أحد القيامة

بكر كل خليقة

  • “الذي لنا فيه الفداء بدمه غفران الخطايا الذي هو صورة الله غير المنظور بكر كل خليقة” (كو١: ١٤، ١٥).
  • “الآن قام المسيح من الأموات وصار باكورة الراقدين” (1كو ١٥: ٢٠).
  • [وارتضي بالجسد أن يعلوا على الصليب

يحتمل الموت وينهض الموتي بقيامته المجيدة] (لحن طون سينا – من ألحان عيد القيامة والخمسين يوم المُقدَّسة ).

  • [بسبب محبة الله لخلائقه قد دعا الابن نفسه “بكراً لكل خليقة” (كو١: ١٥)

فهو بكر من أجلنا نحن حتى تصير الخليقة كلها مطعمة فيه كما في أصل جديد خالد فتنبت من جديد من الكائن الأزلي نفسه] (القديس كيرلس الأسكندري)[1]

  • [المسيح هو الأصل الثاني للجنس البشري والبداية الجديدة للبشرية التي ترجع بواسطة التقديس إلى كمالها الأول .. لذلك يدعى المسيح آدم الثاني لأنه أستطاع أن يوصل إلى طبيعتنا كل النعم السعادة والخلود والمجد وذلك بالمثل كما استطاع آدم (الأول) أن يوصل إلى طبيعتنا لعنة الفساد والمذلة] (القديس كيرلس الأسكندري)[2]

قام المسيح

  • ذهب رئيس الملائكة مع جمهور من الجند السماوي للرعاة (لو ٢: ١٣) ليبشرهم بولادة مُخلِّص هو المسيح الرب، ليحوِّل الأرض إلى سماء، ورافق جمهور من الجند السماوي مجئ الرب إلى الجحيم ليُبشِّر الأرواح التى في السجن فيتحوَّل الجحيم إلى فردوس بحضور يسوع المصلوب (١بط ٣: ١٩) كما رافقت الملائكة أجواء قيامته (يو ٢٠: ١٢).
  • وكما كانت ولادته خارج توقعات اليهود في بساطتها ورسالتها وشهودها، هكذا كانت قيامته مُفاجأة سارّة للتلاميذ، وصدمة للفريسيين، وأمراًغريباً عن المألوف للأمم (أع ١٧: ٣٢)
  • وكما إضطربت كل أورشليم في ميلاده (مت ٢: ٣) هكذا أيضاً تزلزلت في موته (مت ٢٧: ٥١) وقيامته (مت ٢٨: ٢).
  • وكما فحص الشيوخ ورؤساء الشعب وتشاوروا في حقيقة ميلاده (مت ٢: ٤) هكذا أيضاً تشاوروا في إنكار حقيقة قيامته (مت ٢٨: ١٢).
  • وكما تعثَّروا في إدراك سرّ ميلاده ونشأته (مر ٦: ٣) تعثَّروا أيضاً في إدراك موته وقيامته (يو ٧: ٣٥).
  • ولم يعلموا أنه خارج من الآب – أخلى ذاته – في تجسّده وميلاده (يو ١٦: ٢٨) وذاهب إلى الآب – بجسد البشرية – بعد قيامته (يو ١٦: ٢٨)، (مر ١٦: ١٩).
  • لكن كما شهد إشعياء بكل ما يخُصّ ملء الزمان في ميلاده (إش ٧: ١٤؛ ٩: ٦) هكذا أيضاً شهد بوضوح إلي حقيقة موته وقيامته (إش٥٣: ٩- ١١).
  • وكما أشارت المزامير إلى ميلاده ومجيئه في الجسد (مز ٥٠: ٢، ٣، ٢٣) أشارت أيضاً إلى قيامته المُقدَّسة (أع ٢: ٣١).
  • وكما كانت ولادته تحت الناموس (غل ٤: ٤) هكذا صارت قيامته حسبما جاء في الناموس (مر ١٢: ٢٦)، (لو ٢٤: ٤٤).
  • وكما كانت ولادته في ملء الزمان وتتميم الأيام (غل ٤: ٤) هكذا كانت قيامته بعد تتميم الأيام لإرتفاعه (لو ٩: ٥١).
  • ومن جاءوا في الليل فازوا برؤيته في ميلاده (لو ٢: ٨) ومن ذهبوا إلى قبره في الظلام (يو ٢٠: ١) تمتعوا برؤيته في قيامته.
  • ومن جاءوا من بعيد وإحتملوا كل المشقات ليسجدوا له في ميلاده (مت ٢: ١) ومن إخترقوا كل الصعوبات فتقدسوا بلمس رجليه بعد قيامته (مت ٢٨: ٩)
  • ومن إشتروا الغالي من هدايا لميلاده (مت ٢: ١١) ومن حملوا الغالي من أطياب دفنه (مر ١٦: ١)، (يو ١٩: ٣٩).
  • وصارت البلاد الصُغرى مُمجَّدة في ميلاده (مت ٢: ٦) والنفوس الصغري مُمجَّدة في قيامته (مر ١٦: ٨).
  • وهو الذي لم يكن له مكان ميلاد (لو ٢: ٧) وتبرَّع إنسان بمكان دفنه (مت ٢٧: ٦٠).
  • وهو الخارج من شبه مغارة – كما يوجد في الفريسكات القبطية القديمة – في ولادته (لو ٢: ٧) والمُخترق حجر مغارة قبره في قيامته (مر١٦: ٦).
  • ورافقت الأقمطة ميلاده (لو ٢: ٧) وأعلنت حقيقة قيامته (يو ٢٠: ٦، ٧).
  • وكما رجع الرعاة إلى مكان ميلاده بعد ما أعلمتهم السماء بحقيقة ميلاده (لو ٢: ٢٠) هكذا رجع تلميذي عمواس للتلاميذ بعد ما أعلمهما الرب بحقيقة قيامته (لو ٢٤: ٣٣).
  • وكما كانت السرعة والتلَّهُف نصيب من جاءوا إليه في ميلاده (لو ٢: ١٦) هكذا أيضاً من جاءوا إليه بعد قيامته (مت ٢٨: ٨).
  • وكما شهد هؤلاء بميلاده (لو ٢: ١٨) هكذا شهد أولئك بقيامته (مت ٢٨: ٧).
  • وكيف كان تَعجُّب من أدركوا ميلاده (لو ٢: ١٨) ومن أدركوا قيامته (لو ٢٤: ١٢).
  • وذهب الجنود للبحث عن مكان ميلاده ليقتلوه (مت ٢: ١٦) وهرب جنود آخرون من مكان قيامته لينكروه (مت ٢٨: ١١- ١٥).
  • وكما كان الإشتياق الكاذب لرؤيته من هيرودس في أجواء ميلاده (مت ٢: ٨) هكذا أيضاً كان الإشتياق الكاذب لرؤيته من هيرودس آخرفي أجواء موته وقيامته (لو ٢٣: ٨- ١١).
  • لكن كما ترجم الملك زمان ميلاده للشر (مت ٢: ٧) هكذا أيضاً ترجم قادة اليهود زمان قيامته للشر (مت ٢٧: ٦٣).
  • وكما كان النجم دليل مكان ميلاده (مت ٢: ٩) هكذا صار النجم إعلان عن مجد حقيقة قيامته (١كو ١٥: ٤١، ٤٢).
  • وقال الملاك ليوسف إذهب من ههنا (مت ٢: ١٣) وقال الملاك للمريمات ليس هو ههنا (مت ٢٨: ٦).
  • وكان يوسف النجار حافظاً لكرامة تجسّده في ولادته (مت ١: ٢٤) ويوسف الرامي حافظاً لكرامة جسده في دفنه (مت ٢٧: ٥٩، ٦٠).
  • وكما إنشغل التدبير الإلهي بأن يعتني رجل بار وقديس بوالدة الإله بعد ولادة إبنها الحبيب (مت ١: ٢٤) هكذا إنشغل إبن الله على الصليبب أن يعتني رسول بار وقديس بأمه بعد موته وقيامته (يو ١٩: ٢٧).
  • وكما كانت مصر ملجأ طفولته بعد ولادته (مت ٢: ١٣- ١٥) هكذا كانت رمز قيامته في خروف الفصح (رؤ ١١: ٨).
  • وكما كانت أورشليم موضع مجئ وقدوم الأمم إلى إبن الله في ميلاده (مت ٢: ١) هكذا صارت أورشليم أيضاً مكان وملجأ رجوع اليهود إليه بعد قيامته (لو ٢٤: ٣٣).
  • وكما خضع غِنَى العالم له في ميلاده (مت ٢: ١١) هكذا أيضاً إحتضن موته حتي قيامته (يو ١٩: ٣٩، ٤٠).
  • وكما كان ملكاً في ولادته (مت ٢: ٢) كان أيضاً ملكاً في موته (يو ١٩: ١٩) وملكاً في قيامته (رو ١٤: ٩)، (أف ١: ٢٠، ٢١).
  • وكما دُعي بكراً في ميلاده (مت ١: ٢٥) هكذا أيضاً دُعي بكراً في قيامته (كو ١: ١٨).
  • وكما أخذناه (من خلال أمنا العذراء والدة الإله) إلي هيكل الأرض بعد أربعين يوماً من ولادته لنقدم ذبيحة إفتداء البكر (لو ٢ : ٢٢)، هكذاأيضاً بعد أربعين يوما من قيامته أخذنا هو أيضاً إلي هيكل السماء مُقدِّمنا باكورة طبيعتنا إلي الآب (مر ١٦ : ١٩)
  • وقال أنه نازل من السماء في ولادته ومجيئه للعالم (يو ٦: ٤٢) وراجع إلى السماء بعد قيامته (أع ١: ١١).
  • وصارت المسرة نصيب البشرية بولادته (لو ٢: ١٠) وغمر الفرح النفوس بقيامته (يو ٢٠: ٢٠).
  • وكانت بشارة الملاك للرعاة في ميلاده “لا تخافوا” (لو ٢ : ١٠) في الوقت الذي إضطرب فيه الملك (مت ٢ : ٣)، وأيضاً بشارة الملاك للمرأتين في القيامة “لا تخافا” (مت ٢٨ : ٥) في الوقت الذي إرتعد فيه الحراس ( مت ٢٨ : ٤).
  • وكان تَجسُّدَه وميلاده بداية إمتلاء البشرية من الروح القدس (لو ١: ٣٥، ٤١) وصارت قيامته الإعداد والمدخل لملء الروح القدس لكل المؤمنين (يو ٧: ٣٩)، (أع ٢: ٤)، (أع ٤: ٣١).
  • وأُعْلِنت بشارة الميلاد خلال المرأة ( والدة الإله ) قبل الرجل (لو ١ : ٣١، وأُعْلِنت أيضاً بشارة القيامة للمرأة ( مريم المجدلية ) قبل الرسل (يو٢٠ : ١٧)
  • ودعا الرب من يرعون الخراف للفرح بميلاده (لو ٢ : ١٠)، ودعا التلميذ لرعاية خرافه في فرح قيامته (يو ٢١ : ١٥).
  • وأُستعلن المجد في ميلاده (لو ٢: ١٤) وفِي قيامته (مر ١٦: ١٧- ١٩).
  • وصار الخوف المُقدَّس رفيق ميلاده (لو ٢: ٩) كما كان رفيق قيامته (مر ١٦: ٨).
  • ورعب العالم من ميلاده (مت ٢: ٣) كما كان من قيامته (مت ٢٨: ٤).
  • وأخيراً أعلن بميلاده ومجيئه نوره للعالم (مت ٤: ١٦) وترك بقيامته نوره للعالم (أع ٢٦: ٢٣).
  • فهو – له كل المجد – وُلِدَ لكي يموت (يو ١٢: ٢٧) ومات لكي يقوم ويُقيمنا معه وفيه (عب ٥: ٧)، (أف ٢: ٦) وقام من الأموات لكي يُعطينا الولادة الجديدة ويجعلنا أبناء له (غل ٤: ٥).

قام المسيح ..

  • إجتمعت كل المتناقضات معاً من تحالف ولاة متخاصمين (لو ٢٣: ١٢) وخبث رؤساء وقادة الشعب (يو ١٩: ١٢) وهياج قوات الظلمة (لو٢٢: ٥٣) وتوهان شعب عن مخلصه (لو ٢٣: ٢١- ٢٣) فذابت في عجينة التدبير الإلهي لتجد نفسها خادمة لموته وقيامته المُقدَّسة.
  • وهكذا إرتفع وإحتوى تدبير الله كل ما يفعله البشر لتصير القيامة إعلان عن اليوم الثالث، وهو يوم الله الذي يظهر فيه مجده وقوّته وسلطانه بعد ما إعتقدت قوات الظلمة أن اليوم الأوَّل والثاني هما مصير البشرية ونهايتها، لذلك جاءت القيامة لتكشف عن اليوم الجديد والإنسان الجديد في المسيح.
  • اليوم الأوَّل هو يوم إنتصار الشر (ظاهرياً) واليوم الثاني هو يوم صمت السماء في عيون البشر (تدبيرياً) واليوم الثالث هو يوم إعلان التدبير الإلهي المُخفي عن البشر في اليوم الثاني وإعلان إنتهاء سلطان الظلمة في اليوم الأوَّل.
  • بمعني آخر اليوم الأوَّل هو إعتقاد رؤساء اليهود ومن معهم من اليهود والرومان إنتهاء القصة بصلب الرب ويقينهم بأنهم تخلَّصوا منه للأبد، وهذا هو دائما إعتقاد الأشرار عندما تنجح مساعيهم ضد الكنيسة أو ضد أولاد الله (مؤقتاً).
  • واليوم الثاني هو الذي ذهب فيه الرب إلى الجحيم (ليلة أبو غالمسيس) وأخذ كل الأبرار ليفتح لهم باب الفردوس وباب النعيم وكانت فرحةعارمة لكل النفوس المأسورة في سجن الجحيم (١بط ٣: ١٩)، ولكن في ذات الوقت كان كل هذا العمل الإلهي العظيم مَخفيِّاً عن عيون الرسل والمؤمنين الذين في الأرض، ولم يدركوا ذلك إلَّا في اليوم الثالث بعد قيامته المُقدَّسة.
  • وهكذا صارت القيامة يومنا الثالث الذي نعيشه كل يوم وكل لحظة، والذي من خلاله نرى ما يُقدِّمه العالم لنا في اليوم الأوَّل من آلام ومؤامرات وموت على أنه طريق خلاصنا، ونختبر كيف يُحوَّل القائم من بين الأموات عارنا إلى مجد (غل ٣: ١٣) ويأسنا إلى فرح (لو ٢٤: ١٧، ٢١).
  • وصارت القيامة يومنا الثالث الذي نُدْرِك من خلاله التدبير الإلهي في اليوم الثاني حتي ولو كان مَخْفيِّا عن عيون البشر وأعطتنا رجاء العبوراليومي من الإكتئاب والحيرة والإضطهاد والإنطراح بفضل نور قيامته الذي يُشْرِق دائماً في قلوبنا (٢كو ٤: ٦- ١١).
  • أي أن يومنا الثالث في المسيح القائم من بين الأموات صار هو العين الروحية التي نرى بها يومنا الأوَّل فنعرف أنه أتى بمشورة الله المحتومة وعلمه السابق (أع ٢: ٢٣) ونرى بها يومنا الثاني ونتيقَّن أن الله فيه سيفعل فوق كل شئ أكثر جدِّاً ممَّا نطلب أو نفتكر (أف٣: ٢٠).
  • صار هذا – اليوم الثالث – هو اليوم الذي صنعه الرب لنفرح ونتهلل فيه وبه، لذلك صار القدَّاس والإفخارستيا هما دخول اليوم الثالث إلى واقعنا اليومي، وكُلَّما قدم العالم لنا اليوم الأوَّل من موت ودفن وتحالف قوات الظلام على أولاد الله فيلجأون إلى موضع الراحة ومصدر الراحة (مت ١١: ٢٨)، (لو ٢٢: ١١) بحسب الترجمة القبطية “المعلم يقول لك أين موضع راحتي” (عب ٤: ١١) فيخرجون من الكنيسة والقدّاس شهوداً لقيامته [بموتك يا رب نبشر وبقيامتك المُقدَّسة..] ويقدمون للعالم الموجوع يومهم الثالث أي إشعاع فرحهم الدائم بقيامته المُقدَّسة.
  • فلنفرح اليوم بمن قام وأقامنا معه وجعل كل أيامنا اليوم الثالث (خر١٩: ١١)، (هو ٦: ٢) وكل أوقاتنا أوقات خلاص (٢كو ٦: ٢) وسنوات عمرنا هي سنة الرب الجديدة (لو ٤: ١٩).

شواهد القراءات

النبوات: (تث ٣٢: ٣٩- ٤٣)، (إش ٦٠: ١- ٨)، (إش ٤٢: ٥- ١٧)، (إش ٤٩: ١٣- ٢٣)، (إر ٣١: ٢٣- ٢٨)، (حب ٣: ٢- ١٩)، (زك ٢: ١٠- ١٣)، (إش ٤٩: ٦- ١١)، (سي ٥: ١- ٧).

باكر:  مزمور (مز ٧٨: ٦٥، ٦٩) – انجيل (مر ١٦: ٢- ١١).

القداس:

البولس (١كو ١٥: ٢٣- ٥٠) – الكاثوليكون (١بط ٣: ١٥- ٢٢)

الابركسيس (أع ٢: ٢٢- ٢٨) المزمور (مز ١١٨: ٢٤، ٢٥، ٢٧) الانجيل  (يو ٢٠: ١- ١٨).

شرح القراءات

  • إذا كانت قراءات الخمسين يوم المقدسة كلها تتكلم عن الحياة الجديدة، والخليقة الجديدة، وأرض الموعد (سكنى الثالوث في الإنسان الجديد)، فإن أحد القيامة يظهر لنا مصدر الحياة الجديدة ربنا يسوع المسيح بكر كل خليقة ولا يقصد بها المسيح له المجد مخلوق كما قال المبتدع أريوس، بل إنه بكر الخليقة الجديدة، أي أنه جدد طبيعة الإنسان التي فسدت بالخطية خلال الجسد الذي أخذه من والدة الإله، وبموته وقيامته جعل هذا الجسد باكورة الخليقة الجديدة وصار المسيح له المجد بقيامته بالجسد باكورة الراقدين وبكراً بين أخوة كثيرين، وصاربقيامته المقدسة أساس ومصدر القيامة لكل نفس في العهد الجديد من موت الخطية ونوالها القيامة الأولى خلال قيامة المسيح..
  • لذلك تتتكلم قراءات أحد القيامة عن الأبن القائم من بين الأموات بكر كل خليقة.

مغزى إختيار الكنيسة للنبوَّات الخاصة بعيد القيامة :

إختارت كنيستنا المُقدَّسة مجموعة نبوات من أسفار مختلفة من العهد القديم لتعلن لنا بركات الخلاص التي أخذناها من موت المسيح له المجد وقيامته المُقدَّسة وصعوده بالجسد إلى السموات، لذلك نجد حديث النبوَّات ليلة عيد القيامة عن هذه الأحداث الخلاصية مجتمعة، والتي تؤول في النهاية إلى خلاص الإنسان وتجديد طبيعته ونوال المجد في المسيح، لذلك تتحدَّث نبوَّات هذه الليلة عن الصليب والقيامة والصعود، وخلاص الأمم، ومولد كنيسة العهد الجديد.

  1. لذلك تبدأ نبوَّات عيد القيامة بسفر التثنية التي تشير إلى تدبير الثالوث للخلاص، وقدرته الإلهية (تث ٣٢: ٣٩- ٤٣).
    [“ليس إله معي.” هذه العبارة تشير إلى الله كثالوث.] (هيلاري مِن بواتييه – عن الثالوث – 5-36.37).
    [الله يحيي كل مائت.] (APhrahat).[3]
  1. وتتكلَّم نبوّة إشعياء عن إستعلان مجد الله بالصليب والقيامة، والمجد الذي ناله الإنسان الجديد في المسيح (إش٦٠: ١- ٨).
    [لقد أشرق مجد الله على الأرض؛ وهو قد أشركنا معه في المجد، مرتقيًا بطبيعتنا حتى تصير مثل طبيعته.] (القديس كيرلُّس).
    [مجده هذا يفوق في بهائه ما لأعظم الملوك مِن مجد.] (القديس أمبروسيوس).
    [يتكلم إشعياء عن الذين سيرتفعون عاليًا مثل السُحُب مقاومين الخطية وقواها الشريرة، تلك التي لا تقوى على المساس بكل مَن يجعلهم إيمانهم مرتفعين فوق تلك القوى] (القديس غريغوريوس النيصي).[4]

٣- وتُؤكِّد أيضا النبوة الثانية من إشعياء على تدبير الثالوث للخلاص، ومجد الأمم في العهد الجديد، وصبر الله في آلامه الذي أعلن عدله وتحننه كقول القديس أغسطينوس (إش٤٢: ٥- ١٧):
[إن الابن والروح القدس مع الآب، كإله واحد – كلهم يعمل لتدبير خطة خلاصنا] (القديس أمبروسيوس)
[يحق للبداية الروحية الجديدة التغنّي بإنشودة جديدة] (العلامة أوريجانوس)
[والأكثر أهلاً للتغنّي بتلك الأنشودة هم بنو الأمم، حيث إنهم قد ظلّوازمانًا طويلاً في العبودية] (مار إفرام السرياني).

[صبر الله هو عدالته المطوقة بتحنّنه] (القديس أوغسطينوس)

[إذ هو قد شاء فوضع نفسه تحت مذلة التعذيب بلْ وحتى الموت] (القديس الكساندروس).[5]

٤- ويوضِّح الآباء في النبوّة الثالثة لإشعياء ميلاد كنيسة العهد الجديد بعد ما أزال المسيح له المجد قبضة الشيطان بقوة موته وقيامته (إش ٤٩: ١٣- ٢٣).

[تعدّ صهيون للمسيحيين التي هي أورشليم – بمثابة مثال يوحي بأمور عدة: موضع آلام المسيح، وموضع اجتماع جماعة المؤمنين، والعهد الملائكي، والمدينة السمائية] (القديس جيروم).

[دم المسيح قد غسل كل الخطايا لكل الشعوب] (القديس امبروسيوس).

[وجعل الكنيسة طاهرة بيضاء، حتى يلبسها كثوب بهيّ كل مَن يحيا بها] (القديس جيروم).

[لقد أزال المسيح قبضة الشيطان على البشر بقوته الجبارة] (القديس كيرلُّس)[6]

٥- وتحكي نبوّة إرميا كيف تحول حزننا إلى فرح بفداء المسيح له المجد (إر٣١: ٢٣- ٢٨)

[نحن نتنقَّى ببكائنا على خطايانا. واستجابة لذلك الحزن فإن الله يعطينا الوعد بالرحمة. لقد حزن يسوع؛ لا على خطية قد صنعها إذ هو بلاخطية؛ بلْ كان حزينًا على ما بنا مِن خطايا، هكذا حتى الموت؛ هكذا حتى نحوِّل حزننا إلى فرح.] (القديس امبروسيوس)[7].

٦- وتتكلَّم نبوّة حبقوق عن كيف أطفأ الرب الجحيم بصليبه، وملأ الكنيسة بالتسبيح (حب ٣: ٢- ١٩)

[مجد الرب يشير إلى صعوده المجيد؛ هذا الذي يملأ الكنيسة بالتسبيح.] (القديس أوغسطينوس).

[يُشار للمسيح بالرمز كأنه مثل ثور، وابن الصليب الذي قال عنه النبي أن منه تنبعث أشعة النور. صليب المسيح قد بعث ألهبة نار حارقة، هي تلك التي أطفأت لهب الجحيم.] (القديس جيروم).

[قيام  الله ليقيس الأرض هو دلالة على صلب المسيح. ثم أن تشقُّق الجبال والتلال التي كانت تقام عليها مذابح الأوثان، هو نموذج لنصرة المسيح على الشياطين.](THEODORET)  [8]

٧- وأوضح القديس كيرلس الأورشليمي في شرحه لهذه النبوّة هدف إرسالية المسيَّا في خلاص الجميع، يهود وأمم، في المسيح له المجد (زك ٢: ١٠- ١٣)

[لقد وعَد الله بإرسال المسيّا لليهود والأمم؛ ولأن قوله حق، فقد أتمه في المسيح.] (القديس كيرلُّس الأورشليمي)[9]

مزمور باكر

ويتكلم مزمور باكر عن نوم البشرية وسكرها بالخطية في العهد القديم، ومشابهة الرب لنا في كل شئ ما خلا الخطية، لذلك قال أنه “كالنائم”، “مثل الجبار المفيق من الخمر” فهو لم يكن نائماً مثل البشر ولم تقترب إليه خمر الخطية، بل إنه أخذ شبه جسد الخطية (رو ٨: ٣)، وقام بهذا الجسد كباكورة للبشرية كلها وبنى بهذه القيامة كنيسته المقدسة (جسده) أي كل المؤمنين به من كل الأمم وأسسهم إلى الأبد” وبنى مثل وحيد القرن موضعه المقدس وأسسه على الأرض إلى الأبد” (مز ٥٧ : ٦٠).

كما يشير المزمور إلى قوَّة القيامة، وهي التي قال عنها المتنيح أبونا بيشوي كامل:

[هى قوة ذاتية في الرب يسوع الذى لا يغلبه الموت.

وهى قوة في حياة هؤلاء الذين ماتوا مع المسيح.

لقد ظنت النسوة أن الحجر الكبير سيكون عقبة أمام القيامة ولكن قوة القيامة في حياة يسوع لا يقف أمامها قوة في الوجود .

القيامة قوة في حياة كل انسان تائب راجع الى الله.

لقد جددت القيامة ايمان توما الذى سقط في الشك، ولقد جددت القيامة محبة بطرس الذي أنكر وسب ولعن].[10]

أنجيل باكر

وفي إنجيل باكر يتكلم عن مصير الإنسان في العهد القديم ونهايته الطبيعية “أتين إلى القبر” وعن إنسان العهد الجديد وقيامته المقدسة “قد قام ليس هو ههنا” ليس هو فقط بل كل الذين في قبور الخطية أنعم عليهم بالحياة الأبدية، وهذه هي البشارة المفرحة لكل الحزانى “وتلك ذهبت وقالت للذين كانوا معه وهم ينوحون ويبكون” (مر ١٦: ٢، ٦،١٠).

البولس

ويتكلم البولس عن المسيح الباكورة وأساس كل قيامة في العهد الجديد “أما كل واحد في رتبته فالمسيح الباكورة ثم الذين للمسيح يقومون في حضوره” (١كو ١٥: ٢٣)..

وأن القيامة أساس الإيمان والحياة والخدمة، فإن لم تكن قيامة للأموات فالإيمان باطل والحياة عبثية “نأكل ونشرب لأننا غداً نموت” (١كو ١٥: ٣٢).. والخدمة بلا معنى لأنها لا ترتكز على فعل القيامة.

لذلك يؤكد البولس على أن آدم الجديد هو مصدر الحياة “إن آدم الإنسان الأول صار ذا نفس حية، وآدم اللأخير صار ذا نفس محيية، الإنسان الأول من الأرض ترابي، والإنسان الثاني الرب من السماء، فمثل الترابي كذلك الترابيون، ومثل السماوي كذلك السماويين” (١كو١٥: ٤٥- ٤٨).

الكاثوليكون

يتكلم عن الأبن النائب عن البشرية والذي فتح لنا الطريق للآب بموته وقيامته “لأن المسيح مات دفعة من أجل الخطاة، الصديق من أجل الظالمين، لكي يقربنا إلى الله” (١بط ٣: ١٨)..

وعن معمودية العهد الجديد فلك الخلاص التي فيها نأخذ فعل موت المسيح وقيامته “الأمر الذي تماثله الآن المعمودية خلصتم بها لا لإزالة وسخ الجسد بل ابتهال البصيرة الصالحة إلى الله بقيامة يسوع المسيح” (١بط ٣: ٢١).

الإبركسيس

ويتكلم عن أن موت المسيح هو في تدبير الآب لأجل خلاص البشر وأن الموت والفساد لا يستطيعان أن يمسكاه بل هو من سيعطي الحياة ويبطل الفساد عن كل من يؤمن به “هذا برأي الله وحل مخاض الموت وبما أنه لم يكن ممكناً أن يمسك منه” (أع ٢: ٢٣، ٢٤) “لأنك لا تترك نفسي في الجحيم ولا تدع صفيك أن يرى فساداً” (أع ٢: ٢٧).

مزمور القداس

يُعْلِن عن أن هذا اليوم يوم الخلاص هو الذي تنتظره البشرية كلها وتترجاه “هذا هو اليوم الذي صنعه الرب. فلنبتهج ونفرح به. يا رب تخلصنا. يارب تسهل طريقنا. الله الرب أضاء علينا (بقيامته المقدسة). هلليلويا” (مز ١١٨: ٢٤، ٢٥، ٢٧).

انجيل القداس

يُعلن عن أن القيامة هي موضوع الكتاب كله وغاية النبوات “فرأى وآمن لأنهما لم يكونا عرفا الكتاب، أنه ينبغي له أن يقوم من الأموات” (يو٢٠: ٨، ٩).

وأن قيامته أيضاً هي باب صعودنا به وفيه إلى الآب ونوال الإنسان في المسيح الشركة الدائمة مع الآب “فاذهبي إلى أخوتي وقولي لهم أني أصعد إلى أبي الذي هو أبيكم، وإلهي الذي هو إلهكم” (يو ٢٠: ١٧).

[ملحوظة عن طقس هذا اليوم: تاريخ تمثيلية القيامة: يقول العلَّامة يسي عبد المسيح: قفل باب الهيكل وما يقوله المرتل ويرد عليه الكهنة من داخل من “المسيح قام. وافتحوا أيها الملوك أبوابكم” ليس له  وجود في ك تب الترتيب القديمة وكذا إطفاء الأنوار][11]

ملخص الشرح

(بكر كل خليقة)

  • تتكلَّم نبوَّات هذه الليلة عن الصليب والقيامة والصعود، وخلاص الأمم، ومولد كنيسة العهد الجديد.
  • أخذ الرب شبه جسد الخطية جاعلاً منه بكر الخليقة الجديدة وبه أسس كنيسته أعضاء جسده. (مزمور باكر).
  • أبن الإنسان حرر بقيامته البشرية من موت القبور وبشر كل المؤمنين بفرح القيامة. (انجيل باكر).
  • آدم الجديد هو مصدر الحياة. (البولس).
  • الأبن فتح لنا الطريق إلى الآب بموته وقيامته، واستعلنت لنا هذه العطية في المعمودية فلك الخلاص. (الكاثوليكون).
  • قيامة المسيح في تدبير الآب وبعلمه السابق ولا يستطيع الموت أو الفساد أن يقترب منه. (الكاثوليكون).
  • يوم قيامة المسيح هو رجاء البشرية وغاية انتظارها. (مزمور القداس).
  • القيامة هي موضوع الكتاب المقدس كله وغاية النبوات. (انجيل القداس).
  • القيامة هي باب صعودنا بالمسيح وفيه إلى الآب (إنجيل القدَّاس).

من وحي ظهورات الرب بعد القيامة

المريمات «الإستهانة بالمستحيلات»

  • ذهبت المريمات للقبر ومعهن الحنوط.
  • ذهبن وهن يدركن أن القبر له حراس.
  • ذهبن وهن يسألن أنفسهن من يدحرج لنا القبر؟.
  • ذهبن والظلام باقٍ !!.
  • ذهبن دون طلب المساعدة من الرسل الرجال.
  • السؤال هو لماذا ذهبن رغم كل هذا؟.
  • لماذا ذهبن رغم كل  المعوقات المستحيلة؟.
  • ذهبن لإشتياقهن الشديد له.
  • ذهبن لرؤيته وهو ميت دون إستفادة شئ سوي تقديم الحب.
  • لذلك كانت المجازاة والمكافأة عظيمة نلنها قبل الآباء الرسل.

عظات مقترحة لأحد القيامة المجيد

(١) حقيقة وبرهان قيامة المسيح له المجد:

١- إمكانية قيامة الأجساد (البولس).

٢- المعمودية موت وقيامة مثل ما حدث في فلك نوح (الكاثوليكون).

٣- حياة المسيحيين برهان القيامة (الكاثوليكون).

٤- نبوّات العهد القديم عن القيامة (الإبركسيس).

٥- إختبار القيامة (إنجيل القدَّاس).

7- دوام فعل القيامة (مزمور القدَّاس).

(٢) كيف نعيش القيامة:

١ -التوبة اليومية

“استيقظ أيها النائم، وقم من الأموات، فيضيء لك المسيح” (أف ٥: ١٤).

٢ -المحبّة

“نحن نعلم أننا قد انتقلنا من الموت إلى الحياة، لأننا نحب الإخوة” (١يو ٣: ١٤).

٣ -الإفخارستيا

“من يأكل جسدي ويشرب دمي فله حياة أبدية، وأنا أقيمه في اليوم الأخير” (يو ٦: ٥٤).

٤ -الحياة السماوية

“فإن كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق، حيث المسيح جالس عن يمين الله” (كو ٣: ١).

٥ -الخدمة

“فليعلم أن من رد خاطئا عن ضلال طريقه، يخلص نفسا من الموت، ويستر كثرة من الخطايا” (يع ٥: ٢٠).

(٣) في الوسط “جاء يسوع ووقف في الوسط” (يو ٢٠: ١٩)

جاء تعبير “في الوسط” أربع مرات تقريباً في العهد الجديد:

1.” أجابهم يوحنا قائلا: أنا أعمد بماء، ولكن في وسطكم قائم الذي لستم تعرفونه” (يو ١: ٢٦).

أي أن المسيح له المجد دائماً في وسط حياتنا اليومية، يسير معنا في الطريق ويكلمنا (تلميذي عمواس)، ينظر إلينا في إحتياجه (جعت فأطعمتموني)، يحاورنا في عطشنا (السامرية)، يجلس على مائدتنا (مرثا ومريم).

لكن الأخطر أن لا نعرفه، فنظنه شخص آخر (تلميذي عمواس)، أو فقير ومحتاج يزعجنا (لا أقدر أن أقوم وأعطيك)، أونفتخر بحضوره في بيوتنا دون نوال سلامه وغفرانه (لو ٧: ٣٦- ٥٠).

  1. 2. “لأنه حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فهناك أكون في وسطهم” (مت ١٨: ٢٠).

وهنا يمكن أن تأتي بمعاني ثلاثة :

أولاً: العبادة، وشركة الصلاة، مثل بولس وسيلا، وصلاة التلاميذ بعد خروجهم من السجن.

ثانياً: الخدمة (مت ٢٥).

ثالثاً: الأسرة أي الزوجين (إثنين)، أو في وجود الأطفال (أو ثلاثة وضمناً أكثر).

  1. “حيث صلبوه، وصلبوا اثنين آخرين معه من هنا ومن هنا، ويسوع في الوسط” (يو ١٩: ١٨).

أي وسط آلامنا وأحزاننا مثل ظهوره لمريم المجدلية ليهبها فرح وسلام، وظهوره لبطرس ليعطيه يقين الغفران والشفاءالروحي والنفسي.

  1. “جاء يسوع ووقف في الوسط، وقال لهم: سلام لكم” (يو ٢٠: ١٩).

أي ظهوره لنا في الكنيسة (١كو ١٥)، وملء روحه في كنيسة الفكر الواحد (أع ٢، ٤).

أو يمكن أن يكون المعنى أيضاً “وسط أفراحنا” أي مباركاً أفراحنا كما كان في عرس قانا الجليل (يو ٢).

(٤) كيف ومتى وأين نرى مسيح القيامة

  1. الإشتياقات الحارّة (المريمات).

“في أول الأسبوع جاءت مريم المجدلية إلى القبر باكرا، والظلام باق” (يو ٢١: ١).

  1. التوبة (بطرس).

“فخرج إلى خارج وبكى بكاء مرا” (مت ٢٦: ٧٥).

“وأنه ظهر لصفا” (١كو ١٥: ٥).

  1. خدمة الغرباء (تلميذي عمواس)

“فألزماه قائلين: امكث معنا، لأنه نحو المساء وقد مال النهار. فدخل ليمكث معهما” (لو٢٤: ٢٩).

  1. الشركة المُقدَّسة (التلاميذ).

“وبعد ثمانية أيام كان تلاميذه أيضا داخلاً وتوما معهم. فجاء يسوع والأبواب مغلقة، ووقف في الوسط وقال: سلام لكم” (يو٢٠: ٢٦).

  1. أعمالنا اليومية (السبعة التلاميذ على بحر طبرية).

“فخرجوا ودخلوا السفينة للوقت. وفي تلك الليلة لم يمسكوا شيئا ولما كان الصبح، وقف يسوع على الشاطئ” (يو٢١: ٣، ٤).

عظات آبائية لأحد القيامة المجيد

العظة الأولى: عيد القيامة للقديس أثناسيوس الرسولي[12]

أول المباديء التي نجحت فيها كنيسة الاسكندرية

عيد الفصح ووقت الصوم

إن الكنيسة القبطية من عهد القديس مرقس الانجيلي كاروز الديار المصرية اعتمدت على أن يكون الفصح الجديد أو عيد القيامة المجيد في يوم الأحد التالي لفصح اليهود، وتسلمت هذا المبدأ من الكاروز مرقس نفسه، وقد استدلوا على ذلك من تاريخ استشهاده، إذ كتب ساويروس بن المقفع في تاريخه يقول: [فلما كان في أحد السبوت يوم عيد فصح السيد المسيح اتفق في تلك السنة يوم ٢٩ من برمودة وكان فيه أيضاً عيد الكفار الوثنيين، فطلبوه باجتهاد فوجدوه في الهيكل فهجموا عليه وأخذوه وجعلوه في حلقه حبلًا وجروه على الأرض وكانوا يقولون: جروا التيتل في دار البقر].

وذكر ذلك أيضاً ابن الراهب وقال نقلًا عن الدسقولية: [في الفصل الحادي والثلاثين، يجب عليكم يا أخوتنا الذين اشتريتم بالدم الجليل الذي هو دم المسيح أن تعملوا يوم الفصح بكل استقصاء واهتمام عظيم من بعد طعام الفطير الذي يكون في زمان الإعتدال الذي هو خمسة وعشرون يومًا من برمهات، وأن لا يعمل هذا العيد الذي هو تذكار الألم الواحد دفعتين في السنة بل دفعة واحدة لأجل الذي مات عنا دفعة واحدة، وتحفظوا أن لا تُعَيِّدوا مع اليهود لأنه ليس لكم الآن معهم شركة لأنهم ضلوا وغلطوا وذلوا هؤلاء الذين ظنوا أنهم كاملون وهم ضالون في كل زمان ويفرقون الحق. وأما أنتم فتحفظوا باستقصاء من عيد اليهود الذي فيه طعام الفطير الذي يكون في زمان الربيع في خمسة وعشرون يومًا من برمهات، هذا الذي يحفظ إلى أحد وعشرين يوماً من الهلال في أسبوع آخر غير الأسبوع الذي يعملون فيه الفصح، ولا تصنعوا عيد قيامة ربنا ومخلصنا يسوع المسيح إلا في يوم الأحد لا غير، ومن قوانين الرُّسُل المسيرة على يد اكليمنضس تلميذ بطرس من الكتاب الثاني اخراج القبط من الستة وخمسين قانوناً: إذا صنع أسقف أو قس أو شماس البصخة المقدَّسة مع اليهود قبل اعتدال الليل والنهار فليقطع. وزاد الصفي عن (دسق ٣١: ١١) ثم حلوا صومكم وأنتم مسرورون بأن يسوع المسيح قام من الموتى وهو عربون لقيامتنا ويكون هذا لكم ناموساً أبدياً إلى انقضاء هذا الدهر إلى أن يأتي الرب].

وكانت قوانين الكنيسة مبنية على أن السيد المسيح بعد أن أفصح مع تلاميذه في ليلة الجمعة الفصح الناموسي رسم لهم العشاء السري وفي يوم الجمعة كان مصلوباً وفي السبت كان مقبوراً وقام في يوم الأحد ولذلك لا يحتفلون إلا بعد فصح اليهود في يوم الأحد تذكاراً لقيامته. وقد استمرت الكنيسة القبطية تراعي هذا المبدأ، وكان المسيحيون عامة يصومون الأربعين يوماً بعد عيد الظهور فإذا ما انقضت فطروا ثم يعودون إلى صوم أسبوع الآلام الذي يدعونه بالبصخة (الفصح) ليكون عيد فصحهم الجديد أو قيامة مخلصهم في الأحد التالي لتمام القمر الواقع في أيام الاعتدال الربيعي. لأن اليهود قد خرجوا من مصر في أيام الاعتدال في اليوم الرابع عشر من نيسان (أول السنة الدينية العبرية) وكان فصحهم وقت فكروا في تعليق المخلص على خشبة الصليب وقد قام منتصراً في يوم الأحد، وأسبوع الآلام يصومه المسيحيون تذكاراً لمن تألم عنهم، ولما رأى أساقفة الاسكندرية أن فرقة نصرانية عرفت بالأربعتعشرية كانت تعيد الفصح الجديد في يوم فصح اليهود ، لم يرق في أعينهم استمرار المسيحيين على هذه الطريقة، فرفعت الكنيسة القبطية صوتها عالياً ودعت هذه الفرقة وغيرها إلى نبذ الفوضى وأن يكون العيد في الوقت الذي حدده الانجيلي مرقس كاروزهم وضم الأربعين يوماً (الصوم) إلى أسبوع الآلام حتى يستمروا في صومهم إلى العيد. ثم أخروا الاحتفال برأس سنتهم الفلكية أو يوم الاعتدال الربيعي إلى ما بعد عيد فصحهم الجديد ودعوه بشم النسيم، الذين به يحتفلون الآن بعد عيد الفصح الجديد بيوم أي في يوم الاثنين التالي ليوم عيد القيامة .

وقد كتب ابن الفراش في تاريخه أن القبط محقون في دعواهم فقال: [وفي ذلك العصر كتب ديمتريوس بطريرك الاسكندرية إلى أغابيانوس أسقف بيت المقدس، وإلى مكسيموس بطريرك أنطاكية وإلى بطريرك رومية في سبب حساب الفصح وكيف يستخرج من فصح اليهود، ووضعوا في هذه كتباً كثيرة ورسائل حتي ثبتوا النصارى على ما هم عليه اليوم، وذلك أن المسيحيون كانوا بعد صعود سيدنا يسوع المسيح إلى السماء إذا عيدوا عيد الحميم من الغد يصومون أربعين يوماً ويفطرون كما فعل سيدنا يسوع المسيح لما اعتمد في نهر الأردن خرج إلى البرية وأقام بها أربعين يوماً صائماً، وكان المسيحيون إذا فَصِحَ اليهود عيدوا هم أيضاً الفصح، فوضع هؤلاء البطاركة حساباً للفصح ليصوم المسيحيون أربعين يوماً ويكون فطرهم هو يوم الفصح .

وهذا مصداقاً لما في الكتب القبطية من أن ديمتريوس لم يفته البحث في هذا الموضوع وتقريره ثم ندب الكنائس إلى العمل به حتى يكون المسيحيون في أنحاء المعمورة في يوم عيدهم مسرورين معاً بتذكار قيامة فاديهم، ويذكر التاريخ الكنسي: أن المجمع انعقد في جزيرة بن عمر على الأربعتعشرية الذين كانوا يعيدون مع اليهود في اليَوم الرابع عشر من هلال نيسان. قد قرر (المجمع) منع هؤلاء الناس وضرورة عمل العيد في يوم الأحد وكتب بذلك إلى البطاركة: سرابيون بطريرك أنطاكية، ودمقراطس بطريرك رومية، وديمتريوس بطريرك مدينة الاسكندرية، وسيماخس أسقف بيت المقدس، وأعلمهم ببدعة هؤلاء القوم. فسير كل منهم رسالة يذكر فيها أن لا يُعمل الفصح الجديد إلا في يوم الأحد الذي بعد عيد اليهود. وتقرر عمل الفصح كأوامر الرُّسُل القائلين بأن من يعمل يوم قيامة الرب في يوم غير يوم الأحد فقد شارك اليهود في أعيادهم وافترق من المسيحيين .

ونظراً لوجود هذا الاختلاف عقدت مجامع مكانية، في رومية عقد مجمع رأسه فيكتور أسقفها وقرر أن يكون العيد في الوقت الذي كتب له عنه ديمتريوس،

وكذلك مجمع فرنسا الذي عقده ايريناوس أسقف ليون فإنه أيد هذه الطريقة ذاتها التي أقرها المجمع النيقاوي المسكوني الأول، وهذا بخلاف المجامع التي اجتمعت في آسيا: في أفسس برئاسة بوليكريوس أسقفها فإنه قد تقرر أن يكون العيد في اليوم الرابع عشر من نيسان.

وجاراه مجمع فلسطين المؤلف من أربعة عشر أسقفاً يتقدمهم نرقيصوص أسقف أورشليم وتأوفيلس أسقف قيصرية،

ثم عقدوا مجمعاً آخر في آخر سنة ١٩٧م في قيصرية فلسطين يتقدمه ثاوفيلس أسقف قيصرية ونرقيصوص أسقف أورشليم وكسيوس أسقف صور وكلاروس أسقف عكا وقرروا سريان مبدأ الأربعتعشريين بدعوى أنهم تسلموا هذا تقليداً من الانجيلي يوحنا الحبيب وكان بوليكربوس تلميذه، الذي عاش في النصف الأول من القرن المسيحي الثاني يدافع عن هذا التقليد، فاعتاد تابعوه علي أكل خروف الفصح في اليوم الرابع عشر من نيسان العبري وهو الذي يلي الاعتدال الربيعي دائماً، وله مع أساقفة رومية حديث طويل الشرح،

غير أن المباديء التي سارت عليها الكنيسة القبطية بالاسكندرية وبنت عليها نظريتها في أن يكون الأحد التالي لعيد الفصح الناموسي، قد اقتنع بها الكثير حتى أن الشرقيين انفسهم قد حرموا الذين يعيدون مع اليهود كما ظهر من قرار مجمع جزيرة ابن نصر في الموصل (بين النهرين)، غير أنه رغماً عن اتحاد أكثر كنائس الشرق والغرب على الأخذ بمبدأ الأسكندريين فإن جماعة من الطوائف المسيحية ظلوا محافظين على الفصح الناموسي حتي جب المجمع النيقاوي هذا التقليد واستأصل هذه العادة بالمنشور الذي أصدره قسطنطين القيصر وحض فيه الكنائس عامة علي التعييد في وقت واحد، بعد أن اقتنع بالمبادئ التي قررتها كنيسة الاسكندرية .

وأن تكن هذه المسألة بعيدة عن قواعد الايمان إلا أنها أخذت أهمية كبرى نظراً لأن القيامة تعتبر حجر زاوية في تاريخ النصرانية وهذا العيد الذي يجب أن يفرح فيه كل مسيحي معتبراً أياه كأنه بدأ بحياة جديدة، قد صار مرموقاً بعين الاعتبار، كاعتبار اليهود لعيد فصحهم الناموسي بأنه اسمى أعيادهم، ولذلك فإنهم جعلوا الاحتفال بهذا العيد تذكار قيامة المخلص في غاية الأهمية ليذكروا فيه قيامة فاديهم ومخلصهم.

