأحد الذي يأتي فيه إنجيل القدَّاس نصرة المسيح له المجد علي الشيطان في التجربة علي الجبل
+ قراءة الكاثوليكون اليوم (١يو ٤ : ١٥ – ٥ : ١ – ٤) هي نفس قراءة الكاثوليكون للأحد الثالث من شهر بشنس ، وتُشبه قراءة الكاثوليكون ليوم ٢٤ بشنس (١يو ٤ : ٧ – ١٩) ، ويوم ٢٩ مسري (١يو ٤ : ١٥ – ٢١) ، وتُشبه قراءة الكاثوليكون (١يو ٤ : ١١ – ٢١) للأحد الثالث من طوبه والكلام هنا عن المولودين من الله ( ثاني يوم عيد الميلاد ) في ٣٠ كيهك ، وإرسالية إبن الله لخلاص العالم والأمم ( في ٢٤ بشنس ، والأحد الثالث من طوبه ) ، والاعتراف بالمسيح وعدم الخوف ( شهادة أثناسيوس الأسقف ) في ٢٩ مسري ، ومحبة الله التي تعطينا الغلبة علي العالم ( الأحد الثالث من بشنس )
+ قراءة الإبركسيس اليوم (أع ١٣ : ٣٦ – ٤٣) هي نفس قراءة الإبركسيس للأحد الأوَّل من شهر بابه جاءت القراءة اليوم للإشارة إلي الخلاص والتبرير الذي تم بتجسُّد الكلمة ، أمَّا مجيئها في الأحد الأوَّل من بابه للإشارة إلي غفران الخطايا وهي العطية التي نالها المفلوج الذي كان يحمله الأربعة ( إنجيل قدَّاس ذاك الأحد )
+ قراءة إنجيل القداس اليوم (يو ١ : ١ – ١٣) تُشبه قراءة إنجيل القداس ليوم (يو ١ : ١ – ١٧) وإنجيل باكر ليوم ٤ طوبه ( تذكار يوحنا الإنجيلي ) ، وإنجيل باكر ليوم ١ نسئ ( شهادة أفتيخوس تلميذ يوحنا الإنجيلي ) ونجد التركيز هنا علي صورة أولاد الله المولودين ليس من مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل بل من الله ولدوا ، والذين شهدوا للنور الحقيقي في حياتهم وهي القراءة المُكمِّلة لقراءة إنجيل باكر ليوم ٢٨ كيهك (يو ١ : ١٤ – ١٧) والتي تتكلم عن تجسّد الكلمة ” الكلمة صار جسدا ” (يو ١ : ١٤)
أما قراءة إنجيل القداس (يو ١: ١ – ١٧) التي جاءت في ٢٤ هاتور وهي نفس قراءة إنجيل باكر ليوم ٤ طوبه ( تذكار يوحنا الإنجيلي ) ، وإنجيل باكر ليوم ١ نسئ ( شهادة أفتيخوس تلميذ يوحنا الإنجيلي ) فقد جاءت من إفتتاحية إنجيل يوحنا الحبيب لأجل تذكاره ( ٤ طوبه ) ، وتذكار تلميذه ( ١ نسئ ) ، وجاءت في تذكار الأربعة والعشرين قسيساً ( ٢٤ هاتور ) لأجل توضيح رسالة الكهنوت وهي الشهادة للنور الحقيقي
شرح القراءات
اليوم هو التالي مباشرة لعيد الميلاد المجيد وترتبط قراءاته بطريقة واضحة بميلاد المسيح له المجد وتجسّد الكلمة وهو أيضاً تذكار القديس يؤانس قمص شيهيت وتذكار سجود المجوس لطفل المزود
لذلك تُعْلِن قراءات اليوم عطايا الإله المُتجسِّد لأولاده والأيقونة المسيحية لأولاد الله وكيف يكونوا وكيف يحيوا
لذلك تأتي كل مزامير اليوم (عشية وباكر والقدّاس ) من مزمور ٧١ وهو المزمور الذي يُظنُّ أن داود النبي قاله لإبنه سليمان في تجليسه ملكاً ويُقال إن هذا المزمور كان يُستخدم في الكنيسة الأولى كتسبيحة في عيد ميلاد السيد المسيح وعماده، فتحتفل بقبول الأمم لمملكة المسيح والخضوع له، كما تتذكر مجيء المجوس من الأمم للخضوع للملك[3].
لذلك تتكلّم المزامير عن تدبير سرّ التجسّد بين الآب والابن ( مزمور عشية )
وعطايا سر التجسّد للبشرية ( مزمور باكر )
وحقيقة الكلمة المُتجسّد ( مزمور القداس )
فيتكلّم مزمور عشية عن كيف أرسل الآب إبنه الوحيد للعالم ليُعلن الحق الإلهي لشعبه ( إسرائيل ) ولفقراءه ( الأمم )
كما فسّر الآب أنثيموس الأورشليمي ( اللهم أَعْط حكمك للملك وعدلك لإبن الملك ليحكم لشعبك بالعدل ولفقراءك بالحكم )
ونري في مزمور باكر عطايا المولود وثمر تجسّده في خضوع الملوك ( المجوس ) وانسكاب مجده الإلهي في كل الأرض ( ويسجد له جميع ملوك الأرض وكلَّ الأمم تتعبد له وتمتلئ الأرض كلها من مجده )
وفِي مزمور القداس تظهر حقيقة الكلمة المُتجسّد قبل الشمس يدوم اسمه أي أنه أزلي وسينال بركة ميلاده العجيب كل الشعوب والأمم ( فليكن اسمه مباركاً إلي الأبد وقبل الشمس يدوم اسمه وتتبارك به جميع قبائل الأرض وكل الأمم تمجِّده )
وتتكلّم القراءات عن بنوِّتنا لله بالروح وليس بالجسد ( البولس )
وتُسْتَعلن بنوِّتنا لله بالمحبة الأخويّة ( الكاثوليكون )
ويعلو برّ هذه البنوِّة علي برّ الناموس والأنبياء ( الإبركسيس )
يشرح البولس الفرق بين ولادة الجسد وولادة الروح كما الفرق بين ولادة إسماعيل وولادة إسحق والفرق بين حياة العبيد وحياة الأحرار ( وأما نحن يا أخوتي فكما إسحق فنحن أيضاً أولاد الموعد ولكن كما كان في ذاك الزمان المولود حسب الجسد يضطهد المولود حسب الروح هكذا الآن أيضاً لكن ماذا يقول الكتاب اطرد الجارية وإبنها لأنه لا يرث إبن الجارية مع إبن الحرة فاثبتوا إذا في الحرية التي قد حررنا المسيح بها ولا تسلموا نفسكم أيضاً تحت نير العبودية )
وفِي الكاثوليكون تأتي بنوِّتنا من الإيمان بالله وتفتح باب الحب للكل وتغلب العالم ( كل من يؤمن أن يسوع هو المسيح فإنه مولود من الله وكل من أحبَّ الوالد يُحِب المولود منه أيضاً بهذا نعلم أننا نحب أولاد الله إذا أحببنا الله ونصنع وصاياه فإن هذه هي محبة الله أن نحفظ وصاياه ووصاياه ليست ثقيلة لأن كل من وُلد من الله يغلب العالم وهذه هي الغلبة التي تغلب العالم إيماننا )
أما الإبركسيس فيُظْهِر كيف أن بنوّتنا لله في العهد الجديد بقيامة المسيح هي مصدر تبريرنا الذي لم يستطع ناموس موسي والأنبياء أن يعطيه للبشرية ( وأما داود فقد خدم مشورة الله في جيله ورقد وانضم مع آبائه ورأي الفساد وأما الذي أقامه الله فلم ير الفساد فليكن هذا الأمر معلوماً عندكم أيها الرجال الاخوة أنه بهذا يُنادي لكم لغفران خطاياكم بهذا يتبرر كل من يؤمن من كل ما لم تقدروا أن تتبرأ و منه بناموس موسي )
وتتكلّم الأناجيل عن رسالته في تجسّده ( إنجيل عشيّة )
وحقيقة لاهوته ( إنجيل باكر )
وأزليته ( إنجيل القداس )
يبدأ إنجيل عشيّة بطبيعة الكلمة المُتجسِّد وشكل وجوهر رسالته
” هوذا فتاي الذي ارتضيت به حبيبي الذي سُرَّتْ به نفسي أضع عليه روحي فيُخبر الأمم بالحقِّ لا يُخاصم ولا يصيح ولا يسمع أحد في الشوارع صوته قصبةُُ مرضوضةُُ لا يقصف وفتيلةُُ مدخنةُُ لا يطفئ حتي يُخرج الحقَّ إلي النصرة ”
وفِي إنجيل باكر حقيقة لا هوته وعلاقته بالآب
” قال لهم يسوع فكيف يدعوه داود بالروح ربَّي قائلاً قال الربُّ لربَّي اجلس عن يميني حتي أضع أعدائك تحت قدميك ”
ويختم إنجيل القدَّاس بأزلية ولادة الابن من الآب وخِلْقَة العالم به وظهوره في ملء الزمان
” في البدء كان الكلمةُ والكلمةُ كان عند الله وكان الكلمة الله هذا كان في البدء كلُّ شيء به كان وبغيره لم يكن شيء ممَّا كان … كان النورُ الحقيقيُّ الذي ينير كلَّ إنسانٍ آتياً إلي العالم كان في العالم وكوّن العالم به ولم يعرفه العالم إلي خاصته جاء وخاصَّته لم تقبله ”
ملخّص القراءات
تدبير الآب والابن لسر التجسّد وعطايا التجسّد وحقيقة الكلمة المُتجسِّد
مزمور عشيّة وباكر والقدّاس
وبنوّتنا له بالروح وتجعلنا أحرار وتعطينا الغلبة علي العالم وتُسْتَعلن في المحبّة الأخوية وتعلو علي بر الناموس البولس والكاثوليكون والإبركسيس
وجوهر تجسّده الخلاص وتدبير تجسّده أُعْلِنَ للأنبياء بالروح وظهر في ملء الزمان من إبن الله المولود من الآب منذ الأزل إنجيل عشيّة وباكر والقدّاس
أفكار مُقْتَرحة للعظات
(١) رسالة أبناء الميلاد
١- منح الرجاء للآخرين
” قصبةُُ مرضوضةُُ لا يقصف وفتيلةُُ مدخنةُُ لا يطفئ ” إنجيل عشيّة
٢- لا يتركون أنفسهم لنير العبودية
” فإثبتوا إذاً في الحرية التي قد حررنا المسيح بها ولا تسلموا نفسكم أيضاً تحت نير العبودية ” البولس
٣- حفظ وصايا الله والثبات في المحبّة
” الله محبة ومن يثبت في المحبّة يثبت في الله … فإن هذه هي محبة الله أن نحفظ وصاياه ” الكاثوليكون
٤- أهمّية الثبات في نعمة الله والتبرير بالنعمة
” فلما انصرفت الجماعة تبع كثير من اليهود والمُتعبِّدين من الغرباء بولس وبرنابا اللذين كانا يكلمانهم ويُقنعانهم أن يثبتوا في نعمة الله ” الإبركسيس
٥- قبول نوره الإلهي
” وأما كلُّ الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله الذين يؤمنون بإسمه ” إنجيل القدَّاس
(٢) صورة أبناء الميلاد
١- الوداعة
” لا يُخاصم ولا يصيح ولا يسمع أحد في الشوارع صوته ” إنجيل عشيّة
٢- منتصرين في المسيح
” قال الربُّ لربّي اجلس عن يميني حتي أضع أعدائك تحت قدميك ” إنجيل باكر
٣- يتصور المسيح فيهم
” يا أولادي هذه التي أتمخَّض بها عليكم مرة أخري إلي أن يتصور المسيح فيكم ” البولس
٤- أولاد الموعد وليس أولاد الجسد
” وأما نحن يا اخوتي فكما إسحق فنحن أيضاً أولاد الموعد ” البولس
٥- صورة المسيح في العالم
” لأنه كما كان ذاك فهكذا نحن أيضاً نكون في هذا العالم ” الكاثوليكون
٦- مُبرَّرين
” بهذا يُنادي لكم لغفران خطاياكم ” الإبركسيس
٧- مولودين من فوق وليس من جسد ودم
” الذين ولدوا ليس من دمٍ ولا من مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل بل من الله ” إنجيل القدَّاس
(٣) الثبات في
١- الرجاء إنجيل عشيّة
٢- الحرية البولس
٣-المحبّة. الكاثوليكون
٤- الوصيّة الكاثوليكون
٥-النعمة الإبركسيس
عظات آبائية
العلَّامة أوريجانوس
فلتكن إذن أعيننا دوماً على صورة الله هذه حتى يمكننا أن نشكل من جديد على شبهه عند العلامة أوريجانوس
بالتأكيد ذلك الإنسان الذى وفقاً للكتاب ” عمل على صورة الله ” لا نقصده إنسانًا جسديًا. فالواقع أن نموذج الجسد لا يحوي صورة الله. ولم يقل إن الإنسان الجسدي قد ” عمل ” ولكن إنه ” صنع ” كما ينص الكتاب فيما يلى . يقول الكتاب ” وصنع الله الإنسان ” أي شكله من ” طمى الأرض ” أما من عمل ” على صورة الله فهو إنساننا الداخلي ، غير المرئي ، غير الجسدي ، غير القابل للفساد وغير المائت لأننا من هذه الصفات نعرف بدقة اكثر صورة الله .
فالتصور بأن الإنسان الجسدي هو الذى عمل حسب صورة الله وشبه ، هو الافتراض أن الله نفسه جسدي وأنه يمتلك شكل بشرى ، ومثل هذه الفكرة عن الله تعد وبكل وضوح تجديفاً . حاصل الكلام ، فإن هؤلاء البشر الجسدانيون الذين يجهلون معنى اللاهوت ، حينما يقرأون عن الله في الكتاب : ” السماء عرشي والأرض موطئ لقدمي ” يتصورون أن الله له جسد ضخم حتى أنه يمد قدميه من السماء حيث هو جالس حتى الأرض .
وإن كانت لديهم تلك الأفكار فذلك لأنه تنقصهم الآذان المطلوبة لسماع كلام الله المذكور في الكتاب عن الله باستحقاق . فكلمة ” السماء عرشى ” تفسر كما ينبغي عن الله عندما نعلم أن الله يستريح ويسكن في الذين ” مسكنهم في السموات ” أما من كان لهم سلوك أرضى بعد ، فنجد فيهم الجزء الأخير من نعمته ، كما يشار إلى ذلك بأسلوب مجازى من خلال ذكر القدمين .
فإذا كان من بينهم من وضعوا جهادهم وحماسهم في أن يصيروا سماويين من خلال قداسة الحياة وعمق الفكر ، فهولاء يصبحون هم أنفسهم أيضاً عرشاً لله ، بعد أن جعلوا أولاً سماويين بسلوكهم ، وهم يقولون : ” أقامنا مع المسيح وأجلسنا معه في السماوات” وأما الذين ” كنزهم في السماء ” فهؤلاء يمكن أن يطلق عليهم سماويين وكذلك عرشاً لله لأنه ” حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك ” والله لا يكتفى بأن يستند عليهم ولكنه يسكن أيضاً فيهم .
وإن كان هناك من يصلون إلى درجة أن يستطيعوا القول : ” أم أنكم تبحثون عن برهان أن المسيح هو الذى يتكلم في ” ؟ ، فلا يكتفى الله بأن يسكن في هؤلاء فقط ولكنه يسير في وسطهم أيضاً . ولهذا فالكاملون إذ صاروا سماويين أو أصبحوا سماوات ، فإنهم ” يخبرون بمجد الله كما يقول في المزمور ، لهذا أيضاً التلاميذ الذين كانوا من السماوات قد أرسلوا ليخبروا بمجد الله ويأخذوا أسم ” بوانرجس أي أبنى الرعد ” ، حتى تؤكد لنا قوة الرعد أنهم حقاً من السموات
إذاً “عمل الله الإنسان ، على صورة الله عمله ” فعلينا أن نرى ما هي صورة الله ونبحث على شبه أيه صورة خلق الإنسان ، لأنه لم يقل أن الله عمل الإنسان على صورته أو على شبه ، ولكن أنه ” عمله على صورة الله فما هي إذاً صورة الله الأخرى هذه التي عمل الإنسان على شبهها ؟ ( هذه الصورة ) لا يمكن أن تكون إلا مخلصنا : هو ” بكر كل خليفة ” ومكتوب عنه أنه ” بهاء النور الأبدي والرسم المرئي لجوهر الله ، ويقول هو عن نفسه : ” أنا في الآب والآب في ” ” ومن رآنى فقد رأى الآب أيضاً ” والواقع أن من يرى صورة شخص يرى الشخص الذى تمثله الصورة . وهكذا نحن نرى الله عن طريق كلمة الله الذى هو صورة الله . وهكذا يحق ما يقوله إن : ” من رآني فقد رأى الآب ايضاً
فالإنسان خلق إذاً على شبه هذه الصورة . ولهذا ، مخلصنا ، الذى هو صورة الله ، إذ تحركت مشاعر الشفقة لديه من أجل الإنسان الذى عمل على شبهه ، والذى رآه ينحل من صورته ليلبس صورة اللئيم أخذ هو نفسه صورة إنسان ، بدافع الشفقة ، وجاء اليه كما يشهد بذلك أيضاً الرسول حين يقول : ” مع إنه كان الله بحاله ، لم يتمسك بلهفة بمساواته مع الله لكنه أخلى نفسه آخذاً حاله العبد ، صائراً في شبه الناس ، وإذا عرف كانسان من خلال كل ما بدا منه ، وضع نفسه حتى الموت ”
فكل من يأتون إليه ويجتهدون في أن يكونوا مشاركين لتلك الصورة العاقلة بتقدمهم ” يتجددون يوماً بعد يوم حسب الإنسان الداخلى” على صورة من صنعهم ، وهكذا يمكنهم أن يصيروا ” شبيهين بجسد مجده ” ولكن كل واحد بحسب قدرته . لقد تشكل الرسل من جديد على شبهه حتى قال عنه هو نفسه : ” إني ذاهب لأبى وأبيكم إلهى وإلهكم ” وقد طلب هو نفسه إلى الآب من أجل تلاميذه حتى يعاد لهم الشبه القديم قائلاً : أيها الآب من أجل تلاميذه حتى يعاد لهم الشبه القديم قائلا ” أيها الآب اعمل بحيث يكونوا واحداً فينا ، كما أننا أنت وأنا واحد ”
فلتكن إذن أعيننا دوماً على صورة الله هذه حتى يمكننا أن نشكل من جديد على شبهه فإن كان الإنسان المخلوق على صورة الله قد صار مشابهاً لإبليس بالخطية ، بنظره ، على عكس طبيعته إلى صورة إبليس ، فكم بالحرى لو نظر إلى صورة الله التي خلقه الله حسب شبهها ، فهو سينال بالكلمة وبقوته الشكل الذى اعطى له بالطبيعة .
وإن وجد أحد أنه يشبه أكثر إبليس منه إلى الله ، فلا ييأس من أنه يمكنه استعادة شكل صورة الله ، بما أن المخلص لم ” يأتي ليدعوا الأبرار بل الخطاه إلى التوبة ” فمتى كان عشاراً وبالطبع كانت صورته تشبه إبليس ، ولكن بمجيئه إلى صورة الله وإلى ربنا ومخلصنا وباتباعها ، تم تغييره إلى شبه صورة الله . “ويعقوب ابن زبدى ويوحنا أخوه ” ” كانا صيادين ” ” وشخصين عديمى العلم ” ، ومن الواضح أنهما كانا بناء على ذلك يشبهون بالأحرى صورة إبليس ، ولكن باتباعهما هما أيضاً لصورة الله صارا مشابهين له مثل باقى التلاميذ .
وبولس كان يضطهد صورة الله ذاتها ولكته حين استطاع أن يرى جمالها وعظمتها ، حولته تلك الرؤيا إلى شبهها إلى درجة عالية ، حتى إنه قال : ” أم أنتم تبحثون عن اابرهان على أن المسيح هو الذى يتكلم في ؟[4]
القديس كيرلس الأسكندري
معني التبني في فكر القديس كيرلس الكبير في شرحه للآية (يو ١ : ١٣)
(يو١: ١٣):” الذين وُلِدُوا ليْس مِن دَم وَلا مِن مَشيئةِ جَسدٍ وَلا مِن مَشيئةِ رَجُل بَلْ مِنَ الله ” يقول الإنجيلي إن الذين دعوا للإيمان بالمسيح للتبنّي ، يخلعون صغرٍ طبيعتهم ، وإذ يتزينون بنعمة ذاك الذي أكرّمهم بلباس فائق فإنهم يرتفعون إلي كرامة تفوق الطبيعة ، فهم لم يعودوا بعد أبناء اللحم ، بل بالحري أولاد الله بالتبنّي .
لكن علينا أن نلاحظ كيف يستعمل الإنجيلي احتراساً كبيراً في كلماته ، وكيف يُعبّر عن الحق بدقة ، لأنه أراد أن يقول إن الذين يؤمنون قد وُلِدوا من الله ، حتي لا يظن أحد أنهم بالحق ولدوا من جوهر الله الآب ، ويصبحون مثل الابن الوحيد تماماً أي يصيرون مثل مَنْ قيل عنه حسب ضعف اللغة البشرية .” من البطن ولدتك “(مزمور ١١٠: ٣س) .
وبذلك يُنزِل الابن إلي مستوي طبيعة المخلوقات رغم أنه قيل إنه مولود من الله ، وبسبب كلَّ هذا أضاف الإنجيلي هذه الكلمات .لقد قال إنهم أخذوا السلطان من الابن لكي يكونوا ” أولاد الله ” فنالوا ما لم يكن لهم من قبل ، بواسطة نعمة التبنّي ، وبدون أي تشكك يضيف ” ولدوا من الله ” لكي يوضّح عِظَمْ النعمة التي أُعطِيَتْ لهم ويجمع ذلك الذي كان غريباً عن الله الآب ليدخله في قرابة الطبيعة معه ويرفع العبد إلي كرامة سيّده بواسطة محبّة الرّب القوّية للإنسان .
وماذا أكثر من ذلك ؟ ما الذي ناله الذين يؤمنون بالمسيح أكثر مما ناله إسرائيل الذي دُعيّ أيضاً “ابناً لله” كما في إشعياء ” وُلَدتُ بنينّاً ورفعتهم ، أما هم فرفضوني ” (إش١: ٢س).أول ما يجب أن نقوله ، إن بني إسرائيل أخذوا الناموس، ولكن ” الناموس له ظل الخيرات العتيدة ” ، ” لاَ نَفْسُ صُورةِ الأَشْيَاء” (عب١٠: ١) ، ولذلك لم ينالوا البنوّة بالحق ، بل أخذوها بشكل رمزي إلي أن جاء ” وَقْتِ الإِصْلاَحِ “(عبرانيين ٩: ١٠) الذي فيه يظهر أولئك الذين يدعون الله حقاً أباً ، لأن روح الابن الوحيد يسكن فيهم .
وأولئك الذين في العهد القديم نالوا ” روح العبودية للخوف ” أما نحن فنلنا ” روح التبني ” للحرّية ” الَّذِي بهِ نَصْرُخُ : يَا أَبَا الآبُ ” (رومية٨: ١٥) .ولذلك فالشعب الذي دُعِي للتبنّي ، بالإيمان بالمسيح ، قد سبق فصار إسرائيل رمزاً له في ظلال الناموس، تماماً مثلما نعتقد أن الختان بالروح ، كان ختانهم في القديم في اللحم رمزاً له ، وباختصار كلُّ ما هو لنا كان عندهم بشكل رمزّي .بالإضافة إلي ما ذكرناه يمكن أن نقول إن إسرائيل دعي إلي التبنّي رمزياً بواسطة وساطة موسي . لأنهم اعتمدوا له في السحابة وفِي البحر (١كورونثوس ١٠: ٣) ، لأنهم بواسطة موسي أعيد توجيههم من الوثنية إلي ناموس العبودية ، لأن الوصايا التي اعتمدت علي الحرف ، أُعطيتَ بواسطة ملائكة (غلا ٣: ٢٩)،
أما الذين بالإيمان بالمسيح يَصلون إلي البنوّة التي من الله ، فإنهم يعتمدون ليس لِمَنْ هو مخلوق ، وإنما يعتمدون للثالوث القدوس نفسه ، وبواسطة الكلمة كوسيط ، الذي اتحد بما هو إنساني أي بالجسد ، وفِي نفس الوقت هو واحد مع الآب بلاهوته ، وهذا يجعلنا نرتفع من رتبة العبودية إلي البنوّة ، وبالإشتراك الحقيقي في الابن ، دُعينا إلي أن نرتفع إلي كرامة الابن . لذلك فنحن الذين أخذنا الولادة الجديدة بالروح القدس بالإيمان قد دُعينا أبناء لأننا وُلِدنا من الله .
