وهم غلبوه بدم الخروف وبكلمة شهادتهم، ولم يحبوا حياتهم حتى الموت ” (رؤ ١٢ : ١١)
” إذا ربح الإنسان العالم ، كله وخسر نفسه ، فما هي هذه ، الحياة الباطلة .
القديس آبا مينا ، سمع الصوت الإلهي ، وترك عنه العالم ، كله ومجده الفاسد ”
ذكصولوجية الشهيد مار مينا العجايبي
” ليته يكون نصيبنا هو الموت المكرَّم، الذي يُصعدنا إلى بداية الحياة الأبديَّة، والذي بالضرورة يلتصق بالبركات النابعة عن الفيض الإلهي. لنهرب من الحياة المخجلة ولنحتقرها، الحياة الكريهة المؤقَّتة التي تقود إلى عذاب أبدي مرّ[1] ”
شواهد القراءات
(مز ٦٧ : ٣٣ ، ٤) ،(مت ١٠ : ١٦ – ٢٣) ،(مز ٩٦ : ١١،١٢)،(مر١٣ : ٩ – ١٣) ،(عب ١٢ :٣ – ١٤) ،(١بط ٤ : ١٢ – ١٩) ،(أع ٧ : ٤٤ – ٨ : ١) ،(مز٣٣ : ١٨ ، ١٩) ،(لو١١ : ٥٣ – ١٢ :١٢)
ملاحظات علي قراءات يوم ١٥هاتور
+ قراءات اليوم تتكلّم عن إحتمال الآلام والضيقات لأجل المسيح ( مار مينا ) ، بالمقارنة بقراءات ٢٥ هاتور والتي تتكلَّم عن السلطان الإلهي وسلطان أولاد الله ( أبو سيفين ) ، وبالمقارنة بقراءات ثالث وعشرين برمودة ( تذكار مار جرجس ) التي تُعْلِن قوة الله في حياة الشهداء ، وأيضاً مُقارنة بقراءات سابع وعشرين برمودة ( تذكار مار بقطر بن رومانوس ) التي تكشف عن مجد الشهداء
+ قراءة إنجيل عشيّة هذا اليوم (مت١٠ : ١٦ – ٢٣) هو نفس إنجيل عشيّة ٢٠ أبيب ( الشهيد تادرس الشطبي ) ويتماثل تقريباً مع إنجيل عشيّة ٢٣ برمودة (مت١٠ : ١٦ – ٢٢) الموافق لتذكار شهادة مار جرجس
والكلام هنا عن آلام الشهداء وشهادتهم للمسيح برغم العذابات والجلد ، والوقوف أمام الولاة والملوك بسبب إيمانهم ، لذلك جاءت القراءة في تذكارات الشهداء
+ قراءة مزمور باكر اليوم (مز ٩٦ : ١١) هي نفس قراءة مزمور القدَّاس ليوم ١٣ برمهات ( شهادة الأربعين شهيداً بمدينة بوبستة ) ، ومزمور القدَّاس ليوم ٢٣ برمودة ( شهادة مار جرجس ) ، وأيضاً مزمور باكر للأحد الخامس ( أحد البركة )
ومجيئها اليوم ( ويوم ١٣ برمهات ، ويوم ٢٣ برمودة ) لأجل الاعتراف بالمسيح له المجد والشهادة له ” واعترفوا لذكر قدسه ”
أمَّا مجيئها في قراءة الأحد الخامس لأجل الإشارة إلي البركات الروحية الغنيَّة لأولاد الله إشراقة النور الإلهي والفرح القلبي ” نور اشرق للصديقين وفرح للمستقيمين بقلبهم افرحوا أيها الصديقون بالرب ”
+ إنجيل باكر (مر ١٣: ٩ – ١٣) وإنجيل القداس (لو ١١ : ٥٣ – ١٢ : ١ – ١٢) هما أيضاً إنجيل باكر وإنجيل القداس ليوم ١٣ برمهات ( تذكار الأربعون شهيداً بسبسطية )
وهي أيضاً نفس موضوع إنجيل عشيّة ، مع إضافة وعد الرب ( إنجيل القداس ) أن كل من يعترف به قدّام الناس يعترف هو أيضاً به قدّام ملائكة الله
كما أن قراءة إنجيل باكر أيضاً جزء من قراءات المجيء الثاني التي جاءت أيضاً في قراءة إنجيل القدَّاس (مر ١٣ : ٣ – ٣٧) للأحد الرابع من شهر مسري
+ قراءة البولس اليوم (عب ١٢: ٣ – ١٤) جاءت أيضاً في قراءة يوم ٢٦ طوبه
وهي قراءة احتمال الآلام لذلك جاءت في تذكار ما رمينا والتسعة والأربعين شهيداً
+ قراءة الكاثوليكون اليوم (١بط ٤ : ١٢ – ١٩) تكررت في يومي ٢٦ طوبه ، ١٠ بشنس
وهنا آلام الشهداء التي آلت إلي استعلان مجد المسيح (يمجد الله بهذا الاسم ) مثل مار مينا في ١٥ هاتور ، والتسعة والأربعين شيخاً شهداء برية شيهات ( ٢٦ طوبه ) ، والثلاثة فتية القديسين ( ١٠ بشنس )
+ قراءة الإبركسيس اليوم (أع ٧ : ٤٤ – ٨ : ١) هي نفس قراءة الإبركسيس ليوم ١٣ مسري ( عيد التجلِّي )
وهي القراءة التي تكشف عن الآلام والعذاب الذي اجتازه القديس إستفانوس وشهادته للمسيح له المجد وسط آلامه ، ومجد الله لأولاده كما حدث وقت استشهاد القديس إستفانوس الذي رأي مجد الله ويسوع قائماً عن يمين الله ومع الشهيد مار مينا العجائبي الذي رأي السموات مفتوحة وعاين مجد الله قبيل ذهابه للاعتراف بالمسيح واستشهاده ( ١٥ هاتور )
بينما مجيئها يوم ١٣ مسري فهو لإعلان مجد التجلّي وهو نصيب البشرية في المسيح له المجد ( موضوع قراءات ١٣ مسري )
كما أنها تُشبه قراءة الإبركسيس (أع ٧ : ٣٥ – ٥٠) للأحد الثالث من شهر كيهك
ومجيء آيات إضافية ( من آية ٣٥ إلي ٤٣ ) في قراءة الأحد الثالث من كيهك للإشارة إلي رموز تجسُّد الكلمة ظهور الله في العلِّيقة ، ونبوَّة موسي النبي عن مجيء المسيح له المجد
+ قراءة إنجيل قداس اليوم (لو ١١: ٥٣ – ١٢ : ١ – ١٢) هي نفس قراءة إنجيل القدَّاس ليوم ١٣ برمهات ( شهادة الأربعين شهيداً بسبسطية ) ، وتُشبه قراءة إنجيل باكر (لو ١٢ : ٤ – ١٢) ليوم ٢٥ هاتور ( شهادة أبو سيفين ) ، وإنجيل القداس ليوم ٢٧ برمودة ( مار بقطر بن رومانوس )
وهي القراءة التي تُطمئن من يحتمل الآلام والضيقات بسلطان الله علي كل الملوك والحكام ، وأن الروح القدس سيُعطيهم قوة الشهادة للمسيح ( لذلك جاءت في قراءات الشهداء مثل مار مينا ، والأربعين شهيداً بسبسطية ، وأبو سيفين ، ومار بقطر بن رومانوس )
القراءات المُحوَّلة علي قراءة هذا اليوم
ثامن وعشرون طوبه شهادة الأنبا كاؤو الراهب من بمويه بالفيوم
سادس أمشير شهادة القديسين أبا كير ويوحنا والثلاث عذاري وأمنه بالإسكندرية
رابع بؤونه شهادة القديس سينوسيوس من بلكيم
خامس عشر بؤونه تكريس كنيسة القديس مار مينا العجايبي
رابع أبيب تذكار نقل أعضاء أبا كير ويوحنا إلي الإسكندرية
إثني عشر أبيب شهادة القديس أبا هور السرياقوسي
رابع وعشرين أبيب شهادة القديس أبانوب
أول مسري شهادة القديس أبالي
تاسع مسري شهادة القديس أوري قس شطانوف
شرح القراءات
اليوم هو تذكار شهادة القديس العظيم مار مينا العجايبي ومُحوّل عليه ثماني تذكارات للشهداء خاصة الشباب والذين إستشهدوا في عصر دقلديانوس
قراءات اليوم تختص بالشهداء وبالإيمان المشهود به وله وأيضاً التركيز علي عمل الروح القدس الناطق في الشهداء والداعم لجهادهم والمُكَمِّل لشهادتهم
تبدأ المزامير بالحديث عن قوّة الشهداء في حياتهم وفردوسهم الداخلي وغناهم الروحي في عمله فيهم ( مزمور عشية )
ونور الله فيهم وشهادتهم له ( مزمور باكر )
وقوّة إيمانهم ( مزمور القداس )
في مزمور عشية نري عمل الله في الكنيسة فيعطيها القوة والعزاء وعمله في قديسيه فيُظهر عجائبه ومجده فيهم
(عجيب هو الله في قديسيه إله إسرائيل هو يُعطي وقوّة وعزاء لشعبه والصديقون يفرحون ويتهللون أمام الله ويتنعمون بالسرور )
وفِي مزمور باكر يظهر فرح الشهداء في حياتهم وأن قبولهم الموت لم يكن هرباً من الحياة وآلامها وضيقاتها فهم يعيشون في النور والفرح الإلهي والتسبيح
( نور أشرق للصديقين وفرح للمستقيمين بقلبهم افرحوا أيها الصديقون بالرب واعترفوا لذكر قدسه )
وفِي مزمور القداس يحمي الله أولاده من الحزن ويحفظ عظامهم أي إيمانهم القوي كما قال العلامة أوريجانوس
( كثيرة هي أحزان الصديقين ومن جميعها ينجيهم الرب يحفظ الرب جميع عظامهم وواحدة منها لا تنكسر )
وتُعلن القراءات عمل الروح القدس في الشهداء والقديسين في جهادهم اليومي ( البولس )
وفِي قبولهم الآلام والتجارب ( الكاثوليكون )
وفِي كمال شهادتهم ( الإبركسيس )
يقدّم البولس صورة للنفوس التي يعمل فيها روح الله ونموذج لجهاد القديسين وأساسيات عمل الروح القدس في أولاد الله من جهاد حتي الدم وقبول التأديب الإلهي وجهاد الصلاة والمحبّة والطهارة
( فتفكروا في الذي احتمل هكذا من الخطاة المقاومين لنفوسهم وحدهم لئلا تكلوا وتخوروا في نفوسكم فإنكم لم تقفوا حتي الدم مُجاهدين ضد الخطية … أفلا نخضع بالأولي لأبي الأرواح فنحيي لأنه أولئك أدبونا أياماً قليلة حسب إرادتهم وأما هذا فلمنفعتنا بالأكثر لكي ننال من قداسته … لذلك قوموا الأيادي المسترخية والأرجل المخلَّعة … اسعوا في أثر الصلح مع جميع الناس وأيضاً في الطهارة التي بدونها لن يري أحد الرب )
وفِي الكاثوليكون تتنقّي آنيتنا وكياننا الداخلي بالألم فيعمل فيها الروح بغني أعظم وأهميّة أن تكون آلامنا وهياج العالم علينا من أجل إسم المسيح وليس بسبب خطايانا
(يا أحبائي لا تستغربوا من البلوي المحرقة التي تحدث بينكم لأجل تجربتكم كأنه أمر غريب قد أصابكم بل كما اشتركتم في أوجاع المسيح افرحوا لكي تفرحوا بابتهاج في استعلان مجده أيضاً وإن عيرتم باسم المسيح فطوبى لكم لأنه ذا المجد والقوة وروح الله يحل عليكم فلا يتألم أحدكم كقاتل أو سارق أو فاعل شر أو كناظر إلي ما ليس له ولكن إن كان كمسيحي فلا يخجل بل يمجد الله بهذا الاسم )
وفِي الإبركسيس نري كيف يدعم الروح القدس الشهداء وكيف يمتلئون من الإيمان بملء الروح فيهم وفِي الجانب الآخر كيف يقاوم اليهود عمل الروح القدس الذي تكلّم في آبائهم وأنبياءهم
(يا قساة الرقاب وغير المختونين بقلوبهم وآذانهم أنتم في كل حين تقاومون الروح القدس كما كان أباؤكم كذلك أنتم أيضاً من من الأنبياء لم يضطهده أباؤكم … فلما سمعوا هذا احتدوا بقلبهم وجعلوا يصرون أسنانهم عليه وأما اسطفانوس فشخص إلي السماء وهو ممتلئ من الإيمان والروح القدس فرأي مجد الله ويسوع قائماً عن يمين الله )
وفِي الأناجيل وصيّة الرب للآباء الرسل في شهادتهم له في كل مدن إسرائيل ( إنجيل عشية )
وأمام جميع الأمم ( إنجيل باكر )
فيستحقّون اعترافه بهم في السماء ( إنجيل القداس )
كما تُعْلِن الأناجيل أن قوّة الشهادة تأتي من عمل الروح القدس في القديسين والشهداء
في إنجيل عشية في وصايا الرب للإثني عشر بعد دعوتهم واختيارهم بأن لا ينزعجوا من الوقوف أمام الحكام والولاة ويطمئنهم بأن روحه القدّوس سوف يؤازرهم ويسندهم كما يطلب منهم الكرازة في كل مدن إسرائيل قبل التوجُّه للأمم
( وتُقدموا أمام ملوك وولاة من أجلي شهادة لهم وللأمم فمتي أسلموكم فلا تهتموا كيف أو بما تتكلمون لأنكم تعطون في تلك الساعة ما تتكلمون به لأن لستم أنتم المتكلّمين بل روح أبيكم الذي يتكلّم فيكم … فإذا طردوكم في هذه المدينة فاهربوا إلي الأخري فإني الحق أقول لكم لا تتمّمون جولان مدن إسرائيل حتي يأتي إبن الإنسان )
ويؤكد في إنجيل باكر أيضاً علي عمل الروح القدس كما يشير إلي شهادة الروح القدس في الكرازة بين الأمم
( فانظروا إلي نفوسكم لأنهم سيسلمونكم إلي مجالس وسيضربونكم في المحافل وتُوقفون أمام ولاة وملوك من أجلي شهادة لهم ولجميع الأمم وينبغي أولاً أن يكرز بالإنجيل فإذا قدموكم ليسلموكم فلا تهتموا من قبل بما تتكلمون به لأنكم تُعطون في تلك الساعة ما تتكلمون به لأن لستم أنتم المتكلمين بل الروح القدس )
وفي إنجيل القداس يضيف علي ما يعمله الروح القدس في من يشهدوا لأجل الإيمان المكافأة لمن يعترف بإسمه القدّوس أمام الولاة والحكام ودينونة من يُنكروا إسمه القدّوس
( وأقول لكم إن كل من يعترف بي قدّام الناس يعترف به إبن الإنسان أيضاً قدّام ملائكة الله ومن أنكرني قدّام الناس يُنكر قدّام ملائكة الله وكل من يقول كلمة علي إبن الإنسان يُغفر له وأما من يجدّف علي الروح القدس فلن يغفر له ومتي قدموكم إلي المجامع والرؤساء والسلاطين فلا تهتموا كيف أو بما تُجيبون أو بما تقولون لأن الروح القدس يُعلمكم في تلك الساعة ما يجب أن تقولوه )
ملخّص القراءات
الشهداء يستمدِّون قوَّتهم من الله ويعترفون ويشهدون بها مهما كانت أحزانهم لثقتهم في عنايته مزمور عشيّة وباكر والقدّاس
ورئيس الإيمان هو أيقونة جهادهم والروح القدس يُغنيهم بالمجد وشهادتهم كاملة وقوية
البولس والكاثوليكون والإبركسيس
وتُسْتَعلن قوة شهادتهم أمام الملوك والولاة والرؤساء ويسندهم ويُعضِّدهم الروح في شهادتهم إنجيل عشيّة وباكر والقدّاس
أفكار مُقترحة للعظات
(١) الجهاد القانوني
١- الصبر إلي المنتهي
” والذي يصبر إلي المنتهي فهذا يخلّص ” إنجيل عشيَّة وباكر
٢- الجهاد حتي الدم والتركيز الدائم في ابن الله ورسم جهاده لأجل خلاصنا
” فتفكروا في الذي احتمل هكذا من الخطاة المقاومين لنفوسهم وحدهم لئلا تكلوا وتخوروا في نفوسكم ” البولس
٣- إجتهاد وجهاد العبادة الحيَّة
” لذلك قوموا الأيادي المسترخية والأرجل المخلَّعة ” البولس
٤- قبول الآلام لأجل المسيح
” بل كما اشتركتم في أوجاع المسيح افرحوا لكي تفرحوا بإبتهاج في استعلان مجده ” الكاثوليكون
٥- جهاد الأبرار
” وإن كان البار بالجهد يخلص ” الكاثوليكون
٦- الامتلاء من الروح القدس ( هدف الجهاد المسيحي )
” وأما اسطفانوس فشخص إلي السماء وهو ممتلئ من الإيمان والروح القدس ” الإبركسيس
٧- الحرص من الرياء
” تحرَّزوا لأنفسكم من خمير الفريسيين الذي هو رياءهم ”
(٢) المعونة الإلهية السماوية
١- دعم الله لشعبه
” إله إسرائيل هو يُعطي قوَّة وعزاء لشعبه ” مزمور عشيَّة
٢- مؤازرة الروح لأولاد الله في وقت الإضطهاد
” لأنكم تُعطون في تلك الساعة ما تتكلمون به لأن لستم انتم المتكلمين بل ( روح أبيكم الذي يتكلَّم فيكم ) الروح القدس” إنجيل عشيَّة وباكر
٣- التعويض والغني الداخلي لمن يتحملون الآلام بفرح
” وإن عيرتم بإسم المسيح فطوبى لكم لأنه ذا المجد والقوة وروح الله يحل عليكم ” الكاثوليكون
٤- إنفتاح الأعين علي السمائيَّات وقت الإستشهاد
” فشخص إلي السماء وهو ممتلئ من الإيمان والروح القدس فرأي مجد الله ويسوع قائماً عن يمين الله ” إلابركسيس
٥- حِفْظ الله لعظام ( إيمان ) أولاده وقت الحزن
” كثيرة هي أحزان الصدّيقين ومن جميعها ينجيهم الرب يحفظ الرب جميع عظامهم وواحدة منها لا تنكسر ” مزمور القدَّاس
٦- العناية الفائقة تشمل حتي أبسط ما فينا
” بل شعور رؤوسكم أيضاً جميعها مُحصاة فلا تخافوا الآن أنتم أفضل من عصافير كثيرة ” إنجيل القدَّاس
(٣) آلام أولاد الله
١- من الأقرباء والمُحيطين
” وسيسلِّم الأخ أخاه إلي الموت ويسلَّم الأب ولده ويقوم الأولاد علي آبائهم ويقتلونهم ” إنجيل عشيَّة وباكر
٢- من أمم ورؤساء العالم
” وتُوقفون أمام ولاة وملوك من أجلي شهادة لهم ” إنجيل عشيَّة وباكر
٣- تأديبات الله المملوءة حُبَّا والتي تُعْطي ثمر برّ للسلام وتؤول إلي قداستنا
” ولكن كل تأديب في وقته الحاضر لا تجده للفرح بل للحزن وأما أخيراً فيُعْطي الذين يتدرَّبون به ثمر برّ للسلام ” البولس
٤- آلام لأجل إسم المسيح
” فلا يتألم أحدكم كقاتل أو سارق أو فاعل شرّ أو كناظر إلي ما ليس له ولكن إن كان كمسيحي فلا يخجل بل يمجد الله بهذا الإسم ” الكاثوليكون
٥- الألم حتي الموت والإستشهاد
” وأخرجوه خارج المدينة ورجموه ” الإبركسيس
٦- الحزن الكثير
” كثيرةُُ هي أحزان الصدِّيقين ومن جميعها ينجيهم الرب ” مزمور القدَّاس
٧- الإستشهاد
” لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد ” إنجيل القدَّاس
عظات آبائية
القديس كيرلس الأسكندري
الاعتراف بالمسيح وإنكاره
(لو ١٢ : ٨ – ١٠) ” وأقول لكم كل من اعترف بى قدام الناس يعترف به قدام الناس يعترف به ابن الإنسان قدام ملائكة الله . ومن أنكرنى قدام الناس ينكر قدام ملائكة الله . وكل من قال كلمة على ابن الإنسان يغفر له وأما من جدف على الروح القدس فلا يغفر له ” .
