أحـد بــر الآب (الأبـن الضــال)

 

 

“هَلُمَّ نَتَحَاجَجْ، يَقُـولُ الـرَّبُّ. إِنْ كَانَتْ خَطَايَاكُمْ كَالْقِرْمِزِ تَبْيَضُّ كَالثَّلْجِ. إِنْ كَانَتْ حَمْرَاءَ كَالدُّودِيِّ تَصِيرُ كَالصُّوفِ.” (اش ١ : ١٨)

“اللهَ كَانَ فِي الْمَسِيحِ مُصَالِحًا الْعَالَمَ لِنَفْسِهِ، غَيْرَ حَاسِبٍ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ، وَوَاضِعًا فِينَا كَلِمَةَ الْمُصَالَحَةِ. إِذًا نَسْعَى كَسُفَرَاءَ عَنِ الْمَسِيحِ، كَأَنَّ اللهَ يَعِظُ بِنَا. نَطْلُبُ عَنِ الْمَسِيحِ: تَصَالَحُوا مَعَ اللهِ.” (٢كو٥: ٢١،١٩)

[أية بركة وأي تسبيح وأي شكر نستطيع أن نكافئك به يا الله محب البشر لأنك فيما نحن مطروحين لحكم الموت ومغموسين في حفـرة خطايانا أنعمت علينا بالحرية] (صلاة شكر بعد التناول – القدّاس الكيرلّسي)

[أيتها الـرحمة الفائضة ما أوفـرك لأنك أعطيت لنا نحن الموتي بالخطايا أن نولد مرة أخري بنين متشبّهين بأبيهم السماوي] (الشيخ الروحاني)[1]

شــواهــد القــراءات

(مزمور عشية مز ٨٨ : ١)، (إنجيل عشية مت ١٥: ١-٢٠)، (مزمور باكر مز ٥٥ : ١) & (مز٤٥ : ١٤)، (إنجيل باكر مت٢٠: ١-١٦)، (٢كو٦: ٢-١٣)، (يع٣: ١-١٢)، (أع٢٤: ١-٢٣)، (مزمور القدّاس مز٧٩ : ٨)، (إنجيل القدّاس لو١٥: ١١-٣٢).

شــرح القـــراءات

تتكلـم قــراءات هـذا الأحـد عن بــر الآب وقبوله المجاني لنا ويداه المفتوحتان دائما لقبولنا وترفّقه الـدائـم بضعف طبيعتنا ومراحمه الغنية للنفـوس المحتاجة، فهـذا هـو أحد إستقبال الآب لنا كل يوم مهما جئنا من كورة بعيدة ومن أجواء الخنازيـر.

لذلك تبدأ القـراءات بدعـوة النفس للآب بأنه إله خلاصها، فليس هـو إله عقوبتها أو إله دينونتها أو إله محاسبتها، فهو دائما في رحلة حياتنا هـو إله خلاصنا ونجاتنا كما تصرخ النفس كتعبير عن الإحتياج القـوي والعميق لخلاص الله ومراحمه الغنية.

“يا رب إله خلاصي بالنهار والليل صرخت أمامك”.

وتفـرح النفس بمراحـم الآب في مزمور باكر لأنه استجاب لصراخها.

“انصت يا الله لصلاتي، وأنا إلى الله صرخت والـرب استجاب لي”.

ويعلن مزمور القـداس بــر الآب في إستجابته لصلواتنا ورأفاته الإلهية التي أدركت ضعفنا فهـو يستجيب فقط من أجل مجـده فينا ولأجلنا وليس عن إستحقاق فينا.

“فلتسبق لتدركنا رأفاتـك، أعنا يا الله مخلصنا من أجل مجـد اسمك”.

ويعلن إنجيل عشية الفـرق بين بر الآب وبر الناس، فبينما يعيش البشر في البر الذاتي والشكل الخارجي والعبادة الشكلية يعلن الله برّه الإلهي في تغيير الداخل وتجديد القلب مصدر كل شئ، كما يحذّر من معطّلات بـر الآب وصايا المعلّمين الكذبة التي تتعارض مع وصية الله وأيضا العبادة الشكلية.

“ولماذا أنتم أيضا تتعـدون وصية الله من أجل تقليدكم، هـذا الشعب يكرمني بشفتيه وأما قلبه فبعيد عني”.

ويوضّح أن بــر الآب هـو غـرس يغـرسه في قلب الإنسان الذي يشعر يإحتياجه على الـدوام فـيقـدّس كل كيانه ويثمر في حياته نتيجة إمتلاء القلب بالبر الإلهي وخطورة غياب برّه الإلهي من حياتنا.

“كل غـرس لم يغرسه أبي الذي في السموات من أصوله يُقلع”.

كما يشرح الـرب مفهوم النجاسة، فليست هى مايخص الأكل والأطعمة المحرّمة بل هى مايصدر من القلب والفم في التصرفات والأفعال والكلام.

“ليس مايدخل فم الانسان ينجسه بل ما يخرج من الفم هو الذي ينجس الانسان لأنه من القلب تصدر الأفكار الشريـرة القتل الزنى الفسق السرقة شهادة الـزور التجديف هـذه هى التي تنجس الإنسان”.

ويعطي الـرب في إنجيل باكــر مثل الفعلة ليعلن بــرّ الآب في قبوله الخطاة والضعفاء وكل إنسان حسب صلاحه الإلهي في إعطاء المكافأة للكل:

ولكنه كما يعطي تحذير لمن يعتقـدون أنهم أولون ويكتفـون ببرّهم الذاتي، يعطي رجاء لكل البعيدين في قبول الآب المجاني لهم وفيض محبته نحوهم.

“هكـذا يكون الآخـرون أوّلين والأوّلـون آخرين”.

ويؤكّد البولس على هـذا الرجاء وعلى دعـوة الآب للكل للتوبـة.

“لأنه يقـول في وقت مقبول سمعتك وفي يـوم خلاص أعنتك فهـوذا الآن وقت مقبول وهـوذا الآن يـوم خلاص”.

ويقـدّم القـديس بولس نفسه كخادم أيقـونة منظورة لبرّ الآب في إتساعه وإحتوائه للكل رغم كل شئ مضاد، كما يعلن أيضا كيف تشهد الكنيسة لبر الآب بأنواع وطرق كثيرة:

إن كان في كرازتها الدائمة بالتوبة “لأنه يقـول في وقت مقبول سمعتك وفي يوم خلاص أعنتك فهوذا الآن وقت مقبول وهوذا الآن يوم خلاص”

أو في إحتمالها آلام الخـدمة “في كل شئ نظهر أنفسنا كخدّام الله في صبر كثير في شدائـد في ضرورات في ضيقات”.

أو في قـداسة الحياة “في طهارة، في أناة في لطف، في الـروح القـدس، في محبة بلا رياء”.

أو في الشهادة للحق “في كلام الحق في قوة الله”

أو في غناها الداخلي بالمسيح له المجـد “كحزانى ونحن دائما فـرحـون كفقراء ونحن نغني كثيرين كأن لا شئ لنا ونحن نملك كل شئ، فمنا مفتوح إليكم أيها الكورنثيون وقلبنا متّسع، لستم متضايقين فينا بل في أحشائكم فجزاء لذلك أقـول كما لأولاد كونـوا أنتم أيضا متّسعين”.

ويعطي الكاثوليكون مثالاً عملياً لما ينجّس كيان الإنسان كلّه ويفقـده البرّ الإلهي ويحوّل عذوبة مافيه إلي مرار.

“فاللسان هـو نار وزيته الإثم جعل اللسان في أعضائنا وهـو يدنّس الجسد كلّه، به نبارك الله الآب وبه نلعن الناس الذين صنعهم الله على مثاله من الفم الواحـد تخـرج البركة واللعنة فلا ينبغي يا إخوتي أن يكون الأمر هكذا”.

كما يحذّر من شهوة التعليم أخطر ما يعطّل بـر الآب في الكنيسة وخطورة كثرة الكلام والتعليم دون قـداسة الحياة.