لكن حيث إن البعض لهم جسارة كاذبة ، ويتهورون بالكلام ضد الابن وضد الروح القدس أيضاً ، مدّعين أنه مخلوق ، وإنه ليس من جوهر الله الآب ذاته ، دعونا نحشد كلمة الحق ضد ما يصدر من ألسنتهم الهوجاء ، وتصبح هذه مناسبة هامة لفائدتنا نحن والقارئين أيضاً . لأنه إن كان روحه الخاص ليس بالطبيعة هو الله ، وليس من الله ، وبذلك يكون غير موجود فيه جوهرياً ، بل هو مختلف عنه ، مشارك للمخلوقات في الطبيعة، فكيف يقال عنا – نحن الذين نولد في المعمودية – بواسطته أننا مولودون من الله ؟
فإما أن يكون الإنجيلي كاذباً (وهو ليس كذلك ) ، وإما أن يكون صادقاً وهو كذلك بالتأكيد وبذلك يكون الروح القدس هو الله ، ومن الله بالطبيعة ونصبح نحن مستحقين بالإيمان بالمسيح أن نكون شركاء الطبيعة الإلهية (٢بطرس١: ٤) ، ومولودين من الله ، ومدعوين آلهه وليس بفضل النعمة فقط وحدها نرتفع إلي المجد الذي فوق طبيعتنا ، بل لأنه قد صار لنا الآن سكني الله وإقامته فينا ، حسبما قيل بالنبي :” إِنِّي سَأَسْكُنُ فِيهِمْ وَأَسِيرُ بَيْنَهُمْ ” (لاويين ٢٦: ١٢) ، (٢كورنثوس٦: ١٦) .
وعلي المقاومين لنا الذين إمتلئوا من عدم المعرفة أن يخبرونا كيف يسكن الروح القدس فينا وهو ما جعل الرسول بولس يدعونا هيكل الله ، إن لم يكن هو الله بالطبيعة . وإذا كان الروح القدس مخلوقاً، فكيف قيل إن الله يُهلِك مَنْ ينجس هيكل الله (١كورنثوس٣: ١٧) ، أي عندما يتدّنس الجسد الذي يسكن فيه الروح القدس ، والذي بسبب سكناه ننال كلَّ ما يخص الله الآب بالطبيعة وما يخص ابنه الوحيد بالمثل .
وكيف يصبح المخلّص صادقاً في قوله ” إِنْ أَحَبَّنِي أَحدٌ يَحْفَظْ كلاَمِي وَ يُحِبُّهُ أَبي وَإلَيْه نَأْتِي وَعِنْدَهُ نَصْنَعُ مَنْزِلاً “(يو١٤: ٢٣) ، ونستريح فيه .أليس الروح القدس هو الذي يسكن فينا .ونحن نؤمن أنه به يكون لنا الآب والابن ، كما قال يوحنا أيضاً في رسائله . بذلك نعرف أننا نسكن فيه وهو فينا ، لأنه أعطانا من روحه (١يوحنا٤: ١٣) . وكيف يُدعَي الروح القدس روح الله ، إذا لم يكن منه وفيه بالطبيعة؟ ولذلك فهو الله . ولو كان كما يدّعون مخلوقاً وهو روح الله ، فليس ما يمنع الخلائق الأخري من أن تدعي أرواح الله ، فهذا يصبح ممكناً بالنسبة لهم نظراً للمساواة التي بينهم وبين الروح القدس .
وكان يجب أن نناقش هذه النقاط بالذات بشكل مسهب لكي نوضّح كيف تنقلب براهين الهراطقة ضدهم . لكن لأنني عَالجَتَ كل ما يخص الروح القدس في كتاب ” الثالوث” فقد اكتفيت هنا بما ذكرت[5].
القديس كيرلس الإسكندري
(زك ١٤:٢ ١٦ بحسب نص كيرلس – زك :۱۰:۲-۱۳ ) : ترَنمي وَافْرَحِي يَا بتت صهيون، لأني هأنذا آتي وأسكن في وَسَطِكِ، يَقُولُ الرَّبُّ. فيتصل أُمَمٌ كَثِيرَةُ بالرب في ذلِكَ اليَوْمِ، وَيَكُونُونَ لِي شعبًا فأسكُنُ في وَسَطِكِ، فَتَعْلَمِينَ أَنَّ رَبَّ الجنود قد أرْسَلَنِي إِلَيْكِ وَالرَّبُّ يَرِثُ يَهُودًا نصيبه فِي الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ ويختار أُورُشَلِيمَ بَعْدُ. أسكتوا يَا كُلَّ البَشَرِ قُدَّامَ الرَّبِّ، لأنه قد استيقظ من مسكن قدسه».
ومن هنا سوف تتعلم أن حضور المخلص سيكون دافع لفرح غامر للبشر. لأنه أَمَرَ أن تفرح وتُسَّر صهيون الذهنية ” الَّذِي هُوَ كَنِيسَةُ اللَّهِ الْحَيِّ ” ( ١ تيمو ٣: ١٥) ، أي الجمع المقدس ذاته قد خَلص بواسطة الإيمان، وأعطى وعد مؤكد بأنه سوف يأتي وسيكون على أي حال في وسطه. لأنه يقول لنا الإنجيلي يوحنا ” كَانَ فِي الْعَالَمِ” (يو ١٠:١) ولم يرحل الله الكلمة عن خلائقه، لكن هو الذي يعطي الحياة لكل الذين هم مشاركون للحياة، وأقام كل شيء لكي يكون في حالة جيدة وفي الحياة وَلَمْ يَعْرِفُهُ الْعَالَمُ” (يو١ : ۱۰) لأنهم عبدوا المخلوقات بدلاً من الخالق (أنظر رو ٢٥:١). ووجد بيننا، عندما صار مثلنا وولد من القديسة العذراء، وعندئذ ” وبعد ذلك تراءى على الأرض وتردد بين البشر (باروخ ۳: ۳۸).
وهذا ما يؤكده داود العظيم، قائلاً: يأتي إلهنا ولا يصمت” (مز ٣:٥٠) . عندئذ صار ملجأ أيضًا للأمم. لأنه لم ينقاد تربويا فقط بني إسرائيل بتلك الوصية القديمة بل بالحري المسكونة أنيرت بالكرازة الإنجلية، وصار إسمه عظيم لكل أمة ولكل موطن (أنظر ملا ۱: ۱۱). لأنه كان مشتهي الأمم (أنظر تك (١٠:٤٩) وفق كلام النبي وسوف يركع له السمانيون، والأرضيون، وكل لسان سوف يعترف به بأن الرب يسوع المسيح أتى لمجد الله الآب (أنظر فيليبي ۲: ۱۰-۱۱). حقا البشر من أقاصي الأرض أسرعوا إليه بواسطة الإيمان، وسكنوا معه في صهيون المقدسة والذهنية، وأدركوا بكل وضوح أن الله أحب العالم حتى بذل إبنه الوحيد لكي لا يهلك كل مَنْ يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية (يو ١٦:٣) .
لأن أبونا قد أرسل إبنه المخلص والفادي من السماء، حتي نؤمن به لكي نرى الآب في شخصه ونراه كصورة صادقة للأب الذي ولده بحسب الطبيعة، لكي ندرك النموذج الأصلي (انظر كوا: ١٥ . يو ٧:١٤ ، …). حينئذ صار أيضًا الجنس اليهودي مختار للرب أي كل واحد يعترف به ويمجده. لأنه كما يقول بولس لأَنَّ الْيَهُودِيَّ فِي الظَّاهِرِ لَيْسَ هُوَ يَهُودِيًّا، وَلاَ الْخِتَانُ الَّذِي فِي الظَّاهِرِ فِي اللَّحْمِ خِتَانًا، بَلِ الْيَهُودِيُّ فِي الْخَفَاءِ هُوَ الْيَهُودِيُّ، وَخِتَانُ الْقَلْبِ بِالرُّوحِ لَا بِالْكِتَابِ هُوَ الْخِتَانُ الَّذِي مَدْحُهُ لَيْسَ مِنَ النَّاسِ بَلْ مِنَ اللهِ ” (رو٢ : ٢٨ – ٢٩). إذن نحن الذين بغنى الختان الروحي صرنا ورثته فِي الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ” (زكر۲: ۱۲) ، لأننا نقصد المدينة السماوية، أورشليم الروحية التي صَانِعُهَا وَبَارِئُهَا اللهُ (عب ۱۰:۱۱) ، التي جعلها محبوبته لأنه يقول وَيَخْتَارُ أُورُشَلِيمَ بَعْدُ (زكر٢: ۱۲) . إذن لا يكون من المستحيل لو أراد أحد أيضًا أن يدعو الآن الكنيسة بأنها أورشليم والتي يدعوها داود مدينة الله، قائلاً: ذَكَرْنَا يَا اَللهُ رَحْمَتَكَ فِي وَسَطِ هَيْكَلِكَ” (مز ٩:٤٨).
(زك ١٧:٢ بحسب نص كيرلس – زك (۱۳:۲ ) : “أسكتوا يَا كُلَّ البَشَرِ قُدَّامَ الرَّبِّ، لأنه قد استيقظ من مسكن قدسِهِ”.
إنها نصيحة رائعة ومفيدة ودعوة صالحة لكل الذين يرتقون سواء صار من الله ذاته أو بواسطة النبي. لكن يجب أن نفحص ذاك، لأنه أيضًا بلا شك سوف يهلكوا لو لم يؤمنوا به أمرهم أن يُظهروا نحوه التقوى. هذا أيضًا المسيح ذاته نادى اليهود الذين لم يريدوا قبول الإيمان به “ فَقُلْتُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ تَمُوتُونَ فِي خَطَايَاكُمْ، لأَنَّكُمْ إِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا أَنِّي أَنَا هُوَ تَمُوتُونَ فِي خَطَايَاكُمْ” (يو ٢٤:٨ ) . لذلك سُميّ المسيح حَجَرَ صَدْمَةٍ وَصَخْرَةَ عَثْرَةِ الَّذِينَ يَعْثُرُونَ غَيْرَ طَائِعِينَ لِلْكَلِمَةِ ، الأَمْرُ الَّذِي جُعِلُوا لَهُ” (۱بط ۲ : ۸).
لأنه كما هو معترف به انه صالح ومخلص، علينا أن نكرمه بالإيمان. هكذا يكون أيضًا سبب للهلاك أن لا نُظهر تقوى تجاه الذي صار مثلنا لأجلنا، وليس لأي شيء أخر ، بل لكي ينقذ الهالك (أنظر مت ۱۱:۱۸)، أن يرجع الموجود في الضلال أن يعطي حياة للفاسد، وينير الجالس في الظلمة، ليطهر من الخطايا المذنب، ويقدم الصحة والقوة للضعيف “قد إستيقظ من مسكن قدسه سندرك هذه العبارة على أنه مثلما في القديم ( سفر التكوين مضى من الهدوء والصمت القديم إلى إعلان عنايته لأجلنا، هكذا وُلِد من نسل القديسين إبرام وإسحق وداود ومن هؤلاء الذين دخلوا في سلسة النسب مع أولئك الذي يدعوهم مسكن، لأن عقل القديسين يتوجه تجاه الأعالي، حيث يرفض الأرضيات والتصرفات الوضيعة، بينما يبتغي الأعالي بالحري السماويات، وأيضا كأنهم مسكن سماوى يمطر على الآخرين بأمطار ذهنية.
لكن كـون أنــه يقصد القيامة، فهذا سوف يقوله لنا أيضًا المخلص بأقوال المرنم من اغْتِصَابِ الْمَسَاكِينِ، مِنْ صَرْخَةِ الْبَائِسِينَ، الآنَ أَقُومُ، يَقُولُ الرَّبُّ، أَجْعَلُ فِي وُسْعِ الَّذِي يُنْفَثُ فِيهِ” (مز ٥:١٢) . إذن قام أي تحرك لكي يساعد أولئك الذين يتألمون على الأرض لأنه هذا هو الماحي لكل شرور اللعنة القديمة، إنه بداية ونهاية كل صلاح، وهو الذي يمنح الرجاء بالدهر الآتي.
المرجع : كتاب شرح سفر زكريا للقديس كيرلس الإسكندري ( صفحة ٣٨ ) – ترجمة دكتور جورج عوض – مؤسسة القديس أنطونيوس للدراسات الآبائية
الأنبا بفنوتيوس: نعمة فوق نعمة
حتى في السعي للوصول إلى معرفة الناموس ذاته، لا يتأتى من مجرد النشاط في القراءة، بل بإرشاد الله لنا واستنارتنا به، إذ يقول المرتل: “طرقك يا ربُّ عرّفني. سُبُلك علمني” (مز ٢٥: ٤). و”اكشف عن عينَّي، فأرى عجائب من شريعتك” (مز ١١٩: ١٨). و”علمني أن أعمل رضاك، لأنك أنت إلهي” (مز ١٤٣: ١٠). وأيضًا “المعلم الإنسان معرفًة” (مز ٩٤: ١٠). وأكثر من هذا يسأل داود الله طالبًا الفهم، حتى يدرك وصايا الله، بالرغم من معرفته معرفة تامة أنها مكتوبة في كتاب الشريعة، فيقول: “عبدك أنا. فهّمني، فأعرف شهاداتك” (مز ١١٩: ١٢٥).
بالتأكيد كان لدى داود الفهم الموهوب له بالطبيعة، كما كان لديه إلمام تام بمعرفة وصايا الله المحفوظة في كتاب الشريعة، ومع هذا نجده يظل مصليًا إلى الله لكي يعلمه الشريعة بإتقان… فما حصل عليه من فهم حسب الطبيعة لا يكفيه، ما لم ينر الله علي فهمه يوميًا، لكي يفهم الشريعة روحيًا، ويعرف وصاياه بوضوح.
كذلك أعلن الإناء المختار هذا الأمر “لأن الله هو العامل فيكم أن تريدوا، وأن تعملوا من أجل المسرَّة” (في ٢: ١٣). أي وضوح أكثر من هذا أن مسرتنا وكمال عملنا يتم فينا بالكمال عن طريق الله؟! وأيضًا: “لأنه قد وهب لكم لأجل المسيح، لا أن تؤمنوا به فقط، بل أيضًا أن تتألموا لأجله”، وهنا يعلن بأن توبتنا وإيماننا واحتمالنا للآلام هذا كله عطية من الله.
يعلم داود أيضًا بذلك فيصلي مثله لكي يوهب له هذا من قبل رحمة الله، قائلًا: “أيّد يَا الله هذا الذي فعلتهُ لنا” (مز ٦٨: ٢٨)، مظهرًا أنه لا يكفي فقط أن يوهب لنا بداية الخلاص كهبة ونعمة من قبل الله، بل ويلزم أن يكمل ويتمم بنفس تحننه وعونه المستمر.
لأن ليس بإرادتنا الحرة، إنما “الرب يطلق الأسرى”،
ليس بقوتنا، لكن “الرب يُقوّم المُنحنين”،
ليس بالنشاط في القراءة، بل “الرب يفتح أعين العُمْي”،
ليس نحن الذين نعتني بل “الرب يحفظ الغرباءَ”،
ليس نحن الذين نُعضد، إنما الله “يُعضد اليتيم والأرملة” (مز ١٤٦: ٧ – ٩)[6]
القديس غريغوريوس النيسي
تجسد الكلمة
ذاك الذي ظهر في غابة طبيعتنا البشرية بسبب حبه للبشر، أصبح تفاحة باشتراكه معنا في الجسد (اللحم والدم). وكل من هذه (اللحم والدم) يقابله أحد ألوان التفاح. فاللون الأبيض يمثل لون اللحم، أما اللون الأحمر فيمثل الدم. لذلك، عندما تفرح النفس في الأمور السماوية فإنها ترغب أن ترى تفاحًا على السقف، وهكذا ترى ما هو فوق وتركز على التفاح، فيقودها هذا إلى الطريق السماوي للحياة حسب تعاليم الإنجيل.
الذي جاء من الأعالي والذي هو فوق الجميع أرانا الطريق من خلال ظهوره في الجسد، فقد كان لنا مثالاُ عاليًا لكل فضيلة وصلاح. وكما قال السيد المسيح: “تعلموا مني لأني وديع ومتواضع القلب ” (مت ١١ : ٢٩). وقد تكلم الرسول في نفس الموضوع عندما تحدث عن التواضع، ودعوني أقرأ النص لأوضح الحقيقة العامة: يقول بولس ينظرون إلى أعلى “فليكن فيكم هذا الفكر الذي في المسيح أيضًا.
الذي إذ كان في صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون معادلًا لله. لكنه أخلى نفسه آخذًا صورة عبد” (في ٢: ٥). لقد شاركنا حياتنا بالجسد والدم وبإرادته أخذ هذا، تقول العروس، “أنعشوني بالتفاح”، حتى أبقى باستمرار ناظرة إلى أعلى، فأرى على الدوام صور الفضيلة واضحة في عريسي. ففيه أرى الوداعة، الخلو من الغضب، التصالح مع الأعداء، حب الذين يسببون له الضيقات، مقابلة الشر بالخير، كما أرى القوة والنقاء والصبر وليس به أي أثر للمجد الباطل أو الخداع.
تقارن العروس جمالها بمثل حنان الله القدوس، فتقلد السيد المسيح في عملها، فتصبح للآخرين كما كان المسيح للبشر. قلد بولس السيد المسيح بالتضحية بحياته حتى يُعطي بني إسرائيل الخلاص إزاء معاناته وضيقاته. “فإني كنت أوّد لو أكون أنا نفسي محرومًا من المسيح لأجل إخوتي أنسبائي حسب الجسد” (رو ٩: ٣).
يمكن تعديل هذه الكلمات لتناسب العروس كالآتي: هذا هو جمال روحك، وهذه هي محبة الله الذي أخلى نفسه وأخذ شكل العبد (في ٢: ٧) وأعطى نفسه فداء عن العالم. هو الغني الذي أصبح فقيرًا من أجلنا، حتى يمكننا أن نحيا بموته، ومن أجلنا افتقر لكي نغتني، وبعبوديته نملك (٢كو ٨: ٩)
تصف العروس العريس بأن ظله على الفراش: “سريرنا أخضر” (نش ١: ١٦). أي أن الطبيعة البشرية تدرك أو سوف تدرك أنك تظللها برعايتك. “لقد أتيت” قالت العروس، “أنت الجميل الذي يظلل فراشنا”. لأنه إن لم “يخيم ظلك علينا على هيئة عبد” (في ٢ : ٧) عندما تكشف لنا عن أشعة بهائك الإلهي، من يستطيع أن يتطلع إلى عظمتك البهية؟ “وقال لا تقدر أن ترى وجهي. لأن الإنسان لا يراني ويعيش” (خر ٣٣: ٢٠).
لقد أتيت إلينا الآن كشخصٍ رائعٍ ويمكننا استقباله. أتيت إلينا متجسدًا كإنسانٍ، لتخفي عن عيوننا أشعة ألوهيتك. كيف اتحدت الطبيعة التي تدوم إلى الأبد بالطبيعة التي تموت؟ إن ظل جسده عمل كوسيط يمنحنا النور نحن الذين كنا نعيش في الظلمة: تستعمل العروس كلمة فراش (سرير) لكي تُفسر بحاسة تصويرية اتحاد الطبيعة البشرية مع الله[7].
أيضا للقديس غريغوريوس النيسي
الرجوع الى صورة الله
حينما خلق الله الانسان على صورته غير الفاسدة ومنحه نعمة التفكير والعقل ” فخلق الله الانسان على صورته. على صورة الله خلقه ” (تك ١: ٢٧) وكان الانسان أولا لا يوجد فيه أى انحراف نحو الشهوة والفساد لأن صورة الله كانت مطابقة للأصل الذى خلقت عليه . ولكن عناصر الشهوة نتجت بعد ذلك ، وكان الانسان يمتلك حرية الأختيار ولم يكن مستعبدا لأى شىء خارجى ، ولكن الانسان خدع بعد ذلك وقادته حرية ارادته الى كارثة الاشتراك فى الفساد لان الانسان سمح لنفسه ان يدخل فيه الشر . لان الشر غير موجود فى الله فهو غير موجود أيضا فى صورة الله الذى هو الانسان .
والله لم يخلق الفساد قط ولكن الانسان نفسه هو الذى أوجد الشر والفساد . ومثال ذلك ان كل من له عينان يستطيع أن يتمتع بنور الشمس ويستطيع أيضا ببساطة أن يغلق عينيه فيحرم من التمتع بنور الشمس ، وعندئذ يستطيع أن يقول أن الشمس غابت أو تحولت الى ظلمة ولكن الانسان نفسه قد وضع عائقا بينه وبين الشمس بغلق عينيه. ولذلك عندما نغلق العينين فلا يكون لدينا القدرة على النظر وتكون أيضا ارادتنا هى التى أظهرت الظلام ومنعتنا من الرؤية .
وهناك مثال آخر حينما يبنى الانسان منزلا ولا يجعل فيه أى نافذة لدخول النور ، فانه سوف يحيا في المنزل فى ظلام شديد وسيحرم من النور بارادته . وهكذا فان الانسان الأول حينما وجد فى الأرض هو الذى أوجد كل الشر بارادته وكان عنده القدرة أن يختار كل الحسن والأفضل وذلك من الطبيعة المحيطة به ولكنه بارادته اختار الشر المخالف للطبيعة .
وخالف الفضيلة بارادته المنفردة فذاق عندئذ تجربة الشر ، والشر غير موجود في الطبيعة وهو منفصل عن الارادة الحرة، فالشر ليس جوهريا فى طبيعة الانسان لان كل ما خلقه الله هو حسن ولم يخلق الله أي شيء فاسد ولكن كما عرفنا بأن الانسان هو الذى أوجد الشر فى حياته وذلك الشر هو سبب شقائه .
ولما دخل الشر الى جنس البشرية تحولت الصورة الأصلية الى طياشة وظلمة وتلوث بالخطية وعندئذ لم تعد تحمل جمال صورة الله التى خلقت عليها بالطبيعة وتحولت الى صورة الشر القبيحة . وهكذا فان الانسان الذى كان عظيما ” وحسنا جدا ” (تك١: ٣١) كما دعاه الكتاب المقدس فقد قيمته التى كان يتمتع بها وانزلق الى الوحل وتلطخ وجهه حتى أن اقاربه لم يعودوا يستطيعون أن يتعرفوا عليه وهكذا سقط الانسان فى وحل الخطية وفقد صورته التى على مثال الله الابدى ولبس صورة التراب الفاسد. ولكن من الممكن أن يرجع الأنسان الى صورته الأولى حينما يغتسل فى المعمودية وعندئذ تمحى الصورة الترابية ويشرق الجمال الروحى مرة ثانية .
ولأن محو كل ما هو غريب عن طبيعتنا هو الرجوع الى أصلنا الى تلك الصورة الأولى التى خلقنا عليها . وعندئذ تكمل صورة الله فينا . وهذا الاثم بقدراتنا الذاتية ولا بأى قدرة بشرية ولكن هى هبة من الله يمنحنا اياها أن يرجع تلك الصورة الالهية الى طبيعتنا البشرية وعندئذ نرجع الى حالتنا الأولى التى خلقنا عليها ولكن علينا أن ننقى أنفسنا بارادتنا من نجاسة الخطية وعندئذ نسمح لجمال الروح المختفى أن يشرق فينا.
هذا الدرس نتعلمة من كلمات الرب يسوع المسيح حين قال بأن ” ملكوت الله داخلكم ” (لو١٧: ٢٢) وأنا أظن أن هذا النص يشير الى نعمة الله غير المنفصلة عن طبيعتنا، وأن هذه النعمة ليست بعيدة عن أولئك الذين أختاروا أن يبحثوا عنها لانها فى داخلهم خصوصا اذا احتقروا ” هموم الحياة وغناها ولذاتها ” (لو ٨: ١٤) واذا كان يجب أن نثبت هذه التعاليم بطريقة أخرى فهى موجودة فى مثل الدرهم المفقود الذى قاله ربنا يسوع المسيح (لو١٥: ٨ – ٩) فان كل الفضائل الاخرى تشبه بالدراهم التى لم تفقد ولم تلتفت اليها المرأة ، لكنها بحثت عن الدرهم الذى ينقصها فقط حتى مع وجود الباقى . ولكن يجب أولا أن تضىء شمعة وهذا يشير الى العقل الذى يبحث عن الشىء المفقود . وهذه المرأة تبحث عن الدرهم المفقود فى منزلها الذى هو داخل أنفسنا .
والدرهم المفقود هنا هو صورة الله التي فينا التى فقدناها بسبب الخطية ولكنها مازالت مختبئة فينا ولكن يجب أولا أن نزيل التراب ونزيحه عنا والتراب هنا يرمز الى دنس الجسد ، ولذلك حينما نكنس ونمسح المكان من الأتربة ونعلن عن غيرتنا الروحية ونظهر ارادتنا وعندئذ سوف نفرح بالعثور على هذا الدرهم المفقود وسوف ندعوا جيراننا ليفرحوا معنا .