هنا أيضاً يا من تحبون أن تسمعوا ، املأوا نفوسكم بكلمات القداسة ، اقبلوا في داخلكم معرفة التعاليم المقدسة لكى إذا تتقدمون بنجاح في الإيمان ، فأنكم تحصلون على أكليل المحبة والثبات في المسيح ، لأنه يمنحه ليس لضعاف القلوب التي تهتز بسهولة ، ولكن بالأولى لأولئك الذين يستطيعون أن يقولوا بحق ” لي الحياة هي المسيح والموت هو ربح ” (في ١ :٢١) .
لأن هؤلاء الذين يعيشون بقداسة ، يعيشون للمسيح ، أولئك الذين يحتملون الأخطار لأجل التقوى يربحون الحياة غير الفاسدة ، إذ يكللون معه أمام منبر قضائه . هذا هو ما يعلمنا إياه بقوله : ” كل من اعترف بي قدام الناس يعترف به ابن الإنسان أيضاً قدام ملائكة الله ” .
إذن فهو شيء يعلو فوق كل الأشياء الأخرى وهو جدير بانتباهنا ، أن نفحص من هو الذى يعترف بالمسيح ، وبأية طريقة يمكن أن يعترف بالمسيح ، بأية طريقة يمكن أن يعترف به بحق وبلا لوم ، لذلك فإن بولس الحكيم جداً يكتب لنا : ” لا تقل في قلبك من يصعد الى السماء ؟ أي ليحدر المسيح ، أو من يهبط إلى الهاوية ؟ أي ليصعد المسيح من الأموات ، لكن ماذا يقول الكتاب ؟ الكلمة قريبة منك ، في فمك وفى قلبك ، أي كلمة الإيمان التي تكرز بها ، لأنك إن اعترفت بفمك بأن يسوع هو الرب وآمنت بقلبك أن الله أقامه من الأموات فسوف تحيا، ” لأن بالقلب يؤمن الإنسان للبر وبالفم يعترف للخلاص ” (رو ١٠ : ٦- ١٠) .
يشرح الرسول بهذه الكلمات سر المسيح بطريقة ممتازة جداً . فأول كل شيء يجب أن نعترف أن الأبن المولود من الله الآب ، هو الابن الوحيد لجوهره ، وأنه هو الله الكلمة وهو رب الكل ، وليس كمن وهبت له الربوبية من الخارج ، بالانتساب ، بل هو الرب بالطبيعة وبالحق مثل الآب تماماً ، ويجب بعد ذلك أن نؤمن أن ” الله أقامه من الأموات ” أي أنه عندما صار إنسانًا ، فإنه قد تألم من أجلنا بالجسد ، ثم قام من الأموات .
فالابن إذن – كما قلت – هو رب ، ولكن لا يجب أن يحسب بين أولئك الأرباب الآخرين الذين يعطى لهم وينسب إليهم اسم الربوبيه ، لأنه – كما قلت – هو وحده الرب بالطبيعة ، لكونه الله الكلمة ، الذى يفوق كل شيء مخلوق ، وهذا ما يعلمنا إياه الحكيم بولس بقوله : ” لأنه وإن وجد ما يسمى آلهه في السماء أو على الأرض – كما يوجد آلهه كثيرون وأرباب كثيرون – لكن لنا إله واحد الآب الذى منه جميع الأشياء ونحن منه ، ورب واحد يسوع المسيح الذى به جميع الأشياء ونحن به ” (١كو ٨ : ٦) .
ولكن رغم أنه يوجد إله واحد الذى اسمه الآب ، ورب واحد الذى هو الابن ، ولكن لا الآب كف عن أن يكون رباً بسبب كونه الله بالطبيعة ، ولا الابن توقف عن أن يكون هو الله بسبب كونه رب بالطبيعة ، لأن الحرية الكاملة هي صفة الجوهر الإلهى الفائق وحده ، وأن يكون بعيداً عن نير العبودية ، أو بالأحرى فإن الخليقة تكون خاضعة تحت قدميه ، لذلك رغم أن كلمة الله الوحيد الجنس صار مثلنا ، وإذ اتخذ قياس الطبيعة البشرية ، فإنه وضع تحت نير العبودية ، لأنه دفع عن قصد – الدرهمين لجباة الضرائب اليهود بحسب ناموس موسى ، إلا أنه لم يخبئ المجد الذى سكن فيه ، لأنه سأل المغبوط بطرس ” ممن يأخذ ملوك الأرض الجباية أو الجزية ، أمن بنبيهم أم من الأجانب ؟ ولما قال من الأجانب ، عندئذ أجابه : إذن البنون أحرار ” (مت ١٨ : ٢٥ : – ٢٦) .
كذلك فالابن في طبيعته الذاتية هو رب لأنه حر ، كما يعلمنا الحكيم بولس أيضاً ويكتب : ” ونحن جميعاً ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف كما في مرآه نتغير إلى تلك الصورة عينها من مجد إلى مجد كما من الرب الروح ” (٢كو ٣ : ١٨) ” وأما الرب فهو الروح ، وحيث روح الرب فهناك حرية ” (٢كو ٣ : ١٧) .
لذلك لاحظ كيف يؤكد أن الروح هو رب . لا كمن يملك البنوة إذ إنه هو الروح وليس الأبن ، بل لكونه واحداً مع الأبن في الجوهر ، الذى هو رب وحر ، وقد تبرهن بهذه مساواة الطبيعة معه أن تلك الحرية التي تليق بالله .
إذن ، فمن يعترف بالمسيح أمام الناس أنه إله ورب ، فسوف يعترف به المسيح أمام ملائكة الله ولكن متى ؟ واضح أنه في الوقت الذى سوف ينزل فيه من السماء في مجد أبيه مع الملائكة القديسين عند نهاية هذا العالم ، وعندئذ سوف يكون يكلل المعترف الحقيقى به ، الذى له إيمان غير متزعزع وأصيل ، وهكذا يقدم اعترافه ، وهناك أيضاً سوف يضئ جماعة الشهداء القديسين الذين احتملوا الضيقات كل الحياة وحتى الدم ، وكرموا المسيح باحتمالهم وصبرهم ، لأنهم لم ينكروا المخلص ، ولا كانوا يجهلون مجده ، بل احتفظوا بولائهم له .
مثل هؤلاء سوف يمدحون من الملائكة القديسين الذين أيضاً سوف يمجدون المسيح مخلص الجميع ، لأنه منح القديسين تلك الكرامات التي تحق لهم بنوع خاص ، وهذا ما يعلنه المرتل أيضاً ، ” وتخبر السماوات بعدله ، لأن الله هو الديان ” (مز ٤٩ : ٦) ، وهذا سوف يكون نصيب أولئك الذين يعترفون به .
أما الباقون الذين أنكروه واحتقروه ، فسوف ينكرهم ، عندما يقول لهم الديان ، كما تكلم أحد الأنبياء القديسين في القديم : ” كما فعلت سيفعل بك ، وعملك يرتد على رأسك ” (عوبديا ١٥) وسوف ينكرهم بهذه الكلمات : ” اذهبوا عنى يا فاعلى الاثم ، إننى لست أعرفكم ” (لو ١٣ : ٢٧) . من هم هؤلاء الذين سوف ينكرهم ؟ أولاً : هم أولئك الذين عندما ضغط عليهم الاضطهاد ولا حقتهم المحن . تركوا الإيمان .
إن رجاء مثل هؤلاء سوف يفارقهم تماماً من جذوره ولمثل هؤلاء لا تكفي كلمات بشرية لوصف حالتهم ، لأن الغضب والدينونة والنار التي لا تطفأ سوف تبتلعهم . وبطريقة مماثلة ،فإن معلمى الهرطقة وتابعيهم ينكرونه لانهم يجترئون ويقولون إن كلمة الله الوحيد الجنس ليس هو الله بالطبيعة وبالحق ، ويطعنون في ولادته التي لا ينطق بها ، بقولهم إنه ليس من جوهر الآب ، بل وبالآحرى يحسبون من هو خالق الكل ضمن الأشياء المخلوقة . ويصنفون ذلك الذى هو رب الكل مع أولئك الذين هم تحت نير العبودية ، رغم أن بولس يؤكد أننا يجب أن نقول إن ” يسوع رب ” (في ٢ : ١١) .
كما أن تلاميذ ” ثرثرة نسطور يوس الباطلة ” أيضاً ينكرونه بقولهم بابنين ، واحد زائف ، والأخر حقيقى : الحقيقى هوكلمة الآب ، والزائف هو الذى يملك كرامة واسم ابن بالأنتساب فقط . وهو بأسلوبهم هذا فقط هو ابن ، ونبت من نسل المبارك داود بحسب الجسد . إن دينونة هؤلاء أيضاً هي ثقيلة جداً ، لأنهم ” ينكرون الرب الذى اشتراهم ” ( ٢بط ٢ : ١) ولم يفهموا سر تدبيره في الجسد ، لأنه يوجد ” رب واحد وإيمان واحد كما هو مكتوب (اف ٤ : ٥) .
فنحن لا نؤمن بإنسان وبإله ، ولكن برب واحد الكلمة الذى هو من الله الآب ، الذى صار إنساناً واتخذ لنفسه جسدنا . فلذلك فإن هؤلاء أيضاً يحسبون ضمن من ينكرونه .
وقد علمنا الرب أن التجديف هو جريمة عظيمة جداً يرتكبها الناس ، بقوله أيضاً : ” كل من قال كلمة على ابن الإنسان يغفر له ، وأما من جدف على الروح القدس فلا يغفر له ” . فبأية طريقة يجب أن نفهم هذا أيضاً ، إذا كان المخلص يقصد هذا ، وهو إنه إذ استعملت كلمة احتقار من أي إنسان منا تجاه إنسان عادى فإنه سوف يحصل على الغفران إذا ما تاب فإن الأمر يكون خالياً من أي صعوبة ، لأن الله إذ هو صالح بالطبيعة ، فإنه سوف يبرئ من كل لوم جميع الذين يتوبون .
ولكن إن كان التجديف موجه إلى المسيح نفسه ، مخلص الكل فكيف يمكن أن يتبرأ أو ينجو من الدينونة ذلك الذى يتكلم ضده ؟ فما نقوله إذن هو هذا : أي شخص ، لم يتعلم بعد معنى سر المسيح ، ولم يفهم أنه إذ هو بالطبيعة الله ، وقد وضع نفسه ونزل إلى حالتنا ، وصار إنساناً ، ثم يتكلم هذا الإنسان ، أي شيء ضده ( المسيح ) ، ويجدف لحد ما ، ولكن ليس بدرجه الشر التي تفقده الغفران ، فالله سوف يغفر لأولئك الذين أخطأوا عن جهل . ولكى أوضح ما أعنيه بمثال .
فإن المسيح قال في موضع ما : ” أنا هو الخبز الحى النازل من السماء والمعطى الحياة للعالم ” (يو ٦ : ٥١) . لذلك فبسبب أن البعض لم يعرفوا مجده ، بل ظنوا أنه إنسان ، فإنهم قالوا ” أليس هو ابن النجار الذى نحن عارفون بأبيه وأمه ، فكيف يقول إنى نزلت من السماء ؟ ” .
وفى مرة آخرى بينما كان واقفاً يعلم في المجمع حتى تعجب منه الجميع ، لكن البعض قالوا : ” كيف هذا يعرف الكتب وهو لم يتعلم ” (يو ٧ : ١٥) ، لأنهم لم يكونوا يعرفون طبعاً أن ” فيه مذخر كل كنوز الحكمة والعلم ” (كو ٢ : ٣) . مثل هذه الأمور يمكن أن تغفر، إذا قيلت بتهور عن جهل .
أما من جهة أولئك الذين قد جدفوا على اللاهوت نفسه فإن الدينونة محتمه والعقاب ابدى في هذا العالم وفى الآتى . لأنه يقصد بالروح هنا ليس فقط الروح القدس ولكن كل طبيعة الألوهه ، وكما هو معروف إنها هي طبيعة الآب والأبن والروح القدس . والمخلص نفسه يقول في مكان ما : ” الله روح ” (يو ٤ : ٢٤) .
فالتجديف على الروح هو على كل الجوهر الفائق ، لأنه كما قلت ، إن طبيعة الألوهه كما أعلنت لفهمنا هي الثالوث القدوس المسجود له الذى هو واحد . ليتنا إذاً كما يقول يشوع ابن سيراخ في حكمته : ” نضع باباً ومزلاجاً للسان ” (يشوع ابن سيراخ ٢٨ : ٢٥) ، ونقترب بالأكثر نحو الله ولنقل : ” ضع يارب حافظاً لفمى وباباً حصيناً لشفتى ” ، ولا تمل قلبى إلى كلام الشر ” (مز ١٤٠ : ٣ س) .
لأن تلك التجاديف هي كلمات رديئه ضد الله . وهكذا إن كنا نخاف الله حقاً فالمسيح سوف يباركنا ، الذى به ومعه لله الآب التسبيح والسلطان مع الروح القدس إلى دهر الدهور أمين[2] .
القديس أمبروسيوس
خمسة عصافير
إن كان الله لا ينسى العصافير، فكيف ينسى الإنسان؟ وإن كانت عظيمة هكذا وأبديَّة حتى أن العصفور وعدد شعور رؤوسنا ليس مخفيًا أمام علمه فكم يُحسب بالأكثر جاهلًا من يظن أن الرب يجهل القلوب الأمينة أو يتجاهلها…؟
العصافير الخمسة على ما يبدو لي هي حواس الجسد الخمس: اللمس والشم والتذوق والنظر والسمع. العصافير كالجسدانيين تنقر قذارة الأرض لتطلب غذائها في الأراضي البور ذات الرائحة النتنة، وتخطئ فتسقط في الشباك فلا تقدر على الارتفاع نحو الثمار العالية والوليمة الروحيَّة.
فإغراءات الشباك تسبي في ثناياها تحركات أرواحنا. والتهاب طبيعتنا ونشاطنا وطهارتنا هذه كلها تتبدد خلال الاهتمام بالأرضيات والماديات واقتنائنا ترف هذا العالم. والآن بعد سبينا صار أمامنا نوعان من الملذّات، إما العبوديَّة للخطيَّة أو التحرَّر منها، فالمسيح يحرَّرنا والعدو يبيعنا. يعرضنا للبيع ليميتنا بينما يفدينا المسيح ليخلصنا. وقد ذكر متى عصفورين (مت ١٠ : ٢٩) إشارة إلى الجسد والروح…
لقد أُعطينا بالنعمة أن نطير، لكن اللذة تسبينا، فتصير الروح ثقيلة بفخاخ الشر وتنحدّر إلي مستوى طبيعة الجسد الثقيلة.
قيل أنه لا يسقط واحد منها بدون إذن الله، فالساقط ينحدر نحو الأرض، أما الذي يطير فتحمله النعمة الإلهيَّة… فلا تخشى إذن سطوة الشيطان بل خف غضب الله.
النفس أيضًا شُبهت بعصفورٍ، إذ قيل: “نجت أنفسنا مثل العصفور من فخ الصياد” (مز ١٢٣: ٧) ، وفي موضع آخر: “كيف تقولون لنفسي: اهربوا إلى جبالكم كعصفورٍ” (مز ١١ : ١) ، كما شُبه الإنسان بالعصفور: “أما أنا فكعصفورٍ منفرد علي السطح” (مز ١٠٢ : ٧) ، إذ الإنسان مكون من عصفورين في واحدٍ، كإتحاد الجناحين اللذين يتعاونا في خفة ليرتفع فيغلب الطبع الروحي علي المادي.