“ألعل ينبوعا يفيض العـذب والمر من ذات العين الـواحـدة أم هل يمكن يا إخوتي أن تثمر شجـرة تين زيتوناً أو الكرمة تيناً وكذلك المالح لا يمكن أن يصير عذباً”.

ويعلن الإبركسيس عن شهادة القـدّيس بولس للبر الإلهي في عبادته ونقاوة إيمانه.

” أعبد إله آبائي مؤمناً بكل ماهو مكتوب في الناموس والأنبياء”.

وفي رجاؤه الحيّ بالله الذي يكافئ الأبرار ويدين الأثمة.

“ولي رجاء بالله في ما هم أيضاً ينتظرونه أنه سوف تكون قيامة للأموات الأبـرار منهم والأثمة”.

ولذلك لايملّ من فحص نفسه كل يـوم ليكون له ضمير بلا عثرة أمام الله في توبته اليومية وأمام الناس في نقاوة حياته وخدمته.

“لهذا أنا أيضا أدرّب نفسي ليكون لي دائما ضمير بلا عثرة أمام الله والناس”.

ويختم إنجيل القـداس بمثل الإبن الضال والإبن الأكبر ليعلن المسيح له المجد عن بـرّ الآب لكل البشرية سواء من ذهبوا بعيدا خارج الحظيرة في متاهات العالم والكور البعيدة أو من كانوا داخل الحظيرة مكتفين ببرّهـم الـذاتي ومحرومين هم أيضا من بـر الله الآب.

ويوضّح أيضا محبة الآب الشديدة والغامرة للخطاة وغنى عطاياه لكل من يرجع إليه.

“وإذ كان لا يزال بعيداً رآه أبوه فتحنن وأسرع ووقع على عنقه وقبله فقال له ابنه يا أبت أخطأت إلى السماء وقدامك ولست بمستحق بعد أن أدعى لك إبنا فقال أبوه لعبيده أسرعوا وأخرجوا الحلة الاولى وألبسوه وأعطوه خاتماً في يده وحذاء لرجليه وقـدموا العجل المعلوف واذبحـوه فنأكل ونفـرح لأن ابني هـذا كان ميتاً فعاش وضالاً فـوجدناه فطفقـوا يفـرحـون”.

ملخّص القـــراءات

مزمور عشية إحتياج النفس الشديد لخلاص الله ومراحمه الإلهية.
إنجيــل عشية والكاثوليكون مايعطّل بر الآب العبادة الشكلية ووصايا المعلّمين الكذبة وعدم نقاوة الكلام واللسان.
مزمور باكـر

والقـــــــدّاس

بر الآب يُسْتَعلن في استجابته لصراخ أولاده وفي غفرانه لهم خطاياهم من أجل إسمه.
إنجيـل باكــر دعـوة الآب لكل البشرية منذ خلقه آدم حتى نهاية العالم ومكافأته لهم حسب صلاحه الإلهي.
البـولــــــــس تعلن الكنيسة بـر الآب في رسالتها الرعـوية في كرازتها الدائمة بالتوبة وفي قـداسة حياتها وشهادتها للحق وإحتمالها آلام الخدمة وفي غناها الـداخلي
الكاثـوليكـون شهوة التعليم دون قـداسة الحياة يزيّف بـر الآب في الكنيسة
الإبـركسيــس الكارز والـراعي والخادم يشهد لبر الآب في عبادته النقيّة وضميره السوّي ورجـائه في الله
إنجيل القدّاس إحتياج الكل الدائم لبر الآب ومحبة الآب الفائقة لكل أولاده، وغني عطاياه لهم

 

الأنجيل في فكر آباء الكنيسة الأوائل[2]

  • يخاطب  هذا المثل الفريسيين والكتبة الذين تذمّروا على مرافقة يسوع للخطاة على الموائد مِن أجْل الفرح بتوبة الخطاة ورجوعهم. (القديس كيرلُّس السكندري).
  • هناك إشكالية في التعريف بهوية الاثنين: والشروحات التي وردت تتضمن الاعتقاد بأن الابن الأكبر يمثّل اليهود، والضال، الأمم. (القديس كيرلُّس السكندري).
  • تركه لبيت أبيه هو رحيله عن نفسه إلى كورة بعيدة. هكذا مِثل مَن يترك الكنيسة، مبعدًا بنفسه عن المسيح ليمضي إلى أرض مظلمة تذيقه الحرمان مِن أمتعته. (القديس أمبروسيوس).
  • إن تسليم الذات لدنيا الأهواء والشهوات هو التسليم لمملكة الظلمة. (القديس أوغسطينوس).
  • الجوع  الذي اختبره هو الجوع لكلمة الله؛ والسبب في جوعه هذا هو أنه لم يعُدْ يقبل الغذاء الروحي المؤدي إلى كمال الحياة ونعيمها. يدفعه يأسه للالتصاق بواحد مِن أهل تلك الكورة – وهو مَن لا بد أنْ يكون مِن الأمم بما أنه يملك خنازير – ذلك الإنسان شبيه برئيس هذا العالم. (القديس أمبروسيوس).
  • لم يكن ذلك كل ما ساءه وكفى؛ بلْ أن يأسه مِن الحصول على طعام يدفعه لاشتهاء طعام الخنازير غير المشهّي، المفتقر للتغذية – هكذا مِثل الطعام الذي يقدّمه الشيطان. (القديس أمبروسيوس).
  • الرجوع لبيت الأب هو العودة إلى عدن والاتحاد مرة أخرى بالأحبّة. (مار إفرام السرياني).
  • هذا هو أول اعتراف له يطلب فيه التصالح مع الآب. (القديس أمبروسيوس).
  • هو ليس مستحِقًّا بعد أنْ يدعى ابنًا؛ ويريد أنْ يأتي إلى الكرمة كأحد الأُجَراء. بالميلاد يكون أحدٌ ابنًا، وبالفضيلة حبيبًا، وبالعمل خادمًا وبالمخافة عبداً. (القديس أمبروسيوس).
  • يبادر الأب بردّ الابن فهو يسرع نحو الابن ويقع على عنقه ويعطيه قُبلة الصلح. (القديس أمبروسيوس).
  • لقد رحّب الأب بعودة الضال للوليمة الإلهية لأنه ابنه. (القديس أثناسيوس الرسولي).
  • قبل ذلك وفي  تقدمة زكريّا للبخور في الهيكل كان العجل المثمّن حاضرًا، هذا الذي سيُرفَع مِن أجْل الابن الأصغر. (القديس إيريناؤس).
  • آدم الذي ضلّ بالخطية، الآن قد وُجِد في المسيح، بلْ وهكذا أيضًا يُصنَع للأمم: الذين كانوا أمواتًا وهم الآن أحياء. (القديس أمبروسيوس).

 

الكنيسة في قــراءات اليــوم

إنجيل عشية وصيّة الله ومفهوم النجاسة
إنجيل باكـر والإبركسيس مكافــأة الأبـــرار
الإبركسيس قيامة الأمـوات

 

أفكــار مقتـرحــة للعظــات

بــر الآب وقبلاته وغناه

  • الباب إليه هـو التوبة والإحساس الـدائم بالإحتياج إليه والعطش لمحبّته والرجـوع إليه مهما كان البعـد والتيهان.
  • يظهر برّه في حياتنا في نقاوة ما نقوله وقداسة ما نعيشه وإحتمال ما نعانيه والرجاء الدائم فيه.
  • نشهد لبرّه أمام الآخرين في شهادة الحق وكرازة التوبة والغنى الـداخلي.
  • مجـد بـرّه الإلهي فينا أن تكون لنا أحشاؤه تجاه الآخرين خاصّة البعيديـن.