وأن جيران النفس هي قدرات الانسان ، لأننا حينما نكشف صورة الله فينا وتشرق ثانية كما كانت مطبوعة على الدرهم منذ وقت حديث فى اليد حيث ختم الله قلب كل أحد بالصورة الالهية ، وعندئذ تتحد كل قدرات النفس بهذا الفرح الإلهي ويعود للنفس جمالها الذى لا يوصف لانها تقول ” أفرحن معى لأنى وجدت الدرهم الذى أضعته ” (لو ١٥: ٩) وعندئذ سوف تفرح النفس بالتمام لأنها ستنظر الجمال والبر الذى فقدته وستعمل من أجل مجد الله ولن تصير مرة ثانية أداة للشر فهذا هو الدرس الذى نتعلمه من مثل الدرهم المفقود وهو أن نعود الى الصورة الاصلية لله والتي هي مختبئة تحت ثقل الجسد ، وعندئذ نعود الى حالتنا الأولى ، ولكن ما هي تلك الحالة الأولى ، كان آدم عريانا وكان يبصر وجه الله بذون خجل وكانت كل مسرته فى الله فقط . وقد خلق الله له معينا وأعطاها له حتى لا يكون وحيدا، ولم يعرفها حتى طرد كلاهما من الجنة (تك ٣: ٢٤) وعندئذ حكم عليها بأنها تلد بالوجع من أجل الخطية التى خدعت بها وصنعتها . وهذا هو السبب الذى من أجلة طردنا من الفردوس مع أبائنا الأوائل .
ولكن الأن نحن مدعوون للعودة الى حالتنا الأولى من السعادة بنفس الطريقة . ولكن ما هى الوسيلة للرجوع الى تلك الحالة ؟ ان خداع الحية هو الذى قاد للذة ، واللذة قادت للسقوط ، وعندئذ نتج الخوف بسبب اللذة والشهوة وفقد آدم وامرأته الشجاعة فى الوقوف أمام الله الخالق وخبأ الاثنان نفسيهما خلف ظلال أوراق الشجر ، ثم غطيا نفسيهما بجلد الحيوانات ، ثم طردا الى حيث المرض والألم وعندئذ عاش أبوانا فى ملذات الجسد وتزوج الأبناء .
واذا أردنا أن نقول مع بولس الرسول ” لى الحياة فى المسيح والموت هو ربح ” (فى١: ٢١) فيجب علينا أن نبدأ من المرحلة الأخيرة التى وصلنا اليها ، مثل الذين انفصلوا عن أحبائهم وذويهم اذا أرادوا أن يرجعوا اليهم فعليهم أن يرجعوا من المكان الذى وصلوا اليه أخيرا . والآن ملذات الجسد هى المرحلة الأخيرة التى وصل اليها أدم وحواء بعد طردهما من جنة عدن ، وعندئذ يعلمنا الانجيل أن أول كل شىء هو أن نترك شهوات الجسد وذلك حتى يمكننا أن نصير مع المسيح . والمرحلة الثانية هى أن نكف عن العالم الفانى .
وعندئذ يجب أن نخلع غطاء الجسد الذى هو الملابس الجلدية (تك ٣: ٢١) التى ترمز الى كل تدبير للجسد وأن نترك كل الأعمال المملوءة بالخزى ، ثم بعد ذلك يجب ألا نحيا تحت ظل شجرة التين التى فى هذا العالم المضطرب ، بل يجب أن نخلع الغطاء الذى هو الأوراق المؤقتة ثم نأتى بعد ذلك لنمثل فى حضرة الله ، ويجب أن نقاوم كل خداع يأتى الينا من النظر أو التذوق ولا نتبع الحية بل نخضع فقط لوصايا الله التى تأمرنا بأن نتلامس مع كل ما هو صالح فقط وأن نرفض بالتمام تذوق أى شر ، لأن هذه هى خطوات السقوط فى الخطية وهى رغبة معرفة الشر ، لأن الانسان أولا كان يعرف الخير فقط ، أما شجرة معرفة الخير والشر التى أمر الله آدم ألا يأكل منها فهى ترمز الى عدم معرفة الشر قط والاكتفاء بمعرفة الخير فقط . وعندئذ لما كان أبوانا ممنوعين عن معرفة الشر بالاضافة الى معرفة الخير لذلك كانت الوصية أن يبعدا نفسيهما عن شجرة معرفة الخير والشر (تك ٢: ١٧) ، لأنهما كانا يتمتعان بالخير فى نقاوته دون أن يعرفا الشر قط ، وهذا معناه هو معرفة الله فقط والتمتع بالخير دون امتزاجه بالشر الذى كانا منفصلين عنه تماما . واذا أراد أحد أن يفسر ذلك فالوسيلة هى أن يبتعد عن سلطان العالم وأن يرجع ثانية الى الفردوس حيث رأى بولس الرسول تلك الأسرار غير المرئية التى أعطيت للانسان[8].
العلَّامة أوريجانوس قسمة آدم الثاني
ينبغي أيضًا حفظ ما قيل فيما بعد ” حين فرق العلي بني آدم نصب تخوما لشعوب حسب عدد ملائكة الرب ” (تث ٣: ۸) ، أو كما نقرأ في صورة مغايرة، “حسب عدد بني إسرائيل”، إذا إذا كان في بداية العالم أبناء آدم قد وزعوا طبقا لاستحقاقاتهم أو نظرًا لآدم نفسه، ماذا سنقول عما سيحدث لأبناء “آدم الأخير”.
” الذي صار ليس ليكون نفسًا حية بل روحًا محييا ” (انظر اكو ١٥: ٤٥). حينما يبدأ الصلاح الإلهي ليس لتشتيتهم كما في بداءة العالم، بل ليعدهم عندما تأتي نهاية العالم لا ” كأموات في آدم ” ولكن كأحياء في المسيح” (اكو ١٥: ٢٢). سيكون بدون أدنى شك، هناك توزيع وتقسيم ينبغي أن يتم ليس فقط طبقًا لاستحقاقات البشر – التي ترعاهم العناية الإلهية، ولكن أيضًا بحسب “آدم” الأخير” ، الذي فيه كما قيل ” سيحيا الجميع” (اكوه: ۲۲). ولكن من منا يستحق القبول في هذا التوزيع ويكون له نصيب في هذا الميراث الإلهي ؟ من سيحظى بالقبول في أورشليم ويكون في المدينة الذي سيرتفع فيها هيكل الرب أو بالأحرى من سيكون هو نفسه هيكلاً للرب ( اكو ٣ : ١٦).
مَنْ سيسعد بالاحتفال بالأعياد في المكان الذي فيه الهيكل الإلهي يتصاعد منه نیران دائمة ؟ من سيحظى بوضع قربانه والبخور الحلو الرائحة على هذه النار الذي قال عنها المخلص: ” جئت لألقي نارًا على الأرض” (لو ١٢: ٤٩) مَنْ سيفرح بالاحتفال بالفصح في المكان ” الذي اختاره الرب إلهه ” (تث ١٣: ٥) ، وبالاحتفال بيوم عيد العنصره بعيد الكفارة، بهيبة خيمة الاجتماع، ليس بعد في شكل ظل ولكن في كمال جمالها وحقيقتها ؟ من منا سيدعى مستحقا لنصيب الفرح عندما يبدأ الرب في تقسيم أبناء آدم الأخير ليكونوا ليس من بين الذين سيقول لهم: “. سيكون لك سلطان على خمس مدن (لو ۱۹:۱۹ ) ، ولا من بين الذين سيقول لهم: ” سيكون لك سلطان على عشر مدن (لو ۱۹ :۱۷) ، ولا من بين الذين سيقول لهم: ” أدخل إلى فرح سيدك ” (مت ٢٥ : ۲۷). ولكن من بين الذين سيقول لهم: ” تجلسون أنتم أيضًا معي على اثنى عشر كرسيا تدينون أسباط إسرائيل الاثنى عشر ” (مت ۱۹: ۲۱). والذي يقول عنهم: ” أيها الآب أريد أن هؤلاء يكونون معي حيث أكون أنا” (يو ١٧: ٢٤)، أريد أن يكونوا ملوكًا حتى أكون “ملك الملوك ” (رؤ ١٩: ٦) . أريد أن يكونوا أربابا حتى أكون “رب الأرباب”.
طوبى لأولئك الذين سيبلغون قمة الغبطة، طوبى لأولئك الذين يستطيعون تسلق قمة الاستحقاقات، مبارك الرب إلهنا الذي أعد هذه الوعود ” للذين يحبونه” (اكو ٢: ٩). هؤلاء هم بالحقيقة محسوبون أمام الرب في الأعداد المقدسة، أو بالحري الذين ” حتى شعور رؤوسهم جميعها محصاة ” (مت ۳۰:۱۰) من ربنا والهنا يسوع المسيح الذي له المجد والسلطان إلى أبد الآبدين آمين.
المرجع : عظات علي سفر العدد للعلامة أوريجانوس ( صفحة ٢٨٦ ) – ترجمة القس برسوم عوض وآخرون – إصدار مؤسسة القديس أنطونيوس للدراسات الآبائية
القديس يعقوب السروجي
في البدء كان الكلمة
الكلمة :
أيها المرتفع من الأزمان ولم ينحدر تحت الأزمان ، صور أفكاري على درسك بإفراز لكى من التعليم أقيم مثالا لتمجيدك . ابها الكلمة الذي هو من البدء، بأية أصوات ارتل خبرك بين الأرضيين . أدخل يا يوحنا وأعلن الخبر لتنعم بالاستعلانات الإلهية الغير المدركة ، حرك اصابعك على قيثار الرسولية ولتتحرك فيك أوتار الروح لتتكلم بشارة جديدة سمعتها الأرض من كلامك .
ارفع صوتك ليسمع كل واحد تعليمك من هو سيدك وأن هو مكانه وابن من هو وإلى من ومتى صار إيضاح هذا جميعه ؟ ها قد استمعت و في البدء كان الكلمة ، وأما كيف فلم يجسرأحد أن يتكلم . هو الكلمة ، ليس تكلم بل كلمة ، ليس انه صوت بل كلمة غير مدركة ومن أجل هذا هي فوق الحدود بخفيتها . الكلمة لطيفة مخفية داخل الضمير ، والآتية إلى الأسماع هي أصواتها بالرب الكلمة ، يعرف كلام اللاهوت وبه تستريح جميع رموز الخليقة .
ها منذ الأبد ، بالابن الكلمة يتكلم الآب وبه أقام العوالم والقنها . به تجلل ليخلق العوالم من لا شيء ومن دونه لم تكن ولا واحدة من جميع ما صنع . واحد هو الكلمة المولود من الآب وحيديا . مولود هو الكلمة . ليس هو نطقا لأنه هو الله كمثل الآب لانه في حضنه . ولم يكن زمان لم يكن الكلمة مع الآب والده . وأى من ظن أنه مجده يطغى نفسه . إن كنت تطلب منى تفسيراً عن الله لم أعرف . الذي يطلب ما لا يستطاع هو يتألم . لم أطلب تفتيشاً ولم أحزن لأني لم أعرف . بهذا افتخر أن إلهي ليس محدوداً من أحد . انظروا الرسول ، إنه أبعد خبره من التفسير ودعاء كلمة غير مدروك من الفاحصين . مبارك هو الكلمة مع مرسله، ابن الله هو الكامة الغير منطوق أتى إلى العالم حيث لم تحبسه الاماكن .
هو في الأب وهو في الأم
خرج الكلمة من الآب واتى وحل في الصبية، وكان في الصبية وكان في أبيه ولم ينطق، ومن حيث هو الآب هو الكامة معه . أتى الكلمة من خفية أزلية وثبت في حضن الأب خفيا كما هو وحل جميعه في الحضن الثاني بالقداسة .
ليس أنه انقسم بل ثبت بغير تقسيم وهو جميعه في الأم الصبية حاملته وهو جميعه في أبيه ، ومخفي بوالده . هو في الاب وهو في الأم الصبية حاملته وهو جميعه في ابيه . هو في الاب وهو في الأم بدهش عظيم . عمل لم يكن إلا في الواحد الوحيد . قبلت العروس الرسالة المكتوبة وحل هناك كالمحدود وهو غير محدود .
الكلمة الذي اتي وصار جسداً داخل الرسالة أعطى نفسه . نظرته العيون ومسكته الأيدي . ابن البتول صار كمثل الكلمة داخل الرسالة وتجسم فيها كمثل الكلمة بالكتابة وأتى للظهور . وكمثل الكلمة بالكتابة نظروا خفيته . ممتلئ منك المكان الذي أرسلك ويحبك، وخبرك ظاهر في المكان الذي قبلك ويكرمك.
خرج بالقداسة والختوم ثابتة
حل في العذراء كمثل الرسالة وانختمت بالبتولية كمثل الرسالة . وإذ الختوم ثابتة ، خرج بالقداسة . ابن الله الذي هو الكلمة بغير تفسير طل من الآب وحل في الحشا البتولي الممتلئ قدسا . وجسم ذاته من جسم الطوبانية بالأعضاء كمثل القول بالكتابة . قام ابن الرعد وأظهر أنه الكلمة للأرض جميعها.
ولأجل أنها أتت وصارت جسدا داخل الرسالة ، حدها مكانها كما الابن في الاب بغير ابتداء هكذا الكلمة في النفس من حين هي . ومن أجل هذا دعا كلمة لإبن الله ذاك التلميذ الذي كان يحبه ويعرفه . وأتى بالجسد و نظروه وجها لوجه ، نظروه بالعيون ومسكوه بالأيدى لانه تجسم وصار جسداً وحل فينا ولم يتغير . به أرسله استعلان النبوة الناظرين جميع المناظر الحقيقية
ضمد جراحات البشر
ولما أفسد الإثم البشر ، أرسل كلمته ليشفيهم كما كتب ، فشفاهم وخلصهم من الفساد، حل في البتول ليتجسم ويضمد الداء الذي للبشر. ذاك الذي تنازل ليحمل إثم العالم أجمع . وهو كان عند الله ، والله هو الكلمة الآتي إلى العالم بالجسد ، ومن أجل أنه أتى بالجسد أهانه الأرضيون.
ابن الله هو الكلمة الآتى بالجسد وهو حمل إثم العالم وقام كالجبار . عمانوئيل الكامة هو معنا لأنه تجسم وصار منا . في الباب الذي يدخله الإنسان إلى العالم دخل الخليفة ولم يفتحه ليحس العالم أنه ابن الله . خرج الكلمة وثبت ختم البتولية . كانت بتولا وصارت أماً بغير تغيير . أتى بالجسد كما أتى بغير تفسير وحمل الإثم وشفى أوجاع المضروبين وبجراحات ابن الله شفينا .. .
مبارك هو المن المخفي الذي أتى للظهور بغير فحص وحل بيننا وراينا مجده . له المجد الدائم آمين[9].
القديس يوحنا ذهبي الفم
النعمة التي نحن فيها مقيمون
اسمحوا لي أن أسألكم أن تتأمّلوا كيف يؤكّد الرسول في كل موضع نقطتين: جانب الله وجانبنا، فمن جانب الله، كيفما كان، توجد أمور كثيرة، عديدة ومتنوّعة، إذ مات من أجلنا وصالحنا وجبَلنا إليه ووهبَنا نعمة لا ينطق بها. أمّا نحن فمن جانبنا نقدم إيمانًا (حيًا) فقط، لذلك يقول: “بالإيمان إلى هذه النعمة”. اخبرني: أيّة نعمة هذه؟ أنك حُسبتَ أهلًا لمعرفة الله، وانتزعت عن الخطأ وتعرفّتَ على الحق ونلتَ كل بركات المعموديّة؟ لأن غاية إحضارنا إليه هو تقبُّل هذه العطايا. فإننا لم ننل غفران الخطايا فحسب لنكون مُصالحين، وإنما لننال بركات لا حصر لها.
لم يقف عند هذا الحد إنما وعدنا ببركات أخرى، بركات لا يُنطق بها، تفوق الإدراك واللغة، لهذا لم يحدّثنا عنها. فبإشارته للنعمة أوضح ما نلناه حاليًا، وبقوله: “ونفتخر (نبتهج) على رجاء مجد الله”. يكشف عن كل الأمور العتيدة.
حسنًا قال: “التي نحن فيها مقيمون” ، لأن هذه هي طبيعة نعمة الله، أنها بلا نهاية ولا تعرف الحدود، بل على الدوام ننعم بأمور أعظم، على خلاف ما يُحدّث في الأمور البشريّة. أعطيك مثلًا لما أقصده: إن نال إنسان سيادة ومجدًا وسلطانًا لا يقيم في هذه الأمور على الدوام، إنما سرعان ما تُسحب منه.
فإن لم يسحبها منه إنسان آخر يأتيه الموت الذي يسحبها منه بالتأكيد. أمّا عطايا الله فليست من هذا النوع إذ لا يستطيع إنسان ولا ظروف ولا كوارث ولا حتى الشيطان أو الموت أن يسلبها، بل بالعكس عندما يحلّ الموت تتأكد بالأكثر ملكيتنا لها وثبوتنا فيها ويزداد تمتّعنا بها أكثر فأكثر… لهذا يقول: “نبتهج على رجاء مجد الله”، لكي تتعلم ما هي النفس التي يليق بالمؤمن أن تكون له. ليس فقط نعرف ما هي العطايا التي تقدّم وإنما لمن تقدّم، فنمتلئ ثقة أنها قُدِّمت فعلًا، إذ يبتهج الإنسان بكونه قد نالها فعلًا… وقد دعاها “مجدًا”؛ إذ هي شركة في مجد الله[10]
أيضاً لذهبي الفم: البنوة لله
ولم يتكلم بذلك فقط عن هذا الروح ، بل تكلم بحديث آخر أكثر أهمية ، والذى أرغب الآن فى الحديث عنه . لكن لأننى أخشى لئلا بهذه الإضافه ، تنسوا الكلام اللاحق ، فإننى سأحتفظ به لحديث آخر ، بعدما أترجاكم أن تتذكروا كل كلامنا الذى قيل في كلمة اليوم بأكمله ، وأن تحفظوه بعناية وحرص ، وتطبقونه في حياتكم الفاضلة ، وتوحدوه بنقاوة العقائد الإيمانية ؛ ” لكى يكون إنسان الله كاملاً ، متأهباً لكل عمل صالح ” .
لأنه لن تنتفع من العقائد المستقيمة ، إن كانت حياتنا غير تقوية وغير أخلاقية ، مثلما أيضاً أننا لن نربح شيئاً من حياة الفضيلة ، إن كان إيماننا عير حقيقي .
وحتى ننتفع منفعة كبيرة ، لنؤمن أنفسنا بحياة الفضيلة ، وبالإيمان الحقيقي ، ولنقدم ثماراً غنية في كل الأمور الأخرى ، بل وأن نقدم بالإضافة إلى ذلك ، كل أعمال البر والإحسان بالمحتاجين ، والذين حدثتكم عنه قبلاً ، برغبة قوية ، وعطاء غنى ، لأن : ” من يزرع بالشح فبالشح أيضاً يحصد ، ومن يزرع بالبركات فبالبركات أيضاً يحصد ” ماذا يعنى بقوله ” بالبركات ” ؟ يعنى بوفرة كبيرة وهنا الأمور الحياتية ، والزرع والحصاد ، يحدث لنفس البذور لأن من يزرع ، يلقى في الأرض قمحاً ، أو شعيراً ، أو أي شيء مشابه ، ومن يحصد ، يحصد من نفس البذور .
لكن ليس الأمر هكذا بالنسبة للإحسان ، بل الأمر مختلف . لأنك حين تعطى فضة تحصد دالة أمام الله ، تعطى مالاً ، وتنال غفران خطايا ، تقدم خبزاً وملابس ، وبدلاً من ذلك تنال ملكوت السموات ، وخيرات لا تحصى ، والتي لم تراها عين ، ولم تسمع به أذن ، ولم تخطر على بال إنسان .
والأهم من كل هذه الخيرات ، هو أنك ستصير على مثال الله ، على قدر ما هو ممكن للإنسان أن يصبح هكذا . فعندما تكلم المسيح عن الإحساس ، والبر بالفقراء ، أضاف : ” لكى تكونوا أبناء أبيكم الذى في السموات ، فإنه يشرق شمسه على الأشرار والصالحين ، ويمطر على الأبرار والظالمين ” . أما أنت فلا تستطيع أن تشرق الشمس ، أو تنزل المطر ، ولا أن تحسن إلى بشر كثيرين ، لكن يمكنك أن تدير أموالك في عمل البر والإحسان ، وستصبح على مثال الله الذى يشرق الشمس على قدر ما هو ممكن للإنسان أن يتمثل بالله .
إنتبهوا جيداً لما قيل ، يقول : ” على الأشرار والصالحين ” وأنت أيضاً عندما تصنع إحساناً ، لا تفحص حياة الآخر ، ولا تطلب سبباً يبرر تصرفك نحوه . لذلك دعى إحساناً ، لكى يقدم لغير المستحقين ، لأن من يعطى إحساناً للخاطئ ، يقدمه لا لمن يسلك بالفضيلة ، لأن هذا مستحق للمديح والأكاليل ، لكن الخاطئ يحتاج إلى الإحسان والصفح . حتى أننا بهذا سنتمثل بالله ، أن أعطينا للأشرار .
تأمل في عدد السكان الذين يقطنون المسكونة ، كم منهم شتامين ، منحرفين ، مخادعين مملؤين من كل شر ، لكن الله يطعم هؤلاء كل يوم معلماً إيانا أن نصنع الخير بالجميع . إلا أننا نصنع العكس تماماً ، لا نتأفف ونتقزز من الأشرار والخطأة ، بل وأن إقترب منا أشخاص فقراء ، لكنهم في صحة جيدة ، إما طلباً للصدقة أو لأنهم بدون عمل ، أو التماسا لكرمنا ، فإننا نجعلهم يقفون في شكل صفوف ، نتهكم عليهم ، ونوجه لهم الإهانات ، والسخرية التي لا حدود لها ، ثم نطردهم بأيدي فارغة ، ونستهزأ بهم ، بسبب أنهم في صحة جيدة .
ونسخر من كسلهم ، حتى نبعدهم عنا ، بل ونحملهم المسئولية. لكن أيها الإنسان ، هل هذا هو ما أمرت أن تفعله ، أن تدين ، الفقراء ، وتشاجر معهم ؟ إن الله أوصاك أن تدفع عنهم الفقر ، لا أن تهينهم ، وتحاسبهم .
لكن هل تريد أن تصحح ، وتصلح من صفات هذا الإنسان المتراخى ، وتنقذه من البطالة ، وتقدم له عمل ؟ فلتعطيه أولاً ، وتحسن إليه ، ثم عاتبه بعد ذلك ، حتى لا يمضى ويعتبرك قاسياً ، ويتهمك بالوحشية ، بل ينبغي أن يعتبرك كمن يبدى ملاحظات ، بسبب إهتمامك ، وحنوك لأن الفقير يكره وينفر ، ولا يستطيع أن يتحمل النظر إلى الذى لا يعطى ، الذى يكتفى بالإدانة فقط . لأنه يعتقد كيف أنه يدين ، لا بسبب إهتمامه وعنايته به ، بل لأنه لا يريد أن يعطى ، الأمر الذى هو بكل تأكيد ، حقيقى لكن ذاك الذى يلوم ، بعدما يعطى أو يقدم الإحسان ، يجعل النصيحة مقبولة ، لأنه يلوم بسبب إهتمامه ، لا بسبب القسوة والوحشية. هكذا فعل الرسول بولس ، لأنه بعدما قال : ” إن كان أحد لا يريد أن يشتغل فلا يأكل أيضاً ” . أضاف : ” أما أنتم أيها الإخوة فلا تفشلوا في عمل الخير ” .
لكن يبدوا أن هاتين الوصيتين متعارضتين . لأنه إن كان لا ينبغي للعاطلين أن يأكلوا ، فكيف توصى أن يحسنوا إليهم ؟ لكنها ليس كذلك من نحو الله . لأنه لهذا يقول : ” إن كان أحد لا يريد أن يشتغل فلا يأكل أيضاً ” ، وليس لأن يمنع أولئك الذين يريدون أن يقدموا ، عن فعل الإحسان ، بل لكى ينتشل أولئك الذين يعيشون في تراخى وكسل من البطالة ، فحين يقول : ” فلا يأكل أيضاً ” ، فإنه يرغب في أن يقيم أولئك للعمل ، بالتهديد . لكنه عندما يقول : ” فلا تفشلوا في عمل الخير ” قإنه يوجه الآخرين نحو عمل الخير والإحسان ، مظهراً مدى نفع النصيحة أو المشورة . وحتى لا يمسك البعض أيديهم عن مساعدة الفقراء ، عندما يسمعون التهديد الموجه للكسالى الذين لا يعملون ، فإنه يدفع هؤلاء لعمل الخير ، قائلاً : ” فلا تفشلوا في عمل الخير ” ، حتى أنه عندما تعطى للعاطل فإنك تعمل الخير .