يوجد عصفور صالح يقدر بالطبيعة (الروحيَّة) أن يطير، وعصفور شرِّير لا يقدر أن يطير بسبب النجاسات الأرضية، وهذا الأخير يُباع بفلسين… ما أبخس ثمن الخطايا؟ فالموت يشمل الجميع، أما الفضيلة فثمينة! يعرضنا العدو للبيع كالعبيد الأسرى ويّقيمنا بثمن بخس، أما الرب فيعاملنا كعبيد صالحين خلقهم علي صورته ومثاله، يّقيمنا بثمنٍ عظيمٍ، إذ يقول الرسول: “قد اُشتريتم بثمن” (١كو ٦ : ٢٠). نعم أنه ثمن غالٍ لا يحُسب بفضة بل بالدم الثمين.
لأن المسيح مات لأجلنا وحرَّرنا بدمه الثمين، كما يشير القدِّيس بطرس في رسالته: “عالمين أنكم أفتديتم، لا بأشياء تفنى بفضة أو ذهب من سيرتكم الباطلة التي تقلدتموها من الآباء، بل بدمٍ كريمٍ كما من حمل بلا عيب ولا دنس دم المسيح” (١بط ١ : ١٨ ، ١٩) ، نعم هو دم ثمين لأنه دم جسد بلا دنس، دم ابن الله الذي فدانا ليس فقط من لعنة الناموس (غل ٣ : ١٣) بل ومن موت الخطيَّة الأبدي [3].
القديس يوحنا ذهبي الفم
عظة عن الأسلحة الروحية
إذا فلنصلي الي الله حتي لا نقع في تجربة ، ولكن إذا حدث علينا أن نتألم ولكن بشجاعة . لأن سمة البشر المتعقلين ، هي أنهم لا يلقوا أنفسهم في الأخطار ، بينما الشجعان والحكماء يقفون منتصبين عندما يقعون في تجربه . ولا أن نسقط بلا منطق ( لأن ذلك دليل علي الوقاحه) ، ولا أن نتراجع أمام قسوة الظروف ( لأن هذا دليل علي الخوف ) ، ولكن إن دعتنا البشاره، فلاًيجب أن نرفض . وبشكل عام إن لم يوجد سبب أو داع أو التزام يدعو ( للجهاد) من اجل التقوي ، فلا يجب علينا أن نركض ، وإلا فسيكون ذلك بمثابه استعراض وكرامه زائده .
أما إن حدث شيء من تلك الأمور التي تضر بالتقوي ، حتي وان كان يجب أن نجوز أخطاء مهلكه ولا حصر لها ، فلا ينبغي أن نرفض أبدا ( الخوض فيها ). لكن لا ينبغي أن تستدعي التجارب ، حين تتقدم في تقواك كما تشتهي . لماذا تجلب عليك أخطار ، لا يوجد من ورائها أي ربح ؟.
أقول هذه الأمور ، لأنني اريد أن تحفظوا وصايا المسيح ، الذي يوصينا أن تصلي ، حتي لا نقع في تجربه ، وأن نتبعه حاملين الصليب.لأن هذه الأمور ليست متناقضه ، بل هي متوافقه للغايه فيما بينهما .
إذاً فلتستعد هكذا مثل جندي شجاع ، وان تكون دائماً متسلحا ، وهادئا ، ويقظا مستعداً لهجوم العدو . لكن يجب ألاً تستدعي الحرب ، لأن هذه ليست سمه جندي ، بل سمه العاصي والمخالف . أما إذا دعاك بوق التقوي ، فتجد علي الفور ، احتقر الحياه ، انطلق إلي الجهاد الروحي برغبه كبيره ، حطم فيلق الأعداء ، اقطع وجه الشيطان ، واقم نصب الانتصار . لكن إن لم تضار التقوي مطلقاً ، إن لم يحارب أحد عقائدنا ، أي تلك التي تختص بحياتنا ، إن لم يجبرك أحد أن تفعل شيئاً مما لا يوضي الله ، فلا ترهق نفسك أكثر من اللازم .
حياه المسيحي يجب أن تكون مخضبه بالدماء ، بالطبع ليس أن يريق دماء الآخرين ، بل ان يكون مستعدا أن يراق دمه هو . إذا لنريق دماءنا ، عندما يكون هذا لأجل المسيح،بنفس القدر من الرغبه الطبيعه التي بها يمكن للمرء أن يصب ماء ( لانه في الحقيقه الدم هو ماء ينساب في الجسم ) ، ولننسلخ عن جسدنا بنفس السهوله ، التي نخلع بها ملابسنا . وهذا سيحدث إن نكن مقيدين بالمال، وبالبيوت ، وإن لم نكن منجذبين للأمور الحاضره بكل هذه الشهوه .
أي أنه إن كان الجنود يتبرأون من كل شيء بطيب خاطر، بالأكثر جدا ً يجب أن نستعد نحن جنود المسيح هكذا ، ونصطف من أجل محاربه الشهوات ومقاومتها . لا يوجد الآن اضطهاد ، وياليت لا يحدث أبداً ولكن هناك حرب أخري ، حرب شهوه المال ،حرب شهوه الجسد ، حرب الشهوات عموماً.
هذه الحرب يصفها ق. بولس قائلاً : ” ان مصارعاتنا ليست مع دم ولحم ” . هذه الحرب موجوده علي الدوام. من اجل هذا يجب أن نثبت دوماً متسلحين ” فاثبتوا ممنطقين أحقائكم ” ، الأمر الذي يعني أن هذا يتعلق بالحياه الحاضره ، وقد أظهر أنه يجب علينا أن نكون مسلحين علي الدوام . لأن الحرب التي تدار باللسان هي حرب كبيره ، وكبيره أيضاً هي الحرب التي تنشب بالأعين ، لنمنع هذه الحرب إذا .
شرسه هي الحرب الرغبات ، وانطلاقا من هذا يجب أن يتسلح جندي المسيح. ” فأثبتوا إذا ممنطقين احقائكم ” ، وأضاف ” بالحق ” . لماذا يقول ” بالحق”؟. لأن الشهوه هي هزؤ وكذب ، كماقال داود النبي في موضع ” لأن خاصرتي قد امتلأت ” . هذا الأمر ليس لذه أو شهوه ، بل هو ظلال شهوه . ولهذا يقول ” ممنطقين أحقائكم بالحق ” ، أي بالشهوه الحقيقيه ، بتعقل وبلياقه . لأنه يعرف لا معقوليه الخطيه ، وأراد ان تكون كل أعضاؤنا مصانه . لأنه يقول : ” غضب الأثيم لا يمكن أن يبرر ” .
يريد أيضا أن نرتدي درعاً وترساً . لأن الغضب وحش يندفع بسهوله ، ولكي ننتصر عليه ونضبطه ، نحتاج لسياج وحواجز . ولهذا السبب تحديداً ، هذا الجزء ، أي الأحقاء ،قد خلقه الله لنا من العظام ، كما لو كانت مخلوقه من صخر ما ، واضعا ًهذه العظام حولها كدعائم ، حتي لا يتحطم الإنسان كله بسهوله إذا ما كسرت مره أو قطعت ، لأنه إذا حدث هذا ، سيسبب ألما لا يحتمل ، وأي عضو آخر لن يمكنه أن يحتمل هذا العنف .
ليس هذا فقط ، بل أن الأطباء يقولون أنه لهذا السبب وضعت الرئتين تحت القلب ، حتي ان القلب فوق شيء لين ويترضض كما لو علي أسفنج ، ويسترح، ولا يتحطم بقفزاته المستمره علي عظم قاس ، يترضض فوقه . إذا نحن نحتاج لدرع قوي ، حتي ، يظل هذا الوحش هاديء علي الدوام . لكننا نحتاج أيضا ًإلي خوذه .
لأن الأمر هنا مرتبط بالفكر ، وعلي هذا الفكر يعتمد كل شيء ، فإما أن نخلص ، إن فعلنا ما ينبغي فعله ، واما أن نهلك إذا فعلنا عكس ذلك ، ولهذا يقول ” وخذوا خوذه الخلاص ” . لأنً المخ بطبيعته لين ، ولهذا يغطي من الجزء الأعلي ، كما من قشرة ما ، من خوذه عظيمه . وهذا المخ ، هو المسئول عن كل ما هو حسن وشرير ، سواء عرف الصواب أو عرف العكس ( الامور المخالفه ) . بل وايدينا وارجلنا تحتاج إلي أسلحه . ليست بالطبع الأيدي والأرجل الجسدية ، بل أيضاً تلك التي للنفس ، الأبديه لتفعل تلك الأمور التي ينبغي فعلها ، والأرجل لكي تذهب إلي حيث يجب أن تذهب .
إذا لنسلًح أنفسنا هكذا ، وسنستطيع أن ننتصر علي الأعداء ، ونرتدي تاج النصره بمشيئه ربنا يسوع المسيح ، الذي يليق به مع الآب و الروح القدس المجد وألقوه والكرامه الآن وكل أوان وإلي دهر الدهور آمين [4] .
الأب صفرونيوس
الخوف
- مقدمة:
صفرونيوس يسأل بركة صلوات الذين يجاهدون معنا، وقد لبسوا صليب ربنا يسوع المسيح كرداء، وصار الصليب لهم شريعة حياة.
١- أنواع الخوف:
حسب تعليم الشيوخ الذين سلكوا طريــق ربنا يسوع المسيح؛ أي طريق الصليب – هي:
الخوف من الخطية؛ وهو خوف يلازمنا حتى نصل إلى ميناء الخلاص، أي فردوس الفرح.
الخوف من الشيطان؛ وهو خوف قلة الإيمان، وهو خوف لا يبقـى في الذين ينمو إدراكهم ومحبتهم الله، فوجدوا في إسم ربنا يسوع المسيح، وعلامة الصليب، وقوة الروح القدس الذي لبســـــــوه في المعموديـة، الحصن المنيع الذي يجعل ثقتهم بالرب لا تموت، وإن هجــم عليـهم العدو الماكر، وجدوا في الرب الحصن المنيع الذي لا ينثلم.
الخوف من كسر الوصية؛ وهو خوف المحبة، وهو خوف من الابتعـاد عن يسوع رجاء حياتنا ومصدرها الحقيقي الذي لا يمكـن أن نتركـه وخوف مثل هذا يجب أن يبقى فينا مهما كانت درجة نقاوتنا.
الخوف من الناس؛ وهو خوف تزرعه فينا المعاملات اليومية، والحرص على القوت والمكسب والاشتغـال بأنواع المعاملات، وهو خوف له عدة مصادر في حياة كل إنسان. هذا الخوف يولد من عدم النقاوة الذي فينا، لأن الكذب والخداع والتحايل يخلق فينا خوفاً من أن ننال على أيدي الآخرين ذات المعاملـة التي رتبناها لهم، وليس عبثاً أن قال الرب “بالكيل الذي تكيلـون بـه يكال لكم ويزاد” (مرقس ٤ : ٢٤)، (متى ٧ : ۲)، (لو ٦ : ٣٨) وما يزيد هو ما يضاف عليه من خوف وقلق نزرعه نحن في أنفسنا.
وهناك مصدر آخر للخوف من الناس، هو الفوضى وعدم الأمان والقلق من انتشار الجرائم والقتل والاعتداء على الممتلكات. هـذا الخوف مرتبط بالظروف وبالأحوال التي يحياها كل إنسان، وهـو يلازم الذين لم يدخلـوا ميدان المعركة مع الأهــواء والشهوات؛ لأن الرسول قال “الذين هم للمسيح قـد صلبوا الأهواء مع الشهوات” (غلاطية ٥ : ٤) أما الذين هم للعالم فإن الأهواء والشهوات، تجعـل الحرص على الحياة والممتلكات هو ذات ينبوع هذا الخوف.
نحن نخاف بقدر ما نحب وبما نحب، لأن الخوف يسير دائمـاً المحبة، ولا يمكن أن ينفصل عنها، فقد وهب لنا الخوف لكي نحيا في العالم في يقظة تامة، ولكي يقاوم الخوف؛ الكسل والتراخي الـذي زرعتـه الخطية فينا. هذا الخوف مثل خوف المبتدئين في حياة الوحدة من الحشرات والثعابين وغيرها التي تحيا معنا في القفر والـتى لا نملـك القدرة على إخضاعهـا لنا، بل ننال بمعونة الروح القـدس السيطرة عليها، وأحياناً يضع الرب الرعب في هذه الحشرات فتبتعد عن طريقنــا وتتركنا وشأننا.
هل يجب أن نقاوم الخوف؟
٢- لا يجب علينا أن نحارب الخوف من الخطية، أو أن نحاول أن نقضي على هذه القدرة التي تحفظ الحياة، أي الخوف، بل علينا أن نسود عليها لا أن تسود هي علينا. ومفتاح كل الأمور في حياتنا هو المعرفـة. فالإنسان الذي يدرك ويفهم تيارات الخوف المتصارعـة أو المحتـدة في داخل قلبه،.
ويعزل هـذه التيارات بفحص القلب، يستطيع أن يحـــد ينابيع الخوف ويحول طاقة الخوف إلى الأشياء النافعة؛ مثل الخوف مـن كسر الوصية، أو الخوف من الابتعاد عن الله، فقد قال الحكيـم “بـدء الحكمة مخافة الله” ، وهو هنا يتحدث عن الخوف من كســر الوصيـة والابتعاد عن الله، لأن الخوف من الله كخالق يزرع في قلب الإنســـان الرغبة الكبيرة في ترك كل الشرور لكي يلازم خالقه ويحبه وبذلك يقتني الحكمة.
٣- إذا استطعنا أن نحول الخوف من الناس إلى خـوف مـن الله نكـون قـد كسرنـا قـوة الداء الخفي هذا التحول يحدث في القلب الذي يحب الصلاة والشركة ويجـد فرحه الحقيقي في المسيح، وهذا الفرح هو الدواء؛ لأن الفرح يكسر شوكة الخوف، كما أن الرجــاء في الحيــاة الأبدية يجعلنا نتوقع حيـاة عدم الموت، مثل شهداء المسيح الظـــافرين بأكاليل الغلبة والانتصار، هذا الفرح يطرد من داخلنا الخوف من الناس.
٤- لا يجب أن نتجاهل أو نتكاسل عن مقاومة هـذه الخميرة الصغيرة، أي خميرة الخوف، حتى لا تخلق في قلوبنا الاتكال الفاسد على الحكمـة البشرية، أو أن نظن أن خلاص أجسادنا هـو بمعونة البشر، أو بما نحصل عليه من قوت ومال وسكن وملابس، فإن خـلاص أجسادنـا هو من الذي قام من الموت، وداس الموت علـى الصليب، وهدم قوة القبر، ربنا يسوع المسيح. ونحن الذين نلنـا عـربـون قيامـة أجسادنا في المعمودية المقدسة التي فيها قد دفنا مع المسيح – أي دخلنـا القبر بإرادتنا – ومعـه ماتت كل الأهواء إذ صارت معلقـة علـى الصليب مع ذاك الذي هو حياتنا وخلاصنا، فبعد كل هذا لا يجـب أن نترك الإرادة والقلب تحت سلطان الخوف، بل نجعلها مصلوبة معه.
ه – خميرة الخوف خطر على الحياة، لأن الخوف من المـوت – ذلك الداء القديم الخفي – يحرك كل المخاوف الأخرى التي أخذناها من الناس، أو من سيرة السابقين، أو من الوالدين، أو الأقارب، أو الأصدقاء، بل إن – حتى – الأعداء يعلموننــا الخـوف بالتهديد، وبالمثابرة على مطاردتنا وملاحقتنا لكي تصبح أسرى لهم، ونفقد ثقتنـا الغالية والكريمة في المسيح الذي صلب خـوف الإنسـان الأول وأعطــاه وهو في الجحيم معرفة الانتصار بالصليب، وبشره مع حـــــواء بالخلاص من العبودية للشيطان.
ولأن الرب نزل إلى الجحيم بواسطة الصليب، فقد قهر العـدو الأول أي الشيطان، وكما يقول الرسول “سبى سبياً” (أفسس ٤ : ٨) لما أبطل عز الموت بموته وأطلق سراح المقيدين وأزال كل عوائـــق المـوت والدينونة بموته علـى الصليب. لقد دين الإبن الوحيد لكـي يـنزع الدينونة، ومـات لكي لا نستعبد للموت، وصلب لكي يصلب الحكم، كما مزق صك خطايانـا ومحـا الديون التي كانت علينا؛ إذ رد لنـا “صورة الله” جديدة لامعة ومشرقة ببهاء الروح القدس، فكيف نخـاف ولنا هذا الرجاء؟!!
٦- لنخلع إذن الخوف بالرجاء، وليكن هذا الرجاء في قلوبنا ثمرة المحبة الإلهية التي قال عنهـا رسول المسيـح الذي نال إكليـل الشــهادة “مـن يستطيع أن يفصلنـا عـن محبة المسيح؟” إذ وضـع ضـرورات الحياة مثـل الضيق والشدة والموت، بل الحيـاة نفسها، ثم وضع بعد ذلك القوات الروحية في السمـاء وعلى الأرض وختم قـائمة كل العـــــاجزين عن أن يفصلوننا عـن محبة الله بقوله “ولا علو ولا عمق ولا كل مـا في الخليقة تقدر أن تفصلنا عن محبة الله التي وهبت لنا في المسيح يسوع (راجع رو ۸ : ۳۱-۳۹).
وقبل هذه القـائمة “إذا كان الله معنـا فمن الذي يمكنه أن يقف ضدنـا” .. لنصلي لكي يسكب الله الآب هذه المحبة في قلوبنا، لأن الشهـداء الظافريـن نالوا عطية المحبـة الإلهيـة وأحبــوا الله بقوة الـروح القدس (رو ٥ : ٥) ولما اشتعلت هذه الجمرة الإلهية في قلوبهم قالوا بفم بولس الرسول “لي اشتهاء أن أنطلق وأكـون مع المسيح، وهذا أفضل” (فيلبي ١ : ٢٣) لتكن لنا هـذه العطيـة بالصلاة الدائمة لأن الشهيد أغناطيوس رفض أن تقدم الكنيسة رشوة للجند لكي يطلقوا سراحه حتى مات في روما شهيداً، نعم مات عن العالـم لكي يحيا مع المسيح ورفض أن يحيا بخوف الإنسـان الأول الذي بسبب الخوف طلب الألوهـة من شجرة المعرفة، ولما تعذر عليه أن يحصل عليهـا، سقط في هاوية الموت، لأن الشركة في الطبيعة الإلهية لا تختطف، بل توهب في المسيح (۲بطرس ٣:١).