    التــوبـــة

  • زمان التوبة في كل وقت وكل حين فالأيـدي دائما مفتوحة والنعمة على الـدوام حاضرة وفاعلة.
  • نقاوة التوبة في تغيير الداخل قبل الخارج والقلب أهم من السلوك الخارجي فقط.
  • دوام التوبة في فحص الإنسان لنفسه كل يـوم ومراجعة دوافعه في كل شيء قبل كلامه.
  • مجد التوبة في قبلات الآب والعجل المسمّن والخاتم في الأصبع والحـذاء في الرجلين والفـرح المعدّ.

    المدعـوون والمختارون والمرفوضون

  • من هـم المدعـويـن؟ كل البشرية في كل وقت بكل حالاتها ومهما كان ضعفها وقساوتها.
  • من هم المختاريـن؟ الذين أعلنوا إحتياجهم لبرّه وقبلوا دعوته وذاقـوا محبته.
  • من هـم المرفوضين من برّه وصلاحه الإلهي؟ المكتفـون ببرّهم والمزدرين للآخرين.

    لوقا ١٥

تأتي في هذا الإصحاح ثلاثة أمثال عن الخطاة الضالين:

الخروف الضال – الدرهم المفقود – الإبن الضال.

  • في المثل الأول الراعي أضاع الخروف.
  • وفي الثاني أضاعت المرأة الدرهم.
  • وفي الثالث أضاع الإبن نفسه بإرادة حرة كاملة.
  • في المثل الأول ضاع الخروف خارج الحظيرة لكنه في محيطها وليس بعيداً عنها.
  • وفي المثل الثاني ضاع الدرهم داخل البيت والحظيرة.
  • وفي المثل الثالث وصل الضياع إلي كورة بعيدة.
  1. الخروف الضال: رُبَّما يكون هذا المثل إشارة إلي من أضعتهم بجهلي، أو تقصيري في خدمة الجميع، أو في مواقف شخصية، أو في عدم إلتفات لهم، لكن يضع الله بمحبته لي باب رجاء في أنه رغم ضياعه، إذا إستيقظت كراعي وسهرت علي رعيتي (لو٢: ٨)، وسعيت لطلب الضال والمطرود والجريح (حز٣٤: ١٦) فسيفرحني الله برجوعهم إلي حظيرته.
  2. الدرهم المفقود: نجد هنا الضياع داخل البيت والحظيرة، وهو إشارة إلى من يحيون داخل المبني الكنسي دون تغيير، وربما يخدمون فيه ولكن لحساب أنفسهم دون حياة التوبة، وهم الذين عناهم المُتنيح البابا شنودة عندما قال: قضيت حياتك كلها تخدم بيت الرب، فمتى تخدم رب البيت؟ وهنا أصعب نوعية من الضلال لأن الإنسان يطمئن نفسه أنه غني وقد إستغني (رؤ٣: ١٧)، ولا يُجدِّد عهد التوبة، ولا يتتلَّمذ بخضوع لأب إعتراف، ولا يقبل نقد من أحد، لكن يفتح هنا أيضاً الله بمحبته باب رجاء لأمثال هؤلاء من خلال السراج الذي تُضيئه المرأة، وهو إشارة إلى التعليم الدائم بكلمة الله المُقدَّسة، وفكر آباء الكنيسة، فهما المصباح والنور (أم٦: ٢٣) والسراج (مز١١٩: ١٠٥)
  3. الإبن الضال: هنا لا تقع المسؤلية علي الكنيسة أو الرعاة، لكن الشخص نفسه بإرادة واعية حرة كاملة في رفض الله ومحبته، ويُمْكِن أن يُشير إلى الذين رفضوا الله في مرحلة من حياتهم إعتقاداً منهم أنه يُقيِّد إرادتهم وحريتهم، وذهابهم إلي كورة بعيدة إشارة إلي إنبهارهم بشهوات العالم، وفلسفاته وزيف مجده، لذلك يأتي الرجوع بقرار من الشخص نفسه، عندما تذكَّر مجد بيت أبيه، وعندما إكتشف فقر العالم وخواءه وزيفه.

نري في:

  • المثل الأوَّل إنشغال الراعي بالخاطئ عن التسعة والتسعين باراً.
  • وفي المثل الثاني إنشغال المرأة التي هي الكنيسة بالسراج المنير.
  • وفي المثل الثالث إنجذاب الإبن البعيد نحو غني بيت أبيه.

ولعلَّ الأمثال الثلاثة تقودنا إلى رسالة الكنيسة والرعاة:

فالمناداة الدائمة بالتوبة في التعليم، مع تعب الرعاية للبعيدين، يُمْكِن أن يأتي بخراف ضالَّة علي الدوام.

وإهتمام الكنيسة بكلمة الله لمن هم داخل الكنيسة يُمْكِن أن يجمع كثير من الدراهم المفقودة داخل البيت، وإمتلاء الجو الكنسي من المحبَّة النقية وأجواء السلام والفرح (العجل المُسَمَّن، والخاتم، والحذاء، والفرح المُعَدّ) يُمْكِن أن يجذب البعيدين لغني بيت الآب.

أفكار خاطئة عن الله

نرى في رحلة الإبن الضال أربعة محطات:

  1. وجــــــــوده في بيت أبيه. – 2. الكــورة البعيــــــــدة.
  2. في رجوعه الى بيت أبيه. – 4. بعد رجوعه لبيت أبيه.
  • وجوده في بيت أبيه (أبويا بيقيِّد حريتي) هذا للأسف إعتقاد كثير من الناس خاصة الشباب عندما يرون وصية الله تقف أمام حريتهم، مع أنها مثل ضفتي النهر يحفظان مسار المياه في الإتجاه السليم ويمنعان الطوفان.
  • أثناء وجوده في الكورة البعيدة (أبويا نسيني) هذا أيضاً إعتقاد خاطئ عن الله، وما أجمل قول القديس أغسطينوس لله بعد توبته: كنتَ قريباً مني لكني لشقاوتي كنتُ بعيداً عنك. أي أنه بعد رجوعه إكتشف أن الله كان حاضراً في وقت ضعفه وخطيته، وكان يفتقده، ولكن بسبب إنغماسه في الخطية لم يكتشف ذلك إلَّا بعد رجوعه لله.
  • في طريق الرجوع ← (أبويا لن يقبلني) هذا نداء وصوت عدو الخير على الدوام أن الله لا يقبل الخطاة، برغم الوعود الكثيرة والمواقف المتعددة للمسيح له المجد مع الخطاة، إلا أن هذا الإحساس ما زال يوجد عند البعض وقت إحساسهم بإرادة الرجوع.
  • بعد رجوعه لبيت أبيه ← (أبويا لن ينسي ضعفي) يعتقد البعض أن الله لا ينسي الماضي برغم توبتهم وإعترافهم وندمهم، وتجد البعض الآخر لا يكتفي بإعترافه بخطية معينة مرة واحدة لكن يمكن أن يكرر الإعتراف بعد سنين بها، رغم أن الوعد واضح جداً “خطاياك لا أذكرها” (اش٤٣: ٢٥).

 

عظات آبائية لأحد الأبن الضال

دعوة لتوبتنا وإدراك محبة الله – القديس مقاريوس الكبير

دعوة لتوبتنا وإدراك محبة الله الشديدة لنا وتحذير من الإستهانة بطول أناة الله – عند القديس مقاريوس الكبير[3]

  1. فإن كان الأمر يبدو لنا صعباً بسبب مشقة ممارسة الفضيلة، ويبدو أكثر صعوبة بسبب مشورات العدو الغادرة، فانظروا أحشاء رحمته وطول أناته من نحونا وهو منتظر رجوعنا، وحينما نخطيء فهو يمد يده، في انتظار توبتنا، وحينما نسقط، لا يستحي أو يخجل من قبولنا واحتضاننا ثانية، كما يقول النبي “هل يسقطون ولا يقومون أو يرتد أحد ولا يرجع” فلنكن فقط صاحين متيقظين، ولنا نية صالحة أكيدة، ولنتحول حالاً باستقامة ونطلب منه المعونة وهو مستعد أن يخلصنا.