 

عظة أخري للقديس أثناسيوس الرسولي

كتاب آلام الرب وصليبه

قيامة الرب وإشراق النور الإلهي:

هكذا قام الرب، وسخر من الموت بسرعة، وحررنا منه، لكن اليهود لم يخجلوا ، حتى بعد أن رأوا كل هذه الأحداث، بل ولا فهموا بأن جرأتهم على إرتكاب مثل هذه الأمور ضد المخلص، فإنما يرتدون بها ضد أنفسهم. أي أنهم لم يدركوا ، بأنهم عندما يسلمون الرب، يكونوا بهذا قد أثاروا ما حدث لأورشليم، أي أعادوا للذاكرة ما حدث لهذه المدينة، إذ يقول إرميا النبي: “هأنذا أَدْفَعُ هَذِهِ الْمَدِينَةَ لِيَدِ الْكَلْدَانِيِّينَ وَلِيَدِ نَبُوخَذْرَاصَّرَ مَلِكِ بَابِلَ فَيَأْخُذُهَا. ولم يروا ، بأنهم برفضهم أن يصيروا عبيدا للرب، قد جعلوا أنفسهم عبيدا للشيطان الذي خدموه في خطته ضد المخلص. أي لم يعرفوا ، أنهم في سعيهم نحو هذا الهمجي المتوحش (الشيطان) ، وقتلهم للرب، أنهم بهذا يحيون حياة هذا المتوحش وسيتضاعف ويزيد كل توتر وقلق وإنزعاج، وقتل. ولأنهم أخرجوا من نفوسهم النور الحقيقي، وكل ما هو مرتبط بالرب، كما يقول إشعياء النبي : هوذا السيد رب الجنود ينزع من أورشليم ويهوذا السند والركن كل سند الخبز وكل سندماء وكل عماد الجبار والمحارب القاضي والنبي والعراف والشيخ القائد والوجيه والمشير والحكيم والساحر والكاشف الأسرار ويجعل الصبيان حكامًا لهم والسفهاء أسيادًا عليهم. لأن هؤلاء التعساء قد أساءوا إلى الرب، ولم يروا أن القول النبوي قد تحقق ضدهم، إذ يقول النبي: ” يجعل (المخادعين) أسيادا عليهم”. هذا هو الأمر الذي لا يمكن شرحه بخصوص المخلص، وهو أنه عندما صلب، بطل الموت، وما كتب، قد تحققق ضد اليهود. أنه قد نزع منهم النور، فقد كُتِبَ بإرميا النبي: “الْكَلَامُ الَّذِي صَارَ إِلَى إِرْمِيَا عَنْ كُلِّ شَعْب يَهُوذَا، فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ لِيَهُويَاقِيمَ بْنِ يُوشِيًّا مَلِكِ يَهُوذَا، هِيَ السَّنَةُ الأُولَى لِنَبُوخَذْرَاصَّرَ مَلِكِ بَابِلَ ، سلموا الرب إلى عديمي الإيمان، ولم يعرفوا بعد ذلك، يقول: “وأبيد منهم صوت الطرب وصوت الفرح صوت العريس وصوت العروس صوت الطاحونة ونور السراج”. لقد لأنهم كانوا عميان ـ أنه بعد قليل سيتدنسون من الأمم الذين سيدخلون إلى ميراثهم، أي سيدخل الأمم بدلاً منهم، بحسب ما كتب المرنم: اللهُمَّ ، إِنَّ الأُمَمَ قَدْ دَخَلُوا مِيرَائِكَ.

نَجَّسُوا هَيْكَلَ قُدْسِكَ جَعَلُوا أُورُشَلِيمَ أَكْوَامًا . لأنهم رفضوا أن يكون الرب لهم ملكًا ، ولم يعرفوا أنهم حرموا من كرامة داود. لأن في المسيح، وجدت مملكة داود، والتي وصلت حتى ظهور المخلص، كما يؤكد يعقوب، عندما قال: ” لا يزول قضيب من يهوذا ومشترع من بين رجليه حتى يأتي شيلون وله يكون خضوع الأمم . ومن حيث أنهم عروا الرب، وضربوه، لم يفهموا بأن الرب سيعريهم، وأنهم عززوا النواح والبكاء ضد أنفسهم، لأن الرب نفسه يقول بالنبي: وأُبَطْلُ كُلَّ أَفْرَاحِهَا : أَعْيَادَهَا وَرُؤُوسَ شُهُورِهَا وَسُبُوتَهَا وَجَمِيعَ مَوَاسِيمِهَا ، وأيضاً : مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَنُوحُ وَأُوَلُولُ، أَمْشِي حَافِيًا وَعُرْيَانًا، أَصْنَعُ نَحِيبًا كَبَنَاتِ آوَى، وَنَوْحًا كَرِعَالِ النَّعَامِ ” ومن حيث أنهم أجبروه أن يرتدي رداءًا قرمزيًا، لم يفهموا بأنهم يدخرون لأنفسهم إدانة الروح القدس، أن: ” اغْتَسِلُوا، تَنَقُوا اعْزِلُوا شَرَّ أَفْعَالِكُمْ مِنْ أَمَامٍ عَيْنَيَّ كَفُوا عَنْ فِعْلِ الشَّرِّ . وبينما إبتهجوا عندما وضعوا إكليل من الشوك على رأس المخلص كانت عيونهم مغلقة، ولم يدركوا أنهم يحولوا هذه الأشواك ضد أنفسهم، لأنه بحسب المكتوب: ” إرتجفن أيتها المطمئنات إرتعدن أيتها الواثقات تجردن وتعرين وألبسن المسوح على حقويكن الطمن على الأثداء وتحسرن على الحقول الجميلة والكروم المثمرة وعلى التربة في أرض شعبي حيث يطلع الشوك والعليق وعلى بيوت الفرح كلها في المدينة التي في عيد إستهزءوا بالرب، وتهكموا عليه، وقالوا هل يا ترى هو ابن الله؟ ولم يدركوا أنهم قد فقدوا التبني، كما يقول إشعياء النبي: رَبَّيْتُ بَنِينَ وَنَشَأْتُهُمْ، أَمَّا هُمْ فَعَصَوْا عَلَيَّ، وأيضا يقول: وأترك لكم بيوتكم مجدبة وقد سقوه خلاً ومرارة، لكن هذا أيضا كان عمى كبير بالنسبة لهم.

لأن الرب قد نقل الكرم من مصر، وزرعه، وإنتظر أن يأخذ من هؤلاء عنب، أي خمر لكن هؤلاء الحمقى قد أعطوه خلاً بدلاً من خمر، وبدلاً من العنب أعطوه مرارة، وبرهنوا هكذا على طابع الشر الذي لأهل سدوم، لأن العنب بالنسبة لهؤلاء، هو مرارة، وفقا للمكتوب بسفر التثنية : ” لأَنَّ مِنْ جَفْنَةِ سَدُومَ جَفْنَتَهُمْ، وَمِنْ كُرُومٍ عَمُورَةً. عِنَبُهُمْ عِنَبُ سَمٌ، وَلَهُمْ عَنَاقِيدُ مَرَارَةٍ. لذلك، فإن الرب مخلصنا ، لأنه عرف الثمر الذي سيجنيه من هؤلاء، سبق وقال لهم مثل الكرم والكرامين. وقال: “إِنَّ مَلَكُوتَ اللَّهِ يُنْزَعُ مِنْكُمْ وَيُعْطَى لأُمَّةٍ تَعْمَلُ أَثْمَارَهُ . بالإضافة لكل ذلك، فقد إقتسموا ثيابه بين الجلادين، دون أن يدركوا أو يروا تشتتهم بين الأمم، لأنه هكذا يقول: “هُوَذَا يَوْمٌ لِلرَّبِّ يَأْتِي فَيُقْسَمُ سَلَبُكِ فِي وَسَطِكِ، وَأَجْمَعُ كُلَّ الأُمَمِ عَلَى أُورُشَلِيمَ لِلْمُحَارَبَةِ، فَتُؤْخَذُ الْمَدِينَةُ، وَتُنْهَبُ الْبُيُوتُ، وَتُفْصَحُ النِّسَاءُ، وَيَخْرُجُ نِصْفُ الْمَدِينَةِ إِلَى السَّبْيِ، وَبَقِيَّةُ الشَّعْبِ لاَ تُقْطَعُ مِنَ الْمَدِينَةِ، وأيضا : ” الآن تأكلهم النوائب هم وما يملكون. وكما يقول ميخا النبي : “في ذلك اليوم الرديء حينما يجعلونكم مثلاً ويندبونكم ندبًا قائلين دمرنا الرب تدميرا وقطع نصيب شعبه كيف تحول عنا وقسم للسابين حقولنا لذلك لا يكون لكم من يقيس نصيبكم بالحبل بين جماعة الرب .وحتى نتكلم في إيجاز، فمن حيث أنهم سلكوا بوقاحة ضد الرب، فإنهم بذلك قد إجتذبوا إليهم وضدهم، ذلك اليوم الذي سبق النبي وتكلم عنه الآتي: ” لأَنَّ لِلرَّبِّ يَوْمَ انْتِقَامٍ، سَنَةَ جَزَاء مِنْ أَجْلِ دَعْوَى صِهْيَوْنَ. وَتَتَحَوَّلُ أَنْهَارُهَا زِفْتًا ، وَتُرَابُهَا كِبْرِيتًا ، وَتَصِيرُ أَرْضُهَا زِفْتًا مُسْتَعِلاً لَيْلاً وَنَهَارًا لاَ تَنْطَفِئُ إِلَى الأَبَدِ يَصْعَدُ دُخَانُهَا مِنْ دَوْرٍ إِلَى دَوْرٍ تُخْرَبُ إلى أبد الآبدينَ لا يَكُونُ مَنْ يَجْتَازُ فِيهَا. وَيَرِثُهَا الْقُوقُ وَالْقُنْفُذُ وَالْكَرْكِيُّ وَالْغُرَابُ يَسْكُنَانِ فِيهَا ، وَيُمَدُّ عَلَيْهَا خَيْطُ الْخَرَابِ وَمِطْمَارُ الْخَلاءِ. أَشْرَافُهَا لَيْسَ هُنَاكَ مَنْ يَدْعُونَهُ لِلْمُلْكِ، وَكُلُّ رُؤَسَائِهَا يَكُونُونَ عَدَمًا. وَيَطْلُعُ فِي قُصُورِهَا الشَّوْكَ الْقَرِيصُ وَالْعَوْسَجُ فِي حُصُونِهَا . فَتَكُونُ مَسْكِنَا للذئاب وَدَارًا لِبَنَاتِ النَّعَامِ. وَتُلاقِي وُحُوشُ الْقَفْرِ بَنَاتِ آوَى، وَمَعْزُ الْوَحْشِ يَدْعُو صَاحِبَهُ هُنَاكَ يَسْتَقِرُّ اللَّيْلُ وَيَجِدُ لِنَفْسِهِ مَحْلاً. هُنَاكَ تُحْجِرُ النَّكَارَةُ وَتَبيضُ وَتُفْرِخُ وَتُرَبِّي تَحْتَ ظِلُّهَا. وَهُنَاكَ تَجْتَمِعُ الشَّوَاهِينُ بَعْضُهَا ببعض.

المرجع : كتاب آلام الرب وصليبه للقديس أثناسيوس الرسولي 

المقال. :قيامة الرب وإشراق النور الالهى(ص٩٢- ٩٦)

العظة الثانية: لا تلمسيني – للقديس كيرلس الكبير [13]

(يو ٢٠: ١٧)

“قال لها يسوع لا تلمسيني لأني لم أصعد بعد إلى أبي، ولكن إذهبي إلى إخوتي وقولي لهم: إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم”.

لا يفهم العامة معنى هذا القول بسهولة، لأن فيه سرَّ خفيَّ، ولكن يجب أن نبحث فيه لفائدتنا، وسوف يمنحنا الرب أن نعرف كلماته، فبينما كانت المرأة تجري نحوه، ورغم أنها اشتاقت أن تحتضن قدميه فإن الرب منعها وأوقفها، وذكر سبب منعه إياها بقوله: “لأنني لم أصعد بعد إلى أبي، ويلزمنا أن نبحث عن معنى هذا القول، فماذا يعني أنه لم يصعد بعد إلى أبيه؟ وكيف يمكن أن يكون عدم صعوده سبباً كافيًا لمنع أولئك الذين أحبوه من لمس جسده المقدَّس؟ .

إن كل مَنْ يتصور أن الرب رفض أن تلمسه المرأة لكي لا يتدنس بلمسها، وأنه تكلم بهذه الكلمات لكي يكون نقياً حينما يصعد إلى الآب في السماء، كل من يفكر هكذا يكون مستحقاً لكلَّ لوم ويستحق أن يوصف بالحماقة والجنون، لأن طبيعة الله لا يمكن أن تتدنس مطلقاً، وكما أن شعاع الشمس عندما يسقط على كومة من روث البهائم أو على أي شيء آخر من الأشياء الأرضية النجسة، فإن الشعاع لا يتدنس، بل يظَّل كما هو أي غير ملوث، ولا يشترك في أي رائحة كريهة من القاذورات التي يسقط عليها، فكم بالحري طبيعة الله الكلية القداسة، فإنها لا تسمح لأي عيب أو دنس أن يؤثر فيها.

إذن ما هو السبب في منع مريم من لمسه حينما اقتربت منه واشتاقت أن تلمسه؟ وماذا يمكن أن يكون قصد الرب حينما يقول: “لأني لم أصعد بعد إلى أبي”، ينبغي أن نفتش عن معنى هذه الكلمات بأقصي طاقتنا .

لذلك نقول، إن مجيء المخلَّص إلينا كان له أهداف متعددة، ولكن الهدف الرئيسي بين كل هذه الأهداف هو ما عبّر عنه بكلماته هو نفسه عندما قال: “لم أتِ لكي أدعو أبراراً بل خطاة إلى التوبة” (مت ٩: ١٣) .

فقبل صلب المخلص وقيامته من الأموات، أي حينما لم تكن خطة تدبيره قد وصلت بعد إلى غايتها، فإنه كان يخالط كلاً من الأبرار والخطاة، ويأكل مع العشارين والخطاة، وكان يسمح لكل من يريد، أن يأتي إليه ويلمس جسده المقدس، وذلك لكي يقدَّس كل البشر ويدعوهم إلى معرفة الحق، ولكي يعيد إلى الصحة والشفاء لأولئك الذين كانوا مرضى وضعفاء من كثرة ممارسة الخطية. لذلك يقول أيضاً في موضع آخر: “لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب، بل المرضى” (لو ٥: ٣١). ولذلك فقبل قيامته من الأموات كان يعاشر الأبرار والخطاة بدون تفرقة أو تمييز، ولم يطرد أبداً أحد من الذين أتوا إليه، بل إنه حينما كان متكئ في بيت أحد الفريسيين، جاءت إليه امرأة كانت خاطئة في المدينة، وكانت تبكي (لو٧: ٣٧، ٣٨)، وقد حلَّت ضفائر شعرها وهذا يدل على عدم تحررها التام من خدمة خطاياها السابقة، ومسحت قدميه بشعرها، أما هو فلم يمنعها، وكذلك حينما كان ذاهباً لكي يقيم ابنة رئيس المجمع من الموت، جاءت امرأة بنزف دم ولمست هدب ثوبه” (لو ٨: ٤٣، ٤٤)، ونجد أنه لم يغضب بالمرة، بل أنعم عليها بالثقة المعزَّية بقوله: “ثقي يا ابنة إيمانك قد شفاك، اذهبي بسلام”.

في ذلك الوقت فإن الناس الذين كانوا لا يزالون نجسين، والذين كانوا متدنسين عقلاً وجسداً، هؤلاء حسب تدبيره، كان يسمح لهم أن يلمسوا جسد المسيح مخلصنا نفسه بلا مانع أو عائق، وبذلك يحصلون منه على كل بركة، ولكنه بعد أن أكمل تدبير فدائنا، بعد أن احتمل الصليب والموت عليه، وبعد أن قام حيَّاً وأظهر أن طبيعته أعلى من الموت، فإنه منذ ذلك الحين بدأ يمنع أولئك الذين يأتون إليه من لمس جسده المقدس، وبذلك أعطانا مثالاً تسير عليه الكنائس المقدسة فيما يختص بالسر الخاص به .

فكما أن الناموس الذي أعطي بواسطة موسى الحكيم فيما يخص ذبح الحمل الذي يرمز للمسيح، يقول: “لا يأكل منه أي أغلف” (خر ١٢: ٤٨)، أي غير مختون فهو يعني أن غير المختون هو غير طاهر، وهو مثال للطبيعة البشرية غير الطاهرة، لأن ما هي طبيعة الإنسان بالمقارنة بنقاوة الله الطبيعية، لذلك إذ ظللنا غير مختونين، أي غير طاهرين فعلينا أن نمتنع عن لمس جسده المقدس، ولكن حينما نصير أطهاراً بالختان الحقيقي للروح فإننا يمكن أن نلمسه، لأن “ختان القلب هو بالروح” كما يقول بولس (رو ٢: ٢٩) .

إعطاء الروح القدس يسبق لمس جسد المسيح :

ولا يمكن أن نُختتن روحياً إن لم يسكن فينا الروح القدس بالإيمان والمعمودية المقدسة، لذلك فقد كان لائقاً أن تُمنع مريم مؤقتاً من لمس جسده المقدس، لأنها لم تكن قد نالت الروح القدس، فرغم أن المسيح قام من الأموات، ولكن الروح لم يكن قد أُعطي للبشرية من الآب بواسطة المسيح، ولكنه حينما صعد إلى الآب أرسل الروح إلينا، حسب قوله: “خير لكم أن أنطلق، لأني إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي، ولكن إن ذهبت، سأرسله إليكم” (يو ١٦: ٧). فلأن الروح القدس لم يكن قد نزل إلينا، لأن المسيح لم يكن قد صعد بعد إلى الآب، فهو لهذا السبب منع مريم من لمسه لأنها لم تكن قد أخذت الروح، قائلاً لها: “لا تلمسيني لأني لم أصعد بعد إلى أبي”، أي لم أرسل لك بعد الروح القدس .

التقديس بالروح القدس يسبق التناول من الجسد والدم:

ومن هنا فإن هذا المثال ينطبق على الكنائس، فإننا نمنع الذين آمنوا بألوهية المسيح واعترفوا بالإيمان، أي الذين أصبحوا موعوظين، نمنعهم من الاقتراب من المائدة المقدسة لأنهم لم ينالوا غنى الروح القدس بعد، فإن الروح لا يسكن في الذين لم يقبلوا المعمودية، ولكن حينما يصيرون شركاء الروح القدس، فلا يوجد ما يمنعهم من لمس المسيح مخلصنا، لذلك أيضاً، فكل الذين يرغبون في الاشتراك في الإفخارستَّيا المقدسة يقول لهم خدَّام الأسرار الإلهية: “القدسات للقديسين”، وبذلك يعلّمونهم أن الاشتراك في القدسات هو المكافأة التي يحصل عليها الذين تقدَّسوا بالروح .

(يو ٢٠: ١٧)

“قال لها يسوع لا تلمسيني لأني لم أصعد بعد إلى أبي، ولكن اذهبي إلى إخوتي وقولي لهم: إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم”.

منع المسيح مريم من لمسه للأسباب التي قدمناها، رغم أنها في محبتها لله كانت تشتاق جداً لهذه الهبة، ولكنه يكافئها على عنايتها وسهرها ويضاعف تعويضها على إيمانها الحار ومحبتها له، موضحاً أن الذين يجتهدون في خدمته ينالون مكافأة، ولكن ما هو أكثر مجداً أن مريم حققت خلاص المرأة من الضعفات القديمة، لأن فيها هي أولاً، أي في مريم، كلل جميع جنس النساء بكرامة مضاعفة، فرغم أنها كانت تبكي في البداية على المسيح، ولكنها حوَّلت نوحها إلى فرح عندما أخبرها الرب أن تمتنع عن البكاء، وهو الذي حكم على المرأة في القديم أن تُغلب بسهولة من الأحزان، لأن الله قال لها: “بالحزن تلدين أولاداً” (تك ٣: ١٦). ولكن كما جعلها تحت الحزن، في الفردوس عندما أصغت إلى صوت الحية وخدمت حيل الشيطان، هكذا فإنه الآن في بستان أيضاً يطلب منها أن تمتنع عن البكاء، ولأنه عتقها من اللعنة التي قيدتها بالحزن، فإنه يطلب منها أن تكون أول مبشر بأخبار الفرح العظيم، وتخبر التلاميذ بصعوده إلى السماء .

لقد فاقت محبة مريم المجدلية للمسيح جميع الآخرين، وهذا، ربما ما جعل يوحنا يذكرها هي وحدها من بين النساء الأخريات، فهي أول من رأى القبر، وكانت في البستان، وطافت بجميع المواضع من القبر باحثة عن الجسد لأنها ظنت أن الرب قد أخذ من القبر .

فالمخلص أعطي لمريم كرامة ومجداً وشهرة دائمة بأن منحها القيام بواجب البشارة لأخوته حاملة لهم الأخبار السارة التي يقول فيها: “إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم”.

لنتأمل كيف أن كلمة الله الابن الوحيد جاء بيننا، لكي نصير نحن مثله، بقدر ما تحتمل طبيعتنا أن تبلغ إلى هذا المستوي من جهة خلقتنا الجديدة بالنعمة، لأنه وضع نفسه لكي يرفع ما هو وضيع أصلاً إلى مقامه العالي الخاص به، ولبس صورة عبد، رغم أنه بالطبيعة هو الرب وابن الله، لكي يرفع ذلك الذي كان مُستعبداً بالطبيعة، إلى كرامة البنوَّة، جاعلاً إياه على شبهه الذاتي، وعلى صورته، كيف وبأي معنى؟ إنه عندما صار واحداً منا كإنسان، لكي يجعلنا نحن أيضاً نصير مثله، أي آلهة وأبناء، فإنه يأخذ ضعفاتنا في ذاته، ويعطينا صفاته الخاصة، وربما تكون مهتماً جداً بهذا السؤال وهذا ما سأشرحه على قدر ما أستطيع:

أولاً، رغم أننا عبيد بالرتبة والطبيعة (لأن المخلوقات تحت سلطان خالقها)، فهو الآن يدعونا اخوته، وجعل الله الآب هو الأب المشترك له ولنا، ولأنه جعل البشرية خاصة به باتخاذه شكلنا لنفسه، فإنه يدعو إلهنا إلهاً له بقوله “إلهي”، رغم أنه ابنه بالطبيعة، وذلك لكي نرتفع نحن إلى كرامته الفائقة العظمة بمشابهتنا له “فنحن لسنا أبناء لله بالطبيعة بل هو الابن الذي يصرخ في قلوبنا بروحه يا أبا الآب” (غل ٤: ٦) .

لذلك، لا تعثر عندما تسمعه يدعو الله إلهاً له بقوله “إلهي”، بل بالحري تأمل كلماته بروح مستعدة للتعلّم وتأمل معانيها الحقيقية بانتباه، فهو يقول إن الله أبوه وأنه إلهنا أيضاً وكلا القولين صحيح، لأن إله هذا الكون هو بالحق، أب المسيح، ولكنه ليس أبانا بالطبيعة، بل بالحري هو إلهنا لأنه خالقنا وربنا الذي له كل السيادة، ولكن الابن، إذ وحّد نفسه بنا بتجسدَّه فإنه منح لطبيعتنا الكرامة التي له وحده، ودعا ذاك الذي ولده (أي الله الآب) أباً مشتركاً له ولنا.. ومن الجهة الأخرى، فهو باتخاذه شكلنا، فإنه يقبل في نفسه ما يختص بطبيعتنا، فهو يدعو أباه “إلهي”، لأنه بسبب غنى محبته ورحمته على جنس البشر لم يشأ أن يحتقر صورتنا التي قد اتخذها لنفسه، أما من يريد بجهل أن يعترض على هذا القول “أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم” ولا يقبل أن يقول المخلص عن الله الآب إنه “إلهه” فهو بهذا الانحراف في الفهم يطعن في خطة فدائنا ذاتها، وبدلاً من أن يقدم الشكر الواجب لله صانع الخيرات لنا فإنه يحتقره، ويعترض بغباوة على الطريقة التي أظهر بها محبته لنا .

ولكن إن كان الابن قد وضع ذاته “مستهيناً بالخزي” (عب ١٢: ٢)، وصار إنساناً لأجلك، فإن رفضت تواضعه فإنك ستُدان على ذلك، أمَّا هو الذي اتضع لأجلك، فإن الكرامة الواجبة له هي عظيمة بلا حدود.

لذلك، إذ هو كامل ومكتفِ بذاته كلية كإله، فإنه وضع نفسه لأجلك وصار في شبهك، ورغم أنه مُمجد مجداً عالياً كابن الله ومولود من ذات جوهر الآب، فإنه أنزل نفسه، إذ أخلى ذاته من صفات مجده الإلهي بقدر ما تسمح طبيعته الإلهية بذلك .

والآن، فهو إله وإنسان معاً، إذ هو فائق المجد بسبب أصله الإلهي (لأنه إله من إله والمولود الحقيقي من أبيه)، وهو أيضاً وضع لأجلنا (لأنه صار إنساناً لأجلنا) .

إذن، فلتهدأ نفسك حينما تسمعه يقول: “أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم”، فمن اللائق جداً بل والصواب تماماً أنه وهو بالطبيعة الإله وابن الله أن يقول عن ذلك الذي ولده إنه “أبوه” ولأنه إنسان مثلنا فيحق أن يقول عن الله إنه “إلهه”.

 

العظة الثالثة: الاحتفال بعيد الفصح – للقديس أثناسيوس الرسولي [14]

العيد لا يعني التمتع بأكل اللحوم والملابس الفاخرة، ولا هو أيام للترف، إنما تكمن بهجته في معرفة الله وتقديم الشكر والحمد له.

هذا الشكر وهذا الحمد، يقدمه القدِّيسون وحدهم الذين يعيشون في المسيح، إذ مكتوب: “ليس الأموات يسبحون الرب، ولا من ينحدر إلى أرض السكوت. أما نحن فنبارك الرب من الآن وإلى الدهر” (مز ١١٥: ١٧-١٨).

وهكذا كان الأمر مع حزقيا الذي خلُص من الموت، فسبح الله قائلًا: لأن الهاوية لا تحمدك. الموت لا يسبحك… الحيّ هو يحمدك كما أنا اليوم” (اش ٣٨ :١٨-١٩)

فتسبيح الله وتمجيده هو من اختصاص الذين يحيون في المسيح وحدهم، هؤلاء يصعدون إلى العيد، لأن الفصح ليس للأمم (الوثنيين عابدي الأصنام)، ولا للذين هم يهود بحسب الجسد، بل للذين يعرفون الحق، وذلك كما يقول ذاك الذي أرسل للإعلان عن مثل هذا العيد، “لأن فصحنا أيضًا المسيح، قد ذُبح لأجلنا”.

لذلك وإن كان الأشرار يقحمون أنفسهم لكي يحفظوا العيد، بينما عمل العيد هو تمجيد الله، لهذا فإنهم كأشرارٍ يقتحمون متطفلين في دخولهم كنيسة القدِّيسين. هؤلاء يوبخهم الله معاتبًا كل واحدٍ منهم قائلًا: “ما لك تتحدث بفرائضي” (مز ٥٠ : ١٦) .

ويوبخهم الروح القدس قائلًا بأنه ليس للتسبيح مكان في فم الخاطئ (سي١٥: ٩)، ولا للخطية وجود في مذبح الله، لأن فم الخاطئ يتكلم في الأمور الجامحة، كقول المثل: “فم الأشرار ينبع شرورًا” ( أم ١٥: ٢٨).

لأنه كيف يمكننا أن نسبح الله بفم دنس، إذ لا يمكن أن يتفق النقيضان معًا؟ لأنه أية خلطة للبرّ والإثم؟ وأية شركة للنور مع الظلمة؟ هذا ما يقوله بولس خادم الإنجيل (٢كو ٦ :١٤).

أما البار، فإنه وإن كان يظهر ميتًا عن العالم، لكنه يتجاسر فيقول: “أنا لا أموت، بل أحيا وأحدث بأعمالك العجيبة” (مز ١١٨: ١٧) فإنه حتى الله لا يخجل من أن يُدعى لهم إلهًا، هؤلاء الذين بحق يميتون أعضاءهم التي على الأرض ( كو ٣ :٥)، ويحيون في المسيح الذي هو إله أحياء لا إله أموات، هذا الذي بكلمته ينعش كل البشر، ويعطيهم طعامًا يحيا به القدِّيسون، كما أعلن الرب قائلًا: “أنا هو خبز الحياة” (يو ٦ :٤٨)

 

العظة الرابعة: السلام لكم – للقديس أغسطينوس[15]

تحية المخلص

“وقف يسوع نفسه في وسطهم وقال لهم سلام لكم” (لو٣٦:٢٤) لقد ظهر الرب لتلاميذه بعد قيامته وحياهم قائلا السلام لكم.

هذا هو السلام الحقيقي وتحية الخلاص اذ صارت التحية تأخذ اسمها من الخلاص !

وأي شيء أفضل من أن الخلاص ذاته “المسيح” يحيي البشرية، فالمسيح هو خلاصنا !

من أجلنا جُرح وسُمر بالمسامير على الخشبة وأُنزل من على الصليب ووضع في القبر، ولكنه قد قام من الأموات.

ومع أن جراحاته شُفيت، فإن آثارها بقيت، اذ رأى أن هذا نافع لتلاميذه، أن يستبقي آثار جراحاته لكى يشفي جروح أرواحهم، جراح عدم إيمانهم. فقد ظهر أمام عيونهم وأظهر لهم جسده الحقيقي ومع هذا ظنوه روحًا! وماذا قال لهم الرب؟ :

” ما بالكم مضطربين ولماذا تخطر أفكار في قلوبكم” (لو٣٨:٢٤).

اذا كانت هناك أفكار تخطر في قلوبكم فهى أفكار أرضية والأفضل للانسان ألا ترتفع إلى قلبه الأفكار، بل يرتفع قلبه للأعالي. وبهذا ناشد الرسول المؤمنين أن يرفعوا قلوبهم قائلًا: “فإن كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله. إهتموا بما فوق لا بما على الأرض لأنكم قد متم وحياتكم مستترة مع المسيح في الله. متى أُظهر المسيح حياتنا فحينئذ تظهرون أنتم أيضًا معه في المجد” (كو١:٣-٤)

كانت جراحات التلاميذ الروحية تدمي، فتقدمت آثار جراح الرب لشفائهم! “ما بالكم مضطربين … أنظروا يدي ورجلي”- أي حيث كنت مسمراً بالمسامير – “جسوني وانظروا” – فإنكم تنظرون ولا تبصرون. ابصروا “أن الروح ليس له لحم وعظام كما ترون لي” وكما هو مكتوب فإنه “حين قال هذا أراهم يديه ورجليه” (لو ٤٠:٢٤).

الإيمان للعالم عبر التلاميذ

“وبينما هم غير مصدقين من الفرح ومتعجبون” كانوا فرحين ولكن مترددين، لأن أمرًا غير مصدق قد حدث!.

لم يكونوا مصدقين أولًا ثم آمنوا، ليس مما عاينوه بعيونهم فحسب بل ومما لمسته أيديهم.

وهكذا دخل الإيمان قلوبهم عن طريق الحواس، لكى يكرز بهذا الإيمان فيما بعد للعالم أجمع لجميع الذين لن يروا ولن يلمسوا ومع هذا يؤمنون بغير تردد.

“أ-عندكم ها هنا طعام؟” هكذا سألهم الرب… وكم كان البَنَاءْ الصالح (يسوع) يضيف بهذا بناء لإيمانهم. فإنه لم يكن جائعًا ولكنه طلب طعامًا، تناول منه بهذه المناسبة ولكن ليس عن احتياج. وهكذا آمن التلاميذ أن الرب أمامهم بالجسد حقًا، فآمن العالم بكرازتهم بقيامته.

ايمان كامل بالمسيح والكنيسة

لقد نظر التلاميذ يسوع في آلامه، ورأوه معلقا على الصليب وها هم يرونه الآن في وسطهم حيًا بعد قيامته من الأموات، فما الذى لم يروه اذن؟ إنهم لم يروا الكنيسة.

هم نظروا العريس وأما العروس فكانت لا تزال محتجبة إذ لم يروا الكنيسة في وسط الأمم ابتداءًا من أورشليم هم نظروا الرأس (المسيح) وبناء على هذا الذى نظروه آمنوا بما لم ينظروه أي الكنيسة.

ونحن أيضا كذلك، فاننا نرى ما لم يروه مثلما عاينوا هم ما لم نره نحن. إننا الآن نرى الكنيسة في المسكونة، ولكن لم نرى المسيح بالجسد. وكما أنهم رأوه هو فآمنوا بالكنيسة، كذلك نحن الآن نرى جسده (الكنيسة) فنؤمن بالمسيح رأس الكنيسة.

ليت ما رآه كل منا يُعين إيمانه. المسيح المنظور في الجسد، عون لإيمان التلاميذ بالكنيسة العتيدة. والكنيسة المنظورة أمامنا الآن عون لإيماننا بالمسيح أنه قام من بين الأموات. فقد كمل إيمانهم، ونحن أيضا إيماننا إكتمل. فإيمانهم كمل بمعاينتهم الرأس (المسيح) وأما نحن فقد إكتمل إيماننا بمعاينتنا الآن جسده الذى هو الكنيسة.

لقد أصبح “المسيح بكماله” معروفًا لهم، كما صار أيضا معروفًا لنا. غير أنه لم يكن مرئيا لهم بكماله، ولا لنا أيضًا. هم رأوا الرأس وآمنوا بالجسد أي الكنيسة، ونحن رأينا الكنيسة وآمنا بالمسيح رأس هذا الجسد. وفي جميع الأحوال أشبع المسيح أعواز الجميع.

نار الكرازة المقدسة

آمن التلاميذ بالقيامة وعن طريقهم آمن كثيرون في أورشليم وفي اليهودية والسامرة.

فلينضم المؤمنون، وليرتفع البناء فوق الأساس. “فإنه لا يستطيع أحد أن يضع أساسًا آخر غير الذي وُضع، الذي هو يسوع المسيح” (١كو١١:٣)

وليغضب اليهود ممتلئين حسدًا!

فليُرجم استفانوس ويحرس شاول ثياب الذين رجموه حتى الموت!

لتعانى الكنيسة اضطهادا في أورشليم فمن هناك انتشرت الجمرات المتقدة واشتد لهيبها! وكانت كنيسة أورشليم تلتهب بالروح القدس. حيث كانوا هناك بقلب واحد ونفس واحدة لأجل الله (أع ٣٢:٤) وعندما رُجم استفانوس وعانى جسد الكنيسة الأقدس الاضطهاد، فاذا بجمرات الإيمان تنتشر والعالم يلتهب بنارها.

فلنتوجه للرب الهنا، الآب السماوي، ولنرفع حمداً أفضل ما يكون من كل قلوبنا متضرعين إليه في خلاصه العظيم أن يتراءف علينا بسماع صلواتنا، ويهدي أذهاننا ويهبنا رجاءه المقدس ويأتي بنا إلى الفرح الذى لا نهاية له.. آمين.

 

العظة الخامسة: عيد القيامة – القديس أثناسيوس الرسولي[16]

ليس كلامي فقط هو الذي يوضح هذه الأمور، بل قد سبق النبي فأنبأ بذلك صارخًا: “هوذا على الجبال قدما مبشر منادِ بالسلام” (نا ١: ١٥). وما هي رسالته التي بشر بها إلا التي أخذ يعلنها لهم، قائلًا: “عيدي يا يهوذا أعيادك، أوفي للرب نذورك. فإنهم لا يعودوا إلى ما هو قديم. قد انتهى؛ لقد انقرض كله. لقد ارتفع ذاك الذي نفخ على الوجه وخلصك من الغم” (نا ١: ١٥- ١: ٢) السبعينية). والآن: من هو هذا الذي ارتفع…؟ إن أردتم معرفة الحقيقة والتخلص من ادعاءات اليهود، تطلعوا إلى مخلصنا الذي ارتفع ونفخ في وجه تلاميذه قائلًا: “اقبلوا الروح القدس” (يو ٢٠: ٢٢). فبمجرد أن كمل هذا (الصلب) انتهت الأمور العتيقة، فانشق حجاب الهيكل (مت ٢٧ :٥١) . وتحطم المذبح (اليهودي)، ومع أن المدينة لم تكن بعد قد خربت، إلا أن رجسة الخراب (مت 24: 15) كانت تستعد للجلوس في وسط الهيكل، فتتلقى أورشليم وكل تلك الفرائض العتيقة نهايتها.

لقد اقترب منا يوم العيد مرة أخرى، الذي إن صمتنا فيه نجعله غير مقدس، إنما يلزم أن يكون مكرسًا للصلاة أكثر من كل الأيام، وفيه نحفظ الوصايا. لأنه وإن كنا في ضيق من أولئك الذين يحزنوننا، وبسببهم سوف لا نخبركم عن هذا الموسم (إذ لا يكون بين شعبه)، لكن شكرًا لله الذي يعزي الحزانى، حتى لا ننهزم بشرور أولئك الذين يتهموننا فنصمت، ففي طاعتنا لصوت الحق نصرخ معكم عاليًا في يوم العيد، لأن إله الكل قال بأن يتكلما (موسى وهارون) مع الشعب لحفظ الفصح، ويعلن الروح في المزامير قائلًا: “انفخوا في رأس الشهر بالبوق عيد الهلال كيوم عيدنا”. ويصرخ النبي قائلًا: “عيدي يا يهوذا أعيادك” (نا ١: ١٥).

وأنا لا أرسل إليكم الكلمة كأنكم جاهلون، بل أعلنها للذين يعرفونها، حتى يدركوا بأنه وإن كان بعض البعض يفرقنا، لكن الله يجمعنا، فإننا نعيد بنفس العيد، ونتعبد لنفس الإله على الدوام.

ونحن لسنا نعيد كمتفرجين، عالمين أن الرسول يوبخ أمثال أولئك قائلًا: “أتحفظون أيامًا وشهورًا وأوقاتًا وسنين” (غل ٤ :١٠) بل بالحري نكرم هذا اليوم العظيم من أجل العيد، حتى نرضي الله -نحن جميعًا الذين نخدم الله في كل مكان- وذلك بصلواتنا الجماعية. وقد أعلن بولس الطوباوي عن قرب سرور كهذا، وهو في هذا لم يعلن عن أيامٍ بل عن الرب الذي من أجله نحفظ العيد، إذ يقول “المسيح قد ذبح لأجلنا”(١كو ٥ :٧)، فإذ نتأمل أبدية الكلمة نقترب منه لخدمته.

أحبائي الأعزاء لقد جاء بنا الله مرة أخرى إلى فصل الفصح، وخلال محبته المترفقة جمعنا معًا للتعييد. لأن الله الذي أخرج إسرائيل من مصر لا يزال حتى الآن يدعونا الآن للفصح، قائلًا على لسان موسى: “احفظ شهر الثمار الجديدة، واعمل فصحًا للرب إلهك” (تث ١٦ :١٠) ، ويقول على لسان النبي: “عيدي يا يهوذا أعيادك أوفي نذورك” (نا ١: ١٥).

فإن كان الله نفسه يحب العيد ويدعونا إليه، فليس من الصواب يا إخوتي أن نؤجله أو نمارسه بتراخٍ، إنما يلزمنا أن نأتي إليه بغيرةٍ وسرورٍ، حتى إذ نبدأ هنا بالفرح تشتاق نفوسنا إلى العيد السماوي.

إن عيدنا هنا بنشاط، فإننا بلا شك نتقبل الفرح الكامل الذي في السماء، وكما يقول الرب: “شهوة اشتهيت أن آكل هذا الفصح معكم قبل أن أتألم. لأني أقول لكم إني لا آكل منه بعد حتى يكمل في ملكوت الله (لو ٢٢: ١٥-١٦).

فنحن نأكل منه الآن أن كان يفهمنا سبب العيد وبمعرفتنا للمخلص، نسلك حسب نعمته كقول بولس: “إذًا لنعيد ليس بخميرة عتيقة، ولا بخميرة الشر والخبث، بل بفطير الإخلاص والحق” (١كو ٥: ٧). لأنه في هذه الأيام مات الرب، كي لا نعود نشتاق إلى أعمال الموت! لقد بذل حياته، حتى نحفظ حياتنا من شباك الشيطان!.

 

العظة السادسة: القيامة – للقديس يعقوب السروجي [17]

استخفت الحياة بالموت، قائلة: “أين شوكتك يا موت؟ وأين غلبتكِ يا هاوية؟” (١كو ١٥: ٥٤-٥٥).

في نهار الأحد فُتح لهم باب السماء الذي كان موصدًا يوم الجمعة في وجه الملائكة لئلا ينزلوا إلى الجلجثة، فأسرعوا لينحدروا بثيابهم البيض، ليستقبلوا ملكنا الذي خلص المسبيين وعاد عند أبيه.

صار القبر الجديد بيت العرس، أُنشأ في الحديقة للعريس المذبوح، الذي أعاد العروس من حرب الأعداء.

اجتمع وحضر إلى الباب الحسن الملائكة في ثيابهم البيض، والتلميذات بأطيابهن (لو٢٣: ٥٦).

سمعان ويوحنا يركضان بسبب الأخبار السارة (يو٢٠: ٣- ٨).

كليوباس وأخوه (سمعان) تنفتح أعينهما بخبز البركة لينظرا القيامة علنًا. الأصدقاء يكشفون عن وجوههم والمبغضون يطأطئون رؤوسهم.

حنان خجل، وقيافا لا يستطيع أن يتكلم.

يهوذا مشنوق، ورؤساء المجمع يلطمون على وجوههم.

أُغلق باب الهاوية، وفُتح باب المعمودية.

نُصب الصليب في مجاري المياه.

جاء القطيع الناطق ليرتوي من المياه التي سالت من الصليب.

نظر إليه وهو لابس النور، وواقف على الينبوع، فحبل وولد على شبه منظر نوره الحسن.

لبس بياضًا ناصعًا كالنور، وجعله أبيض كالثلج…

القطيع كله أبيض، لأن الصليب كله متشح بالنور.

 

العظة السابعة: قيامة المسيح أحدثت تغيرا في سلوك الرسل – للقديس يوحنا ذهبي الفم [18]

هل تريد أن تعلم كيف جعل المسيح المسكونة تعيد النظر؟ قبل أن يعرف البشر حقيقة الخشب والحجارة، لم يعتبرونهما مجرد خشب وحجر، بل كانوا يدعون الجوامد آلهة. لقد كانوا عميان، لكن الآن عرفوا ما هو الخشب وما هو الحجر، أمنو بمن هو الله. لأن هذه الطبيعة غير المائتة والطوباوية، فقط تُرى بالإيمان. سوف ترى هذا الأمر من موقف التلاميذ الذي صار أعظماً  بعد القيامة .

لأنه اذا كان الجميع قد توافقوا على أن من كان له موقف إيجابي من إنسان حي، قد لا يتذكره – بالرغم من ذلك – عندما يموت، فما بالك بمن تصرف بنكران و جحود تجاه الحي، لا شك أنه سوف ينساه عندما يموت خصوصاً عندما يتعرض هو ذاته لمخاطر لا حصر لها بسبب الاهتمام به.

هذا الذي لم يحدث لأي أحد، صار للمسيح والرسل، فأولئك الذين أنكروه عندما كان حياً، وتركوه، وحين قُبض عليه تركوه وابتعدوا عنه، فبعد تلك الإهانات التي لا تحصى والصلب، أظهروا له ولاءً وإخلاصاً لا نظير له، لدرجة أنهم سلَّموا نفوسهم من أجل الإعتراف والإيمان به. وأيضاً لو لم يكن المسيح قد قام، فكيف يُبرَّر أولئك الذين هربوا وقت أن كان حياً بسبب خطر وشيك، أن تُفرَض عليهم لأجله، أخطارٌ لا حصر لها بعدما مات؟ حسناً ، لقد هرب الجميع وأخرون، بينما بطرس أنكره بِقَسَمٍ ثلاث مرات، وخاف من مجرد خادمة، يريد أن يقنعنا عندما مات المسيح، بأنه رآه قائماً. فجأةً يتغير لدرجة أنه تجرأ أمام كل الشعب وصرخ في وسط اليهود وقال إن ذاك الذي صُلِبَ وقُبِرَ، قام في اليوم الثالث من الأموات، وصعد إلى السموات، دون أن يخاف من أي شر (أنظر أع 2: 14- 36) .

من أين أخذ بطرس هذه الجرأة؟ من أين إلَّإ من تأكيده على القيامة؟

إذن، فلأنه رأى المسيح وتحدث معه، وسمع عن الأمور المستقبلية، لأجل هذا، نجده بعد ذلك وكأنه يخاطر لأجل أحياء، هكذا احتقر كثيراً جداً كل المتاعب، طالما أخذ قوة أكثر، وجرأة أعظم، لدرجة أن يموت من أجله، ويسمر على الصليب منكس الرأس.

إذن عندما رأى أن المعجزات تصير أعظم، والتلاميذ الذين هجروه سابقاً، يُظهِرون محبةً أعظم له، ويُظهِرون جرأةً أعظم و بثبات، عَلَّمَ – بمعرفة الأمور ذاتها – أن المسيح لم يُمسَك من الموت، بل أعقب الموت القيامة، وأنه يحيا ويظل دائماً الله غير المتغير الذي صلب. لأنه، إن لم يقم، وإن لم يكن حياً لما استطاع التلاميذ أن يصنعوا معجزات أعظم فيما بعد من تلك التي صارت قبل الصلب .

إذن، وقتذاك تركه تلاميذه أيضاً، لكن الآن تُسرع له أيضاً كل المسكونة، وليس فقط بطرس، بل وأخرون لا حصر لهم، و بالأكثر جداً بعد بطرس، من أولئك الذين لم يروه، سَلِّموا أنفسهم لأجل المسيح، وقُطِعَت رؤوسهم، وتألموا وعانوا من شرور لا حصر لها لدرجة أنهم ماتوا باعترافهم المستقيم والسليم به.

كيف أيها اليهودي، هذا الذي كان ميتاً وبقي في القبر، كما تقول أنت، أظهر قوةً وقدرةً عظيمة جداً للجميع بعد أولئك، مُقنعأ هؤلاء فقط أن يسجدوا له، وأن يفضلوا أن يتحملوا ويتألموا دائماً لكي لا يفقدوا إيمانهم به؟ أرأيت بوضوح برهان القيامة الكُلي بالمعجزات وقتذاك، ومعجزات الآن، بمحبة تلاميذه وقتذاك وتلاميذهم الآن، بالأخطار التي مر بها أولئك الذين آمنوا بالمسيح؟.

هل تريد أن ترى أيضاً أعداءه يخافون من قدرته وقوته ويجاهدون بالأكثر جداً بعد الصلب؟ اسمع أيضاً عن هذه الأمور بانتباه: “فَلَمَّا رَأَوْا مُجَاهَرَةَ بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا، وَوَجَدُوا أَنَّهُمَا إِنْسَانَانِ عَدِيمَا الْعِلْمِ وَعَامِّيَّانِ، تَعَجَّبُوا فَعَرَفُوهُمَا أَنَّهُمَا كَانَا مَعَ يَسُوعَ. وَلكِنْ إِذْ نَظَرُوا الإِنْسَانَ الَّذِي شُفِيَ وَاقِفًا مَعَهُمَا، لَمْ يَكُنْ لَهُمْ شَيْءٌ يُنَاقِضُونَ بِهِ” (أع ٤: ١٣، ١٤).

و لكن قبل هذا كانوا يعترضون عندما رأوا حدوث معجزات.

إذن كيف وقتذاك لم يُبدوا أي اعتراض؟ أعاقت قوة المصلوب لسانهم، لقد سد أفواههم، أصاب جرأتهم. لأجل هذا أيضا وقعوا دون أن يقدموا أي اعتراض. لكن عندما تحدثوا، انتبه، كيف اعترفوا بجُبنهِم (بخوفهم) يقول: “أَمَا أَوْصَيْنَاكُمْ وَصِيَّةً أَنْ لاَ تُعَلِّمُوا بِهذَا الاسْمِ؟ وَهَا أَنْتُمْ قَدْ مَلأْتُمْ أُورُشَلِيمَ بِتَعْلِيمِكُمْ، وَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْلِبُوا عَلَيْنَا دَمَ هذَا الإِنْسَان” (أع ٥: ٢٨).

و أيضآ لو كان هو (المسيح) إنساناً عادياً، فلماذا تخاف من دمه؟ كم من الأنبياء قتلت، كم من أبرار ذبحت، أيها اليهودي، و لم تخف دم أحد هؤلاء؟ لأي سبب تخاف هنا؟ لقد أرعب المصلوب حقاً ضميركم. لم يستطيعوا أن يخفوا حيرتهم، إذ بدون إرادتهم اعترافوا أمام الأعداء بضعفهم. عندما صلبوه صرخوا قائلين: “دَمُهُ عَلَيْنَا وَعَلَى أَوْلاَدِنَا” (مت ٢٧: ٢٥)، لقد احتقروا بشدة دمه لكن عندما رأوا بعد الصلب قوته تلمع، خافوا وانزعجوا ثم قالوا: ” تريدون أن تلقوا علينا ذنباً لأجل دم هذا الانسان؟”.

لكن لو كان مضللآ وفاجراً، كما تزعمون أيها اليهود المخالفون، فلأي سبب تخافون من دمه؟ لأنه كان عليك أن تفتخر لأجل القتل، إن كان مثل هذا مضلاً وفاجراً، لكن، لأنه لم يكن هكذا، ارتعبتم منه.

 

العظة الثامنة: القيامة – للقديس أمبروسيوس[19]

حقًا كيف نعجب إن كان البشر قد فشلوا بحكمتهم الأرضية أن يدركوا سر الله الآب وربنا يسوع المسيح الذي فيه كل كنوز الحكمة والمعرفة المختفية (كو ٢: ٣)، هذا السرّ الذي ما كان للملائكة أن تعرفه بغير إعلان لهم!