هجمات الخوف المتلاحقة:
٧- إذا هجم علينا الخوف مثل موجات البحر المتلاحقة فلنجلس حيث نكون، ونرفع قلوبنا إلى الله صارخين لكي يطرد المقاوم الشريـر لأن الرسول قال عن موت ربنا على الصليب، أنه أخذ الناسوت لكـي يبيد بالموت ذاك الذي له سلطان الموت أي الشيطان ويعتق المأســورين كل أيام حياتهم بعبودية الخوف من الموت (عب ٢ : ١٤-١٥).
٨ – إذا ذهبت هذه الموجات بمجرد الصلاة، ليكــن لنـا فـرح بالمسيح، لأن هجمات الشيطان تردعها الصلاة، ولكن إذا عادت هـذه الهجمات وتكررت وصارت ثابتة، علينا إذن أن نفحص قلوبنـا لكـي نرى ما هي الشهوة أو الرغبة الداخلية التي تجعل لهذه الهجمـات قـوة غير عادية تحاول بها أن تأسر إرادتنا. ولنطلب بعزم أن تصلــب هـذه الشهوة وهذه الرغبة لكي لا يكون في داخلنا خيانة قلب تجعل الرغبـة مثل جاسوس أو خائن يفتح حصن القلب المنيع للشيطان.
٩ – لا يقو الشيطان على حياتنا، فهو يجهل أفكارنا ومشاعرنـا حسب تعليــم الشيوخ الذي سلمه إلينــا معلمنـا القـديـس أنطونيوس الكبير فالشيطان يراقب من الخارج، ومـن تصرفاتنـا يعرف – ليس عن يقين – ما يحدث في داخلنا، بل يتوقع من طـول خبرته مع البشر، أن يعرف من حركات الجسد، ومن الكلمــات مـا يحدث في داخل القلب، وهو لا يقو على أن يدخل قلب إنسان ألا إذا كـان في القلب خيانة وارتداد عن الإيمان، وتســليم الإرادة المطلـق، وسماح رحمة الله بأن تحدث هذه الكارثة الحقيقية لإنسان.
۱۰- فالشيطان لا يملك أن يسود على إنسان، إلا إذا سمح الله لـه بذلـك، وهو لا يقو ولا يتسلط علينـا إلا إذا أردنا نحن ذلك مغلوبين من شهواتنـا ونجاسة دوافعنا. لنقل مع رسول المسيح “نحن لا نجهل أفكـــــاره” (۲ کو ۲ : ۱۱) ولنقل مع الطوباوي أنطونيــــوس العظيـم “هـؤلاء بمركبات وهؤلاء بالخيـول أما نحن فيإسم الرب إلهنا نتعظم” (مزمور ١٩ : ٧) ومع موسى النبي “قـم أيهـا الرب الإله وليتفرق جميع أعدائـك وليهرب من أمام وجهك كل مبغضي إسمك القدوس”
11- لنحرص على هدوء القلـب وثبـات الإرادة بوسيلة واحدة وحيدة وهي محبتنا لله حسب قول الرسول “أما غـاية الوصيـة فهي المحبة” (١ تي ١ : ٥) لنسعى لهذه الغاية بقوة من مات عنـا وبعلامة الصليب لكي تنمو فينا هبة الإيمان، وتصبح مثـل شـجـرة عظيمة لا تقوى عليها رياح الشكوك وكذب الأرواح الشريرة.
١٢- يقول أبونا العظيم أنطونيوس إن هجوم الأرواح الشريرة يرافقه ويسبقه أحياناً الرعب واضطراب النفـس وتشويـش الفكر والحزن والخوف من الموت ولذلك علينا أن نطلـب المدافـع عـنـا والمحامي عن حياتنا، الراعي الصالح ربنا يسوع المسيح الذي أرسل الروح القدس المعزي لكي يحمي حياتنا ويغرس فينا السلام [5].
العلَّامة ترتليان
إلى الشهداء
أيها المباركون المختارون للاستشهاد ، إلى جانب المعونة التي تُقدمها سيدتنا وأُمنا الكنيسة من ثدييها الكريمين ، والتي يقدمها كل أخ من دخله الخاص لأجل احتياجاتكم الجسدية في السجن ، اقبلوا منى بعض المساهمة لأجل مساندتكم الروحية . لأنه ليس حسناً أن يأكل الجسد ويتتضور الروح جوعاً ، بل إن كان هذا الضعيف يُعتنى به باهتمام ، فبالأولى يجب ألا يُهمل ما لا يزال أضعف . ليس لأننى مستحق أن أنصحكم بصفتى الشخصية ، لكن لأنه ليس فقط المدربون والمرافبون ، بل وحتى عديمى الخبرة – بل وكل من أرادوا ذلك دون أن يُطلب منهم أحد – اعتادوا أن يحفزوا المصارعين الأكثر براعة بصيحاتهم عن بُعد . ومن أقل حشد للمتفرجين تأتى الاقتراحات المفيدة في بعض الأحيان .
فلذلك أيها المباركون ، أول كل شيء لا تُحزنوا الروح القدس الذى دخل السجن معكم ، لأنه لو لم يكن قد دخل معكم إلى هناك ، لما كنتم هناك اليوم. فهل أنتم تبذلون إذاً جهدكم لأجل الاحتفاظ به ؟ فلأجل ذلك إذاً ، دعوه يرشدكم إلى ربكم . في الحقيقة ، إن السجن أيضاً هو بيت الشيطان الذى يُبقى فيه عائلته ، لكنكم قد أتيتم إلى داخل جدرانه لأجل هذا الغرض بالذات ، أن تطأ أقدامكم على ذلك الشرير في مكانه المفضل . أنتم بالفعل قد غلبتموه تماماً في حرب مُعدة ، فلا تدعوا له أي حق في أن يقول لنفسه : ” إنهم الآن في منطقة نفوذى ، سوف أغويهم بضغائن دنيئة ، وبارتدادات وخصومات بينهم . دعوه يهرب من جواركم ويتوارى عنكم إلى هاويته . دعوه يتضاءل ويهمد كحية أمسكها الحاوى ، أو أُرغمت على الخروج من وكرها .
لا تمنحوه النجاح في مملكته بخلافكم مع بعضكم البعض ، لكن دعوه يجدكم مُسلحين ومُحصنين بالاتفاق . لأن السلام فيما بينكم هو الحرب معه . فبعض الذين لا يجدون هذا السلام في الكنيسة ، اعتادوا أن يطلبوه في الشهداء المسجونين . لذلك ، يجب عليكم أن تجعلوه يسكن بينكم ، وتعززوه ، وتحموه ، فربما يمكنكم أن تمنحوه للآخرين .
ومثلما قد رافقكم أقرباؤكم حتى باب السجن ، رافقتكم أيضاً عوائق أخرى للروح . فإن كنتم من تلك اللحظة قد انفصلتم عن العالم ، فكم بالأكثر يكون انفصالكم عن أسلوب الحياة العالمية وكل أعمالها ؟ ! لا تدعوا هذا الانفصال عن العالم يزعجكم ، لأننا لو اعتبرنا العكس ، أي أن العالم هو نفسه السجن الحقيقى ، فسوف ندرك أنكم قد خرجتم من سجن ، بدلاً من كونكم قد دخلتم سجناً .
إن العالم فيه الظلام الأكبر الذى يُعمى قلوب الرجال . العالم يفرض القيود الأكثر إيلاماً ، والتي تُقيد أشد أرواح الرجال ، فإن العالم يزفر بأسوأ النجاسات – أي الشهوات البشرية . العالم يحوى أكبر عدد من الجرائم التي هي جرائم الجنس البشرى كله . وفى النهاية يترقب الدينونة ، ليس من الوالى بل من الرب .
فلذلك أيها المباركون ، اعتبروا أنفسكم قد نقلتم من سجن إلى ما يمكن أن نسميه دار الأمان . إنه ممتلئ بالظلام ، لكن أنتم أنفسكم النور . فيه قيود ، ولكن الله قد حرركم . فيه روائح كريهة ، لكنكم رائحة ذكية. تنتظرون القاضي كل يوم ، لكنكم ستدينون القضاة أنفسهم. إن من يحزن هناك ، هو من ينظر إلى مُتع العالم .
الإنسان المسيحى قد رفض العالم خارج السجن ، لكنه قد رفض سجناً أيضاً داخل السجن . ليس مهماً أين مكانكم في العالم يا من لستم منه . فإذا كنتم قد فقدتم بعض متع الحياة ، فهذه هي طبيعة التجارة ، أن تكابد خسارة حاضرة حتى يكون الربح فيما بعد أعظم .
حتى الآن أنا لم أذكر شيئاً عن مكافآت الرب التي يدعو إليها الشهداء ، لكن دعونا مؤقتاً نقارن بين حياة العالم وحياة السجن ، ولنرى إن كانت الروح لا تجنى في السجن أكثر مما يخسر الجسد . لكن باهتمام الكنيسة وبمحبة الإخوة ، فحتى الجسد هناك لا يخسر مما ينفعه ، في حين أن الروح كذلك تنال فوائداً عظيمة .
أنتم لستم مضطرين للنظر إلى الآلهة الغريبة ، ولا للاصطدام بصورها . لا تشتركون فىى الأعياد الوثنية ، ولا حتى بمجرد الاختلاط الجسدى . لستم متضايقين من الروائح النجسة التي للاحتفالات الدينية الوثنية ، ولستم متألمين من ضوضاء العروض العامة ، ولا من فظاعة وجنون وخلاعة المحتفلين ، ولا تقع أعينكم على المواخير وبيوت الدعارة . أنتم متحررون من مسببات الخطية ومن التجارب والتذكارات الدنسة ، بل أنتم أحراراً الآن أيضاً من الاضطهاد .
يقدم السجن للمسيحى ما قدمته البرية للأنبياء ، وحتى ربنا نفسه قضى الكثير من الوقت في الخلوة ، حيث أمكنه أن يحصل على حرية أكبر للصلاة ، حتى يمكنه أن يتخلص من العالم ، وقد أظهر مجده للتلاميذ في خلوة جبلية كذلك .
لذا ، دعونا نطرح لفظ ( سجن ) ونسميه مكان الخلوه . فبالرغم من أن الجسد مقيد ، لكن كل الأشياء مُتاحة للروح . إذاً طوفوا بالروح خارجاً ، وتنزهوا ، ولا تهبطوا عند الممرات الظليلة أو المصفوفة بالأعمدة ، بل في الطريق المؤدى إلى الله .
كُلما سارت خطواتكم إلى هناك بالروح ، كُلما كنتم بلا قيود . فلن تشعر القدم بالقيود عندما يكون العقل في السماوات . إن العقل يسع الإنسان بأكمله ، ويحمله أينما يريد . لكن لأنه حيثما يكون قلبنا يكون كنزنا ، فلنجعل إذاً قلوبنا هناك ، حيث كنزنا .
لنفترض الآن أيها المباركون أن السجن مُحزن حتى للمسيحيين ، لأننا دُعينا إلى معركة الله الحى منذ اللحظة الأولى لاستجابتنا للنصوص المقدسة . فلا يوجد جندي يخرج للغزو وهو مُحمل بالرفاهيات ، ولا من يخرج للمعركة من حُجرته المريحة ، بل من الخيمة الخفيفة الضيقة ، حيث يجب أن يحتمل كل أنواع القسوة والخشونه والضيق . وحتى في أوقات السلم ، فإن الجنود يُدربون أنفسهم على الحرب بعناء ومشاق ، ويتحركون حاملين السلاح ، ويقطعون السهول ، ويعملون في الخنادق ويصنعون الدبابة.
إنهم مشغولون بالكثير من الأعمال الشاقة ، وكل شيء يكون بعرق الجبين . فلا تضطرب الأجساد ولا العقول إذا اضطرت للعبور من الظل إلى الأماكن المشمسة ، أو من الحر إلى البرد القارس ، أو من تغيير رداء السلم إلى لبس الدروع ، أو من السكوت إلى الصراخ ، أو من الهدوء إلى الضجيج .
بنفس الطريقة أيها المباركون ، اعتبروا أي شيء صعب مما يصيبكم أنه تدريب لقواكم العقلية والجسدية . أنتم على وشك اجتياز جهاد نبيل ، حيث يقوم الله الحى بدور المراقب ، والروح القدس هو مدربكم ، والجعالة هي إكليل أبدى جوهر ملائكى . الجعالة هي المواطنة في السماوات ، والمجد الأبدى .
لذلك فإن سيدكم يسوع المسيح الذى مسحكم بروحه وقادكم بعيداً إلى ساحة القتال ، قد رأى أن ذلك حسن لكم أن يأخذكم قبل يوم القتال من حياة الدعة ، وأن يفرض عليكم معاملة أصعب حتى تصبح قوتكم أكبر . لأن المصارعين أيضاً يُعزلون إلى تدريب أكثر عنفاً كيما تُبنى قواهم البدنية .
إنهم يُمنعون من الترف ومن اللحوم اللذيذة والمشروبات المُبهجة . إنهم يُضغطون ويُنهكون ويُرهقون ، وكلما كانت أعمال تدريباتهم التجهيزية أصعب ، كلما ازداد الأمل في الأنتصار .
لقد قال الرسول بولس : ” أما أولئك فلكى يأخذوا إكليلاً يفنى ” . أما نحن ، فمع رؤيتنا للإكليل الأبدى ، ننظر إلى السجن كساحة تدريب . لأننا لأجل هدف الدينونة الأخيرة نتقدم متدربين جيداً بكثير من المحاولات ، لأن الفضيلة تُبنى بالأتعاب ، كما أنها تخرب بالانغماس الشهوانى .
ونحن تعلمنا من قول الرب أن الجسد ضعيف والروح نشيط ، لكن دعونا لا نتخذ معرفة الرب لضعف الجسد سبباً للراحة الباطلة. لأجل هذا السبب بالتحديد قد صرح أولاً بأن الروح نشيط ، حتى يُمكنه أن يبين أيا منهما يجب أن يخضع للآخر ، أي أن الجسد يجب أن يخضع لطاعة الروح . فالضعيف يخضع للقوى ، وبالتالي الأول يتقوى بالثانى . دعوا روحكم تتكلم مع الجسد عن الخلاص الشامل . لا تجعلوها تفكر طويلاً في متاعب السجن ، لكن في المصارعة والمعركة المهيأة لها .
ربما يخاف الجسد من السيف الذى لا يرحم ، ومن الصليب المرفوع عالياً ، ومن غضب الوحوش المفترسة ، ومن عقاب النيران ، ومن كل وسائل الرعب ، ومن براعة الجلادين في التعذيب . لكن في المقابل ، دعوا الروح تضع بوضوح أمام نفسها وأمام الجسد ، كيف أن هذه الأمور رغم كونها مؤلمة للغاية ، إلا أن كثيرين قد احتملوها بهدوء ، بل وقد صارت تُشتهى بلهفة لأجل الشهرة والمجد ، ليس فقط بين الرجال ، بل والنساء أيضاً . لذلك أنت أيضاً أيتها المرأة المباركة ، قد تصبحين من المُعتبرين بين بنات جنسك .
يعوزنى الوقت أن أُحصى واحداً فواحداً من الرجال الذين وضعوا نهايتهم بمحض إرادتهم . أما عن النساء فهناك حالة مشهورة حدثت عن قريب ، وهى قصة ” لوكريتيا ” المُغتصبة ، والتي غرزت السكين في جسدها أمام أهلها ، حتى تحصل على المجد بسبب حبها للعفة . و”موكيس ” الذى أحرق يده اليمنى على المذبح حتى بفعلته هذه يظل مشهوراً . لقد سبقوا الفلاسفة .
هناك مثلاً ” هيراكليتس ” الذى لطخ نفسه بروث البقر وحرق نفسه ، و ” إمبيدوكليس ” الذى قفز إلى داخل النيران في آتينا ، و” بريجزينس ” الذى ألقى نفسه وسط المحرقة الجنائزية منذ فترة ليست ببعيدة .
حتى النساء قد استخففن بالنيران . هكذا فعلت ” ديدو ” خشية أن تُجبر على الزواج مرة أخرى بعد موت زوجها العزيز عليها جداً . وهكذا فعلت زوجة ” هازدروبال ” التي وقتما كانت ” قرطاج ” تحترق ، والمدينة مسقط رأسها تخرب ، اقتحمت النيران مع أولادها لكى لا ترى زوجها يتوسل تحت أقدام ” سكيبيو ” و ” ريجالاس ” قائد الجيش الرومانى الذى أسره القرطاجيون ، رفض أن يُطلق سراحه مقابل عدد ضخم من القرطاجيين ، مفضلاً أن يردوه إلى الأعداء مرة أخرى ، فحُشر داخل ما يشبه الصندوق ، وطُعن بمسامير دُقت من الخارج ، وكابد الصلب مراراً كثيرة .
توجد امرأة طلبت الوحوش المفترسة والحيات السامة بإرادتها ، ألا وهى ” كليوباترا ” . وهذه الحيات التي دفعت نفسها حتى لا تقع في أيدى أعدائها ، كانت أسوأ من الدب أو الثور . وإن كان الخوف من الموت ليس أكبر من الخوف من العذاب ، فمع ذلك خضعت العاهرة الأثينية للجلاد ، حينما تعرضت للتعذيب على يد الطاغية لاشتراكها في مؤامرة ، واستمرت في عدم خيانة شركائها . وفى النهاية ، قضمت لسانها وبصقته في وجه الطاغية ، حتى يقتنع بعدم فائدة تعذيباته مهما استمرت مُدتها .
إلى هذا اليوم الجميع يعلم ما هي عظمة الاحتفال الدينى الكبير الذى يُسمى ( الجلد ) ، الذى طقسه الدينى أن يُضرب الشباب الاسبرطى بالسياط أمام المذبح ، بينما الآباء والأقرباء يُعضدونهم ويشجعونهم على الاحتمال بشجاعة تامة ، لأن تقديم الروح نفسها للألم يُحسب دائماً أكثر شرفاً ومجداً من تقديم الجسد .