وهو يتطلع وينظر إلى إرادتنا ورغبتنا في الرجوع إليه برغبة حارة بأقصى طاقة عندنا، ويتطلع إلى الايمان والغيرة النابعة من القصد الصَّالح، وأما نجاح المسعى كله فهذا هو عمله الخاص، لذلك فلنسعى أيها الأحباء كأولاد الله، تاركين جانباً كل انشغال، واهمال وتكاسل، ونتشجع ونكون مستعدين لإتباعه ولا نتأخر من يوم إلى يوم، غير ملاحظين إلى أي مدى تجرحنا الخطية، اننا لا نعرف متى يأتي وقت انتقالنا من الجسد، إن المواعيد المعطاة والمقدمة للمسيحيين هي مواعيد عظيمة ولا ينطق بها، عظيمة جداً حتى أن كل مجد وبهاء السماء والأرض وكل زينة أخرى بكل نوع وكل كنوز وجمال الأشياء المنظورة لا تساوي شيئاً بالمرة بالنسبة للايمان والكنز الذي لنفس واحدة.

محبته وطول أناته وانتظاره لحظة توبتنا ورجوعنا:

  1. فكيف نستطيع اذن أن نرفض بقلوبنا قبول مثل هذه الدعوات والمواعيد من الرب ونأبى المجيء اليه وتخصيص نفوسنا له، منكرين كل شيء آخر معه “حتي نفوسنا أيضاً”(لو14: 26) كما يقول الانجيل، وأن نحبه وحده وليس شيء آخر معه، ولكن بالرغم من كل هذه الأشياء، والمجد العظيم الذي قد أُعطيّ، وبالرغم من كل تدبيرات الرب منذ أزمنة البطاركة والأنبياء – كم من مواعيد عظيمة قد أعطيت، وما أكثر النصائح التي قدمت، وما أعظم الشفقة التي أظهرها لنا السيد منذ البداية!.

وأخيراً، في مجيئه الخاص بيننا هنا برهن على محبته التي لا يعبر عنها من نحونا، بصلبه لأجلنا، ليحولنا وينقلنا إلى الحياة، وأما نحن فلا نزال غير راغبين في ترك مشيئتنا وترك محبة العالم وترك ميولنا وعادتنا الرديئة.

وبهذا نبرهن على أننا قليلي الإيمان، أو عديمي الإيمان، وبالرغم من هذا كله فإنه لا يزال محباً رحيماً حافظاً ايانا في الخفاء ومحتضناً لنا، ولا يسلمنا بحسب آثامنا إلي سلطان الخطية إلى الأبد، ولا يدعنا نهلك بغرور العالم، بل في رحمته العظيمة وطول أناته يجعل نظره مثبتاً علينا في انتظار اللحظة التي نرجع فيها نتحول اليه.

  1. أخاف انه في يوم من الأيام، بينما نحن متعلقون بأفكارنا المخزية، وسائرون وراء أهواءنا، تصدق فينا كلمات الرسول “أم تستهين بغنى لطفه وإمهاله وطول أناته، غير عالم أن لطف الله إنما يقتادك إلى التوبة؟”.

خطورة الاستهانة بلطفه وطول أناته :

ولكن إن كنّا نقابل طول الأناة هذا واللطف والإمهال بعدم الرجوع بل بزيادة الخطايا، وبإهمالنا واحتقارنا نشتري لأنفسنا دينونة أعظم فيتحقق حينئذ بقية قول الرسول “ولكنك من أجل قساوتك وقلبك غير التائب تذخر لنفسك غضباً في يوم الغضب واستعلان دينونة الله العادلة”.

إن الله قد استعمل صلاحاًعظيماً يفوق الوصف في علاقته مع جنس البشر بل وطول أناة تفوق التعبير، ويبقي فقط أن نكون راغبين في استعادة ورجوع انفسنا، ونسعى أن نتحول إليه تماماً، لكيما نجد الخلاص.

أمثلة من معاملات الله في الكتاب المقدس:

  1. وإن أردت أن تعرف طول أناة الله ولطفه العظيم فلنتعلمها من الكتب الموحى بها. انظر إلي اسرائيل، الذي منه جاء الآباء، الذين لهم اعطيت المواعيد، ومنهم جاء المسيح حسب الجسد والذين بهم اختصت خدمات “العبادة والعهد”(رو9: 4، 5)، كيف أخطأوا خطيئة عظيمة، وكم من مرة حادوا عن الطريق، ومع ذلك فلم يطرحهم إلي الأبد، بل من وقت إلي وقت كان يسلمهم للتأديبات إلى حين لأجل منفعتهم مريداً أن يليِّن قساوة قلوبهم بالضيقات والأحزان، وكان يعود اليهم ويشجعهم، ويرسل لهم الأنبياء، وكم من مرة اخطأوا وأغاظوه، ولكنه كان يطيل أناته عليهم، وحينما يرجعون إليه يقبلهم بفرح، وحينما يرتدون ثانية عن طريقه لم يتخلى عنهم، بل كان يدعوهم من جديد بواسطة الأنبياء أن يرجعوا اليه، وكم من المرات الكثيرة تحولوا عنه ثم رجعوا فكان يحتملهم بلطف ورحمة ويقبلهم إليه برأفة، إلى أن سقطوا في النهاية في التعدي الذي فاق الكل، وذلك حينما ألقوا ايديهم على سيدهم الذي تعلموا بواسطة تقاليد الآباء والأنبياء القديسين أن ينتظروه كمنقذ لهم ومخلص وملك ونبي، وحينما جاء لم يقبلوه، بالعكس بعد أن قدموا له الإهانة تلو الإهانة عاقبوه أخيراً بالموت صلباً على الصليب، وبهذا الإثم العظيم والتعدي الذي فاق كل التعديات تزايدت خطاياهم أكثر من الحد وامتلأت كأسهم. ولذلك تُركوا إلى النهاية، وهجرهم الروح القدس منذ أن انشق حجاب الهيكل، ولذلك أعطي هيكلهم للأمم وهُدِم وصار خراباً حسب انذار الرب “أنه لا يترك هنا حجر على حجر لا ينقض”(مت24: 2). هكذا سُلموا أخيراً للأمم وتشتتوا في الأرض كلها بواسطة الملوك الذين أسروهم، ومُنعوا من الرجوع إلي أماكنهم الأصلية.
  2. وهذا هو نفس ما يعمله الله مع كل واحد منا حتي الآن، فإنه كملك وإله صالح يطيل اناته علينا، وهو يري كم يخطيء كل واحد منا، فيمسك يده ويسكت وينتظر أن يعود الإنسان إلي نفسه ويرجع عن الخطية تائباً، فيرحب بالخاطيء الراجع بمحبة عظيمة وفرح كثير، فهذا هو ما يقوله “يكون فرح بخاطيء واحد يتوب…” (لو15: 10)، وأيضاً يقول “هكذا ليست مشيئة أمام ابيكم الذي في السموات أن يهلك أحد هؤلاء الصغار” (مت18: 4).

ولكن إن كان أحد تحت هذه الرحمة العظيمة وطول أناة الله، الذي لا يسرع بالانتقام من كل خطيئة خفية أو ظاهرة بمجرد ارتكابها، بل ينظر ويسكت منتظراً توبة الخاطيء، أقول إن كان الإنسان يزدري هكذا بالرحمة، ويضيف خطيئة على خطيئة، ويجمع كسلاً على كسل، ويكوم إثماً فوق إثم، فإنه يملأ مكيال خطاياه، ويأتي في النهاية إلى إثم عظيم جداً لا يمكنه القيام منه أبداً، بل يتهشم تهشماً ويسلم للشرير للهلاك الأبدي.

  1. وهذا هو الذي حدث مع سدوم، فإنهم مرات كثيرة أخطأوا وبدون رجوع استمروا يخطئون حتي وصلوا إلى قصدهم الشرير نحو الملائكة طالبين أن يرتكبوا الإثم معهم على أنهم رجال، حتي أنهم لم يستطيعوا أن يتوبوا بعد ذلك، بل رُفضوا نهائياً، لأنهم ملأوا مكيال خطاياهم بل تعدوه، ولذا أُحرقوا بنار النقمة الإلهية.