لأنه من يقدر من ذاته – وليس بالإيمان – أن يتصور متتبعًا الرب يسوع، إذ نزل (الكلمة) من أعالي السماوات إلى أسافل الجحيم، وها هو يصعد من الجحيم إلى السماوات، وفي نفس الوقت يسكن بيننا دون أن ينقص شيئًا عما كان عليه…

لقد وقفت الملائكة أيضًا في دهش عجيب أمام السر السماوي، هكذا عندما قام الرب لم تحتمل أعالي السماوات مجد القيامة من الأموات، هذا الذي قد حبس أخيرًا في رباطات القبر الضيقة، حتى صارت الملائكة في حيرة…!

فقد جاء “الغالب” متزينًا بغنائم مدهشة. جاء الرب في هيكله المقدس بينما تتقدمه الملائكة ورؤساء الملائكة متعجبين إزاء تلك الغنائم التي انعتقت من الموت… وبنصرة الصليب – حيث كان الحكم على كتفيه – حُملت الغنائم إلى نصرة أبدية.

جاء وكأن الأبواب قد ضاقت به… إذ لا تقدر أن تدخل عظمته، لذلك بحثوا عن طرق أوسع وممرات أسهل للرب في عودته، وهكذا لم ينقص الرب شيئًا بسبب إخلاء نفسه (إذ عاد إلى مجده السماوي ومعه غنائمه).

على أي الأحوال، لقد وجدوا أنه يلزم أن يُعد أمام وجه هذا “المنتصر” الجديد طريق جديد، لأنه هو دائمًا كما كان أعظم من غيره. ولكن لأن أبواب البر التي هي أبواب العهد القديم والجديد، التي فيها تنفتح السماوات، هي أبواب أبدية، لذلك فهي بالحق لا تتغير، لكنها ارتفعت لأن الداخل ليس إنسانًا بل العالم كله يدخل في شخص مخلص الكل.

 

العظة التاسعة:  الفصح المقدس – للقديس غريغوريوس النزينزي[20]

الفصح من القبر أشرق بالقيامة

اليوم يوم القيامة، وإنه لي لمناسبة موافقة. في هذا العيد المقدس فلنتحد جميعًا قلبيًا ونعطي مجدًا لله. لنخاطب كأخوة لنا حتى أولئك الذين يبغضوننا، كما نخاطب الذين يحبونا وأعانونا وتألموا لأجلنا. لنغفر كل شيء في القيامة.

وإننى أنحصر في الله ليعطينى في هذا اليوم المشرق عونًا لضعفي، وأن ذاك الذي قام من بين الأموات يجدد روحي، ويلبسني الإنسان الجديد (أف٢٣:٤) ويهبني أمام خليقته الجديدة -هؤلاء الذين ولدوا من الله- لكيما أكون لهم معلمًا في المسيح، ومستعدًا أن أموت معه وأن أقوم أيضًا معه.

 فصح تكرس بالدم

بالأمس ذُبح حمل الله، ورُشت القوائم بدمه، وبينما كانت مصر “فرعون” تنوح على أبكارها. وهوذا الملاك المهلك وسيف ذبيحته المخيف قد عبرعنا لأننا كنا محفوظين بالدم الثمين.

اليوم قد تم الخروج والخلاص من فرعون الطاغية ورجاله الظالمين وتحررنا من التسخير في الطوب اللبن (خر ٥).

وليس هناك مَن يمنعنا أن نحتفل “ببصخة” العبور فصحنا المجيد “لِنُعَيِّدْ، لَيْسَ بِخَمِيرَةٍ عَتِيقَةٍ، وَلاَ بِخَمِيرَةِ الشَّرِّ وَالْخُبْثِ، بَلْ بِفَطِيرِ الإِخْلاَصِ وَالْحَقِّ” (١كو ٨:٥) غير حاملين معنا شيئًا من الخميرة العتيقة.

أرفعوا قلوبكم لله

بالأمس صلبت مع المسيح، واليوم أنا ممجد معه!

بالأمس مت مع المسيح، واليوم أُعطيت الحياة معه!

بالأمس دفنت مع المسيح، واليوم أقوم ثانيةً معه!

فليتنا نأتى اليه بتقدماتنا لئلا نظهر أمامه فارغين، لأنه تألم عنا وقام. ولعلكم تظنون أني بهذا أتكلم عن ذهب أو فضة أو أحجار كريمة نادرة، التي هى كلها ظل المادة في الأرض، باقية فيها حيث يمتلكها بالأكثر الخطاة أرقاء الأشياء الأرضية وعبيد رئيس هذا العالم .

حاشا!! بل لنُقدِّم إليه أنفسنا التي هي أمام الله أثمن سائر الهدايا اللائقة. لنُقدِّم إلى الذات الإلهية ما عمله على صورته ومثاله، لنعط الكرامة له الذي في صورته قد خلقنا، متأملين في هذا السر لنعرف لماذا مات المسيح.

أخذ مما لنا واعطانا مما له

لنصير مثل المسيح ما دام المسيح قد صار مثلنا.

فلنكن شركاء الطبيعة الإلهية، مادام قد تأنس لأجلنا،

هو أخذ لنفسه رتبة الاتضاع لكى يهبنا رتبة أسمى،

وافتقر لكي نستغني نحن بفقره (٢كو ٩:٨)

أخذ لنفسه صورة عبد (في ٧:٢) كيما يحررنا من العبودية (رو ٢١:٨)

ونزل إلينا حتى يرفعنا.

هو تَجَرَّبَ لكى يعلمنا كيف ننتصر.

أُحتُقِرَ لكي نُعطّى نحن الكرامة،

مات كيما ينقذنا نحن من الموت،

وصعد إلى السماء لكي يُصعِدنا إليه نحن الذين كنا غارقين في الخطية.

فليعطه كل واحد منا كل شيء، ذاك الذى وهبنا نفسه! وبادلنا إياها ثمنًا لخلاصنا (مت٢٠: ٢٨) ولو إستطاع أي إنسان أن يتفهم هذا السر العظيم في المسيح وما صنعه لأجله، فإنه اذا لم يُعطي المسيح نفسه، فهو لم يُعطِه شيئًا.

 

العظة العاشرة: قيامة الرب – للقديس غريغوريوس النزينزي [21]

العطايا التى لا تستطيع الملائكة تقديمها

“سأقف وأراقب” هكذا قال حبقوق العظيم. واليوم سأقف بجواره لسبب القوة والنظر الممنوحين لي بالروح القدس، سألاحظ وأعلم ما يجب أن يُرى وما يجب أن يُقال، أما وقد أخذت موقفي وراقبت. وأنظر إنسانًا قادمًا جالسًا على السحاب بهيبة وعظمة مدهشتين، وجهه كوجه ملاك ولباسه يلمع كلمعان البرق (قض ٦:٨) وقد مد يده نحو الشرق وصرخ بصرت عظيم كصوت بوق وحوله ربوات من اجناد سماوية. هذا هو يوم خلاص العالم المنظور وغير المنظور.

المسيح قام من الأموات .. قوموا أنتم معه ..

المسيح عاد إلى مجده .. عودوا أنتم مثله ..

انطلق المسيح من القبر .. حرروا أنفسكم من عبودية الخطية ..

إن أبواب الجحيم قد انفتحت، وهزم الموت ..

وإنني إذ أزف لكم بشرى القيامة، كنت أود أن أوهب صوت ملاك حتى يسمعني العالم أجمع، لأننا اليوم نحتفل بالقيامة نفسها. لذا ليتنا نأتي إلى الله في هذه المناسبة ونقدم له تقدمة العيد، ثمرًا من حياتنا، قليلًا أو كثيرًا، مزودًا بعطايا الروح التي تُسر الله، والتي في مقدور كل منا أن يقدمها، لأن العطايا التي تليق بالله لا تستطيع الملائكة نفسها تقديمها، هؤلاء الذين يرون ويعاينون عظمته في السماء.

سر الفصح

لقد وصل ما سمعناه من تعاليم الانجيل عن سر الفصح إلى آذاننا الروحية عن طريق آذاننا الجسدية، حتى أصبح لا يوجد بيننا مَن لم يُكَوِّن في ذهنه صورة واضحة لما حدث. فالإنجيل يرينا بوضوح بأي طريقة غاشة خان العالم رينا يسوع المسيح، وبأي محاكمة أُدين وبأي قسوة صلب، ثم بأي مجد قام من الأموات.

لقد أخذ الكلمة جسدًا من طبيعتنا، حتى يبذله كثمن لخطيتنا

لما كان الجنس البشري كله سقط بسبب آبائنا الأولين، فقد شاءت رحمة الرب أن تساعد البشرية التي خلقها على صورته ومثاله، لكيما تبرأ طبيعتها بمخلص ليس خارجا عن هذه الطبيعة، وحتى ترتفع مكانتها الثانية أسمى من مكانتها الأولي.

لو لم يسقط الانسان لكان سعيدًا حقًا، بل أنه يكون أكثر سعادة لو احتفظ بالحالة التي أعاد الله خلقته عليها.

لقد كان شرفًا عظيمًا للإنسان أن يأخذ السيد المسيح شكله، لكنه أشرف للإنسان أن يأخذ طبيعة المسيح الذى اقتنانا لنفسه، إذ تنازل وأخذ شكل العبد وبذل ذاته عنا دون أن يفقد ما كان له فينا ولا ما كان لنا فيه.

لقد احتمل السيد في نفسه الضعف والموت الذين لم يكونا خطية في ذاتهما، بل عقابًا للخطية، لكيما يكونا كثمن دفعه مخلص العالم. وما كان نتيجة للخطية بالنسبة للعالم كله، صار سر المحبة المضحية للمسيح!.

ولما كان له المجد غير مدين، فقد أعطى نفسه عن المدين واحتمل تعذيب اليهود لجسده الطاهر. كذلك ارتضى السيد المسيح أن يبقى ميتًا حتى القيامة.

لذا يجب على المؤمنين به ألا يرعبهم الموت ولا يغلبهم الإضطهاد. وكما أننا لا نشك في مشاركته طبيعتنا، فإنه يجب ألا نشك في مشاركتنا مجده.

أنت مدعو لأن تملك مع المسيح

اذا كنا نؤمن بقلوبنا بلا تردد بما نعترف به بشفاهنا، لكُنّا قد صلبنا مع المسيح .. ومتنا معه .. وقمنا معه أيضا في اليوم الثالث. من أجل هذا يقول القديس بولس: “فَإِنْ كُنْتُمْ قَدْ قُمْتُمْ مَعَ الْمَسِيحِ فَاطْلُبُوا مَا فَوْقُ، حَيْثُ الْمَسِيحُ جَالِسٌ عَنْ يَمِينِ الله، اهْتَمُّوا بِمَا فَوْقُ لاَ بِمَا عَلَى الأَرْضِ، لأَنَّكُمْ قَدْ مُتُّمْ وَحَيَاتُكُمْ مُسْتَتِرَةٌ مَعَ الْمَسِيحِ فِي اللهِ. مَتَى أُظْهِرَ الْمَسِيحُ حَيَاتُنَا، فَحِينَئِذٍ تُظْهَرُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا مَعَهُ فِي الْمَجْدِ” (كو١:٣).

وسوف يدرك المؤمنون أن لديهم الإمكانيات التى بها يزهدون في الرغبات العالمية ويسمون فوقها، إذ أن الرب يعدنا بحضوره قائلًا: “وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ” (مت ٢٠:٢٨) ولأن الروح القدس قال على لسان إشعياء النبي حسب تدبيره الإلهي “هُوَذَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا، وَيَدْعُونَ اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ”.

وبهذا يتم وعد السيد المسيح الذى صعد إلى السماء بدون أن يترك أولاده الذين اقتناهم إذ أن هذا الذى يجلس عن يمين الآب هو الذى يحيا في كل المؤمنين، وهو الذى يدعونا إلى مجد السماء معه.

قوة الصليب

ليتنا لا نضل بالغرور، ولا نيأس عندما تقابلنا الصعوبات، وإلا تضاعفت هذه الصعوبات، فلقد “…. امْتَلأَتِ الأَرْضُ مِنْ رَحْمَةِ الرَّبِّ” (مز ٥:٣٣). فإن نصرة الرب تلازمنا أينما ذهبنا، لأنه قال “ثِقُوا: أَنَا قَدْ غَلَبْتُ الْعَالَمَ” (يو ٣٣:١٦).

ليتنا نتسلح بصليب المسيح في كل الأوقات، إذا ما كنا نحارب مطالب العالم أو شهوات الجسد أو نبال الهراطقة، وإذا حفظنا أنفسنا من خميرة الأعمال الردية  القديمة، فإن وليمة الفصح لن تنته بالنسبة لنا لأنه في كل تقلبات هذه الحياه وآلامها العديدة، يجب أن نتذكر تعاليم القديس بولس “فَلْيَكُنْ فِيكُمْ هذَا الْفِكْرُ الَّذِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ أَيْضًا: الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً ِلله لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ لِذلِكَ رَفَّعَهُ اللهُ أَيْضًا، وَأَعْطَاهُ اسْمًا فَوْقَ كُلِّ اسْم لِكَيْ تَجْثُوَ بِاسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ مِمَّنْ فِي السَّمَاءِ وَمَنْ عَلَى الأَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ الأَرْضِ، وَيَعْتَرِفَ كُلُّ لِسَانٍ أَنَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ هُوَ رَبٌّ لِمَجْدِ اللهِ الآبِ” (في ٥:٢- ١١).

كأنه يقول: إذا ادركتم سر الرحمة العظيمة وما عمله ابن الله الوحيد لأجل خلاص البشرية، ليتكم تتذكرون ما كان في فكر المسيح أيضا، الذى باتضاعه لم يجعل أحدًا من هؤلاء الأغنياء يستهين بغيره، ولا أحدًا من الذين ولدوا عظماء يحتقر الآخرين، لأنه لا يوجد أنسان مهما بلغت ثروته أو حظه لا يشعر بالخجل، إذا نظر إلى السيد المسيح الذى اذ كان في صورة الله لم يحسب نفسه خلسة أن يكون معادلًا لله.

لنزدري بالأرضيات ونجاهد لأجل السماويات

ليتنا نقتدي بما عمله الرب فنحب ما أحبه. لأنه كما أنه في افتقاره لم يفقد غناه، ولا مجده في اتضاعه، ولا خلوده بموته، فأنت أيضا تتبع آثار خطواته، لا تتعلق بالأرضيات لكي تحصل على السماويات. إن في حمل الصليب موتًا للطمع والجشع ووضع حدًا للآثام .

 

العظة الحادية عشر: أنا أخذت قوة القيامة بعد موت أعضائي الجسدية التي على الأرض – للقديس غريغوريوس النيسي[22]

المُرّ الذى يرمز للتوبة

“قُمْتُ لأَفْتَحَ لِحَبِيبِي وَيَدَايَ تَقْطُرَانِ مُرًّا، وَأَصَابِعِي مُرٌّ قَاطِرٌ عَلَى مَقْبَضِ الْقُفْلِ” (نش٥:٥) .

بعد أن خطب المسيح الكلمة أرواحنا لنفسه بأن قدسها ونقلها إلى حالة عدم الفساد أصبح من المستحيل أن يدخل المسيح إلينا إلا إذا روضنا أجسادنا وحطمنا سلطان الجسد علينا وعندئذ نستطيع أن نفتح الباب للكلمة فيدخل الينا ولذلك تقول العروس “قُمْتُ لأَفْتَحَ لِحَبِيبِي” وهذا ما فعلته ويداها تقطران مُرّاً وأصابعها عليها أيضاً من ذلك المُرّ، وهذا معناه أنها دُفنت بالمعمودية ثم قامت ثانية، لأن القيامة لا قيمة لها إن لم يسبقها الموت الإرادي، والدليل على أن الموت كان إراديًا هو وجود قطرات المُرّ على يديها. وأصابعها مملوءة بتلك الأطياب، والمُرّ الذي فى يديها لم يأتِ اليها من مصدر خارجي، لأن المُرّ الذي فى اليد يُشير إلى العمل الإرادي للانسان، وهذا يشير إلى ضبط الإنسان لإرادته، والأصابع تشير إلى كل أنواع العمل والنشاط للفضيلة .

والمعنى الكامل للنص هو أن العروس تقول: أنا أخذت قوة القيامة بعد موت أعضائي الجسدية التي على الأرض. وقمع جسدي قد مارسته بإرادتي، والمُرّ لم يضعه لي أي أحد آخر ولكني وضعته بإرادتي، والأصابع تشير إلى السلوك فى الفضائل المختلفة. وإمتلاء كل الأصابع بالمُرّ يشير إلى ممارسة الفضيلة والتغلب على كل الشهوات، لأن كثيرين قد تغلبوا على شهوات الجسد بينما إنهزموا لشهوات أخرى مثل الكبرياء، ومحبة القنية، والغضب، وشهوة ما للغير، ومحبة المديح، ومحبة العالم، فاذا وجدت أي من هذه الشهوات فى الإنسان فإن أصابعه لن تمتلىء بالمُرّ لأن قمع الجسد لم يشمل كل حياة الإنسان بعد. ولكن اذا امتلأت كل أصابعنا بالمُرّ فإننا نستطيع أن نقوم ونفتح للعريس وهذا ما قالة بولس الرسول “الَّذِي تَزْرَعُهُ لاَ يُحْيَا إِنْ لَمْ يَمُتْ” (١كو ١٥: ٣٦) وهو يشير بذلك إلى عمل الكنيسة فى الإنسان أنه يجب أن يذوق الموت أولًا -خلال أسرار الكنيسة- قبل أن تكون له حياة مع المسيح .

إن طبيعتنا مكونة من عنصرين: أولهما روحي مضىء خفيف، والثاني مظلم كثيف ناري. وكل جزء له انفعالاته الخاصة التي تختلف عن الأخرى وحركة العنصر الروحي الفعلي الخفيف تكون دائمًا لأعلى، بينما حركة الجزء المادي الثقيل تكون دائمًا لأسفل ولا يمكن لأي حركة أن تكمُل وتقوى ما لم تَقِل وتضعف حركة الجزء الآخر. وبين هاتين الحركتين تقف امكانياتنا فى ضبط النفس. والإرادة الحرة هى التى تجعل العنصر الضعيف قويًا أو العنصر القوي ضعيفًا. وبإرادتنا أيضًا نستطيع أن نجعل أحد العنصرين ينتصر على الآخر أو العكس، وهكذا فإننا نرى الرب يسوع المسيح فى الأنجيل يمدح الوكيل الأمين على يقظته وإيمانه، لأنه بإرادته الحرة إستعد لمجىء سيده فكان نصيبه هو الطوبى والفرح والدخول للعرس، أما ذلك العبد الشرير الذى أهتم فقط بضرب العبيد رفقائه وبالأكل والشرب فأن نصيبه هو البكاء وصرير الأسنان (مت ٢٤: ٤٥-٥١) والفضيلة دائما تقف لتمنع إزدهار الرذيلة لذلك يجب أن نمارس قول داود النبي “بَاكِرًا أُبِيدُ جَمِيعَ أَشْرَارِ الأَرْضِ، لأَقْطَعَ مِنْ مَدِينَةِ الرَّبِّ كُلَّ فَاعِلِي الإِثْمِ” (مز١٠١: ٨) والمدينة هى النفس، والمعنى هو أن نطرد من نفوسنا كل الأفكار الشريرة وعندئذ تحيا فينا الميول الطيبة. وبولس الرسول أيضا كان يحمل فى الجسد إماتة الرب يسوع، وكان يتقوى فى الضعف، وكان غنيًا فى فقره، ويحيا حين يموت، ويقوى حين يضعف (٢كو ٤: ١٠).

ولكن نعود إلى موضوعنا الرئيسي هو أن الروح سوف تحيا خلال موتها، وإذا لم تمت فهى سوف تبقى منفصلة عن الحياة، لأنه بالموت تدوس الموت وتحيا، وهذا هو معنى النص: أنها قامت لتفتح ويداها وأصابعها مملوءتان بالمُرّ. لأن المُرّ يرمز الى الموت، ولكن ما هو معنى أن الموت يقيمنا من الموت، وتفسير ذلك بأن ما خلقه الله فى سفر التكوين كان حسنًا (تك١: ١١) وبين هذه المخلوقات كان الإنسان أكثر جمالًا من كل المخلوقات، قيل عنه أنه كان حسنًا جدًا. وكان الإنسان متسلطًا على كل الخليقة، ولم يكن للموت مكان فى الإنسان، لأنه كان يتمتع بالخلود والأبدية (صورة الله) وكان جميلاً حقًا ومشرقًا بنور الحياة. وعاش الإنسان فى فردوس الله متمتعًا بالأشجار الوفيرة. وكانت وصية الله هي قانون الحياة، وإذا نفذها آدم فهو لن يموت. وكان فى وسط الفردوس شجرة الحياة وكانت ثمارها حياة لمن يأكلها. وكانت توجد شجرة أخرى هى شجرة الموت أو شجرة معرفة الخير والشر، وكانت ثمارها تحمل الخير والشر والحلو والردىء، وكان من المستحيل أن تكون الشجرتان فى الوسط، ولما كانت شجرة الحياة هي التي في الوسط، فيلزم ألا تكون الشجرة الأخرى في الوسط أيضاً، لأنه لا يوجد سوى مركز واحد فى الدائرة الواحدة. ولكن إذا أخذنا دائرة أخرى بعيدة عن الدائرة الأولى، ومختلفة عنها، فإننا نستطيع أن نجد مركزًا آخراً. نقول هذا لأنه قيل أن كلا الشجرتين كانتا فى الوسط (تك٢: ٩، ٣:٣) وكان كل منها له حدود مختلفة عن الأخرى، في أحدهما قوة الحياة، وفى الثانية ثمار الموت، التى قال عنها بولس الرسول “أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ” (رو ٦: ٢٣)، ولكن يجب أن نعلم أن في وسط أشجار الفردوس كانت توجد شجرة الحياة، أي أن هذه الشجرة هى مركز حياة الأشجار الأخرى التى كانت في الجنة، أما الموت فلم يزرع قط وليس له مكان مخصص، ولكن هل يوجد فقط فى حالة عدم وجود حياة فى أحد الأماكن .

ومعنى هذا أن الحياة كانت فى وسط الأشجار التى أوجدها الله، والموت وجد حيث توقفت الحياة، وشجرة الموت كان ثمارها خليطًا بين المضادات، لأنها تحمل الخير والشر، لأن الشيطان بمكر وخديعة يوهمنا أن بعض الشرور هى خير، وهذه هى اللذة التي تسبق أي شر، وكل خطية لها علاقة باللذة دائمًا مثل خطية الزنا أو الغضب، وهذا هو الحكم الخاطىء للذين يتركون الخير من أجل اللذة، ثم يكتشفون بعد ذلك أن الشر هو مرارة كما قال سفر الأمثال “لأَنَّ شَفَتَيِ الْمَرْأَةِ الأَجْنَبِيَّةِ تَقْطُرَانِ عَسَلاً، وَحَنَكُهَا أَنْعَمُ مِنَ الزَّيْتِ، لكِنَّ عَاقِبَتَهَا مُرَّةٌ كَالأَفْسَنْتِينِ، حَادَّةٌ كَسَيْفٍ ذِي حَدَّيْنِ” (أم ٥: ٣، ٤) .

وحين أكل الإنسان من شجرة الموت الخادعة هذه انفصل عن كل الأشياء الجيدة وعن طريق عصيانه إمتلأ من كل ثمار الخطية، التى هى الفساد، ونزل إلى مستوى الحيوانات غير الناطقة، واختلط الموت مع طبيعته، ونزل الفساد إلى كل ذريته، وعندئذ سقط من الحياة وحرم منها، لأنه انحرف عن الله، ولا يمكن للانسان أن يعيش فى وسط تلك الحياتين، لأنه إما أن يحب الواحدة ويحتقر الأخرى أو العكس. وحين يموت الإنسان عن تلك الحياة الجسدية المائتة فإنه سوف يرجع إلى الحياة الأبدية، وهذا معناه أننا لن ندخل إلى حياة الطوبى والسعادة الأبدية ما لم نمت عن الخطية.

ولذلك فإن الوحي الالهي يقول بأن كلا الشجرتين كانتا فى الوسط، لأن أحداهما هى الموجودة بالحق، أما الثانية فهي توجد فقط حين نحرم من الأولى ونفتقدها.

لأن دائرة الموت والحياة تأتي من الأشتراك أو الحرمان من الموت أو فى الحياة،

لأن الذى يموت عن البر فإنه يحيا للخطية، والذى يموت عن الخطية فإنه يحيا للفضيلة والبر،

وبالحق فإن العروس ملأت يديها من المُرّ وهي قامت من موتها عن الخطية لتفتح الباب للعريس الكلمة، والكلمة الذى فتحت له واستقبلته هو الحياة .

فالروح التى تنظر نحو الله قد أرتفعت وصعدت فى ذلك الطريق، ولكنها تحس أنها لم تأخذ شيئًا، كما يقول الرسول بولس لأن أمامها الكثير لكى تعرف (١كو١٣: ١٣) وهي لم تحسب نفسها أنها قد أدركت شيئًا، ولكنها تظل تواظب الصعود ناسية الأشياء التى أخذتها من قبل (فى٣: ١٣) .

 

 

العظة الثانية عشر للقديس يوحنا ذهبي الفم

الاحتفال بالقيامة الصوم الجسدي والروحي، والسكر بالخمر والسكر الروحي

١ – بعد أن ألقينا حمل الصوم من على كاهلنا، لا ينبغي أن نترك ثماره تتلف، إذ من الممكن أن نلقي عنا حمل الصوم بدون أن نكف عن إتلاف ثماره .انتهت الأتعاب، لكن لا ينبغي أن ينتهي اهتمامنا بنتائج جهادنا. انتهت فترة الصوم الأربعيني، ويا ليت التقوى تستمر وبالأحرى أيضا ليت الصوم لا ينتهي. لا يخاف أحد، أنا أقول هذا لا لكي أعلن لكم عن بداية أربعين مقدسة أخرى، لكن لكي أقول لكم يجب أن تظلوا سالكين في الفضيلة. الصوم الجسدي قد انتهى، ولكن الصوم الروحي باق. فالثاني أفضل من الأول، كما أن الأول صار من أجل الثاني. وكما قلت لكم وأنتم صائمون إنه من الممكن ألا يعتبر الشخص صائمًا على الرغم من أنه يُمارس الصوم هكذا أقول لكم الآن كيف أنه من الممكن أن يصوم” الشخص غير الصائم، ربما يبدو أن ما أقوله غريبا، لكن سوف أشرح لكم كيف يكون ممكنا ألا يكون الشخص غير صائم على الرغم من ممارسته الصوم، يحدث هذا عندما يمتنع عن الطعام ولا يمتنع من الخطية.

ومن ناحية أخرى كيف يمكن أن يكون الشخص صائما وهو لم يمارس الصوم؟ ونجيب عندما يأكل بحرية أطعمة مختلفة، لكنه يصوم ويتجنب تذوق طعم الخطية، هذا الصوم هو الأفضل والأسهل.

فكثيرون يجدون عذرًا لعدم الصوم متعللين بأن الصوم الجسدي يجلب أمراضا خطيرة واضطراباً رهيباً. فقد يقول شخص ضعفت صحتي من الأكل المسلوق بالماء، لا أستطيع أن أشبع بالخضروات. لقد سمعت كثيرا من هذه الأعذار أثناء فترة الصوم، لكن لا يستطيع أحد أن يقول شئ مثل هذا عن الصوم الروحي. فالآن وقد انتهى الصوم، اجلس إلى المائدة، اشبع من اللحوم ولن يعوقك أحد ، تذوق كل شئ بحرية، فقط ابتعد عن الخطية. هل رأيت أن هذا الصوم الروحى سهل للجميع؟ لا تستطيع أن تعتذر بالضعف الجسدي، فهذا الصوم هو مفخرة للنفس.

أيضا من الممكن أن يسكر المرء بدون أن يشرب الخمر، وبالعكس يمكن أن يظل متعقلاً طالما قد شرب باعتدال اسمع ماذا يقول النبي عن إمكانية أن يسكر المرء دون أن يشرب الخمر : ” ويل للذين يسكرون بدون شرب الخمر ” (إش ۲۸ : ١س). لكن كيف من الممكن أن يسكر أحد بدون أن يشرب خمرا ؟ ونجيب عندما لا يُحجم بفكره عن الشهوات. إنه من الممكن أيضًا أن يشرب أحد الخمر ولا يسكر، لأنه إن لم يكن هذا ممكنا ، هل كان سينصح بولس تيموثاؤس ويكتب له قائلاً : ” اشرب خمراً قليلاً من أجل معدتك ” ( ١ تي ٥ : ۲۳). لأن السكر ليس شيئا آخر إلا فقدان التعقل، واختلال العقل، والحرمان من الفهم. وهذه الأشياء لا يسببها فقط السكر، نتيجة إدمان الخمر، لكن تكون أيضًا نتيجة السكر بالغضب وبالشهوات الجامحة. ونفس الأمر يسببه السهر والانفعال والضيق والأطعمة الفاسدة، فالأسباب مختلفة لكن النتيجة واحدة تلك التي تؤدى إلى نفس الأمراض. فالخمر كما قلنا يسبب السكر، وأيضًا نفس الأمر تفعله الشهوة، والنتيجة رغم اختلاف الأسباب هي واحدة : المرض والمعاناة. فلنهرب من إدمان الخمر الذي يسبب السكر، ولا أقول نهرب من الخمر بل من السكر، فالخمر لا يسبب سكراً لأنه يدخل ضمن خيرات الله وخيرات الله لا تسبب أي ضرر لكن رغبة النفس الشريرة هي التي تسبب السكر. اسمع ما يقوله بولس: “لا تسكروا بالخمر الذي فيه الخلاعة “(أف ٥ : ١٨). وبطريقة عجيبة وبجملة مختصرة أدان إدمان الخمر. ماذا يعني “لا تسكروا بالخمر الذي فيه الخلاعة “؟ فالذين يمارسون الخلاعة هم أولئك الشباب الذين نالوا ميراثاً من والديهم وأنفقوه بدون أن يفكروا لحساب من يبذرون أموالهم ولا حتى يدركون أنه ينبغى عليهم أن يحافظوا على ما يملكون، لكن بعثروه كله على الزناة وعلى التفاهات مثل شراء الثياب والذهب والفضة، مثل هذا الشر هو سكر، طالما أنه يأسر فكر هؤلاء الذين يدمنونه، وتستعبد عقولهم لهذا الشر، إذ يجبرهم على بعثرة كل ميراثهم الروحي بدون فهم المدمن لا يعرف متى يتحدث ومتى يصمت ففمه مفتوح دائما، والمدمن لا يمكن أن يتحدث بأدب، لا يمكن أن يستخدم كنوز نفسه بالصواب، يصرف ويبذر كل كنوزه، السكر هو جنون ينتابنا بإرادتنا، إنه خيانه للتعقل، هو كارثة يسخر منها الكل، هو مرض يتهكم عليه الجميع، إنه شيطان يستولي علينا بإرادتنا إنه أكثر خطرا من الجنون.

الامتناع عن السكر

٢ . هل تريد أن تعلم لماذا يعتبر المخمور هو أسوأ من الذي به شيطان؟ هذا الإنسان يحزن عليه الجميع، أما المخمور فيمقته الكل الأول يجعلنا نشاركه الحزن، أما الثاني فيملأنا بالغضب والغيظ. لكن لماذا؟ لأن الأول هو مريض بغير إرادته، أما الثانى هو مريض نتيجة لا مبالاته الذي به شيطان هو مريض والمسئول عن مرضه هو الشيطان، أما المخمور فهو مريض وهو نفسه المسئول عن مرض والمخمور يعاني نفس ما يعانيه الذي به شيطان يتصرف بنفس الطريقة، وبنفس الدرجة يظلم عقله، وينهار، وبنفس الطريقة تحول عيناه، وبنفس الكيفية يسقط إلى أسفل على الأرض ويتلوى يمتلئ فمه بالريم ويسيل منه لعاب قذر ويمتلئ فمه هكذا برائحة كريهة لا تطاق. وأصدقائه يشعرون بإشمئزاز تجاهه، وأعداؤه يتهكمون عليه، وخدامه يحتقرونه، وفي نظر امرأته هو تعيس، إنه مزعج للجميع وتصرفاته ممقوتة إذ تتجاوز تصرفات الحيوانات، لأن الحيوانات تشرب على قدر ما تعطش ويشبعون رغباتهم وفق إحتياجاتهم، بينما المخمور يتجاوز حدود احتياجاته ويصير بالأكثر أغبى من الحيوانات.

والأسوأ هو أن هذا المرض الذي هو مملوء من الشرور ويسبب دمارا شديداً يتسابق عليه الجلساء على موائد الأغنياء، ويتنافسون تنافسا شديدًا فيما بينهم حول من سوف يسيئ إلى نفسه بالأكثر؟ من سوف يثير أعصابه بالأكثر من سيدمر قوته النفسية والجسدية بالأكثر من سيغضب بالأكثر رب المائدة بأفعاله؟ ويرى المرء في هذه الجلسات مناوشات ومنافسات تسعد الشيطان، لذلك فإن المخمور هو في حالة يرثى لها أكثر من رثاء الأحياء للأموات، لأن المائت لا يشعر بشئ ولا يفعل الصلاح ولا الشر، بينما المخمور قادر على أن يفعل الشر. وكأنه دفن نفسه وجعل جسده قبر لها .وأخذ يجول بجسد ميت .

هل رأيت كم هو هالك أكثر من الإنسان الذي به شيطان؟ وكم أنه ميت وفي حالة أسوأ من الذين ماتوا ؟ هل تريد أن أقول لك الأسوأ والأكثر إيلاماً من كل هذا؟ المخمور لا يمكن أن يدخل ملكوت السموات. من قال هذا ؟ قاله الرسول بولس لا تضلوا لا زناة ولا عبدة أوثان ولا فاسقون ولا مأبونون ولا مضاجعوا ذكور. ولا سارقون ولا طماعون ولا سكيرون ولا شتامون ولا خاطفون يرثون ملكوت السموات (١كو٦ : ١٠.٩). هل سمعت مع من تشابه المخمورة مع عبدة الأوثان، ومع الزناة ومع المأبونين ومع الشتامين ومع الطماعين مع السارقين. لكن سوف يتساءل أحد هل المخمور والزاني يتساويان لا تسألني من فضلك مثل هذه الأسئلة. اسأل بولس وسوف يرد عليك. لا أستطيع أنا أن أوكد لك إن كان المخمور سوف يعاقب في الجحيم مثل الآخرين لكن أستطيع بيقين أن أزعم بأنه سوف يفقد ملكوت السموات مثل عابد الأوثان، وطالما أن هذا هو ما يؤكده لنا بولس لماذا تطلب تفسيرا عن حجم هذه الخطية؟ أي لماذا تسألني عن درجة وثقل هذه الخطية في الوقت الذي نحن متيقنين فيه أنه سوف يظل خارج الفردوس، وأنه سوف يفقد الملكوت، وسوف يفقد الخلاص، وسوف يذهب إلى الجحيم.

امتلئوا بنعمة الروح القدس

يا أحبائي، أنا لا أخصكم بالحديث لأنني على اقتناع تام بأن نفوسكم متحررة من هذا المرض وهذه الشهوة، وبرهان عافيتكم هو حضوركم هنا ، واستعدادكم الدائم للمجيء وانصاتكم بدقة لأقوال الله، لأن لا يوجد مخمور لديه القدرة لأن يسمع العظة الإلهية. “لا تسكروا بالخمر الذي فيه الخلاعة بل امتلئوا بالروح” (أف ٥ : ۱۸) . هذا هو الخمر الجيد ، أن تملأ نفسك بنعمة الروح القدس ولا تملأها بالخمر الذي فيه الخلاعة اعتني بأن تملأ فكرك وذهنك بنعمة الروح القدس، حتى لا يكون فارغاً وتسكن فيه هذه الشهوة المخيفة والقبيحة. لذلك لم يقل ضع في نفسك الروح القدس، بل قال :املأ نفسك بالروح القدس” وذلك باستخدام فعل “امتلئوا”.

إذن املأ نفسك تماما من نعمة الروح القدس، حتى لا يستطيع الشيطان أن يضع شيئاً داخلك. لذا يجب أن تشتركوا في التسابيح والترانيم والألحان الكنسية، لأن بهذه الأمور التي تسمعونها اليوم وتفرحوا بها تمتلئوا بنعمة الروح القدس. وإني على يقين بأنكم متعقلون. يوجد أمامكم كأس مملوء بخمر جيد للسكر الروحي، كأس سكر يسبب التعفف والتعقل وليس الهذيان. وما هو هذا الكأس ؟ هو الكأس الروحي، كأس دم الرب الأبدي. هذا الكأس لا يسبب شكرًا ، ولا هذيانًا ، لأنه لا يُقيد قوتنا بل يشدّدها ، لا يحل أعصابنا بل يقويها. هذا الكأس يخلق في داخلنا هدوء النفس، هذا الكأس يكرمه الملائكة، وترتعب منه الشياطين، إنه الكأس الجدير بالتقدير والإحترام من جانب البشر والمحبوب لدى الله. اسمع ماذا قال داود عن هذا الكأس الروحي الموجود على المائدة المقدسة : ” قدمت لي كأسًا يعطي سكرا قويا وعظيما” (مز ٢٣ : ٥ س).

لقد أضاف داود عبارة ” قويًا وعظيماً حتى لا تخاف للتو عندما تسمع كلمة ” سكرا” وتظن أنه يجلب مرضا اذن لدينا طريقة جديدة للسكر تضع فينا قوة وتجعلنا أكثر انضباطًا وأكثر عافية، لأن هذا السكر يأتي من منبع روحي، وهو لا يضلل أفكارنا لنفعل الشر ولكنه يخلق فينا أمورا روحية جديدة.

البصخة (القيامة) عيد روحي

٣- ليتنا نفضل هذا السكر الروحي ونبتعد عن السكر الآخر، حتى لا نسئ إلى هذا العيد، لأن هذا العيد لا يُحتفل به فقط في الأرض لكن في السماء. فاليوم تفرح الأرض والسماء، لأنه إذا كان فرح عظيم على الأرض وفي السماء لخلاص خاطئ واحد، فإنه يصير فرح أعظم في السماء من أجل كل المسكونه التي حررها المسيح من يد الشيطان اليوم تفرح الملائكة اليوم يفرح رؤساء الملائكة فرحا عظيما، اليوم السيرافيم والشاروبيم يشاركون في الاحتفال بالعيد.

إنهم الآن لا يخجلون منا نحن الذين صرنا عبيدا للرب، لكن يفرحون معنا لأجل خلاصنا. فبالرغم من أن الجنس البشري أقيم بواسطة الرب، إلا أن الفرح هو خاص بهم. ولماذا أتحدث فقط عن الملائكة، الذين هم أيضا عبيد لله ؟! فرب الملائكة والبشر يشتهى أن يشاركنا في هذا الاحتفال ولا أحتاج لأن أقول كيف إنه يشتهى، لأنه قال: “شهوة اشتهت أن أكل الفصح معكم (لو ۲۲ : ١٥). وطالما أراد أن يحتفل معنا بالفصح بالبصخة، فمن الواضح أن نفس الأمر يسري على القيامة. إذن عندما تفرح الملائكة ورؤساء الملائكة ويحتفل معنا رب القوات السماوية ، فلأي سبب نحزن؟

رؤية إفخارستية للغنى والفقر

لا ينبغي أن يحزن أي فقير بسبب فقره، لأن هذا العيد هو عيد روحي. ولا ينبغي لأي غني أن يفتخر بسبب غناه، لأن أمواله لا يمكن أن تضيف شيئًا الفرح هذا العيد، ففي الأعياد الأخرى التي نشاهدها في حياتنا اليومية، يوجد الخمر والمائدة المملوءة بالأطعمة حيث الشراهة والضحك، كما تسودها الأفعال الشيطانية، من الطبيعي أن يكون الفقير حزينا والغني فرحا، لكن لماذا؟ لأن الغني يعد مائدة غنية تتميز بكل الرفاهية، بينما يستحي الفقير من فقره، إذ يظهر بهذا المظهر المتواضع. لكن هنا لا يحدث مثل هذا الأمر.

فإنه توجد مائدة واحدة مشتركة لأجل الجميع للغني وللفقير، ولا يستطيع الغني أن يضيف شيئا لهذه المائدة، كما أن الفقير لا يُحرم بسبب فقره من الشركة في هذه المائدة الإلهية، لأن النعمة الإلهية تقدم هنا للكل. ولماذا يبدو لك أنه أمر غريب أن تقدم مائدة واحدة للغني والفقير معا؟ طالما أن هذا الأمر يسرى على الملك نفسه، فالملك الذي يلبس الثياب الملوكية ويضع التاج على رأسه، والذي له سلطة عظيمة على كل الأرض، يشارك الفقير الذي يطلب إحسانًا، نفس المائدة. وهذه هي العطايا التي يقدمها لنا الرب. إنه لا يقسم المجتمع إلى طبقات وفقا للمكانة الاجتماعية، لكنه يعامل كل واحد بحسب استعداده الشخصي وإيمانه.

إذن عندما ترى في الكنيسة الفقير يقف بجوار الغني، والرئيس بجوار المواطن العادي، والمغمور بجوار المشهور، وعندما ترى ذاك الذي يرتعب خارج الكنيسة من الضابط صاحب المقام العالي لكنه الآن يقف بجواره، عندئذ سوف تفهم ماذا تعني عبارة ” سيوجد الذئب مع الحمل” (إش٦ : ١١). بالتالي فالكتاب يدعو الغني ذئباً والفقير حملاً من أين نستنتج أن الذئب سوف يتألف مع الحمل، مثلما يتألف الغني مع الفقير؟ انتبه لما أقوله مرات كثيرة يأتي إلى الكنيسة الغني والفقير وعندما يأتي وقت تقديس الأسرار المقدسة ،يضطر الغني لأن يخرج خارج الكنيسة، لأنه مازال في عداد الموعوظين. بينما يظل الفقير داخل الكنيسة”، وهذا لا يسبب غضبا للغنى، لأنه يعرف أنه مازال بعيداً عن التقدم الأسرار الإلهية. آه كم عظيمة هي نعمة الله إن نعمة الله تجعل كل الذين هم داخل الكنيسة ليسوا فقط متساوين، بل مرات كثيرة يتفوق الفقير على الغني في التقوى، لأن الغني الذي لا يعيش بالتقوى لا ينتفع إطلاقاً بما يملكه، كما أن الفقر لا يسبب ضررا للمؤمن الذي يقف بتقوى وخوف أمام المذبح المقدس. هذا أقوله، يا أحبائي للموعوظين وليس لأولئك الذين هم مجرد أغنياء، تأمل، أيها الحبيب الذي كتب إن سيد البيت يترك الكنيسة بينما يظل العبد في الكنيسة يتابع الأسرار لأنه مسيحي مؤمن، وترحل السيدة وتبقى العبده لأن الله لا يحابي الوجود (غلا٢ : ٦). إذن لا يوجد في الكنيسة عبد وحر، إنما الكتاب يعتبر العبد هو من يستعبد للخطية “لأن من يفعل الخطية هو عبد للخطية ” (يو٨: ٣٤). كما أنه يصف الحر بأنه ذاك الذي حررته نعمة الله من الخطية.

إذن يأتي الملك والفقير إلى هذه المائدة بنفس الثقة وبنفس الكرامة. ومرات كثيرة يأتي الفقير بكرامة أعظم. لكن لماذا ؟ لأن الملك كثيرا ما يتورط في آلاف الأمور العالمية وتضربه. كسفينة في عرض البحر -أمواج الخطية التي تحيط به بينما الفقير الذي ينشغل فقط بطعامه الضروري تتسم حياته بالهدوء والسكينة، فهو هادئ كما لو كان موجودًا في الميناء. ويقترب إلى المائدة المقدسة بدون اضطراب.

أيضا في الأعياد العالمية يتضايق الفقير، بينما يفرح الغني، ليس فقط لأجل حرمانه من المائدة المملوءة بالأطعمة لكن أيضا لأجل افتقاره للملابس الغالية الثمن. فما عانى منه بسبب المائدة، يعاني منه بسبب الملابس. فعندما يرى الفقير أن الغني يلبس الملابس الغالية والثمينة، يتضايق كثيرا ويعتقد في نفسه أنه أكثر تعاسة من الكل، لكن هنا في الكنيسة يختفى هذا النوع من الفقر، لأن هنا يوجد لباس واحد للجميع لباس العماد الخلاصي. لذلك يقول بولس : “أنتم الذين اعتمدتم قد لبستم المسيح (غلا۳ : ۲۷).

إذن ليتنا لا نهين هذا العيد بالسكر، لأن إلهنا قد كرم الأغنياء والفقراء العبيد والسادة على السواء. لكن يجب أن نستجيب لإحسانات الرب علينا، والاستجابة الممتازة هي أن نحيا في توبة عن ارتكاب الخطايا وأن تكون نفوسنا متيقظة. هذا العيد وهذا الاحتفال لا يتطلب أموالاً ولا نفقات، بل يحتاج إلى الاستعداد الروحي والفكر الصالح. هنا لا يوجد شئ مادي يُباع، لكن توجد كلمة الله، وطلبات الآباء القديسين، وبركات الكهنة، والوفاق والسلام والإتفاق، هنا العطايا والمكافات الروحية.

ليتنا نشترك . إذن . في هذا العيد العظيم والبهي، أي في قيامة ربنا. ليتنا نعيد له بالفرح والتقوى معا، لأن الرب قام وقامت معه كل المسكونة.

قام المسيح ومزق رباطات الموت،

وبينما أخطأ آدم ومات بسبب الخطية ،

فإن المسيح لم يخطئ ولكنه مات.

هذا الحدث عجيب ومدهش!

فآدم أخطأ ومات،

بينما المسيح مات في حين أنه لم يخطئ.

واتساءل لأي سبب؟

لقد حدث هذا لكي يستطيع ذلك الذي أخطأ ومات (آدم) أن يتحرر من قيود الموت بمعونة (المسيح) الذي مات دون أن يخطئ مثلما يحدث في حالة الاقتراض، فالشخص الذي عليه دين، إن لم يكن لديه مال ليدفع دينه سوف يسجن، فإذا وجد شخص آخر لديه مال ويريد أن يدفع عنه الدين. فإذا دفع دينه يكون قد منحه الحرية، هكذا صار في حالة آدم، استدان آدم وكان في قبضة الشيطان، ولم يكن لديه ما يدفعه، لكن المسيح لم يستدن ولم يكن في قبضة الشيطان، لكنه كان الوحيد الذي يمكنه أن يسدد الدين فاتي ودفع بموته دين ذاك الذي كان في قبضة الشيطان،لكي يحرره.

الموت والقيامة

رأيت ما الذي ظفرنا به بقيامة المسيح؟ نحن متنا مرتين، لذلك يجب أن تنتظر قيامة مزدوجة والمسيح مات مرة واحدة، لذلك قام مرة كيف حدث ذلك؟ سوف أشرح لكم؟ لقد أخطأ آدم فمات جسديا ونفسيا إذ قال له الرب: “يوم تأكل من هذه الشجرة موتاً تموت” (تك ۲ : ۱۷)، وفي ذلك اليوم لم يذق الموت الجسدي لكن موت الخطية (النفس). لقد ماتت نفسه وبعد ذلك مات جسده هنا في الأرض موت النفس هو نتيجة الخطية والعقاب الأبدي. لذلك يقول المسيح ” ولا تخافوا من الذين يقتلون الجسد ولكن النفس لا يقدرون أن يقتلوها بل خافوا بالحرى من الذي يقدر أن يهلك النفس والجسد كليهما في جهنم (مت ۱۰ : ۲۸).

لكن دعونا أن نرجع مرة ثانية إلى هذا الذي قلته سابقا، أي أن الموت الذي نجتازه هو موت مزدوج. وبما أن الأمر هكذا، إذن يجب أن تكون القيامة أيضاً مزدوجة. أما في حالة المسيح فإنه مات مرة واحدة، لأنه لم يخطئ كما أخطأ آدم أولاً، لكن الموت الواحد الذي ماته على الصليب صار لنا، لأنه هو لم يكن يستحق يموت، لأنه كان بلا خطية، وبالتالي جاز الموت وهو لم يكن مسئولاً عنه. لذلك قام مرة واحدة، كما مات مرة واحدة. لكن نحن الذين نموت مرتين، يجب أن نقوم مرتين. قمنا من الخطية القديمة طالما أننا بالعماد الذي قبلناه دفنا معه، وبالمعمودية أيضا قمنا معه. هذه هي القيامة الأولى التي خلصتنا من الخطية، بينما الثانية تخص قيامة الجسد.