فإن كان مقدار المجد الأرضى عالياً هكذا ، وقد فاز هؤلاء الرجال بالقوة العقلية والجسدية لأجل أن يُمتدحوا من أتباعهم ، فأستطيع أن أقول : ” استهينوا بالسيف والنار والصليب والوحوش المفترسة والعذاب ، لأنه سيكون بالتأكيد مجرد معاناه طفيفة لأجل الحصول على مجد سماوى ومكافأة مقدسة . وإن كانت قطعة صغيرة من الزجاج هي ثمينة هكذا ، فكم تستحق اللؤلؤة الحقيقية ؟ ألم نُدعى إذاً لفرح أكثر ؟ لأننا نُنفق هذا كله من أجل الحق ، بينما يفعل الآخرون ذلك لأجل الباطل .
والآن سأترك جانباً دافع المجد .
أنتم ترون نفس هذه القسوة ونفس هذه الآلام تحدث في المبارزة بين الرجال ، وهم يعتبرونه حسالة مدوسة تحت الأقدام ، ليس لشئ إلا لمجرد الزهو ، وهو في الحقيقة نوع من الأمراض العقلية . فكم عدد الذين قدمهم الزهو بالأسلحة للسيف ؟ إنهم بالفعل ينزلون لملاقاة الوحوش شديدة الأفتراس لحب الشهرة والإعجاب بالنفس ، ويتخيلون أنفسهم أكثر جاذبية بعضات وآثار جروح المبادرة . البعض باع نفسه للنيران بالجرى لمسافة معينة برداء مشتعل ، والآخرون يسيرون تحت سياط القناصة ما تستطيع أكتافهم تحمله . إن الرب لم يسمح بهذه الأشياء في العالم بدون سبب أيها المباركون ، بل لأجل تحفيزنا الآن ، وأيضاً لأجل خزينا في ذلك اليوم إذا ما خفنا من التألم لأجل الحق الذى هو خلاصنا ، في حين أن الآخرين بدافع الزهو يطلبونه بلهفة لأجل هلاكهم .
لننتقل مرة أخرى من أمثلة الاحتمال بثبات – التي لها نفس الأسباب – ونتحول إلى تأمل بسيط لحالة الإنسان في ظروفه العادية ، عسى أن نأخذ عبرة من أشياء تحدث لنا ، سواء شئنا أم أبينا ، وهى التي يجب أن نضعها نصب أعيننا . كم من مرة التهمت النيران الأحياء ، وكم من مرة مزقت الوحوش المفترسة الرجال إرباً .
ربما في غاباتها ، أو في قلب المدن حينما استطاعت الهروب من أوكارها ! وكم عدد الذين سقطوا بسيف اللص ، وكم عدد الذين كابدوا موت الصليب على أيدى أعدائهم ، بعد أن عُذبوا أولاً ، وتعامل الناس معهم بكل أنواع الاستهزاء ؟ قد يعانى الفرد على يد إنسان ، ما لا يتصور أن يعانيه على يد الله . من جهة هذه الحقيقة ، فإن الحاضر يشهد حينما لقى الكثير من الأشخاص ذوى الشأن مصرعهم بسبب إنسان ، وهو ما كان يبدوا أمراً غير متوقع بسبب أصلهم أو شرفهم أو حالتهم الجسدية أو سنهم ، سواء بالعذاب على يد هذا الإنسان إن كانوا قد تحالفوا ضده ، أو على أيدى أعداء هذا الإنسان إذا ما كانوا من مناصريه [6] .
عظات آباء وخدام معاصرين
المتنيح الأنبا يؤانس أسقف الغربية
مكانة الشهداء في الكنيسة (رؤ ٦ :٩،١١) .
للشهداء مكانة متميزة في السماء ، في الكنيسة المنتصرة … اذ هم تحت المذبح ، واعطوا ثياباً بيضاً . اننا لا نعجب من ذلك ، فليس أعظم من أن يسفك الانسان دمه لأجل من يحبه ” ليس حب أعظم من هذا ” … أو بحسب تعبير يوحنا في رؤياه ” ولم يحبوا حياتهم حتى الموت . لا عجب اذن ، ان رأينا الكنيسة المجاهدة تكرمهم ، وتضعهم في منزلة خاصة في صلواتها ، وتقدس أضرحتهم ، وذخائرهم ، وتطلب شفاعتهم …
والكنيسة حينما تفعل ذلك انما تفعله احياء لتذكار وفاء هذا الجيش الضخم النبيل من الشهداء ، الذين لم يضنوا بدمائهم وأرواحهم في سبيل حفظ الإيمان الحى من الشهداء ، الذين لم يضنوا بدمائهم وأرواحهم في سبيل حفظ الإيمان الحى ، الذى انحدر الينا عائماً على بحر من دمائهم . وهى تفعل ذلك أيضاً اعترافاً بالشركة غير المنفصمة بين الكنيسة المجاهدة والمنتصرة .
وعلى رجاء قيامة الأجساد ، قدمت الكنيسة للشهداء ، ولذخائرهم ، احتراماً يستحقونه . وهكذا تعبر كنيسة سميرنا ( أزمير ) عن تقديرها وحبها للشهداء في خطابها سنة ١٥٥ الذى تروى فيه استشهاد بوليكاربوس أسقفنا ” لا يمكننا أن نترك المسيح الذى تألم عن خلاص العالم كله ، ولا أن نعبد غيره . إياه وحده نعبد كابن الله . اما الشهداء فنحبهم حسبما يستحقون ، من أجل حبهم الفائق لملكهم وسيدهم كما نود أيضاً أن نكون رفاقهم ” .
تضع الكنيسة الشهداء في مرتبة سابقة لجميع القديسين على اختلاف رتبهم … هم يتقدمون البطاركة والنساك ، ولا يتقدمهم سوى العذراء الطاهرة والدة الاله ، والطغمات السمائية ، ورؤساء الآباء ، والانبياء . وتذكر الكنيسة أسماءهم في مواضع عديدة من خدماتها ، تطوبهم ، وتطلب شفاعتهم وبركتهم :
في الصلوات والتسابيح :
– تذكرهم الكنيسة في الابصلمودية ( السنوي والكيهكى ) ، وكذا في الذكصولوجيات والابصاليات الخاصة بهم وفى الدفنار .
– يذكرهم الآباء الكهنة في تحليل الكهنة عقب صلاة نصف الليل ” بشفاعة ذات الشفاعات ، معدن الطهر والجود والبركات ، سيدتنا كلنا وفخر جنسنا ، العذراء البتول الذكية مارت مريم … وكافة الملائكة والانبياء والرسل والشهداء والقديسين والسواح والعباد والنساك والمجاهدين … ” .
– وتذكرهم الكنيسة في القداس الالهى في بعض الالحان المستديمة ( الهيتينيات ) ، وأحياناً في مرد الابركسيس ، وفى مجمع الآباء القديسين ، وفى الحان المناسبات .
– وتقدم الكنيسة سيرهم للقدوة والبركة في السنكسار الذى يتلى على المؤمنين في كل قداس .
ذخائر الشهداء ، واضرحتهم ، واحياء تذكاراتهم :
في المفهوم الروحى الكنسى يعتبر يوم موت الشهيد هو يوم ميلاده السماوى . وكتعبير عن هذا المفهوم يقول القديس اغسطينوس انه اذا كان يوم خروج الطفل من أحشاء أمه المظلمة ، يحتفل به كعيد لميلاده ، فبالاولى يعتبر عيداً يوم ينحل الانسان من رباطات الجسد المظلمة ، وينطلق من هذا العالم إلى المجد الاسنى .
وكانت الكنيسة منذ الأجيال الأولى تحتفل بتذكار استشهاد الشهيد سنوياً – وكان ذلك يحدث غالباً في كهف أو سرادب – بالصلاة ، وقراءة سيرة جهاده ، وآلامه وظفره ، وتقدم القرابين ويحتفل بالعشاء السرى .
وقد درجت الكنيسة على جمع وتدوين سير الشهداء . ولكبريانوس أسقف قرطاجنه الشهيد رسالة أرسلها إلى الكهنة والشمامسة ، بينما كان مختفياً ، يحثهم فيها على ذلك . كما حرصت الكنيسة على الاحتفاظ بأجساد الشهداء أو في القليل بقاياهم . وبعد انتهاء زمان الاضطهاد أقيمت أضرحة خاصة دفنت فيها ، أو الذخائر ( البقايا ) تحت المذبح
ولكن حدث في بعض الاضطهادات ، أن المضطهدين – لعلمهم بحرص المسيحيين على اقتناء هذه الذخائر والاجساد ، فضلاً عن أنها كانت مصدراً لبث روح الشجاعة فيهم – كانوا يلقونها في البحار والانهار ، أو يتركونها في العراء خارج المدن تنهشها الكلاب والوحوش الضارية والطيور الجارحة وقد تميز الاضطهاد الكبير الأخير ( ديوكلتيانوس وأعوانه ) ، بمثل هذه الإجراءات . كان المسيحيون الأوائل ينظرون إلى أجساد الشهداء وذخائرهم ككنوز ثمينة … هكذا أكرمت كنيسة انطاكية بقايا أغناطيوس أسقفها الشهيد ، الذى أحرق في روما .
واعتبرت كنيسة سميرنا عظام بوليكاربوس انها أثمن من الذهب والماس . وجمع أبناء كبريانوس أسقف قرطاجنة وأصدقاؤه ، دمه في مناديل وشيدوا هيكلاً فوق قبره .
يقول القديس يوحنا الذهبى فمه ” لنسجد أمام بقايا الشهداء ، ونحتضن توابيتهم ، فتوابيت الشهداء يمكن أن تكسب الانسان قوة كبيرة ” . ويؤكد أن عظام الشهداء تطرد الامراض وتبعد الموت .
وحيث تدفن عظام الشهداء تهرب الشياطين كما من نار وعذاب لا يطاق . وقد تبارت الكنائس المختلفة والاديرة في الاحتفاظ بأجساد الشهداء وذخائرهم . وكان المسيحيون يسارعون اليها طلباً لبركتها ، ومعونه أصحابها ، حتى أن القديس باسيليوس الكبير يصفهم بأنهم – بعد موتهم – يصبحون صيادين للناس ، يجذبون ربوات منهم إلى قبورهم .
ومازالت كثير من الكنائس والاديرك القديمة في العالم – خاصة في مصر – تحتفظ بالكثير من ذخائر هؤلاء الشهداء الابرار . وكانت تفعل ذلك لغرضين ، أولهما إيمانها بينبوع البركة الكائن فيها وكانت تحدث معجزات كثيرة من هذه الأجساد والذخائر ، وثانيهما لتعلن انها على ايمان هؤلاء الشهداء الابطال وكمثل نقول أن أجساد الأربعين شهيداً التي أحرقت بعد استشهادهم في سبسطية بأرمينيا سنة ٣٢٠ على عهد ليكينيوس ، حفظت بكل عناية وحرص ، ووزعت على المدن المختلفة ، حيث أقيمت على اسمهم كنائس كثيرة . وقد حصلت أم القديس باسيليوس وأخته ماكرينا ، على جزء منها ، وبنيت على اسمهم كنيسة في المكان الذى اتخذاه منسكا لهما قرب أنيسى في البنطس .
التشفع بالشهداء :
وهذه عقيدة إيمانية انجيلية ، تمسكت بها ومارستها الكنيسة الجامعة منذ البدية ، ايمانا منها بالصلة القائمة فعلاً بين أعضاء جسد المسيح السرى الواحد ، بين الذين ما زالوا يجاهدون على الأرض ، والذين انطلقوا ظافرين إلى السماء ، وقد تأيد كل ذلك بتعليم آباء الكنيسة القديسين ومعلميها ، عن فعالية صلوات الشهداء أمام عرش النعمة ، وبما أعلن للشهداء من رؤى قبيل استشهادهم .
ففي زمان الاستشهاد ، وبينما كانت أعداد الشهداء كثيرة ودائمة ، كان ينظر اليهم على أنهم سفراء من الكنيسة المجاهدة على الأرض إلى سيدها في السماء . وكان اخوتهم يسألونهم أن يتذكروهم ليذكروهم حينما يمثلون أمام المسيح .
يقول القديس باسيليوس الكبير في حديثه عن الشهيد ماماس – وهو راعى غنم استشهد في قيصرية كبادوكية سنة ٢٧٤ – ” تذكروا الشهيد ، كل الذين شاهدوه في أحلام ، والذين استقروا في هذا المكان واتخذوا منه معيناً في الصلوات ، وكل من عاونهم أقامهم من مرض . وكل من شفى أطفالهم ، وأنقذهم من موت محقق … اجمعوا الحقائق كلها معاً ، وانظموا له مديحاً … وليوزع كل واحد ما لديه من معلومات عن الشهيد على من يجهل سيرته ” .
ويقول القديس غريغوريوس الثيؤلوغوس ( النيزينزى ) عن كبريانوس الشهيد ” ان تراب كبريانوس مع الإيمان ، يمكن أن يفعل كل شيء . ويعلم ذلك كل من خبر هذا الامر ” .
والقديس غريغوريوس أسقف نيصص في كلامه عن الشهيد تاوضروس المشرقى – وكان جسده مدفوناً في نفس الكنيسة يقول ” لقد ذهب إلى الله … وهو ما زال يخرج الشياطين … يطلب عنا من الله الأشياء النافعة لنا . لقد جعل من هذا المكان ، قاعة للاستشفاء من أمراض متنوعة ” .
والقديس باسيليوس الكبير يتكلم عن شهداء سبسطية الأربعين ، فيقول – موجهاً كلامه لشعبه – ” أنتم دائماً تبحثون عن واحد يصلى عنكم ، هوذا أربعون . اذا اجتمع أثنان أو ثلاثة باسم الرب ، هناك يكون الرب حاضراً . وان كان هناك أربعون ، فمن يشك في حضوره ؟ ! هؤلاء هم الذين يحرسون بلادنا كخط دفاع ” .
ويقول القديس اغسطينوس ” نحن لا نصلى عن الشهداء ، فهم قد أكملوا حبهم للرب أكثر من أي انسان . نحن نسألهم أن يذكروننا[7] ” .
مجلة مرقس
لا تخف … هذا هو الله :
ــ وراء الفردوس المفقود مخلص (تك ٣ : ١٥)
في وسط الطوفان فلك (تك ٧ : ١٣)
– خلفك خروف معد للذبيحة (تك ٢٢ : ١٣)
– في طريق الغربة سلم يوصل إلى السماء (تك ٢٨ : ١٢)
في شيخوخة اليأس يبلغك خبر رئاسة يوسف (تك ٤٥ : ٢٦)
– أنين السخرة والإضطهاد يحرك قلب الله (خر ٢ : ٢٤)
– فوق رأس فرعون المضطهد يقف الملاك المهلك (خر ١٢ : ٢٩)
– في أعماق البحار أعد لنا نحن السائرين نحو كنعان السماوية طريقاً لأرجلنا (خر ١٤ : ٢٢)
عظمة جيوش الأعداء وسطوتهم ، أمواج البحر كفيلة بمحاربتهم (خر ١٤ : ٢٧)
في طرق الله القفرة توجد صخرة تنبع ماء حياً (خر ١٧ : ٦)
للرب حرب مع عماليق من دور فدور (خر ١٧ : ١٦)
– السائرون وراء تابوت الرب لا يحتاجون إلى قنطرة طالما يتقدس الكهنة حاملو التابوت (يش ٣ : ٥)
-في السماء يوجد من يعرف أن يخبز خبر فطير كرقاق بعسل (خر ١٦ : ٣١)
– أسوار أريحا العالية الحصينة لا يهدمها أكثر من اللف حولها سبع مرات بملابس الخدمة وهتاف الأبواق باسم الرب (يش ٦ : ٣ -٥)
-جيش الله يغلب سواء بثلاثة آلاف أو بثلاثمائة ولكن لابد من رفع المخالف من الوسط (يش ٨)
– شعب الله ينتصر حتى ولو كان في مذلة السخرة طالما يوجد في حقول مديان
جدعون ، وإن لم يوجد ولا رجل فدبورة تقضي (قض ٤ ، ٥ ،٦)
-لكرم عنب « نابوت اليزراعيلي » تخوم في السماء لا تزال ثابتة باسمه حتى اليوم بالرغم من استيلاء آخاب عليها وتقليب الزمن (٢مل ٩ : ٨)[8]
القديس القمص بيشوي كامل
عظة عن القديس العظيم مارمينا العجايبى
بسم الآب والآبن والروح القدس الاله الواحد آمين
الشهر ده شهر هاتور شهرالزراعة . ونفتكر الأحد اللى فات أو اللى قبليه كان إنجيل الأحد على مثل الزارع ، اللى خرج ليزرع . ليه ؟ . لأن المسيح ربط بين الزراعة وبين نمو الكلمة في حياة الإنسان .. وقال إن الإنسان ده بيقى زى الأرض اللى تطلع فيها النبتة . أمال .. زى الفلاح اللى بيزرع يتعب يأخذ ثمر ، ما يتعبش ما ياخدش .
فكان الأحد اللى فات واللى قبليه وطبعاً الزراعة في المسيحية أو الزراعة الروحية تبتدى من أين .. علشان كده إنجيل بكرة هايكون كده .. النهاردة العشية بتقول تعالوا إلى وأنا أريحكم . يعنى مافيش زرع ينفع بعيد عن عمل نعمة ربنا يسوع المسيح.
وانجيل بكرة بيقول .. اللى عايز يمشى ورايا وأرضه تجيب ثمر يحمل صليبه ويتبعنى .. تبعية المسيح هي بداية الخير كله … وزراعة الأرض دى عايز تعب وعايز عرق وعايز جهاد .. هو ده حمل الصليب تعرق في زراعة الأرض تجيب ثمر .. ماتعرقش في زراعة الأرض ماتجيبش ثمر ، ده شهر جميل جداً شهر هاتور .. شهر البناء الروحى .. شهر البناء الروحى اللى بيحصده ربنا .. ليه ؟ لأن البناية بتبتدى بالأول بكلمة ربنا .. اللى عايز يبنى روحه يبنى نفسه يبتدى بالأنجيل .. اللى يهمل الانجيل ما يتبنيش أبداً .. اللى يدرس في الانجيل يبتدى يزرع زرعة كويسة .