وهكذا حدث أيضاً في أيام نوح فإنهم كانوا يخطئون ولا يتوبون ووصلت كثرة خطاياهم لدرجة أن الأرض كلها فسدت تماماً وهلكت.

وهكذا حدث مع المصريين أنهم أخطأوا كثيراً وتعدوا علي شعب الله، وكان الله لطيفاً ولم يرسل عليهم ضربات كالأوبئة لكي تفنيهم كلية، بل لأجل تأديبهم ورجوعهم وتوبتهم أرسل عليهم جلدات أسواطه الصغيرة صابراًعليهم ومنتظراً توبتهم، ولكنهم كانوا يخطئون ضد شعب الله ثم يندمون، ولكنهم يعودون مرة أخرى ويثبتون في عدم الإيمان القديم، الناتج عن قصد شرير، ويضيِّقون على شعب الله من جديد، وأخيراً حين أخرج الله الشعب من مصر بعجائب كثيرة بواسطة موسي فإنهم (المصريون) ارتكبوا الإثم العظيم بسعيهم وراء شعب الله، الذي بسببه اهلكتهم النقمة الإلهية وأفنتهم، واكتسحتهم في المياة اذ حسبتهم غير مستحقين حتي لهذه الحياة المنظورة.

  1. وبنفس الطريقة كما قلنا سابقاً، فإن اسرائيل كثيراً ما ارتكبوا آثاماً وخطايا، وقتلوا انبياء الله وفعلوا اشياء أخري شريرة كثيرة، وبينما كان الله محتملاً وساكتاً، منتظراً بصبر توبتهم، انتهوا بارتكاب اثم عظيم بسببه سُحقوا حتى إنهم لم يستطيعوا أن يقوموا ثانية. ولهذا السبب تخلى عنهم الرب تماماً ورفضهم ونُزعت منهم النبوة والكهنوت والعبادة وأعطيت للأمم الذين آمنوا كما قال الرب: “إن ملكوت الله ينزع منكم ويعطى لأمة تعطي أثماره”(مت21: 43) فقد ظل الله الى ذلك الحين مطيلاً اناته عليهم محتملاً إياهم ولم يتخلى عنهم وذلك بكثرة شفقته عليهم، ولكن حينما ملأوا مكيال آثامهم وزادوا عن حدودها جداً، وبإلقاء ايديهم على سيدهم الكريم صاروا مهجورين تماماً من الله.

لنرجع ونتوب بسرعة ولا نيأس من الخلاص:

  1. أيها الأحباء لقد تناولنا هذه الأمور بنوع من التفصيل مبرهنين من أفكار الكتب المقدَّسة، انه يجب علينا ان نرجع ونتحول بسرعة، ونبادر إلى الرب، الذي بسبب لطفه يتأنى علينا متوقعاً أن ننفك تماماً من كل شر وميل خبيث، وهو الذي يرحب بفرح عظيم بتوبتنا ولا يريد أن يزداد احتقارنا من يوم إلي يوم ولا أن تتجمع خطايانا وتزداد علينا فتسبب غضب الله علينا.

فلنسعي اذن بحماس وغيرة أن نأتي إليه بقلب تائب حقاً، غير يائسين من الخلاص، لأن اليأس هو نفسه خطيئة وإثم، وذلك حينما يتملك علينا تذكر الخطايا السالفة فيقود الإنسان إلى اليـأس وقطع الرجـاء وإلى التراخي والاهمال والكسل، لكي لا يعود ويرجع إلى الرب لينال الخلاص، حيث أن احسان الرب العظيم ولطفه هو ممتد لكل جنس البشر.

 

معني الإبن الأكبر – في فكر القديس كيرلس الكبير[4]

إني أسمع أحد الأنبياء القديسين وهو يحاول أن يربح البعيدين عن الله الى التوبة فيقول: “ارجع يا اسرائيل الى الرب الهك لأنك قد تعثرت بإثمك خذوا معكم كلاماً وارجعوا الى الرب” (هو١٤: ١-٢)

لذلك فأي نوع من الكلام يأمرهم بإرشاد الروح، أن يأخذوه معهم؟ ألا يكون لائقاً بالذين يرغبون أن يتوبوا، أن يرضوا الله الذي هو شفوق ويحب الرحمة؟ لأنه قد قال بواسطة أحد الأنبياء القديسين: ‏”إرجعوا أيها البنون العصاة لأشفى عصيانكم” (إر3: 22).

وأيضاً يقول بصوت حزقيال: “إرجعوا توبوا وارجعوا عن كل معاصيكم يا بيت إسرائيل، إطرحوا عنكم كل معاصيكم التي عصيتم بها لكي لا تصير لكم مهلكة .. لأني لا أُسر بموت الخاطئ، بل أن يرجع ويحيا” (حز18: 30- 31). ونفس هذا الحق يعلِّمه لنا المسيح هنا في هذا المثل الجميل الذي سأحاول أن أبحثه بأقصى طاقة ممكنة عندي، وسأجمع نقاطه الهامة باختصار وسأشرح وأدافع عن الأفكار التي يحويها.

يرى البعض أن الابنين في المثّل يشيران إلى الملائكة القديسين؛ من ناحية وإلينا نحن سكان الأرض من الناحية الأخرى.

وأن الابن الأكبرء الذي عاش بتعقل، يمثل مجموع الملائكة القديسين،

بينما الابن الأصغر المنحرف يمثل الجنس البشرى.

وهناك آخرون بينّنا يعطون المثّل تفسيراً مختلفا، قائلين: إن الابن الأكبر السالك حسنا يشير إلى إسرائيل حسب الجسد، بينما الابن الأصغر الذي اختار أن يعيش في الشهوات والملذات والذي ابتعد بعيذا عن أبيه، إنما يشير إلى جمهور الأمم الوثنيين.

هذه الشروحات أنا لا أوافق عليها، وأرجو ممن يحب التَعلّم، أن يبحث ما هو حقيقي وما ليس عليه اعتراضات.

لأن ما أقوله هو كما يأتي: “أعط فرصاً للحكيم، وقدم معرفة للأبرار” (أم 9:9)، كما يوصي الكتاب. لأنهم من الشروحات التي تعطى لهم سوف يفحصون عن المعنى المناسب، فإن كنا نشير بالابن المستقيم إلى الملائكة؛ فإننا لا نجده يتكلّم بالكلمات التي تليق بالملائكة، ولا نجده يشارك الملائكة فرحهم بالخطاة التائبين الذين يرجعون من حياة دنسة إلى حياة وإلى سلوك جدير بالإعجاب.

لأن مخلّص الجميع يقول: “إنه يكون فرح فى السماء قدلم ملائكة الله بخاطئ واحد يتوب” (لو15: 7) بينما الابن الموصوف لنا في هذا المثل؛ باعتباره مقبولاً من أبيه؛ ويسلك حياة بلا لوم؛ يَظهْر أنه غاضب، بل ويصل في مشاعره غير الحبيّة إلى درجة أنه ينسب اللوم إلى أبيه بسبب محبته الطبيعية لابنه الذي خَلُص.

فالمثل يقول: “إنه لم يرد ان يدخل البيت”. لأنه اغتاظ بسبب قبول الابن التائب ومن ذبح العجل المٌسَمَّن ولأن أباه صنع له وليمة.

ولكن هذا كما قلت، يختلف عن مشاعر الملائكة القديسين. لأنهم يفرحون ويسبِّحون الله حينما يرون سكان الارض يَخلُصُون. لأنه حينما اخضع الابن نفسه ليولد بالجسد من امرأة في بيت لحم، حمل الملائكة عندئذ الأخبار السارة الى الرعاة قائلين: “لاتخافوا فها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب، لأنه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب” ويتوجون الذي ولد بالتمجيد والتسابيح قائلين: “المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة” (لو٢: ١٠-١٤).