لقد منحنا الرب القيامة العظمى، فيجب أن ننتظر الصغرى الأولى أعظم من الثانية، طالما أن هناك ضرورة للتخلص من الخطايا. لقد سقط الإنسان بسبب الخطية. وطالما أن الخطية هي سبب السقوط، فبداية القيامة يجب أن تكون التخلّص من الخطية. إذن فقد حصلنا على القيامة العظمى إذ زال عنا موت الخطية الرهيب وخلعنا الملابس القديمة. ليتنا لا نقلل من قيمة القيامة الثانية. إذن نحن قد حصلنا على القيامة الأكثر أهمية، عندما تعمدنا نحن، وكذلك كل الذين استحقوا أن يُعمدوا هذا المساء.

أمس كان الرب فوق الصليب، لكنه الليلة قد قام ، وهؤلاء المقبلين على المعمودية كانوا بالأمس عبيدا للخطية، لكنهم الآن قاموا مع المسيح. ذاك مات جسديا وقام جسديًا ، هؤلاء ماتوا بالخطية وتحرروا من الخطية وقاموا. حسنا هذه الأرض في فصل الربيع تنبت ورودًا وريحانا. لكن مياه هذا الفصل إذ صارت مياها للمعمودية ) تقدم لنا نبعا عظيمًا. ولا تتشكك كيف تنبت الورود من الماء. لأن في بداية الخليقة أفاضت الماء كائنات حية تتحرك إذ قال الله : ” لتفض المياه زحافات ذات نفس حية ” (تك ۱ : ۲۰) ، وقد تحقق أمره على الفور. هكذا الآن، فمياه المعمودية لم تلد كائنات حية، لكنها ولدت مواهب روحية. لقد ولدت المياه وقتئذ (أي في الخلق) أسماك بدون عقل أو نطق، لكن الآن ولدت المياه أسماكاً روحية وعاقلة، أسماكا اصطادها

الرسل، وطريقتهم في الصيد هي في الحقيقة طريقة جديدة، فمن يصطاد السمك يخرجه من المياه، بينما نحن نلقيها داخل الماء وهكذا نصطادها.

كان لليهود أيضا معمودية، لكن اسمع أي قوة كانت لها حتى تدرك مدي الفقر اليهودي ولكي تعلم مدى غنى كنيسة المسيح. كان لديهم “بركة” بها ماء وينزل ملاك ليحرك المياة. وبعد تحريك المياه يدخل مريض واحد إلى المياه ويشفى واحد فقط يشفى خلال السنة كلها، وبعد ذلك تستنزف النعمة مباشرة، ليس لأن من يمنحها هو فقير، لكن لأن أولئك الذين سينالون النعمة هم غير قادرين (على اقتنائها)، إذن ينزل الملاك إلى “البركة” يحرك المياه ويشفى واحد فقط، بينما رب الملائكة نزل في الأردن وحرك المياه وشفى كل المسكونه.

في تلك المعمودية لم يشف ذاك الذي دخل إليها وترتيبه الثاني، أي بعد نزول الأول، لأن نعمة الله هناك تقدم الى اليهود الفقراء والمرضى روحياً، لكن هنا، بعد نزول الأول يدخل الثاني ثم الثالث وهكذا حتى لو نزل العاشر أو العشرين أو المائة أو الآلاف، ولو نزلت كل المسكونة، لا تتوقف نعمة الله لا تنتهى القوة الصالحة ولا تتدنس المياه. لدينا طريقة جديدة للتطهير والتي لا تنحصر في الجسد فقط لأنه عندما نغسل الأجساد فبقدر ما نغسلها كثيرا بقدر ما تتدنس المياه بالأكثر ، بينما هنا بقدر ما تغتسل النفوس بقدر ما تصير المياه نظيفة بالأكثر.

حرب ضد الخطيئة

هل رأيت كم أحسن إلينا الرب كثيرا ؟ فيجب عليك أيها الإنسان أن تحرس هذه العطية معترفا بالجميل واخضع الناموس الله واحفظه بكل دقة. فالحياة هي جهاد وصراع، ومن يجاهد عليه أن يظل منضبطاً في كل شئ وسوف أقول لك طريقة جيدة وآمنة لكي تنجح ليتنا نبعد عن نفوسنا تلك الأمور التي تبدو أنها ليست شريرة، لكن تولد خطايا، لأن بعض من أعمالنا هي خاطئة وبعض الأعمال الأخرى ليست خاطئة، ولكن الثانية قد تصير سببا للخطايا. فالضحك . على سبيل المثال . ليس في حد ذاته خطية، لكن يصير خطية عندما يتجاوز الحد لأننا ننقاد من الضحك إلى التهكمات ومن التهكمات إلى الأقوال الهزلية، ومن الأقوال الهزلية إلى الأعمال القبيحة، ومن الأعمال القبيحة إلى الجحيم والعقاب. إذن اقتلع الجذر من أساسه لكي تشفى من المرض كله، لأننا لو حفظنا ذواتنا من تلك الأمور التي تبدو أنها ليست شريرة، فلن نصل على الإطلاق إلى مستوى الانحلال الخلقي. هكذا يعتقد الكثيرون على سبيل المثال: إنه ليس شرا أن نرى المناظر المثيرة لكن أقول إنه من هذه النظرة الشريرة تولد الرغبة المنحلة، والشهوة تقود إلى الزنى ونتيجة الزنى هى الجحيم والعقاب. والتنعم ليس شرا، لكن منه يأتي السكر ومن السكر شرور كثيرة تصاحبها.

لنجتث جذور الخطايا. وسيتحقق لنا هذا إن استمعنا باستمرار وكل يوم لكلمة الله، لذلك لدينا اجتماع في كل أيام الأسبوع وفيه نقدم لكم المائدة الروحية ونعطيكم فرصة لأن تسمعوا كلام الله ، نعدكم يوميًا ونسلحكم ضد الشيطان، لأنه الآن يهاجمكم بشراسة. وكلما يفيض الله عليكم بالنعمة، بقدر ذلك يصنع الشيطان معكم حربًا شديدة، فالشيطان . كما نعرف . لا يطيق أن يرى إنسانًا واحدًا في الفردوس اخبرني، كيف سيتحمل أن يرى كثيرين في السماء؟ اغضب الوحش، ولا تخاف، إذ لديك قوة عظيمة، وسيف مسنون اضرب به الحية (الشيطان). ولقد سمح الله للحية أن تستشيط غضبًا ضدك، لكي تكتسب الخبرة وتدرك حجم القوة التي فيك.

ومثل مدرب متميز عندما يتعهد لاعبًا ويغيره من حالة الخمول واللامبالاة وذلك بإعداده بالتدريبات ليُرجع له قوته الجسدية ليخوض المسابقات، عندئذ لا يتركه ليهدأ ، لكن يشجعه لكي يشارك باستمرار في المسابقات حتى يتعرف عمليًا على مدى القوة التي اكتسبها. وهكذا فعل المسيح، إذ بينما لديه المقدرة لأن يجرد العدو (ويقصيه عن الدخول في أي منافسة) فإنه لكي يعلمك مدى عظمة القوة الروحية التي أخذتها في المعمودية، سمح للشيطان أن يصارعك لكي يقدم لك فرص كثيرة لتنتصر وتتوج، لذلك على مدى سبعة أيام مستمرة تسمعون كلمة الله، لكي تتعلموا بالضبط فنون وأسرار الجهاد على الجانب الآخر هذا الذي يحدث هنا (في الكنيسة هو زواج روحي. ففي بيت الزوجية نجد أن حجرة العروس مزينة حتى اليوم السابع، لذلك رأينا نحن أن تظلوا سبعة أيام في هذه الحجرة المزينة (الكنيسة)، وإذا أردت، تستطيع أن توجد طول فترة حياتك في هذه الحجرة (الكنيسة).

أيضا في الزواج بين البشر بعد الشهر الأول أو الثاني تقل محبة العريس تجاه عروسه، لكن هنا لا يصير نفس الأمر، لكن بقدر مرور الزمن تصير محبة العروس أعظم والقبلات أنقى والعلاقة أكثر روحانية إن بقينا في الفضيلة. أيضا الأجساد تهرم بعد مرور زمن الشباب، لكن هنا تأتي الحيوية والشباب، إنها تأتي بعد أزمنة الكبر والعجز، والحيوية تظل دائما إذا أردنا .

عظيمة هي النعمة التي يمنحها الله لنا، وستكون أعظم إذا أردنا نحن. وبولس كان عظيماً قبل أن يعتمد، لكن صار أكثر عظمة بعد العماد وذلك عندما كرز بكلمة الله وزعزع نفوس اليهود وبعد هذه الأعمال العظيمة اختطف إلى الفردوس وصعد حتى إلى السماء الثالثة.

هكذا نستطيع نحن إذا أردنا أن نصير عظماء وننمو في النعمة التي أعطاها الله لنا عندما اعتمدنا ونصير في مكانة أعظم وأبهى ونتقدم بالأكثر في ممارسة أعمال الفضيلة. وعندما يصير هذا ، سوف ندخل إلى حجرة العرس مع العريس بشجاعة عظيمة، وسوف نستمتع بالخيرات التي توجد هناك في صحبة أولئك الذين يحبونه وياليتنا جميعا نستمتع بهذه الخيرات بنعمة ومحبة ربنا يسوع المسيح الذي له المجد والسجود مع الآب والروح القدس إلى أبد الآبدين، آمين

المرجع : كتاب عظات آبائية علي قيامة المسيح للقديس يوحنا ذهبي الفم

المقال. : الاحتفال بالقيامة الصوم الجسدي والروحي، والسكر بالخمر والسكر الروحي(ص٤٧-٦٠)

 

 

العظة الثالثة عشر للقديس يوحنا ذهبي الفم (قام والقبر مغلق)

قام والقبر مغلق

” وفي الغد الذي بعد الاستعداد اجتمع رؤساء الكهنة والفَرِّيسِيُّونَ إِلى بيلاطس قائلين: يَا سَيِّد، قد تذكرنا أن ذلك المُضلَّ قَالَ وَهُوَ حَيٍّ: إني بَعْدَ ثلاثةِ أَيَّامٍ أَقومُ. فَمُرْ بضبط القبر إلى اليوم الثالث، لئلا يأتي تلاميذه ليلا ويسرقُوهُ، وَيَقُولُوا لِلشَّعْبِ: إِنَّهُ قام من الأموات، فتكون الضلالة الأخيرة أشر من الأولى (مت ٢٧: ٦٢-٦٤) .

١- يصطدم الضلال دائمًا مع ذاته ويدعم الحق بدون أن يريد. لاحظ أيضا أنه كان ينبغي أن يُصدَّق أنه مات. وأنه دفن وأنه قام وكل هذا صار بواسطة الأعداء. حسنًا أنظر لتري أن كل هذه الأقوال تؤكد كل هذا . “قد تذكرنا أن ذلك المضل قال وهو حي إذن هو قد مات “بعد ثلاثة أيام أقوم فمر بضبط القبر إلي اليوم الثالث لئلا يأتي تلاميذه ليلاً ويسرقوه”بما أن القبر قد ختم إذن لن يصير أي ضلال. بالتالي يكون برهان القيامة ساطعا ولا يستطيع أحد أن يشك فيه إذ أن القبر كان قد ختم ولم ليحدث أي خدعة. وبما أنه لم يحدث أي تضليل وقد وجد القبر فارغا، فمن الواضح بلا أدني إعتراض أن الرب المسيح قام.

هل رأيت كيف أنهم قد دعموا برهان الحق بدون أن يقصدوا ؟ وربما تكون قد قدمت لي خدمة إذ نظرت إلي محبة التلاميذ للحق. إذ أنهم لم يخفوا شيئًا مما قاله الأعداء حتى عندما كان الأعداء يوجهون شتائم. ها هم يدعونه المضل وتلاميذه يسجلون هذا الأمر. ويدل ذلك علي بساطة تلاميذه ومحبتهم للحق، بينما علي النقيض فإن ذلك يدل علي قسوة أولئك اليهود تجاه المسيح بعد موته.

ألا يستحق أن نناقش عبارة : “بعد ثلاثة أيام أقوم ؟ التي نطقوا بها لأنه لا يوجد البتة من إستخدم هذه العبارة حرفيًا عدا ما قاله الرب يسوع المسيح عندما قارن نفسه بيونان النبي. هكذا أقروا بما قالوه، كما أنهم أعلنوا بكل إراداتهم هذا الكلام. فبماذا أجاب بيلاطس ؟ لقد قال لهم: “عندكم حراس إذهبوا واحرسوا كما تعلمون. فمضوا وفرضوا حراسة مشددة من الحراس علي القبر وختموا الحجر”. ولم يترك بيلاطس جنوده أن يختموا القبر بمفردهم لأنه لم يشأ أن يتورط مع هؤلاء اليهود عندما علم منهم بكل ما قاله المسيح فيما يتعلق بقيامته. أيضا ولكي لا يتحمل مسئولية ما سيقولونه بعد ذلك بإتهامهم أناس آخرين قال لهم: إختموا القبر كما تريدون أنتم لأنه لو ختم الجنود بمفردهم القبر كان في إستطاعتهم أن يزعموا مع أن هذا الأمر مستحيل أن يحدث ولكنه وضع في إعتباره أنهم دائما ما يقولون أكاذيب في مثل هذه المواقف)، أن الجنود سمحوا أن يسرق الجسد. وهكذا أعطوا للتلاميذ فرصة أن يخترعوا مسألة قيامته من الأموات ويبشروا بها والآن فمن حيث إنهم هم أنفسهم الذين ختموا القبر لن يستطيعوا أن يقولوا ذلك.

هل رأيت كيف أنهم ساهموا دون أن يريدوا في تدعيم الحق؟ لأنهم ذهبوا لبيلاطس يطلبون تأمين القبر وهم الذين ختموا القبر مع الحراس، حتى يكونوا هم الذين يدينون أنفسهم. وعلي الرغم من ذلك نتساءل متى كان في إستطاعة التلاميذ أن يسرقوا الجسد ؟ هل يوم السبت؟ وبأي طريقة، خاصة أنه لم تكن هناك إمكانية أن يخرجوا ؟ وحتى لو كسروا الناموس، كيف يتجرأون علي الخروج بينما كانوا خائفين؟ كيف كان في إستطاعتهم أن يقنعوا الجموع؟ ماذا كان عليهم أن يقولوا ؟ ماذا كان عليهم أن يفعلوا ؟ بأي توجه ينحازون لشخص ميت؟ أي أجر أو مجازاة ينتظرونها ؟ حين كان بعد حيًا عندما رأوه وهم يقبضون عليه، تركوه وهربوا فهل سوف يتحدثون عنه بجرأه بعد موته ما لم يكن قد قام؟ وكيف كان في إستطاعتهم تبرير هذه الأمور؟ لأنهم لم يفكروا ولا إستطاعوا أن يخترعوا مسألة قيامته، وهذا واضح مما يأتي: لقد تحدث عن قيامته مع كثيرين. وهذا ما قاله لليهود أنفسهم “بعد ثلاثة أيام أقوم”. ولكن لو لم يكن المسيح قد قام . فمن الواضح أنه نظرا لأنهم قد تورطوا بسبب المسيح في حرب مع الأمه اليهودية بأسرها. وعاشوا بلا عائلة وبدون وطن – لما التفوا حوله ولما نسبوا إليه المجد، طالما هو خدعهم وضللهم وصاروا في خطر عظيم بسببه.

لو لم تكن قيامة المسيح حقيقية لما استطاعوا إختراع مسألة قيامته، وهذا الأمر لا يحتاج إلي برهان. لأنهم علي ماذا سوف يستند هؤلاء التلاميذ؟ هل علي بلاغة أقوالهم؟ لقد كانوا أكثر جهلاً من الكل. ربما علي أموالهم الكثيرة؟ أنهم لم يكونوا يمتلكون عصا ولا أحذية ربما علي أصلهم الشريف؟ لكن هؤلاء كانوا غير معرفون وأتوا من عائلات فقيرة. ربما علي موطنهم العظيم؟ هؤلاء أتوا من أماكن مغمورة. ربما علي عددهم الغفير؟ أنهم لم يتعدوا أحد عشر تلميذا وكانوا متفرقين. ربما علي وعود معلمهم؟ أية وعود؟ لأنه لو لم يكن قد قام لفقدوا مصداقيتهم.

كيف كان لهم أن يتحملوا الجمع الماجن؟ لأنه إن كان أكبرهم (بطرس) لم يتحمل قول إمرأة بوابة بينما جميعهم حين رأوا المسيح مقيدا تفرقوا. وكيف فتنوا المسكونة بعد ذلك بكرازة القيامة؟ فإن كان الأول (بطرس) لم يتحمل تهديد إمراة، بينما الآخرون تفرقوا من منظر المسيح المقيد. كيف قاوموا ملوكا ورؤساء وجموعاً حيث كان يوميًا ينتظرهم الذبح والحرق وآلاف الطرق من القتل لو لم يكونوا قد نالوا قوة وصلابة ذاك الذي قام ؟ صنع المسيح معجزات كثيرة أمام اليهود ولم يؤمنوا به بل صلبوه. فكيف طلب هؤلاء التلاميذ منهم ببساطة أن يؤمنوا بالقيامة؟ هذا الأمر مستحيل ما كان لهم أن يفعلوا هذا إلا فقط بقوة القيامة.

٢- أرجو منك أن تنظر إلى ضلالهم المضحك “قد تذكرنا أن ذلك المضل قال وهو حي إني بعد ثلاثة أيام أقوم” . وطالما كان مضلا ومدعيًا فلماذا تخافون وتسرعون بكل إرتباك؟ يقولون. نخاف أن يسرقه تلاميذه ويضلون الجموع. بالرغم من أنه من الواضح أن خوفهم هذا لم يقم علي أي أساس إلا أن الشر يفتعل الوقاحات والعراك ويشرع في أمور غير معقولة. هكذا طلبوا أن يُختم القبر لكي يثبتوا أنه كان مضلاً لأجل هذا إستمروا في شرورهم حتى في مسألة دفنه.

ولذلك قد قام باكرًا حتي لا يقولوا إن قيامته كاذبة ومضلة. لأن قيامته باكرًا لن تسمح لهم بأي شك بينما لو كان قد قام متأخرًا لكانت قيامته موضع شك.

لأنه لو لم يقم حين كان الحراس يحرسون القبر بل عندما رحلوا عن القبر بعد ثلاثة أيام، لكان لليهود شيئًا يتذرعوا به حتى لو كان أمرا غبيا. لأجل هذا قد سبقهم في قيامته لأنه كان يجب أن تحدث القيامة حين كان الحراس أمام القبر يحرسونه، وكان يجب أيضا أن تتم القيامة أثناء فترة الثلاثة أيام، لأنها لو حدثت . بعد مضي ثلاثة أيام . بعد ترك هؤلاء الحراس للقبر لأعتبر هذا الأمر موضع شك.لذلك سمح لهم أن يختموا القبر كما أرادوا وأن يحرسه الجنود.

ومن ناحية أخري فإنهم لم يكترثوا أن يفعلوا كل ذلك يوم السبت، وهذا ما يدل علي شيء واحد هو كيف أن الشر قد استحوذ عليهم الأمر الذي كان ودليلاً علي جهلهم الشديد وعلي خوفهم وارتعابهم لأن هؤلاء الذين قبضوا عليه وهو حي خافوا منه وهو ميت بالرغم من أنه كان إنسانًا عاديًا. ولكي يتعلموا أنه حين كان حيا احتمل بإراداته كل ما احتمله. ختموا القبر ووضعوا حجرا وحراسا عليه. لكنهم لم يستطيعوا أن يمسكوه. بكل هذا تحقق أمر واحد وهو أن يصير القبر معروفاً ومعلنا للجميع وبالتالي فإن قيامته أصبحت حقيقية. لأن الجنود حرسوه واليهود جلسوا بالقرب منهم.

“وبعد السبت، عند فجر أول الأسبوع، جاءت مريم المجدلية ومريم الأخرى لتنظرا القبر. وإذا زلزلة عظيمة حدثت لأن ملاك الرب نزل من السماء وجاء وتخرج الحجر عن الباب، وجلس عليه، وكان منظره كالبرق، ولباسه أبيض كالثلج” (مت ۱:۲۸-۳).

لقد نزل الملاك من السماء بعد القيامة. فلماذا أتي ورفع الحجر؟ لأجل النساء. اللاتي رأينه آنذاك فوق القبر. لكي يؤمنوا حين يروا القبر فارغا. إذا فهو كان قد قام لأجل هذا رفع الحجر. ولذلك حدث أيضا زلزال لكي يوقظ الحراس حتى يقوموا لأن النسوة أردن أن يضعن حنوطاً. لقد حدث ذلك أثناء فترة الليل وبالطبع البعض كانوا نائمين، ولماذا قال الملاك لهن “لا تخافا أنتما” (مت ٢٨ :٥)؟ أولا لكي ينزع عنهن الخوف ثم بعد ذلك ليتحدث معهن عن القيامة. وكلمة “أنتما” تنم عن إحترام عظيم وتظهر أن عقابًا عظيما ينتظر أولئك الذين ارتكبوا كل ما تجرأوا عليه أي قال لهن لا ينبغي عليكن أن تخافا بل ليخف الذين صلبوه.

حيث إنه حررهن من الخوف بالأقوال وبظهوره (لأن ظهوره كان مبهجا حيث حمل لهم خبرا مفرحًا)، وقال لهن أعلم أنكما تطلبان يسوع المصلوب” (مت ۲۸ :٥). ولم يخجل من أن يدعوه المصلوب لأنه كان رأس الخيرات. “لأنه قام” (مت٦:٢٨) من أين يتضح هذا؟ يقول الملاك كما قال” (مت (٦:٢٨). اي لو لم تصدقنني تذكرن أقوال ذاك.

ثم بعد ذلك يأتي لهن ببرهان آخر: “هلما أنظرا الموضع الذي كان الرب مضجعا فيه” (مت ٦:٢٨). لأجل هذا رفع الحجر حتى تأخذا برهانا من القبر الفارغ. “وإذهبا سريعًا قولا لتلاميذه إنه قد قام من الأموات. ها هو يسبقكم إلي الجليل”. لقد اعدهما لتعطيا رسالة مفرحه الأمر الذي جعلهما تؤمنان إيمانًا حسنًا. وحسنًا قال إلي الجليل مبعدا عنهما الأخطار والإنزعاجات حتى لا يعيق الخوف إيمانهما “فخرجتا سريعا من القبر بخوف وفرح عظيم” (مت (۸:۲۸). لماذا؟ لأنهما رأتا أمرًا عجيباً ورائعا، قبرا فارغا كان قد وضع فيه المسيح لأجل هذا أيضا قادهن الملاك لتنظرا القبر لكي تصبح كلتاهما شاهدتين لقبره وقيامته.

لقد أدركنا أن أحدًا لم يكن في إستطاعته أن يأخذه حيث إن جنودًا كثيرين كانوا يحرسون القبر. لأجل هذا فرحتا وتحيرتا ونالتا مكافأة لبقائهن فترة طويلة إذ أنهما كانتا أول من رأي وكرزتا ليس فقط بكل ما قيل لهن بل بما رأتا.

٣-وفيما هما منطلقتان لتخبرا تلاميذه إذا يسوع لاقاهما وقال سلام لكما. فتقدمنا وأمسكتا بقدميه. وحيث إنهن أسرعتا بفرح لاقاهما يسوع ونالتا برهانا بواسطة اللمس تأكيدا للقيامة. “وسجدتا له” (مت (۹:۲۸). ماذا قال لهن؟ قال: “لا تخافا” (مت ۱۰:۲۸). أي طرد خوفهن ممهدا الطريق للإيمان. إذهبا قولا لإخوتي أن يذهبوا إلي الجليل هناك يرونني (مت (۱۰:۲۸). لاحظ أنه بواسطتهما كرز للتلاميذ بالخبر المفرح الأمر الذي كثيرا ما أشار إليه مانحاً الكرامة والرجاء لجنس المرأة.التي كانت محتقره – عند اليهود . مخلصًا إياها من ذلك الإحتقار.

ربما يوجد بينكم من كان يريد أن يكون في مكانهما ويمسك قدمي يسوع؟ تستطيعون أيضا الآن أن تمسكوا ليس فقط قدميه ويديه بل أيضا رأسه المقدسة وتحتضنوها مشتركين في الأسرار الرهيبة بضمير طاهر. وليس فقط هنا، بل في ذلك اليوم سوف ترونه يأتي بمجد لا يوصف وبحشد الملائكة، ذلك إذا كنتم تحبون بعضكم بعضا. وسوف تسمعون ليس فقط هذه الأقوال مثل سلام لكما” بل أيضا : ” تَعَالَوْا يَا مُبَارَكِي أَبِي، رِثُوا الْمَلَكُوتَ الْمُعَدَّ لَكُمْ مُنْدُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ(مت ٢٥: ٣٤).

إذن كونوا محبين للبشر لكي تسمعوا هذه الأقوال وأنتن أيتها النساء المتزينات بالذهب واللواتي رأيتن مسيرة هاتين المرأتين فإذا طردتن – مرض شهوة الذهب . إذا كنتن معجبات بهاتين المرأتين عليكن أن تستبدلن الزينات التي تلبسونها بفضيلة الإحسان إخبرنني ما فائدة هذه الأحجار الثمينة والملابس الذهبية؟ إن النفس تزعم بأنها تفرح بهذه الأشياء وتسر بها.

لقد سألتك ما هو المكسب بينما أنت تذكري لي الضرر. لأنه لا يوجد ما هو أسوأ من أن تنشغلن بهذه الأمور وتفرحن بها. إذن هذه العبودية المخيفة تعتبر محزنة جدا، طالما يفرح أحد بينما هو لا يدري أنه صار عبدا. لأنه أي الأشياء الروحية سوف تهتم بها كما يجب ومتى تسخر كما يجب من الأشياء المادية، تلك المرأة التي تظن أنه من دواعي الفرح أن تكون مقيدة بالذهب؟ لأن التي تشعر بالفرح وهي سجينة. لن تنشد الخلاص قط. ونظرًا لأنها صارت أسيرة هذه الرغبة الشريرة لا تحتمل سماع الصوت الروحي خوفا من أن يغير إنشغالها فهي تحتاج إلي رغبة صادقة واستعداد لكي تسمع هذا الصوت الروحي.

إخبريني إذن ما فائدة هذه الحلي مع الجهل؟ هل السعادة؟ تقولين إنك تذكر لي الضرر والدمار. لعلك تقولين إني أنال كرامات كثيرة من أولئك الذين ينظرون إلي وأقول لك وماذا يعني هذا؟ لأن هذا هو سبب آخر للفساد. لأن زينتك تسبب الغيرة والحماقة، تعال إذا طالما أنت قد ذكرت الفائدة. إجعليني أروي لك الأضرار.

ما هي إذا . الأضرار التي تنتج عن كل هذا الاهتمام الزائد. لأجل هذا. كثيرون من أولئك الذين يرونك يسعدون أكثر منك أنت التي ترتدين هذه الحلي. لأنك تتمشين بحرص زائد أما هؤلاء فإن عيونهن تنجذب تلقائيا إلي هيئتك، ويوجد ضرر آخر وهو أن النفس تتدني ويوشي بها من الكل. فجيرانك يطعنون ويحرضون أزواجكن ضدكن مشعلين حروباً رهيبة. ومع كل هذا تبذرين كل وقتك وكل اهتمامك لأجل هذا الهدف ولا تعطين اهتماما كبيرا للأمور الروحية. إنك تمتلئين بالغيرة والحماقة والمجد الباطل تجاه الأرض وبدلاً من أن تتشبهين بالنسر، تتشبهين بالكلب والخنزير. لأنك توقفت عن النظر إلي السماء ومثل الخنازير تنظرين إلي أسفل إلى المشغولات المعدنية وأحزمة البطن وتجعلي نفسك دنيئة وعبدة.

أيضا هل أنت تودين أن تصبحي محتقرة أينما وجدت في السوق؟ لأجل هذا السبب تحديدا كان لا ينبغي أن تتحلي بالذهب حتى لا تصيري منظراً مشاعاً. وتفتحي أفواه الكثيرين من المنتقدين ولا أحد من الذين يعاشرونك سوف يُعجب بك بل سوف يسخرون منك كثرثارة وحسودة وكإمرأة شهوانية. وإذا ذهبت إلي الكنيسة سوف تخرجي بدون أن تنالي شيئا عدا تهكمات لا حصر لها ولعنات ليس فقط من أولئك الذين يرونك بل من أشعياء النبي لأنه حين يراك ذلك النبي ذي الصوت المدوي سوف يقول : “مِنْ أَجْلِ أَنَّ بَنَاتِ صَهْيَوْنَ يَتَشَامَخْنَ، وَيَمْشِينَ مَعْدُودَاتِ الأَعْنَاقِ، وَعَامِزَاتِ بِعُيُونِهِنَّ، وَخَاطِرَاتٍ فِي مَشْيهِنَّ، وَيُخَشْخَشنَ بِأَرْجُلِهِنَّ، يُصْلِعُ السَّيِّدُ هَامَةَ بَنَاتِ صِهْيَوْنَ، وَيُعَرِّي الرَّبُّ عَوْرَتَهُنَّ فَيَكُونُ عِوَضَ الطيب عُفُونَةٌ، وَعِوَضَ الْمِنْطَقَةِ حَبْلٌ، وَعِوَضَ الْجَدَائِلِ قَرْعَةٌ، وَعِوَضَ الدِّيبَاجِ زنار مِسْحٍ، وَعِوَضَ الْجَمَالِ كَي (أش ١٧:١٦:٣، ٢٤).

أن هذه العبارات لا توجه ضدكن فقط بسبب أنكن فضلتن حياة المتعة، بل أيضا ضد كل إمرأة تتشبه بكن. أيضا يقول بولس الرسول لتيموثاؤس ينبغى على النساء “أن يزين ذواتهن بلباس الحشمة مع ورع وتعقل لا بضفائر أو ذهب أو لآلئ أو ملابس كثيرة الثمن”(۱ تيمو ۲ : ۹). أن المظهر المقرون بالزينة الغالية الثمن دائما ما تكون له أضرار، خاصة في الكنيسة عندما تكونين بين الفقراء، لأنه لو رغبت في إدانة ذاتك لن تلجأي إلي هذا المظهر الذي ليس هو إلا قناعا لقساوتك وعدم إحساسك بالناس.

٤- فكري – إذن . كم من البطون الجائعة تعبرين عليها وأنت تتزينين بزينة غالية الثمن كم من الأجساد العارية تنظرين إليها وأنت بهذا المظهر الشيطاني. فكري كم من الأفضل أن تطعمي النفوس الجائعة عن أن تثقبي أذنيكي لتعلقي حلي تعادل أطعمة لآلاف الفقراء. أليس هذا الأمر غير معقول وعبثاً. هل الغني سبب للمديح؟ هل أن تلبسي الذهب قصيدة مديح لك؟ إن ما ترتدينه سيجلب لك الإدانة حتى إذا جاء بعد جهد وعمل كريم وبالتالي كم يكون هو مدانا بالأكثر حين يأتي من أعمال الظلم.

هل تحبين الكثير من المديح والمجد الباطل ؟! إخلعي – إذن . هذه الثياب المضحكة وعندئذ سوف يعجب بك الجميع عندئذ سوف تستمتعين بالمجد والسعادة الحقيقية.

” وفيما هما ذاهبتان إذا قوم من الخراس جاءوا إلى المدينة وأخبروا رؤساء الكهنة بكل ما كان. فاجتمعوا مع الشيوخ، وتشاوروا، وأعطوا العسكر فضة كثيرة قائلين: قولو ان تلاميذه أتوا ليلا وسرقوه ونحن نيام. وإذا سمع ذلك عند الوالي فنحن نستعطفه وتجعلكم مطمئنين” (مت٢٨: ١١-١٤).

١- لقد حدث ذلك الزلزال لأجل الحراس لكي يخيفهم وتأتي الشهادة من عندهم الأمر الذي حدث فعلاً. لأن خبر القيامة حين يأتي من الحراس فإنه لا يحمل أي شك. لأن حدوث المعجزات الأخري كان واضحا لكل المسكونة أما معجزة القيامة فلم تحدث إلا أمام الجنود الذين كانوا يحرسون القبر. إن الظلمة غطت كل المسكونة بينما صار ظهور الملاك والزلزال لقليلين فقط.

حسنا، عندما جاء الحراس إلي المدينة وأخبروا رؤساء الكهنة (عندما يكرز بالحق عن طريق الخصوم يكون واضحا وضوح الشمس). أعطوهم أيضا فضة كثيرة لكي يقولوا : “إن تلاميذه أتو ليلاً وسرقوه”. أيها الأغبياء، كيف سرقوه؟ أن حقيقة القيامة واضحة وظاهرة ولا يستطيعوا أن يخترعوها. ومن ناحية أخري لقد كان من المستحيل تبرير ذلك الكذب لأنه إخبرني كيف كان في إمكان التلاميذ سرقته التلاميذ الذين هم أناس فقراء وبسطاء ولم يجرأوا علي الظهورالعلني ؟

ألم يكن القبر مختوما ؟

ألم يكن الجنود واليهود يحرسون القبر؟

ألم يكن أولئك الحراس واليهود يتوقعون شيئًا من هذا، ولم يهتموا بهذا الأمر ولم يسهروا

ولماذا سرقوه؟

هل لكي يخترعوا حقيقة القيامة؟

وكيف كان في إمكانهم أن يرفعوا حجرا مثل هذا في أمان؟

كيف كان في إمكانهم أن يفلتوا من قبضة الحراس؟

لأنهم حتى لو إحتقروا الموت لما كان لهم أن يشرعوا في الإقدام علي هذا العمل بدون تبصر لأنه كان يوجد حراس كثيرون عند القبر. وكونهم كانوا خائفي فهذا ما رأيناه واضحاً أثناء القبض عليه حيث تفرقوا جميعًا.

فإذا كانوا لم يجرأوا آنذاك علي الوقوف عندما كان حيا بينهم كيف بعد موته لم تخفهم جموع الحراس والجنود؟

هل كان إقتحام باب القبر سهلا بالنسبة لهم

هل كان في إمكانهم البعد عن أنظار الحراس؟

ألم يكن هناك حجرًا كبيرًا موضوعًا علي باب القبر يحتاج لأكثر من يد الرفعه، لقد كان اليهود علي حق حين قالوا : “فتكون الضلالة الأخيرة أشر من الأولي” (مت٦٤:٢٧). لقد قالوا هذه الأقوال لكي يدينوا أنفسهم لأنه كان ينبغي عليهم بعد كل ما فعلوه تجاه المسيح أن يندموا ويتوبوا، إلا أنهم إستمروا في فعل الشرور أكثر من الأول، مخترعين خيالات مضحكة.

أيضا لاحظ أنهم يقعون في شر أعمالهم. لأنهم لو لم يأتوا إلي بيلاطس وإن لم يطلبوا حراساً ما كانوا إرتكبوا هذه السخافات. ولكن الآن لم يكن في إستطاعتهم بعد. لأنهم فعلوا كل شيء. هكذا ، حتى إنهم أرادوا أن يكموا أفواه هؤلاء الحراس، كيف لهؤلاء التلاميذ الذين لم يتمكنوا من السهر معه في جسيماني وناموا ونالوا لوم المسيح أن يتجرأوا علي فعل هذا الأمر ويسرقون

جسده؟

ولماذا لم يسرقوا الجسد قبل أن يذهب اليهود لبيلاطس لكي يأمر بحراسة القبر ؟

لأن الفرصة المناسبة لفعل هذا الأمر هي في الليلة الأولي حيث لا يوجد حراس للقبر ولا توجد خطورة عليهم، لأن اليهود قد أتوا وطلبوا من بيلاطس الحراسة. بينما في الليلة الأولي لم يكن أحد من اليهود أو الحراس موجودًا عند القبر.

٢. ما رأيهم بالنسبة للأكفان التي كانت ملتصقة بالأطياب؟ إن بطرس رأها موجودة في القبر. إذا أراد التلاميذ سرقة جسده لن يأخذوا الجسد عاريا، ليس فقط حتى لا يهينوا الجسد. بل أيضاً لأن نزع الأكفان يتطلب وقتا طويلاً بسبب التصاقها في الجسد بفعل لزوجة الأطياب (التي صُبت علي الأكفان)، وبذلك يعطون فرصة للحراس أن يستيقظوا ويقبضوا عليهم. نحن هنا نتحدث عن المر والأطياب وهي مواد شديدة الإلتصاق بالجسد الملفوف بالأكفان التي لم يكن من السهل إنتزاعها عن الجسد في وقت قصير، ولذلك وفي هذا السياق يكون الحديث عن سرقة الجسد أمر مستحيلاً.

لقد كان الحراس يدركون غضب اليهود علي الرؤساء والشيوخ والربح الذي سيحصلون عليه في حالة عدم قيامة المسيح. ومن جانبهم فإن الرؤساء والشيوخ كانوا يعرفون كل هذا، لذلك إخترعوا مسألة سرقة التلاميذ للجسد وأعطوا فضة للحراس قائلين لهم: ” قولوا أن تلاميذه أتوا ليلاً وسرقوه ونحن ينام، وإذا سمع ذلك عند الوالي فنحن نستعطفه ونجعلكم مطمئنين (مت ١٤.١٣:٢٨).

لقد أراد الرؤساء أن يشاع هذا الخبر وينتشر، لكنهم عبنا يقاومون الحق بكل مبرراتهم المزعومة بل جعلوا الحق واضحا وساطعا دون أن يريدوا. فإن إدعاء الحراس بأن تلاميذه سرقوه يعتبر تأكيدًا للقيامة بعد الإعتراف بأن الجسد لم يكن موجودا في القبر.

هكذا عندما إعترف هؤلاء بأن الجسد لم يكن في القبر، وأنهم كانوا موجودين عند القبر والحجر المختوم كان لا يزال موجود علي الباب. أضف إلي ذلك خوف التلاميذ، إن هذه العناصر تبرهن علي أن زعم السرقة يعد أمرا مزيفا ومستحيلاً، كما تثبت هذه العناصر أيضا أن برهان القيامة هو غير مشكوك فيه. أيضا فهؤلاء الرؤساء المستبحين (الذين لا يخجلون)يتخذون كل شيء حجة لهم، بالرغم من أن افعالهم وأقوالهم هذه كانت قادرة أن تسد أفواههم، لقد قالوا للحراس “قولوا إن تلاميذه أتوا ليلا وسرقوه ونحن نيام، وإذا سمع ذلك عند الوالي فنحن نستعطفه ونجعلكم مطمئنين”. هل رأيت، فإن الجميع فاسدون بيلاطس والجنود وجموع اليهود. أيضا لا تشك في أن الجنود إرتضوا أن ينفذوا ما قاله رؤساء اليهود بسبب الفضة؟ فهذه الفضة دفعت تلميذا من تلاميذ المسيح إلى الخيانة.فكم يكون تأثيرها بالحري علي هؤلاء الحراس.

فشاع هذا القول عند اليهود إلي هذا اليوم” (مت ٢٨: ١٥).

أرأيت أيضا مدي محبة التلاميذ للحق فإنهم لم يخجلوا من تسجيل هذا القول “وأما الأحد عشر تلميذا فإنطلقوا إلي الجليل إلي الجبل حيث أمرهم يسوع. ولما رأوة سجدوا له ولكن بعضهم شكوا” (مت ١٦:٢٨-١٧).

أعتقد أن هذا الظهور في الجليل كان الظهور الأخير حيث أرسلهم لكي يتلمذوا ويعمدوا وكون أن البعض قد شكوا فهذا يدل علي أن التلاميذ كانوا يقولون الحق ولم يخفوا عيوبهم حتى أواخر الأيام. إلا أنهم بظهوره قد أكدوا قيامته.

ماذا قال لهم عندما رآهم؟ “دفع إلي كل سلطان في السماء وعلي الأرض” (مت ۱۸:۲۸). أيضاً يتحدث إليهم بلغة بشرية بسيطة، لأنهم لم يكونوا قد نالوا الروح القدس بعد. وهو الذي كان في إستطاعته أن يجعل إدراكهم أسمي. ” فأذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس.وعلموهم أن يحفظوا جميع ما اوصيتكم به” (مت ۱۹:۲۸-۲۰) .

لقد أعلن لهم قيامته بالحقائق تاره وبالوصايا تاره أخري. في الوقت الذي لم يذكر فيه شيئًا من أعمال اليهود ولا مما حدث له ولا تأنيب بطرس علي إنكاره. ولا هروب أي أحد. أعلن لهم أن يعلموا المسكونة لكي يؤمنوا به ويُختم إيمانهم بالمعمودية.

“وبعدما أوصاهم, قال لهم: ها أنا معكم كل الأيام إلي إنقضاء الدهر” (مت ۲۰:۲۸).

لم يقل المسيح أنه سيكون فقط مع الرسل بل مع الجميع الذين سوف يؤمنون بعد الرسل، لأن الرسل لن يظلوا علي الأرض حتى نهاية العالم. كأنه يقول لهم لا تستصعبوا الأمور لأنني أنا معكم وأفعل لكم كل شيء بسهولة. وهذا الأمر كان يقوله دائما للأنبياء في العهد القديم ولإرميا الذي تذرع بأنه صغير بعد ولموسي وحزقيال الذين سمعوا منه قوله : “ها أنا معكم”. وهذا ما يقوله الآن للرسل. لكن إنتبه هنا للإختلاف فيما بينهما أنه كثيرًا ما يرسل الأنبياء إلى أمة وكثيرا ما كانوا يستعفون. بينما هؤلاء الرسل بالرغم من أنه أرسلهم لكل المسكونة، إلا أنهم لم يستعفوا إطلاقا ولم يرفضوا. ويُذكرهم بإنقضاء الدهر لكي يشعل فيهم الحماس بالأكثر ولا ينظروا فقط لإنشغالات العالم الحاضر بل للخيرات العتيدة والغير المحدودة لأن الأحزان والضيقات والآلام التي سوف يكابدوها سوف تبطل مع هذا العالم الحاضر عندما يصل هذا العالم إلي نهايته. والصالحات التي سوف

يستمتعون بها هي أبدية.

لقد أرسلهم بعدما مسحهم بهذه الطريقة وشدد علي كيفية تصرفاتهم وتدبيرهم وذكرهم بذلك اليوم الأخير. لأن ذلك اليوم هو محط أنظار وشوق أولئك الذين يحيون في الفضيلة. وعلي النقيض يعتبر يوماً رهيباً لأولئك الذين يحيون في الخطية. أما نحن فلا ينبغي أن نخاف ونرتعب بل علينا أن نقوم أنفسنا طالما هناك متسع من الوقت ونتخلص من الشرور لأنه في إستطاعتنا فعل هذا الأمر إذا أردنا. لأنه إن كان كثيرون تمكنوا من ذلك قبل أن تأتي النعمة، فكم بالأكثر يكون ذلك في إستطاعتنا بعد مجئ النعمة.

٣-ما هو الأمر الثقيل الذي أخبرنا أن نفعله؟

هل قال لنا شقوا الجبال؟

أن نطير في الهواء؟

أن نعبر البحار؟

لا بل علي النقيض أخبرنا عن حياة غاية من السهولة حتى أننا لا نحتاج لأدوات وأشياء كثيرة، بل فقط الرغبة والإستعداد الداخلي لأنه ما هي الأدوات التي كان يحملها الرسل الذين أنجزوا أموراً كثيرة؟

ألم يذهبوا برداء واحد وحفاه إلي العالم وصنعوا كل شيء؟

أي الوصايا صعبة؟

أن لا تكون عدوا لأحد. أن لا تسيء لأحد بقول شرير.

لكنه قال إلقي عنك المال. إذا هل هو عسير؟

وللدقة لم يأمر بل نصح. ولكنه ألم يوصنا بأن لا نحمل أثقالاً وأحمالاً وهموما؟

كم هي الثرثرة التي حولنا الكل صار لأجل الحصول علي المال جميع الأمور آلت إلي الفوضي. وعندما يطوب أحد شخصاً تنيح، يتذكر المال، وعندما يشفق أحد علي آخر يعمل حسابًا للمال، وكل المناقشات تصير من أجل المال وعندما يشرع أحد في عمل خدمة أو زواج أو أي عمل ما لا يبدأ عمله قبلما يتأكد من أن ذلك سيأتي بوفرة من المال.

ألم نجتمع لكي نفكر في كيف نبعد عنا هذا المرض (محبة المال)؟

ألم يحن الوقت لكي نثني علي إنجازات آباءنا ؟ الثلاثة آلاف والخمسة آلاف الذين كان كل شيء بينهم مشتركا ؟

ما فائدة العالم الحاضر إذا كنا لا نستخدمه لهدفنا الأخروي؟

متى ستتركون المال الذي إستعبدكم؟

حتى متى ستكونوا عبيدا له؟

حتى متى لا تشتاقون إلي الحرية ولا تكسروا قيد محبة المال؟

المرجع : كتاب عظات آبائية علي قيامة المسيح للقديس يوحنا ذهبي الفم

المقال  :قام والقبر مغلق (ص١١٣-١٢٦)

العظة الرابعة عشر كتاب عظات آبائية علي قيامة المسيح (قيامة المسيح للقديس كيرلس الاورشليمي )(ص١٩٥-٢٠٧)

كان يوجد بستان حيث صلب:

هل تريد أن تعلم المكان؟ حسنًا يقول في نشيد الأنشاد : ” نزلت إلى جنة الجوز” (نش ٦ :١١). كان يوجد أيضًا بستان هناك حيث صُلب، وهو يُزين الآن بالهبات الملكية، إلا أنه قديما كان بستانا ومازال إلى اليوم يوجد آثار لهذا البستان. “جنة مغلقة عين مقفلة ينبوع مختوم” (نش ١٢:٤). إذ قال اليهود ” قد تذكرنا أن ذلك المضل قال وهو حي إني بعد ثلاثة أيام أقوم فمر بضبط القبر إلى اليوم الثالث ” (مت ٦٤.٦٣:٢٧) وبعد ذلك مكتوب: “فمضوا وضبطوا القبر بالحراس وختموا الحجر” (مت ٦٦:٢٧). وكتب عنه نبي قائلاً : ” وتتعهده كل صباح وكل لحظة تمتحنه”(أيوب ٧: ١٨).

ما هو النبع المختوم، أو من الذي وصف بأنه نبع ماء حي؟ (انظر نش١٥:٤). هذا هو المخلص الذي كتب عنه : “لأن عندك ينبوع الحياة، بنورك نرى نورا ” (مز ٩:٣٦).

– كرمتهم قد أقتلعت:

لكن ماذا يقول صفنيا إلى التلاميذ من جانب المسيح؟ بكروا وأفسدوا جميع أعمالهم ” ( صفنيا٣ :٧) ، أي اليهود الذين لم يبقى لهم الثمار فقط بل ولا حتى عناقيد خلاص لأن كرمتهم قد أُقتلعت من الجذور. انظر أيضًا كيف يتحدث إلى التلاميذ

“بكروا”. إنتظر في الصباح الباكر القيامة. ويستمر في نفس النص قائلاً: “فأنتظروني يقول الرب إلى يوم أقوم ” ( صفنيا (٨:٣) أي حتى ترون وتشهدوا. وهنا يتنبأ النبي عن مكان القيامة ويدعوها شهادة لأي سبب لا تُدعى الجلجثة وموضع ربما لأجل أن النبي قال القيامة كنيسة مثل الكنائس الأخرى بل تُدعى شهادة “فإنتظروا يقول الرب إلى يوم أقوم حتى تكون شهادة ” (صفنيا ٨:٣).

-ليدعوا الجميع بإسم الرب

ما هو هذا الموضع؟ وما علامة قيامته؟ يقول النبي في نفس السياق: “لأني حينئذ أحول الشعوب إلى شفة نقية ” ( صفنيا ۳ :۹) ، لأنه بعد القيامة، بإرسال الروح القدس، منح موهبة الألسنة (انظر أع٤:٢) ، “ليدعوا كلهم بإسم الرب ليعبدوه بكتف واحدة ” (صفنيا ٣: ٩). وما هي العلامة الأخرى التي وردت في هذه النبوة لتعلن أنهم سوف يعبدون الرب بكتف واحدة؟ من عبر أنهار كوش المتضرعون إلى، متبددي تقدمون تقدمتي” (صفنيا ١٠:٣). أنت تعرف ما كتب في سفر أعمال الرسل، بأن خصيا حبشيا قد جاء من أقاصي بلاد الحبشة (انظر أع ۲۷:۸). إذن طالما أن الكتب المقدسة تذكر لنا ساعة القيامة وخصوصية مكانها، وعلامات ما بعد القيامة ليكن لديك اليقين والثقة في القيامة حتى لا يزعزك أحد عن الإعتراف بأن المسيح قام من بين الأموات.