اللى يزرعها بالعرق بحمل الصليب وبالجهاد يأخذ ثمرها ..دى حياة القديسين اللى هم تبعوا المسيح . والانجيل بتاع الأحد الرابع برضه على نفس موضوع الصليب ده .. الشاب الغنى اللى جرى وراه وقال له اعمل ايه عشان أخذ الحياة الأبدية دى كلها ؟ قال له تعال بع كل مالك تعال واتبعنى كل يوم حاملاً الصليب .
ولو إن الموضوع في مظهره موضوع متعب .. انجيل الصليب .. وبع كل مالك . لكن انجيل العشية النهاردة انجيل معزى جداً .. تعالوا إلى ماتخافوش .. تعالوا إلى ماتروحوش لحد غيرى .. تعالوا يا جميع المتعبين .. تعالوا يا ثقيلى الأحمال .. أنا وحدى أريحكم . ماتروحوش لحد غيرى .. أنا اللى أقدر أريحكم . الصليب بتاعك ثقيل . ونيرى هين .. نيرى هين وحملى خفيف .. ها يكون إيه نير المسيح . نير المسيح ها يكون وصيته .. وصية الانجيل نير .. نير .. نير صعب قوى نير متعب وصية الانجيل .. طب أسأل اللى نفذوا الوصية ، ها يقولوا لك ده نيره هين لذيذ وحمله خفيف .
يا اخويا دى الناس بره بتقول دى المسألة صعبة ووصية الانجيل صعبة .. ومن جوه يقول لك نيرى هين وحملى خفيف .
إحنا النهاردة لازم نتكلم عن ترجمة عملية للانجيل .. ترجمة عملية للانجيل .. والناس اللى ترجموا لنا الانجيل عملى هم القديسين . لأن القديس عبادة عن انجيل مقروء .. القديس انجيل مقروء القديس بدأ بنفسه لكن عاش الانجيل .. أو الانجيل بالنسبة ليه كلمة الله المعاشة .. الانجيل مش المسموع مش الانجيل اللى بيتقرى .. الانجيل اللى بيتعاش .
احنا النهاردة بنعيد بتذكار مارمينا العجايبى وأيضاً يبقى النهاردة عيد تذكار نقل رفات البابا كيرلس إلى المكان الذى فيه الدير في نفس اليوم ده ..
وأروع تعبير عن حياة مارمينا الصورة المعروفة عنه المشهورة يعنى ..اللى تلاقيها على أغلب الكتب بتاعته . واقف في ريح السيد المسيح ليه المجد … واقفين في ريح بعض كده .. وبعدين ربنا يسوع حاطط ايده على كتفه كده واصابعه باينة من قدام .. الصورة دى صورة أثرية من أيام مارمينا إنما هي فيها الموضوع كله فيها سر حياة مارمينا الصورة دى .. المسيح واقف كده ومارمينا في ريحه .. وهو حاطط ايده على كتفه .. الصورة دى موجودة في متحف مارمينا في فرنكفورت في المانيا .. ومش صعب طبعاً إن يكون في أكبر بلاد المانيا متحف مخصوص باسم مارمينا لأن الرجل العلامة اللى جه سنه ١٩٠٧ عشان يكشف الآثار بتاعة مارمينا بعدما انخربت . الراجل ده زى ما بيقولوا المؤرخين إنه حمل معاه ١٠٠ صندوق .. مائة صندوق كبير زى اللى بتشوفهم في مواكب الشحن دول . ١٠٠ صندوق من الآثار العظيمة جداً والتحف النادرة اللى كانت في آثار مارمينا وحطهم في مركب ووداهم المانيا وهم دلوقتى في متحف فرانكفورت .
إنما أنا بأكلمك على الصورة دى اللى كنت أتمنى إنه تكون بين أيدينا دلوقت . علشان نشوف مارمينا واقف فين .. مارمينا واقف جنب المسيح والمسيح حاطط ايده علي كتفه .. شفت أنت المنظر كثير .. واحد ماشى مع صاحبه بيحبه وحاطط إيده على كتفه وده كان تعليل رائع ملاقاش الفنان القبطى أروع منه إنه يعبر عن الصداقة القوية جداً اللى كانت بين مارمينا وبين المسيح فى شكل صديق حاطط ايده على كتفه .. وهو ده بيت القصيد في الموضوع كله .. الصداقة .
وطبعاً مارمينا بختصار عشان نترك النواحى التاريخية دى .. له آثار كثيرة في العالم كله لأن إحنا بنسمع إن المسيحية وصلت إلى أيرلندا عن طريق سبع رهبان ، السبع رهبان دولت مذكورين في القداس بتاع الكنيسة الأيرلندية . وتقول .. اذكر يارب السبع رهبان اللى جونا وبشرونا .. اللى جونا من مصر . السبع رهبان دول أول لما وصلوا ايرلندا بنوا كنيسة باسم مارمينا . وده يؤكد إن السبع رهبان دول كانوا من دير مارمينا .
وأيضاً كان في تأثير للكنيسة القبطية في جنوب افريقيا في ذلك العصر من راهب أيضاً وصل إلى جنوب افريقيا من دير مارمينا . لأن المدينة كانت عظيمة بشكل يفوق الوصف .. والمهم أن أحد الولاة اللى جه بعد هارون الرشيد حمل من هذه المدينة من الأعمدة الرخامية ما يكفى لبناء جميع مساجد بغداد والقصور للخلفاء الراشدين .. الخلفاء بتوع الدولة العباسية .
ولما جه العالم الألماني ده وحمل الآثار المهولة دى وداها بره المانيا . ففضلت بقايا أيضاً اخذها العمدة بتاع أبو صير في ريح الدير وبنى بها قصر كبير وأبراج عظيمة وسمى المنطقة دية برج العرب اللى هاتبقى البلد اللى بعد مارمينا برج العرب كلها اتبنت من الآثار العظيمة اللى أخذها العمدة بتاع أبو صير ده وبنى بها المدينة دى .
لكن نشكر ربنا جداً إن كنيستنا صحيح لها تراث أثرى لكن كنيستنا عمرها ما كانت حجارة . لكن كنيستنا قديسين . صحيح حتى لما نسمع مثلاً عن قديس يمكن ما اتكتبش أو التاريخ لم يحك لنا عن حياته أكثر من صفحة لكن القديس لما تسمع عنه سيرته وريحته تعبق الدنيا زى الانبا بولا أول السواح.
فأباؤنا القديسين عاشوا الانجيل فتركوا لينا أثر . إذا كان الانجيل اللى مكتوب على الورق ده بالحبر بيعيش ١٠٠ سنة و٢٠٠ و ٣٠٠ و ١٠٠٠ وبيلاقوا مخطوطات قديمة .. الانجيل اللى بيتكتب بالحبر على الورق بيتقطع ده بيعيش بالآف السنين . أمال ما بالك ايه الانجيل اللى عاشوه القديسين حياتهم عمرها ما تنطفى . لأن دولت لم تكتب كلمة الله في حياتهم بالمداد وحبر .ولكن بروح الله الذى لا ينطفئ ابداً .
الروح القدس يا أحبائي كقول أحد آبائنا .. الروح القدس يبدأ في حياة الإنسان بعمل عجيب إذا سلم الإنسان حياته لله . إذا سلم الإنسان حياته لله يعشق الروح القدس هذا الإنسان فيأخذه بعيداً عن الناس .. يأخذه بعيد عن الناس . يفرح بيه يعنى الروح القدس عندما يأخذ الإنسان بعيداً عن الناس يدخله بواتقة التعليم والاعلانات الإلهية الرائعة السماوية . حتى إن هذا الانسان الذى سلم حياته لله لا يريد أن تعلن حياته فيما بعد للشر بتاتاً يختفى .
والروح القدس بدوره مرة ثانية يبدأ في اعلان سيرة هذا الإنسان الذى سبق ان اختفى عن اعين الناس . وعندما يعلن الروح القدس عن هذه النفس .. يا سلام .. ما فيش أحد يقدر يخفى هذه السيرة .. وها تتعجب جداً أن الروح القدس هذا هو عمله ووظيفته . لأن الروح القدس هو يشهد لى .. الروح القدس يعمل في حياة قديس مخفى عن العالم .. لازم يجى وقت ريحة القديس ده تملأ العالم كله .
مين يكون مارمينا .. ظهر قديس شاب عيل يعنى .. لأنه ابتداء حياته النسكية في سن ١٤ سنة وهو عيل . فتح قلبه للمسيح ، الروح القدس استلمه أخذه . قال له سيبك من الجندية دى . ساب الجندية .. قال له ياللا بينا على الصحراء . راحوا على الصحراء هو والروح القدس .. حد سمع عنه ؟ ما حدش سمع عنه . وبعدين جه عصر دقلديانوس عصر الشهداء .. الروح القدس قال له ياللا خذلك اكليل بقى .. عشان إيه ؟ إنت ستويت .. مادام استويت لازم حياتك تتكلل في الآخر .. ماحدش سمع عنه .. ماحدش سمع عنه أخذه الروح القدس ونزل ثانى اسكندرية .
استلمه الوالى عذبه . وكان العصر ده عصر رهيب جداً في الاستشهاد اللى هو الوقت المعاصر للبابا بطرس خاتم الشهداء وطبعاً مش وقته إن احنا نحكى عن هذا العصر . لكن البابا بطرس خاتم الشهداء كان البابا البطريرك الذى له قصته المشهورة المعروفة اللى نال اكليل الشهادة في الإسكندرية في عصر دقلديانوس بداية التاريخ القبطى .
فالروح القدس أخذ مارمينا .. نزلوا اسكندرية عذبوه عذبات كثيرة . أخيراً قطعوا رأسه ونال اكليل الشهادة . واندفن في الصحراء ، ونسوا مارمينا في الصحراء بإختصار .. سنين طويلة لغاية لما الروح القدس شاور قال هنا في الحته دى . هي دى الكنيسة بتاعتنا .
إوعى تفتكر ان ممكن عظمة الناس تكون بكثرة مؤلفاتهم أو كتاباتهم أو بكثرة ما قالوا من كلام .. ده يبقى انحيل عادى .. انجيل كتب ..انجيل بتاع وسائل الاعلام بتاع العصر الحديث .. طب ياربى هو زمان كان فيه وسائل إعلام زى دلوقت وراديوا وتليفزيون ومجلات وبتاع وحاجات زى كده ؟ لا ماكانش حاجة .. والروح القدس كان بيعمل إزاى في حياة الناس دول .. دى طريقته وشغلته .. راعى الغنم عنده غنمة جربانة تنزل في الميه تستحم وتتمرغ في التراب تخف ، يوصل الخبر لأمبراطور روما تقول ايه الحكاية ؟ عنده بنت مريضة تروح هناك تبات يقول لها أنا تحت .
يجى الملك زينون بنفسه يلاقى بنته حفت ويكشف عن مارمينا ويأمر أكابر روما والعالم كله إن كل رجل كبير يرىح يشترى أرض مريوط ويبنى قصر وبيوت للناس وتتحول هذه المدينة إلى اسطورة في الفن والمعجزات والشفاء والعبادة والصلاة حتى إن جميع الرهبان الأجانب الذين كانوا يفدون إلى مصر عشان يروحوا أديرة وادى النطرون زى القديسة ايلارية يكتب عنها التاريخ ايه وهى ماشيه ما يعرفوش هم جايين من بره يعرفوا وادى النطرون من اين ؟ .. ودير أنبا مقار يعرفوه من أين ؟ فكانوا لازم يفوتوا على مريوط دى المدينة المشهورة .
ومضت القديسة إيلارية إلى مريوط ومن هناك دلها شماس على المكان بتاعها دير القديس مقاريوس ومن هناك وصلت وكملت رحلتها المعروفة والمشورة لينا .
الروح القدس ليه متعة للنفوس اللى حبت تدى حياتها لربنا . في حياتها السرية الجميلة تستلم النفوس دى علشان تعلن إنها أصبحت للمسيح وأنه لا يمكن يغربها شيء في العالم مهما كان .. مهما كان صنفه ومهما كانت قوته .
وبعدين الروح القدس يستلم هذه النفس في الخفاء لأن طبيعة الروح القدس إنه وديع جداً ولا يعلن عن نفسه يأخذ مما للمسيح ويعطى ولكن هو لا يظهر ويفضل يعلم هذه النفس ويستلمها .
ويستلمها ويستلمها وبعد لما يخلص ويوضبها يديها إكليلها . وبعد ما تأخذ إكليلها يعلن عنها بأروع صورة كأحسن شهادة للمسيح ..بصورة لا تقول لى لا تليفزيون ولا راديوا ولا أخبار ولا حاجة .. مش محتاج للوسائل دى هو . لأنه ليس عائق .. ويحول من هذه النفس من الجسد البسيط بتاعها إلى انجيل كارز ومش عايز أسميه محطة ازاعة . لأن ده تعبير بسيط . إلى صوت على رأى المزمور كالشمس من أقاصى الأرض إلى اقاصيها تخرج ولا شيء يختفى من حرارتها . دى كرازة الآباء القديسين .
بتبتدى حياتهم إزاى ؟ أنا بأقول إن حياتهم صداقة للمسيح .
وأرجوا إن النقطة دى تكون واضحة في منهج عبادتنا . فيه فرق بين الإنسان اللى يعبد ربنا عن إصرار .. عن إصرار .. ازاى يعنى مثلاً يقول إيه ماهو لازم برضه الواحد يروح يحضر عشية . ما هو برضه الواحد لازم يحضر القداس ويتناول .. ماهو واجب حتى يقول لك فلان ده يعنى ربنا أخذه السماء صبر عليه بعد التناول بعد ما تم كل واجباته الدينية .. دى مرحلة الواجب .
إنت ما بتشتمش ليه ؟ ما بتحلفش ليه ؟ ما بتسرقش ليه اللى معاك في الشغل ؟ مابتعملش أعمال وحشة ليه ؟ قال علشان أنا مسيحى بطلت أعمال الحاجات دى . طب كويس ويمكن عن ضيق واضطرار .
أمال المسيحى يعمل ايه ؟ لا . المسيحى الحقيقى ما يعجبوش كده . يقول لك لا أنا عاوز أبقى أعمل محبة في المسيح … أنا بحبه .. بتحبه ؟ قال بأحبه جداً جداً .
القديس اغناطيوس قال له ياربى أنا مش مستريح أنا مش هاحس بالراحة ويكمل حبى ليك إلا لو شفت دمى بيتسفك علشانك زى ما دمك اتسفك علشانى ..
المسيحية بتاعتنا عبارة عن صداقة مع المسيح . أو حب عميق جداً . وهذا الحب يا أحبائي هو السر كله . يعنى لو جينا للمرأة الخاطئة . هذه المرأة الخاطئة كشف المسيح سرها . ان الست دى كانت مديونة ب ٥٠٠ دينار والفريسى بخمسين المسيح سامح الاثنين لأن هو أصل الحب . قال له هذه اللى سامحها بالخمسمائه أحبت قالت له أنا مديونة ليك أنا كنت رايحة جهنم ١٠٠ ٪ إنت نزلت للجحيم اللى أنا فيه وطلعتنى ما هو ده جحيم وانا بقول بس المسيح نزل إلى الجحيم من قبل الصليب . احنا كمان قلبنا وحياتنا من جوه زى الجحيم . نزل المسيح وكان محكوم على بالموت نقلنى للمجد الأبدى .
كنت استاهل حاجات وحشة . شال عنى حملى وعنى خطيتى . ماذا أرد ليك من أجل كثرة احساناتك ؟ اعمل ايه ؟
باركى يا نفسى الرب ولا تنسى كل حسانته يفضل الإنسان يحس بالمديونية لله وأن هو بيحبه جداً . يبتدى يعبر عن الحب ده .. ده فيه آيه في العبرانيين تقول كده “لأنه قد قبلتم سلب اموالكم بفرح ” .. قبلتم سلب اموالكم بفرح .
الأول الواحد يحاول ما أمواله ما تتسلبش . وإذا اتسلبت يحاول يدور على اللى سرقة ده علشان يوديه في مصيبة وإذا مسكه إلى آخره أمال المسيحية تعمل ايه ؟ . تقول له لا معلش خليه هو غلط في حقك سيبه برضه وإفرح .. أفرح ؟ قال آه .. لأن روح المجد يحل عليكم . ما هو الحكايه كلها إن فيه مسيحى يقدم المسيح نفسه وفيه مسيحى لسه عايش في مرحلة الفروض .. وأمثلة كثيرة .
بتيجى الكنيسة ليه قال بآجى أحضر القداسونعترف ونتناول واحد تانى يقول أنا بآجى علشان آكل جسد الرب ودمه .. واحد يقول ان المسيح بيتذبح علشانى على المذبح أنا رايح أقدم نفسى ذبيحة النهاردة في القداس .. أنت رايح تقدم نفسك ذبيحة ؟ قال أنا بأحبه .. بيموت من أجلى على المذبح وبيدينى دمه لأحيا به وأنا ما قدمتش حاجة ..أنا هاروح احط نفسى في القداس تحت رجلين المسيح وتحت رجلين صليبه وأقول له أنا نفسى اتذبح علشانك زى ما كنت بتتذبح علشانى .
واحد بيقرأ الكتاب المقدس يقول لك كل يوم بأقرأ اصحاح .. مارمينا على فكره من سن شبابه الصغير ١٤ سنة كان بيحفظ أجزاء كثيرة في الكتاب المقدس وكان نابغاً . والعجب جداً أنه لا يمكن أبداً ان ترى قديس في تاريخ الكنيسة .. قديس في تاريخ الكنيسة ما كانش دارس وحافظ الكتاب المقدس .
ودولت ماكانوش بيدرسوه كده واحد يقول لك كنا نقرأ ونفهم .. واحد ثانى يقول لك أنا بننسى اللى بنقرأه وواحد يقول لك أنا ما بفهمش .. واحد يقول لك أنا أصلى عاوز آكل الكتاب المقدس ده أكل القديسين دولت أكلوا الكتاب المقدس أكل . وما ينفعش الكتاب المقدس يتقرى .. الكتاب المقدس يتآكل .. يتآكل .. لان الكتاب المقدس درجة مش أقل من الصلاة .. واحد بيصلى كفرض .. واحد بيصلى علشان هو بيحب المسيح وعاوز يقف معاه .. ومش عاوز الوقفه دى تنتهى .. آهى دى أمثلة كثيرة خالص .