وهذا قد أوضحه بالكلام اللاحق ، لأنه عندما قال : ” وإن كان أحد لا يطيع كلامنا بالرسالة ، فسموا هذا ولا تخالطوه ” . بالرغم من أنه قطعه من شركة الكنيسة ، إلا أنه أعاده مرة أخرى إلى شركة أولئك الذين قطعوه من حياة الشركة هذه ، لذلك أضاف : ” ولكن لا تحسبوه كعدو ، بل أنذروه كأخ ” .
مثلما قال : ” إن كان أحد لا يريد أن يشتغل فلا يأكل أيضاً ” ، إلا أنه أوصى كل من يستطيع المساعدة ، أن يهتم كثيراً بهؤلاء هكذا هنا أيضاً عندما قال : ” لا تخالطوه ” . لكنه لم يمنع أولئك أن يهتموا به ، بل إنه قد حثهم بشدة على مساعدته ، قائلاً : ” لا تحسبوه كعدو بل إنذروه كأخ ” . توقف عن مصاحبته ، لكن لا تتوقف عن الاهتمام به ، أقطعه من الشركة ، لكن لا تتوقف عن محبتك له . هذا ما أوصى به أن يكون في إطار المحبة له ، حتى يصبح أفضل بقطعة من الشركة ، ولكن يعود مرة أخرى إلى باقى الجسد ( أي الكنيسة ) . لأن الآباء أيضاً يطردون الإبناء خارج البيت ، لا لكى يبقون على الدوام في الخارج ، بل لكى يصيروا بهذا التصرف أكثر تعقلاً ، ويعودوا مرة أخرى إلى البيت . لقد تكلمنا بما يكفى عن الذين يدينون الفقراء بالتراخى والكسل[11].
عظات آباء وخدام معاصرين
قداسة البابا تواضروس الثاني
ماذا قدمت
هذا أعجب ميلاد عرفه العالم ؛ لأن المسيح ولد من عذراء بتول ، بطريقة لم يولد بها أحد من قبل ولا من بعد ؛ كانت السقطة الأولى هى الكبرياء فكان العلاج بالاتضاع . عجيب هذا الميلاد العجيب . وعجيب هو صاحبه . وعجيبة هى وقائعه . الله العظيم الآبدى …يتجسد لأجلى ولاجلك ..قمة الاتضاع التى تتضح من خلال سبعة ملامح تشكل يوم (٧يناير) حيث احتفالنا …
الملامح السبعة لعيد سبعة يناير :
١- فتاة من الفقراء ..قدمت نقاوتها
٢- رعاة من البسطاء …قدموا فرحهم.
٣- محبوس من الغرباء … قدموا هداياهم .
٤- قرية صغيرة … قدمت مكانا .
٥- حظيرة حقيرة …. قدمت دفئا .
٦- ليلة مجهولة …. قدمت عهدا جديدا.
٧- تسبحة قصيرة …. الملائكة تقدم أنشودتها الخالدة .
والآن ماذا ستقدم :
هل ذهبا ؟…..أقصد قلبك .
أم لبانا ؟….أقصد صلاتك .
أم مرا؟…..أقصد تعبك .
الخلاصة : قدم : توبتك ــ محبتك ــ عطفك ــ تسامحك . هذه هى عطايا روحية ثمينة عند المسيح .
أمس وكل يوم والى انقضاء الدهر
عقيدة الميلاد البتولى:” الميلاد” لتأكيد حقيقة انسانية المسيح ” …”البتولى” لتأكيد ميلاده من الروح القدس لأنه هو الله . لقد دخل الطبيعة بسلطان الهى … فهو غير خاضع للطبيعة ،لأنه هو سيد الطبيعة ، ولد من الآب بدون أم ، ومن الأم بدون أب”. (القديس أوغسطينوس) .
بالتجسد الله يفتقد الانسان ، وهذا له معانيه :
١- الانسان هام لدى الله …انه ثمين جدا عنده حتى أنه بذل ابنه الوحيد لكى لا يهلك كل من يؤمن به (يو٣: ١٦) .
٢- الله يعتنى بالأرض التى خلقها ..لقد قدس وكرس ليس فقط الجسد البشرى بل أيضا العالم المادى بأسره…انه يهتم بعالمنا وقضاياه (السياسه /الفقر/الحرب/السلام/ ….)
٣- التجسد( حضور المسيح معنا) ليس حدثا فى الماضى والا تكون ديانتنا أثرية ،وكنيستنا متحفا …فالمسيح الذى أتى الى بيت لحم يأتى اليوم لأى انسان يقبله بالايمان . وفى حياتنا اليومية مواقف كثيرة نتوقع حضور الله فيها ، ولكنه فى الغالب يحضر دون أن نتوقع ذلك.
٤- نحن امتداد للتجسد ..يمكننا أن نجسد حبه واهتمامة فى كل مواقف الحياه .
يقول القديس بولس الرسول :” أحيا لا أنا ، بل المسيح يحيا فيا ” (غلا٢: ٢٠ ) .
٥- الله معنا دائما … عندما نخطىء هو المخلص والراعى الذى يبحث عن الخروف الضال الواحد ، وعندما نجرب هو المعين الذى يعطى صبرا واحتمالا . كثيرون يفكرون فى المسيح على أنه فى الماضى …وكثيرون يفكرون فى المسيح فى المستقبل الذى سوف يأتى ، ولكن نادرا ما يفكرون فيه فى الزمن الحاضر …انه معنا وسيكون معنا دائما كل الأيام والى انقضاء الدهر[12] .
المتنيح الأنبا أثناسيوس مطران بني سويف والبهنسا
(يو ١: ١-١٨) الكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله
فالكلمة هو الله وهو في ذات الوقت عند الله وهذا هو التميز الأقنومی والوحدانية الإلهية وقد عبر القديسون في مجمع نيقية على هذه الحقائق ردا على آريوس الذي أنكر ألوهية وأزلية الرب يسوع فقالوا ” بالحقيقة نؤمن بإله ..الله الآب .. والابن الفريد .. واحد مع الأب في الجوهر homo – ousios ” فهو الإله وهو الظاهر لنا في الكون . (يو ١: ٢ – ١٨)
وبعد أن بين الأزلية والألوهية والأقنومية – اضطرد إلى خواص أخرى فقال أنه كان الخالق الأوحد ” كل شئ به كان وبغيره لم يكن شئ ” وقوله “كان في العالم وكون به العالم ” (يو ١ : ١٠) .
وهو مصدر الحياة . فقديما خلق الله الكائنات الجمادية والحية فهو الذي أوجد الكون المادي وهو الذي وهب الحياة لبعض الكائنات سواء التي أمر أن تكون لها حياة أو التي نفخ فيها من روحه فكان لها نفس حية عاقلة أي الإنسان .
على أن الحياة التي في الله في الحياة الأبدية التي بلا شر فقدسية العلى خاصية الأبدية . ولما سقط الإنسان فسد أبديا فالحياة الحقيقية هي التي العلى مصدرها حياة قدسية كاملة أبدية الوجود لأنها منه الذي هی نور العالم . اذ ليس فيه ظلمة البتة . وفي الآيات ( ٥ و ۷-۹ ) بيان هذا النور أنه هو القدسية فالرب يسوع هو “النور الحقيقي “بذاته وليس مجرد انعكاس للنور الإلهي ، هو الخلاص وليس رمزا له .”أنا هو نور العالم ” من يتبعني فلا يمشي في الظلمة ، بل يكون له نور الحياة ، ( ٨ : ١٢ ).
” وهذا هو الخير الذي سمعناه منه مع ونخبركم أن الله نور وليس فيه ظلمة البتة . أن قلنا أن لنا شركة معه وسلكنا في الظلمة نكذب ولسنا نعمل الحق . ولكن أن سلكنا في النور كما هو في النور فلنا شركة بعضنا بعض … (١يو ۱: ٥-۷) .
والظلام في إنجيل يوحنا يرتبط كثيرا بالخطية مثل قوله عن يهوذا حين خرج من العشاء ليسلم الرب لصالبيه ” لما أخذ اللقمة خرج للوقت . وكان ليلا ” (يو ۳۰:۱۳) على الرغم من أن قمر تلك الليلة كان بدرا وتكراره القول عن نيقوديموس أنه الذي جاء ليلا لمقابلة الرب أول مرة وذلك يبين أنه يربط بين الظلمة وعدم المعرفة التي كان فيها نيقوديموس قبل إيمانه بالرب يسوع حتى آمن وتبعه في النهاية وهذه هي الدينونة أن النور قد جاء إلى العالم .. من يفعل الحق يقبل إلى النور لكي تظهر أعماله أنها بالله معمولة ” (يو ٣: ١٩-۲۱) .
ثم هو المسيا الذي ينتظره اليهود ، وهو ألههم الذي تكلمت عنه التوراة ، وهم الذين اختارهم شعبا له في القديم ، الذين أنكروه حين جاء “الى خاصته جاء وخاصته لم تقبله ” وهكذا لم يفهموه بسبب سوء أعمالهم والظلمة لم تدركه على الرغم من أنه شمس البر الذي يحمل لهم الشفاء .
ولذلك رفضوا ولم يعودوا شعب الله أو أبناء الله ” ملكوت الله ينزع منكم ، ويعطى لأمة تعمل أثماره ” (مت ٤٣:۲۱) ورفضهم دائم مادام نکرانهم للمسيا ” اليهود الذي قتلوا الرب يسوع وأنبياءهم واضطهدونا نحن غير مرضین لله وأضداد لجميع الناس ، يمنعوننا عن أن نكلم الأمم لكي يخلصوا .. ولكن قد أدركهم الغضب إلى النهاية (١تس ٢ : ١٤-١٦) .
وكان أختيارهم القديم اختيارا مرحليا وليس أبديا . فاذ كانوا هم العارفين بالله بين الشعوب الوثنية كانوا شعب الله . ولكن بعد أن جاء الفادي وقدم الخلاص لجميع الأمم صار المؤمنون به من كل الشعوب هم شعبه ” وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطانا أن يصيروا أولاد الله ” ليس من اليهود فقط بل من الأم أيضا .
كما يقول هوشع أيضا ” سأدعو الذي ليس شعبي شعبي والتي ليست محبوبة محبوبة . ويكون في الموضع الذي قيل لهم فيه لستم شعبي أنه هناك يدعون أبناء الله الحي “(رو ۹: ٢٥-٢٦) .
ولم يعد الانتساب إلى الدم الاسرائيلي أو الديانة اليهودية سببا لاعتبار الإنسان من شعب الله . لأن أولاد الله ” الجديدين ” ولدوا ليس من دم = ( الجنس الإسرائيلي ) ولا من مشيئة جسد = ( بالتزاوج غير الشرعي مع الشعوب الأخرى ) ولا من مشيئة إنسان ” ( الدخول إلى الإيمان اليهودی بالاقتناع مثل راعوث الموآبية أوغيرها ) بل من الله = ( الولادة الروحية التي بالإيمان بالرب يسوع المسيح المخلص لأن الناموس = ( الشريعة = القانون السلوکی ) بموسى أعطى أما النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا ( ١: ١٧
والكلمة صار جسدا ، ودقة هذا التعبير تضع موضوع طبيعة السيد المسيح في اطار واضح فالكلمة بذاته صار جسدا أي أن المطارحات الفكرية عن طبيعته في حال البشرية ، كتصور الطبيعتين اللاهوتية والناسوتية أنهما طبیعتان متوازيتان فيه أو الإصرار على أنه في حال التجسد يحوي طبيعتين وارادتين وغير ذلك من التعبيرات التي رفضتها كنيستنا على مر الزمن ، هو تصویر غريب على مثل هذه الآية فالكلمة صار إنسانا ، فلم يلبس إنسانية كان اللاهوت داخلها ، ولم يرافق انسانية كان اللاهوت موازيا لها ، ولم يتحد بانسانية لأنها لم تكن أبدا موجودة في التاريخ واتخذها له . فلم يحدث أنه كان هناك طبيعة بشرية اتحد بها اللاهوت بل أن اللاهوت نزل وأتخذ لنفسه من العذراء جسدا . فمنذ اللحظة الأولى للتجسد كان هناك الله المتجسد أو الله المتأنس أو الله الإنسان .
وظل ربنا كذلك بطبيعته الفريدة طبيعة الله المتجسد وليس الطبيعتين المتلازمتين . لأن ” الكلمة صار جسدا” أي أن الرب صار انسانا بطريقة فريدة ، فهو اللاهوت تماما وهو الناسوت تماما . ولكن طبيعته طبيعة الإله الإنسان دون ازدواج أو فناء أحداهما في الأخرى .
حل بيننا والكلمة اليونانية ” Skinoum ” معناها سكن في خيمة وهو المعنى الذي استعمله اليهود المتأخرون في التارجم الكلداني ” وهي Shakinah أي أن الكلمة سكن بيننا وحل بمجد عظیم مثلما كان يظهر الرب قديما في خيمة الشهادة ويرى الشعب مجده .
الأبن الوحيد سمي الابن الوحيد ( آية ١٤ ، ۱۸ ) وليس المقصود هنا أنه وحيد بلا أشقاء بل الوحيد في نوعه . وهذا مايحمله معنی اللفظ Monogenis ويمكن ترجمته في العربية ” الفريد ” وذلك لأنه ليس ابنا منفصلا بل هو كائن ذاتی کالفكر والعقل كما تقدم . ولذا يوصف أيضا بأنه في “حضن الأب ” وليس المقصود المتكئ في حضن الآب بل الكائن في ذات الآب أي أنه التعبير والظهور والنطق .
مملوءا نعمة وحقا
ليس معناها أن النعمة والحق قد حلافيه بل هو مصدر كل النعمة وظهر هذا الملء في يسوع المسيح وأختبره المحيطون به ” فانه فيه يحل كل ملء اللاهوت جسديا ” (کو ٢: ٩) ” ومن ملئه نحن جميعا أخذنا (يو ١: ١٦) .
نعمة فوق نعمة . أي أنه هو مصدر كل النعم والنمو ، من نعمة إلى نعمة . أو أن النعمة الأولى هي نعمة الإيمان بالله في العهد القديم والثانية هي الإيمان بالمسيح ونوال الحياة الجديدة في الرب يسوع لأن الناموس أعطى أما النعمة والحق فبيسوع[13].
المتنيح الأنبا يؤانس أسقف الغربية
عقيده النعمه والخلاص
نعمه الله هي السبب في كل ما يتمتع به البشر من بركات العهد الجديد …
فلولاها ما كان فداء ولا كان خلاص والا شيء مما نتج عن ذلك … لقد طرد الإنسان الأول من الفردوس بسبب عصيانه ،واغلق علي اثر ذلك ، واقام الله ” الكروبيم ولهيب سيف متقلب لحراسه طريق شجره الحياه “(تك ٣: ٢٤). …
لكن كيف اعيد الانسان الي رتبته الاولي ، فهذا هو دور نعمه الله …
ولفظ ” نعمه xapic” في اصله اللغوي اليوناني قبل المسيحيه ، كان يستخدم للتعبير عن فضل أو إحسان قدمه إنسان لآخر عن جود قلبي طاهر ، دون امل في ان يرد هذا الاخر الجميل لصاحبه … واستخدمت في العهد الجديد عن جود الله المجاني الذي صنعه مع البشر عند الجلجثه ، حينما أخلي ذاته ، وتنازل عن مجده ، وحمل خطاياهم والعقوبه التي يستحقونها … ونلاحظ ان استخدام الكلمه في اليونانيه القديمه ، كان للتعبير عن الجميل أو المعروف الذي يقدم إلي الصديق ، وليس الي عدو . أما في حاله الله ، فقد قدم إحسانه الي أعدائه …
الي البشر الخطاه الذين إمتلأ قلبهم كراهية نحو الله … ومهما يكن من امر فان كلمه ” نعمه xapic” في العهد الجديد هي كلمه جديده ، بمفهوم جديد ، وأصبحت إصطلاحاً خاصاً .
وتتردد كلمتا النعمه والخلاص كثيرًا في اسفار العهد الجديد ، خاصه في رسائل القديس بولس … لكن من الخطأ تصور ان القديس بولس هو صاحب هذه العقيده ، واصل هذا المفهوم . بل ان السيد المسيح هو مصدره ، وانكان بولس أبرزه ابرازا متميزا واضحاً … فالسيد المسيح هو يعبر عن نعمه الله المحبه الرحيمه التي تريد خلاص جميع البشر ، ويصورها بكلمات وامثال ، دون ان يضبطها في تعبيرات والفاظ محدده … فوصيته ان تحب — ليس أحباؤنا فقط — بل أعداءنا أيضا ، تشبهًا بالاب السماوي الذي
يشرق بشمسه علي الاشرار والصالحين، ويمطر علي الابرار والظالمين (مت ٥ : ٤٣) . ووصيته لتلاميذه ” مجانًااخذتم مجاناً اعطوا ” (مت ١٠: ٨). وفي سعيه نحو الخطاه وجلوسه معهم ، وفي امثلته التي ساقها عن محبه الله لخلاص الاشرار ، وحنوه في معاملتهم كما في حاله المراه الزانيه التي أمسكت في ذات الفعل ( يو ٨: ٣- ١١)… في كلذلك بالأمثال والتصرفات والاشارات لنعمة الله الفائقه ، الحانيه الشامله ، المجانيه ….
والنعمه مرتبطه إرتباطا وثيقًا بموضوع الخلاص. فإن كانت نعمه الله ظهرت في خلاص البشر . فيكون الخلاص منجانب البشر ، هو نوال هذه النعمه … وفيما يختص بموضوع نعمه الله وخلاصه ، في المفهوم الرسولي ، نلاحظ الاتي :
( أ ) ان هذه النعمه ، وهذا الخلاص — من جانب الله — هما هبه مجانيه ، بلا مقابل ، ولا تتوقف علي استحقاقات البشر وأعمالهم ….فالبشر جميعا شملتهم الخطيه ، وملكت عليهم ، يستوي في ذلك الوثني واليهودي … ” لانه لا فرق . اذ الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله ” (رو ٣: ٢٢ ، ٢٣)… والناموس — وهو مجموع الوصايا التي أعطاه الله لشعبه اليهودي ، لم يكن لها القدرة علي تخليصهم ” لأنه بأعمال الناموس كل ذي جسد لا يتبرر امامه ” . وكل ما استطاع الناموس ان يفعله ، هو انه كشف لهم سوء احوالهم واحتياجهم لله ” لانه بالناموس معرفه الخطيه ” ( رو ٣ : ٢٠)….” واما الناموس فدخل لكي تكثر الخطية ” (رو ٥ : ٢٠)…. وهكذا فقد كان الناموس بمثابه مرآة تستعمل لإقناع ذي الوجه القذر بقذارته ، دون ان يكون لها القدرة علي تنظيفه ..!!
والنتيجه التي وصل اليها القديس بولس بعد ان استعرض حاله العالم الأدبية الأدبيه الروحيه والشرور الكثيره التي غرق فيها… النتيجه … ” يستد كل فم ويصير كل العالم تحت قصاص من الله ” (رو ٣ : ١٩، ٢٣)…. وكنتيجه لهذه النتيجه تظهر نعمه الله المخلصه المجانيه ” متبررين مجانا بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح . الذي قدمه الله كفاره بالايمان بدمه ،لاظهار بره من اجل الصفح عن الخطايا السالفه بإمهال الله ” (رو ٣ : ٢٤، ٢)….
بهذا نستطيع ان نفهم كلمات الرب يسوع: ” لا يقدر احد ان يقبل الي ان لم يجتذبه الآب ” (يو ٦ : ٤٤)…. لا استحقاقات للبشر في هذه النعمه ، والا لو كان للبشر إستحقاقات ما كانت تعتبر نعمه ” فإن كان بالنعمه فليس بعد بالأعمال، والا فليست النعمه بعد نعمه . وان كان بالأعمال فليس بعد نعمه ” (رو ١١ :٦)…. ” الله الذي هو غني في الرحمه من اجل محبته الكثيره التي أحبنا بها ونحن أمواتاً بالخطايا أحيانا مع المسيح .
بالنعمه انتم مخلصون … ليظهر في الدهور الآتية غني نعمته الفائق باللطف علينا فيالمسيح يسوع . لأنكم بالنعمه مخلصون مخلصون بالايمان ، وذلك ليس منكم . هو عطيه الله . ليس من أعمال كيلا يفتخر احد ” (أف ٢ : ٤- ٩). …
ونلفت النظر — فيما يختص بكلام الرسول السابق عن التبرير بالنعمه المجانيه ، وليس بالأعمال ، ان المقصود هو حياة البشر عامه واعمالهم السابقه للفداء الذي تم علي الصليب ، ولا يقصد بها بحال الانسان المسيحي المؤمن في ظل الفداء والصليب ، فنعمه الله التي ظهرت في عمل المسيح الكفاري كانت — بحسب تعبير القديس بولس : ” صفحا عن الخطايا السالفة ” ( رو ٣ : ٢٥)…. علي نحو ما يصدر رئيس دوله عاما عن المسجونين السياسين مثلا …. فليس معني هذا أن يعود هؤلاء المسجونون المحررون أو غيرهم الي نفس جرائمهم أو جرائم مشابهة ، احتماء في العفو السابق ، أو استغلالا له … وسنعود الي مناقشه هذا الموضوع فيما بعد .
(ب). ان هذه النعمة المجانية المخلصة عامه لجميع البشر منذ آدم والي نهاية العالم … فإن كانت خطيه آدم الاول شملت كافة البشر ، فنعمه المسيح الفائقة أقوي بما لا يقاس … ” كما في ادم يموت الجميع ، هكذا في المسيح سيحيا الجميع ” (١كو ١٥ : ٢٢)….
” ليس كالخطية هكذا أيها الهبه . لأنه ان كان بخطيه واحد مات الكثيرون . فبالأولي كثيرًا ، نعمه الله ، والعطية بالنعمة التي بالإنسان الواحد بيسوع المسيح ، قد ازدادت للكثيرين ” (رو ٥ : ١٥)….
” مخلصنا الله ، الذي يريدان جميع الناس يخلصون والي معرفة الحق يقبلون … الذي بذل نفسه فديه لأجل الجميع ” (١تي ٢ : ٣- ٦)…. ويقول يوحنا الرسول ” هو كفاره لخطايانا . ليس لخطايانا فقط . بل لخطايا كل العالم أيضا “(١يو ٢: ٢)..
( ج).وان هذه النعمه العامه المجانيه من اجل خلاصنا ، نستحقها بالايمان في شخص المسيح الفادي وعمله الخلاصي .
فلا شك ان الايمان بالمسيح الفادي وبعمله الكفاري الخلاصي هو المدخل لهذه النعمه … نقول المدخل ولا نقول إنه كل شئ … هكذا يقول القديس بولس :
” …. ربنا يسوع الذي به ايضا قد صار لنا الدخول بالايمان الي هذه النعمة التي نحن فيها مقيمون ” (رو ٥ : ١، ٢)…. فالانسان الذي خارج الدائرة يحتاج ان يدخل أولا ، وبعد ذلك يقال له ماذا ينبغي في الداخل … ” متبررين مجانا بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح … بالايمان بدمه ” (رو ٣ : ٢٤، ٢٥)… ” لانكم بالنعمه مخلصون بالايمان ” (اف ٢: ٨)….
علي ان هذه الايات التي ترسم لنا التبرير بالايمان بالنعمه المجانيه ، انما هي توضيح للجانب الالهي . لكن الخلاص الأبدي الاخير لا يناله الانسان الاً بما يقوم به من اعمال صالحه كتجاوب مع نعمه الله … وسنعرض لهذا فيما بعد .
( د). قلنا في النقطه السابقه ان النعمه العامه المجانيه نستحقها بالايمان في شخص المسيح ، ولم نقل اننا ننالهابالايمان … وقلنا عن الايمان انه المدخل فقط ، لانه هو الخطوه الاولي التي تفتح القلب لقبول الخلاص. ومع ذلك فليس الإيمان هو الذي يخلص الانسان ، انما الذي يخلص الانسان هو المعموديه … ” من آمن واعتمد يخلص ومن لم يؤمن يدان” (مر ١٦ : ١٦)….. فالايمان يجعل القلب في حاله القبول والاستعداد للخلاص ، لكنه لا يخلص . والخلاص لا يتم بغير المعمودية ، التي ينقل بها الروح القدس الينا استحقاقات المسيح الكفاريه ، وخلاصه الذي تممه بالصليب .
نلاحظ قول الرب : ” من امن واعتمد ” ، ولم يقل ” من آمن ” فقط . واما قوله ” ومن لم يؤمن يدان، ” فلأن الايمان هو الخطوة الأولي التي تمهد للخلاص . فإذا لم يوجد لدي الانسان الايمان ، فانه يدان علي عدم ايمانه ، ولكن إذا وجد الايمان ، فليس بالإيمان ، ما لم تأت الخطوط التالية وهي المعمودية[14].