-بالنهار والليل صرخت أمامك:

خذ أيضا شهادة أخرى من المزمور الثامن والثمانين حيث يقول المسيح بفم الأنبياء لأن الذي تكلم في الأنبياء جاء فيما بعد على الأرض)، ” يا رب إله خلاصي بالنهار والليل صرخت أمامك ” (مز ۱:۸۸) ، وبعد ذلك يقول : ” حسبت مثل المنحدرين إلى الجب. صرت كرجل لا قوة له ” (مز ٤:٨٨). لم يقل “صرت رجل لا قوة له” بل “صرت كرجل لا قوة له”، لأنه صُلب ليس عن ضعف بل بإرادته. ” حسبت مثل المنحدرين إلى الجُب” (مز ٤:٨٨). وما هي العلامة التي تظهر أن كل هذا يشير إليه؟ “أبعدت عني معارف ” (مز ٨٨: ٨) (لأن تلاميذه ابتعدوا عنه). “أفلعلك للأموات تصنع عجائب (مز ٨٨: ١٠) ثم بعد ذلك، يقول: ” أما أنا فإليك يا رب صرخت وفي الغداة صلاتي تتقدمك ” (مز (٨٨: ١٣)، أرأيت كيف أن الأنبياء يُظهرون لنا بدقة ساعة الآلام والقيامة؟

-في محاجئ الصخر :

ومن أين قام المخلص؟ يقول في نشيد الأنشاد : ” قومي يا حبيبتي يا جميلتي وتعالي” (نش ١٣:٢). وبعد ذلك يقول: “في محاجئ الصخر ” (نش ١٤:٢). “محاجئ الصخر” أي كهف الصخرة الذي كان قبل أن يصبح باب القبر الخلاصي، الذي كان مصنوعاً من نفس الصخرة كما هي العادة أن يفعلوا أمام القبور. وهذا لا يظهر الآن فقد أزيل هذا الكهف لإقامة هذا المبنى الحالي لأنه قبل بناء المبنى بفضل الملك، كانت المغارة أمام الصخرة، وكان لابد من هدمها. ولكن أين الصخرة التي كان عندها الكهف؟ ربما توجد في وسط المدينة أم في الأسوار القديمة أم داخل الأسوار التي بنيت فيما بعد؟ يقول في سفر نشيد الأنشاد : ” في محاجئ الصخر في ستر المعاقل” (نش ١٤:٢).

– في أي فصل قام المسيح؟

في أي فصل من السنة قام المخلص، هل كان في الصيف أم في فصل آخر ؟ يقول في سفر نشيد الأنشاد : ” لأن الشتاء قد مضي والمطر مر وزال الزهور ظهرت في الأرض. بلغ أوان القضب (نش ۱۱:۲-۱۲).

أليست الأرض الآن مليئة بالزهور ويقضبون الكروم أرأيت إذن كيف أنه يقول بوضوح إن الشتاء مضى؟ لأننا نحن بالفعل في شهر أبريل، إنه الربيع هذا الفصل يوافق الشهر الأول عند اليهود الذي يحتفلون فيه بعيد الفصح، الذي كان قديما عيدا رمزيًا ، بينما الآن هو الفصح الحقيقي. هذا هو الفصل الذي خلق فيه العالم. لأنه وقتذاك قال الله : ” لتنبت الأرض عُشبًا وبقلا يبزر بزرا كجنة وشجرا ذا ثمر يعمل ثمرا كجنة بزرة فيه على الأرض” (تك ١١:١).

والآن، كما ترى كل نبات ينبت بزورًا. ومثلما وقتذاك خلق الله الشمس والقمر وحدد هكذا دورانها حيث إنه في فترة محددة يتساوى فيها الليل والنهار، فقبل أيام قليلة كان لدينا الاعتدال الربيعي. قال الله عندما خلق الإنسان: ” نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا ” (تك ٢٦:١).

أخذ الإنسان نعمة الخلق على صورة الله ولكنه شوه نعمة الخلق “على مثال الله بعصيانه. إذن في الوقت الذي فيه فقد الإنسان نعمة الخلق على مثال الله”، في نفس الوقت صار إصلاح هذا الأمر. أي في نفس الوقت الذي فيه طرد الإنسان الأول بعصيانه من الفردوس، في نفس الوقت أيضًا الذي آمن بطاعته ودخل إلى الفردوس. في نفس الوقت الذي سقط فيه الإنسان، في نفس الوقت أيضًا خلص. عندئذ ظهرت الورود وكان زمن قضب الكروم.

-أنا هو الكرمة:

كان مكان الدفن في بستان غُرست فيه كرمة. لقد قال:” أنا هو الكرمة” (يو١:١٥). إذن هو غُرس في الأرض لكي ينزع اللعنة التي جلبها آدم. لقد عوقبت الأرض بأن تنبت شوكا وحسكًا (انظر تك١٨:٣). إذن نبتت الكرمة الحقيقية من الأرض، لكي يتمم ما قيل ” الحق من الأرض ينبت والبر من السماء يطلع” (مز١١:٨٥)، وماذا قال ذاك الذي دفن في بستان؟ ” قطفت مري مع طيبي” (نش١:٥). وفي موضع آخر، يقول: “مُر وعود مع كل أنفس الأطياب” (نش١٤:٤). كل رموز التكفين هذه وردت أيضًا في الأناجيل : ” ثم في أول الأسبوع أول الفجر أتين إلى القبر حاملات الحنوط” (لو١:٢٤) ، ونيقوديموس : ” أتى أولاً إلى يسوع ليلاً وهو حامل مزيج مُر وعُود” (يو ۲۹:۱۹). وبعد ذلك مكتوب: “أكلت شهدي مع عسلي” (نش ١:٥). المر أكله قبل الموت والحلو بعد القيامة. ثم بعد القيامة، دخل والأبواب مغلقة (انظر ١٩:٢٠-٢٦)، لكن التلاميذ شكوا أنه هو ، ظانين أنه خيال (انظر لو ٣٧:٢٤). لكن الرب قال لهم: “جسوني وأنظروا ” (لو ٣٩:٢٤) . ضعوا أصابعكم في أثر المسامير كما ب ذلك توما. وبينما هؤلاء غير مصدقين من الفرح ، قال لهم: ” أعندكم هنا طعام، فناولوه جزءًا من سمك مشوي وشيئا من شهد عسل. فأخذ وأكل قدامهم ” لو٢٤: ٤١-٤٣). أرأيت كيف تمم المكتوب: “أكلت شهدي مع عسلي”؟ (نش ١:٥).

– لماذا تطلبن الحي بين الأموات:

لكن قبل أن يدخل والأبواب مغلقة (انظر يو٢٠: ١٩، ٢٦)، بحثت عنه النساء الصالحات. لقد ذهبن الطوباويات إلى القبر (انظر مت ١:۲۸) يطلبن القائم وكانت دموعهن مازالت تسيل من عيونهن بينما كان ينبغي لهن أن يبتهجن ويفرحن من أجل الذي قام. ذهبت مريم طالبة إياه، ولم تجده لكن بعد ذلك سمعت من الملائكة وبعدها رأت المسيح. هل هذه الأمور مكتوبة ؟ حسنًا يقول في نشيد الأنشاد على فراشي طلبت من تحبه نفسي” (نش ١:٣). وفي أي ساعة؟ ” في الليل على فراشي طلبت من تحبه نفسي” (نش٣: ١)

مكتوب أنه : “في أول الأسبوع جاءت مريم المجدلية إلى القبر باكرا والظلام باق” (يو ١:٢٠). “في الليل على فراشي طلبت من تُحبه نفسي طلبته فما وجدته ” (نش ١:٣). وتقول مريم في الإنجيل: ” إنهم أخذوا سيدي ولست أعلم أين وضعوه” (يو ١٣:٢٠). لكن الملائكة آنذاك كانوا حاضرين وعالجوا جهلها. لأنهم قالوا : ” لماذا تطلبن الحي بين الأموات ” (لو ٥:٢٤) ، لم يَقُم هو فقط بل قام وأقام معه أموات آخرين. لكن هي جهلت هذا الأمر، لأجل هذا نشيد الأنشاد يشير إليها إذ يقول: “أرأيتم من تحبه نفسي. فما جاوزتهم إلا قليلاً حتى وجدت من تحبه نفسي فأمسكته ولم أرخه ” (نش ٤.٣:٣).

– اهتفوا لأن الرب قام:

بعد رؤية الملائكة حضر يسوع بمفرده، كما يقول الإنجيل: وفيما هما منطلقتان لتُخبرا تلاميذه إذ يسوع لاقاهما وقال سلام لكما. فتقدما وأمسكتا بقدميه” (مت (۹:۲۸) ، وأمسكتا بقدميه لكي يتم ما قيل في نشيد الأنشاد :

“فأمسكته ولم أرخه”.جسد المرأة بالطبع كان ضعيفا أما تصرفها فكان باسلاً: “مياه كثيرة لا تستطيع أن تُطفئ المحبة والسيول لا تغمرها ” (نش۷:۸). وبالرغم من أن من تبحث عنه هو ميت، إلا أن رجاء القيامة لم ينطفئ والملاك يقول لهما أيضا : “لا تخافا أنتما ” (مت ٥:۲۸). لا أقول للجنود لا تخافوا بل لكما أنتما. دع أولئك يخافون حتى يتعلموا أيضا أن يشهدوا ويقولوا : “حقا كان هذا إبن الله ” (مت ٥٤:٢٧)، لكن أنتما لا يجب أن تخافا ، لأن المحبة الكاملة تطرد الخوف خارجا ” ( ١ يو ١٨:٤). وأذهبا سريعًا قولا لتلاميذه إنه قد قام” (مت (۲۷:۲۸). وخرجتا سريعا من القبر بخوف وفرح عظيم” (مت ۲۸:۲۸)، هل هذا الأمر مكتوب أيضًا؟ نعم، يقول المزمور الثاني الذي يخبرنا عن آلام المسيح: “أعبدوا الرب بخوف واهتفوا برعدة” (مز ١١:٢). “إهتفوا” لأن الرب قام و “برعدة من أجل الزلزال الذي صار ومن أجل الملاك الذي ظهر كالبرق.

– رؤساء الكهنة وتزييف حدث القيامة:

بالرغم من أن رؤساء الكهنة والفريسيين وبيلاطس قد ختموا القبر، إلا أن النسوة رأين القائم. وإشعياء وهو عارف تفاهة رؤساء الكهنة وثبات إيمان النسوة، يقول: “حينما تيبس أغصانها تنكسر فتأتي نساء وتوقدها . لأنه ليس شعبا ذا فهم” (إش ۱۱:۲۷). رؤساء الكهنة لم يفهموا لكن النسوة رأين بأعينهن الرب. وحين ذهب الجنود إلى المدينة وأخبروهم بكل ما حدث ، قالوا لهم : “قولوا إن تلاميذه أتوا ليلا وسرقوه ونحن نيام” (مت ۱۳:۲۸).

وحسنا قد سبق وقال إشعياء عنهم ” حيدوا عن الطريق ميلوا عن السبيل أعزلوا من أمامنا قدوس إسرائيل” (إش ۱۱:۳۰). قام المسيح لكن رؤساء الكهنة بالرشوة أقنعوا الجنود. لكن لم يقنعوا الملوك الحاليين آنذاك بالطبع خان الجنود الحق بسبب الرشوة ، بينما الملوك الحاليين عن وقار وتقوى زينوا بالفضة والذهب كنيسة قيامة الإله المخلص المقدسة، الكنيسة التي نحن مجتمعون فيها والمزينة بالجواهر الفضية والذهبية والأحجار الثمينة.

” وإذا سمع ذلك عند الوالي فنحن نستعطفه ونجعلكم مطمئنين” (مت ١٤:٢٨). فإن كنتم قد إستطعتم أيها الرؤساء أن تقنعوهم، إلا أنكم لن تستطيعوا أن تقنعوا المسكونة. فلماذا، عندما خرج بطرس من السجن، أدين الحراس، بينما حراس قبر يسوع المسيح لم يدانوا بنفس الطريقة؟ أولئك (حراس سجن بطرس) عوقبوا لأنهم عن جهل لم يجدوا طريقة للدفاع عن أنفسهم. أما هؤلاء (حراس يسوع) الذين رأوا الحق وأخفوه بسبب النقود التي أخذوها أفلتوا من العقاب بفضل رؤساء الكهنة. لكن قليلين من اليهود صدقوا آنذاك ما قاله الحراس، لكن العالم آمن بخبر القيامة. أولئك الذين أخفوا الحق لم يذكرهم أحد، بينما هؤلاء الذين قبلوا الحق عاشوا بقوة المخلص الذي لم يقم فقط من الأموات بل أقام معه أمواتا آخرين كما يقول هوشع النبي يحيينا بعد يومين في اليوم الثالث يقيمنا فنحيا أمامه(هو ٢:٦).

– الكتب المقدسة خير شاهد لقيامة الرب:

لكن لأن الكتب المقدسة لا تقنع اليهود المعارضين الذين، نسوا كل ما هو مكتوب، ويعارضون قيامة يسوع، فمن الحسن أن نقول لهم لأي سبب تعارضون قيامة مخلصنا بينما تقولون إن إيليا وإليشع أقاما الأموات؟ ليس لدينا الآن شهود أحياء لما فعله إيليا وإليشع. ونحن عندما نقول لكم إحضروا لنا شهود أحياء للأحداث التي صارت آنذاك ستقولون بالطبع إن هذه الأحداث مكتوبة. وأنا بدوري أقول وأيضا الأحداث التي نؤمن بها هي مكتوبة. لماذا . إذن – تقبلون الواحدة وترفضون الأخرى؟ الذين كتبوا تلك الأحداث القديمة هم اليهود، وأيضا الرسل كانوا من اليهود. لماذا لا تصدقون أُناساً منكم؟ متى الذي كتب الإنجيل كتبه باللغة العبرية، وبولس، كارز الأمم، كان عبرانيًا من العبرانيين (انظر فيلبي ٥:٣). وأيضا الأثنى عشر رسولاً كانوا من أصل يهودي. ثم بعد ذلك تعاقب خمسة عشر أسقفاً لأورشليم كانوا من اليهود. إذن لأي سبب تقبلون كتبكم بينما ترفضون كتبنا، بالرغم من أنها مكتوبة بواسطة عبرانيين منكم؟

قد يقول أحد ، من المستحيل أن يُقام الأموات. إلا أن إليشع أقام موتى مرتين عندما كان حيًا وعندما كان ميتًا. مع أننا نؤمن أنه بينما كان إليشع ميتا، وضعوا عليه ميت فقام، هل المسيح لم يستطع أن يقوم من الأموات؟ لكن في حالة إليشع ، مجرد أن الميت لمسه قام، وذاك الذي أقامه ظل أيضا ميتا كما كان من قبل. بينما هنا أيضًا قام المسيح ومعه قام كثيرون آخرون بدون أن يلمسوه. لأنه مكتوب “والقبور تفتحت وقام كثير من أجساد القديسين الراقدين. وخرجوا من القبور بعد قيامته ودخلوا المدينة المقدسة وظهروا لكثيرين” (مت ٥٣.٥٢:٢٧).

أقام إليشع ميتًا لكنه لم يصر رب المسكونة. وأقام إيليا ميتًا ، لكن لم تطرد الشياطين باسم إيليا. نحن لا نسئ إلى الأنبياء بل نحن نمجد بالأكثر رب الأنبياء. ولا أيضا نرفض المعجزات التي فعلها الأنبياء، بل نظهر ما يحصنا بتقوى، لأن معجزات الأنبياء تخصنا أيضاً ، ونحن نؤكد ما يخصنا عن طريق معجزاتهم.

-هرول الموت مسرعا :

ارتعب الموت وهو يري إنسانًا جديدًا نازلاً إلى الجحيم بدون أن يكون مقيداً بالقيود الموجودة هناك. لأي سبب ترتعبون يا حراس الهاوية حين رأيتموه؟ أي خوف غريب قد إستحوذ عليكم؟ لقد هرول الموت مسرعًا وهروبه هذا يدل على جبنه. أسرع إلى جواره الأنبياء القديسون موسى المشرع وإبراهيم وإسحق ويعقوب وداود وصموئيل وإشعياء ويوحنا المعمدان الذي قال : ” أنت هو الآتي أم ننتظر آخر”(مت ۳:۱۱).

فدى كل الأبرار الذين إبتلعهم الموت، لأنه كان ينبغي لذاك الذي كرز بأنه ملك يصير محرراً للذين كرزوا به. هكذا كل واحد من الأبرار قال: ” أين شوكتك يا موت. أين غلبتك يا هاوية ” ( ١ كو٥٥:١٥ ) . إفتدانا إذن الذي انتصر.

– يونان هو مثال للمسيح الذي نزل إلى الجحيم:

إن يونان النبي هو مثال لمخلصنا ، عندما صلى في بطن الحوت وقال: ” دعوت من ضيقي الرب” (يونان (۲:۲) ثم قال بعد ذلك: صرخت من جوف الهاوية” (يونان ٢:٢) ، لكن، بالرغم من أنه كان موجودًا داخل الحوت، قال إنه في الهاوية. لأنه كان مثالا للمسيح، الذي نزل إلى الهاوية. وبعد ذلك بقليل، يقول: ” نزلت إلى أسافل الجبال” (يونان ٢ :٦). لكنه هو موجود في بطن الحوت. إذن أي جبال نزلت إليها ؟ يجيب قائلا أنا أعرف أنني مثال لذاك الذي سوف يُوضع في قبر منحوت في الصخر. وبينما كان يونان في البحر ، يقول : ” نزلت إلى أسافل الجبال مغاليق الأرض علي (يونان ٦:٢) ، وذلك لأنه بمثابة مثال للمسيح ” هكذا يكون إبن الإنسان في قلب الأرض” (مت ٤٠:١٢). وتنبأ مسبقا عن اليهود الذين أقنعوا الجنود ليقولوا أكاذيب قائلين لهم: “قولوا إن تلاميذه أتو ليلاً وسرقوه” (مت (۲۸ : ۱۳)، قائلاً : ” الذين يراعون أباطيل كاذبة يتركون نعمتهم (يونان ۸:۲). لأن المخلص جاء يعطف عليهم ويُصلب ويقوم معطيا دمه الثمين لليهود والأمم، أما أولئك فيقولون: “قولوا إن تلاميذه أتو ليلاً وسرقوه مظهرين هكذا أنهم متمسكون بالأباطيل والكذب.

– إستند على صخرة الإيمان:

إذن ليتنا نتمسك بالإيمان، إذ لدينا هذه النبؤات دع هؤلاء يسقطون من جراء عصيانهم طالما يريدون ذلك. أما أنت فإستند على صخرة الإيمان في كل ما يخص القيامة. ولا تدع أي هرطوقي يؤثر عليك لكي تجدف على القيامة. لأنه حتى اليوم يقول المانيون إن قيامة الرب كانت خيالية وظاهرية وليست حقيقية متجاهلين الرسول بولس الذي قال : ” الذي صار من نسل داود من جهة الجسد” (رو٢:١)، ثم بعد ذلك، يقول: “وتعين ابن الله بقوة من جهة روح القداسة بالقيامة من الأموات ” (رو٤:١). ويتوجه إليهم في موضع آخر ويقول: “لا تقل في قلبك من يصعد إلى السماء أي ليحدر المسيح. أو من يهبط إلى الهاوية أي ليُصعد المسيح من الأموات” (رو ٧.٦:١٠). ويحمينا نحن من الهراطقة بقوله: “أذكر يسوع المسيح المقام من الأموات من نسل داود بحسب إنجيلي (٢ تيمو ٨:٢). وأيضاً: وإن لم يكن المسيح قد قام فباطلة كرازتنا وباطل أيضا إيمانكم ونوجد نحن أيضا شهود زور الله ” ( ١ كو ١٥.١٤:١٥). وأيضا قال بعد ذلك ولكن الآن قد قام المسيح من الأموات وصار باكورة الراقدين. وأنه ظهر لصفا ثم للإثنى عشر (١ كو ۲۰:١٥ ، ٥). هكذا، إن كنت لا تؤمن بشهادة واحد ، لديك إثنى عشر شاهدًا. وأيضا وبعد ذلك ظهر دفعة واحدة لأكثر من خمسمائة أخ” ( ١ كو٦:١٥).

إذن فإن كانوا لا يصدقون الأثنى عشر، ليتهم يقبلون شهادة الخمسمائة. وبعد ذلك ظهر ليعقوب” (1 كو ٧:١٥) ، أخ الرب وأول أسقف لهذه البيعة. أنت تلميذ مثل هذا الأسقف الذي رأي المسيح القائم بعينيه، فلا تكون غير مؤمن. بل قل إن يعقوب المنعم عليه قد شهد لأخيه. ويقول بولس: ” وآخر الكل كأنه للسقط ظهر لي أنا “

(اكو١٥: ٨) بولس عدوه. هل تأتي شهادة من عدو وتكون موضع شك؟! “أنا الذي كنت من قبل مضطهدًا ” ( ١ تيموا : ١٣) أبشر الآن بالقيامة.

– كثيرون هم شهود قيامة الرب: 

شهود قيامة المخلص كثيرون الليل وضوء القمر الكامل لأنه كانت الليلة الرابعة عشر صخرة القبر التي قبلته والحجر سوف يُعارض اليهود، لأن هذا الحجر الذي دحرج آنذاك أمام القبر يشهد للقيامة لأنه موجود حتى اليوم. وملائكة الله

الذين كانوا حاضرين شهدوا أيضاً لقيامة وحيد الجنس. بطرس ويوحنا وتوما وأيضا الرسل جميعهم والآخرون الذين أسرعوا إلى القبر ورأوا أكفان القبر التي كان ملفوفا بها ، والتي كانت موجودة هناك، والبعض الذين لمسوا يديه ورجليه (انظر لو ٣٩:٢٤) ورأوا آثار المسامير (انظر يو ٢٠ : ٢٥) وجميع الذين نالوا النفخة الخلاصية واستحقوا موهبة غفران الخطايا بقوة الروح القدس. والمرأتان اللتان أمسكتا بقدميه (مت (۹:۲۸) ، وعايشتا الزلزال العظيم ورأتا هناك بهاء الملائكة ولمعانهم، والأكفان التي كفن بها (انظر لو ١٢:٢٤) والتي تركها هناك حين قام الجنود والنقود التي أعطوها لهم، والمكان الذي مازال ظاهرا للعيان إلى الآن، والكنيسة المقدسة التي بنيت بواسطة محب المسيح الملك قسطنطين والتي كما ترونها مزينة بمجد فائق.

– إسم المسيح يقيم الأموات:

أيضاً طابيثا تشهد القيامة يسوع فهي التي قامت من الأموات بإسم المسيح (راجع اع٩: ٤٠). لأنه كيف يمكن أن يُشك في قيامة المسيح في حين أن إسمه هو الاسم الوحيد الذي أقام ويقيم الأموات والبحر أيضًا يشهد لقيامة يسوع، كما سمعت من قبل السمك أيضًا يشهد، وكذلك الجمر الذي كان مشتعلا. ويشهد بطرس أيضا الذي أنكره قبلاً ثلاث مرات، لكن بعد ذلك إعترف ثلاث مرات بمحبته للمسيح، وأوصاه المسيح بأن يرعى الخراف الروحية (انظر يو ١٦:٢١). وجبل الزيتون باق إلى اليوم وهو الذي يُظهر لأعين المؤمنين حتى اليوم طريق الصعود السماوي. لأنه معروف بأنه نزل من السماء إلى بيت لحم، ومن جبل الزيتون صعد إلى السموات. من بيت لحم بالطبع بدأ جهاده من أجل البشر، بينما هنا كلل لأجل جهاده. إذن لديك شهود كثيرين لديك مكان القيامة هذا ، وأيضا لديك مكان الصعود الذي يُوجد شرقنا لديك شهود ، الملائكة الذين شهدوا هناك والسحابة التي صعد وهو فوقها. أيضًا لديك التلاميذ الذين نزلوا من الجبل بعد الصعود.

المرجع : كتاب عظات آبائية علي قيامة المسيح 

المقال. :قيامة المسيح للقديس كيرلس الاورشليمي (ص١٩٥-٢٠٧)

العظة الرابعة عشر كتاب عظات آبائية علي قيامة المسيح (قيامة المسيح وإشراق النور الإلهي للقديس غريغوريوس النيسي )(ص١٣٤-١٤١)

 

قيامة المسيح وإشراق النور الإلهي

الحياة الجديدة

“مبارك الرب إله إسرائيل لأنه إفتقد وصنع فداء لشعبة” هكذا أنشد وتنبأ زكريا الكاهن . فلنمتدح اليوم، وحيد الجنس، خالق السموات والأرض، هذا الذي نزل إلى أعماق الأرض الخفية، وأنار كل المسكونة بواسطة أشعة نوره الذاتي. لنتذكر اليوم، موت وحيد الجنس، وقيامته الظافرة، وفرح العالم، وحياة الشعوب. لنتذكر اليوم ذاك الذي حمل خطايانا”، مع أنه بلا خطية. لنتذكر اليوم كلمة الله الذي جهل حكمة هذا العالم” ، الذي أكد وحقق بشارة الأنبياء، الذي جمع ووحد جماعة الرسل، وجعل دعوة الكنيسة تنتشر في كل مكان، ومنح نعمة الروح القدس لكل المؤمنين بإسمه، لأننا نحن الذين كنا غرباء عن معرفة الله ، صرنا الآن قريبين بدم المسيح، وتم ما سبق وكتب ” تَذكُرُ وتَرجِعُ إلى الرب كل أقاصي الأرض. تسجد قدامك كل قبائل الأمم”.

ماذا سيتذكرون؟ سيتذكرون السقوط القديم والحياة الجديدة، مخالفة الوصية الأولى، والتصحيح والإصلاح الذي آتي فيما بعد، موت حواء، وميلاد العذراء، وعودة الشعوب، وغفران الخطايا ، سيتذكرون البشارة التي سبق الأنبياء وكرزوا بها، وكرازة الرسل والميلاد الجديد الذي حدث في بركة بيت حسدا ” ، والعودة إلى الفردوس، والرجوع إلى السموات، سيتذكرون الرب الخالق الذي قام من بين الأموات. وذاك الذي قبل كل ما لم يكن لائقا به، حول – بعظمته الإلهية – الفناء إلى خلود وما هو الذي قبله ، ولم يكن مناسبا أو لائقا به؟ هو ما سبق وقاله إشعياء النبي ” لا جمال فتنظر إليه ولا منظر فتشتهيه. محتقر ومخذول من الناس”. ومتى كان محتقرا ؟ عندما خالط اليهود الأشرار، الذين نعتوه بإنه سامري، وبه شيطان، وعندما قرر يهوذا الاسخريوطي وأبناء الظلمة أن يمسكوا بمن لا تسعه المسكونة كلها، وذلك لكي يحاكموه ويقتلوه. ألم يقل يوحنا المعمدان لهؤلاء ” يا أولاد الأفاعي من أراكم أن تهربوا من الغضب الآتي. لأنه بالحقيقة سيمكث عليهم غضب الله.

إهانة الحمل الوديع:

ثم يستطرد قائلاً : متى كان محتقرا ؟ عندما واجهوا غصن الرحمة والرأفة، باللكمات وطلبوا منه أن يتنبأ لهم، بل وكانوا يطالبونه بقسم، وهو ديان القسم. متى كان محتقرا ؟ عندما حاكموا الديان العادل، وحكموا عليه وهو ديان الجميع. كان محتقرا عندما كان العبد يسأل والسيد يُجيب، عندما تراجع النور، وساد الظلام، وعندما أظهر المخلوق وقاحه، وأظهر الخالق صبرا واحتمالاً.

متى كان محتقرا ؟ عندما كانت الثيران تضرب بقرونها، والحمل يقف ثابتا ، عندما فقرت الأسود أفواهها، وأحاطت به الثيران الكثيرة، كما هو مكتوب أحاطت بي ثيران كثيرة. أقوياء بشان إكتتفتني فغروا على أفواههم كأسد مفترس مزمجر .

متى كان محتقرا ؟ عندما أهانه الكلاب، وأظهر السيد إحتمالاً، عندما خرجت الذئاب لتخطف، وكان الحمل حاضرًا هناك. عندما إستقبل اللص دعوة الحياة، بينما حياة العالم يُجرّ إلى الموت، عندما صرخوا بأصواتهم العبثية ” اصلبه. دمه علينا وعلى أولادنا ، هؤلاء هم قتلة الرب، وقتلة الأنبياء، المبغضين لله الذين أهانوا الناموس، محاربي النعمة أعداء إيمان الآباء، ومحامي الشيطان، وأولاد الأفاعي، الواشين، الذين إستسلموا للأفكار الشريرة، وسادت الظلمة على أذهانهم. خمير الفريسيين”، مجمع الشياطين الحمقى، الأشرار، الأدنياء القتلة، الكارهين لكل ما هو جميل . لقد صرخوا ، وهذا حق وعلى أولادنا، لأن مجيء الرب بالجسد، قد هدم كل أفكارهم العتيقة وقد أصابهم الحزن، بسبب توبيخه الطريقة سلوكهم في الحياة. إنها عادة راسخة عند الخطاة، أن يكرهوا أو يبغضوا معاشرة أو مخالطة الأبرار.

متى كان مُحتقرا ؟ كان محتقرا عندما جلدوا ، وعذبوا الجسد المقدس، ذلك الجسد الذي تحمل الآلام بإراداته، لكي يشفى الجروح القديمة التي نشأت بسبب خطايانا. عندما حمل على كتفيه خشبة الصليب الذي هو علامة الإنتصار على الشيطان، عندما وضعوا إكليل من شوك فوق رأسه، وهو الذي يتوج كل المؤمنين بإسمه بأكليل المجد والكرامة، عندما ألبسوه ثوبًا من بروفير، وهو الذي ألبس الخلود لكل المولودين من الماء والروح ، عندما علقوا رئيس الحياة، على الصليب وهو الذي له وحده السلطان على الموت. وعندما إحتفل الجنود وتهكموا على رب أجناد السموات.

متى كان محتقرا ؟ عندما أخذوا أسفنجه مملوءة بالخل، ووضعوها على قصبة وسقوه، وهو الذي أرسل المن من السماء كالمطر ، وعندما تشققت الصخور، وإنشق حجاب الهيكل، وعندما ناحت الشمس، وارتدت الظلام، كعلامة حزن نائحة على سقوط اليهود، لأنها في هذا اليوم كانت تُرثي مصائب اليهود. كان محتقرا، حين كانت الحياة معلقة بين لصين، واحد تهكم عليه، وإتهمه، بينما الآخر بتوبته، سرق الفردوس.

متى كان محتقرا ؟ عندما سلم الجسد للدفن. وعندما حرس الحراس القبر، وخبأت الأرض، ذاك الذي ثبت الأرض على المياه”. وأيضا عندما إختبأ الرسل، لعدم إستطاعتهم تحمل التجارب الثقيلة.

عجائب الله :

لكن إنتبه أيها المحبوب لعجائب الله، وإلى الأفراح التي أتت بعد كل هذه الآلام لأن المحتقر ، صار ممجدا، فالجسد القابل للفساد والموت، قام ممجدا ، منتصرا على الموت. فعندما سقط آدم آنذاك حزنت الأرض، وإقفهر النهار، وساد الموت على الجميع. لكن الآن لم يستطع الموت أن يمسك ذاك الذي يمسك كل شيء بكلمته.

إذن لنحتفل اليوم بالقيامة، التي أتت بنا إلى الحياة الأبدية. لأنه كما أن العذراء القديسة مريم قد اختبرت الآلام، إذ كونها عذراء بتول وتلد ، فهذا قد عرضها للإتهامات الباطلة، لكن بحسب تدبير الله، ونعمة الروح القدس، ولدت كلمة الله خالق الدهور . هكذا إفتديت أحشاء الأرض من آلام الموت”، (إذ لم يكن ممكنا أن تُمسك الحياة من الموت). لقد تحرر ملك اليهود من الموت، إذ لم يكن ممكنا للموت أن يقبض عليه، لأنه لم يستطع أن يسود على الجسد الحامل الحياة. هذا ما سبق وأنبأ به داود النبي الذي أكد على إستعادة العظمة والجلال وعلى بطلان الموت، وحرية من كان يوما عبداً ، إذ يصرخ قائلاً : ” الرب قد ملك لبس الجلال”.

لبس الجلال:

أي جلال هذا الذي لبسه؟ إنه البهاء ، والخلود ، تاج الكنيسة. فالآن لا يوجد، يهوذا ليخون، أو قيافا ليُهدّد، أو هيرودس ليتسلح لقتل أطفال بيت لحم، لا يوجد بيلاطس بعد ليُحاكم، ولا إسرائليون ليسجنوا الفساد تحوّل إلى خلود، والإنسان الذي كان يُعتبر بسيطًاً ، قَبل الإله الحقيقي. ولذلك فقد صرخنا نحن أيضا أين شوكتك يا موت أين غلبتك يا هاوية”. وأيضًا ” الرب قد ملك لبس الجلال لبس الرب القدرة . والقدرة التي يعنيها هنا هي تدبير تجسده وتأنسه، لأنه لا يوجد ما هو أعظم قدرة من هذا أن الغير جسدي، غلب الشياطين، بجسده – أي عندما أخذ جسدًا – وأخضع القوات المضادة ، بصليبه .

 ولأن الخطية في البداية، قد جعلت الأرض تهتز، إلا أنه – كما سبق وقلت – ثبتها بخشبة الصليب، حتى لا تسير في طريق الهلاك، وحتى لا تسقطها رياح الخداع . ويشهد المطوب بولس على صدق كلامنا ، حين يقول ” لأن هذا الفاسد لأبد أن يلبس عدم فساد. وهذا المائت يلبس عدم موت”.وأيضا يقول المرنم كرسيك منذ القدم منذ الأزل أنت . وأيضًا سلطانه سلطان أبدي ما لن يزول، وأيضا ” ملكك ملك كل الدهور ” ، وأيضًا ” الرب قد ملك فلتبتهج الأرض ولتفرح الجزائر الكثيرة”.

النور يضيء في الظلمة:

لقد إنتهت الراحة التي للسبت الذي باركه الله قديما، والذي فيه إستراح من عمله الذي عمل، لأجل خلاص العالم . فقد مضى السبت، وبطل الموت، وتجلت نعمة هذا الخلاص، في الأعين، وفي الأسماع، وفي القلوب، هذه التي بها مارسنا اليوم صلوات الإحتفال بالقيامة المقدسة، من خلال كل ما رأينا ، وسمعنا ، وشعرنا به، ومن خلال الفرح الذي إستقبلناه في قلوبنا.

لأن النور الذي رأيناه بعيوننا، هو ذاته نور عامود السحاب المنير، والذي ننثره بشموعنا الآن وسط عتمة هذا الليل. إن الكلمات الآلهية التي دوت في إسماعنا طوال الليل، بمزامير وتسابيح، وأغاني روحية، تُحيط بنا ، كتيار روحي ينساب داخل النفس، فيملأنا بالرجاء الصالح، بينما إمتلأ القلب بالفرح، بسبب ما سمعناه، وما رأيناه، مختوما عليه بهذه المسرة التي لا يُعبر عنها ، ومنقادًا إلى الأمور غير المرئية، حتى يكون صورة تعكس البر الحقيقي والنعيم الأبدي الذي ” لم ترعين ولم تسمع إذن ولم يخطر على بال إنسان”.

في هذا الليل البهي المملوء بالنور، تُوحّدت أنوار الشموع مع إشعة الشمس التي بدأت تلوح في الأفق، وشكلت معًا نهارًا مستمرًا ، لم يستطع الظلام أن يشطره، إذا فلنفكر أيها الأخوة في تلك النبوة التي تقول ” هذا هو اليوم الذي صنعه الرب”، والذي ليس فيه عمل ثقيل أو صعب التحقيق، بل فرح، ومسرة، وإبتهاج، لأن هذا هو ما تقوله لنا الكلمة الإلهية ” نبتهج ونفرح فيه”. كم هي حسنة وجميلة هذه الوصية، كم هو رائع هذا التشريع الإلهي . من ذا الذي يُرجىء أو يؤجل سماع مثل هذه الوصايا ؟ من ذا الذي لا يعتبر مجرد التأجيل لتنفيذ هذه الوصية، يعتبر خسارة كبيرة، حتى لو كان هذا لزمن يسير؟ العمل هو فرح، والأمر هو بالإبتهاج، وهذا بحد ذاته يُبطل الإدانة عن الخطايا التي ارتكبت، ويُحوّل الأمور المحزنة، إلى فرح.

العودة إلى الفردوس:

هذا هو قول الحكمة، إنه في يوم الفرح ، يُصفح عن الشرور. هذا اليوم حمل لنا بشارة رفع حكم الموت، بل إنقضاء الموت(لأنه بالموت داس الموت)، تلاشى الموت، ولم يعد له سلطان علينا البته، إذ أن قيامة المسيح، قد محت تماما، كل ما يُذكر بإدانتنا. آنذاك صارت الولادة بالوجع، أما الآن فقد صارت بدون ألم، وكانت ولادتنا ، جسد من جسد، أما الآن فالولادة بالروح. لقد كنا أبناء البشر، أما الآن فنحن أبناء الله ( بالنعمة). آنذاك سقطنا من السماء إلى الأرض، أما الآن فإن الذي من السماء، قد جعلنا نحن أيضا سمائيين . قديمًا ساد علينا الموت، بسبب الخطية أما الآن فتسود علينا حياة البر. آنذاك فتح لنا واحد – أي آدم – باب الدخول إلى الموت، اما الآن فبواسطة الواحد يسوع المسيح) ، فقد حلت الحياة محل الموت. لقد إختبئنا يوما ما بسبب الخشية والحياء، وسترنا أنفسنا بورق التين، أما الآن فقد إقتربنا مكرمين، من خشبة الحياة أي خشبة الصليب). لقد طردنا من الفردوس، بسبب العصيان ومخالفة الوصية، أما الآن فنحن نعود إلى الفردوس بالإيمان

لنفرح ونبتهج معا :

الآن تمثل أمامنا مرة أخرى – لكي نتمتع بها – ثمرة أو شجرة الحياة. مرة أخرى ينقسم نبع الفردوس إلى أربعة رؤوس ، فبواسطة أنهار الأناجيل ترتوي الكنيسة بكاملها (أي بكل اعضائها ) ، حتى تنتعش كل قنوات النفس، وحيث يبذر الزارع كلماته، ببيدر التعليم ، وتتكاثر بذار الفضيلة. إذا ماذا يجب أن يفعل هؤلاء؟ ليس عليهم سوى أن يتمثلوا بجبال وآكام الأنبياء، التي تقفز فرحا. لأن المرنم يقول: “الجبال قفزت مثل الكباش والآكام مثل حملان الغنم . تعالوا الآن لنفرح مع إلهنا ، الذي أبطل قوة العدو، ورفع الصليب – الذي سحق المعاند، والذي هو علامة الغلبة – عاليًا جدًا، وجعلنا منتصرين لنهتف بهتاف النصرة، مثلما يفعل المنتصرين في مواجهة المهزومين، طالما أن صفوف الأعداء، قد سحقت، وطالما أن قائد الحملة الشيطانية الشريرة، قد رحل وإختفى . ولنقل إن ” الرب إله عظيم ملك كبير على كل الإلهة . وأيضا ” كللت السنة بجودك وآثارك تقطر دسمًا. لقد جمعنا معًا في الخورس الروحي، وإلى الأبد، فلنرفع إسمه ونمجده لأنه يليق به مع الآب والروح القدس المجد والقوة والكرامة إلى الأبد آمين.

المرجع : كتاب عظات آبائية علي قيامة المسيح

المقال  :قيامة المسيح وإشراق النور الإلهي للقديس غريغوريوس النيسي (ص١٣٤-١٤١)

العظة الخامسة عشر كتاب عظات آبائية علي قيامة المسيح (وقام في اليوم الثالث للقديس غريغوريوس النيسي) (ص١٧٠-١٨٨)

وقام في اليوم الثالث

أشعة النور الروحية

إن كانت هناك بركة أبوية قد تأكدت بروح الله، وإن كان هناك أي صلاح للناموس الروحي، قد ترجى المجاهدون بالروح أن يحصلوا عليه، مؤمنين بالوعد وإن كنا نؤمن بأن الحقيقة قد صيغت مسبقًا من خلال تلميحات التاريخ، وإن كان هناك صوت نبوي قد بشر بالأمور السمائية، فإن كل هذه الأمور مجتمعة تمثلها النعمة الحاضرة ” التي نحن فيها مقيمون”. ووفقا لهذا المشهد الذي يمتد أمام أعيننا ويبهر أبصارنا من كل جهة، كما من نور مركز ينبثق من عشرات الألوف من المشاعل هكذا هي بركة المسيح التي تشرق، فتبعث فينا هذا النور العظيم والذي يتشكل من أشعة الكتاب المقدس الكثيرة والمتنوعة، لأنه يمكن للمرء أن يأخذ من كل واحد من أولئك الملهمين بالروح نماذج تناسب احتفال هذا اليوم. اطلب البركة التي نالها إبراهيم (تك ٤:٢٦). إذا كان لديك إيمانًا بما تطلبه ستراه في الحاضر. هل ترى نجوم السماء ؟ أعني بها تلك النجوم التي جعلها الروح تشرق لأجلنا، والتي حولت الكنيسة فجأة إلى سماء، والتي بها استعلنت النعمة المبهرة للنفس من خلال أشعة النور الروحية. إن قال أحد بأن هؤلاء هم بالحقيقة أبناء لإبراهيم، والذين وهبهم الله له بالوعد الإلهي، والذين هم مثل نجوم السماء، فهذه حقيقة، والحقيقة لا تخطئ. يجب أن تندهش لموسى النبي الذي وصف كل خليقة الله بالتفصيل، بقوة المعرفة. وأن تضع أمامك السبت المبارك الذي حدده الله لأول مرة عندما خلق العالم، ولتدرك من خلاله، يوم التوقف عن العمل، الذي باركه الله أكثر من الأيام الأخرى. لأن في هذا اليوم بالحقيقة قد استراح ابن الله الوحيد الجنس من أعماله، بتدبير موته، الذي بحسبه قد استراح بالجسد. وبعدما قام من بين الأموات، أقام معه كل الأموات، وأصبحت هناك حياة، وقيامة، وشروطاً، وفجرًا جديدًا ، ونورا لكل من كان يحيا في الظلمة وظلال الموت.

سر الموت والقيامة:

والتاريخ المقدس ملئ بالبركة إبراهيم لم يشفق على ابنه المحبوب وحيده، الذي صار تقدمة وذبيحة، ثم أرسل له الله الخروف الذي ذبح بدلاً منه (تك ١٣:٢٢). أي أنه يمكن للمرء أن يرى سر إيماننا في أحداث التاريخ المقدس. الخروف علقوه من قرنيه على الخشب، بينما الابن الوحيد الجنس حمل خشب ذبيحته على كتفه ( تك٦:٢٣). أرأيت كيف أن ذاك الذي يحمل كل الأشياء بكلمة قدرته (عب٢:١)، هو نفسه يحمل ثقل أحمالنا، ليرفعها على الصليب الذي حمله كإله، وأيضا الذي حمل الخشبة كحمل، قسم الروح القدس للاثنين أعطى للابن المحبوب، وللخروف الذي أشار إليه الله نصيبًا من الروح القدس، وهذا سر عظيم، حتى يُظهر أنه بالخروف يُستعلن سر الموت، وبالابن الوحيد تستعلن الحياة التي لا تنقطع بالموت؟ وإن أردت سأوضح لك هذا ، من خلال موسى النبي الذي برفع يديه، رسم شكل الصليب، وبهذا الشكل هزم عماليق (خر ۱۱:۱۷)، إنك تستطيع أن ترى المثال وهو يتحقق في الواقع، فعماليق يُهزم بالصليب أمامك أيضًا إشعياء النبي الذي يقدم لك تقدمة كبيرة، توضح لك مقدار عطية الله في هذا اليوم (الاحتفال بالقيامة). لأنني تعلمت منه أمور كثيرة، عن الأم العذراء، عن الطفل الذي بلا أب، عن المخاض الذي بلا ألم عن الميلاد غير الدنس، يقول النبي : “ها العذراء تحبل وتلد ابنا وتدعو اسمه عمانوئيل والذي تفسيره الله معنا” (إش ١٤:٧، مت ٢١:١ ،٢٢). من جهة أن المخاض لم يصاحبه ألم ، فهذا ما يُعلّمك إياه المنطق أولاً، فمن المحتم أن كل شهوة يصاحبها ألم، وإذا غاب عامل من العوامل المصاحبة لبعضها البعض فلن يكون هناك وجود للجانب الآخر.

إذا فحيث إن الولادة يسبقها ألم، فبالضرورة لن يلحقها ألم. هذا ما يؤكده النبي بقوله : ” قبل أن يأخذها الطلق ولدت. قبل أن يأتي عليها المخاض ولدت ذكرًا ” (إش ٧:٦٦) ، وعن هذه الأم العذراء يقول: “لأنه يولد لنا ولد وتعطى ابنا وتكون الرياسة على كتفه ويدعى اسمه عجيبًا مشيرًا إنها قديرًا أبا أبديا رئيس السلام” (إش ٦:٩). هذا هو الوعد، هذا الابن “سيق للذبح كشاه. وكنعجة صامتة أمام جازيها ” (إش ٧:٥٣). أو من الأفضل كما يقول إرميا ” كخروف داجن يُساق إلى الذبح ولم أعلم أنهم فكروا عليّ أفكارًا قائلين لنهلك الشجرة بثمرها ونقطعه من أرض الأحياء فلا يُذكر بعد اسمه ” (إر٩:١١). لكن ما هو أفضل وأكثر جلاء ووضوح من كل شئ، نأخذه من النبوة التي سبقت وصوّرت السر (سر الموت والقيامة) بكل وضوح. أقصد يونان النبي الذي كان في بطن الحوت دون أن يُصاب بأي أذى، وخرج من بطن الحوت دون أن يعتريه أي شئ، وبقى في جوف الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال، وهى إشارة لبقاء الرب في القبر (ثلاثة أيام وثلاث ليال) (یونان ٢: ١)

نعمة الحياة الجديدة:

هذه وأمور أخرى شبيهة بها، ينبغي أن تختارها من كل سفر لتفحصها. لأن كل هذه الأمور، تراها متحققة في فرح هذا اليوم (الاحتفال بالقيامة). لأن الناموس كله والأنبياء، يتعلق بهذه الرؤية، كما يقول الإنجيل في موضع ما (مت ٤٠:٢٢). وأيضًا ” كل الكتاب هو موحى به من الله (۲تي ١٦:٣). كل هذا يتجمع ويتلخص وفقا لكلام الرسول بولس في هذه النعمة (أى نعمة الحياة الجديدة التي نلناها بالقيامة). إذ أن نهاية الأحزان، وبداية الخيرات قد تحققت بالقيامة. ما أعنيه هو الآتي، أن الموت قد ساد على الجميع، وجعل بداية طغيانه المدمر اعتبارا من آدم، وظل سلطانه البائس حتى موسى نفسه (رو ٥ : ١٤). لأن الناموس لم يستطع مطلقاً أن يُقلل أو يحد من سلطان الموت. ولكن ملكوت الحياة قد أتى، وبطل سلطان الموت، وصار هناك ميلادا آخر، وحياة أخرى، ونوعية أخرى للحياة، لقد حدث تغيير في طبيعتنا ذاتها.

وما هو هذا الميلاد؟ هو ميلاد ” ليس من دم ولا من مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل، بل من الله” (يو ١: ١٣)، وكيف حدث هذا ؟ سأشرح لك الأمر بعروض. إن هذه الولادة تأتي بالإيمان، تأتي إلى النور بميلاد المعمودية الثاني (يو٣: ٥)، فالكنيسة هي المرضعة، والتعاليم هي الثدي والخبز السمائي (يو ٦: ٣١، ٣٣) هو الغذاء، والمدينة السمائية هي تمام أو كمال العمر زواج وحياة مشتركة بالحكمة، البيت هو الملكوت الميراث والغنى هو حياة الفردوس الهنيئة، وأخيرا الحياة الأبدية المطوية التي تنتظر المستحقين بدلاً من الموت هذه الأمور كلها يراها زكريا النبي العظيم كبداية للتغيير نحو الصلاح، ويتشكك فيما يتعلق بنطق الاسم الذي ينبغي أن يدعو به هذه النعمة، أي أنه بعدما روى المعجزات الأخرى المتعلقة بالألم، قال عن هذه اللحظة الآتي: “لا نهار ولا ليل بل يحدث أنه في وقت المساء يكون نور” (زك ١٤: ٧) ، وهذا يعني أنه لا يمكنه أن يدعو تلك اللحظة نهارا ، طالما أنه لا توجد شمسا بل ولا يستطيع أن يدعوها ليلاً، طالما أنه لا يوجد ظلاما، لأن الله دعى الظلمة (تك١: ٣) كما يقول موسى.