فالمنهج الأصلى في المسيحية هو الحب .. عشان كده أنا ابتديت كلامى وقلت المسيح ماسك مارمينا حاطط ايده على كتفه ومبوط فيه بذراعه يبقى فيه صداقة . اعتبر أن المسيح هو الصديق الدائم في حياة الأنسان . إن ممكن كل انسان ” أبى وامى تركانى وأما الرب فقبلنى ” حتى في وسط التجارب بيبقى الصديق ده واضح جداً .
مرة واحد كان في تجربة عنيفة جداً كانت الدنيا كلها سودة في وشه . وهو في شدة الآلام بتاعته وقع على وشه تعبان فبص لقى المسيح واقع في ريحه . قال له ماتخافش أنا معاك ده صديق .. صديق حمل الصليب كمان . إوعى تفتكر ان الصداقة تبقى في الفرج .. ده بالعكس الصداقة بتاعة المسيح تكون أيضاً في حمل الصليب وبعدين الناس تبتدى تقول لك يعشقوا حياة المسيح وده منهج مسيحى مش خاص بالرهبان مثلاً أو بالنساك .. ده خاص بكل مسيحى .
تسمع التطويبات يقول لك طوبى للمساكين بالروح .. أحب المسكنة بالروح محبة في المسيح واحب الاحتمال لأنه احتمل .. وأحب أيضاً إذا حصل لى اضطهاد أبقى فرحان مش زعلان لأن المسيح قال كده .. لأنه فرح .. وأحب أمشى في خطواته .. واحب أشيل الصليب وأمشى وراء وأعشق الحياة معاه .
الحياة المسيحية عشق بهذا النوع .. وتبقى علاقتى بالمسيح علاقة حب عميقة .. الكتاب المقدس يقول من التصق بأمرأة صار واحداً معها . شوف أد إيه اللى يلتصق بامرأة يبقى واحد معاها أما من التصق بالرب فقد صار روح واحد .نحط علاقتنا بربنا زى التصاق الرجل والمرأة الرجل والمرأة فيه عواطف عميقة .. وفيه حب .. وفيه مشاعر من التصق بالرب فصار روح واحد .. روح واحد .. وهم دول القديسين ..
المسيح يقول تعالوا إلى يا جميع المتعبين في انجيل النهاردة .. ويقول احملوا نيرى .. نيرى هين وحملى خفيف .. حلو ولذيذ .
تعالوا .. تعالوا عشان تزيدوا قوة .. يا خسارة .. لو المسيحيين يأخذوا نصيبهم من المسيح .. نصيبهم .. إداهم حياته .. إدانا ايه المسيح ؟ .. إدانا حياة .. إدانا روحه .. إدنا حبه .. إدنا احتماله .. إدنا كل اهانه على الصليب .. حمل عنا كل الأتعاب بتاعتنا .. ربطنا بيه .. القديسين عشقوا الحياة مع المسيح والعالم اصبح قدامهم حقير .
مارمينا مات أبوه كان ١٣ سنه بعد ٣ سنين في سن ١٦ ماتت امه فساب له ثروة كبيرة خالص .. قال لا الثروة ديه ثقيلة على كتفى قدام المسيح فرماها ووزعها على الفقراء .. ودى الروح القدس واقف بيراقب لكن إنت مستعد تدى ثروتك للمسيح وتاخد المسيح ؟ الروح القدس يقول له أنا باحبك ومستريح منك خالص .. وأنا أتولى أمرك أحسن من المال بتاعك ده .. تعال بقى أقودك .. وساب بعدما كان والى لأنه كان كان محبوب جداً بالرغم من صغر سنه كان الله معطيه حكمة فعينوه والى سن ١٧ أو ١٨ أو ٢٠ سنة عينوه والى مطرح أبوه .
إلا أنه رفض وترك مكان الجندية والولاة وأخذ الروح القدس وعاشوا سوا في عشق عميق جداً وحب جبار وإتملى فلبه بمحبة ربنا وبالسهر وبالعبادة ومافيش .. ومافيش ضيق لكن حياة كلها محبه في المسيح ، صديق يسوع . وبعدين الروح القدس قال له آهاديك بقى هدية جميلة يديه اكليل بقى فوق . على رأى حزقيال النبى يقول كده ” فجملت جداً ووضعت على رأسك إكليل فجملت جداً جداً فصلحت لمملكة .. فصار لك اسم في كل العالم لأن جمالك كان كاملاً ببهائى ” . جملها جملها وبعدين لبسها الاكليل .فقال فصلحت لمملكة بقت مملكة للعريس السماوى . قال له تعال بقى أديك الأكليل . مش يسوع انتهت حياته بالصليب والاستشهاد وانا بأديلك ايضاً شركة حياة الاكليل الرائع الجميل فأعطاه الاكليل ولبسه مارمينا واعطاه اكليل مش على الأرض بس الناس بتكرمه لكن صديق يسوع أعطاه أيضاً أكليل عظيم ومركز كبير في السماء وسيرة بلغت أقطار.المسكونة كلها .
دى صداقة النفس بالمسيح .. النفس اللى مشيت حقيقى مع المسيح .
ولكن هناك أيضاً صداقة جميلة أيضاً من نوع رائع لا يمكن أبداً العصر بتاعنا ده ها ينساها .. إن ممكن الإنسان يكون ليه صديق من هذا الصنف من القديسين صديق زى ما رمينا يتصاحب معاه لأن سفرالنشيد يقول إن لم تعرفى أيتها الجميلة بين النساء فاخرجى وارعى جداءك على آثار الغنم .. إطلعى شوفى آثار الغنم . وفيه آثار الغنم ؟
آثار الغنم هم القديسين اللى بيصادق قديس بيأخذ الطباع بتاعته لأن المثل بيقول كده .. الطيور على أشكالها تقع . واحد بيحب مارمينا يحب الصلاة زى مارمينا ..
يحب عيشة العشق الالهى زى مارمينا . يتصاحبوا سوا ويتكلموا سواء وتبقى روحهم روح واحدة . وده اللى احنا حسينا به في الوقت المعاصر . لما كان المتنيح البابا كيرلس يعيش في صداقة ألصق من الأخ مع مارمينا يتكلم معاه ويعاتبه مرة ويقول له ساعدنى في الموضوع الفلانى .. مافيش مانع يزعلوا مرة ويقول له مش هاجى لك تانى هنا إن ماكنتش تحل لى الموضوع الفلانى ده . ويطلب يقول له شوف لى الناس العيانين دول مش إنت كنت بتخفف العيانين . وخففت اللى جايين دول واعمل ده وخلى ده فتتكون صداقة .
الموضوع ده موضوع مهم جداً إن الناس اللى اتربت في الكنيسة القبطية دول يتولد بينهم وبين القديسين صداقة معينة .. واحد صديقه مارجرجس واحد صديقه مارمينا .. واحدة صديقتها الست العذراء واحدة صديقتها الست دميانة.
وهكذا تبص تلاقى اللى بيصادق قديس من القديسين يتكلموا سواء يتصاحبوا سوا ويحبوا بعض ويعيشوا في عشق . لأن طبعاً أنا لما أمشى مع واحد لازم أمشى معاه في نفس السكه .. نتفسح سواء نتكلم في موضوع واحد لكن مش معقول اثنين من مشربين مختلفين يتفاهموا مع بعض . فمصاحبة القديسين تأتى بنتأئج رائعة .. ديه اللى بيسميها سفر النشيد آثار الغنم .. الغنم لما تمشى تسيب خطوات وراها .
أنا لما أمشى في نفس الخطوات دى ماهى الخطوات دى على خطوات المسيح . ايه يعنى اشمعنى يعنى القديسين ما تخش على المسيح على طول ؟ . مش أنا في أول الكلام قلت لك إن القديسين دولت انجيل معاش . الانجيل علشان تعيشه . القديسين انجيل مجسم بس . فإنت لما بتعيش في شركة القديسين بتعيش الانجيل .. بتعيش في الانجيل . ما فيش مناقشة كثير في الموضوع ده ولا فيه جدال عقلى .
احنا بنجيب سيرة القديسين بتوع المسيح لكن دول رسموا الطريق وفتحوا السكة . نرعى جداءنا على آثار الغنم ونمشى وراء القديسين .. بحقيقى تركوا لينا مثل عظيم جداً في صداقة القديسين لما كنا نشوف إن البابا كيرلس يعنى يروح عند مارمينا يقعد معاه ويتكلموا ويشتكوا ليه ويتشفع بيه .. وحاجات كثيرة خالص مش مجالنا إن إحنا نتكلم عنها .
وبعدين في الآخر يترك وصيه وتقول أنا عايز أتدفن في ريحه طب ما فيه حتت ثانية كثيرة وفيه كاتدرائية عظيمة .. لكن لا .. قال أنا عايز أتدفن في ريح مارمينا .. في ريح صاحبى القديم اللى أنا عشت فيه .
أنا بأذكر الحادثة دى بمناسبة اليوم ده ، لأن حتى نقل رفاته كان بوم استشهاده وده يورينا ممكن صداقة القديسين تكسبنى درجات روحية كبيرة . فليه صحيح إنت وأنا مايكونش لكل واحد فينا قديس .. طبعاً كلنا بنحب كل القديسين .. لكن قديس مخصوص كده طباعة تنطبق على طباعى وأشاركه وأمشى معاه الطريق وهو يكون له خطواته وآثاره واضحة.
المهم إن موضوعنا النهاردة هو الصداقة اللى بتتكون بينا وبين المسيح وبتتكون بينا وبين القديسين.
صداقة حقيقية مبنية على الحب نظير اللى أحبنا ومات من أجلنا وفدنا بدمه واتعلق على الصليب علشاننا. احنا ايضاً بنحمل صليبنا ونمشى وراه في منتهى الفرح والسرور .
لالهنا المجد دائماً ابدياً آمين[9]
المتنيح الدكتور راغب عبد النور
الشهيد المسيحي
حين يولد الانسان بالمعمودية ميلاداً ثانياً ، فانه لم يعد انسانا مرتبطاً بأوتاد الجسد الضاربة في أرض الفساد . فانه لم يعد محباً لهذه الأرض ولا ساعياً خلف أمجادها .
فهذا الجسد بكل ما يطوي قد دفن دفناً ، وقام الانسان مع المسيح في جدة الحياة .
الايمان المسيحي يعني فيما يعني ان الانسان يعيش هذا التطبيق الروحي ” مع المسيح صلبت … وما أحياه الآن أحياه بالايمان ، ايمان ابن الله الذي احبني ومات من أجلي ” . ويتحدث الايمان عن الصليب من حيث أنه أداة الموت أو الإماتة ” الذي به صلبت للعالم والعالم لي ” .
معني ذلك أن حكم الموت علي المؤمن المسيحي ليس أمرًا استحدثته قسوة قلوب الأباطرة والحكام ، لكنها كانت مجرد أداة لتنفيذ حكم الموت كان قد قبله الانسان في نفسه وعلي نفسه قبل ذلك بزمن .
من هذه الزاوية التطبيقية فأننا نستغرب تقسيم الأجيال المسيحية الي عصور حافلة بالاستشهاد والي عصور أخري اخليكم الاستشهاد ، لأنه لو تجردت المسيحية في أي عصر عن معني الاماتة والاستشهاد ، فأنها لابد أن تكون قد تجردت عن مفهومها الايماني ومدلولها التطبيقي .
فالمسيحية هي استشهاد ، يستوي في ذلك أن تعلن القوي الحاكمة حرباً علي الايمان والمؤمنين ، فتنزل بالمؤمنين أظلم الأحكام وأقساها حتي الموت ، أو لا تعلن هذه القوي الحاكمة حرباً علي الإيمان ، بل تسالمه وتعايشه ، وتكفل للأفراد حرية العبادة والكرازة . ونعطي هذا التشبيه مع احتفاظنا بالفارق الكبير جداً…
فانه حسبما تعطي الأناجيل وصفا للصليب ، فأن الصليب في تدبيره والحكم به ، وتنفيذه ، في كل المراحل ، كان جهدا بالغ المشقة بالنسبة لمنفذيه ، لكن من الجانب الآخر لا ننسي ان الرب من أجل هذا قد أتي وثبت وجهه نحو أورشليم ، وبسلطانه أسلم نفسه وبسلطانه أخذها ، فحكم الموت صلبا كان قرارا استصدره الرب علي نفسه ، من قبل أن تظهر مكيدة الرؤساء أو خيانة يهوذا أو جبانة بيلاطس بنفس القياس – نعيد القول – مع احتفاظنا بالفارق العظيم – ان المؤمن المسيحي بالنسبة لذاته ولكيانه ولذاته قد استصدر حكم الموت ، وبايمان عاش الاماتة اليومية المسيحية بكل أساليبها ، فان كان قد ظهر في المحيط حوله من حاول أن يترجم عن هذا الحكم بأن يجعله موتا مادياً بأداة التعذيب ، فأن هذا الاجراء لم ولن يكون مفاجأة للمؤمن الحقيقي ، أنما يلقاه ويرحب به ، وكل ما استطاع الاضطهاد أن يصنعه هو أنه قد أضاف الي الجوهر اللامع لمعاناً جديداً … وفي الحالة الأخري حين لا تتوفر الأسباب التي تترجم ترجمة مادية عن حكم الامانة الذي استصدره المؤمن علي نفسه ، فأن هذا لا يغير من واقعة .انه فرد من بين جماهير الأحياء ، الذين يعيشون الحياة المؤقتة في أجساد حكم عليها بالموت أو بالأماتة .
فالشغل الشاغل لهم علي مستوي الفكر والعاطفة والسلوك … متي يأتي العريس ، فأنهم جميعاً في حالة انتظار مترقب لمجيء الفادي والمخلص ، آمين تعال أيها الرب يسوع[10] .
المتنيح القمص لوقا سيداروس
بعد أن صرف الجموع، وهذا أخذ بضع ساعات لأن المائدة أعدها المسيح وكان النهار قد بدأ يميل .. فأكلوا وشبعوا ثم صرفهم. وكنا نحن الرسل منتظرين أن نركب السفينة كلنا معه ونعبر البحيرة. قال لنا يسوع: اركبوا واذهبوا اعبروا. قلنا: بل ننتظرك! قال: لا، سأبقى وقتاً على الجبل أصلي. قلنا: نبقى معك.. ننتظرك. قال: لا. ثم ألزمنا أن نركب وحدنا. لم يلزمنا بشيء أو يجبرنا على شيء من يوم عرفناه.. فلماذا الآن يلزمنا أن نذهب بدونه؟ لم نفهم.. ولكننا تعودنا أن نطيع حتى وإن كنا لا نرغب. ركبنا السفينة.. كان الوقت مساء وذهبنا وكأن الظلمة لفتنا، ليس القارب فقط بل ومن فيه، إحساس غير مريح يلفنا.
مضى وقت ليس بقصير، إحساسنا بالوحدة والوحشة يزداد مع كل موجة من البحر تلطم سفينتنا الصغيرة ومع كل تمايل كانت نفوسنا تتأرجح في عدم راحة. ازدادت الأمواج قوة وعنفاً وازدادت الرياح المضادة وازدادت نفوسنا اضطراباً .ترى ماذا بنا؟ ماذا من المجهول ينتظرنا؟ هل سنغرق ونموت؟ هذا فكر قاتل يملأ النفس اضطراباً.. هل نصلي.. ونطلب؟ أنتزع الرجاء رويداً رويداً.. فرص نجاتنا تقل.. والظلام أكثر وحشة، كدنا نيأس من النجاة، وأصبح الموت يلمس باليد.. علا الصياح.. زاد الاضطراب.. دخلت المياه إلى النفس. ثم صاح أحدنا.. هناك خيال في البحر.. إنه يمشي على المياه، شيء مخيف زاد من خوفنا خوفاً. فصرخنا وجزعنا.. لعله الموت. ثم إذ اندفعنا كلنا ناحية الخيال. سمعناه يتكلم ويشير نحونا.. تجمدنا في أماكننا وانعقدت الألسن.. لا حركة ولا كلام، قال.. أنا هو لا تخافوا.. إنه يخاطبنا..
إنه يسوع.. وصوت يسوع. هو ماشي على الماء .. كيف يكون هذا ومن يصدق هذا؟ اندفعت من بين إخوتي الرسل وقلت: ” يا سيد، إن كنت أنت هو، فمرني أن آتي إليك على الماء “. أعمل مثلك لأنك قلت إننا نكون مثلك . قال لي: تعال. وحين سمعتها من فمه قفزت بلا حساب وبلا تفكير.. أنا عارف كلمته وعارف قوتها وقدرته الإلهية. قفزت.. يا إلهي.. مشيت على الماء نحو يسوع. أين العقل أين؟ الماء المحلول أنا ماشي عليه. أعتقد أنني في حلم.. بل وحتى في الحلم لا يمكن المشي على الماء، لكنني في كامل العقل والصحو. كان الرسل يراقبونني ولكن في دهشة وصمت. ثم دار سؤال في فكري في لحظة.. هل هذا معقول؟ وأجاب فكري وقد خضع للشك: لا طبعاً هذا غير معقول! هذا وهم.. هذا غير حقيقي.. انظر الأمواج العاتية.. انظر الريح القاسية.. هبط فكري
في الحال ومعه سقطت رجلي في اللجة.
يا إلهي إنني أغرق.. ارحمني.. سأموت.. صرخت ليسوع.. يارب نجني.. مد يده وأمسكني وأقامني من سقطتي.. من شكي. وعاتبني بكلمة حنونة: ” يا قليل الإيمان، لماذا شكك؟ “. كيف عدت إلى المركب لا أذكر، هل مشيت على الماء راجعاً أو حملني هو على الأذرع الأبدية!! طبعاً قد انطبع في عمق نفسي صنیع يسوع هذا. إن يده التي أمسك بها يدي فنجاني أشعر بقبضتها لا تفارقني مدى الحياة.. إنها سندي.. وقوتي.. لقد سند إيماني لكي لا أخور، بل رجعت معه وأنا في يده سائراً على الماء دون أن أفكر. كان فكري منحصراً فيه.. لم أدر (أشعر) بالموج ولا بالريح رغم وجودهما.. لأن وجوداً أقوى احتواني وقس على ذلك جميع التجارب التي جزتها والرياح المضادة التي واجهتها .. لم أعد ألاقيها بذاتي، بل بإيماني بالمسيح ويده التي أمسكتني وأعادت إيماني إلى مستوى المشي علي الماء.. وهل تنسي خبرة فريدة كهذه؟ ويا للعجب! ركب السفينة.. أسكت الموج بكلمة وانتهرت الريح.شيء تندهش له الملائكة، بل هو “من كال بكفه المياه، وقاس السماوات بالشبر، وكال بالكيل تراب الأرض، ووزن الجبال بالقبان، والآكام بالميزان “، هو نفسه من صد الريح.أصابتنا دهشة رهيبة بكل المقاييس وكنا نقول لبعضنا.. من هو هذا
الذي يأمر الريح والبحر فيطيعانه. وكانت الإجابة تصرخ في داخلنا، هو بالحق ابن الله الآتي إلى العالم[11].