ولكن إن كان أي أحد يقول: أن اسرائيل حسب الجسد هو المقصود بالإبن الأكبر في المثل الذي كان متمسكاً بوصية أبيه فإننا أيضًا لا نستطيع ان نوافق علي هذا الرأي، ذلك لأنه من غير المناسب على الاطلاق أن نقول على اسرائيل إنه عاش حياة بلا لوم. ففي كل الأسفار الموحى بها نجد شعب اسرائيل متهمين بأنهم متمردون وعصاة، لأنهم قد
أُخبروا بصوت إرميا: “ماذا وجد في آباؤكم من جور حتي ابتعدوا وساروا وراء الباطل

وصاروا باطلاً؟”(إر٥:٢). وتكلم الله أيضاً بعبارات مشابهة بصوت إشعياء: “هذا الشعب قد اقترب بفمه، وأكرمني بشفتيه، وأما قلبه فأبعده عني، وهم يعلِّمون تعاليم هي وصايا الناس” (اش١٣:٢٩). فكيف يستطيع أحد أن يطبِّق على أولئك الذين يوجه اليهم اللوم هذه الكلمات المستعملة في المثل عن الابن الأكبر المتمسك بوصية أبيه؟ لأنه قال: “ها أنا أخدمك سنين هذا عددها، وقط لم أتجاوز وصيتك” لأنهم لم يكونوا ليُلاموا علي طريقة حياتهم لو لم يتعدوا الوصايا الإلهية، وبذلك أدوا بأنفسهم الى حياة مستهترة مدنَّسة.

وأيضاً يقول البعض أن العجل المسمن الذي ذبحه الأب حينما رجع ابنه إنما يشير الي مخلصنا. ولكن كيف يمكن للإبن الأكبر الذي يوصف أنه حكيم وفطين ومتمسك بواجبه
والذي يشير به البعض الى الملائكة القديسين- كيف يمكن لذلك الإبن أن يعتبر ذبح العجل سبباً للغضب والغيظ؟ كما أننا لا نستطيع أن نجد برهاناً على أن القوات السماوية قد حزنت حينما احتمل المسيح الموت بالجسد أي حينما ذبح المسيح لأجلنا.

إنهم بالحري فرحوا، كما قلت عندما رأوا العالم يَخلُص بدمه المقدس، وأيضاً ما هوالسبب الذي جعل الابن الأكبر يقول: “جدياً لم تعطني قط”. فأي بركة كانت تنقص الملائكة القديسين، إذ أن رب الكل قد أنعم عليهم- بيد سخية بفيض من المواهب الروحية؟ وهل كانوا يحتاجونا ايه ذبيحة فيما يخص حالتهم؟ لأنه لم يكن هناك احتياج أن يتألم عمانوئيل أيضاً نيابة عنهم. ولكن إن تخيل أحد كما سبق أن قلت، أن المقصود بالابن الأكبر هو اسرائيل حسب الجسد، فكيف يستطيع أن يقول بالحق: “جدياً لم تعطني قط”؟، لأنه، سواء دعوناه عجلاً أم جدياً فالمسيح هو الذي يجب أن يُفهَم إنه هو الذبيحة المقدمة لأجل الخطية. ولكنه قدم ذبيحة ليس لأجل الأمم فقط، بل أيضاً لكي يفدي اسرائيل، الذي بسبب تعدياته الكثيرة للناموس، قد جلب على نفسه لوماً عظيماً، وبولس الحكيم يشهد لهذا الأمر قائلاً: “لذلك يسوع أيضاً لكي يقدس الشعب بدم نفسه تألم خارج الباب” (عب١٢:١٣).

فما هو موضوع المثل إذن؟ دعونا نفحص المناسبة التي قادت اليه، فإننا بذلك سنتعلم الحقيقة. لذلك فإن لوقا المبارك نفسه قد تكلم قليلاًعن المسيح مخلصنا قبل هذا المثل فقال: “وكان جميع العشارين والخطاة يدنون منه ليسمعوه. فتذمر الفريسيون والكتبة قائلين: هذا الانسان يقبل الخطاة ويأكل معهم” (لو١٥: ١-٢). لذلك فلأن الفريسيين والكتبة اعترضوا على رحمته ومحبته للإنسان، وبِشَّرٍ وبعدم تقوي لاموه علي قبول وتعليم
الناس الذين كانت حياتهم مدنسة، فكان من الضروري أن يضع المسيح أمامهم هذا المثل،
ليريهم هذا الامر ذاته بوضوح: إن إله الكل يريد من الانسان الثابت والراسخ، والذي
يعرف أن يعيش حياة مقدسة وقد وصل إلى ما يستحق أعلى مديح لأجل تعقله في السلوك، يريد من هذا الإنسان أن يكون مخلصا في إتباع مشيئته ، لكن حينما يدعي أي واحد إلى التوبة حتى إن كان من الذين يعيشون حياة ملومة جداً، فإنه ينبغي بالحري أن يفرح ولا يكون عنده غيظ مضاد للمحبة من جهة التائبين.

لأننا نحن أحيانا نختبر شيئا من هذا النوع لأنه يوجد البعض الذين يعيشون حياة كاملة مكرمة ثابتة، ويمارسون كل نوع من أعمال الفضيلة، ويمتنعون عن كل شئ مخالف
لشريعة الله، ويتوجون بمديح کامل في نظر الله والناس. بينما البعض الآخر ربما يكونون ضعفاء عاثرين، ومنحطين إلى كل نوع من الشر ومنذنبين بأفعال رديئة ، محبين للدنس
والطمع وملوثين بكل إثم. ومع ذلك يحدث كثيراً أن يرجع أحد هؤلاء إلى الله في سن مُتقدِّم ويطلب غفران خطاياه السابقة: إنه يصلي طالبا الرحمة، وإذ يترك عنه إستعداده للسقوط في الخطية، وتشتعل فيه الرغبة للحياة الفاضلة، أو ربما حينما يوشك على الاقتراب من نهاية حياته، فإنه يطلب المعمودية الإلهية ويغتسل من خطاياه تاركا شروره، فإن الله يكون رحيما به.

وقد يحدث أحيانا أن يتذمر بعض الأشخاص من هذا، بل ويقولون: هذا الإنسان الذي كان مننبا بكذا وكذا من الأعمال الشريرة، وقد تكلم بكذا وكذا من الكلمات، هذا الإنسان لم يَفِ دين سلوكه الرديء أمام قاضي العدل، بل إنه حُسِبَ أهلا لنعمة سامية وعجيبة وقد حُسِبَ بين أبناء الله، وكُرِّمَ بمجد القديسين.

مثل هذه الشكوى ينطق بها الناس أحيانا نتيجة ضيق العقل الفارغ. وشكواهم لا تتفق مع غرض أب الجميع. لأن الآب يفرح فرحاً عظيماً حينما يرى الذين كانوا ضالين يحصلون على الخلاص، وهو يرفعهم ثانية إلى ما كانوا عليه في البداية، معطياً لهم ثياب الحرية مزيناً إياهم بالحلة الأولى، ويضع خاتماً في يدهم ، أي السلوك باستقامة، الذي يرضي الله، ويليق بالأحرار.

لذلك فإن واجبنا أن نخضع أنفسنا لما يريده الله، لأنه يشفي الذين هم مرضى، وهو يرفع الساقطين، ويمد يده بالمعونة للذين يعثرون، ويرد إليه الذين ابتعدوا عنه، وهو يُشَكِّل من جديد في شكل حياة ممدوحة وبلا لوم أولئك الذين كانوا يتمرغون في وحل الخطية، إنه يفتش عن أولئك الذين ضلوا، وهو يقيم من الموت الذين كانوا يعانون من الموت الروحي.