السماء الجديدة والأرض الجديدة:

إذا لأنه بحسب الزمن فالظلام ليل، أما بالنسبة للنور فهو نهار، ولهذا السبب يقول النبي “لا نهار ولا ليل”. إذا إن كانت تلك اللحظة لا هي نهار ولا هي لليل،بحسب كلام النبي، حينئذ فإن هذه النعمة على كل الأحوال تدعى شيئا آخر. أتريدون أن تعرفوا فيما أفكر؟ أفكر فيما قاله المرنم ” هذا هو اليوم الذي صنعه الرب” (مز ٢٤:١١٨)، يوم مختلف عن سائر الأيام التي صارت من بداية الخليقة، والتي بها نقيس الزمن هذا اليوم هو بداية خليقة أخرى لأن الله في هذا اليوم يخلق سماء جديدة وأرضا جديدة (أش ٦٥: ١٧)، كما يقول النبي أى سماء هذه؟ هي الثبات في الإيمان بالمسيح (لو٨: ١٥)، وأى أرض؟ هي القلب الصالح (إش ١١:٦١)، أقول كما قال الرب الأرض التي تشرب المطر الذي يسقط عليها ، وتجعل السنابل حاملة الثمار تنضج في هذه الخليقة الجديدة، الشمس هى الحياة النقية، النجوم هي الفضائل الهواء هو المدينة الطاهرة البحر هو عمق غنى الحكمة والمعرفة، الخضرة والعشب هي التعاليم الصالحة الإلهية، حيث يرعى شعب مرعاه (مز ٩٥: ٧)، أي رعية الله، الشجر الذي يثمر هو تتميم الوصايا. في هذا اليوم خلق الإنسان الحقيقي الذي صار بحسب صورة الله ومثاله (تك ١ :٢٦).

رأيت أى خليقة قد صارت في ” هذا اليوم الذي صنعه الرب”، والذي عنه يقول النبي ” لا نهار ولا ليل” أى لأنها مثل الأنهر الأخرى، ولا ليل مثل الليالي الأخرى (زك ١:١٤-١١). ولم يحدث أن بشر أحد بالعطايا المتميزة لهذا اليوم. في هذا اليوم نقض أوجاع الموت (أع٢: ٢٤)، أصبح هذا اليوم بمثابة استقبال للبكر من بين الأموات (كوا : ١٨) ، في هذا اليوم سحقت أبواب الموت الحديدية (مز ١٦:١٠٧)، وكسرت مصاريع الجحيم النحاسية. اليوم فكت أربطة الموت، اليوم يُكرز بإطلاق المأسورين (إش ٧:٤٢) ، اليوم العميان يبصرون (لوا :٧٩) ، اليوم يُشرق النور السمائي على الجالسين في الظلمة وظلال الموت (إش ٩: ٢).

ليس بعد موت:

أتريدون أن تعرفوا شيئًا عن مدة الثلاثة أيام؟ يكفي أن أقول هذا فقط، أنه في مدة زمنية قصيرة استطاعت الحكمة كلية القدرة أن تصل إلى قلب الأرض (مت ٤٠:١٢) ، ويُجهل عظمة قلب ذلك الذي كان يحيا هناك ( ١ كوا :٢٠). لأنه هكذا قد دعاه النبي، داعيًا إياه ” عظمة قلب ملك أشور” (إش ۱۲:۱۰) ، لأن القلب يعني موطن الذهن، ولهذا ذهب الرب إلى قلب الأرض، الذي يعتبر بمثابة مسكن القلب الخبيث (إش ١١:١٩) لكي يُجهل فكره (أى ١٣:٥) ، كما تقول النبوة “الآخذ الحكماء بحيلتهم فتتهور مشورة الماكرين”.ولأنه كان من المستحيل أن يهين رئيس الظلام حضور النور المبهر، طالما أنه لم يرى فيه أي أثر للجسد ، لذلك بمجرد أن رأى الجسد الإلهي ، ورأى العجائب التي صنعتها الألوهية فيه، تمنى لو أنه هزم هذا الجسد بالموت، لأنه بهذا كان سيهزم كل قوة الألوهية. ولذلك فقد ابتلع طعم الجسد، أمسك في صنارة الألوهية وهكذا سحب التنين بالصنارة كما يقول أيوب، الذي سبق وتكلم عما سيحدث قائلاً : “يثقب فمه بخزامه ” (أى ٢٤:٤٠).

الآن لنستمع إلى صوت النبي الذي تكلم عن هذه الأمور وفحصها، إذ تحدث عن قلب الأرض الذي فتح فمه ضد جسد الرب. ماذا قال عنه إشعياء حتى يوضح أفكاره؟ قال : ” وأنت قلت في قلبك أصعد إلى السموات أرفع كرسي فوق كواكب الله وأجلس على جبل الاجتماع في أقاصي الشمال. أصعد فوق مرتفعات السحاب. أصير مثل العلي” (إش ١٤.١٣:١٤). هذا ما يفكر فيه القلب الخبيث. أيضا ماذا قال القلب المليء بالشرور في داخله أى ملك أشور الخبيث، لنستمع مرة أخرى إلى صوت إشعياء القائل: ” بقدرة يدي صنعت وبحكمتي لأني فهيم. ونقلت تخوم شعوب ونهبت ذخائر وحطمت الملوك كبطل. فأجابت يدي ثروة الشعوب كعش وكما يجمع بيض مهجور جمعت أيأكل الأرض ولم يكن مرفرف جناح ولا فاتح فم ولا مصفصف (إش ١٤.١٣:١٠).

لقد قبل السيد المسيح – بسبب محبته للبشر . أن يفتقد عالم الأموات فماذا أصاب رئيس الظلام؟ تروي النبوة بوضوح أن ما أصابه كان عكس ما ترجاه، تقول النبوة ” كيف سقطت من السماء يا زهرة بنت الصبح. كيف قطعت إلى الأرض يا قاهر الأمم” (إش ١٢:١٤)، وأمور أخرى كثيرة رويت عن هلاكه. ومن يريد التعرف عليها بالتدقيق يعود إلى الكتاب المقدس الآن يجب علي أن أعود إلى موضوعنا من أجل هذا نزلت الحكمة الحقيقية إلى الفم الواسع لقلب الأرض لكي تمحو من هذا القلب الفكر الموغل في الشرور، وأن تنير خفايا الظلام (اكو٥:٤) ، وأن ” يبتلع المائت من الحياة” (٢كو ٥ : ٤ ) ، وينتهي إلى العدم، بعدما يبطل العدو الأخير الذي هو الموت (١ كو٢٦:١٥).

هذه الأمور جميعها هي عطية فترة الثلاثة أيام التي قضاها الرب في القبر من أجلك. هل جاءت النعمة متأخرة؟ هل هذا الصلاح قد تحقق في مدة قصيرة جدًا ؟ أتريد أن تعرف كم الأمور الضخمة التي تحققت في زمن قصير جدًا ؟ أحصي كل أجيال البشر، من بداية دخول الشر حتى بطلانه، كم عدد البشر في كل جيل، وكيف يمكن إحصاء أعداد لا تحصى. ترى هل هناك رقم يمكن أن يُحدد أعداد تلك الجموع التي لا تُحصى، والتي في تتابعها بجموع أخرى، يتسع الشر معها أيضًا بل ويزيد بقدر ما يتوزع على كل واحد من هذه الأعداد ؟ وهكذا فقد تزايد الشر خلال مسيرة طويلة وعامة في

أجيال متعاقبة، حتى وصل إلى أقصى حد له، إذ أخضعت الطبيعة الإنسانية، وهذا ما أثاره النبي، مؤكدًا على سيادة الشر على الجميع، بقوله: ” الكل زاغوا وفسدوا ليس من يعمل صلاحًا ليس ولا واحد ” (مز ٣:١٤. رو ١٢:٣). إذا هل يعتبر تراكم هذا القدر الكبير من الشرور التي تجمعت من وقت خلق العالم، حتى وقت آلام الرب، والتي أبطلت في ثلاثة أيام، دليلاً بسيطاً على قوته الفائقة، أم هو أقوى من كل عجائب التاريخ المقدس؟ إن كل هذا الشر تلاشي بعمل الرب دون أي صعوبة، الأمر الذي يعد برهانا عظيمًا جدا على قوته الفائقة (أف ١ :١٩).

ويمكن تشبيه ذلك بشمشون (قض ٦:١٤) ، الذي بهر كثيرين بقوته، لا لأنه هزم الأسد فقط، بل لأنه قتله بسهولة بأيدي مجردة، ومزقه بدون سلاح، مزق هذا الوحش الكبير القوي، كما لو كان يلهو أو يمزح معه. وما صنعه الرب لم يتطلب طوفانا ضخمًا تسقط فيه مياه غزيرة من شلالات السماء لتغمر الأرض، ولا بحارا عميقة تفيض المياه على جانبيها فتغطي وجه الأرض، ولا صارت المسكونة كلها كقارب يغوص ويغرق ويستقر في القاع، ولا جبال تغمرها المياه، ولا قمم جبال تختفي في أعماق البحار (تك ۷ ۲۰۱۷) ، ولا أموراً شبيهة بسدوم (تك ٢٤:١٩) ، التي أمطرت بالنار لكي يصنع تطهيرا من الفساد بلهيبها ، ولا يأتي شئ آخر مشابه لذلك. إن عمل الرب هذا هو فكر بسيط وغير مدرك في إشراق متفرد للحياة والنور على الجالسين في الظلمة وظلال الموت، أدى إلى تلاشي وفناء تام للظلام والموت.

ثلاثة أيام في القبر :

هل لي أن أقول شيئًا قريبًا مما قلته؟ لقد نبت الشر داخل الحية، هزمت المرأة من تجربة الحية، ثم بعد ذلك هزم الرجل من المرأة (تك ٦١:٣). لقد ولد الشر في ثلاث مراحل. فما الهدف الذي ترمي إليه الملاحظة؟ نستطيع من خلال التتابع الذي سار فيه الشر، أن نفهم ترتيبًا ما في مراحل الصلاح. أرى أن هناك ثلاث مستقبلين للشر. المرحلة الأولى هي التي فيها تكوّن الشر، الثانية هي التي انتقل إليها الشر، والثالثة هى التي فيها تقدم الشر فيما بعد. إذا لأنه في المراحل الثلاث هذه، ملأ الشر أعني الطبيعة الشيطانية، جنس النساء والرجال، ولهذا تحديدا، فإن المرض اختفى في ثلاثة أيام من الجنس البشري، أى من هؤلاء الذين مرضوا بالخطية وحرموا من الشفاء يوما ما.

ففي اليوم الأول تحرّر الرجال من مرضهم. وفي اليوم الثاني شفى جنس النساء، وفي اليوم الثالث بطل العدو الأخير أى الموت، وتلاشى مع رئيس الموت والرئاسات والسلاطين وكل القوات المضادة التي وضعها لمساندته ( اكو ٢٦:١٥ ، (٢٤). لا تتحير إذا رأيت الصلاح يتم على فترات زمنية متعاقبة. فالقوة الإلهية لم تكن عاجزة بكل تأكيد على أن تُكمّل كل شئ بالتمام عند بداية خلقة العالم. إن خلق الكائنات تم في إطار زمني حتى أن تنتهي مرحلة من خلق الكون في اليوم الأول، والمرحلة الثانية في اليوم الثاني، وبنفس الطريقة تم خلق المراحل المتبقية فيما بعد إلى أن اكتملت الكائنات، طالما أن الله قد أكمل الكون في عدة أيام. هكذا هنا أيضًا، عن طريق حكمته التي لا يُعبر عنها ، أبطل الشر وابتعد عن الكائنات في ثلاثة أيام، عن الرجال عن النساء، وعن نسل الحية، حيث ولد الشر أولاً.

هذا ما كنت أفكر فيه بخصوص الأيام الثلاثة، وما إذا كان هذا الفكر فكرًا صحيحا أم لا ، فهذا أتركه لتقييم السامعين. لأن كلامي ليس قانونا ، بل تمرينا للذهن وبمثابة بحث وإن أردت أن ترى بالتدقيق مدة الأيام الثلاثة في إطار الآلام (آلام المسيح)، انتظر قليلاً، وربما يوضح حديثي لك هذا، لأن ما يتبقى من الرقم ثلاثة أيام ليس زمنًا قليلاً، إذا حسبته بعد الساعة التاسعة يوم الجمعة، بعد أن أسلم الروح بين يدي الآب). إذا ما هو فحوى كلامي؟ أقول حوّل نظرك نحو عظمة القدرة الإلهية، وعندئذ لن تجهل هذا الذي نطلبه هنا. تذكر كلام الرب، وماذا أعلن عن نفسه، ذاك الذي له السيادة على كل شئ، كيف أنه بقوة سلطانه الذاتي، يستطيع أن يفصل النفس عن الجسد، قائلاً: “ليس أحد يأخذها مني بل أضعها أنا من ذاتي لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن آخذها أيضا ” (يو ١٨:١٠).

ليكن هذا مفهومًا ، وقد اتضح المطلوب، لأن من يدبر كل شئ بسلطانه الإلهي، فبكل تأكيد لا يمكن أن يصير رئيسا وسببا لخلاص كل البشر مجبراً، بسبب خيانة وهجوم اليهود وحكم بيلاطس. لقد عرف مسبقا وبطريقة معجزية لا يُعبر عنها ، أن هذا الهجوم سيحدث، وقدم نفسه للبشر، تقدمة غير مرئية، ليصير ذبيحة لأجلنا، وهو الكاهن وفي نفس الوقت هو حمل الله، الذي يرفع خطية العالم (يو ١: ٢٩). متى حدث هذا؟ عندما جعل جسده مأكلاً لتلاميذه وجعل دمه مشرباً لهم. لأنه من الواضح لكل واحد ، أن الإنسان لا يمكنه أكل الخروف ما لم يسبق ذبحه، إذا فذاك الذي قدم جسده مأكلاً لتلاميذه، أظهر بكل وضوح أن ذبيحة الحمل كانت قد اكتملت بالفعل، لأنه بالتأكيد لن يكون جسد الذبيح مناسبًا للأكل، لو كان حيا. إذا فعندما أعطى لتلاميذه أن يأكلوا من جسده ويشربوا من دمه، بشكل لا يُدرك وسلطان من دبر السر بصورة لا يعبر عنها، وبشكل غير مرئي، يكون بهذا قد قدم جسده ذبيحة بالفعل.

إذا طالما أن رئيس الكهنة الأعظم قد قدم ذبيحته لله بشكل غير مرئي ولا يعبر عنه من أجل خطايانا جميعًا ، فلن يحيد المرء عن الحقيقة إذا حسب الوقت الذي أمضاه الرب في أعماق الأرض. بدءً من الخميس مساء حين أكلوا ذلك الجسد المقدس، وأعقبه الليل الذي قبل يوم الجمعة. ثم بعد ذلك نهار الجمعة مع الليل الذي انتصف وقسم إلى نصفين، أى يُحسب هذا ليل واحد ونهاران. لأنه إن كان الله قد دعا الظلام ليلاً (تك١: ٥) ، إذ أن الظلمة قد حلت على الأرض لمدة ثلاث ساعات (مت ٢٧: ٤٥). هذه الظلمة تعتبر ليل يعرف كسابقة حدثت لأول مرة في منتصف النهار وحددت قسمي اليوم الأول من الشروق حتى الساعة السادسة (الظهر)، والثاني من الساعة التاسعة حتى المساء، وقد كان ذلك الوقت، ليلين ونهارين.

ثم بعد ذلك جاء الليل الذي قبل السبت، وفيما بعد نهار السبت، وسيكون لديك ثلاثة أيام وثلاث ليال. إذا أرجو أن تبحث في وقت حدوث القيامة، وستجد الحقيقة فيما أقوله. إذا متى حدثت؟ يقول متى الإنجيلي ” وبعد السبت” (مت ۱:۲۸). هذا هو وقت القيامة بالوضوح الذي يقدمه الإنجيل، هذا هو الحد الفاصل لبقاء الرب في أعماق الأرض، أي أنه بينما كان المساء متقدمًا كثيرًا (والمساء كان بداية لتلك الليلة الذي أعقبه نهار أول السبت، ففي هذا الوقت حدثت الزلزلة، وفيه أيضا ظهر الملاك الذي كان منظره كالبرق ولباسه أبيض كالثلج، والذي دحرج الحجر عند باب القبر (مت٢٨: ٢، ٣)، لكن النسوة اللائي استيقظن باكرا جدا، وعند بزوغ نور النهار، الذي بدأ يلوح في الأفق علامة لشروق الشمس، عندئذ بدأن يخبرن التلاميذ بالقيامة التي حدثت، حيث تأكدن بالفعل من المعجزة، لكنهن لم يتكلمن عن وقت القيامة.

أما كونه قام، فهذا ما أخبرهن به الملاك، لكنه لم يخبرهن بتوقيت القيامة، متى حدثت لكن متى العظيم وحده من بين الإنجيليين، أعلن بدقة وقت القيامة، قائلاً إن وقت القيامة كان بعد السبت بما أن هذه الأمور قد صارت بهذه الطريقة، فالمسافة الزمنية التي عرضها من مساء الخميس إلى مساء السبت مع حساب الوقت والليل الذي توسط كما قلت والذي قسم يوم الجمعة إلى نهارين وليل واحد. لأنه لا توجد ضرورة تجبر ذاك الذي له سلطان على هذا الدهر أن تدخل اعماله في إطار بعض المقاييس الزمنية، بل أن هذا قد حدث لإرساء معايير جديدة للزمن، طالما أن القوة الإلهية تختصر (الزمن) لتحقيق الأعمال الصالحة بحيث تخطط المقاييس الزمنية بشكل منفصل، حتى أنه لا يُحصى الزمن بأقل من ثلاثة أيام وثلاث ليال، لأن الحديث السري غير المعلن يشير إلى هذا العدد، فالقوة الإلهية لن تعاق عن تنفيذ عملها بسرعة، ولن تنتظر المعايير المعتادة لعدد الأيام والليالي فذاك له السلطان وحده أن يضع ذاته وأن يأخذها عندما يريد، له السلطان كخالق للدهور، لا أن يخضع ذاته وأعماله للزمن، بل بالحرى يُحرك الزمن وفقا لأعماله.

كيف وجد الرب في الجحيم وفي الفردوس في آن واحد:

لكن الحديث لم يتناول بعد النقطة الأكثر أهمية. لأنه من الطبيعي أن يبحث محبو المعرفة، عن كيفية تسليم الرب ذاته لثلاثة في الوقت نفسه، أي لقلب الأرض، وللفردوس مع اللص، وليدي الآب لأنه قال للفريسيين: “لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال هكذا يكون ابن الإنسان” (مت ٤٠:١٢) ، وقال للص ” اليوم تكون معي في الفردوس” (٤٣:٢٣) ، وقال للآب: ” في يديك أستودع روحي” (لو٢٣: ٤٦)، وبالتأكيد لا يستطيع أحد أن يضع الفردوس كمكان في بطن الأرض. ولا أن يضع قلب الأرض في الفردوس، حتى يُقصد بالاثنين نفس الشئ، أو أن يقال عن هذين الاثنين (قلب الأرض والفردوس)، أنهما هما يدي الآب. بل أن هذا الأمر ربما لا يستحق ولا حتى أن يناقش لمن يفكر تفكيرا منطقيا. لأن من هو حاضر في كل مكان بقوته الإلهية يكون موجودًا في كل موضع ولا يغيب عن أي مكان، عندما حل الروح القدس على العذراء وظللتها قوة العلي (لو٣٥:١)، لكي يحل فيها أقنوم الإنسان الجديد وقد دعى جديدًا، لأنه تكوّن كما أراد الله، وليس بالطريقة المعتادة لدى البشر، حتى أن العذراء أصبحت مسكنا لله، غير مصنوع بالأيدي. “لأن القدير لا يسكن في هياكل مصنوعة بالأيدي” (اع ٢٤:١٧)، وأقصد التي تصنع بالأيدي الإنسانية، وعندما بنت الحكمة لنفسها بيتا ((م۱:۹)، وبقوتها الفائقة قبلت داخلها شكل المخلوق كنموذج متكامل وموثوق في صحته، عندئذ اتحدت الطبيعة الإلهية بالعنصرين المؤلفين للطبيعة الإنسانية، أي النفس والجسد متحدة بشكل مناسب بكل عنصر أى أنه كان ينبغي لهذين العنصرين اللذين ماتا بالعصيان لأن موت النفس هو فقدانها للحياة الحقيقية، وموت الجسد هو سبب الفساد والتحلل)، كان ينبغي أن يطرد الموت من خلال الإتحاد بالحياة.

إذا عندما اتحدت الألوهية بشكل مناسب بكل واحدة من عنصري الإنسان فإن ملامح الطبيعة السامية قد اتضحت تماما في هذين العنصرين فبالنسبة للجسد ، تتضح الألوهية العاملة فيه بالشفاء باللمس، بينما بالنسبة للنفس، قد عبرت عن القوة الإلهية (الحالة فيها من خلال إرادتها القوية. أى أنه كما أن هناك إحساس خاص باللمس بالنسبة للجسد ، هكذا تكون هناك إرادة للنفس أيضا. لقد اقترب من المسيح مريض بالبرص وهو يحمل جسداً مشوهاً وعلى وشك الانهيار، فكيف شفاه الرب النفس تريد والجسد يُلمس.فيذهب المرض من الاثنين. لأنه يقول: ” وللوقت ذهب عنه المرض (لو ١٣:٥) ، مت ۲:۸). أيضًا آلاف الناس الذين أحاطوا بالرب في الجبل، لم يرد أن يتركهم صائمين، بل قسم لهم الخبز بيديه (مت٣٢:١٥). أرأيت كيف أنه من خلال الاثنين (النفس والجسد تُستعلن الألوهية والتي ترافق كل منهما ، تعمل مع الجسد، ومع الإرادة القوية التي تُخلق في النفس. ربما يجب أن أروي المعجزات التي تحققت بنفس الطريقة، وأن أنشغل في حديثي بأشياء واضحة. ولكني سأنتقل إلى ذلك الأمر الذي لأجله أشرت إلى كل هذا.

كيف وجد الرب في الجحيم وفي الفردوس في آن واحد؟ التفسير الأول لهذا الموضوع، أنه لا يوجد شيئًا غير ممكن لدى الله، الذي ” فيه يقوم الكل” (كوا :١٧)، والتفسير الثاني الذي يتجه إليه الحديث الآن هو : بعدما أعاد الله بقوته صياغة الإنسان كله في شخصه، وجعله شريكاً للطبيعة الإلهية، لم ينفصل في وقت الآلام بحسب التدبير عن هذا العنصر الآخر أى الجسد) الذي اتحد به مرة واحدة، لأن هبات الله ودعوته هي بلا ندامة (رو ۲۹:۱۱). فإن كانت الألوهية بإرادتها فصلت النفس عن الجسد ، إلا أنها أوضحت أنها هي ذاتها بقيت في النفس والجسد. في الجسد الذي يعتريه الفساد بالموت كما جاء بالمزمور “لأنك لن تترك نفسي في الهاوية ولا تدع قدوسك يرى فسادًا ” (أع ۲ : ۲۷ ) ، وهكذا أبطل ذاك الذي له سلطان الموت (عب ١٤:١)؛ بينما بالنفس فتح الطريق للص للدخول إلى الفردوس. وهذا الأمران تحققا في آن واحد. أى أن الألوهية تُحقق الصلاح للاثنين، فقد تحقق بطلان الموت بعدم فساد الجسد ، وبعودة النفس إلى موضعها ، يُفتح الطريق لعودة البشر مرة اخرى إلى الفردوس.

إذا فلأن التركيبة الإنسانية لها عنصران، بينما طبيعة الألوهية بسيطة، ففي وقت انفصال النفس عن الجسد ، لم ينفصل الغير المنقسم (أي الألوهية)، والمركب أى الإنسان)، بل صارا أيضًا واحدًا لأنه من خلال الطبيعة الإلهية الواحدة الموجودة بالتساوي في الاثنين في الجسد والنفس) توحدت من جديد الطبيعة التي انفصلت.

وهكذا فقد حدث الموت بانفصال العنصرين المتحدين، بينما القيامة قد صارت باتحاد الطبيعة التي انفصلت. وإذا سألت كيف أن ذاك الذي في الفردوس، يُسلّم نفسه في يدي أبيه، فسيبدد لك إشعياء النبي والرائي حيرتك هذه. لأنه قال على فم الله، عن أورشليم السمائية التي نؤمن بها ، أنها ليست سوى الفردوس. ” هوذا على كفي نقشتك، أسوارك أمامي دائمًا ” (إش ٤٩: ١٦). إذا إن كانت أسوار أورشليم في يدي الآب، والتي هي الفردوس، فمن الواضح أن من هو في الفردوس، هو في كل الأحوال في أيدي الآب، حيث هناك أسوار المدينة الإلهية. لكن يلزم أن يشمل حديثنا أيضاً ما يقوله اليهود، فهم يهاجمون إيماننا بإتهامات حادة. فهم يقولون من جهة البصخة أنها شرعت لليهود بواسطة موسى (خر ٨٦:١٢) ، في اليوم الرابع عشر من الشهر في فترة اكتمال القمر، حيث يؤكل الفطير غير المختمر لمدة سبعة أيام، ويكون الأكل مع أعشاب مرة. إذا حفظ اليوم الرابع عشر، كما يقول اليهودي، يستتبع معه حفظ الأعشاب المرة والفطير غير المختمر.

فإن كانت هذه الأمور موضع ازدراء، فأي معنى يحمله الاهتمام بالأول (أي حفظ اليوم الرابع عشر)؟ لأنه بحسب أوامر المشرع ذاته، لا يُحكم على شريعة بأنها نافعة، والأخرى بلا نفع ومرفوضة، وكأنهم يقولون لنا حتى انه يصير إلزاميًا إما أن تمارسوا كل ما قد تحدد للبصخة، وإما ألا تحفظوا أي شيء، وأنتم ماذا تفعلون؟ (نجيب بالقول: فلنتذكر ذاك الذي أوصانا ألا نخاف اتهامات البشر، حتى لا نسقط في فخ السفهاء منهم (إش ٧:٥١). نحن نعرف فائدة حفظ شريعة أكل الفطير غير المختمر كما نعرف معنى الأعشاب المرة، وفائدة اليوم الرابع عشر سنوضح حديثنا في عجالة، إن الناموس إذ له ظل الخيرات العتيدة (عب ۱:۱۰) ، له هدف أساسي، هو كيف يتنقى الإنسان، بواسطة الوصايا المختلفة من الخطايا التي اختلطت بطبيعته. هذا يتم بالختان، بحفظ السبت، بالتدقيق في أنواع الأطعمة، بذبائح الحيوانات المختلفة، وهكذا. والأمر يحتاج لزمن أطول كي تذكر كل ما يُشير إليه الناموس، فيما يتعلق بنا من جهة كل واحدة من هذه الأمور، من أجل نقاوة حياتنا.

مثلما يحدث في الختان الروحي، فإننا نتجنب الشهوات وننفصل عن الحياة الجسدية، أما حفظ السبت فيعني الامتناع عن الشر، وأما تقديم ذبيحة الحيوانات فتشير إلى ذبح الشهوات، وكذلك التمييز بين الأطعمة. فإن الأطعمة النجسة توضح لك ضرورة الابتعاد عن الحياة الدنسة، هكذا فإن هذا الاحتفال بعيد القيامة أيضا، يقدم لك الاحتفال المشار إليه، والذي لأجله تستعد النفس بالفطير غير المختمر، مبتعدة سبعة أيام عن الخبز المختمر، وحل اللغز هو هذا. رقم السبعة أيام يظهر الزمن الفاني أو الزائل الذي يتكرر أو يعود أسبوعيا، والذي طبقا له ينبغي أن نحرص على ألا تبقى أي بقية من خطية الأمس في اليوم التالي، لكي لا يُفسد ويُحمض عجين اليوم، بسبب اختلاطه بخطية أو شر أول أمس “لا تغرب الشمس على غيظكم” (أف ٢٦:٤) هكذا يقول الرسول بولس، والذي يوصينا قائلاً: ” إذا لنعيد ليس بخميرة عتيقة ولا بخميرة للشر والخبث بل بفطير الإخلاص والحق” (اكو٥ : ٨). إن ما نعرفه هو نوع واحد للشر، وهذا ما نتعلمه عن الأنواع الأخرى للشر. العشب المر يبعد كل حماقة وفجور عن حياتنا ، ويضع مكانها حياة العفة والنسك الشديد، الذي يرتفع على مستوى الحس البشري، لأنه يبدو أن كل معرفة أو علم لا تجلب فرحا في الوقت الحاضر بل حزنًا. إذا كل من يحقق في حياته مباهج هذا اليوم (الاحتفال بالقيامة) وبصفة دائمة في كل يوم من أيام أسبوع الحياة، بدون خمير، ودون أن يخلط به الشر القديم ثابتا في العفة كطعام للحياة، فهذا يعزل نفسه عن كل ما هو ظلمة (لو ٣٦٣٥:١١) . لأن الأيام التي يحددها مدار القمر في الفلك، هي تسعة وعشرون ونصف، والتي فيها يظهر القمر بداية من أول الشهر ثم يستدير تدريجيًا حتى يصل إلى اكتماله بدورانه، ثم يقل حجمه مرة أخرى ويرجع حتى لا يعطي نورًا البتة. ومن الواضح أن نصف عدد الأيام الذي ذكرته هو أربعة عشر يوما مع إضافة قليلة. وبناء عليه، حين يحدث ويكون القمر في هذا الشكل ويتقدم في طريقه خلال فترة الليل، يُضيف للدائرة الجزء الذي ينقصها، حتى أنه مع اكتمال قرص القمر، يوحد لمعانه مع نور شمس النهار، ولا يمكن لأي تسلل للظلام، ولا المساء، ولا السحر أن يقطع استمرارية النور (نور القمر)، بل يبقى النور غير منقسم أو غير متجزئ خلال تعاقب ظهور النجوم (لأنه تحديداً قبل أن تشرق الشمس، يظهر القمر في الطرف الآخر للأفق، على الطرف المقابل لقطر الدائرة مع الشمس، وبنوره يُنير العالم ومرة أخرى قبل أن يختفي كل قرص القمر في الأفق مع بقية نوره، يتوحد مع نور النهار). وهكذا فإن اليوم الذي يكون فيه القمر مكتملاً، يختفي الظلام، والسحر، والمساء، كذلك تكف النجوم الكبيرة عن الظهور تباعا.

إذا هذا الذي يحدث مع النور المحسوس في اليوم الرابع عشر، من حيث إن الارتباط بالظلمة أمر مرفوض طوال الليل والنهار، هذا الحدث هو ما يريد الناموس الروحي أن يجعله رمزا لكل الذين يحتفلون روحيًا ، حتى يشمل كل الأسبوع، أي أن يجعلوا كل أوقات حياتهم بصخة مشرقة غير مُظلمة. هذه هي الوصايا التي توجه للمسيحيين بالنسبة للبصخة. ولهذا يمكننا أن نرى ونتخيل في اليوم الرابع عشر، بالإضافة إلى هذا النور المادي المحسوس، رؤية النور غير المادي الذي يُدرك بالعقل فقط، هكذا يتضح لنا كيف أننا نطلب أو نبحث عن القمر المكتمل الذي يهبنا نوره طوال الليل، بل وبصفة دائمة. وعلينا أن نحفظه على الدوام، ويصير هذا ناموسا لنا ، وألا نسمح للأعمال المظلمة أن تختلط بالنور.

سر الآلام المحيية:

يكفي الكلام من جهة هذا الأمر. الآن كل المعاني التي طرحت تتجلى في الصليب الذي به يكتمل سر الآلام، ومن يستطيع أن يشرح هذه الآلام بالكلام؟ ترى، ألا توجد طرق عديدة تقود للموت، كان من الممكن أن يتمم بها الله تدبير الموت لأجلنا؟ لكنه اختار الصليب من كل هذه الطرق، ليجوز الآلام بإرادته الكاملة. لأنه يقول ” ينبغي أن ابن الإنسان ” ولم يقل إن هذه الأمور وتلك سيعانيها ابن الإنسان مثلما يمكن لشخص أن يتنبأ عن المستقبل، لكنه أراد أن يؤكد وبطريقة سرية، أنه بالضرورة ينبغي أن يجوز الآلام، وأن هذه الآلام لابد أن تحدث إذ يقول : “ينبغي أن ابن الإنسان يتألم ويرفض من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويقتل وفي اليوم الثالث يقوم ” (لو ٩: ٢٢، ٧:٢٤ ، مر ۸: ۳۱).

لاحظوا المعنى في كلمة “ينبغي” إنها تؤكد على أن الآلام لن تتم بطريقة أخرى إلا بواسطة الصلب فقط، وما هو السبب في ذلك، السبب قد عرفه العظيم بولس، الذي صارت لديه الإمكانية أن يشرح لنا هذا الأمر، بواسطة تلك الكلمات السرية (٢ كو ١٢: ٤)، التي سمعها حين اختطف إلى أعماق الفردوس، إذ سمع كلمات لا ينطق بها، هو وحده الذي يشرح لنا هذا السر أيضا، وقد أشار إليه في رسالته إلى أهل أفسس ” وانتم متاصلون ومتاسسون في المحبة حتى تستطيعوا أن تدركوا مع جميع القديسين ما هو العرض والطول والعمق والعلو وتعرفوا محبة المسيح الفائقة المعرفة لكي تمتلثوا إلى كل ملء الله” (اف٣: ١٨، ١٩)، بالحقيقة إن نظرة الرسول بولس الإلهية، جعلته حين يقدم صورة للصليب، لا يقدمها بصورة باهتة أو مهتزة، وهو بهذا قد أظهر بوضوح أنه بعدما سقطت من عينيه كل قشور الجهل (اع٩: ٨)، بدأ في رؤية الحقيقة بكل وضوح أى أنه رأى صورة الصليب لها أربع امتدادات تنطلق من المركز، والذي يشير إلى القوة، والمحبة التي تشمل كل المسكونة ، ولهذا فكل امتداد يطلق عليه اسم خاص العمق هو الامتداد من المنتصف إلى أسفل، والعلو هو الامتداد إلى أعلى، بينما العرض والطول هما الامتدادان من الجهتين يتضح لي من كل ذلك أن الرسول بولس، يقصد بكلامه هذا، أنه لا يوجد كائن في الخليقة كلها لا تسود عليه الألوهية، الذين فوق السموات، أو في أعماق الأرض، ومن هم في كل الاتجاهات من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب). ويُشير بالارتفاع إلى الذين في السماء، وبالعمق إلى من هم تحت الأرض، والطول والعرض إلى ما هو تحت سلطان القوة التي تسود على كل شئ. وبرهان كلامي، هو ما يحدث داخل نفسك، فيما يختص بمعنى كلمة الله. ارفع نظرك إلى السماء، وفكر في الأعماق السفلى، اطلق ذهنك إلى أطراف العالم المخلوق، وحاول أن تدرك مقدار القوة التي تضبطه، كقوة تشمل كل المسكونة، وسترى أنه سيحضر في ذهنك تلقائيا شكل الصليب، من الارتفاع ننزل إلى الأعماق، وتمتد إلى الجانبين من ذلك الطرف إلى الطرف الآخر.

هذا الشكل (شكل الصليب) قد ترنم به العظيم داود في مزاميره قائلاً : “أين أذهب من روحك ومن وجهك أين أهرب وإن صعدت إلى السموات (هذا هو الارتفاع) فأنت هناك. وإن فرشت في الهاوية هذا هو العمق فها أنت. إن أخذت جناحي الصبح والذي هو شروق الشمس وهذا هو العرض) وسكنت في أقاصي البحر(هكذا يتكلم عن الغروب . وهذا هو الطول) ” (مز ۱۰۷:۱۳۹).

أرأيت كيف أنه بكلامه هذا ، يرسم الصليب أمامنا ؟ وهكذا يتضح أنك أنت يا من تعبر داخل كل شئ، وصرت تجمع كل شئ، فإنك تحتوى داخلك كل الكمالات. أنت يا من أنت فوق، أنت حاضر في العمق، ذراعك في أحد الأطراف ويمينك تقود الطرف الآخر. ولهذا فإن الرسول العظيم بولس، بعدما تأكد أن معرفة الله قد امتدت إلى العالم كله، قال لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض” (في ١٠:٢). وبهذا أيضا يُحدّد السجود بحسب شكل الصليب. فالذين هم في السماء يخصهم بالجزء العلوي من الصليب، ومن هم على الأرض، يخصهم بمنتصف الصليب، أما من هم تحت الأرض، فيخصهم بالجزء السفلي من الصليب. هذه هي الجزئية التي أشير إليها أنا بالحرف (i)يوتا، والذي هو أكثر استقرارًا من السماء، وأكثر ثباتًا من الأرض وأكثر استمرارًا من كل النظم الخاصة بالكائنات المخلوقة كما هو مكتوب: إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل” (مت ٣٥:٣٤، ١كو ۳۱:۷، مت ٥ : ۱۸).

الخط العمودي للصليب والذي يأتي من فوق إلى أسفل يقال له حرف (i) يوتا ، والخط الذي يتقدم أفقيا من الجانبين يسمى صاري، وهذا ما يمكن أن نعرفه من البحارة أى الخشبة التي هي في الجنب في الصاري حيث يمدون منه قطعة قماش، وهذا الشكل يدعونه صاري. ولهذا أرى أن هذا هو ما تعنيه كلمة الإنجيل، أنه هو ذاك الذي فيه يقوم الكل” (كو١٧:١) ، من حيث إنه يسود على كل شئ، هو أزلي، وهو يُظهر، كما في لغز في مرآه، من خلال شكل الصليب، قوته التي ترعى كل الكائنات. ولهذا تحديدا قال ” إن ابن الإنسان ينبغي ليس فقط أن يموت، بل أن يُصلب”، لكي يصير الصليب لأكثر اللاهوتيين فطنة هو ذلك الذي يكرز به من خلال شكله بسلطان القوة الكامل لذاك الذي صعد عليه، وهو الكل في الكل (كو١١:٣)، وينبغي ألا نتجاهل أن تشير يا اخوتي إلى ذلك التقي يوسف الذي من الرامة، الذي أخذ الجسد المقدس كعطية ولفه بكتان نقي ووضعه في قبره الجديد (مت ٦٠.٥٧:٢٧).

ليكن لنا ، هذا العمل الذي أقدم عليه ذلك التقي (يوسف الرامي) بمثابة قانون لكي تفكر نحن أيضا بنفس الطريقة، عندما نأخذ عطية ذلك الجسد. فلا يجب أن نلفه في كتان ضميرنا غير النقي، وألا نسمح بوضعه في قبر قلوبنا الذي تفوح منه رائحة عظام ورائحة كل شئ دنس. بل كما يقول الرسول بولس ليمتحن كل واحد نفسه لكي لا تصير النعمة التي ينالها بدون استحقاق دينونة له (١كو٢٧: ٢٩). بل الآن وأنا أتكلم أشعر أن لباس الملاك الأبيض يُنيرنا ويهز قلبي ذلك الزلزال الحلو الذي يُحرك الحجر الثقيل عن القبر الإنساني، والذي به تفتح بوابة القيامة مرة أخرى.

فلنسرع نحن أيضا لنرى المعجزة العجيبة لأن السبت قد عبر)، ربما نصل بعد النسوة. فلنعطر أيدينا بالأطياب، وضمائرنا بالإيمان. هذه هي رائحة المسيح الزكية (اف٢:٥). يجب ألا نطلب الحي بين الأموات. الرب يصد كل من يطلبه بهذه الطريقة، قائلاً: ” لا تلمسني” (يو۱۷:۲۰). فعندما أصعد إلى أبي، عندئذ أسمح لك أن تلمسني. يريد أن يقول لا يجب أن يكون إيمانك بعد في شكله الجسدي الضعيف، بل أنك الآن تسجد لذاك الذي يوجد في مجد الآب، وهو في صورة الله، وهو كلمة الله.

لنستمع إلى بشارة المرأة التي سبقت الرجال في الإيمان، حتى أنها حين تبدأ في الحياة الصالحة، يكون لديها ما تُعبر به عن نفسها ، بعد أن كانت قد عاشت في الشر. إذا ما هو الخبر المفرح الذي تريد المجدلية أن تبشر به؟ إنه خبر حقيقي لا من

الناس ولا بإنسان بل بيسوع المسيح” (غل ١:١). لأنها تتكلم عن الخبر الذي طلب الرب منها أن تنقله للتلاميذ ، والذين يدعوهم اخوته ” إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي والهكم” (يو ١٧:٢٠). كم هو رائع هذا الخبر المفرح المملوء بالرجاء! هذا الذي صار إنسانًا مثلنا، حتى يصير قريباً لنا ويجعلنا اخوة له، فهو يقدم لأبيه ذبيحة جسده، لكي يجذب إليه بواسطة نفسه كل أقربائه. هكذا كل من استعبدوا للذين ليسوا بالطبيعة آلهة (غل٨:٤) ، يرجعون مرة أخرى للإله الحي الحقيقي، ولا يكون عليهم أى دينونة، ولا يُحرموا من ميراث الآب. لقد صاروا بالتبني اخوة للابن، هذا الذي صار بكر بين إخوة كثيرين (كوا :١٥) ، وتعهد الطبيعة الإنسانية التي أخذها حين تجسد أما الخبز غير المختمر قبل الفصح الذي يؤكل على أعشاب مرّة ، لنرى بأي شئ حلو ، يُحلى الخبر بعد القيامة. ألا ترى أن الرب بعد أن قام ناولوه جزءا من سمك مشوي وشيئا من شهد عسل (لو ٤٢:٢٤). انظر كيف تتحول مرارة الحياة إلى حلاوة. إذا لننهض نحن أيضا ولنركض الآن نحو الخبر الذي يعطيه شهد عسل الرجاء الصالح، مذاقا حلوا للغاية في المسيح يسوع ربنا ، الذي يليق به المجد والقوة مع الآب والروح القدس الآن وكل أوان وإلى دهر الدهور آمين.

المرجع: كتاب عظات آبائية علي قيامة المسيح

المقال. : وقام في اليوم الثالث للقديس غريغوريوس النيسي (ص١٧٠-١٨٨) 

عظات آباء وخدام معاصرين – لأحد القيامة المجيد

العظة الأولى: القيامة فرح – للمتنيح البابا شنودة الثالث[23]

1– قال الملاكان وهما يبشران النسوة بقيامة المسيح: “لماذا تطلبن الحي بين الأموات؟! ليس هو ههنا، لكنه قام” (لو٢٤: ٥، ٦).

إن عبارة المسيح الحي مفرحة للتلاميذ. ولكنها كانت تخيف رؤساء اليهود، كما أنها تخيف الخطاة جميعًا..

لم تكن تخيفهم وقت القيامة فقط ووقت الكرازة بها. بل إن هذا الخوف سيظل يتابعهم حتى في المجيء الثاني للمسيح وفي الدينونة. وفي هذا يقول الكتاب “هوذا يأتي مع السحاب، وستنظره كل عين والذين طعنوه، وينوح عليه جميع قبائل الأرض” (رؤ ١: ٧).

وكثيرون مثل كهنة اليهود يريدون أن يتخلصوا من المسيح، لأن وجوده يبكتهم ويكشفهم. وبوجوده يخزي وجودهم الخاطئ..

2- كانت قيامة السيد المسيح فرحًا للتلاميذ ولنا أيضًا.

كان يوم الصلب يومًا محزنًا ومؤلما من الناحية النفسية، وإن كان من الناحية اللاهوتية يوم خلاص. ولكن الناس لم يروا سوى الآلام والشتائم والإهانات والبصاق والمسامير، ولم يروا ذلك الخلاص، ولا رأوا فتح باب الفردوس ونقل الراقدين على رجاء إلى هناك. وكان التلاميذ في رعب. فلما رأوا الرب فرحوا.

بقدر ما كان التلاميذ في حزن وفي قلق شديدين يوم الجمعة، على نفس القدر أو أكثر كانوا يوم الأحد في فرح بسبب القيامة. وتحقق قول الرب لهم من قبل:

“ولكني سأراكم أيضًا فتفرح قلوبكم ولا ينزع أحد فرحكم منكم” (يو ١٦: ٢٢).

لقد فرحوا لأنهم رأوا الرب، ورأوه حيًا خارج القبر، وكانوا يظنون أنه لا لقاء.

وفرحوا لأن السيد قد انتصر في معركته ضد الباطل، وأنه “سيقودهم في موكب نصرته” (٢كو ٢: ١٤)

وفرحوا لأنهم تخلصوا من شماتة الأعداء بهم، كما تخلصوا من قلقهم واضطرابهم واختفائهم. وأصبح الآن بإمكانهم أن يخرجوا ويواجهوا الموقف، ويتكلموا بكل مجاهرة وبكل قوة عن قيامة المسيح.

فرحوا لأن الصليب لم يكن نهاية القصة، وإنما كانت لها نهاية مفرحة بالقيامة، أزالت آلام الجلجثة وجثسيماني وما بينهما وما بعدهما..

هو قال لهم “أراكم فتفرح قلوبكم”. ونحن نُعيِّد بأفراح القيامة، التي تُشعرنا بأن المسيح حي معنا. وأنه لا يمكن أن يحويه قبر، هذا الذي يحوي الكل في قلبه..

لقد فرح التلاميذ بقيامة الرب، فرحوا إذ رأوه.. وكانت قيامته نقطة تحول في تاريخ حياتهم، وفي تاريخ المسيحية.

3- بقيامته فرحوا أن القيامة ممكنة:

وذلك بالدليل المادي الذي رأوه أمامهم..

وهكذا قال عنه القديس يوحنا الرسول “الذي رأيناه بعيوننا، الذي شاهدناه ولمسته أيدينا..” (١يو ١: ١). وقال القديس بطرس الرسول”.. نحن الذين أكلنا وشربنا معه، بعد قيامته من الأموات” (أع ١٠: ٤١).

بالقيامة، تحول خوف التلاميذ إلى جرأة وشجاعة، وعدم مبالاة بكل القوى التي تحارب كلمة الله.. وهكذا استطاع بطرس بعد القيامة أن يقول “ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس”.

لم يعد التلاميذ يخافون شيئًا في روح القيامة..

أقصى ما يستطيعه أعداؤهم أن يهددوهم بالموت. وما قيمة التهديد بالموت، لمن يؤمن بالقيامة. وقد رآها!!

بهذا آمنت المسيحية أن الموت هو مجرد انتقال، وأنه ربح، وأنه أفضل جدًا ولم يعد يخشاه أحد..

4- وبالقيامة، شعر التلاميذ أنهم في ظل إله قوي..

الذي يؤمنون به “بيده مفاتيح الهاوية والموت”. فيه الحياة، بل هو القيامة والحياة.. من آمن به، ولو مات فسيحيا.. وهو مصدر الحياة، ليس علي الأرض فقط، وإنما الحياة الأبدية أيضًا..

5- وفرح التلاميذ لأن الرب وَفّى بوعده لهم.

لما تحققت أمامهم وعود المسيح لهم بأنه سيقوم وسيرونه، وثقوا أيضًا بتحقيق كل الوعود الأخرى التي قال لهم عنها مثل “أنا ماض لأعد لكم مكانًا. وإن مضيت وأعددت لكم مكانًا، آتي أيضًا وآخذكم إلي، حتى حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضًا” (يو١٤: ٢، ٣).

وثقوا أيضًا بوعده عن إرسال الروح القدس إليهم (يو ١٦: ٧)، وأنهم سينالون قوة متى حل الروح القدس عليهم (أع ١: ٨). وثقوا بوعده “ها أنا معكم كل الأيام وإلى انقضاء الدهر” (مت ٢٨: ٢٠). وكل هذه الوعود منحتهم قوة وإيمانًا وفرحًا.

6- وفي فرح التلاميذ بالقيامة، فرحوا أيضًا بكل ألم يلاقونه في سبيل الشهادة لهذه القيامة.

لقد أصبح للألم مفهوم جديد في فكرهم وفي شعورهم، لأنه قد صار لهم فكر المسيح (١كو ٢: ١٦) أصبح الألم في اقتناعهم هو الطريق إلى المجد، كما حدث للمسيح في صلبه واضعين أمامهم هذا الشعار “إن كنا نتألم معه، فلكي نتمجد أيضًا معه” (رو ٨: ١٧). وهكذا تحملوا الألم وهم يقولون “كحزانى ونحن دائمًا فرحون” (٢كو ٦: ١٠).