المتنيح الأنبا بيمن أسقف ملوي: إبن الله الكلمة
كثير من الناس يسألون هل الله له إبن ؟ هل تزوج وأنجب؟حاشالله إنه روح ازلى أبدي لا يزوج لا يتزوج ولكن البنوة التي أعلنها الكتاب المقدس هي بنوه روحية تماما .
وتعبير الابن هو أقرب التعابير في اللغة لبيان العلاقة الوثيقة بين غيرالمنظور وبين المسيح الذي هو صورة الله غير المنظور(کو١٥:۱)إذ يقول السيد الرب (من رآني فقد رأى الآب ) (یو ۹:١٤) ليس في اللغة كلمة تعبير عن أعمق صلة بين الآب الذي يحيا في نور لايدني منه ولم يره احد قط ولا يقدر أحد أن يراه (١تي ١٦:٦) وبين الله الذي تجسد واتخذ صورة عبد صائرا في شبه الناس.
هي بنوة غير جسدية :
ولا يمكن أن يكون المسيحيون قاصدين من هذه البنوة علاقة جسدية فهناك فروق بين البنوة في عالم الانسان وبين بنوة المسيح للآب.إذ أن الأبن في عالم الإنسان نتيجة تزاوج بين رجل وأمرأة ، وليس كذلك المسيح إطلاقا ، كما أن الإبن في البشرية متأخر في الزمان عن أبيه الذي أنجبه وليس كذلك المسيح .فالمسيح لا يفترق عن الآب والروح القدس كما لا ينفصل الشعاع والحرارة من الشمس ، والماء بالنسبة إلى النبع ، والفكر بالنسبة للعقل كما يقول أحد القديسين .. فهو مولود بغير إنفصالأ و إفتراق. فالمسيح هي الصورة المنظورة لله غير المنظور . وهما معا في جوهر واحد “أنا والآب واحد”(يو١٠ :٣٠) . وهذه العلاقة اعلى من أن يدركها البشر وفوق كل تصور لأنها تتعلق بجوهر الله وطبيعته الممجدة .
ونحن نؤمن بإله واحد :
والمسيحيون ليسوا مشركين ،إنهم لا يقولون ثلاثة آلهة لأيهذا يتضارب مع أبسط قواعد الفكر والمنطق ، فهم يؤمنون باله واحد، طبيعة واحدة ، جوهر واحد .. ولكن الواحد هذا ليس واحد حسابيا بالطريقة الغامضة التي للواحد في علم الحساب والذي يحد بحدود معينة قابلة للإنقسام إلى جزئين أو ثلاثة .. الأمر الذي يتنزه الله عنه كل التنزيه. فوحدانية الله ليست وحدانية حسابية بل وحدانية نوعية أوبالحرى عدم وجود شريك له في اللاهوت بای معنی من المعاني..
إنه واحد بمعنى أنه ليس له مثيل وليس له شريك معه .. إنها وحدانية خاصة بالله..
ولكن ما معنى ثلاثة أقانيم ؟
إن كلمة أقنوم كلمة سريانية ليس لها مثيل في اللغة العربية وهي بالأنجليزية Hypostasis ،وترجمتها الحرفية شخص ولكن في اللغة العربية الشخص يدل على الذات المنفصلة عن غيرها والأمر ليس كذلك من جهة الأقنوم .فالأقانيم هي خواص الله الذاتية التي يكون بها .. وهي لا تعني وجود شركاء أو تراكيب كما إنها لا تعنی مجرد صفات ونظرا لانهم مع وحدانية جوهرهم يقوم كل منهم بعمل خاص لذلك يكون كل منهم متميزا عن غيره تميزا واضحا، كما أنه ليس هناك تناقض ولا إنفصال أو تضارب بين عمل کل، فكل يعمل ليس بمعزل عن الأقنومين الأخرين بل باتحاد كلي معا ، فالأقانيم متحدة دون اختلاط أو إمتزاج ومتنزه دون افترق أوإنقسام..وهذا هو الأمر الذي يسمو على فكر كل البشر والكتاب المقدس يدعو أحد الأقانيم الآب لن أقنومیته تبطن كل المحبة الإلهية، ويدعو أقنوما آخر الأبن لأن أقنومیته تعلن كل هذه ا لمحبة بطريقه ظاهرية ، ويدعو أقنوما آخر الروح القدس أو روح المحبة لأن أقنومیته تعلن كل هذه المحبة بكيفية روحية .
ان إبوة الآب للأبن ، وبنوة الابن للأب إنما هي تعبير عن علاقة من علاقات المحبة الإلهية الكائنة بينها هي علاقة باطن الله بظاهره ،وباطن الله وظاهره واحد. إن وجود الأقانيم الثلاثة يحل لنا قضية المحبة .. فالمحبة التي لا تعلن عن نفسها ولا تعبر عن طبيعتها ولا تتدفق على غيرها إنما هي محبة ذات طابع نرجسي آنانی اما محبة الله فهي ليست كذلك إنها تتدفق من الأب الى إبنه بالروح القدس والأبن يعلن هذه المحبة الأبويه وقد ظهرت لنا بوضوح في التجسد والفداء والصليب انها محبة إيثارية تعبر عن نفسها في صور خارجية موضوعية ينعم بها الله وجميع خلائقه الروحية والبشرية والمادية .إنها محبة سامية تليق بطبيعة الله. ثم أن الثالوث يحل لنا مشكلة الأعلان والتعبير .
إذ كيف يكون الانسان المخلوق على صورة الله ومثاله .. مجرد شبه بسيط ويتمكن من أن يعلن فكره بالكلمة ويتصل بالآخرين من خلال المعرفة والذكاء والمنطق .. كيف يكون هذا والله لا يكون عنده ا لقدرة على التعبير عن مقاصده الالهية ؟! إن الأبن الكلمة هو الذي يعلن فكر الآب وينطق بالحق الذي عند الآب ويعبر عن المحبة الكامنة في قلب الآب المملوء حبا نحونا…وهكذا يعمل الروح القدس في الخليقة لتستنير بالكلمة الابن والابن يعمل لكي يشهد للآب ويعلن محبته للجميع.
في العهد القديم:
+ هوذا الإنسان قد صار كواحد منا عارفا الخير والشر ولو كان الغرض تعظيما في اللفظ لقال هوذا الإنسان قد صار مثلنا هلم ننزل نبلبل هناك لسانهم .. وهذا ايضا لا يدل على التعظيم بل حدوث تخاطب . تخاطب بين الله وذاته دليل على أن وحدانيته وحدانية جامعة .
+ من أرسل ومن يذهب من اجلنا (اش ٨:٦) .
في العهد الجديد :
في العماد :”هذا هو إبني الحبيب الذي به سررت” هذاصوت الاب والابن في الماء يعمد من يوحنا والروح القدس على شكل حمامة ) (مت ۱۷:۳).
+أنا أطلب من الأب فيعطيكم معزيا أخرليمكث معكم إلى الأبد روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقبله لأنه لا يراه ولايعرف (يو ١٦:١٤و١٧).
“إذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الأب والأب والروح القدس” (مت ۱۹:۲۸ ).. ليسوا ثلاث كائنات بل كائن واحد لانه قال باسم وليس بأسماء ..
+”نعمة ربنا يسوع المسيح ومحبة الله الأب وشركة الروح القدس مع جميعكم” (۲کو ١٣: ١٤).
+” ثم بما انكم أبناء أرسل الله روح إبنه إلى قلوبكم صارخا ياأبا الآب” (غلا ٦:٤).
لقب إبن الله في الأناجيل :
+ كان السؤال الذي وجهه رئيس الكهنة للرب يسوع “أأنت المسيح إبن المبارك ” (مر ٦١:١٤ ) ، فلما أقر المسيح بذلك شق ثيابه ” وقال ما حاجتنا إلي شهود” ..”يجب أن يموت لأنه جعل نفسه إن الله” (مت ٦٣:٢٦، يو ٧:١٩)..
+ وكانت الجموع تتهكم علىالرب وهو على الصليب . “قد اتكل على الله فلينقذه الآن إن أراده لأنه قال أنا ابن الله ” (مت٤٣:٢٧).
+ ويقول معلمنا يوحنا البشير” الذي يؤمن بالأبن له حياة أبدية والذي لا يؤمن بالأبن لن يرى حياة “(يو ٣٦:٣)
+والآب لا يدين أحدا بل قد أعطى كل الدينونة للإبن لكي يكرم الجميع الأبن كما يكرمون الأب (يو ٥:۲۲۔۲۳)
+ “أن كل من يرى الابن ويؤمن به تكون له حياة أبدية ” (يو٤٠:٦)
+وفي رسائله يؤكد يوحنا البشير هذا الاتجاه بقوله : من أعترف أن يسوع هو إبن الله فالله يثبت فيه وهو في الله”(١يو٤: ١٥)ويقول أيضا “من هو الذي يغلب العالم إلا الذي يؤمن أن يسوع هو إبن الله” (١يو ٥:٥) . “لأجل هذا أظهر إبن الله لكي ينقض أعمال إبليس”(١يو ٨:٣).
“ونحن نعلم أن إبن الله قد جاء وأعطانا بصيرة لنعرف الحق “(١يو٢٠:٥)
إعلان المسيح بذاته هذا اللقب :
لقد كان المسيح له المجد منذ نشأته يدرك تماما بنوته الفريدة للاب، فحين بحثت عنة مريم العذراء ويوسف النجار ، وهو في الثانية عشر من عمره قال لهما « ألم تعلما أنه ينبغي أن أكون فيما لأبي “(لو٤٩:٢)
+وفي العماد في الثلاثين من عمره كان واضحا لدى المسيحوالجميع صوت الآب عن إبنه “أنت إبني الحبيب الذي به سررت “(مر ۱۱:۱).
+وعندما طرد الرب باعة الحمام من إرفعوا هذه من ههنا، لاتجعلوا بيت أبي بيت تجارة” (يو١٦:٢) .
+وكان يقول للمعاندين ” أنا قد أتيت بإسم أبی ولستم تقبلوننی” (يو٤٣:٥) ، ” إن كنت لست أعمل أعمال أبي فلا تؤمنوا بی “(١يو٣٧:١٠)
+ ” في بيت ابي منازل كثيرة … وأنا أمضى لأعد لكم مكانا ،وإن مضيت وأعددت لكم مكانا آتي ايضا واخذكم إلى حتى حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضا ” (يو ٣،٢:١٤) .
+ وأمام رئيس الكهنة حين واجهه بهذا “هل أنت هو المسيح إبن الله قال له يسوع انت، قلت” ( ٦٤،٦٣:٢٦).
الفارق بين بنوته الأزلية وبنوته المتجسدة :
بعض الناس يخلطون بين بنوة المسيح الأزلية لله ويين بنوته الحادثة له لصفته إبن الانسان .. ان بنوة المسيح الأزلية هي من الناحية الاقنومية ..لكن له بنوة اخرى من ناحية ناسوته وتجسده “ستحبلين وتلدين إبنا وتسمينه يسوع هذا يكون عظيما وإبن العلي يدعی “. إن بنوة المسيح الأقنومية قائمة بدون ولادة . هي أزلية أبدية . أما بنوة المسيح الثانية فهی حادثة في الزمان عندما جاء ملء الزمن وأرسل الله ملاكه إلى مريم مبشرا بالتجسد.
الفارق بين بنوة المسيح وبنوتنا نحن:
إن الكتاب يعتبر كل الذين يؤمنون بالمسيح أبناء الله فيقول الكتاب “أما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطانا أن يصيروا أولادا لله أي المؤمنون باسمه”(يو ١:۱۲). ويقول ايضا “لأنكم جميعا أبناء الله بالإيمان بالمسيح يسوع” (غلا ٢٦:٣).
ويقول بولس الرسول في رسائله “إذا لست بعد عبدا بل إبنا، وإن كنت إبنا فوارث لله بالمسيح” (غلا ٧:٤) وفي موضع آخر يقول “بما أنكم أبناء أرسل الله روح إبنه إلي قلوبكم صارخا يا أبا الآب” (غلا ٦:٤) ويضيف يوحنا البشير في رسالته الأولى بقوله ” أن كل من يصنع البر مولود منه (١یو ۲۹:۲).
ومن إستعراض هذه الآيات يتضح أن ولادة المؤمنين لله انما هي بالأنتساب ، بالنعمة ، باستحقاقات صليب المسيح والشركة معه.. إنها ليست أقنومية لا تتعمق بجوهر الله وطبيعته. كما هو حادث في اقنوم الابن
الكلمة .. أما نحن العبيد البطالون فقد أعطتنا النعمة مجانا أن يطلق علينا
اولادا لله إذ قبلنا الايمان بالمسيح ويعمل الروح فينا لنصنع البر حتى نكون
به برره ومتبررين مجانا بدمه مدعوین لا عبيدا بل أبناء أحباء وورثة معه في الملكوت.
الكلمة :
ويرتبط بلقب ابن الله لقب الكلمة كما يقول الكتاب “في البدء كان الكلمة :.. وكان الكلمة الله” (يو١:١).. ويقصد بالكلمة اللوغوس أي العقل الإلهي المنفذ لمشيئة الله المعبر عن مقاصد الله تعبيرا صادقا كاملا
ليست كلمة ككلماتنا تقال في الهواء ثم تضيع ، ولكن كلمة الله أزلية أبدية “بالإيمان نفهم أن العالمين أتقنت بكلمة الله حتي لم يتكون ما يري مما هو ظاهر”(عب ٣:١١). واللوغوس هو الكلمة الذي ظهر لآبائنا إبراهيم وإسحق ويعقوب هو صورة الله غير المنظورة..هو الذي يعلنه ويظهره.
لقد كانت الكلمة معروفة عند اليهود وذكرت كثيرا في سفر الأمثال تشير إلي أنها الحكمة العاملة منذ الأزل لدي الله وأنها تحيي النفوس وترشدها إلى الحق
(أم ۱۸:۳ ،۱۹ ، أم ٥:٤، ۱۳ ، أم ۸: ۲۲-٢٦) .إذا كان الأمر يستطيع أن يعرف الأنسان من خلال كلامه ،فإن الله لديه القدرة أن يعبر عن نفسه ويصنع الصلة مع نفسه ومع الآخرين من خلال الكلمة .
+الآب هو الوجود
+الأبن هو الكلمة المعبر عن هذا الوجود
+ الروح القدس هو روح الله المنبثق من الآب والمستقر في الأبن .
الآب المحب يسكب حبه على إبنه الكلمة بالروح القدس والروح القدس يحمل تقبل محبة الله في البنوة إلي الآب وهكذا تكون الدائرة الإلهية التي جوهرها الحب نور من نور-حق كامل- فرح مجید – مجد مذهل ونحن أولاد الله مدعوون أن ندخل دائرة هذا الحب في الأبدية المعدة لنا.
إلتزامات اللقب نحونا :
الشركة والمعرفة الفردية :
للإبن علاقة فريدة مع الآب إذ كل ما للآب هو له (يو ١٥:١٦) وكل ما فعله الإبن هو ما رأى الآب يفعله .. والمجد الذى للأبن هو الذي له عند الآب (٥:۱۹ ، يو٥:١٧) فهو وحده الذي يعرف الآب معرفة خاصة متميزة إذ يقول الكتاب “فليس أحد يعرف الإبن إلا الآب ولا أحد يعرف الآب إلا الإبن ومن أراد الإبن أن يعلن له” (مت ٢٧:١١) وقد أوضح السيد المسيح هذه المعرفة الفريدة بقوله ” أنا أعرفه لأني منه ” (يو ٢٩:٧) وفيه عتاب الرب يسوع لفيلبس عندما طلب منه أن يرى الآب قال له ” أنا معكم زمانا هذه مدته ولم تعرفني يافيلبس الذي رآني فقد رأى الآب ،(يو ۹:١٤) ..”ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بی ” (يو ٦:١٤). فالمسيح إذا هو الطريق الوحيد الذي من خلاله نستطيع أننصنع شركة مع الآب ومن خلاله وحده أيضا نستطيع أن نعرف الآب . إن إلتزام الأيمان بإبن الله أن تكون لنا شركة صادقة معه ،وعلاقة وثيقة
بشخصه الحبيب حتى تكون له شركة أيضا مع أبيه الصالح وهذه الشركة لن تكون :
+ إلا بروح الصلاة والامتلاء من الروح.
+وبروح الطاعة والخضوع لوصاياه.
+ والمحبة الصادقة لشخصه ولجميع الناس لأنه إبن محبته ، فهو القائل الذي يحبني يحبه أبي ، إليه نأتي وعنده نصنع منزلا ومحبتنا تكون صادقة عندما تكون من كل القلب ومن كل القدرة من كل المشيئة . وهذه المحبة بطبيعتها تقودنا إلى المعرفة الفريدة التي بين الآب وابنه.
فمن خلال معرفتنا للرب يسوع يقودنا الابن إلي معرفة الآب..وهذه هي الحياة الأبدية في جوهرها “وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي ويسوع المسيح الذي أرسلته” (يو١٧: ٣).
أن نحيا في طاعة البنوة :
ان الابن أطاع الآب طاعة كاملة .. أطاعه بالألم وأطاعه حتى الموت موت الصليب وكانت حياته محرقة طاعة مرضية أمام الآب کفداء لآدم الأول الذي قدم العصيان ومخالفة الوصية . أما يسوع فقال”طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني وأتمم عمله ” (يو ٣٤:٤).. ليس لأعمل مشيئتي بل مشيئة الذي أرسلني :(يو ۳۸:٦ ) مع أن مشيئته ومشيئة أبيه واحد لأنه واحد مع الآب في الجوهر والطبيعة والمشيئة. وإن كانت طاعة الأبن للآب السماوي تعني له ذبيحة الصليب فطاعتنا نحن له ينبغي أن تكون على هذا الصعيد أن تكون على مستوى البذل حتى الموت . إذ ينبغي أن نحمل الصليب ونكفر بذواتنا ونسير ،وراءه
حتى ولو إلى جثيماني .. من أجله نمات كل يوم حسبنا كخراف للذبح..وهذه الطاعة
ينبغي أن تكون بفرح كطاعة بنين أحرار وليس كعبيد وأن تكون طاعة واعية مستنيرة فاهمة مقاصد الله وليس طاعة عمياء ، حرفية شكلية..وطاعة مقدسة تقودنا للطهارة والعفة إذ يقول الكتاب “وإن کنتم تدعون أن الذي يحكم بغير محاباة حسب عمل كل واحد فسيروا زمان غربتكم بخوف” (١بط ١٧:١).
ليعطنا روح الله أن نكون ذبائح وتقدمات مرضية لذاك الذي قدم ذاته ذبيحة إثم ومحرقة طاعة وسرور ورضا لدي الآب السماوي[15].
المتنيح أنبا بيمن أسقف ملوي الناموس والنعمة
لقد تعود علماء النفس أن يقسموا حياة الإنسان إلى مراحل نفسية ثلاث هي : الطفولة والمراهقة والنضج .. وإذا كانت هناك تقسيمات فرعية إلا أن هذه المراحل الثلاث هي المراحل الأساسية التي يمر فيها كل إنسان . ولكل مرحلة علامات ودلالاتها ، وعندما ينمو الإنسان يأخذ في الخروج من المرحلة التي عاشها ليدخل في المرحلة التالية حتى يتجاوزها إلى المرحلة الثالثة وهكذا . ونحن نجد بنعمة الله تقسيما موازيا لهذه المراحل السيكولوجية عند التحدث عن القامات الروحية نستخلصها من خلال تاريخ البشرية وخاصة شعب الله في الكتاب المقدس . فهناك مرحلة الإنسان قبل الناموس أو ما نسميها مرحلة آدم الأول، لأن فيها يعيش الإنسان وفقا للضمير الذى أودعه الله في آدم الذي سقط ، وعاش على الأرض بأسلوب ومنهج معين .. ، ثم هناك مرحلة أخرى اسمها مرحلة شريعة سيناء ، أو ما نطلق عليها مرحلة موسى هذه المرحلة تتسم بالوصايا الطقسية والأدبية وكافة الشرائع التي أعطاها الله لموسى على جبل سيناء . وظل شعب إسرائيل يتعامل مع الله من خلال هذه الشريعة والوصايا التي أطلق عليها الكتاب كلمة الناموس .. ولكن بمجيء الرب يسوع له المجد إلى عالمنا هذا ظهرت مرحلة أخرى ليست كسابقتها ولكنها امتداد لها نحو الكمال ، وهذه المرحلة هي التي نطلق عليها مرحلة النعمة أو الحياة حسب المسيح . وقد يحدث فى حياة الإنسان أن يمر على هذه المراحل الروحية اضطراراً مع نموه في مراحل العمر الزمني .. فيعيش أولا ابنا لآدم الأول وهو طفل .. بينما يحيا متدينا على مستوى التهود وهو مراهق ، ثم يتلامس مع النعمة ويختبر حياة الشركة والاختبار الداخلى مع المسيح . وقد يحدث في حالات بعض الناس أن يمروا على مرحلة دون أخرى وقد يحدث في حالات أخرى أن يتثبت الإنسان في مرحلة ويبقى عندها لا يستطيع أن يتجاوزها . وإذا ما أخذنا كل مرحلة بالتأمل والفحص البسيط أمكن لكل واحد منا أن يحدد . موقعه من هذا الطريق ويعرف فى أى مرحلة يعيش ، ومن أي نوع من أنواع التدين يحيا ؟!
مرحلة آدم الأول
هي مرحلة التمركز حول الذات ، تعتبر النفس فيها ذاتها محور الكون كله . تماما كما يفعل الطفل الصغير الذي ينظر إلى العالم من خلال ذاته فهو يتصور أنه : يملك كل شئ . وإذا ما امتدت يداه إلى أى شئ أعتبره ملكاً له مهما كان هذا الشئ ومهما كان صاحبه ، وهو يعجب بأبيه ويعتبره أعظم الموجودات لأنه أبوه هو ، وهو يحب أمه : لأنها تعطف على ذاته وتشبعها وتملأها حنانا وحنوا ، وهو لا يريد أن يوجد غيره من يحتل عرش الأمومة والأبوة . فإذا ما ولد صغير آخر ينافسه فإنه يغير منه غيرة مرة ، وكثيراً ما يحاول – إيذاءه .. وهو يتعامل مع الأشياء من خلال اللذة والألم . فالشئ الذي يلذ له يصبح حسنا عنده حتى لو كان ساماً ، والشئ الذى يؤلمه يكون مكروها لديه حتى لو كان . دواء شافياً .. ولهذا فهو يستخدم الفم كوسيلة استكشافية واستطلاعية لكافة الأشياء – التي يقع عليها بصره أو تلمسها يده .. وشحنة الليبدو (الغريزة الجنسية) لا تتركز عند الأعضاء التناسلية بل تكون موزعة على الجسد كله ، لهذا يجب أن يحضن ويداعب ويقبل ويلمس جسمه كله برقة وحنو شديد . أليست هذه المرحلة هي حالة آدم بعد السقوط . فشهوة الأكل أسقطته .. ولذة . التفاحة في الفم أغرته . والرغبة في التأله والاستقلال قد ملأته ، وأضحى متمركزا في ذاته ، وعلاقاته مع الآخر تلوثت ، فهو يتسلط على حواء وهي تسعى وراءه . وتشتهيه بل وقد امتدت روح الغيرة في أولاده إلى الحد الذي فيه قام قايين على أخيه هابيل فقتله
وهذه المرحلة قد يتثبت عندها الإنسان مهما كبر في العمر ومهما تقدمت به الأيام . قد يكون رجلا كبيرا بل وشيخا طاعنا ونفسيته نفسية الطفل ، وقامته الروحية لم تتجاوز مرحلة الذاتية أو (النرجسية نسبة إلى نارسيس في الأساطير اليونانية الذى كان يعجب بجمال وجهه وظل ينظر معجباً بوجهه على صفحة المياه حتى مات) وكثيراً ما يكون هذا الكبير عائشاً على مستوى اللذة والألم لم يتجاوزها إلى المراحل التالية التى هى الحلال والحرام ثم الحق والباطل ، وكثيراً ما يكون الجسد هو صاحب السلطان الأول على غالبية التصرفات والسلوك ، بل وكثيرا ما تكون أحاديث مثل هذا الإنسان كلها منصبة على تمجيد ذاته والإطناب في شرح أعماله المجيدة وانتصاراته الرائعة ، الأمور التي يمج منها الناس ويرفضونها ويشمئزون من تكرارها ويضطرون إلى سماعها عن مضض مثل هؤلاء الناس يتعبون كثيراً في حياتهم الزوجية لأن الزواج شركة بذل وعطاء وحب وانفتاح ، وكيف يمكن أن يحب من عاش أسيراً في حبس ذاته ، وكيف يمكن أن يعطى من بات ذليلا لأنانيته وعجبه وكبرياء قلبه يشرح الرسول بولس هذه المرحلة فى مواقف كثيرة وآيات عدة نذكر منها :
+ كما لم يستحسنوا أن يبقوا الله في معرفتهم أسلمهم الله إلى ذهن مرفوض ليفعلوا ما لا يليق . مملوئين من كل إثم وزنا وشر وطمع وخبث مشحونين حسداً وقتلا وخصاماً ومكرا سوءاً نمامين مفترين مبغضين الله ثالبين متعظمين مدعين مبتدعين شروراً غير طائعين للوالدين .. بلا فهم ولا عهد ولا حنو ولا رضى ولا رحمة (رو ۱ : ۲۸ – ۳١)
+ ” الجميع زاغوا وفسدوا معا . ليس من يعمل صلاحا ليس ولا واحد . حنجرتهم قبر مفتوح . بألسنتهم قد مكروا . سم الإصلاح تحت شفاههم . وفمهم مملوء لعنة ومرارة أرجلهم سريعة إلى سفك الدم . في طرقهم اغتصاب وسحق وطريق السلام لم يعرفوه (رو ۳ : ۱۲ – ۱۷) .