دعونا نفرح أيضا، هيا نفرح، مع الملائكة القديسين ونسبح الله لأنه صالح ومحب للبشر، ولأنه رحيم ولا يذكر الشر، لأنه إن كنا نفكر هكذا فالمسيح سوف يقبلنا، الذي به ومعه الله الآب كل تسبيح وسيادة مع الروح القدس إلى دهر الدهور. آمين.

 

الله لا يفرح عندما يُدعي سيداً بل عندما يُدعي أباً – للقديس يوحنا ذهبي الفم[5]

أما نفوس الأبرار فليست هكذا، بل هى متجددة ومملوءة بالحيوية، وتقيم دائما فى هذا العمر المزدهر، مستعدة بصفة دائمة لأية معركة وصراع، بينما النفوس الخاطئة عندما
تتعرض لهجوم حتى لو كان بسيطاً، تسقط على الفور وتنهار. وهذا ما أظهره النبى بقوله: “كالعصافة التى تذريها الريح” (مز1: 4). هكذا فإن أولئك الذين يحيون في الخطية، ينساقون بسهولة هنا وهناك ويتأثرون بالجميع. لأنهم لا ينظرون بشكل صحيح، ولا يسمعون بانتباه، ولا يتكلمون بنقاوة، بل يسيل لعابهم من أفواهم بكثرة. وليته كان لعاباً، فهذا لا يُعَد أمراً شاذاً، بل إنهم يخرجون الآن من أفواهم كلاماً أكثر بذاءة من أية بذاءة أخرى، والأكثر فظاعة من كل هذا، أنهم لايستطيعون أن يبصقوا لعاب هذا الكلام، لكنهم يجمعوه في أيديهم بصورة مشمئزة جداً، ويمضغوه مرة أخرى، لأنه ثقيل ويصعب إذابته.

ربما تشعرون بالاشمئزاز من هذا الكلام. غير أنه يجب عليكم بالأولى أن تشعروا بالاشمئزاز من الفعل ذاته، وليس من الكلام فقط. لأنه إن كان الكلام البذئ يدعو للاشمئزاز عندما يخرج من الفم، فبالأحرى جداً عندما يحدث داخل النفس، فإن هذا ما يدعو للإشمئزاز أكثر.

هكذا كان الشاب الصغير[6] الذي بذَّر ثروته فى عيش مسرف،وانحدر إلى أسوأ أنواع الشرور،وكان أكثر مرضاً من أى إنسان مختل العقل ومن أى مريض، ولكن لأنه أراد العودة، صار فجأة جديدأ بسبب رغبته الداخلية فى التغيير. إذاً عندما قال :”أقوم وأرجع إلى أبى” هذا القول هو ما جلب له الخيرات، بل العمل الذى تبع هذا القول. لأنه لم يقل “سأرجع” ثم انتظر، لكنه قال “أرجع”، وبدأ خطوات الرجوع حيث سلك في طريق العودة.

هكذا ينبغى علينا نحن أيضاً أن نفعل هذا، حتى لو كنا قد رحلنا إلى بلد غريب، علينا أن نرجع إلى البيت الأبوى، ولا يجب أن نتردد في إتخاذ القرار بسبب طول الطريق. لأنه لو أردنا ذلك، فإن العودة تصير أسهل وأسرع جداً، علينا فقط أن نهجر البلد الأجنبي والغريب، لأن هذه هى طبيعة الخطية، إنها تقودنا بعيداً عن بيت أبينا. إذاً فلنهجر الخطية لكى نرجع بسرعة إلى البيت الأبوي، لأن الأب بطبيعته يحمل عاطفة قوية، وعندما نُغيِّر
من سلوكنا فلن يكون تكريمه لنا أقل من أولئك الذين يهنئون (داخل البيت)، بل سيكرّمنا أكثر، لأن الإبن الضال قد كرّمه أبوه أكثر جداً من المقيمين معه. خاصةً وأن الأب شعر بسعادة غامرة لأنه ربح ابنه مرة أخرى.

وكيف قال أرجع؟ إنه لم يقل شيئاً سوى الآن أبداً العودة، وكل شئ سيتحقق. وأنت أيضاً عليك أن تتوقف عن الشر ولا تذهب إلى كورة بعيدة. فإن فعلت هذا ،فسيكون قد حققت
كل شئ، تماماً مثلما يحدث مع المرضى، فعدم تفاقم حالتهم المرضية، يمكن أن يكون بداية لتحسن صحتهم، هذا ما يحدث أيضاً فى حالة ارتكابنا الشرور.

لا تذهب إلى أبعد من الحالة التي أنت فيها، وستنتهى حالة الخطية التي تحياها، فإن صنعت هذا لمدة يومين ستبتعد عن الشر في اليوم الثالث بأكثر سهولة، ثم بعد ذلك ستكرر هذا لثلاثة أيام، وستحاول أن تستمر لعشرة أيام، ثم لعشرين يوم، ثم لمائة يوم، ثم بعد ذلك كل حياتك، لأنهعلى قدر ما تتقدم في حياة الفضيلة، على قدر ما ترى الطريق بكل سهولة، وستقف فوق القمة، وستتمتع بخيرات وفيرة.

لأنه حين عاد الابن الضال، أُقيمت الموائد على الفور وعزفت آلات الطرب والقيثارات، وأُقيمت الاحتفالات لأجل عودته، والأب الذى كان ينبغى أن يُعاقِب هذا الابن الضال بسبب إنفاقه لثروته بإسراف، وبسبب رحيله بعيداً جداً، لم يفعل شيئاً من هذا، بل عندما رآه شهر بالسعادة ولم يوبخه ولا حتى بالكلام أو من الأفضل أن نقول إنه لم يُرِد حتى مجرد أن يُذكِّرَه بالأمور السابقة، بل خرج خارجاً وقبّله وذبح العجل المثمن وألبسه الحلة الأولى وزينه بحلى كثيرة.

فرح السماء بتوبة الخطاة – عند العلَّامة ترتليانوس[7]

وبالطبع ما كان ليهددهم إذا لم يتوبوا، إن لم يكن يغفر لهم فى حالة التوبة.

لاشك، فقد برهن في موضع آخر عن وفرة رحمته، إذ يقول: “هل يسقطون ولا يقومون أو يرتد أحد ولا يرجع” (ار ٨: ٤).

نعم أنه هو الذى يفضل الرحمة على الذبائح: “إنى أريد رحمة لا ذبيحة ومعرفة الله أكثر من محرقات” (هو٦:٦).

إن السماء والملائكة الذين يسكنون فيها يفرحون بتوبة الإنسان:

“فاذهبوا وتعلموا ماهو. إنى أريد رحمة لا ذبيحة، لأنى لم آتِ لأدعو أبراراً بل خطاة إلى التوبة” (مت٩: ١٣).

“أقول لكم أنه هكذا يكون فرح في السماء بخاطئ واحد يتوب أكثر من تسعة وتسعين باراً لا يحتاجون إلى توبة” (لو ١٥: ٧).

“هكذا أقول لكم يكون فرح قدام ملائكة الله بخاطئ واحد يتوب” (لو١٥: ١٠).

هيا أيها الخاطئ، تشجع فها أنت تراهم يفرحون برجوعك.

فقدت المرأة درهماً، فأخذت تبحث عنه ووجدته، فدعت صديقاتها ليفرحن معها؛ أليست هذه صورة الخاطئ الذى يعود إلى النعمة؟

تضيع نعجة صغيرة يمتلكها راع. وما كان كل القطيع أغلى عنده من هذه النعجة الواحدة. فيبحث عنها وحدها، هي وحدها التى يريدها ككل الآخرين. فيجدها أخيرا ويحملها على كتفيه إذ أنها تعبت جدا في جولانها هكذا.

أريد أيضاً أن أذكر ذلك الأب الحنون الذى ينتظر إبنه الضال، وإذ يجده عارياً من كل شئ ولكنه تائب، يستقبله بفرح ويذبح العجل المسمن ويحتفل به فرحاً فى وليمة. ولم لا؟ لقد وجد هذا الأبن الذى كان قد فقده وأحس أنه عزيز لديه بالأكثر عندما وجده من جديد (انظر لو ١٥:٤- ٣٢).