7- وبالقيامة أصبح الصليب إكليلًا ومجدًا، وليس ألمًا..

ما عاد التلاميذ يتضايقون من الاضطهادات. وهكذا يقول بولس الرسول “لأني أسر بالضعفات والشتائم والضرورات والاضطهادات والضيقات لأجل المسيح” (٢كو ١٢: ١٠). ويقول أيضًا “كحزانى ونحن دائمًا فرحون” (٢كو ٦: ١٠).

8- وصارت القيامة فرحًا لجميع المؤمنين وبشرى بالقيامة العامة.

والقيامة أعطت المسيحيين رجاءًا في العالم الآخر، فركزوا فيه كل رغباتهم، وزهدوا هذا العالم..

إن كل ما نشرته المسيحية من حياة النسك، والزهد، وحياة الرهبنة، والموت عن العالم، كل هذا مبني على الإيمان بالقيامة، والتعلق بالعالم الآخر الذي تصغر أمامه كل رغبة أرضية. وهكذا تردد الكنيسة على أسماعنا في كل قداس قول الرسول “لا تحبوا العالم، ولا الأشياء التي في العالم، لأن العالم يبيد، وشهوته معه”.

9- وفي الفرح بالقيامة، فرح بالملكوت الذي يكون بعدها، وبالنعيم الأبدي وكل ما فيه.

وفي فرح القيامة فرحوا أيضًا بالملكوت الذي يكون بعدها، وبالنعيم الأبدي وكل ما فيه، عرفوا أن القيامة لها ما بعدها. واستطاع القديس بولس الرسول أن يعبر عن ذلك بقوله “ما لم تره عين، ولم تسمع به إذن، ولم يخطر على بال إنسان، ما أعده الله للذين يحبونه” (١كو ٢: ٩). وتحدث هذا الرسول أيضًا عن الإكليل المعد فقال: “وأخيرًا قد وضع لي إكليل البر الذي يهبه لي في ذلك اليوم الرب الديان العادل. وليس لي فقط، بل لجميع الذين يحبون ظهوره أيضًا” (٢تي ٤: ٨).

كما أن الرب في سفر الرؤيا، شرح أمجادًا أخري للغالبين سينالونها بعد القيامة.

فتحدث عن شجرة الحياة، وإكليل الحياة، والمن المخفي، والاسم الجديد، والسلطان، وكوكب الصبح، والثياب البيض.. (رؤ ٢، ٣). بل ما أجمل قوله “من يغلب فسأعطيه أن يجلس معي في عرشي، كما غلبت أنا أيضًا وجلست مع أبي في عرشه” (رؤ ٣: ٢١).

إننا لا نستطيع أن نفصل القيامة عن أمجاد القيامة، هذه التي من أجلها اشتهي القديسون الموت.

فقال بولس الرسول “لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح. ذاك أفضل جدًا (في ١: ٢٣). وقال الرسول أيضًا “ونكون كل حين مع الرب”.

وتحدث القديس يوحنا في رؤياه عن أورشليم الجديدة، النازلة من السماء التي هي مسكن الله مع الناس. حقا ما أجمل القيامة التي تؤدي إلى كل هذا. وكل هذا ننتظره نحن في رجاء، فرحين بالرب وبمواعيده.

10- وبهذا أعطتنا القيامة رجاءًا في العشرة الدائمة مع المسيح.

فرحة القيامة ليست هي مجرد أن نقوم، إنما بالحري أن نقوم مع المسيح، لنحيا معه، حيث يكون هو..

وهكذا صارت القيامة وسيلة، وليست غاية في ذاتها..

وسيلة للحياة مع الرب، والتمتع به، في فرح دائم، لا ينطق به ومجيد، مع مصاف ملائكته وقديسيه.

أصبحت القيامة شهوة الكل، وإيمان الكل، كطريق يوصل إلى الأبدية مع الله، التي هي هدف حياتنا على الأرض.

11- في قيامة المسيح، فرحوا بأنهم تلاميذ المسيح وخاصته، بعد أن كانوا خائفين من انتمائهم إليه!

بعد أن كانوا خائفين قبلًا من الانتساب إليه، حتى أن بطرس في ليلة محاكمة السيد، أنكر، ولعن، وحلف، وقال لست أعرف الرجل (مت ٢٦: ٧٤). أما الآن -بعد القيامة- فإنهم يفتخرون به.

وفرحوا بأن الرب قد سمح بأن يظهر لهم مدى أربعين يومًا، في العلية في أورشليم، وعند بحر طبرية، وفي الجليل.. ويتحدث إليهم ويطمئن قلوبهم، ويغفر لبطرس إنكاره، ويقنع توما في شكوكه.. ويتنازل إلى ضعفهم، ليرفعهم إلى قوته، دون أن يوبخهم على هروبهم واختفائهم وشكهم.

12- فرحوا، لأنه بعد القيامة قد افتقدهم المسيح.

وقضي معهم فترة، كانت تضميدًا لجروحهم، وإزالة لشكوكهم، وغفرانًا لخطاياهم. بل كانت فترة إعداد للخدمة المقبلة.. أربعين يومًا قضاها الرب معهم، كان فيها يظهر لهم “ويكلمهم عن الأمور المختصة بملكوت الله” (أع ١: ٣).. وقد “أراهم نفسه حيًا ببراهين كثيرة”..

13- وفرحوا لأنه في ظهور المسيح لهم، ظهر لهم مجده وعظمته:

ظهر لشاول الطرسوسي في نور عجيب أبرق حوله من السماء، حتى ارتعد شاول وتحير (أع ٩: ٣-٦).

وظهر ليوحنا الرائي “ووجهه كالشمس وهي تضئ في قوتها “حتى وقع عند قدميه كميت (رؤ ١: ١٦، ١٧).

 14- وفرح التلاميذ، لأنهم بعد القيامة استئمنوا على رسالة:

قال لهم الرب “اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم، وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس. وعلموهم جميع ما أو صيتكم به” (مت ١٩ ٢٠، ٢٨). “اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها. من آمن واعتمد خلص.. هذه الآيات تتبع المؤمنين..” (مر ١٦: ١٥-١٧).

وهكذا أصبحت لهم رسالة، ورسالة عظيمة وجليلة، يحيون لأجلها، ويجاهدون لتحقيقها، ويكللون بسببها. وتحقق قول الرب لهم “أجعلكم صيادي الناس” (مت ٤: ١٩).

لا شك أن بطرس قد فرح عندما قال له الرب بعد القيامة “ارع غنمي… ارع خرافي..” (يو٢١: ١٥، ١٦).

ولا شك أن كل التلاميذ فرحوا لما قال لهم الرب بعد القيامة “اقبلوا الروح القدس. من غفرتم لهم خطاياهم غفرت لهم، ومن أمسكتموها عليهم أمسكت”، “كما أرسلني الآب. أرسلكم أنا” (يو ٢٠: ٢١-٢٣).

15- وفرح التلاميذ بالجسد الروحاني الذي للقيامة، حينما يقيم المسيح أجسادهم أيضًا كما قام..

هذا التجلي الذي سيكون للطبيعة البشرية في القيامة من الموت. وقد تحدث القديس بولس الرسول بإسهاب في هذه النقطة فقال “هكذا أيضًا قيامة الأموات: يزرع في فساد، ويقام في عدم فساد. يزرع في هوان، ويقام في مجد. يزرع في ضعف، ويقام في قوة. يزرع جسمًا حيوانيًا، ويقام جسمًا روحانيًا” (١كو ١٥: ٤٢-٤٤).

وقال أيضًا عن الرب يسوع “الذي سيغير شكل جسد تواضعنا، ليكون على صورة جسد مجده” (في ٣: ٢١).

“على شبه جسد مجده” فهذا يعطينا فكرة عن جمال الحياة الأخرى وروحانيتها، وبهجة الانطلاق من المادة وكل قيودها، مع كل قدرات الروح ومواهبها.

16- القيامة منحت الكرازة المسيحية ثقة وإيمانًا..

ثقة بالمسيح القائم من الأموات، الذي عاش معه التلاميذ أربعين يومًا بعد قيامته “يريهم نفسه حيًا ببراهين كثيرة”، “يكلمهم عن الأمور المختصة بملكوت الله” (أع ١: ٣). حتى أن يوحنا الرسول، حينما تكلم عنه “الذي سمعناه، الذي رأيناه بعيوننا، الذي شاهدناه ولمسته أيدينا” (١يو ١: ١).

ملخص لأفراحهم:

أما التلاميذ فقد فرحوا إذ رأوا الرب (يو ٢٠: ٢٠). واستمر معهم الفرح كمنهج حياة..

لقد فرحوا بقيامة الرب، وفرحوا بظهوره لهم. وفرحوا بصدق كل مواعيده. وفرحوا بالقيامة بوجه عام، وبالانتصار على الموت. وفرحوا لأن اليهود ما عادوا يشمتون بهم. كذلك بالقوة التي نالوها، وبالرسالة التي عهد الرب بها إليهم بعد القيامة وفرحوا بانتشار الكرازة. بل فرحوا حتى بالضيقات التي لاقوها في شهادتهم للرب، وقال عنهم الكتاب “أما هم فذهبوا فرحين من أمام المجمع لأنهم حسبوا مستأهلين أن يهانوا من أجل اسمه” (أع ٥: ٤١). فرحوا أيضًا بتحقيق وعده لهم في إرسال الروح القدس إليهم، وقوله لهم “تلبسون قوة من الأعالي” (لو ٢٤: ٤٨).

وقوله أيضًا “إذا اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي، فهناك أكون في وسطهم” (مت ١٨: ٢٠). وقوله كذلك “ها أنا معكم كل الأيام وإلى انقضاء الدهر” (مت ٢٨: ٢٠).

العظة الثانية: المسيح يحيا فيَّ – لقداسة البابا تواضروس الثاني [24]

إن القيامة أعطت الإنسان هذه الإمكانية التي يمكن أن نشرحها في ثلاثة نقاط :

  • خروج من القبر: خرج بقوة لاهوته ولم يكن للموت سُلطان عليه، ووهب القيامة للآخرين، وهذا يعني الخروج من قبر الخطايا والشهوات. والخطية لها وجهان، وجه لطيف مخادع، ووجه شرس مفترس “أين شوكتك يا موت؟ أين غلبتك يا هاوية؟” (١كو ١٥: ٥٥) .
  • ارتفاع نحو السماء: لم يعد للأرض تأثير (الجاذبية) مهما كانت: الأكفان – الخوف – الظلام. وهذا يعني أنه لا يكفي ترك الخطية، بل يجب أن يكون هناك اشتياق للروحيات – لتذوق حلاوة الله – إدراك تفاهة اهتمامات العالم – حرارة الحماس والإحساس بالسماء .
  • امتلاء بالفرح وامتداد نحو الناس: لقد قام المسيح وظهر مرات كثيرة لأشخاص كثيرين “ألم يكن قلبنا ملتهبًا فينا” (لو٢٤: ٣٢) وهذا يعنى أن الفرح بسكنى المسيح في القلب يدفع الإنسان لإشراك آخرين في بهجة القيامة نحو (الخروف الضال = النفوس البعيدة) نحو (تكريس الحياة – الوقت، الجهد …).

أمثلة لأشخاص حيا المسيح فيهم:

  • أموات في الفكر: شاول الطرسوسي (فكر حرفى ناموسي، ميت ثم تحول وقام).
  • أموات في الروح: زكا العشار (لص أنانى جشع خاطئ ثم تحول وقام).
  • أموات في القلب: مريم المجدلية (امرأة خاطئة في شوارع أورشليم إلى قديسة ومبشرة بالقيامة لقد تحولت وقامت).

كيف يحيا (يقوم) المسيح فيَّ :

  • بالأسفار المقدسة: ” آمين تعالى أيها الرب يسوع ” (رؤ ٢٢: ٢٠).
  • بالأسرار المقدسة: التوبة والتناول والممارسة الواعية.
  • بالصلوات المقدسة: المخدع والتأمل والاستمرار.
  • بالخدمات المقدسة: لأجل خاطر المسيح، هدفها مجد الله.
  • بالأتعاب المقدسة: من أجلك نمات كل النهار (رو ٨: ٣٦ )، إنه حمل صلباننا الصغيرة، والاحتمال “محتملين بعضكم بعضاً”.

تأملات قيامية:

بدون قيامة السيد المسيح ما كانت مسيحية ولا عبادة ولا إنجيل ولا عقيدة ولا إيمان .

القيامة أعطت:

  • حياة جديدة: فعل إلهي، لا بشري (لم نعد تحت سلطان الخطية).
  • طبيعة جديدة: صارت لنا طبيعة روحانية سماوية، طبيعة النصرة.
  • قوة جديدة: قوة الحرية “إن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحرارًا”.

ما هي قيمة القيامة لإنسان اليوم؟

1- يعرف أصله السماوي، فمستويات الحياة مع الله (إظلام – إصلاح – إنارة الصورة).

2- يحيا بالأمل والرجاء الدائم فقد أصلحت القيامة:

  • امرأة يائسة هي مريم المجدلية.
  • شابين يائسين هما تلميذي عمواس،
  • جماعة يائسة هم التلاميذ الخائفين.

3- يقتنى نعمة التبنى وشركة الطبيعة الإلهية: المعمودية والافخارستيا ثم الأسفار المقدسة والحياة بالوصية .

 

العظة الثالثة: ثبوت القيامة – للمتنيح أنبا أثناسيوس مطران بني سويف والبهنسا [25]

الزلزلة والملاك (مت ٢٨: ١-٤)

لازمت نساء الرب وكانت منهن كثيرات عند الصليب (مت ۲۷: ٥٥، ٥٦). وعند القبر بعد أن أغلقه يوسف الرامی (مت٦١:۲۷)، وباكرًا جدًا فجرالأحد كُنَّ عند القبر (مت۲۸: ١) ففي محبة الرب لم يتميز جنس على جنس .

لا يهم أن كان الملاك قد دخرج الحجر قبل القيامة أو بعدها، إنما المهم أن الرب قام بإرادته من الموت، وخرج من القبر. فلقد رفض أن ينزل عن الصليب حين طُلب اليه ذلك، ولكنه فعل ما هو أعظم وأقوى اذ قام من القبر .

إن آدم الأول أخطأ وحينئذ فصله الملاك عن شجرة الحياة. والرب -آدم الثاني- رفع الخطيئة وبشر الملائكة بنى آدم بالخلاص .

البشارة المفرحة (مت ٢٨: ٥- ١٥)

بينما سقط الجنود كأموات من الرعب حين نظروا الملاك، توجه الملاك ببشارة سلام وفرح قائلاً: “إنكما تطلبان يسوع المصلوب. ليس هوههنا لأنه قام كما قال”.

هذه هي القوة التي تطرد الخوف: قوة القيامة. “وَمَا هِيَ عَظَمَةُ قُدْرَتِهِ الْفَائِقَةُ نَحْوَنَا نَحْنُ الْمُؤْمِنِينَ، حَسَبَ عَمَلِ شِدَّةِ قُوَّتِهِ الَّذِي عَمِلَهُ فِي الْمَسِيحِ، إِذْ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ” (أف ۱۹: ۱، ٢٠).

وها هي تنبيهاته السابقة التي لم يكن التلاميذ يفهمونها تتضح لهم فقد قال سابقاً: “بَعْدَ قِيَامِي أَسْبِقُكُمْ إِلَى الْجَلِيلِ” (مت ٢٦: ٣٢) وها الملاك يقول أنه يفعل ذلك (مت ٢٨: ٧).

وما أحلى وقع سلامه على القلوب، إذ قابل بشخصه المرأتين وقال لهما: “سلام لكما”، ولكنه ألفت نظرهما الى أن المقابلات بعد القيامة يحسن أن تكون في الجليل بعيدًا عن أورشلیم منعًا لإثارة متاعب على التلاميذ، وفي الجليل سيظهر لهم مراراً لأنه لا يهمه أن يظهر للشعب بل أن يظهر للذين رعاهم منذ البداية ليتأكدوا من الأمر، ثم يتقدمون للتبشير به .

أما الحراس واليهود فليقولوا ما يقولون عنه لأنه لا يهمنا نحن كل ذلك “فَإِنَّ كَلِمَةَ الصَّلِيبِ عِنْدَ الْهَالِكِينَ جَهَالَةٌ، وَأَمَّا عِنْدَنَا نَحْنُ الْمُخَلَّصِينَ فَهِيَ قُوَّةُ اللهِ” (1کو۱: ۱۸)، وليشيعوا ما يشاءون، أما المؤمن فإنه يقول: “لأَنَّنِي عَالِمٌ بِمَنْ آمَنْتُ” (۲تي ١: ١٢) .

الظهورات المجيدة (مت ۲۸: ١٦- ۲۰)

ولم يذكر أنجيل متى سوی ظهورين بعد القيامة، واحد عند القبر للنساء، وواحد في الجليل للتلاميذ. وهناك أعطاهم الوصية الأخيرة: ” فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآب وَالابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ، وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ” ولكن ما أصعب تلك البشارة على العالم المقاوم، وما كانت لتنتشر لولا أنه قال: “هَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْر”ِ.

القبر الفارغ (يو۱:۲۰- ۱۰)

وصف إنجيل متى كيف أن الحراس أحسوا بما حدث عندما نزل الملاك ودحرج الحجر عن القبر (مت٢٨: ٤) وليس من السهل تحديد ما إذا كان نزول الملاك وزحزحة الحجر ملازمًا للقيامة أم أن الرب خرج والحجر مغلق كما يحلو للبعض أن يتصوروا، ثم أن الملاك دحرج الحجر من أجل أن يسهل دخول الناس ليروا القبر الفارغ .

على أنه لابد أن الحراس دخلوا القبر فرأوه فارغاً وحينئذ توجهوا إلى المدينة ليقصوا قصتهم فاتفق معهم اليهود على أن يقولوا أن التلاميذ سرقوا جسده (مت٢٨: ١١- ٢٥).

وأثبت إنجيل يوحنا كيف أن المجدلية كانت أول من دخل القبر، وأن يوحنا وصل إلى القبر ونظر داخله دون أن يدخل، ثم جاء بطرس ودخل فدخل بعده يوحنا فوجدا الكفن في ناحية وغطاء الرأس في ناحية أخرى، وكأن يوحنا يُثبت أن بطرس الذي أنكر السيد مساء الخميس، كان أول من دخل القبر من الرجال وفحصه فجر الأحد، وحينئذ آمن التلميذان وبدأت أقوال الرب السابقة للتلاميذ عن الصلب والقيامة تتضح لهم .

قال القديس ساويرس الأنطاكي ويعقوب السروجي أن أشعة كانت تنتشر من القبر الفارغ بعد ذلك. ولذا أخذ اليهود يلقون الأتربة في المكان حتى أخفوه إلى أن جاءت الملكة هيلانة وأزالت الأتربة .

وقد نشر الفاتيكان أخيرا بحثا علميا دقيقا للكفن المقدس ، بعد أن فحص بالامكانيات العلمية المعاصرة التي لم تكن موجودة في الماضي.وأثبت البحث أمورا باهرة عن حوادث صلب رب المجد.

ظهورات ثلاث (يو۲۰: ١١- ۲۹)

(يو 11- ۱۸) للمجدلية:

كانت مريم تبکي خارج القبر ثم تقدمت لتنظر إلى الداخل فرأت ملاكين واحداً حيث كان رأس الجسد المقدس والثاني عند القدمين، ودار معهما حديث عن السيد وقالت هي أن أناساً أخذوا الجسد ولاتعلم أين وضعوه. مما يبين أن التلميذين بطرس ويوحنا أدركا أنه قام. وأما مریم فلم تتبين الحقيقة بعد، وحينئذ ظهر لها الرب وسألها لماذا تبکي فحادثته على أنه البستاني حتی ناداها باسمها وبصوته المعروف لها فالتفتت وقالت “ربوني”.

ولايليق أن تبدو غرابة في ألا يدرك الذين رأوا الرب بعد قيامته أنه هو الذي أمامهم لأول وهلة. إذ أنه أمر بعيد عن الواقع أن يقوم إنسان من الموت ويظهر للناس. ولو رأى الناس إنسانا شبيها لشخص متوفي لتعجبوا وقالوا كيف أن هناك من يتشابهون كثيرًا في الشكل، ولا يتصورأحدهم أن الذي أمامه هو ذلك الذي مات ودفن، ثم أن الأوقات التي حدثت فيها تلك الحوادث كحديث الرب مع مريم المجدلية أو ظهوره للتلاميذ على بحيرة طبرية (يو ٢١: ١- ١٢) كانت قبل الشروق والضوء خافت.

اندفعت مریم نحو الرب بلهفة غير عادية لتمسك به فرحة بقيامته فقال لها: “لاَ تَلْمِسِينِي لأَنِّي لَمْ أَصْعَدْ بَعْدُ إِلَى أَبِي..” أي لا تضيعي الوقت في التمسك بجسدي لأني معكم لزمان أيضًا. ولن أصعد إلى السماء اليوم.

وقوله “إِنِّي أَصْعَدُ إِلَى أَبِي وَأَبِيكُمْ وَإِلهِي وَإِلهِكُمْ” لا يعني أنه ليس الإله المتجسد. وإلا كان يقول لم أصعد إلى أبينا وإلهنا ولكنه يقول أبی وأبيكم أي أنه أبوه بوضع وأبونا بوضع آخر، فهو أبوه ذاتيًا وأبونا بالتبني. وبنفس المعنى “إِلهِي وَإِلهِكُمْ” فهو يتكلم عن انتصار البشرية فيه، فالبشرية قد انتصرت وصار لها حق في السماء، ولذا يقول: “اذْهَبِي إِلَى إِخْوَتِي” وكلمة “إله” تعني أيضا رأسًا مثلما قال لموسى عن هرون أخيه “هُوَ يُكَلِّمُ الشَّعْبَ عَنْكَ وَهُوَ يَكُونُ لَكَ فَمًا، وَأَنْتَ تَكُونُ لَهُ إِلهًا” (خر٤: ١٦) أي أن موسى يكون الفكر وهرون يكون المُعَبِّر عن الفكر وقد استعمل إنجيل يوحنا كثيرًا من التعبيرات التي تعني أن الرب يسوع هو الكلمة وفي نفس الوقت هو الله.

(يو ١٩- ٢٣) ظهوره للتلاميذ :

ظهر للتلاميذ في مساء ذلك اليوم وهم مجتمعون. دخل إليهم والأبواب مُغَلَّقَة. كانت الأخبار قد انتشرت عن خلو القبر من الجسد. ولم يكن اليهود يعتقدون أنه قام، بل كانوا يَشتدُّون حنقًا على التلاميذ الذين تصوروا أنهم سرقوه، وكانوا يسعون وراءهم لعلهم يعذبونهم أيضاً ويعرفون منهم مكان الجسد. وبينما التلاميذ منكمشین هكذا اذا بالرب ظهر وسطهم وقال “سَلاَمٌ لَكُمْ” بصوته المعروف لهم ونغمته المملوءة مجدًا. وها هو بينهم بشخصه وجسده، يريهم جسده ويديه وجنبه فيطفرون بالفرح والنشوة والقوة. وها هو يرسلهم إلى العالم أجمع. مجددًا ماكان قد كلفهم به. كما ينفخ في وجوههم نفخة الروح القدس الذي سبق ووعدهم به مرارًا. على أنه “أَوْصَاهُمْ أَنْ لاَ يَبْرَحُوا مِنْ أُورُشَلِيمَ، بَلْ يَنْتَظِرُوا مَوْعِدَ الآبِ.. لكِنَّكُمْ سَتَنَالُونَ قُوَّةً مَتَى حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْكُمْ، وَتَكُونُونَ لِي شُهُودًا” (أع١: ٤، ۸).

(يو ٢٤- ۲۹) تثبيت توما :

أفادنا الرسول توما في الطريقة التي أتبعها فائدة كبرى فإنه أثبت أن الجسد الذي قام به الرب جسد حقيقي وليس خيالياً. وأما دخوله والأبواب مُغَلَّقَة فهو مثل ولادته والأم العذراء كما هي (أنظر (حز ٤٤: ٢)

(يو3۰- ۳۱) الآيات الواردة :

صنع الرب آيات كثيرة خلال تجسده. وهنا يبين الرسول يوحنا أنه صنع آیات مختلفة بعد قيامته. وإنما ذكر الكتاب ما ذكر اختيارًا للبرهان فقط وعلى سبيل المثال لا الحصر “وهكذا تتبع الآيات المؤمنين” (مر١٦: ١٧).

(يو٢١: ١-١٤) صيد السمك:

ظهر الرب عدة ظهورات للتلاميذ بعد قیامته ولم يمكث معهم لأنه لو استمر معهم لَعَلِمَ الناس وتقاطروا عليه، ولحدث اضطراب شديد كان يضر الكنيسة ضررا بالغًا لأنها لم تكن قد أخذت الروح القدس وكانت نبتة صغيرة لم تشبع بالماء بعد ولم يشتد عودها، فكان يظهر ليثبت قيامته للتلاميذ، ثم يختفي حتى لا يعطيهم فرصة أن يعرفوا مكانه ويستدعوا الجماهير ويثيروا ذلك الاضطراب وهذا ما قاله الرسول لوقا في بداية سفر الأعمال “أَرَاهُمْ أَيْضًا نَفْسَهُ حَيًّا بِبَرَاهِينَ كَثِيرَةٍ، بَعْدَ مَا تَأَلَّمَ، وَهُوَ يَظْهَرُ لَهُمْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَيَتَكَلَّمُ عَنِ الأُمُورِ الْمُخْتَصَّةِ بِمَلَكُوتِ اللهِ” (أع ١: ٣).

ظهر الرب على الشاطئ وكان الفجر. وكانوا داخل الماء بحوالي مئتي ذراع (آیة ۸) ولم يدركوا أنه الرب إلا بعد صيد السمك الكثير بناء على كلمته، وطاعة الرب مصدر القوة والخير.

كان عدد التلاميذ على بحر طبرية سبعة، وهو عدد الكمال، ومعناه أن الكنيسة مهما قل عددها وتشتت بعضها فهي كاملة في النعمة .

جاهد التلاميذ طوال الليل ولم يكن الرب معهم، ولكن حين حضر أعطاهم توجيهه المبارك فتبارك عملهم كثيرًا .

ووقف الرب معهم في صيدهم وشيِّهم للسمك. وجميل أن نختبر وجوده معنا ليس في الأمور الكبيرة فقط بل في الصغيرة أيضًا. إنه معنا ونحن نأكل أو ونحن نائمون أو حين نذاكر أو نعمل .

وقد لا نراه في ضوائقنا لأن الدنيا تكون مظلمة حولنا. لكنه واقف معنا. وقد يتركنا نجاهد وهو مسرور، يرقبنا نتعلم الصبر، ويظهر حين تشرف قوتنا على النفاذ. فلنجعل الرب معنا في الأمور الصغيرة لكي نتمرن على وقوفه معنا في الأمور الكبيرة.

يا للعجب سألهم الرب إن كان عندهم طعام فأجابوه بالنفي!.. سبعة رجال صناعتهم الصيد يقضون الليل بطوله ولا يصطادون شيئاً. أمر مخجل يدل على فشل كبير حتى أنهم لا يجدون ما يكفيهم لإطعام أنفسهم أو لإطعام ضيف واحد. ولكن خلو الحياة من الرب هو خلو من كل شيء وإفلاس في كل شيء .

من عادة الصيادين في فلسطين أن يكون معهم شبكتان واحدة على شكل قمع مرتبطة بحلقة وعصا طويلة يرسلها إلى القاع ليختبر وجود السمك أو يستعملها حين يكون فردًا. ولكن في الجماعات يوقفون أحدهم على الشاطئ ليرقب حركة الشبكة الصغيرة ويوجههم إلى وقت جذب الكبيرة، ولكنهم تجمعوا في السفينة ربما بعد أن يئسوا وخرجوا دون نتيجة لأنه “لاَ بِالْقُدْرَةِ وَلاَ بِالْقُوَّةِ، بَلْ بِرُوحِي قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ” (زك٤: ٦)

أمرهم يسوع أن يلقوا الشبكة على الجانب الأيمن للسفينة، فلما أطاعوا حصلوا على سمك كثير، فالطاعة للرب أساس البركة والأثمار .

أتزر بطرس بالثوب لأن التقليد عند اليهود كان إن كل عمل دیني لا يؤدى إلا والإنسان لابس ملابس الخدمة. وكانت التحية عندهم عملاً دينيًا. وعلينا أن نكون مكتسين بالنعمة أمام الرب .

اختلف المفسرون في محاولة اعطاء معنى للعدد ١٥٣، فقال القديس کیرلس الكبير إن ۱۰۰ ترمز إلى الأمم لأن الراعي حين تكلم عن رعيته قال أنها ١٠٠ خروف، وحين تكلم الرب عن البذرة قال أنها تأتي بثمر ۳۰ ،٦٠، ١٠٠ في حال الكمال، والكمال في خلاص النفوس جاء بدخول الأمم، وعدد ٥٠ يرمز إلى اليهود وعدد ٣ يرمز إلى الثالوث المقدس .

والقديس أوغسطينوس قال أن عدد ۷ يرمز إلى النعمة و ۱۰ يرمز إلى الناموس وبذا يكمل النعمة والناموس في ۷+ ۱۰ = ۱۷، ولو جمعنا مفردات ۱۷ أي ۱ + ۲ + ۳ + … + ۱۷ = ١٥٣، فهذا العدد مفردات عدد النعمة قديمًا وحديثاً .

أما القديس جيروم فقال أن علماء ذلك العصر يحسبون مائة وثلاثة وخمسیں نوعًا من الأسماك ومعنی هذا أن الشبكة جمعت جميع الأنواع وليس من فرق عند الرب بين الأبيض والأسود، العبد أو الحر، والجميع مدعوون للبنوية.

والشبكة هي الكنيسة، وهي لم تتمزق على الرغم من وفرة العدد، وهكذا تُخلِّص الكنيسة الكثيرين وكلما زاد ثمرها في أبنائها كلما احتوتهم.

وإن تناول الرب الطعام معهم اثبات جديد لحقيقة القيامة.

 

العظة الرابعة: القيامة ومشكلات الشباب – للمتنيح بيمن أسقف ملوي [26]

يعاني الشباب هذه الأيام من مشكلات كثيرة بعضها روحي يتعلق بخلاصه، وبعضها اجتماعي يتعلق بحياته النفسية والاجتماعية، والسر في هذا أن شبابنا يفتقر إلى إرشاد روحي سليم، وإلى اختبار مسیحی صادق فيه يبيع الشاب كل ما عنده ليشتري الحقل الذي فيه الكنز، وفيه يخلع الشاب الإنسان العتیق الفاسد ويلبس الإنسان الجديد الموهوب له بالصليب المقدس والقيامة المحيية .

لأجل هذا سيظل الشباب يعاني وسيظل يسأل كثيرا عن وسيلة النجاة إلى أن يدخل إلى الداخل ويعرف أن المعمودية هي موت ودفن للعتيق کي يقوم مع المسيح في جدة الحياة، وإلى أن يعرف أن سر الصليب وسر القيامة لم يكونا فی قوتهما الجبارة لشخص المسيح وحده، وإنما هي قوة مذخره لنا نحن المؤمنین کی نمارسها ونختبرها ونغلب بها ونشهد لها ونكرز من خلالها .

والمسيح له المجد مات وقام لكي يبيد بالموت ذاك الذي له سلطان الموت، وقد أعطى لنا من خلال قيامته حلًا لمشكلة الخطيئة والموت .

والمسيح له المجد أرعب قوات الظلمة بقيامته الجبارة لكي يسكب فينا سلاماً عجيبًا، وينزع منا إلى الأبد كل خوف يعكر صفو الإيمان .

المسيح له المجد أظهر نفسه بعد قيامته ببراهين كثيرة ليحقق للعالم نهوضه المبارك، ويزيل من قلب كل مؤمن ما يزرعه إبليس من شكوك مميتة.

المسيح له المجد، قام بمجد عظيم، وهللت له كل الخليقة، واشتركت الملائكة في إعلان بشرى القيامة، وانتزعت من المجدلية ومن التلاميذ ومن كل مؤمن يحيا في كنيسة الله كل مصدر للحزن الردئ ووجع القلب .

لقد عالج الرب بقيامته ما يعاني منه شبابنا:

❈  مشكلة الخطيئة. ❈  مشكلة الموت. ❈  مشكلة الخوف.
❈  مشكلة الشك. ❈  مشكلة الحزن الردئ ووجع القلب.

 

القيامة ومشكلة الخطيئة

الإنسان بدون المسيح واقع تحت الدينونة لأنه بالآثام حبل به وبالخطايا اشتهته أمه، ليس من يعمل صلاحًا ليس ولا واحد الجميع زاغوا وفسدوا وأعوزهم مجد الله هذا ما عبر عنه الرسول بولس بقوله “بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ، وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ، وَهكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيع” (رو ٥: ١٢)، وفي موضع آخر يقول “أَنْتُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَمْوَاتًا بِالذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا الَّتِي سَلَكْتُمْ فِيهَا قَبْلاً حَسَبَ دَهْرِ هذَا الْعَالَمِ، حَسَبَ رَئِيسِ سُلْطَانِ الْهَوَاءِ، الرُّوحِ الَّذِي يَعْمَلُ الآنَ فِي أَبْنَاءِ الْمَعْصِيَةِ، الَّذِينَ نَحْنُ أَيْضًا جَمِيعًا تَصَرَّفْنَا قَبْلاً بَيْنَهُمْ فِي شَهَوَاتِ جَسَدِنَا، عَامِلِينَ مَشِيئَاتِ الْجَسَدِ وَالأَفْكَارِ، وَكُنَّا بِالطَّبِيعَةِ أَبْنَاءَ الْغَضَبِ كَالْبَاقِينَ أَيْضًا، اَللهُ الَّذِي هُوَ غَنِيٌّ فِي الرَّحْمَةِ، مِنْ أَجْلِ مَحَبَّتِهِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي أَحَبَّنَا بِهَا، وَنَحْنُ أَمْوَاتٌ بِالْخَطَايَا أَحْيَانَا مَعَ الْمَسِيحِ بِالنِّعْمَةِ أَنْتُمْ مُخَلَّصُونَ” (أف٢: ١-٥)، وقد أعتقنا الرب يسوع بموته وقيامته من سلطان الخطية إذ دفع الثمن واشترانا بدمه الغالي وحررنا من أسر إبليس وعبوديته بقيامته المحيية ويمكننا أن نقول إن قيامة المسيح قد أبطلت مفعول الخطية .

  • فبموته وقيامته صار لنا الفداء بدمه .
  • وبموته وقيامته صار لنا التبرير بالإيمان بشخصه .
  • وبموته وقيامته صار لنا المصالحة مع السمائيين عاملًا الصلح بدم صليبه .
  • وبموته وقيامته صار لنا التبني إذ أننا في المسيح يسوع لسنا بعد عبيدا وإنما أبناء أحباء للآب السماوي، والمسيح نفسه صار بكرًا بين أخوة كثيرين .

وقوة القيامة الغالبة التي زلزلت مملكة الشيطان وسبت من سلطانه جميع الأنفس التي تحيا بالإيمان، هذه القوة التي هزأت بمملكة الظلمة التي انطوى تحت لوائها حنانيا وقيافا ويهوذا وبيلاطس وعامة الشعب المرتشون ورؤساء الكهنة الحانقون.

هذه القيامة الجبارة هي للكنيسة كلها ولنا جميعًا نحن المؤمنون، إذ يقول الرسول بولس في رسالته إلى أفسس ” لِتَعْلَمُوا.. مَا هِيَ عَظَمَةُ قُدْرَتِهِ الْفَائِقَةُ نَحْوَنَا نَحْنُ الْمُؤْمِنِينَ، حَسَبَ عَمَلِ شِدَّةِ قُوَّتِهِ، الَّذِي عَمِلَهُ فِي الْمَسِيحِ، إِذْ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ، وَأَجْلَسَهُ عَنْ يَمِينِهِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ، فَوْقَ كُلِّ رِيَاسَةٍ وَسُلْطَانٍ وَقُوَّةٍ وَسِيَادَةٍ، وَكُلِّ اسْمٍ يُسَمَّى لَيْسَ فِي هذَا الدَّهْرِ فَقَطْ بَلْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَيْضًا، وَأَخْضَعَ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ قَدَمَيْهِ، وَإِيَّاهُ جَعَلَ رَأْسًا فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ لِلْكَنِيسَةِ” (أف١٩:١-٢٢) .

وفي سفر الرؤيا يقدم يوحنا الرائي السجود للرب يسوع المسيح الشاهد الأمين البكر من الأموات الذي أحبنا وغسلنا من خطايانا بدمه وجعلنا ملوكا وكهنة الله أبيه. والذي غلب على الصليب ولا يزال يغلب في كنيسته، هو الحي إلى أبد الأبدين يمارس بقوة صليبه وفعل قيامته عمل النصرة في حياة أولاده، وهذا وعده الأمين “مَنْ يَغْلِبُ فَسَأُعْطِيهِ أَنْ يَجْلِسَ مَعِي فِي عَرْشِي، كَمَا غَلَبْتُ أَنَا أَيْضًا وَجَلَسْتُ مَعَ أَبِي فِي عَرْشِهِ” (رؤ ٣ : ٢١) .

لهذا لا يستطيع واحد من أولاد الله أن يقول أن الشيطان غلبني وأن الخطيئة أذلتني.

اذكروا يا أخوة كيف كان القديس أنطونيوس يهزأ بالشياطين ويحتقر سلطانها، واذكروا كيف تحدى الشهداء والنساك جميع صنوف الإغراءات والأهواء في تصميم عنيد وقصد واضح نحو العفة والطاعة والتجرد الكامل .

المسيحي الحقيقي يتمسك بقوة قيامة الرب فيحيا، والمسيحي الحقيقي يتناول من الجسد والدم المحيي فيتغذى وينال مصل الحياة وإكسيرها ضد لدغة الحية القديمة .

والمسيحي الحقيقي يعرف حقيقة ضعفه ومذلته وفساد طبيعته الذاتية ولكنه يحيا بالحياة الجديدة الموهوبة بالنعمة والإيمان والأسرار المقدسة.

القيامة ومشكلة الموت

قبل مجيء المسيح كان الموت أجرة العصيان، والنتيجة الحتمية للفساد الذي دخل حياة الإنسان بحسد إبليس “أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ، وَأَمَّا هِبَةُ اللهِ فَهِيَ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا” (رو٦: ٢٣)، وكان الموت مخيفًا لأن إبليس وجنده كانوا يأخذون الأرواح إلى الهاوية، وكان لعدو الخير سلطان على جميع الأرواح، كما كان له السلطان على كل العالم “رَئِيسَ هذَا الْعَالَمِ يَأْتِي وَلَيْسَ لَهُ فِيَّ شَيْءٌ” (يو١٤ : ٣٠)، وظلت البشرية كلها طوال عصور التاريخ تخشى سطوة الموت تعتبره أكبر عدو للإنسان، وقد سجل لنا العهد القديم قصة حزقيا الملك الذي كان مستقيم القلب أمام الله وأعلمه نبي الله أشعياء بقرب وفاته فحزن حزقيا ووجه وجهه نحو الحائط وبكى بكاء عظيما وصلى قائلاً: آه يارب أنت تعلم كم سرت أمامك بالأمانة وبقلب مستقیم وفعلت الحسن في عينيك، فرجع أشعياء وقال له: الرب قد أزاد على أيامك خمسة عشر سنة وأنقذك من يد ملك آشور، هذا التشبث العجيب بالحياة الأرضية تغير بعد تجسد المسيح وموته وقيامته فالموت بدلًا من أن يكون لعنة صار بركة وربحًا، فالرسول بولس يقول “لِيَ الْحَيَاةَ هِيَ الْمَسِيحُ وَالْمَوْتُ هُوَ رِبْحٌ” (في ۱: ۲۱)، وأخذ يعقد رسول الجهاد مقارنة بين أن يبقى في الجسد خادمًا لإنجيل المسيح أو أن ينطلق للمجد، ففضل الإنطلاق كصورة عكسية تماماً لموقف حزقيا ” وَلكِنْ إِنْ كَانَتِ الْحَيَاةُ فِي الْجَسَدِ هِيَ لِي ثَمَرُ عَمَلِي، فَمَاذَا أَخْتَارُ؟ لَسْتُ أَدْرِي، فَإِنِّي مَحْصُورٌ مِنْ الاثْنَيْنِ: لِيَ اشْتِهَاءٌ أَنْ أَنْطَلِقَ وَأَكُونَ مَعَ الْمَسِيحِ، ذَاكَ أَفْضَلُ جِدًّا، وَلكِنْ أَنْ أَبْقَى فِي الْجَسَدِ أَلْزَمُ مِنْ أَجْلِكُمْ” (فی ۱: ۲۲- ٢٤).

وسمعان الشيخ في الهيكل يقول للرب بعد أن أخذه في حضنه وهو ابن ثمانی أيام ” الآنَ تُطْلِقُ عَبْدَكَ يَا سَيِّدُ حَسَبَ قَوْلِكَ بِسَلاَمٍ، لأَنَّ عَيْنَيَّ قَدْ أَبْصَرَتَا خَلاَصَكَ” (لو۲: ۲۹، ۳۰)، فقبل المسيح كان الموت حبسًا وبعد المسيح صارت الحياة الأرضية سجنًا والموت عبور أو إنطلاقًا إلى ما لم تره عين وما لم تسمع به أذن وما لم يخطر على قلب بشر، ما السر في هذا الانقلاب الخطير؟ الإجابة عن هذا السؤال تكمن في سر موت الرب وقيامته “بالموت داس الموت والذين في القبور أنعم لهم بالحياة الأبدية “.

المسيح إذ مات عنا وهو القدوس، وإذ صار خطيئة ولعنة لأجلنا وهو البار، أعطانا من خلال هذا الفداء أن يكون لنا بره وقداسته، ويعني هذا أن المسيح على الصليب قد أخذ ما لنا الخطية وأعطانا ماله البر الإلهي وبهذا قد تبررنا مجانًا بنعمته أي أننا صرنا أبرارًا ومقبولين أمام الآب السماوي .

كما صالحنا مع السمائيين إذ كنا قبلًا أعداء في الفكر بسبب الأعمال الشريرة، وإذ كان بسبب خطيئة آدم قد مات الجميع فإنه بسبب النعمة والعطية قد صار الكثيرون أبرارًا .

وهذا ما عبر عنه الرسول بولس “لأَنَّهُ إِنْ كَانَ بِخَطِيَّةِ وَاحِدٍ مَاتَ الْكَثِيرُونَ، فَبِالأَوْلَى كَثِيرًا نِعْمَةُ اللهِ، وَالْعَطِيَّةُ بِالنِّعْمَةِ الَّتِي بِالإِنْسَانِ الْوَاحِدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، قَدِ ازْدَادَتْ لِلْكَثِيرِينَ. لأَنَّهُ إِنْ كَانَ بِخَطِيَّةِ الْوَاحِدِ قَدْ مَلَكَ الْمَوْتُ بِالْوَاحِدِ، فَبِالأَوْلَى كَثِيرًا الَّذِينَ يَنَالُونَ فَيْضَ النِّعْمَةِ وَعَطِيَّةَ الْبِرِّ، سَيَمْلِكُونَ فِي الْحَيَاةِ بِالْوَاحِدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ” (رو ٥ : ١٥،۱۷) .

آه يا رب كيف أخاف الموت بعد هذا وأنت قد دسته بقوة صليبك المحيي؟. وكيف أنزعج من الرحيل وأنا واثق أنك فاتح أحضانك الأبوية لتلاقيني عند أعتاب الأبدية؟ .

وكيف أفزع من الفراق وأنا موقن أنك الشفيع الأمين والوسيط الحقيقي الذي أقامني وأجلسني معه محققًا وعدك المبارك ” أَنَا أَمْضِي لأُعِدَّ لَكُمْ مَكَانًا،… حَيْثُ أَكُونُ أَنَا تَكُونُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا” (يو١٤: ٢، ٣) .

أعطني يا رب أن أفهم أن الموت الحقيقي هو الانفصال والابتعاد عنك، وعلمني يا رب أن الحياة هي في الإتحاد بك، لأنك وحدك القيامة والحياة.

ها هو عبدك بولس يعلمنا “وَإِنْ كَانَ رُوحُ الَّذِي أَقَامَ يَسُوعَ مِنَ الأَمْوَاتِ سَاكِنًا فِيكُمْ، فَالَّذِي أَقَامَ الْمَسِيحَ مِنَ الأَمْوَاتِ سَيُحْيِي أَجْسَادَكُمُ الْمَائِتَةَ أَيْضًا بِرُوحِهِ السَّاكِنِ فِيكُمْ” (رو ٨ : ١١) .

ليس الموت هو الرحيل من هذا العالم فالكنيسة تسميه الانتقال، ولكن الموت الحقيقي هو اهتمام الجسد “لأَنَّ اهْتِمَامَ الْجَسَدِ هُوَ مَوْتٌ، وَلكِنَّ اهْتِمَامَ الرُّوحِ هُوَ حَيَاةٌ وَسَلاَمٌ” (رو ٨: ٦).

الموت هو انغلاقي في ذاتي ودوراني حول نفسي. الموت هو الظلمة وأعمال ابليس الشريرة، من كراهية وحسد وبغضة وانحباس أنوار المحبة الإلهية “مَنْ يُبْغِضُ أَخَاهُ فَهُوَ فِي الظُّلْمَةِ، وَفِي الظُّلْمَةِ يَسْلُكُ، وَلاَ يَعْلَمُ أَيْنَ يَمْضِي، لأَنَّ الظُّلْمَةَ أَعْمَتْ عَيْنَيْهِ” (١يو ۲: ۱۱) .

الموت هو عبوديتي للشهوات والأهواء، والحياة هي في تحرري وانطلاقي من كل ما يسبيني إلى ناموس الخطية الكائن في اعضائي.

  • يا رب يا من دست الموت بالموت أعطني قيامة بقيامتك .
  • يا رب يا من قمت منتصرا على قوات الظلمة هبني أن أحيا في حرية مجد الله .
  • يا رب يا من سحق رأس الحية وأبطل عز الموت وحطم متاريس الجحيم وفتح أبواب الفردوس أعطنى يقينًا أن قوة قيامتك كامنة فيَّ ومذخرة لي إن كنت أُسلمك قيادة حياتي ومقاليد أموري .

القيامة ومشكلة الخوف

الخوف هو إحدى ثمار الخطيئة، فالكتاب المقدس يوضح لنا أن الله خلق آدم وحواء ليتمتعا بحياة الشركة المقدسة معه ولقد كان الله يخاطب آدم فمًا لفم، ولكن آدم منذ أن تمرد وسقط في العصيان يقول الكتاب عنه: أنه عندما سمع الصوت الإلهي في الجنة اختبأ وخاف .

فالخوف إذن ضد الإيمان وضد الأبوة والمحبة الإلهية لأني لا أستطيع أن أخاف وأرتعب ممن أحبه فالمحبة الكاملة تطرد الخوف خارجًا، ولكن الخطية أدخلت الخوف إلى الإنسان في مجالاته الثلاثة الخطيرة :

  • الخوف من الله وهذا يثمر خطايا الإلحاد وتأليه الذات والمادة .
  • الخوف من النفس وهذا يثمر اليأس والقلق والانتحار وعقد النقص والأمراض النفسية .
  • الخوف من الناس وهذا يثمر القتل والثورات والحروب .
  • ولكن الرب يسوع بتجسده المبارك وموته المحيي وقيامته المجيدة قد انتزع الخوف من جذوره لأنه انتزع سلطان الخطية من الإنسان، وإذا كان أغسطينوس المغبوط قد صرح أنه لا يخاف شيئًا وأنه صار فوق قمة العالم فذلك لأنه قد أصبح حراً لا يشتهي شيئا ولا يستعبد نفسه لشئ .

فالأمور التي تستعبدنا هي عينها التي تورث لنا الخوف. فالذي يخاف الموت مستعبد للذات، يحب الحياة الأرضية ولا يرضى لنفسه بالعبور ومقابلة الله، أما المؤمن فيقول “إِذَا سِرْتُ فِي وَادِي ظِلِّ الْمَوْتِ لاَ أَخَافُ شَرًّا، لأَنَّكَ أَنْتَ مَعِي” (مز٢٣: ٤)، “اَلرَّبُّ نُورِي وَخَلاَصِي، مِمَّنْ أَخَافُ؟ الرَّبُّ حِصْنُ حَيَاتِي، مِمَّنْ أَرْتَعِبُ؟ عِنْدَمَا اقْتَرَبَ إِلَيَّ الأَشْرَارُ لِيَأْكُلُوا لَحْمِي، مُضَايِقِيَّ وَأَعْدَائِي عَثَرُوا وَسَقَطُوا” (مز١:۲۷، ٢).