+ فإن الذين هم حسب الجسد فبما للجسد يهتمون .. لان اهتمام الجسد هو موت … فالذين هم في الجسد لا يستطيعون أن يرضوا الله (رو ٨ : ٥ – ٨) . إن هذه المرحلة هى التى يسميها الكتاب مرحلة الحياة حسب الجسد . مرحلة سلطان الإنسان العتيق الفاسد حسب غرور وشهوات هذا العالم .. مرحلة العبودية للخطية الكائنة في الأعضاء ، والتي ورثها كل مولود امرأة لأنه بالآثام حبل به وبالخطايا اشتهته أمه . في هذا المستوى يندرج جميع الذين راهم يوحنا في قائمة المرفوضين الذين ليس لهم نصيب في الدهر الآتى . ” وأما الخائفون وغير المؤمنين والرجسون والقاتلون والزناة والسحرة وعبدة الأوثان وجميع الكذبة فنصيبهم في البحيرة المتقدة بنار وكبريت الذي هو الموت الثاني ” (رو ۲۱ : ۸) وإذا كان أبونا آدم رقد على رجاء المسيا ونزل إليه المسيح من قبل الصليب وأدخله إلى الفردوس فإن الذين ورثوا منه خطيئته ولم يؤمنوا إيماناً حياً ولم يعيشوا على رجاء المجئ الثاني فهولاء هم الأموات بالخطية .
مرحلة موسى (الناموس)
يمكننا تصوير هذه المرحلة من خلال نظرة الإنسان إلى الله ، ونظرته إلى الآخرين ، ونظرته إلى نفسه . ففى هذه المرحلة والتى تمثلها الحياة حسب الناموس نجد أن الإنسان لا يستطيع أن يتقابل مع الله إلا من خلال الشريعة فقط . قال الشعب لموسى “تكلم أنت معنا فنسمع ولا يتكلم الله معنا لئلا نموت . فقال موسى للشعب لا تخافوا لأن الله إنما جاء لكى يمتحنكم ولكي تكون مخافته أمام وجوهكم حتى لا تخطئوا . فوقف الشعب من بعيد وأما موسى فأقترب إلى الضباب حيث كان الله” (خر ۲۰ : ۱۹ – ۲۱) قال الرب لموسى .. ” اذهب انحدر ثم أصعد أنت وهرون معك . وأما الكهنة والشعب فلا يقتحموا ليصعدوا إلى الرب لئلا يبطش بهم .(خر ۱۹ : ٢٤) وهكذا عاش شعب إسرائيل في العهد القديم لا يتواجه مع الله إلا من خلال موسى والأنبياء .. وكانت العلاقة التى تربط الشعب بالله منحصرة في عدة وصايا أدبية وطقسية ( الناموس ) يلزم ممارستها بكل دقة ، والذى يخالف واحدة منها موتاً يموت .. على أن هذا الناموس لم يستطع أن يصلح ما فسد . إنما كل الذي فعله أنه كشف الفساد الذى في الداخل كما تدخل الشمس حجرة مظلمة مليئة بالأتربة فتكشف الغبار وتوضح ما في الحجرة من أوساخ وهذا ما عبر عنه الرسول في روميه ” وأما الناموس فدخل لكي تكثر الخطية ” (رو ٥ : ٢٠) . وفي موضع آخر يقول الرسول ” لم أعرف الخطية إلا بالناموس فإنني لم أعرف الشهوة لو لم يقل الناموس لا تشته ، ولكن الخطية وهي متخذة فرصة بالوصية أنشأت في كل شهوة لأن بدون الناموس الخطية ميتة . أما أنا فكنت بدون الناموس عائشا قبلا . ولكن لما جاءت الوصية عاشت الخطية فمت أنا (رو ۷ : ٧ – ٩) ، ومعنى هذا أن كل ما عمله الناموس الذي هو روحي وصالح ومقدس أنه كشف الفساد الذي في طبيعة الإنسان . فوصية لا تشته هي التي سلطت أضواء مقدسة على الطبيعة الفاسدة الكائنة في أعماق الإنسان ، وبينت رغبات القلب وتحركاته وميوله الرديئة ، حتى التى لم تخرج إلى حيز التنفيذ وهكذا تنكشف الخطية بالوصية أنها خاطئة جدا . والرسول يشرح حالته أنه كان سابقاً قبل أن يتقابل مع الرب يسوع عائشاً حسب الناموس ولكنه كان له حرفية الناموس ، لم يكن له بر الله الذى نلناه فيما بعد في المسيح . فلما جاءت الوصية بقوتها ظهرت الخطية فى فسادها ودنسها وعاشت أيامه ظاهرة بينما ماتت عنده كل أعماله وآراءه الطيبة التي احتفظ بها عن نفسه ( البر الذاتي ) وأكد له الروح القدس أنه كان بدون المسيح ميتاً ، فعاشت الخطية ومات هو .. وهذا هو النفع الجزيل للناموس أنه كشاف كما أنه مؤدب ومربى لكى يهذب النفس ويعدها لتتقبل الحياة حسب الروح ، الحياة الجديدة التي يحيا فيها بر المسيح وليس بر الإنسان وكثير من الناس يعيشون وفقاً لروح التهود حتى ولو كانوا قد نالوا سر المعمودية وهم صغار ، إلا أنهم لم يعيشوا حسب الحياة الجديدة والولادة الثانية التي وهبت لهم مجاناً في هذا السر العظيم المقدس .
ويمكننا أن نصور مثل هذا التدين في النقاط الآتية :
١-الخوف من الله وممارسة العبادات ، لا عن حب بل عن خوف ورعب .
٢-اتباع مستوى الحرام والحلال . فالإنسان هنا دائماً يسأل هل هذا حرام أم حلال؟ لهذا يسعى وراء كل من يعطيه فتوى تحلل له أو تحرم له ؟ تماماً كما كان يفعل الفريسيون في المجتمع الذى عاشه الرب يسوع في فلسطين . هذه المراهقة النفسية والروحية تظل ثابتة في حياة الإنسان لأنه لم يتجاوز هذ المرحلة إلى حياة النعمة ، حياة حرية مجد أولاد الله . وهذه المرحلة يسميها الرسول بولس في غلاطية مرحلة الحياة عند أولاد الجارية العبدة وليس أولاد الأم الحرة ” قولوا لى أنتم الذين تريدون أن تكونوا تحت الناموس ألستم تسمعون الناموس فإنه مكتوب أنه كان لإبراهيم ابنان واحد من الجارية والآخر من الحرة .كل ذلك رمز لأن هاتين هما العهدان أحدهما من جبل سيناء الوالد للعبودية الذي هو هاجر لأن هاجر جبل سيناء في العربية . ولكنه يقابل أورشليم الحاضرة فإنها مستعبدة مع بنيها . وأما أورشليم العليا التي هي أمنا جميعاً فهي حرة .. لكن ماذا يقول الكتاب اطرد الجارية وابنها لأنه لا يرث ابن الجارية مع ابن الحرة . إذا أيها الأخوة لسنا أولاد جارية بل أولاد الحرة (غلا : ٢١ – ٣١).
٣-وأما عن نوعية التدين فهو غالباً ما يكون سطحياً وشكلياً لأن الحياة كلها مصبوغة بالخوف ومتسمة بتأدية الفرائض والواجبات وممارسة الطقوس الشكلية مع إفراغها من كل مضمون روحي وضعت لأجله . كثيراً ما نجد في كنائسنا أناس يعيشون على هذا المستوى ، يؤدون كل الممارسات ، ويحضرون كل العبادات بانتظام ، ويتممون كل الطقسيات وأما قلبهم فبعيد عن الله . مثل هذه العبادة مكروهة عن الرب . ليس العيب في الطقس والشكل ولكن العيب كل العيب فيمن تحجر عن الشكل وأفرغ الشكل من المضمون والجوهر والعمق الروحي . أما من جهة نظرة التهود إزاء الناس فهى تسير على مستوى السعى نحو إرضائهم أو إغضابهم لأن التدين في هذه المرحلة يخلو من أهم عمق له وهو ” الحق ” وهذه العلاقة تتناغم مع السطحية في التدين … وأما نظرة الموسوى إزاء نفسه فهي تمتلئ من البر الذاتي والشعور بصلاحية أعماله .. فهو دائماً يقول عن نفسه ” اللهم إنى أشكرك إني لست مثل باقي الناس الأشرار ” ، وهو كثيرا ما يحرص على الإفادة من الدين لتضخيم ذاته وتفخيمها وتسمينها .. وهو لا يطيق إطلاقاً أن يدخل سيف الحق إلى الداخل ليجرح هذه الذات المنتفخة ويصلبها ويميت أهواءها وميولها الرديئة إذ أن كثيرا ما يكون التدين هنا غلافاً سميكاً وقبراً جميلاً يخفى عظاماً نتنة .
الحياة حسب المسيح
تتميز هذه القامة الروحية بالحياة الداخلية .. ” ها ملكوت الله داخلكم ” . فالله هنا ليس بعيداً عن الإنسان وليس مجرد شرائع وطقوس وممارسات ولكن الله هو نور وحياة في داخل الإنسان ” أنا فيهم وأنت فى ليكونوا مكملين إلى واحد ” (یو ۱۷ : ۲۳) . فالذي نال الولادة الثانية بالمعمودية ، والتقديس والتثبيت بسر الميرون ، وتناول جسد الرب ودمه الأقدسين باستحقاق في جوفه وأحشائه كيف لا يحيا الله داخله ؟! إن الرب يسوع نقل الإنسان من المستوى الموسوى إلى الحياة حسب النعمة والحق ” لأن الناموس بموسى أعطى ، أما النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا ” (يو ۱ : ۱۷) . وماذا يقصد بالنعمة ؟! النعمة هي العطايا الغنية التي أخذناها مجانا وصار لنا استحقاقها من خلال التجسد والصليب والفداء والقيامة وصعود المسيح إلى السماء . فالمؤمن بالنعمة يتبرأ من خطية آدم وينال بر المسيح .
+ والمؤمن بالنعمة يتقدس أى يحيا المسيح فيه فيقدس كيانه ويصير جسده هيكلا للروح القدس.
+ والمؤمن بالنعمة يصبح ابناً . وبالنعمة يخلص ” بالنعمة أنتم مخلصون ” ، ومن خلال وسائط النعمة ينال كل هبة سماوية بواسطة الروح القدس العامل في الكنيسة . هذه النعمة هي التي عبر عنها بولس في رسالته إلى أفسس أعظم تعبير بقوله مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح الذي باركنا بكل بركة روحية في السماويات في المسيح . كما اختارنا فيه قبل تأسيس العالم لنكون قديسين وبلا لوم قدامه في المحبة . إذ سبق فعيننا للتبنى بيسوع المسيح لنفسه حسب مسرة مشيئته . لمدح مجد نعمته التي أنعم بها علينا في المحبوب . الذي فيه لنا الفداء بدمه غفران الخطايا حسب غنى نعمته . التي أجزلها لنا بكل حكمة وفطنة . إذ عرفنا بسر مشيئته حسب مسرته التي قصدها في نفسه . لتدبير ملء الأزمنة ليجمع كل شئ في المسيح ما في السموات وما على الأرض في ذاك الذى فيه أيضاً نلنا نصيبا معينين سابقاً حسب قصد الذي يعمل كل شئ حسب رأى مشيئته . لنكون لمدح مجده نحن الذين قد سبق رجاؤنا في المسيح (أف ۱ : ۳ – ۱۲) .
ومن خلال هذا النص المقدس يمكننا أن نبين أن غنى النعمة قد بين لنا :
١-أننا مختارون من عند الرب من قبل تأسيس العالم .
٢-أننا مدعوون لنكون قديسين وبلا لوم قدام الأب من خلال الخلاص الموهوب لنا من الابن .
٣-أنه لنا الفداء غفران الخطايا بدم الصليب.
٤- أنه عرفنا بأسراره الإلهية ومقاصده الأزلية وأنه لنا نصيب فيه حسب قصد الذي يعمل كل شئ حسب رأى مشيئته .
٥- أن هدف هذه النعمة التي أعطتنا الحرية والتبنى والفداء والتبرير والتقديس وكل بركات الخلاص .. هدفها النهائى هو جمع كل شئ في المسيح ليكون المسيح هو الكل في الكل . وباختصار فإن القديس أثناسيوس يقول : لقد صار الله إنساناً لكي يصير الإنسان بنعمته إلها .. وهذه الشركة في الألوهة هى التى تكلم عنها إيريناوس والتي عبر عنها الرسول بطرس في رسالته بقوله ” كما أن قدرته الإلهية قد وهبت لنا كل ما للحياة والتقوى بمعرفة الذي دعانا بالمجد والفضيلة . اللذين بهما قد وهب لنا المواعيد العظمى والثمينة لكى تصيروا بها شركاء الطبيعة الإلهية (ابط ١: ٣، ٤ ) . وأما الحق فهو الشق الثاني من التدين المسيحى الحقيقي ، فالرب يسوع أعطانا نعمته لكي نشهد له . ” وتكونون لى شهوداً في أورشليم وفي كل اليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض ” (أع ۱ : ۸) . والكنيسة الحقيقية تسمى الكنيسة الشاهدة لأنها تشهد لعريسها ومخلصها بحياتها وسلوكها ومحبة أعضائها وطهارتهم وعفتهم وتجردهم وطول آناتهم … وتشهد أيضا أن يسوع حى فيها وأنه لا يزال يعمل في التاريخ وأن إنجيله إنجيل معاش و عملى وليس مجرد نظريات أو أيديولوجيات أو شرائع وقوانين وعظات : الكلام الذي أنا أكلمكم به هو روح وحياة ” .. لقد أثبتت كنيسة الرسل بحياتها أن كلامه حياة ، وأثبتت بروحها أن الابن لا يزال يعمل بالروح القدس فيها ولقد كانت شهادة المسيحيين الأوائل شهادة جريئة حارة أمينة إذ يقول سفر أعمال الرسل ” وبقوة عظيمة كان الرسل يؤدون الشهادة بقيامة الرب يسوع ونعما عظيمة كانت على جميعهم ” (أع ٤ : ٣٣) . وفي هذه الآية المقدسة تتلاءم النعمة مع الشهادة للحق . لأن الشهادة بدون النعمة مرفوضة إذ تصبح شهادة شياطين أو مزيفين ، والنعمة بدون شهادة تكون كنور وضع تحت مكيال ، ووزنة طمرت في الرمال . والذي يميز حياة أولاد الله هو ذلك الروح الواحد والقلب الواحد والإيمان الواحد والمحبة الواحدة إذ يقول الكتاب المقدس وكان لجمهور الذين آمنوا قلب واحد ونفس واحدة ولم يكن أحد يقول إن شيئاً من أمواله له بل كان عندهم كل شي مشتركا . ” (أع ٤ : ٣٢) . وهذه الحياة الخارجية تعبير عن أعماق الحياة الداخلية فالمحبة أثمرت مودة والاتضاع والقداسة أثمرت شركة .. والمسيحية الحقة أظهرت كنيسة واحدة مقدس جامعة رسولية . فالحياة المسيحية ، من منظار كنسى ، هي حياة أولاد الله مجتمعين معا بروح متذكرين وصية الرب ووعده بالمجئ الثانى اللاتى المخوف المملوء مجداً متناولين من الجسد والدم الأقدسين مجددين العهد مع المخلص أن يعيشوا وفقا للإنجيل الذى إليه دعاهم .. ” فقط عيشوا كما يحق لإنجيل المسيح حتى إذا جئت ورأيتكم أو كنت غائبا أسمع أموركم أنكم تثبتون في روح واحد مجاهدين معاً بنفس واحدة لإيمان الإنجيل ” (في ۱ : ۲۷) .
أيها الحبيب
+ إن كنت تعيش حسب الجسد متمركزا حول الذات فأنت لا تزال تحيا لآدم لأن الأول ، هذه الحياة التي عبر عنها الرسول إن كل من يحيا فيها يكون ابناًللغضب وآنية للهلاك . وإن كنت تعيش حسب الناموس متمماً الفرائض والطقوس لا تمس لا تجس لا تذق . فهذا التهود لا يصلح لشئ سوى أن يبرر ذاتك أمام نفسك ، ولكنه لا يمنحك البر الذي في المسيح . إما أن كنت قد اختبرت المسيح في قلبك وذقت النعمة وتمتعت بحرية مجد أولاد الله فتمسك بالذي عندك وجاهد وثابر على احتمال الآلام وأثبت مع إخوتك المؤمنين مجاهداً معهم بنفس واحدة لإيمان الإنجيل.
المرجع : كتاب موسوعة الانبا بيمن ( صفحة ٢٣٥٥- ٢٣٦٥) – إصدار مطرانية ملوي وأنصنا والأشمونين
المتنيح الأنبا إبيفانيوس أسقف ورئيس دير القديس أنبا مقار
المسيح نُور العالم
“ثم كلمهم يسوع أيضاً قائلاً: أنا هو نور العالم. من يتبعني فلا يمشي في الظلمة، بل يكون له نور الحياة” (يو٨: ١٢).
العتمة تسود:
قبل مجيء المسيح واستعلانه كنور للعالم، كان الظلام الروحي يعم الأرض، ومن جراء احتجاب النور الإلهي، كان الأنين من سلطان الظلمة على الطبيعة البشرية غصة ألم مكتومة في صدور الأتقياء، حسبما يصف الكتاب المقدس البار “لوط” قائلاً عنه: “إذ كان البار، بالنظر والسمع وهو ساكن بينهم، يعذب يوماً فيوماً نفسه البارة بالأفعال الأثيمة” (٢بط ٢: ٨).
كانت ظلمة الخطية قلعة حصينة في مدينة الموت أرض شقائنا، استطاع عدو جنسنا أن يوجه سهامه منها إلى الناس، كما استطاع من طول زمان حكمه من قلعة الظلمة هذه أن يجد لظلمته مساراً وطريقاً داخل نفس الإنسان؛ حتى تغلغلت في كيانه كله.
ومن خلال عمل الظلمة في الإنسان، استطاعت الخطية أن تجسّم فيه صفات الإنسانالعتيق، بعد أن انطمست الصورة الإلهية داخل الإنسان.
وفي مجال الظلمة خلا الجو لسلاطين الموت لكي تبدد وتهلك قطيع البشرية، حتى ملكتوسيطرت على ميول الإنسان. وصارت هذه الميول هي المجال المحبب والأدوات المناسبةالتي خلالها نفت عدو الخير سموم شره في قلب الإنسان فأفسد طريقه: “ورأى اللهالأرض فإذا هي قد فسدت، إذ كان كل بشر قد أفسد طريقه على الأرض» (تك ٦: ١٢). حتى الأفكار والتصورات والغرائز الفطرية المجبولة حسناً في الإنسان، وضعهاالعدو تحت تصرفه، وطرح عليها نيره فأمست هي وقيد النار الذي يشعل به لهيبالشهوة داخل كيان الإنسان: “كل تصور أفكار قلبه إنّما هو شرير كل يوم” (تك٦: ٥).
وعلى صعيد ظلمة بني الإنسان، اكتسى وجه البشرية بعرق كد السنين، وعاشتالتعاسة والحرمان، وامتلأت من السامة والملل، وعانت من العجز وفراغ النفس. وفوقذلك فقد حفرت الظلمة لها خطوطاً عميقة في أرض النفس، ورمى العدو بذور زوانهفيها، حتى أثمرت ثمراً رديا.
ومن جراء سيادة الظلمة، وتملك الخطية على الأعضاء، وسيطرة الشهوة على الغرائزتسيّدت العتمة على الإنسان المطرود من حضرة الله، فهبط من علو الشركة الحية معالله (في الفردوس) إلى حضيض الترابيات، كقول الله لآدم، “لأنك تراب، وإلى ترابتعود” (تك٣: ١٩).
وقد زاد من مرارة الإنسان شعوره بالفقر والإفلاس الروحي معاً من كل ميراث روحي،إذ صارت البشرية كلها “شعب منهوب ومسلوب. قد اصطيد في الحفر كله» (إش٤٢: ٢٢). وأضحت الظلمة غماماً كثيفاً ينتشر على وجه الأرض ويغطي كل ساكنيها: “لأنهها هي الظلمة تغطي الأرض والظلام الدامس الأمم” (إش ٦٠: ٢).
الرجاء يتجدّد:
ومع شعور الإنسان بإفلاسه، وإحساسه بالموت يسري في كيانه، رفعت البشريةوجهها إلى فوق تترجى الخلاص:
فيعقوب أبو الأسباط يتنهد منتظراً الخلاص فيقول: “لخلاصك انتظرت يا رب” (تك٤٩: ١٨). وظل الإلحاح شديداً من قبل البشرية – في شخص الأنبياء – في طلب إشراقالنور والخلاص: فداود النبي يصرخ: “یا الله أرجعنا، وأنر بوجهك فنخلص” (مز ٨٠: ٣)، ويتوسّل قائلاً: “أرسل نورك وحقك” (مز٤٣: ٣). ويواصل صراخه: “أضئ بوجهكعلى عبدك. خلصني برحمتك. يا رب، لا تدعني أخرى لأني دعوتك” (مز ٣١: ١٦و۱۷).
استجابة الله لصراخ الإنسان
وينظر الله إلى ظلمة الإنسان وبؤسه، فيرثي لحال كل بني المذلة، ويستجيب لصراخالبائسين. وتأتي الاستجابة على لسان الأنبياء الناطقين بروح الله، لتعلن قرب مجيءالنور الذي سيعوض عن تعب السنين ومشقتها، ويبدل عناء الإنسان وبؤسه ومرارةعبوديته، بحلاوة عتقه من قيود الظلمة، واسترداده من بين أنياب الموت، ورد الإنسانالغارق في ظلمة الأحزان إلى الله مصدر عزائه دفعة أخرى:
فأيوب الصديق يفرح بشروق النور على حياته، وخلاصه من حفرة الهلاك، فيقول: “فدى نفسي من العبور إلى الحفرة فترى حياتي النور” (أي٣٣: ٢٨).
وإشعياء النبي يعزي النفس البشرية قائلاً لها: «لأنه قد جاء نورك، ومجد الرب أشرقيعليك، (إش٦٠: ١)، ويبشر الجالسين في الظلمة قائلاً ” الشعب السالك في الظلمةابصر نوراً عظيما، الجالسون في أرض ظلال الموت أشرق عليهم نور” (إش٩: ٢) .
وكذلك ناحوم النبي يكرز بالدفء للقلوب التي جمدها صقيع البعد عن الله، فيقول: “فييوم البرد، تشرق الشمس» (نا ۳: ١٧).
وزكريا النبي يبشر البشرية التي أمسى عليها الزمان، وتراكمت عليها الظلمة وكأنهافي مساء دائم قائلاً: “وقت المساء يكون نور” (زك ١٤: ٧).
وأيضاً ملاخي النبي يهتف فرحاً لشفاء البشرية من أمراض ظلمة الخطية وعطبها منكل بر، بانسكاب أشعة شمس البر عليها قائلاً: “تشرف شمس البر والشفاء فيأجنحتها” (ملا ٢:٤).
استعلان النور:
وأخيراً، وفي ملء الزمان، جاء المسيح وأعلن نفسه كنور حقيقي صادر من عند الآب: “خرجت من عند الآب، وقد أتيت إلى العالم” (يو ١٦: ٢٨)، تدفعه وتحركه قوة الحب الكامنة فيه من جهة خلاص الإنسان من سلطان الظلمة، وتحطيم حواجزها التينشأت من جراء معصية الإنسان.
جاء المسيح كبهاء مجد الآب، ليلاشي الضباب المتكاثف على قلوب الناس، ويحررهممن سلاسل الظلمة التي أسرتهم واستولت عليهم: “كي يرجعوا من ظلمات إلى نور،ومن سلطان الشيطان إلى الله” (أع٢٦: ١٨).