المتنيح القمص تادرس البراموسي
فليس مكتوب لن يستعلن ولا خفى لن يظهر (لو ١١ : ٥٣ ، ١٢ : ١- ٢)
كانت عادة اليهود أن يعطوا الناموسي مفتاح عنـد بلوغـه الـس القانوني لمباشرة وظيفته وهو في سن الثلاثين . إشارة إلى أنه صار ملتزما بفتح كنوز الحكمة الإلهية التي في الناموس والأنبياء بنفسه وللشعب وعليه يكون المعنى هؤلاء الناس الذين قال عـنهم يسوع لم يدخلوا ومنعوا الداخلين لذلك قال لهـم ويـل لكـم أ الناموسيين لأنكم قصرتم كل التقصير في إستعمال مفاتيح المعرفة لمنفعة أنفسكم ومنفعة غيركم فكنتم سبباً في حرمان أنفسكم وحرمان الشعب من الملكوت السمائي وقيل أن معنى هذا القول ويل لكم أيها الناموسيين لأنكم أضعتم مفاتيح المعرفة فحرمتم أنتم من الدخول إلى بيت المعرفة وحرمتم غيركم أيضاً كان الرب يـسوع فـي خـلال معاملة اليهود له .
هذه المعاملة الخشنة ضيفاً عند أحد علمائهم فكان الواجب عليهم أن يعاملوه بالمحبة واللطف لكـنهم لبغـضهم إيـاه وحسدهم له أخذوا يقاومونه في مسائل كثيرة لا بقصد الإستفادة بـل لكي يصطادوه لكنه أجاب على سؤالاتهم الخارجـة بالحكمـة والـصبر وطول الأناة والحلم كان تحريضهم من كل هذا الخداع أن يـشتكوا عليه أما إلى رؤساء الكهنة بأنه يجدف أو إلى الحكام الرومانيين.
يدعون أنه هيج الشعب وعمل فتنة بينهم . كانت مقاصد المجتمعـين مختلفة فكان البعض يقصد مشاهدة العجائب والأخر الإستفادة من حكمته والبعض للشفاء من أمراضهم والآخرين للإنتقاد والسخرية والمقاومة ولذلك كان المجتمعين كثيرين حتـى كـادوا أن يـدوس بعضهم بعضاً من شدة الزحام فوجه حينئذ السيد المسيح كلامه إلى تلاميذه قائلا احترزوا من خمير الفريسيين الذي هو الرياء أن هذا الكلام عن الرياء أنه لا ينفع صاحبه رياء خادع للقداسة الكاذبة فهو سرعان ما يتمزق ويظهر من وراءه الحقيقة المرة وهي كل أعمـال الخطية .
أن عناية الله العجيبة تشمل جميع مخلوقاته فهو الذي خلـق أحقر وأصغر الأشياء كما خلق أعظمها وأهمها . لذلك هو يعتنى بها جميعاً وكذلك الأمر من جهة الأمور المتعلقة بمصالح الشعب فأنه لا شئ فيها يعد خسيس أو حقير حتى لا يستحق عناية الله أو لا يجوز للمؤمنين أن يذكروه في صلواتهم بل كل الأشياء في يد الله يـديرها ويديرها على ما هو أصلح بهم وأنسب لإرادتـه الـصالحة وخيـر الإنسان[12] .
اللواء سمير قلادة
لا للخوف من الموت
لعل هذا الشعور وهو الخوف من الموت ، هو من أكبر وأخطر المشاكل التي يتعرض لها كبار السن . ففي مراحل الشباب وما قبلها ، قد لا تكون هناك هذه المخاوف ، وحتي أن تواجدت تتواجد بقدر محدود
سبب هذا الخوف هو ضعف الايمان ، وقلة المعرفة ، في ذلك يقول الأب متي المسكين ” الخوف مظهر من مظاهر عجز المعرفة ، وهو يتولد من الشك ، والشك هو بداية ضعف الثقة في الله ، والمؤمن الحقيقي هو الذي سلم نفسه وجسده لله ، ولا يخشي شيئاً ، ملقياً كل ثقته علي مواعيد الله الصادقة “(يو ١١: ٢٥)
إن عدو الخير ” ابليس” ، وهو يجول حول النفس ملتمساً آي مدخل اليها يجد في ضعف المعلومات وعجز المعرفة منفذاً للنفس ليثير فيها الشكوك والآحزان حتي تفقد الايمان في الرب وفي خلاصه …كما يقول الكتاب … ” يقولون لنفسي ليس له خلاص بالهه “(مز ٣) وأبليس في هذا كاذب تماما … اذ سوف يدرك الانسان حين يصلي للرَّب بحرارة ، إن الصلاة تبدد هذه الأوهام ، لأننا اذا كنا نود آن ندرك في هذه الحياة سلام الفردوس الصافي فعلينا أن ندرب آنفسنا مع الله من الآن في حديث مألوف ووديع ورقيق
وإلي جانب الصلاة هناك الأعمال الصالحة . ومنها الأعمال التي سبق فأعدها للإنسان لكي يسلك فيها (أف ٢: ١٠) ويمارسها بالمحبة هي أيضاً تبدد المخاوف ، وأخيراً فان العمل بالموهبة يعالج الخوف من الموت
أولا: الأعمال الصالحة وما يرتبط بها للخلاص
نعترف أولا أن فكر الانسان مهما بلغ في عمقه فهو قاصر تماما عن ادراك كل فكر الرب ، فكر الانسان محدود ، فكر الرب بلا حدود ، ولا يمكن لمحدود أن يستوعب الغير محدود ، وإنما نحن نعرض هنا بالقدر المستطاع لدي فكر انساني موضوع الخلاص والأعمال الصالحة . الأعمال الصالحة هي واحدة من أربعة شروط للفوز بالخلاص هذه الشروط هي
(١) الايمان . كقول الكتاب … لكي لا يهلك كل من يؤمن به ، بل تكون له الحياة الأبدية (يو ٣: ١٦) وان يقترن الإيمان بالعمل ” ما المنفعة يا أخوتي ان قال أحد أن له ايمان ولكن ليس له أعمال ، هل يقدر الايمان أن يخلصه .(يع ٢: ١٤)
(٢) المعمودية . كقول الكتاب … ان كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله (يو ٣: ٥)
(٣) الأسرار المقدسة. والاسرار اللازمة منها للخلاص هي سر المسحة ، وسر التناول ، وسر التوبة . أ- سر المسحة : كقول الكتاب … توبوا وليعتمد كل واحد منكم علي اسم يسوع لغفران الخطايا فتقبلوا عطية الروح القدس (أع ٢: ٣٢)
ب-سر التناول :كقول الكتاب … من يأكل جسدي ويشرب دمي فله حياة أبدية وأنا أقيمه في اليوم الأخير
ج- سر التوبة : كقول الكتاب … ان لم تتوبوا فجميعكم تهلكون (لو ١٣: ٣) ” مع” أعمال تليق بالتوبة (أع ٢٦: ٢)
(٤) الأعمال الصالحة : كقول الكتاب : ليس كل من يقول لي يارب يارب يدخل ملكوت السموات بل الذي يفعل ارادة أبي (متي٧ : ٢١- ٢٣) . علي أن تكون هذه الأعمال بالمحبة ، بروح المحبة ، محبة الله ، محبة الانسان ، كقول الكتاب ، ما المنفعة يا أخوتي ان قال أحد أن له ايمانا ولكن ليس له أعمال ، هل يقدر الايمان أن يخلصه (يع ٢: ١٤) ونضيف لذلك قوله … وإن كان لي كل الايمان حتي أنقل الجبال وليست لي محبة فلست شيئاً (١يو ١٣: ١٢)
ثانياً : الأعمال الصالحة التي سبق وأعدها لكل أنسان علي حدة
هناك أيضاً الأعمال الصالحة التي سبق فاعدها لكل انسان علي حدة كقول الكتاب … ” لأننا نحن عمله ، مخلوقين لأعمال صالحة قد سبق الله فأعدها لكي نسلك فيها (أفسس ٢: ١٠) ، وجعل لكل انسان موهبة خاصة كقول الكتاب ” لكل واحد موهبته الخاصة من الله ” (١كو ٧: ٧) فهي أنواع مواهب موجودة لكن الروح واحد ، وأنواع خدم موجودة ولكن الرب واحد … الذي يعمل الكل في الكل … هذه كلها يعملها الروح الواحد بعينه قاسما لكل واحد بمفرده كما يشاء …(١كو ١- ١٢، ١٣)
هذه الأعمال الصالحة التي أعدها لكل انسان ، لم يغرسها في الانسان ويتركها ، بل هو جعل الانسان يرغب فيها ، لذلك يجب أن يعمل بها كقول الكتاب :” الله هو العامل فيكم ان تريدوا وأن تعملوا من أجل المسرة ” (في٢: ١٣) ، ليس فقط أن نريدها وان نرغب في العمل بها ، بل أيضاً يساعدنا في ممارستها كقول الكتاب :” يكملكم الله في كل عمل صالح لتصنعوا مشيئته ، عاملا فيكم ما يرضي أمامه بيسوع المسيح “(عب ١٣: ٢١)
ثالثاً : العمل بالموهبة ومعالجة الخوف من الموت
من آيات رحمة الرب بالانسان أنه لا يستطيع التفكير في موضوعين في وقت واحد . تلك حقيقة أوضحها علماء النفس ، وهناك حقيقة أخري أشار إليها علم النفس وهي ان من يقف ضد طبيعته الخالصة نحو عمل معين ، أي من يقف ضد موهبته ، فانه يبدد جهودا كثيرة ويفقد طاقة كامنة فيه ، لذا نجد ان العمل بالموهبة يقدم للانسان فوائد نفسية عديدة تقضي علي الخوف من الموت . وتتلخص هذه الفوائد في
١- تركيز الفكر : نجد من يعمل بموهبته ، يركز فكره واهتمامه نحو العمل الذي غرس الله في قلبه محبته والرغبة فيه ، لذلك ينجذب الفكر بسهولة نحو هذا العمل سواء بالدراسة أو التدريب أو الانتاج ، وفي ذلك الحين نجد الفكر يبتعد تلقائياً عن المخاوف ومنها الخوف من الموت
٢- التحرر من الضغوط : الانسان بطبيعته قد خلق وله دور معين يؤديه ، لذلك فان من يقف ضد مشيئة الرب يكون مثل من يحاول السباحة في عكس التيار ، لا يكاد يتقدم ، ويعاني من ضغط هائل ، ويبذل جهدا في غير طائل ، ويقول الأب متي المسكين عن مواهب الانسان انها نوعية معينة من القدرات كامنة في الانسان ، وان الاستغناء عنها أو تجاهلها ، يثقل علينا الحياة دون ان ندري أننا السبب في هذا التثقيل والمقاومة وتضيع منا قيمة الحياة . أما من يعمل بموهبته ، فهو تلقائياً يتحرر من الضغوط ومن بينها المخاوف ، وفي النهاية نضع بعض المشاعر التي تحدث عنها الكتاب المقدس والتي يغرسها الله في القلب المؤمن لكي تعالج الخوف وتقضي عليه
أ- مشاعر الفرح : هي ثمرة انتصار ارادة الانسان علي محاولات عدو الخير في اثارة اليأس من الخلاص حيث يصور للانسان أن ليس له خلاص بإلهه ، لكن الانسان يرفض اكاذيب هذا العدو ، يتجه للرب بالصلاة والاعمال الصالحة وآيات الكتاب ، محتميا بالرب واثقا في نصرته ، عندئذ يأتيه شعور الفرح نتيجة الانتصار ، كقول الكتاب …” اخفي الخطاة لي فخاً ولم اضل عن وصاياك ، ورثت شهاداتك الي الابد لأنها بهجة قلبي “(مز ١١٨: ١٤) … لأن ملكوت الله سلام وفرح في الروح القدس (رومية ١٤: ١٧)
ب- اليقين : اليقين هو الثقة التي لا تعرف الشك ، هذا اليقين يتأتي من الروح القدس ويشرق به علي أعماق النفس . يكون ذلك ما أوضحه الكتاب ، حفظ الوصايا ، عمل ما يرضي الرب ، الثبات في الرب بأعمال المحبة من اجله كقول الكتاب … بهذا تكملت المحبة فينا أن يكون لنا ثقة في يوم الدين (١يو ٤: ١٧) . أي أن تكون قلوبنا مطمئنة راسخة في الايمان [13] ”
من وحي قراءات اليوم
” أفلا نخضع بالأولي لأبي الأرواح فنحيي لأنه أولئك أدبونا أياماً قليلة حسب إرادتهم وأما هذا فلمنفعتنا بالأكثر لكي ننال من قداسته ” البولس
بين تأديبات الله لأبناؤه وعقوباته للأشرار
+ يوجد فارق كبير بين التأديب والعقوبة
+ العقوبة مرتبطة بنوع الفعل والخطأ ، أمَّا التأديب يرتبط بنوع العلاقة بين الأشخاص وهدفها
+ لذلك تتجه العقوبة إلي أن يدفع الشخص ثمن خطأه ، ويهدف التأديب إلي مراجعة الشخص لنفسه عندما يُخطئ ، لذلك نري في العقوبة أخطاء البشر وفِي التأديب تدبير الحب
+ العقوبة تأتي من السيد ، والتأديب من الأب والعقوبة للأشرار ، والتأديب للبنين
لذلك يري الأشرار الله السيد الجبار الذي يعاقبهم، بينما يري الأبناء أبوهم السماوي الذي يُؤدبهم من أجل محبته لهم
+ العقوبة ثمن الماضي والتأديب تقليم الحاضر لأجل المستقبل (يو ١٥: ٢) لذلك تأتي كلمة لكي ننال من قداسته (عب ١٢: ١٠) إعلان عن هدف تأديبات الله لأولاده
” الرب فادي نفوس عبيده، وكل من اتكل عليه لا يعاقب ” (مز ٣٤: ٢٢) ، ” أدبني يارب ولكن بالحق، لا بغضبك لئلا تفنيني ” (أر ١٠ : ٢٤)
لا نري هنا الله الذي يعاقب ، بل الذي يفدي ويُخلِّص ويؤدِّب بالحق الخالي من الغضب الذي يفني ( العقوبة )
+ فإن الذي عاقبت به المقاومين، هو الذي جذبتنا به إليك ومجدتنا ” (حك ١٨ : ٨) ، ” بينة على قضاء الله العادل، أنكم تؤهلون لملكوت الله الذي لأجله تتألمون أيضا ” (٢تس ١ : ٥)
نري هنا تأديبات الله التي تجذبنا إليه وتُؤهِّلنا إلي ملكوته ، وفي ذات الوقت عقوباته للأشرار
+ لذلك بينما تتناسب العقوبة مع حجم الخطأ ، يتناسب التأديب مع قياس الهدف
” ولئلا أرتفع بفرط الإعلانات، أعطيت شوكة في الجسد، ملاك الشيطان ليلطمني، لئلا أرتفع ” (٢كو ١٢ : ٧)
هنا تأتي الشوكة حماية ، لذلك عندما يكتشف الإنسان الحب الإلهي فيها – في الشوكة – تتحوَّل إلي فخر (٢كو ١٢ : ٨ – ١٠)
” إني كل من أحبه أوبخه وأؤدبه. فكن غيورا وتب ” (رؤ ٣ : ١٩) أعطنا يا إلهي غيرة التوبة وأن نقبل توبيخاتك وتأديباتك
المراجع
٣٥- القديس كيرلس الكبير – تفسير إنجيل لوقا الإصحاح الثاني عشر – القمص تادرس يعقوب ملطي
٣٦- كتاب تفسير إنجيل لوقا للقديس كيرلس الأسكندري ( صفحة ٤١٩ ) – ترجمة دكتور نصحي عبد الشهيد
٣٧- المرجع : تفسير إنجيل لوقا ( الإصحاح الثاني عشر ) – القمص تادرس يعقوب ملطي
٣٨- كتاب تفسير الرسالة إلي العبرانيين صفحة ١٠٦ – ترجمة دكتور سعيد حكيم يعقوب
٣٩- المرجع : كتاب الخوف أنواعه وعلاجه في الحياة الروحية الأرثوذكسية ( صفحة ٣ ) – تقديم القمص أنطونيوس أمين راعي كنيسة مار مرقس مصر الجديدة
٤٠- المرجع : كتاب نصوص مختارة من كتابات العلامة ترتليان ( صفحة ٢٠ ) – إعداد راهب من دير الأنبا أنطونيوس
٤١- المرجع : كتاب الإستشهاد في المسيحية ( صفحة ٣٤٥ ) – الأنبا يؤانس أسقف الغربية
٤٢- المرجع : مجلة مرقس عدد شهر نوفمبر ( صفحة ٢٢ ) لسنة ١٩٨٠
٤٣- المرجع : كتاب عظات مضيئة معاشة للقمص بيشوي كامل ( صفحة ٩٢٢ ) – إصدار إيبارشية ملوي وأنصنا والأشمونين
٤٤- المرجع : كتاب نيروز الإستشهاد ( صفحة ٢١ ) – الدكتور راغب عبد النور
٤٥- كتاب القديس بطرس يعلمني (صفحة ١٨ ) – القمص لوقا سيداروس
٤٦- كتاب تأملات وعناصر روحية في آحاد وأيام السنة التوتية (الجزء الثالث صفحة ٥٥ ) – إعداد القمص تادرس البراموسي
٤٧- مجلة مدارس الأحد عدد ديسمبر لسنة ١٩٩٣