والذي يخاف الحكام والسلاطين فذلك لأن أعماله شريرة، لهذا يقول الرسول بولس ” أَفَتُرِيدُ أَنْ لاَ تَخَافَ السُّلْطَانَ؟ افْعَلِ الصَّلاَحَ فَيَكُونَ لَكَ مَدْحٌ مِنْهُ، لأَنَّهُ خَادِمُ اللهِ لِلصَّلاَحِ وَلكِنْ إِنْ فَعَلْتَ الشَّرَّ فَخَفْ، لأَنَّهُ لاَ يَحْمِلُ السَّيْفَ عَبَثًا، إِذْ هُوَ خَادِمُ اللهِ” (رو۳:۱۳، 4)، ويؤكد نفس هذا الاتجاه الرسول بطرس بقوله “وَأَمَّا خَوْفَهُمْ فَلاَ تَخَافُوهُ وَلاَ تَضْطَرِبُوا، بَلْ قَدِّسُوا الرَّبَّ الإِلهَ فِي قُلُوبِكُمْ” (1بط ٣: ١٤، ١٥) فالذي يعيش على مستوى إرضاء الله بكل تدقيق كيف يرتعب من الإنسان .

وغير المؤمن يخاف من المستقبل ويعيش تحت عبودية الخوف خشية لقمة العيش، وأما الذي يؤمن بأن الرب يسوع حي، وأنه وحده المسئول عن حياته يستجيب دائمًا لقول الرب: ” لاَ تَخَافُوا مِنَ الَّذِينَ يَقْتُلُونَ الْجَسَدَ وَلكِنَّ النَّفْسَ لاَ يَقْدِرُونَ أَنْ يَقْتُلُوهَا، بَلْ خَافُوا بِالْحَرِيِّ مِنَ الَّذِي يَقْدِرُ أَنْ يُهْلِكَ النَّفْسَ وَالْجَسَدَ كِلَيْهِمَا فِي جَهَنَّمَ، أَلَيْسَ عُصْفُورَانِ يُبَاعَانِ بِفَلْسٍ؟.. فَلاَ تَخَافُوا أَنْتُمْ أَفْضَلُ مِنْ عَصَافِيرَ كَثِيرَةٍ” (مت۱۰: ۲۸، ٢٩، ٣١) ؛ (لو١٢: ٥- ٧).

هذا يعني أن الإيمان بقوة الرب يسوع وعظم محبته ورعايته يعطى للمؤمن تسليمًا كاملاً واتكالاً شديداً وثقة أكيدة في مواعيده أنه صادق، إنه حي، أمين محب .

ولقد دخل الرب يسوع بعد قیامته من بين الأموات العلية والأبواب مُغَلَّقَة والتلاميذ في رعب وخوف شديد ثم قال: “سَلاَمٌ لَكُمْ”، أما التلاميذ لما رأوا الرب فرحوا فرحا عظيماً. ولا يزال الناهض من بين الأموات مستعدًا أن يدخل هياكلنا حتى ولو كانت حواسها مغلقة، إنه مستعد أن يدخل بطريقة سرية معجزية ويهتف بكلماته الحلوة المعزية سلام لكم وعندئذ ينتزع منا كل رعب لكي نعبد الرب بلا خوف مُنْقَذِينَ مِنْ أَيْدِي أَعْدَائِنَا (لو١: ٧٤) .

أعطني يا من قمت غالبا الموت ألا أخاف من الموت بل أكون مستعداً له فرحا للقائه مع العذارى الحكيمات والعبيد الساهرين الأمناء .

أعطني يا من جلست عن يمين الآب لتشفع فينا ألا أقلق على مستقبلي بل أكون واثقا في رعايتك وحسن تدبيرك أيها الصادق الأمين .

القيامة ومشكلة الشك

الشك ثمرة أخرى من ثمار الخطيئة والتمرد والعصيان ، لأن المؤمن الحقيقي لا يشك، والمحبة تتجاوز الشكوك والهواجس، وبالرغم من أن الرب يسوع کان ينبه أذهان التلاميذ مراراً عن حقيقة موته وقيامته إلا أن التلاميذ لم يكونوا يفهمون ولم يستطيعوا أن يستوعبوا حقيقة الصليب والقيامة، وقد أثبتت أحداث الصليب والقيامة أن آلام المخلص وموته وقيامته لم تكن أمراً يخطر لهم على بال. فقد تركوا الرب عند صلیبه وهربوا (مت٢٦: ٥٦) .

والمريمات ما كن يتوقعن القيامة وإلا فلماذا أخذن معهن حنوطا (مر١٦:١) .

إن الشكوك ظلت تساور المريمات وجماعة التلاميذ حتى بعد القيامة، فالكتاب يقول إن المريمات لما رجعن من القبر يحملن بشرى القيامة للتلاميذ تراءى كلامهن لهم کالهذيان ولم يصدقوهن .

وتلميذا عمواس وهما سائران في الطريق لم يخطر على بالهما أن الذي يكلمهما هو يسوع الناصري. وقد أهتم الرب بأن يدفع الشك من حياة رسله القديسين “اَلَّذِينَ أَرَاهُمْ أَيْضًا نَفْسَهُ حَيًّا بِبَرَاهِينَ كَثِيرَةٍ، بَعْدَ مَا تَأَلَّمَ، وَهُوَ يَظْهَرُ لَهُمْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا” (أع١: ٣)، وقد كانت الوسيلة التي استخدمها الرب لإبطال الشكوك التي ساورت التلاميذ عن قيامته هي أن يقدم لهم ذاته بطرق مختلفة .

فمرة يظهر لمريم المجدلية ويناديها باسمها، ومرة يظهر لبطرس علی حدة، وليعقوب وحده أيضًا .

وهو يقول لهم “اُنْظُرُوا يَدَيَّ وَرِجْلَيَّ: إِنِّي أَنَا هُوَ جُسُّونِي وَانْظُرُوا، فَإِنَّ الرُّوحَ لَيْسَ لَهُ لَحْمٌ وَعِظَامٌ كَمَا تَرَوْنَ لِي. وَحِينَ قَالَ هذَا أَرَاهُمْ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ” (لو٢٤: ٣٩) .

ومرة يكسر الخبز للسائرين معه في الطريق فتنفتح بصيرتهما ويعرفانه بعد أن يكون قلباهما قد التهبا بنار محبته (لو٢٤: ٢٥) .

ومرة يظهر لتوما مع التلاميذ ويقول له: “هَاتِ إِصْبِعَكَ إِلَى هُنَا وَأَبْصِرْ يَدَيَّ، وَهَاتِ يَدَكَ وَضَعْهَا فِي جَنْبِي، وَلاَ تَكُنْ غَيْرَ مُؤْمِنٍ بَلْ مُؤْمِنًا” (یو۲۷:۲۰) .

ومرة يأكل مع التلاميذ جزءا من سمك مشوي وشيئا من شهد عسل (لو٢٤: ٤٢) .

ومرة يظهر للتلاميذ وهم يصطادون سمكًا ويطلب منهم أن يلقوا الشبكة إلى جانب السفينة الأيمن ليجتذبوا سمكًا كثيرًا (يو٢١: ٦).

ومرة يظهر لأكثر من خمسمائة شخص دفعة واحدة. وبعد أن أصبحت قيامة الرب حقيقة تاريخية يقر ويعترف بها الجميع، وبعد أن عاين التلاميذ شخصه المبارك قائما من الأموات “الَّذِي كَانَ مِنَ الْبَدْءِ، الَّذِي سَمِعْنَاهُ، الَّذِي رَأَيْنَاهُ بِعُيُونِنَا، الَّذِي شَاهَدْنَاهُ، وَلَمَسَتْهُ أَيْدِينَا، مِنْ جِهَةِ كَلِمَةِ الْحَيَاةِ” (١يو ۱: ۱) .

فإن الرب يطوب الآن الذين يؤمنون بحقيقة قيامته دون أن يروه، طوبى لمن آمنوا ولم يروا، وفي هذا يقول بطرس الرسول ” مُبَارَكٌ اللهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي حَسَبَ رَحْمَتِهِ الْكَثِيرَةِ وَلَدَنَا ثَانِيَةً لِرَجَاءٍ حَيٍّ، بِقِيَامَةِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ مِنَ الأَمْوَاتِ، لِمِيرَاثٍ لاَ يَفْنَى وَلاَ يَتَدَنَّسُ وَلاَ يَضْمَحِلُّ، مَحْفُوظٌ فِي السَّمَاوَاتِ لأَجْلِكُمْ،.. الَّذِي وَإِنْ لَمْ تَرَوْهُ تُحِبُّونَهُ ذلِكَ وَإِنْ كُنْتُمْ لاَ تَرَوْنَهُ الآنَ لكِنْ تُؤْمِنُونَ بِهِ، فَتَبْتَهِجُونَ بِفَرَحٍ لاَ يُنْطَقُ بِهِ وَمَجِيدٍ” (١بط١: ٣، ٤ و ۸) .

وبالرغم من أن الرسول بطرس عاين الرب وعاش معه وسمع من السماء صوتًا مقبلاً إذ كان معه في جبل التجلي، إلا أنه يجعل الكلمة النبوية أثبت وأقوى في فاعلية الاختبار من الرؤية الحسية والمعاينة الجسدية (۲بط ١: ١٨-۱۹).

ومعنى هذا أننا وقد نلنا الروح القدس المعزى لا يصح لنا أن نطلب دليلًا ماديًا أو معاينة أو مشاهدة على أي مستوى من المستويات، ولكن تبقى في اختبار إيماننا مواعيد الله المستورة في كتابه هي الدليل الأثبت والأقوى .

إن حضور الرب بشخصه المبارك مع أبيه الصالح في قلوبنا لأقوى دليل على حقيقة وجود الله وقيامته من الأموات وصدق ما جاء في كتابه المقدس .

لذلك يحتاج الشباب في هذه الأيام لا أن يبحث عن الله خارجا عنه، ولا أن يجد نفسه في الجري وراء أدلة منطقية وقياسات حسية للتدليل على حقيقته الأبدية. فالدليل موجود في الداخل، نحتاج أن نستفيد من اختبار اغسطينوس الذي تعب كثيراً في البحث عن الله خارجاً عن نفسه وأخيرا وجده في داخله.

نحتاج الا تطلب ما طلبه توما ولا نشتهي أن نعاينة كما عاينه بطرس، لأننا لسنا نعرف الآن المسيح حسب الجسد، ولكن شكرا لله فإن المعمودية والمسحة المقدسة تعطينا الروح الذي يعلمنا كل شئ والذي يجتذبنا إلى شخص الرب مهيئا نفوسنا له كعروس لعريسها .

فاسمح يا رب أن تزيل الشكوك التي يزرعها الملحدون بكتاباتهم المملوءة سمًا وانحرافًا. أزلها بلمسة من لمساتك الخفية. أمحها باكتشاف وإعلان داخلي مجید. أبطلها بكلمة سلام من كلماتك المعزية كما أعطيت لتلاميذك الخائفين المتشككين في العلية .

وليكن لكل واحد من أولادك اختبار صادق حي وشركة مقدسة في الخبز المكسور مع قلب حار ملتهب وبصيرة واعية منفتحة كما أعطيت لتلميذي عمواس في ذلك الزمان .

یا من عالجت الشك عند توما أعط لعبيدك المتشككين أن يضعوا أيديهم على جراحاتك القائمة في حياة المعوزين والمحتاجين والبائسين والمشردين حتی إذا ما انحنوا عليها يتقابلون معك مرددين مع توما ربی و الهي.

يا من فتحت بصيرة تلميذی عمواس بكسر الخبز، الآن أكسر معنا خبزاً وأطعمنا في مخدع الصلاة ومن خلال إنجيلك المعزي وعندما نذهب للقداس الإلهي کی نتناول من المائدة المقدسة .

القيامة ومشكلة الحزن

لقد واجه الرب يسوع في قيامته مشكلة الحزن، فمريم كانت تبكي، والنسوة كن في حيرة شديدة، والتلاميذ كانوا في خوف وحزن أليم، والكنيسة كلها قبل القيامة خيمت عليها سحابة حزن قاتمة، والحزن هو احدی ثمار الخطيئة، لأن الإنسان قبل السقوط لم يكن يعرف الحزن، بل كان يعيش في بهجة دائمة وهي انعكاس الفرح المقدس الذي يحيا فيه الثالوث الأقدس.

والحزن هو الدوران حول الذات، هو علامة على تغرب رؤية وجه الله في الداخل، الإنسان لا يستطيع أن يفرح عندما يدفن نفسه في قبر الخطيئة، وعندما يقبر ذاته في حبس الحزن المرير، الحزن الناتج عن دوران المرء حول نفسه، لأن من يحزن لا يرى إلا نفسه، أما من يدور حول الرب يسوع فبه يفرح وفرحه لا ينزع منه.

والناس يحزنون إما لأنهم يفقدون ما يمتلكون سواء كان هذا عقارا أو ثروة أو أقاربًا، أو لعدم نجاحهم في الوصول إلى ما يبتغونه، فالفشل هو إحدى مداخل الحزن ومصادره عند الإنسان، بل وإن كثيرين يسقطون في بالوعة الحزن واليأس وصغر النفس عندما يجدون أنفسهم مستعبدين لأي نوع ما أنواع العبوديات .

وإذا كانت الملكية وحب القنية هي إحدى أسباب الحزن فالتجرد الداخلي هو من مصادر الفرح .

كان ابن الإنسان على الأرض لا يملك أين يسند رأسه، وكان الرسل لا يمتلكون أموالًا بل كل من كان لديه مقتنيات في كنيسة الرسل كان يبيعها ويضع الأموال عند أقدام التلاميذ، لأجل هذا يقول سفر أعمال الرسل عنهم أنهم كانوا يتناولون الطعام بابتهاج وبساطه قلب، وأنهم كانوا يمتلئون من الفرح والروح القدس (أع ۱۳: ٥٢) .

إن صورة الراهب الحقيقي الذي تجرد من اقتناء أي شيء بملء حريته وإرادته إنما هي صورة مسبقة للملكوت الذي فيه لا يقتني مادة أو جزء لأننا نقتني الكل في الكل، والملكوت هو ملكوت الفرح الأبدي.

وإذا كان الفشل والإحباط أحد مصادر الحزن الإنساني، فإن التسليم المطلق والطاعة الكاملة لمشيئة الله لأكبر مصدر للفرح والسلام الحقيقي، لنذكر الرسولين بولس وسيلا وكيف كانا يصليان ويرنمان في السجن کأعمق دليل على حياة الفرح والسلام والتسليم المطلق في أصعب ظروف تواجه الإنسان في حياته على الأرض.

وإذا كان الانسياق وراء الشهوات هو مصدر رئيسي للحزن، فإن العفة والطهارة إنما هي مصدر أساسي للفرح والسلام الحقيقي، فالذي يضبط جسده أفضل ممن يفتح مدينة، والذي يستطيع أن يعرف نفسه أعظم ممن يشاهد ملائكة .

لقد سكب الرب يسوع أفراح قيامته على الكنيسة فحولها من جماعة حزينة يائسة إلى شعلات نارية ممتلئة فرحا وبهجة وقوة و إيمانًا راسخاً ” وَلكِنِّي سَأَرَاكُمْ أَيْضًا فَتَفْرَحُ قُلُوبُكُمْ، وَلاَ يَنْزِعُ أَحَدٌ فَرَحَكُمْ مِنْكُمْ” (يو١٦: ٢٢) .

نعم يحق للكنيسة أن ترتل مبتهجة بقيامة الرب يسوع لأن قیامتة نزعت كل أسباب الحزن من الإنسان.

وما كان سبب وجع مرير صار مصدر فرح داخلي مجید، لقد سكب الرب في داخل كل مؤمن السلام الحقيقي والنصرة والغلبة على الخطيئة وفتح البصيرة على الرجاء المبارك والإكليل المعد للمختارين. نعم لنرنم مع كنيسة الله من كل القلب فرحين “يا كل الصفوف السمائيين رتلوا لإلهنا بنغمات التسبيح وابتهجوا معنا اليوم فرحين بقيامة السيد المسيح اليوم انتشرت أعلام الخلاص وتجددت الأجسام والأرواح وفاز المؤمنون بالصفح عن القصاص ومجدو االله بالتسابيح والأفراح”.

هبني يا رب نعمة ألا أدور حول ذاتي لئلا أسقط في الحزن الرديء، وأعطني كلما أنغلق في همومي أن أقف أمامك باكيًا مع المجدلية منتظراً لقياك کی تعزینی، فأخرج من حبس نفسي مبتهجًا مبشرًا، أنادي معك للمسبين بالعتق وللماسورين بالإطلاق وأعطى نائحي صهیون جمالًا عوضًا عن الرماد ودهن فرح عوضًا عن النوح وروح تسبيح عوضًا عن الروح اليائسة .

هبني يا رب أن أتمتع بخلاصك كل حين كي أردد مع عبدك إشعياء “فَرَحًا أَفْرَحُ بِالرَّبِّ تَبْتَهِجُ نَفْسِي بِإِلهِي، لأَنَّهُ قَدْ أَلْبَسَنِي ثِيَابَ الْخَلاَصِ كَسَانِي رِدَاءَ الْبِرِّ، مِثْلَ عَرِيسٍ يَتَزَيَّنُ بِعِمَامَةٍ، وَمِثْلَ عَرُوسٍ تَتَزَيَّنُ بِحُلِيِّهَا” (إش٦١: ١٠).

وعرفني أنني واحد من جماعة المفديين الذين دُفع غاليا لأجلهم دم حمل کریم بلا عيب، “وَمَفْدِيُّو الرَّبِّ يَرْجِعُونَ وَيَأْتُونَ إِلَى صِهْيَوْنَ بِالتَّرَنُّمِ، وَعَلَى رُؤُوسِهِمْ فَرَحٌ أَبَدِيٌّ ابْتِهَاجٌ وَفَرَحٌ يُدْرِكَانِهِمْ يَهْرُبُ الْحُزْنُ وَالتَّنَهُّدُ” (إش٥١: ١١) .

وان حاولت أمواج العالم المحزنة القائمة أن تغمر نفسي فاسمح يا صخر الدهر أن تكسرها وتحطمها وتوقفني فوقها فرحًا في الرجاء وتقيمني غير عاثر فی الابتهاج، ولترفع يا رب أنظار شعبك كله إلى أورشليم التي أعددتها كعروس مزينة لعريسها، هناك لا يكون الموت فيما بعد ولا يكون حزن ولا وجع لأن الأمور الأولى قد مضت .

  • هليلويا المسيح قد قام .
  • هليلويا بالحقيقة قد قام .
  • اخرستوس آنستی .. اليثوس آنستی.

 

العظة الخامسة: أدلة قيامته – الارشيدياكون بانوب عبده [27]

وأخيراً لو كان الجسد أختفي بطريقة من الطرق كما يدعي الناقدون، لما ظل سر اختفائه مكتوماً مدة طويلة، لوجود الكثيرين الذين يعرفون سر هذا الاختفاء، ويسارعون إلى الإرشاد إلى مكانه، حتي يقضوا على ما ينادي به الرسل من قيامة المخلص بالجسد! ومن كل ما تقدم يتضح أن قضية القبر الفارغ كانت ولا تزال أكبر دعامة تستند عليها عقيدة قيامة مخلصنا بالجسد من بين الأموات.

  • لمن ظهر الرب أولاً بعد القيامة:

ينفرد الأنبا بولس البوشي أسقف مصر بقوله في ميمره على القيامة [إن الرب أول ما ظهر لوالدته من دون كافة البشر، وهي التي بالحقيقة تجل عن الكل وهي بدء الأفراح وأول كل المسرات، ثم أول من ظهر له من الغرباء مريم المجدلية لأجل محبتها في الرب، وأول من ظهر له من الرجال بطرس]،

ثم يمضي فيفصل قوله مبيناً أن مرقس أراد ألا يأخذ في القيامة بشهادة الأقارب بل الغرباء كما يكون بين الناس فذكر أولًا مريم المجدلية، وذلك عندما قال: “وَبَعْدَمَا قَامَ بَاكِرًا فِي أَوَّلِ الأُسْبُوعِ ظَهَرَ أَوَّلاً لِمَرْيَمَ الْمَجْدَلِيَّةِ، الَّتِي كَانَ قَدْ أَخْرَجَ مِنْهَا سَبْعَةَ شَيَاطِينَ” (مر ١٦: ٩)، أما بولس فسار على جاري عادة الناموس لأن الناس لم يروا شهادة النسوة بل الرجال، فذكر بطرس أولًا حينما قال ” فَإِنَّنِي سَلَّمْتُ إِلَيْكُمْ فِي الأَوَّلِ مَا قَبِلْتُهُ أَنَا أَيْضًا: أَنَّ الْمَسِيحَ مَاتَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا حَسَبَ الْكُتُبِ، وَأَنَّهُ دُفِنَ، وَأَنَّهُ قَامَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ حَسَبَ الْكُتُبِ، وَأَنَّهُ ظَهَرَ لِصَفَا ثُمَّ لِلاثْنَيْ عَشَرَ” (١كو ١٥: ٣- ٥)، وهو تأييد لقول لوقا إن الأحد عشر كانوا مجتمعين هم والذين معهم “وَهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ الرَّبَّ قَامَ بِالْحَقِيقَةِ وَظَهَرَ لِسِمْعَانَ” (لو٢٤: ٣٤). وهكذا أخذ بولس الشهادة من الرجال لأنهم هم الذين شهدوا بالقيامة عند كل أحد، ولم يرد ذكر النساء لا في حال القيامة ولا بعدها، وفيما يلي تفصيل للمناسبات التي ظهر فيها الرب مرة للمجدلية ثم لبطرس .

  • تردد النسوة إلى القبر:

إن الحكمة الإلهية اقتضت أن يكون جنس المرأة هو أول من يسمع خبر القيامة من الملاك، وأول من يرى الرب ويسمع صوته القائل “سلام لكما” لأن المرأة كانت أول من أعار سمعه لغواية الحية، وأول من خالف الوصية برؤية الشجرة التي مُنعت عنها والتي بسببها حكم عليها بالألم، ولما كانت أول من قطع وأبعد عن الله، فقد سمح المخلص للمرأتين أن تسجدا له وتقبلا قدميه، وبما أنها بالنسبة لآدم كانت سبباً للألم فقد شاء رب المجد أن تصير بالنسبة للرجل رسول فرح، وذلك بأمره الصادر للمرأتين أن تشتركا في جلب الفرح لتلاميذه، وهكذا عالج السيد الأمر بمثله، وقد كان تردد النسوة إلى القبر على أربع دفعات اشترك في روايتها البشيرون الأربعة بترتيبها الآتي :

الدفعة الأولى: هذه الدفعة ذكرها متى (مت ٢٨: ١- ١٥) إذ قال إنه عند فجر أول الأسبوع أي الأحد، وافت مريم المجدلية ومعها مريم الأخرى، وهي أم يعقوب ويوسي وأخت السيدة العذراء، وشاهدتا ملاكًا أخبرهما بقيامة الرب، ثم إنهما نظرتاه وأنفذهما ليبشرا تلاميذه، وفيما هما ذاهبتان دخل الحراس وأخبروا الكهنة، وهؤلاء أعطوهم رشوة ليسكتوا، ومريم المجدلية لعظم الأمر شكت في قيامته مثل توما.

الدفعة الثانية: ويروي هذه الدفعة يوحنا الأنجيلي (يو٢٠: ١- ١٨)، فالمجدلية لعظم الأمر وغرابة ما شاهدت ساورتها الشكوك كما مر بنا، ولذا رجعت إلى القبر ثانية باكراً والظلام باق فنظرت الحجر مرفوعاً، فأسرعت إلى سمعان بطرس ويوحنا وقالت لهما “أخذوا السيد من القبر ولسنا نعلم أين وضعوه”. فأسرع هذان إلى القبر فوجدا الأكفان والمنديل بجانبها، فعادا وقد حصلا على بعض اليقين من قيامته، أما مريم فكانت واقفة عند القبر تبكي، وبينما هي كذلك إذا بملاكين يسألانها عن سبب بكائها، ثم لاحت منها التفاتة فرأت الرب وظنته البستاني ولما حاولت أن تقبل قدميه بعد معرفته قال لها “لا تلمسيني” وأمرها بالعودة إلى التلاميذ، فعادت وأخبرتهم “أنها رأت الرب وأنه قال لها هذا”.

الدفعة الثالثة: وهذه الدفعة يرويها لوقا (لو ٢٤: ١- ٦) وفيها يقول إن المريمات “في أول الأسبوع أول الفجر أتين إلى القبر حاملات الحنوط الذي أعددنه ومعهن أناس” فشاهدن ملاكين قالا لهن “لماذا تطلبن الحي بين الأموات، ليس هو ههنا لكنه قام” فرجعن من القبر وأخبرن التلاميذ ،وكان من بينهن أخت السيدة العذراء التي سماها لوقا “مريم أم يعقوب” فتراءى كلامهن لهم كالهذيان .

الدفعة الرابعة: أما هذه الدفعة فيرويها مرقس (مر ١٦: ١- ٨) وفيها يقول إنه “بعد ما مضي السبت اشترت مريم المجدلية ومريم أم يعقوب وسالومة حنوطاً ليأتين ويدهنه” ولما دخلن القبر رأين ملاكًا واحداً قال لهن “أنتن تطلبن يسوع الناصري المصلوب، قد قام” فخرجن سريعاً وهربن من القبر “لأن الرعدة والحيرة أخذتاهن ولَم يقلن لأحد شيئاً لأنهن كن خائفات”.

والخلاصة أن المجدلية جاءت خمس دفعات، أولًا مع مريم الأخرى عشية السبت التي هي ليلة الأحد، وثانياً باكراً كما قال يوحنا، وثالثاً مع سمعان ويوحنا، ورابعاً مع الجليليات، وخامساً مع سالومة ..

ووالدة الإله جاءت ثلاث دفعات أولًا مع مريم المجدلية، وثانياً مع الجليليات، وثالثاً مع سالومة، لأنها لم تشك في قيامته في الدفعة الأولى، وكان ترددها لكثرة فرحها وشوقها، ومن هذا يعلم أن تكرار التردد يرجع إلى فرط الشوق أو التشكك .

ويستنتج مما تقدم أنه لو كان الأنجيليون الأربعة ذكروا وصولا واحداً للنسوة في لحظة واحدة، أو قالوا إن نفس الملائكة ظهروا لهن، أو قالوا إن الظهور الواحد أو الرؤية الواحدة حدثت في أوقات مختلفة لكانت رواياتهم عرضة للوم، ولكن الأوقات والشخصيات مختلفة والظهورات ليست واحدة ، وقد أراد الله أن تكون معجزة القيامة الصعبة في تصديقها مصدقة بطرق شتى .

  • الأكفان في موضعها:

مر بنا عند كلامنا على تردد مريم المجدلية على القبر في الدفعة الثانية، أنها لما رأت الحجر مرفوعاً أسرعت بإخبار سمعان بطرس ويوحنا، وهذان جريا إلى القبر بغير خوف لأن الجو كان هادئاً والظلام ما يزال باقياً، وكان قلبهما عامراً بالثقة، وسبق يوحنا بطرس “وانحنى فنظر الأكفان موضوعة ولكنه لم يدخل، ثم جاء سمعان بطرس يتبعه ودخل القبر ونظر الأكفان موضوعة والمنديل الذي كان على رأسه ليس موضوعاً مع الأكفان بل ملفوفاً في موضع وحده” (يو ٢٠: ٥- ٧) .

أما أن الأكفان كانت موضوعة فما كان ممكنا أن يحدث لوكان الجسد قد سرق، لأن أول ما يريده اللصوص هو أن يسلبوا الموتى، ثم يتمموا السرقة بكل سرعة حتي لا يضبطوا متلبسين، وإذا عرفنا أن يوحنا كان قد ذكر عند تكفين يسوع أن يوسف ونيقوديموس قد “أخذا جسد يسوع ولفاه بأكفان مع الأطياب كما لليهود عادة أن يكفنوا” (يو ١٩: ٤٠)، لأدركنا أن حل الأربطة وسلخ الأكفان من الجسد اللاصقة به ليس بالأمر الهين على اللصوص بل هو عمل متعب، فوق أن الأكفان لابد أن تتمزق قبل نزعها لأنها كانت ملتصقة بالجسد بمزيج العود والمر الذي حمله نيقوديموس (يو ١٩: ٣٩)، ويضاف إلى ما تقدم أنه لو كان الجسد قد سرق لأخذ اللصوص الأكفان أيضاً، ولو كانوا تركوها لما جعلوها بالترتيب وكمال النظام، بل كانوا يتركوها مبعثرة كيفما اتفق .

وفيما يتعلق بالمنديل الذي كان على رأس المخلص، وأنه لم يكن موجوداً مع الأكفان بل ملفوفاً على حدة في ناحية، ففي ذلك دلالة واضحة علي عدم وجود أي اضطراب، فكيف يتأتى هذا لو كان اللصوص قد حملوا الجسد! الواقع أن اللصوص لا يجدون الوقت ولا الضمان الكافي للف المنديل بنظام حسن ووضعه في ناحية! وعلاوة على أن هذا التصرف يظهر حقيقة القيامة بوضوح، فهو يكشف عن سر جليل يليق بالله، فالرأس يمثل اللاهوت كقول بولس “ورأس المسيح هو الله” (1كو ١١: ٣)، والأسئلة المتعلقة باللاهوت تبقي غير قابلة للتفسير، إلى أن تشرح الأشياء الخارجية المتعلقة بالجسد الجائلة على الأرض بين الناس والتي يرمز إليها بالأكفان .

هذا وترك المسيح الأكفان هو لتعليمنا أن الأجساد في القيامة العامة لا تحتاج إلى ثياب بل تعتاض عنها باللباس الذي لا يفسد ولا يبلى .

وبطرس ويوحنا إذ رأيا كل ذلك آمنا (يو٢٠: ٨)، لأنهما لم ينظرا ببساطة بل بذكاء عال رسولي، ولقد كان القبر في الواقع مليئاً بالنور، حتي أنهما على الرغم من الليل نظرا بوضوح بالجسد وبالروح ما كان موجوداً في الداخل، لأنه إن كان الأبرار دائماً في النور كما يقرر سفرالأمثال (أم ١٣: ٩) فكم بالحري إله الأبرار!.

 

العظة السادسة: ظهور الرب القائم من الأموات لبطرس – للمتنيح القمص إشعياء ميخائيل [28]

  • “اذْهَبْنَ وَقُلْنَ لِتَلاَمِيذِهِ وَلِبُطْرُسَ: إِنَّهُ يَسْبِقُكُمْ إِلَى الْجَلِيلِ هُنَاكَ تَرَوْنَهُ كَمَا قَالَ لَكُمْ” (مر ١٦: ٧) .
  • “فَقَامَ بُطْرُسُ وَرَكَضَ إِلَى الْقَبْرِ، فَانْحَنَى وَنَظَرَ الأَكْفَانَ مَوْضُوعَةً وَحْدَهَا، فَمَضَى مُتَعَجِّبًا فِي نَفْسِهِ مِمَّا كَانَ” (لو ٢٤: ١٢) .
  • “إِنَّ الرَّبَّ قَامَ بِالْحَقِيقَةِ وَظَهَرَ لِسِمْعَانَ” (لو٢٤: ٣٤).
  • “فَخَرَجَ بُطْرُسُ وَالتِّلْمِيذُ الآخَرُ وَأَتَيَا إِلَى الْقَبْرِ وَكَانَ الاثْنَانِ يَرْكُضَانِ مَعًا فَسَبَقَ التِّلْمِيذُ الآخَرُ بُطْرُسَ وَجَاءَ أَوَّلاً إِلَى الْقَبْرِ، وَانْحَنَى فَنَظَرَ الأَكْفَانَ مَوْضُوعَةً، وَلكِنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ ثُمَّ جَاءَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ يَتْبَعُهُ، وَدَخَلَ الْقَبْرَ وَنَظَرَ الأَكْفَانَ مَوْضُوعَةً، وَالْمِنْدِيلَ الَّذِي كَانَ عَلَى رَأْسِهِ لَيْسَ مَوْضُوعًا مَعَ الأَكْفَانِ، بَلْ مَلْفُوفًا فِي مَوْضِعٍ وَحْدَهُ” (يو٢٠: ٣- ٧).
  • “وَأَنَّهُ ظَهَرَ لِصَفَا ثُمَّ لِلاثْنَيْ عَشَرَ” (اکو ١٥: ٥).

حقائق:

  • من رواية القديس لوقا “إِنَّ الرَّبَّ قَامَ بِالْحَقِيقَةِ وَظَهَرَ لِسِمْعَانَ” (لو٢٤: ٣٤)، وكذلك من رواية رسالة كورنثوس وَأَنَّهُ ظَهَرَ لِصَفَا ثُمَّ لِلاثْنَيْ عَشَرَ” (اکو ١٥: ٥)، يفيد أن الرب بعد قيامته ظهر لبطرس ظهوراً خاصاً غير ظهوره للتلاميذ وهذا ليس امتيازاً خاصاً لبطرس ولكن هي بركة لتوبته ونعمة ومكافأة لرجوعه .

وهكذا أن الرب يفرح برجوع الخاطىء ويعطيه أكثر من الذي لم يخطىء “حَيْثُ كَثُرَتِ الْخَطِيَّةُ ازْدَادَتِ النِّعْمَةُ جِدًّا” (رو ٥: ٢٠) وهذا للتشجيع ولبعث روح الرجاء وليس لرئاسة وعظمة على الباقين.

  • إن بطرس تمتع ببركة القيامة أكثر من مرة ففي المرة الأولى ظهر له الرب بمفرده وفي المرة الثانية ظهر له الرب مع التلاميذ بدون توما. وفي المرة الثالثة ظهر له الرب مع التلاميذ ومعهم توما. وفي المرة الرابعة حين ظهر الرب له مع ستة تلاميذ آخرين حين كانوا على بحر طبرية وقت أن قال لهم بطرس “أنا أذهب لأتصيد”. وفي المرة الخامسة تمتع بطرس بظهور الرب يوم صعوده، حيث ذهب التلاميذ إلى الجليل وهناك على الجبل “وَأَخْرَجَهُمْ خَارِجًا إِلَى بَيْتِ عَنْيَا، وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَبَارَكَهُمْ وَفِيمَا هُوَ يُبَارِكُهُمُ انْفَرَدَ عَنْهُمْ وَأُصْعِدَ إِلَى السَّمَاءِ فَسَجَدُوا لَهُ وَرَجَعُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ” (لو٢٤: ٥٠- ٥٢).
  • إن رؤية بطرس للقبر الفارغ والأكفان موضوعة كما هي “وَالْمِنْدِيلَ الَّذِي كَانَ عَلَى رَأْسِهِ لَيْسَ مَوْضُوعًا مَعَ الأَكْفَانِ، بَلْ مَلْفُوفًا فِي مَوْضِعٍ وَحْدَهُ” (يو۷:۲۰) هو الدليل على قيامة الرب بالقوة الإلهية وأنه لم يدخل القبر أي أحد من الحراس أو غيرهم. وأن القيامة هي عمل إلهي يُعلن بر الصليب، ولذلك فإن الرب “أُسْلِمَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا وَأُقِيمَ لأَجْلِ تَبْرِيرِنَا” (رو٤: ٢٥) .

إن هذه الحقائق ليست حقائق مجرده ولكن لنا فيها تأمل وغذاء لارواحنا:

١- إن ظهور الرب بعد قيامته لم يكن مشاعًا للجميع، بل كان مقصورًا على المؤمنين فقط. ولذلك فإن الرب قبل القيامة رآه الجميع من آمن ومن لم يؤمن، أما بعد القيامة فلم يره غير المؤمنين به فقط .

٢- قيامة الرب هي قوة “لأَعْرِفَهُ، وَقُوَّةَ قِيَامَتِهِ” (في٣: ١٠) تعمل في ضعفاتنا وتحررنا من كل ما هو محدود .

٣- ظهورات الرب بعد القيامة كانت محددة الأهداف ومحددة الأشخاص، وهذا معناه أن مجد الرب في الملكوت لن يكون إلا للذين استعدوا “هؤُلاَءِ هُمُ الَّذِينَ أَتَوْا مِنَ الضِّيقَةِ الْعَظِيمَةِ، وَقَدْ غَسَّلُوا ثِيَابَهُمْ وَبَيَّضُوا ثِيَابَهُمْ فِي دَمِ الْخَرُوفِ” (رؤ ٧: ١٤) .

٤- إن بطرس قد قدم توبته قبل القيامة، وهكذا استحق أن ينال بركة رؤية الرب القائم من الأموات. ونحن يجب أن نكمل توبتنا قبل مجيء يوم الرب العظيم حيث يجازي كل أحد بحسب أعماله حتى نفرح بمجد الرب .

٥- إن أمر الرب لمريم المجدلية ومريم أم يعقوب وسالومة “اذْهَبْنَ وَقُلْنَ لِتَلاَمِيذِهِ وَلِبُطْرُسَ: إِنَّهُ يَسْبِقُكُمْ إِلَى الْجَلِيلِ هُنَاكَ تَرَوْنَهُ” (مر١٦: ٧) هو رسالة حب حملتها حاملات الحنوط وبلغنها للتلاميذ ولبطرس. وهنا انتفض بطرس ليتأكد بصدق وبقوة أنه قد استعاد مكانته بين التلاميذ وأن الرب قبل توبته ويشجعه إذ يرسل له هذه الرسالة الخاصة .

ولذلك فإن الرب كثيراً ما يستخدم معنا هذا الأسلوب، ونحن نظن أننا نمتاز على الآخرين فنتعالى عليهم ونحتقرهم. ولكن كل موهبة وكل نعمة وكل رسالة خاصة تأتي إلينا من الرب لها معنی واحد فقط أننا خطاة مقبولون وأن حب الرب يفسح لنا مكانًا ليكون لنا نصيب وسط قديسيه .

وحين أراك أفرح بلقائك ثم أخرج لأکرز بصليبك وقيامتك، فيؤمن الكل بك إلى أن أفرح بالأبدية وبملكوتك .

يا رب إن قیامتك هي باعثة الرجاء، لأنك أنت هو قیامتي من كل ضعف ومن كل خطية ومن كل سقوط.

يا رب بقيامتك أقم كل ضعف فيَّ واجعل لي نصيباً مع تلاميذك وقديسيك في قيامتك آمين .

 

العظة السابعة: خبرة القيامة – للأب ليف جيليه [29]

هذا هو اليوم الذي صنعه الرب لكي نفرح ونتهلل فيه”. هكذا تنشد الكنيسة في احدى تسابيح خدمة أحد الفصح. لماذاالفرح والتهليل؟ لأن المحبة قوية كالموت، والمياه القوية الجارفة لن تقضي عليها، كما يقول نشيد الأنشاد، لأن الظلمات لم تتمكن من خنق النور، لأن مخلصنا قد نهض من القبر حياً، ممجداً. ولأن الفصح أيضًا يجلب لنا نحن بالذات كلمة قيامة وحياة، يدعونا إلى حياة قيامة، إلى حياة جديدة، إلى حياة متحررة من سلطان الشر، ترنو برجاء الى الذي غلب الخطيئة والموت .

ومع ذلك فلن يكون فرحنا بالفصح أبدًا كفرح التلاميذ الذين لهم ظهر يسوع بعد قيامته. لقد رأى التلاميذ والنسوة حاملات الطيب المسيح الناهض، رأوه بأعينهم، رأوه في جسده، سمعوه ينطق. ويذكر القديس بولس، فيما يكتب إلى أهل كورنثوس، أن المسيح الناهض من القبر لم يظهر فقط للاثنى عشر بل لأكثر من خمسمائة من الأخوة، وأكثرهم كان على قيد الحياة وقت أن كتب بولس رسالته. ويقول القديس يوحنا في رسالته الأولى: الذي رأيناه بعيوننا الذي تأملناه ولمسته أيدينا به نبشركم. من حظ الجيل المسيحي الأول أنه رأى السيد قبل موته وبعد قيامته.

أما بالنسبه لنا فالأمر ليس هكذا إلا في بعض الحالات الاستثنائية، وهي أكثر مما نظن غالباً. ليس المسيح الناهض مرئيًا الآن بالنظر أو محسوسًا بأي حاسة أخرى من الحواس. لقد صار ت قيامة الرب بالنسبة لنا موضوع إيمان. إننا نؤمن بالقيامة. وللوهلة الأولى يضعنا هذا الإيمان في حالة أدنى من التي عرفها التلاميذ الذين رأوا القيامة وتلمسوها. ألا نجد أننا أقل حظًا إذا قارنا فرحنا الفصحي بفرح الشهود الأولين، بفرح الذين رأوا السيد الغالب الموت؟.

يجب الجواب الصريح: لا ويجب أن نشدد على هذه النقطة.لأن فيها جوهر بشرى القيامة، لأن فيها قلب هذه البشرى. لنا نحن اليوم بالذات، خبرة حية لقيامة المخلص .

إن هذه الخبرة تختلف دون شك عن التي إختبرها التلاميذ. فليس المقصود بعد رؤية حسية للقيامة بل خبرة داخلية. خبرة روحية، يمكنها مع ذلك أن تغدو خارجية وحسية في التصرف والعمل. أنها كخبرة الشهود الأولين من حيث صحتها وحقيقتها. سنرى أيضا إن خبرتنا نحن للمسيح الناهض قد تتخطى في بعض النواحي، خبرة التلاميذ .

كيف بإمكاننا أن نعرف اليوم حقيقة شخصية لقيامة المسيح؟

عندنا، بداهة، اللقاء الحسي الروحي بشخص المخلص، لقاؤه في جسده ودمه. ويجد هذا اللقاء التعبير عنه في اشتراكنا في القربان المقدس. عندنا أيضًا اللقاء الحميم الشخصي، لقاء الشخص مع الشخص أو بالأحرى لقاء القلب مع القلب الذي يتم عندما لا تعود صلاتنا الفردية نصًا نردده بفعل الممارسة، عملاً أليًا بل تغدو حوارًا وأكثر من حوار مع المعلم، تغدو توثب حب واتحاداً صرفًا صامتاً نحو الحنان المطلق والرحمة المطلقة .

ومع ذلك فإننا نركز على ناحية أخرى من خبرتنا الحالية للقيامة. لقد دعا ربنا يسوع المسيح الرسول توما ليقرب اصبعه ويقدم يده ويلمس جراحات آلامه. لا يمكننا أبداً، اليوم، أن نلمس الجراح التي عرفها جسد المسيح التاريخي ولكن بإستطاعتنا في كل يوم، في كل لحظة أن ندنو من جراحه، من شقاء أنفس البشر وأجسادهم. وكلما فعلنا ذلك من كل قلبنا، بمحبة كلية تمحو كل تعلق بالذات، نشعر بوجود المسيح. أنه وجود حي، حاد، قوي حتى أننا لا نستطيع الشك فيه. وعندئذ نعرف خبرة صحيحة لقيامة الرب .

لقد عرف التلاميذ خبرة وجود الرب الناهض قبل القيامة وبعدها. ولكنه كان وجودًا محدودًا، محصورًا في نقطة. أما إذا آمنا، إذا شعرنا أن المسيح حاضر بالنسبة لنا بشكل جديد حيثما نحب بصدق وإخلاص، فتصبح خبرتنا للقيامة أوسع وأشمل من خبرة التلاميذ.

فلنرفع إلى الرب، في هذا الفصح الشكر لأنه وسع إلى أبعد الحدود خبرة الناس لقيامة المسيح، ولأنه علمنا أن الحب الناهض، هو دومًا حب بلا حدود .

 

 

 

 

المراجع

 

[1] افتتاحية مجلة مرقس – ديسمبر ١٩٩٧.

[2] التعليم عن الخلاص للقديس كيرلس  – دراسات آبائية ولاهوتية – يناير ٢٠٠٢ – ص٧ – د.ميشيل بديع عبد الملك – مؤسسة القديس أنطونيوس للدراسات الأبائية.

[3] Lienhard,J.T. & Oden, T.C. (2001). Exodus,Leviticus,Numbers,Deuteronomy (The Ancient Christian Commentary on Scripture, Old Testament partIII). Illinois (U.S.A): InterVarsity Press. Page 335.

[4] Elliott, M.W. & Oden,T.C.(2007). Isaiah 40-66 (The Ancient Christian Commentary on Scripture, Old Testament part XI). Illinois (U.S.A): InterVarsity Press. Page 226

[5] Elliott, M.W. & Oden,T.C.(2007). Isaiah 40-66 (The Ancient Christian Commentary on Scripture, Old Testament part XI). Illinois (U.S.A): InterVarsity Press. Page 40

[6] Elliott, M.W. & Oden,T.C.(2007). Isaiah 40-66 (The Ancient Christian Commentary on Scripture, Old Testament part XI). Illinois (U.S.A): InterVarsity Press. Page 119

[7] Wenthe,D.O. & Oden, T.C. (2009). Jeremiah,Lamentations (The Ancient Christian Commentary on Scripture, Old Testament partXII). Illinois (U.S.A): InterVarsity Press. Page 210

[8] Ferreiro, A. & Oden, T.C. (2003). The Twelve prophets (The Ancient Christian Commentary on Scripture, Old Testament partXIV). Illinois (U.S.A): InterVarsity Press. Page 201

[9] Ferreiro, A. & Oden, T.C. (2003). The Twelve prophets (The Ancient Christian Commentary on Scripture, Old Testament partXIV). Illinois (U.S.A): InterVarsity Press. Pages 236,237

[10] مقدمة كتاب من تأملات الآباء في القيامة – دكتور وهيب قزمان.

[11] كتاب السنة الكنسية القبطية – ص ٥٦ – يسي عبد المسيح – إصدار الأغنسطس نبيل فاروق فايز.

[12]  كتاب البابا أثناسيوس الرسولي معلم الكنيسة صفحة ٢١٨ – إعداد مينا بديع عبد الملك.

[13] شرح إنجيل يوحنا للقديس كيرلس الأسكندري – المجلد الثاني صفحة ٤٨٨ – ترجمة دكتور نصحي عبد الشهيد وآخرون.

[14]  تفسير مزمور ١١٥ – القمص تادرس يعقوب ملطي.

[15] كتاب من تأملات الآباء في القيامة – صفحة ٦ – ترجمة دكتور وهيب قزمان – كنيسة السيدةالعذراء محرم بك بالإسكندرية.

[16] تفسير سفر ناحوم – الإصحاح الأول – القمص تادرس يعقوب ملطي.

[17]  تفسير سفر أيوب – إصحاح ١٦ – القمص تادرس يعقوب ملطي.

[18]  كتاب عظات على سفر أعمال الرسل – للقديس يوحنا ذهبي الفم – صفحة ٨٠ – ترجمة دكتور جورج عوض إبراهيم.

[19] تفسير سفر أيوب إصحاح ٣٨ – القمص تادرس يعقوب ملطي.

[20] كتاب من تأملات الآباء في القيامة – صفحة ١٥ – ترجمة دكتور وهيب قزمان – كنيسة السيدة العذراء محرم بك بالإسكندرية.

[21] كتاب من تأملات الآباء في القيامة – صفحة ١٥ – ترجمة دكتور وهيب قزمان – كنيسة السيدة العذراء محرم بك بالإسكندرية..

[22] كتاب من مجد إلي مجد –  صفحة ١٩١ – تعريب القمص إشعياء ميخائيل.

[23]  كتاب تأملات في القيامة – المتنيح البابا شنودة الثالث.

[24]  كتاب المنجلية القبطية الأرثوذكسية صفحة 383 – البابا تواضروس الثاني.

[25] كتابي دراسات في الكتاب المقدس – إنجيل متي إصحاح ٢٨، وإنجيل يوحنا إصحاح ٢٠، ٢١ – الأنبا أثناسيوس مطران بني سويف والبهنسا.

[26] كتاب موسوعة الأنبا بيمن – المجلد الثاني – صفحة 2٢٠ – إصدار مطرانية ملوي وأنصنا والأشمونين.

[27] كتاب كنوز النعمة لمعونة خدام الكلمة  – الجزء السادس صفحة ٨٣.

[28] كتاب صياد الجليل بطرس الرسول – صفحة ١١٥ – القمص إشعياء ميخائيل – كنيسة الملاك بالظاهر.

[29] الكتاب الشهري للشباب والخدام – عدد مايو ٢٠١١ – إصدار بيت التكريس لخدمة الكرازة.