جاء ليفك عن النفوس حصار العتمة، وينير كل نفس محبوسة وراء أسوار ظلمة العبوديةللشهوات: “لتخرج من الحبس المأسورين من بيت السجن الجالسين في الظلمة” (إش٤٢: ٧).
جاء ليريح التعابى والمتضايقين، والذين من كثرة يأسهم تراءى لهم أن الحياة ليل لايعقبه نهار، ولكيما يحمل أثقال كل القلوب التي انسحقت تحت عبء أحمال الهموموالآلام، داعياً إياهم: “تعالوا إلي يا جميع المتعبين الثقيلى الأحمال، وأنا اريحكم” (مت۱۱: ٢٨). جاء النور الحقيقي كقوة حياة جديدة ليوقف تيار الإثم عن السريان فيكيان الإنسان، ليقيم وينقذ كل الغارقين في بحار الظلمة ويحيي من جديد كل من جرفهتيار الموت: “إرحمني يا رب. انظر مذلتي من مبغضي، يا رافعي من أبواب الموت” (مز٩: ١٣)، “أما أنا فقد أتيت لتكون لهم حياة” (یو ۱۰: ۱۰).
على عتبة الإحساس بدخول النور:
طالما لم تكن هناك موانع – من جهة الإنسان – تقف في وجه النور ليدخل ويعمل، فهويبدأ عمله حالاً، وإن كان بطيئاً وعلى مهل، ولكن أثره يكون واضحاً جلياً يوماً بعد يوم.
وإزاء دخول النور إلى القلب يبدأ الإنسان بمؤازرة روح الله حسب الآية: “إن كنتمبالروح تميتون أعمال الجسد فستحيون ” (رو ٨: ١٣) في إماتة الإنسان العتيق – بكلصفاته وشهواته القديمة – لكي يترك المجال لبذرة الإنسان الجديد أن تطلع وتنمو. وعندئذ تبدأ صورة الإنسان الجديد المخلوق بحسب الله في البر وقداسة الحق أن تأخذفي الظهور.
وإذ يدخل النور إلى القلب وهو محمل بالحياة، ينساب تيار الحياة فيالقلب كسريان النهر المتدفق الذي يكتسح أمامه كل مخلفات الظلمة وآثارها. لذلك فهوسمى “نور الحياة” أي النور الذي يحمل الحياة في أشعته، فيدخل ليحيي من موتالخطية ويقيم من القبور: “من يتبعني فلا يمشي في الظلمة بل يكون له نور الحياة” (يو٨: ١٢).
ولا يكف النور عن عمله حسب قول الرب: “أبي يعمل حتى الآن وأنا أعمل” (يو٥: ١٧)؛ بل يستمر في عمله حتى يفطم النفس عن الملذات والنزوات الماضية التي كان يشرب منها بلا ارتواء. وبفعل النور المتواصل تقل الاستجابة لإلحاح الغريزة ومتطلبات الشهوة، حتى يجيء اليوم الذي يدوس عليها الإنسان برجليه، ويشمئز من كل أعمال الظلمة: “النفس الشبعانة (من عمل النور) تدوس العسل” (أم٢٧: ٧).
فالنفس تجد شبعها الحقيقي في كلمة الله التي هي نور، وفي وسائط النعمة المغذية لبذرة الحياة في الداخل. ومع التسليم والخضوع لعمل النور، يبدد النور كل قلق ومخاوف في الداخل ليحل محلها السلام والهدوء والفرح وراحة الضمير: “سلاماً أترك لكم. سلامي أعطيكم” (يو ١٤: ٢٧).
وبطبيعة عمل النور كنور، فهو يضيء الطريق الروحي أمام الإنسان، ويقود خطواته في طريق السلام: “يهدي أقدامنا في طريق السّلام” (لو١: ٧٩)، “سراج لرجلي كلامك ونور لسبيلى” (مز١١٩: ١٠٥)؛ كما يتولى تنبيه الإنسان وتحذيره من كل المعاثر وحفر الهلاك: “لأن الرب يكون معتمدك، ويصون رجلك من أن تؤخذ” (أم٣: ٢٦).
أبناء نور وأبناء نهار:
الإنسان العائش في الظلمة إما أنه يحاول التملص من سلطان النور فيبقى في الخطية؛ وإما أنه بتصميم القلب على السير في طريق النور وأمام قوة عمل النور، تبدأ الظلمة تتراجع إلى الوراء شيئاً فشيئاً حتى يملك النور على القلب ويملأ كل جوانبه ويصير سنداً قوياً ومعيناً جباراً لكل من يصارع ويجاهد ضد أباطيل ظلمة العالم.
ولا يقف عمل النور عند حد المعونة والسند، بل يصير هو نفسه القائد الأول على خط النار في المعركة الضارية بين مملكة النور ومملكة الظلمة، ليصد هجوم الخطية. كما يستعلن النور عمله كقوة إلهية فتبطل عمل الأعداء غير المنظورين، وترد السهام النارية الموجهة إلى أولاد الله من قوات الظلمة: “صنع قوة بذراعه. شئت المستكبرين” (لو١: ٥١)، “الله لنا ملجأ وقوة” (مز٤٦: ١)، “لأنه بسلطان وقوة يأمر الأرواح النجسة فتخرج” (لو٤: ٣٦).
ومنذ مجيء المسيح، وإلى يومنا هذا، وحتى مجيئه الثاني سيظل الصراع قائماًوالحرب بلا هدنة بين النور والظلمة. لذلك يوصينا الرب محذراً إيانا: “سيروا ما دام لكمالنور لئلا يدرككم الظلام” (يو ١٢: ٣٥).
ولكن من دواعي سرورنا، أنه بحضور النور الإلهي إلى عالمنا، استُعلن ملكوت اللهملكوت النور الأبدي أتى النور إلى أرضنا وأبى أن يفارقها بل امتد وتعمق حتى تغلغلطبيعة الإنسان ذاته فولده من جديد، وبدأت ملامح النور تتكامل داخل الإنسان حتى تشكل وتمخض عن إنسان جديد بطبيعة جديدة وعطايا صالحة من عند أبي الأنوار.
وباندفاق النور على أرضنا لم تعد الطبيعة البشرية سقيمة أو عقيمة، بل صار قمحبرها ملآناً في السنبل، أي الحياة ملآنة من ثمار الروح القدس: “محبة فرح سلام، طولأناة لطف صلاح، إيمان وداعة تعفف” (غل٥: ٢٢، ٢٣) .
ومع بزوغ النور في قلوب المولودين من فوق، تنقطع الصلة التي كانت تربط قلوبهم وأفكارهم بالأرض وشهواتها؛ وتصير سيرتهم في السموات، ولا يعودون يطأطئ ونرؤوسهم وينحنون لنير العدو وسلطانه، ولا تعود ميولهم وعواطفهم سائبة تتجه أين ماأرادت، إذ تنضبط وتخضع لعمل الله ولتتميم مشيئته: “أن أفعل مشيئتك يا إلهي سررت” (مز ٤٠: ٨)، “أقمع جسدي وأستعبده” (اکو ۹: ٢٧). ومن جراء استضاءةالنفوس بنور الله، رأينا من هذه النفوس قمماً شوامخ مثل الشهداء الأبرار الذين فرطوافي حياتهم ولم يفرطوا في النور الذي احتواهم وملك عليهم.
كما رأينا أشجاراً فارعةظليلة، استظل تحت غصون برها كثيرون. وهكذا مع استعلان النور في عالم الإنسان،انحسر عنه سلطان ملاك الظلمة وتضاءل نفوذه: “الآن يطرح رئيس هذا العالم خارجاً” (يو ١٢: ٣١)، وصار رأس الظلمة ورئيسها فاقداً قوته أمام كل السائرين في طريقالنور كأبناء نور وأبناء نهار.
يقول القديس كيرلس الكبير:
[ إن كلمة الله ينير كل إنسان آت إلى العالم ليس عن طريق التعليم، كما يفعل الملائكةمثلاً أو الناس، ولكنه عن طريق الخلق كإله يبث في الذين يدعوهم إلى الوجود بذرةالحكمة والمعرفة الإلهية، ويغرس فيهم أصل الفهم، وهكذا يجعل الكائن الحي عاقلاً،وشريكاً لطبيعته الخاصة، إذ يشع في ذهنه إشعاعات من النور الأسنى بالكيفية التييعلمها هو، وأعتقد أن الكلام الكثير غير جائز في هذه الأمور… والخليقة حينما تستنيربشركة هذا النور، فإنها تُدعى بل وتكون نوراً (مت ٥: ١٤)، وترتقي إلى ما يفوقطبيعتها الخاصة،
بنعمة الذي يمجدها ويكللها بكافة الكرامات… فالرب يتعطف حقاً على الصغار،الأدنياء بحسب طبيعتهم الخاصة، ويجعلهم عظماء وجديرين بأن يتعجب منهم بسببإحسانه عليهم، لأنه كإله أراد أن يسبغ علينا خيراته الخاصة بسخاء، ولذلك يدعونا آلهة(يو١٠: ٣٤)، ونوراً (مت ٥: ١٤)، وأي الخيرات لم يدعنا إليها؟!] شرح إنجيل يوحنا١: ٩
ويتأمل الآباء في نور قيامة المسيح:
[ الآن أضاءت علينا إشعاعات من نور المسيح المقدس، وأشرقت علينا أضواء صافية من الروح القدس النقي، وانفتحت علينا كنوز سماوية من المجد والألوهة. لقد ابتلع الليل الكثيف الحالك، وانقشع الظلام الدامس واختفى ظل الموت الكئيب .
الحياة امتدت وشملت كل واحد، وامتلأ الجميع من النور غير المحدود.
الفجر الجديد أشرق على الجميع، والمسيح العظيم القوي غير المائت الذي قبل كوكبالصبح (مز ۲:۱۰۹) بل وقبل كل الأجسام المنيرة، صار يضيء الآن على الجميع أكثرمن الشمس. بسبب ذلك أوجد لنا نحن المؤمنين به يوماً جديداً مضيئاً عظيما أبديا لاينقص نوره،
إنه الفصح السري الذي كانوا يحتفلون به رمزيا في الناموس، ولكنه الآن اكتملبالتمام في المسيح. إنه الفصح العجيب، إبداع فضيلة الله وفعل قوته، العيد الحقيقيوالتذكار الأبدي الذي فيه تبع انعدام الآلام من الألم، وعدم الموت من الموت، والحياة منالقبر، والشفاء من الجروح، والقيامة من السقوط، والصعود إلى أعلى (السموات) منالنزول إلى أسفل (الجحيم)].
عظة فصحية من القرن الثاني، محفوظة ضمن كتابات ق. يوحنا ذهبي الفم[16]
المتنيح القمص تادرس البراموسي
اليوم الثلاثون من شهر كيهك المبارك
به كان كل شئ وبغيره لم يكن شئ مما كان (يو ۱: ١ – ١٢)
كتب الآباء الرسل الأطهار عن سلسلة نسب الرب يسـوع وعـن حياته وكرازته ومعجزاته ابتدأ القديس متى الإنجيلي عـن نسـب الرب يسوع بالنسبة للأمة اليهودية فابتدأ من إبراهيم إلى أن وصل للقديس يوسف النجار خطيب القديسة العذراء مـريم . مـاراً بكل الأحداث من كل حقبة من حياة الأمة اليهودية وكتب عـن مـيلاد الرب يسوع من العذراء ريم والأحداث التي مرت بها من بشـارة الملاك والحبل والولادة وماذا حدث ليوسف وكيف كان موقفه مـن ذلك وظهور الملاك له وطمئنه وقداسة يوسف لعبت دور كبير فيهذا الموضوع مما جعله يحتمل ويصبر وهروبه بالطفل إلى مصر حسب قول الملاك ورجوعه من مصر ليتم القول من مصر دعوت إبنى وكتب الكثير من المعجزات وعماده من يوحنا وعن صـومه وتجربته في البرية وكثير من تعاليمه ودخولـه أورشـليم كملـك منتصر وتقديمه جسده ودمه وتأسيسه لهذا السر العظـيم .
وآلامـه وموته وقيامته من الأموات وكتب القديس مرقس الإنجيلـي عنـه كابن الله ويوحنا المعمدان الذي جاء ليعد الطريق أمامـه وعمـاده أيضا من يوحنا وظهور الثالوث القدوس .
الروح القدس مثل حمامة نازلاً عليه والابن في الأردن والأب من فوق ينادى هذا هو الحبيب الذي به سررت وخروجه إلى البرية وتجربة الشيطان له وعيشته وسط الوحوش وخدمة الملائكة له وكتب عن دخوله مجمع اليهود وكرازته كمن له سلطان وليس كالكهنة ومعجزاته ومحاربة اليهود له على الشفاء في يوم السبت وكثيراً من الأمثلـة وحادثـة التجلي واختياره لتلاميذه وتسليم يهوذا له وآلامه وموتـه وقيامتـه وأنكار بطرس له وظهوره لمريم المجدلية بعـد قيامتـه ولـبعض التلاميذ أيضاً وأعطاهم سلطان الكهنوت وقال لهم يحملون حيـات مميتة وأن شربوا شيئا مميتا فلا يضرهم ويضعون أيـديهم علـى فيبرأون .
وكتب القديس لوقا عن بشارة الملاك للسيدة العذراء وعن القـديس يوسف وأنه من بيت داود وقبول السيدة العذراء للبشارة وترنمهـا بالتسبحة المنسوبة إليها وأيضاً كتب عن ميلاد يوحنا وأنه السـابق للرب يسوع وهو سيعد الطريق أمامه وعن الرعاة وظهور الملاك لهم وترنم الملائكة بالسلام في ميلاد الرب يسوع وختانه ودخولـه الهيكل وسمعان الشيخ عندما حمله وقال الآن يا سيد تطلق عبـدك بسلام . وحنة بنت فنوئيل وكتب عن نسب الرب يسوع مـن القمـة للقاعدة أي من يوسف بن هالي إلى شيث إبن أدم وقال هكذا وإن الله . لتنسب الأبوة للقديس يوسف لأنه كان يحدث كثيراً في إسرائيل أن المربي يدعى آب .
وكتب كثيراً من المعجزات وإشباع الجمـوع وأمثلة كثيرة عن ملكوت السموات وعن الخدمة والرعاية واختيار التلاميذ والسبعين رسولاً وعن محاكمة الرب يسوع وصلبه وموته وقيامته وانشقاق حجاب الهيكل كعلامة وابطال الكهنوت اليهودي ووعده للتلاميذ بحلول الروح القدس عليهم وفيما هو يباركهم إنفرد عنهم وصعد إلى السماء فسجدوا له ورجعوا إلى أورشـليم بفـرح عظيم. أما يوحنا فانفرد وحده بالكتابة عن لاهوت السـيد المسيح وأزليته ومساواته للآب فقال في أول إنجيله في البدء كـان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله .
كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان فيه كانت الحياة أعنى أنه الله الكلمة ولم تكـن حيـاة بدونه وهو أيضا النور لأن بغيره لم يكن نور كتـب عـن شـهادة يوحنا المعمدان له قال كان في العالم والعالم به كون .
أعنـى هو الخالق وهو الرازق وهو الذي فيه نسمة حياتنا كتـب عن تنكر اليهود له فقال جاء إلى خاصته وخاصته لم تقبلـه كـانـت فرص عظيمة للأمم الذين آمنوا به . والذين قبلوه أعطاهم سـلطان لكـى يصيروا أبناء الله أي المؤمنين بإسمه والذين ولدوا من الله بإيمانهم بالرب يسوع وتكلم عن السامرية الخاطئة وعن كثير من معجزاتـه وعن تأسيس الرب سر الإفخارستيا وكتب عن إيمان التلاميذ وأنـه إبن الله وعن علاقة الرب يسوع بالله الآب ويعوزنا الوقت للكتابـة عن يوحنا الذي سمى بالحبيب وكان يسوع يحبه وهو الذي وقـف عند الصليب وهو الذي كلفه الرب يسوع بالعناية بالسيدة العـذراء عندما قال له هذه أمك وقال للسيدة العذراء هذا إبنك[17].
المتنيح الدكتور موریس تاوضروس
ميلاد السيد المسيح
تحدث عن هذا الميلاد متى البشير فقال أما ولادة يسوع المسيح فكانت هكذا . لما خطبت مريم أمه ليوسف فقبل أن يتعارفا وجدت حبلى من الروح القدس . وكان يوسف رجلها باراً فلم يرد أن يشهرها فارتأى تخليتها سرا . وفيما هو مفكر في ذلك اذ تراءى ليوسف ملاك الرب في حلم قائلا . يا يوسف ابن داود لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك . لأن الذي تلده هو من الروح القدس فستلد ابنا وتدعو اسمه يسوع.
لأنه هو الذي سيخلص شعبه من خطاياهم . وكان هذا كله ليتم ما قاله الرب بالنبي القائل ..ها إن العذراء تحبل وتلد ابنا ويدعى اسمه عمانوئيل . الذي تفسيره الله معنا فلما نهض يوسف من النوم فعل كما أمره ملاك الرب وأخذ مريم امرأته . و لم يعرفها حتى ولدت الابن ودعا اسمه يسوع ،.(مت ۱: ۱۸ – ٢٥)
وتحدث أيضا لوقا البشير فقال : و حدث في تلك الايام أن صدر أمر من الملك أوغسطس بأن تكتتب جميع المسكونة . وهذا الاكتتاب الاول جرى اذ كانكيرينيوس، اليا على سوريا فمضى الجميع كل واحد الى مدينته ليسجلوا أسماءهم . وصعد يوسف أيضا من الجليل من مدينة تسمى ناصره الى اليهودية الى مدينة داود التي تدعى بيت لحم لأنه من بيت داود ومن عشيرته ليسجل اسمه مع مريم المخطوبة له وهى حبلى .
فأتفق وهما هناك أن تمت أيامها لتلد ،، (لو ۱:۲ – ۷) وكذلك تحدث يوحنا البشير فقال : والكلمة كان عند الله وكان الله الكلمة هذا كان في البدء عند الله، كل شيء به كان و بغيره لم يكن شيء مما كان ، فيه كانت الحياة والحياة كانت نور الناس (يو ١ – ٤) كان النور الحقيقي الذي ينير كل انسان آتياً الى العالم ، كان في العالم وكون العالم به ولم يعرفه العالم الى خاصته جاء ،، (یو ۱ : ۹-۱۱) والكلمة صار جسدا وحل بيننا ورأينا مجده مجدا كما لوحيد من الأب مملوءا نعمة وحقا (يو ١ : ٤)… يلاحظ من المقابلة بين ما ذكره البشيرون الثلاثة أن متىولوقا أهتما بالحديث عن الميلاد الجسدي (الزمني ) أما يوحنا فقد اهتم بالحديث عن الميلاد الروحي ( الازلى )وهو ما يجب أن نتأمل فيه الان باعتباره يسبق في الزمان .
الميلاد الازلي
يبدأ يوحنا انجيله على النحو الذي بدأ موسی به سفر التكوين بعبارة ” فالبدء ” غير أن استعمال العبارتين يختلف فقد قصد موسى أن يتكلم عن بده المخلوقات فيذكر التسلسل الذي تمت فيه الخلقه و يقدم المخلوقات الواحد عن الآخر بحسب زمن خلقتها الى أن ينتهى الى خلقة الانسان ومن أجل ذلك فهو يقول : “في البدء خلق “، أما بالنسبة ليوحنا فان عبارته هنا لا يقصد بها بدء الخليقة بل البدء الأزلي أي أن البدء بالنسبة للكلمة. “في البدء كان “، هو بدءلا يتعين في زمن أو هو بدء غير زمنى فالكلمة لم يظهر فقط عند التجسد ولكنه كان منذ الازل يباشر عمله ومن العبارات التي يمكن أن تؤدى هذا المعنى عبارة يوحنا نفسه في رسالته الاولى : “الذي كان من البد. “(١يو ١ : ١)
– كذلك تحدث عن هذا البدء سليمان الحكيم في سفر الامثال وهو يتكلم بلسان الحكمة والرب قناني أول طريقة من قبل أعماله منذ القدم
– منذ الازل مسحت منذ البدء منذ اوائل الارض اذ لم يكن غمر أبدئت واذ لم تكن ينابيع كثيرة المياه من قبل أن تقررت الجبال قبل التلال أبدئت . اذ لم يكن قد صنع الارضبعد ولا البراري ولا أول أعفار المسكونة لما ثبت السموات كنت هناك أنا .
لمارسم دارة على وجه الغمر ، ما أثبت السحب من فوق لما تشددت ينابيع الغمر، لما وضع للبحر حده فلا تتعدى المياه تخمة لما رسم أسس الارض ، كنت عنده صانعا وكنت كل يوم لذته فسحة دائما قدامه ، فرحة في مسكونة أرضه ولذاتي مع بني آدم (أم ٨ : ٢٢ – ۳۱) وكلمة ” لوغوس ” الكلمة التي تطلقهنا على الاقنوم الثاني من الثالوث الأقدس تعنى أن علاقة الابن بالاب كعلاقه الفكر بالنسبة للعقل ، ان الله عقل أزلى و ابن الله هو كلمة العقل الأزلى والكلمة هنا لا يقصد بها الحديث أو القول لأن الكلام بهذا المعنى يصدر عن المتكلم في زمن متأخر عن المتكلم نفسه وليس هذا المسيح” كلمة الله “والكلام مجموع مقاطع وحروف خالية من الحياة وليس كهذا الله” الكلمة ” كذلك فانهلا يمكن وصف الاقوال “إنها كانت الإنسان ” على نحو ما قيل عن الكلمة وكان الكلمة الله ” ذلك لأن المسيح الكلمة” هو “الله ” ذاته هو الله كله لأن الله كله عقل لا يمكن أن يوجد دون” كلمة ” إذ كما انه لا يمكن أن يوجد العقل دون الصور الذهنية التي تؤلف ذاته وكيانه لأن العقل ليس هو الا مجموعة هذه الصور الذهنية هكذا من غير الممكن أن يوجد الله بدون كلمته من حيث أن الكلمة هو صورة الله الذاتية ـ لذلك فان بولس الرسول و إن كان يستعمل عباره ” صورة الله ” عن الانسان كما يستعملها عن السيد المسيح إلا أنه يفرق بين الاستعمالين لأن المسيح وحده يطلق عليه بولس الرسول مباشرة عبارة ” صورة الله ” (٢کو ٤ : ٤ – کو ١: ١٥) بينها عندما يتكلم عن الانسان يستعمل عبارة “حسب صورة خالقه “(کو ۳ : ۱۰) .
ويوحنا هو الوحيد الذي استعمل ” اللوغوس ” بهذا المعنى فهو يقول أيضا في سفر الرؤيا ( وهو متسربل بثوب مغموس بدم ويدعى اسمه كلمة الله ) (رؤ۱۹ : ۱۳) وقد استعمل بولس الرسول عبارة (كلمة الله ) (عب ١٢:٤) وإن كان من غير الممكن أن نوحد بين استعماله لهذه العبارة وبين استعمال يوحنا . ومع ذلك فإن هناك مواضع أخرى في الكتاب المقدس يشخص فيها استعمال كلام الله . يقول داود النبي ( لأن كلمة الرب مستقيمة وكل صنعه بالأمانة . . . بكلمة الرب صنعت السموات وبنسمة فيه كل جنودها (مز٣٣ :٤) ( أرسل كلمته فشفاهم و نجاهم من تهلكاتهم (مز ۱۰۷ : ۲۰) على أنه يجب أن ننبه أيضا الى الخلاف القائم بين يوحنا وبين فيلون الاسكندرى (وهو اليهودي الذي تثقف بالفلسفة اليونانيه ( ۳۰ ق م. ٠ ٥ ق م ) في استعمال (اللوغوس) إذ انهمن الخطأ الاعتقاد ان يوحنا قد أفاد من فلسفة فيلون في ( اللوغوس) فاللوغوس عند يوحنا هو الله نفسه في طبيعته وجوهره أما فيلون فيطلق اسم الله على اللوغوس اطلاقا نسبيا ، أي القياس الى عدم كمال الناس ويرىيوحنا أن كل شيء قد صار بواسطة اللوغوس وليس اللوغوس مجرد وسيلة كما هو الحال عند فيلون إذ أن فيلون يقصر الخلق على الله بينها اللوغوس عند يوحنا هو نفسه علة الخلق لأنه هو والله واحد .
كذلك لا نجد في فلسفة فيلون تعليماً عن تجسد الكلمة كما هو الحال عند يوحنا ، ولقد قال كذلك الأستاذ يوسف كرم في كتابه ( تاريخ الفلسفة اليونانية ) ما نصه “وما نقوله بصفة قاطعة هو أنه لا يوجد عند فيلون قول بالثالوث ولا قول قريب منه واذا كان يسمى الكلمة الها في بعض المواضع فذلك منه تمشيا مع الكتاب المقدسون أن يدرك كل اصول التسمية ، بل أنه تخفيف مدلولها فيقول : يمكن تسميته بالهنا نحن الناقصين ( بأله ثانوى ) وهو بجانب ذلك يطلق التسمية على موجودات هي عنده أقل أستحقاقا لها من اللوغوس ، كالعالم والكواكب على ما يفعل فلاسفة اليونان فاللوغوس وسيط بين الله والعالم ( ليس غير مولود كا لله ولا مولودا كالبشر ) نای ولكننا لا نتبين طبيعة هذا التوسط و النظرية برمتها تنطوي على تناقض .
إذا كانت المسافة بين الله والخليقة غير متناهية فأي وسيط يستطيع الوصل بينهما ، إذا كان الها كان هو أيضا فوق متناول الخليقة و إذا كان مخلوقا كان الله فوق متناوله لذا كان فهم العقيدة المسيحية في الكلمة على طريقة فيلون معارضا المسيحية (ص ٢٥١ طبعة رابعة سنة ١٩٥٧) وما قلناه عن فيلون فيلون نقوله أيضا عن استعمال كلمة ( اللوغوس ) في الفلسفة اليونانية بوجه عام أي عنـد هيراقليطس والرواقيين إذأن التباعد واضح بين استعمالها في المسيحية وبينه في الفلسفة اليونانية فإن هيراقليطس يقصد باللوغوس ( قانونا ذاتيا للعالم هو تعميم الاستقراء والمسيحية تقصد الها مفارقا للعالم عاملا و تعقله ( كلمته ) ص ۱۹ من نفس المصدر السابق كذلك انظر في نفس المصدر استعمال الرواقيين لكلمة ( اللوغوس ) ( ص۲۲۷ )
لفد صور إيمان تلاميذ السيد المسيح ورسله بالوهية ( الكلمة ) عن خبرتهم الشخصية التي أتاحت لهم أن يروا رب المجد وأن يسمعوا كلماته ويختبروا الوهيته ومن أجل ذلك فقد قدم التلاميذ المسيح بخصائصه الإلهية
اظر ما كتبه القديس يوحنا في هذا الشأن ، (يو ١ : ٣ ، ٥ ،٦ ، ٧ ، ١٠،٨،١٢، ١٤ ، ١٦ ، ١٧، ٢٠) ولقد تحدت بولس الرسول على نحو شبیه بيوحنا وان كان قد اختلف فى أسلوبه (أنظر ما كتب في هذا الشأن( ١کو ١ :١٥ – ۱۷)،(کو ۲ : ۹)، (في ١: ٥- ۱۱)، (عب ۱ :٤١) نعود مرة أخرى لنتأمل النص الذى ذكره يوحنا فى بدء أنجيله عن الميلاد الأزلي (الكلمة كان عند الله) ويقصد بذلك أن الكلمة كان مع الله أو في أحضان الاب ، ولكن لا نعتقد ا أن الكلام في وجوده الأزلي كان غير ظاهر أو أن كلمة “اللوغوس ” تعنى الكلام في معناه العام أي القول أو الحديث لذلك لم يقل يوحنا و الكلمة كان في الله ولكنه قال عند الله أي أنه يتحدث عن أقنوم خاص الابن له نفس الجوهر “نور من نور اله حق من اله حق مولود غير محلوق مساو للاب في الجوهر .
فليس هناك سبق في الزمان للأب عن الابن ذلك لأن يوحنا عندما قال في البده ،تحدث عن أزلية الكلمة، عندما قال (عند الله) تحدث عن هذه الأزلية باعتبارها هي عين أزلية الاب فكأن يوحنا يحدثنا إذا من الوحدة القائمة بين الأب والأبن ويحدثنا في الوقت ذاته عن أقنوم تأكيد الابن الذي يتميز عن أقنوم الآب
– كذلك في عبارة ( عند الله ) تأكيد للخلاف القائم بين ( الكلمة ) الذي هو المسيح وبين الكلام بمعنى القول ، فالكلام في المعنى عن زمن الأخير كما ذكرنا سابقا يتأخر في زمنه الناطق لأنه قبل أن يصدر عن المتكلم لم ان يكن موجودا وليس هكذا هو الحال بالنسبة (للكلمة ) الأزلي الذي هو ذات الله وبدونه لا يمكن أن توجد الذات الإلهية ، لذلك فقد أردف يوحنا قوله ( وكان الكلمة الله ) و ملخص ما قلنا سابقا هو أن يوحنا في قوله ( في البدء كان الكلمة ) أشار إلى أزلية الابن ، وفي قوله ( والكلمة كان عند الله ) أشار إلى اقنوم الابن المميز عن أقنوم الاب من ناحية ، وإن علاقة الوحدة بين الاقنومين من ناحية أخرى وفي قوله ( وكان الكلمة الله ) إشار إلى الوهية الكلمة وتساوي الابن والاب في الجوهر . وقد كرر كل هذا يوحنا في العدد التالي لهذا العدد إذ قال (كان في لبدء عند الله ) (يو ۱ :۲) فكلمه هذا يشير بها إلى العبارة السابقة ( وكان الكلمة الله ) ثم هو بعد يستعمل نفس الكلمات التي استعملها في العدد السابق[18] .
الأب أنتوني م. كونيارس خليقة جديدة
“لأنه في المسيح يسوع ليس الختان ينفع شيئا ولا الغزلة، بل الخليقة الجديدة” (غل٦ : ١٥).
قصة:
هناك قصة عن صاحب خمارة باع مبنى حانته التي كان يشغلها لسنين عديدة إلى كنيسة بروتستانتية محلية، وقام شعب الكنيسة المتحمس بإزالة البار، وإعادة طلائها، وإعادة توزيع الإضاءة، ووضعوا بضعة صفوف من الدكك الكنسية بها، لكنّهم تغاضوا عن وجود ببغاء كان لصاحب الحانة. وتم افتتاحها للخدمة الكنسية يوم الأحد.
وعندما دخل القس ليقوم بالخدمة، صاح الببغاء: “المالك الجديد”، وعندما تقدمت صفوف الخورس للترنيم، صاح الببغاء: “الاستعراض الجديد”، ونظر حوله متفحصا الشعب الموجود بالكنيسة وصاح: “لكنهم نفس الزبائن القدامى”.
هذه القصة الخيالية الطريفة قد تبعث على الابتسام في أول الأمر، لكن ما إن تتأمل الحقيقة التي تطرحها، فربما تدفعك للبكاء بدموع. إنها تشير إلى صعوبة إيجاد فارق بين المؤمنين وغير المؤمنين، بين المسيحيين وغير المسيحيين. في الحقيقة إنهم: “نفس الزبائن القدامي” وأي فرق تحدثه ؟
ذهب أسقف أمريكي لحضور بعض الخدمات الكنسية في روسيا، وهناك سألته فتاة صغيرة عن الكنائس في أمريكا، فاستفاض الأسقف في الإجابة معطيا إياها صورة كاملة عن الكنائس هناك، بقدر استطاعته. لكنها عادت وسألته: “ولكن، أي فرق تحدثه في عن النفوس؟”
هذا هو السؤال الذي دائما ما يسأله العالم لنا، نحن المسيحيين؟ ما الفرق الذي يحدثه المسيح في الإنسان؟ كيف أنتم أيها المسيحيون مختلفون عن الآخرين، هذا إن كنتم مختلفين بالفعل؟!”
إن هذا الفرق يفسره بولس الرسول في رسالته إلى أهل غلاطية: (٦: ١٥) عندما يقول: “لأنه في المسيح يسوع ليس الختان ينفع شيئا ولا الغزلة، بل الخليقة الجديدة”. إنه ليس شيئا خارجيا في أجسادنا الذي يميزنا كمسيحيين، بل إنه شيء من داخلنا، من ذواتنا. نحن من المسيح، من المعمودية، من التوبة، من الروح القدس، صرنا “خليقة جديدة”، وكما يقول بولس الرسول في موضع آخر: “إذا إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة: الأشياء العتيقة قد مضت، هوذا الكل قد صار جديدا” (۲کو ٥ : ۱۷). خليقة جديدة!
ويقول الكتاب: “ها أنا أصنع كل شيء جديدا!” (رؤ٢١ :٥)
أسس الرب يسوع العهد الجديد، ليصير شعبه بشرا جددا خالعين عنهم طبيعة آدم القديم، واضعين عليهم طبيعة آدم الجديد: “أن تخلعوا من جهة التصرف السابق الإنسان العتيق الفاسد، وتلبسوا الإنسان الجديد المخلوق بحسب الله في البر وقداسة الحق” (أف ٤: ٢٢- ٢٤). “خليقة جديدة”.
عندما عاد كريستوفر كولمبوس Columbus إلى أسبانيا بعد اكتشافه العالم الجديد (القارة الأمريكية)، أراد أن يدلل على اكتشافه، فأتى معه بأحد الهنود الحمر. إن برهان المسيحية، كما يقول بولس الرسول، هو نوعية جديدة من البشر، “خليفة جديدة”.
خليقة جديدة
هناك مقولة عربية قديمة تقول: “أصدق أن الفهد ممکن أن يغير بقع جلده، ولا أصدق أن بني آدم يمكنه أن يغير طبعه”، لكن ليس هذا ما تعلمنا إياه المسيحية. إن المبدأ الجوهري للمسيحية أنّ كل إنسان يستطيع أن يتغير في المسيح في أي وقت وأي مكان إن أراد ذلك من كل كيانه، فهو يستطيع أن يكون خليقة جديدة في المسيح.
كتب بول تيليك:
“لو لخصت رسالة المسيحية في عصرنا الحالي في كلمتين، فسأقول مع بولس الرسول، إنها رسالة عن: “خليقة جديدة” لأن يسوع، المسيا المختار والممسوح، هو الذي يهب الأشياء حالتها الجديدة”.
يقول القديس يوحنا الدرجي St. John of the Ladder [ستكون حريصا على أن لا تدین الخطـاة إن تـذكرت أن… اللص اليمين كان واحدا من عصابة قتلة؛ لكـن وفي لحظة حدثت معجزة التجدد بداخله]. خليقة جديدة!
تغييرات مذهلة حدثت في العلوم في السنوات القليلة الماضية. في الواقع، إن التغييرات التي حدثت في السنوات الـ ٤٠ الماضية أكثر من التغييرات التي حدثت خلال ال٤٠٠ سنة الماضية؛ لكن يبدو وفقا لما يقوله نورمان گوزنز Norman Cousins: “إن الإنسان يعلي من قيمة التغيير ويبجله في كل شيء، . ء، إلا نفسه”.
التغيير الأكثر احتياجا إليه
التغيير الأكثر احتياجا إليه هو الإنسان نفسه؛ فإن لم يتغير الإنسان من الداخل، وإن لم يولد من جديد، وإن لم يبدل أنانيته بالحب، فكل التغييرات العلمية تصبح بلا طائل، بل واقعيا، هي فقط تُعجل بفنائه وإبادته.
نظر شخص إلى هيكل ديناصور Dinosaur في المتحف ذات يوم وتساءل “ماذا حدث لهذه الديناصورات، لماذا لا يعيش أي منها اليوم؟ أي شيء في العالم يمكنه قتل شيء كبير كهذا؟”، فأجابه مرشد المتحف: ” لم يقتلها أحد، فقط لم تستطع أن تتغير مع تغييرات بيئاتها. فعندما تغير المناخ والبيئة تباعا، وأصبحت الظروف الحياتية مختلفة تماما، ماتت الديناصورات واختفت تدريجيا”. البيئة الخارجية للإنسان أيضا تغيرت بشدة؛ فعلى سبيل المثال، هناك وفرة زائدة في أسلحة الدمار تحت تصرفه، بحيث إن لم يتغير الإنسان من داخله، فغالبا، سيكون عليه كذلك أن يواجه نفس مصير الديناصورات .
قد نسمع بعض الآراء المتفائلة، مثل كارل ساندبرج Carl Sandburg الذي يقول:
“إن الرب خلق الإنسان في استطاعته أن يغير، فيمكن للإنسان أن يحول نفسه لسمكة، ويغطس للأعماق ويظل تحت الماء غير هياب من كائنات الماء. وهو يستطيع أن يحول نفسه لطائر قادرا على الطيران لأبعد ما يكون حاملاً الأحمال الثقيلة، بأجنحة أعرض ومخالب ومنقار أشرس من أي طائر آخر. إن الرب بالتأكيد أراد للإنسان أن يكون مغيرا، أي قادرا على إحداث تغيير”
لكن التغيير الأساسي للإنسان ليس أن يتغير لطائر قادر على الطيران، بل أن يغير الذئب الذي بداخله إلى حمل، وهذا بالتحديد ما يفوق استطاعة الإنسان حيث تواجهه أعظم الصعاب. هذا ما وصفه بولس الرسول كحالة قابعة بداخله عندما قال:
“لأني لست أعرف ما أنا أفعله، إذ لست أفعل ما أريدة، بل ما أبغضة فإياة أفعل . فإن كنت أفعل ما لست أريدة، فإنى أصادق الناموس أنه حسن .فالآن لست بعد أفعل ذلك أنا، بل الخطية الساكنة في .فإني أعلم أنه ليس ساكن في، أي في جسدي، شيء صالح. لأن الإرادة حاضرة عندي، وأما أن أفعل الحسنى فلست أجد لأني لست أفعل الصالح الذي أريدة، بل الشر الذي لست أريده فإياه أفعل .
فإن كنت ما لست أريده إياه أفعل، فلست بعد أفعله أنا، بل الخطية الساكنة في .إذا أجد الناموس لي حينما أريد أن أفعل الحسنى أن الشر حاضر عندي . فإنى أسر بناموس الله بحسب الإنسان الباطن .ولكني أرى ناموسا آخر في أعضائي يحارب ناموس ذهني، ويسبيني إلى ناموس الخطية الكائن في أعضائي. ويحي أنا الإنسان الشقي! من ينقذني من جسد هذا الموت؟ (رو٧: ١٥ – ٢٤).
يقول بولس الرسول إن الخلل والمشكلة في أنا، فأنا عندي مشاكل هذه الذات التي لي، أكثر من أي شخص آخر قابلته في حياتي، إن هذه الذات تتوغل في طريقي، تجذبني لأسفل، تبعثر وتلخبط الأشياء لي، وتجعل مني أحمق. السبب الوحيد لتسكعي مع هذه الذات ـ ذاتي أنا ـ أنني ملتصق بها وملازم لها، ولا أستطيع الفرار منها.
“ويحي أنا الإنسان الشقي! من ينقذني”. هذه ليست مشكلة بولس الرسول بمفرده، بل إنها أيضا مشكلة كل إنسان منا.
هذا هو طبعي!
قصة:
هناك قصة مسلية حول أحد العقارب، الذي لا يستطيع السباحة بحكم طبيعة تكوين العقارب. طلب هذا العقرب من سلحفاة أن تحمله على ظهرها لتعبر به النهر. فصرخت السلحفاة: “أجننت، ستلدغني أثناء عبور النّهر وسأغرق”. فأجابها العقرب ضاحكا: “سلحفتي العزيزة، لو لدغتك، ستغرقين وسأغرق معك، بأي منطق تتحدثين؟”، فأجابته السلحفاة: “معك حق، اقفز على ظهري!”. وهذا ما كان، ففي منتصف الطريق لدغ العقرب السلحفاة لدغة قوية، وبينما كلاهما يغرقان لقاع النّهر، سألته السلحفاة: “لقد قلت لي إنه ضد المنطق أن تلدغني، فلماذا فعلت هذا؟”
أجابها العقرب وهو يغرق معها متألما: “هذا شيء ليس له علاقة بالمنطق، إنها مجرد طباعي”.
الواحد الذي يجعل كل الأشياء جديدة
هناك احتياج للتغيير في شخصية الإنسان، في طبيعة الإنسان. الطب النفسي لا يقدر أبدا على إحداث هذا التغيير، لا علم النفس، ولا علم الاجتماع، ولا التعليم، أو الحكومات، أو الشيوعية، أو الاشتراكية، أو أي شيء آخر. فقط يسوع المسيح هو الذي يمكنه صنع هذا النوع من التغيير الجذري، بحيث يصنع من الإنسان: “خليقة جديدة”.
لقد فعل هذا مع قائد جماعة النمور السوداء (قائد منازعات عام ١٩٦٠ المسلحة لاستخلاص حقوق السود في المجتمع الأمريكي) عندما كان عائدا من المنفى، فقد أعلن لتوه: “لقد تحولت حياتي ١٨٠ درجة، لقد ولدت من جديد”. لقد فعل هذا مع أحد القادة السياسيين المتورطين بشدة في فضيحة ووترجيت Watergate بأمريكا، لقد أصبح خليقة جديدة في المسيح.
بصرف النظر عما فعله لك أبواك أو أي شخص آخر في الماضي، فأنت هو المسؤول الآن لاتخاذ الخيارات الصائبة لتعديل طريقك في الحياة. فإذا كان خيارك أن تدعو يسوع إلى حياتك، أن تحيا له، فباستطاعتك أن تصبح خليقة جديدة.
يقول إي. إس. جونز E. S. Jones:
“ذاتك بن ينيك هي مشكلة وألم، وبين يدي الرب هي استطاعة وقوة”. خليقة جديدة!
الوحيد الذي يستطيع إعادة خلقتنا هو ذاته الوحيد الذي خلقنا أولاً. لقد خلقنا على صورته ومثاله، واليوم هو قادر على إعادة خلقتنا على مثال ابنه الوحيد، ويجعلنا شركاء معه في حياة ابنه.
يقول سليمان الحكيم في سفر الجامعة: “لا جديد تحت الشمس”. في ذلك الوقت، وقبل مجيء المسيح بقرون، لم يكن باستطاعة سليمان معرفة سر التجديد، لكننا الآن نعرف “ما هو الجديد تحت الشمس؟” إنه الحياة مع المسيح التي هى جديدة في كل يوم. الكتاب المقدس ليس سجلاً لنظريات التغيير، لكنه سجل للتغيير في حياة أفراده. إنه يخبرنا عن يعقوب المخادع الذي أصبح أبانا يعقوب الصالح أبا الشعب الإسرائيلي. الكتاب المقدس يخبرنا كذلك عن موسى، السريع الغضب، قاتل المصري، الذي تغير ليصبح موسى القائد الصبور للجموع المتمردة في البرية. كما يخبرنا عن سمعان المتقلب الذي تحول لبطرس الجريء والمنادي بقيامة يسوع المسيح. إنه يخبرنا عن شاول الطرسوسي الذي “ينفث تهددا وقتلا” ضد المسيح، الذي يتحول ليكون بولس كاتب أروع ما كتب عن المحبة على الإطلاق :
“المحبة تحتمل كل شيء، وتصدق كل شيء، وترجو كل شيء،وتصبر على كل شيءالمحبة لا تسقط أبدا” (١كو١٥: ١-٨) لقد أصبح شاول خليقة جديدة بالكامل في يسوع المسيح!
الفلك الحقيقي
كثيرا جدا ما يقارن آباء الكنيسة كنيستنا بفلك نوح، وكما نجا كل من دخل الفلك من الهلاك، هكذا أيضا ينجو من يدخل الكنيسة الآن من مهالك بحر العالم الزائل من الخطية والموت. لكن عمل كنيسة الله أسمى وأكثر إيجابية من عمل فلك نوح، لأنه وفقا لتوجيهات الرب، أخذ نوح في الفلك الحيوانات الوحشية، ثم تم إطلاقها بعد هذا؛ لكن يقول القديس يوحنا ذهبي الفم إن كنيسة الله تحت قيادة السيد المسيح، يأخذ فيها الخطاة ويحولهم لقديسين. الديك دخل الفلك كديك وخرج منه أيضا كديك، والذئب دخل الفلك كذئب وخرج منه أيضا كذئب؛ لكن عندما يدخل إنسان إلى الكنيسة، فهو يدخل كديك ويخرج منها كحمامة، يدخل كذئب ويخرج منها كحمل، يدخل منها كيرقة ويخرج منها كفراشة. خليقة جديدة!
الفن الأعظم
كان لونجفيلو Longfellow يستطيع أن يأخذ ورقة عديمة الفائدة، ويكتب بعض أشعار عليها ليجعل هذه الورقة تساوى ٦٠٠٠ دولار، هذه عبقرية.
كان إمضاء روكفيللر Rockfeller لاسمه على قطعة من الورق يجعلها تساوى مليون دولار، هذا رأسمال!
كان باستطاعة هنري فورد Henry Ford أن يأخذ قطعة . مین المعدن تساوي 150 دولارا، ويحولها إلى عربة تساوي ١٥٠٠دولار، هذه براعة.
كان دافنشي Davinci يستطيع أن پرسم صورة على قطعة قماش كنفاه تساوی نصف دولار ويجعلها تساوى الملايين، هذه براعة فنية.
لكن يسوع المسيح فقط باستطاعته أن يأخذ نفسا ملوثة بالخطايا، ليغسلها وينظفها بدمه الثمين، ويضع روحه فيها، فيحولها إلى بركة للبشرية، هذا هو الخلاص، هذه خليقة جديدة!
صلاة
ها أنا يا سيدي، أجعل مني إنسانا جديدا، فالقديم كان موجعا، كان مؤلما.
فها أنا أضع نفسي تحت إمرة الإدارة الجديدة، إدارتك أنت.
لك كل المجد إلى الأبد. آمين.[19]
من وحي قراءات اليوم
” يا أولادي هذه التي أتمخَّض بها عليكم مرة أخري إلي أن يتصور المسيح فيكم ” البولس
+ ما أجمل أن يكون هذا هدف كل راعي وكل خادم
+ كيف يتصوَّر المسيح في من نخدمهم ؟
+ عندما نجعل لهم علاقة قوية بكلمة الله فتصير ميراثهم الذي يحيون به (أع ٢٠: ٣٢)
+ وتكون الصلاة حديثهم اليومي مع الله
+ ويرون الله أباً لهم ويكون لهم دالة البنين في علاقتهم به
+ وشهور الحَمْل هي زمن الحب المجاني من الراعي لمخدوميه
+ وزمن الفرح الذي يملأ به أجواء الخدمة
+ فيشعرون دائماً بحضوره الإلهي
+ ومهما قاسي الراعي من آلام فإنها لا تُمثِّل شيئاً أمام فرح ارتباط أي إنسان بالمسيح
+ ويحدث هذا تلقائياً مع المخدومين من راعي مملوء من محبة الله
المراجع
[1] القديس مقاريوس الكبير – تفسير كورنثوس الثانية ٥ – القمص تادرس يعقوب ملطي
[2] كتاب الكاهن وعظة الأحد – القس بولس ميلاد يوسف
[3] موقع سانت تكلا – تفسير المزمور ٧٢ للقمص تادرس يعقوب ملطي
[4] كتاب العلامة أوريجينوس عظات علي سفر التكوين صفحة ٣٧ – ترجمة أستاذة مريم أشرف سيدهم ، أستاذة مريم رشاد حليم ، دكتورة جينا بسطا
[5] شرح إنجيل يوحنا لكيرلس عامود الدين – مشروع الكنوز القبطية
[6] تفسير مزمور ١٤٣ – القمص تادرس يعقوب ملطي
[7] تفسير رسالة فيلبي (الإصحاح الثاني ) – القمص تادرس يعقوب ملطي
[8] كتاب من مجد إلي مجد للقديس غريغوريوس النيسي ( صفحة ٤١ ) – ترجمة القمص إشعياء ميخائيل
[9] مجلة مدارس الأحد عدد شهر يناير لسنة ١٩٧١
[10] تفسير رسالة رومية (الإصحاح الخامس ) – القمص تادرس يعقوب ملطي
[11] كتاب الحقيقة والظلال للقديس يوحنا ذهبي الفم ( صفحة ٥٧ ) – ترجمة دكتور سعيد حكيم يعقوب
[12] كتاب المنجلية القبطية الأرثوذكسية ( صفحة ٧٣ ) – قداسة البابا تواضروس الثاني
[13]كتاب دراسات في الكتاب المقدس – إنجيل متي ( صفحة ١١١ ) – الأنبا أثناسيوس مطران كرسي بني سويف والبهنسا
[14] كتاب الكنيسة في عصر الرسل ( صفحة ٢٦٨ ) – الأنبا يؤانس أسقف الغربية
[15] كتاب ألقاب المسيح ووظائفه ( صفحة ٢٣ ) – الأنبا بيمن أسقف ملوي وأنصنا والأشمونين
[16] كتاب مفاهيم إنجيلية ( صفحة ٤٠ ) – الأنبا إبيفانيوس أسقف ورئيس دير القديس أنبا مقار
[17]كتاب تأملات وعناصر روحية فيآحاد وأيام السنة التوتية ( الجزء الثالث صفحة ٢٢١ ) – إعداد القمص تادرس البراموسي
[18] مجلة مدارس الأحد عدد شهر نوفمبر لسنة ١٩٦٠
[19] كتاب من كنوز رسائل بولس الرسول ( الجزء الأول صفحة ٤٥ ) – الأب أنتوني م. كونيارس – إصدار مطرانية بني مزار والبهنسا