ماذا يجب أن نفهمه من المثل؟ بديهى أنه الله. لا أب مثله، وليس أحد حنوناً مثله.

أنت إبنه: حتى وإن حدث أنك بددت ما أخذته منه، حتى عدت عرياناً، فإنه يقبلك طالما كنت عائداً، ويفرح بعودتك كثيراً أكثر مما يفرح بحكمة إبنه الآخر؛ ولكن بشرط أن تتوب من كل قلبك، وأن تقارن جوعك بالوفرة التى يتمتع بها خدم أبيك، وأن تترك قطيع الخنازير الدنس، وتذهب لمقابلة أبيك مهما كان غاضباً وتقول له: “يا أبى أخطأت إلى السماء وقدامك ولست مستحقاً بعد أن أدعى لك إبناً” (لو ١٥: ٢١)

إن الإعتراف بالخطايا يُخَفِف كما أن إخفائها يُثَقِّل. لأن الإعتراف علامة الرضا، والإخفاء علامة التمرد.

 

مثل الإبن الضال – القديس أمبروسيوس[8]

  • يشير علينا الطبيب الصالح بأدويَّة لشفاء الضلال، إذ لا يرفض الديان الرحوم الرجاء في إعطاء المغفرة. وقد قصد القدِّيس لوقا أن يذكر ثلاثة أمثال متتاليَّة: الخروف الضال الذي وُجد، والدرهم المفقود الذي وُجد، والابن الضال الذي كان ميتًا فعاش، لكي يدفعك بهذا الدواء الثلاثي لنوال الشفاء من جراحاتك، إذ الخيط المثلوث لا ينقطع سريعًا (جا 4: 12).

من هم هؤلاء: الأب والراعي والمرأة؟ الأب هو الله الآب، والراعي هو المسيح، والمرأة هي الكنيسة.

المسيح (الراعي) يحملك في جسده، إذ يحمل خطاياك في جسده، والكنيسة تبحث عنك، والآب يقبلك…

الفادي يعين، والكنيسة تهتم، والآب يتصالح. يا لرحمة العمل الإلهي…!

الخروف المُتعب يرجعه الراعي، والدرهم المفقود تجده الكنيسة، والابن يرجع إلى طريق الآب، قادمًا بملء التوبة عن الضلال الذي يدينه.

  • المجاعة التي اجتاحت تلك الكورة لم تكن مجاعة طعام، بل مجاعة للأعمال الصالحة والفضائل. هل يوجد أمر يحتاج إلى رثاء أكثر من هذا؟! فإن من يبتعد عن كلمة الله يصير جائعًا، لأنه “ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمة تخرج من فم الله” (لو 4: 4). بالابتعاد عن الينبوع نعطش، وبالابتعاد عن الكنز نفتقر، وبالابتعاد عن الحكمة نصير جهلاء، وبالابتعاد عن الفضيلة نموت. إذن كان طبيعيًا (لهذا الابن) أن يحتاج، لأنه
    ترك الله الذي فيه كنوز الحكمة والعلم (كو 2: 3)، وترك أعماق الخيرات السمائية، فشعر بالجوع إذ لا يوجد ما يُشبع الإنسان الضال. الإنسان يصير في جوعٍ دائمٍ عندما لا يدرك أن الطعام الأبدي هو مصدر الشبع.
  • يبدو أن هذا الرجل يشير إلى رئيس هذا العالم، وقد أرسل (هذا الابن) إلى حقوله، التي بها يعتذر الشاري عن وليمة الملكوت (لو 14: 18)، وفيها يرعى الخنازير التي طلبت الشياطين أن تدخل فيها فاندفعت إلى جرف هذا العالم (مت 8: 32). هذه الخنازير تعيش على النفايات والنتانة.

كان يشتهي أن يملأ بطنه من الخرنوب الذي كانت الخنازير تأكله، فلم يعطه أحد. الخاطئ لا همّ له سوى أن يملأ بطنه، إذ قيل “آلهتهم بطنهم” (في 3: 19). الطعام المناسب لهم هو الخرنوب الفارغ في الداخل ولين في الخارج، الذي يملأ البطن بلا فائدة غذائية، وزنه أكثر من نفعه.

يرى البعض في الخرنوب إشارة للأجناد الشرِّيرة، أو ضعف الفضيلة البشريَّة، كمن لهم رونق في العظات دون فائدة، تجتذبهم الفلسفة الباطلة. لهم المظهر الخارجي البراّق دون نفع. هذه الزينة الخارجيَّة لا يُكتب لها الدوام…

لم يعطه أحد“، إذ لا يمكن لأحد غير الله أن يهب الحياة.

  • آه أيها الرب يسوع، ليتك ترفع عنا الخرنوب، وتهبنا البركات، لأنك أنت المسئول في بيت أبيك!

ليتك تقبلنا عبيدًا، وإن كنا قد جئنا متأخرين، لأنك تقبل الذين يأتون في الساعة الحاديَّة عشر وتدفع لهم ذات الأجرة؛ تهبهم ذات الحياة لكن ليس نفس المجد، فإكليل البرّ لا يحفظ للجميع، بل للذي يستطيع أن يقول “جاهدت الجهاد الحسن” (2 تي 4: 7)!

يرى البعض أن يؤجلوا عمادهم أو توبتهم لحين قرب الموت، لكنك كيف تعرف أنه لا تُطلب نفسك في هذه الليلة! (لو12: 20).

  • لنتعلم كيف نتضرع إلى الآب. قال: “يا أبي”! يا لرحمة الله وعطفه! فمع أنه قد أسيء إليه لكنه لا يرفض مناداته “يا أبي”.

أخطأت إلى السماء وقدامك“. وهذا هو الاعتراف الأول… قدام سيد الرحمة، أمام ديان الخطيَّة.

الله يعرف كل شيء، لكنه ينتظر الإقرار بالإعتراف، “لأن الفم يعترف به للخلاص” (رو 10: 10).

عندما يلوم الإنسان نفسه يخفف ثقل ضلاله، ويقطع عنه حدة الاتهام… إنك لا تخسر شيئًا عندما تعترف بما معروف لديه.

لتقر بخطاياك فيشفع فيك المسيح لأنه هو شفيعنا لدى الآب (1 يو 2: 21).

لتصلِ أيضًا الكنيسة لأجلك، ولتبكِ الجموع عليك، ولا ترتاب فإنك ستأخذ. الشفيع يعدك بالغفران، وصاحب الكرم بالنعمة، والدفاع يؤكد مصالحتك مع العطف الأبوي.

ثق أن هذه حقيقة واسترح، لأن الله قوَّة! يهمه أن يشفع فيك حتى لا يكون قد مات لأجلك باطلًا. والآب يهمه أن يغفر، “لأنه إن كان بالناموس برّ، فالمسيح إذًا مات بلا سبب” (غل 2: 21).

“يا أبي أخطأت في السماء وقدامك” الخطيَّة تسيء إلى مواهب الروح السماوي، إذ كان ينبغي بالإنسان ألا ينحرف عن أحشاء هذه الأم “أورشليم” التي هي السماء.

يقول: “لست مستحقًا أن أدعى لك أبنًا“، إذ يليق بالساقط ألا يتكبر بل يرجع متضعًا.

  • كان يوجه الحديث لنفسه، ولكنه لا يكفي الحديث ما لم يأتِ إلى الأب.

أين يبحث عنه؟ أين يجده؟

قم أسرع إلى الكنيسة لتجد هناك الأب، هناك الابن، هناك الروح القدس.

الأب ينصت إليك، وأنت تتحدَّث في داخلك، ويسرع لمقابلتك.

  • ينصت الآب إليك وأنت تتكلم في داخل نفسك، ويسرع لمقابلتك. عندما تكون لا تزال بعيدًا يراك ويركض.

إنه ينظر ما في داخل قلبك، ويُسرع حتى لا يؤخرك أحد، بل ويحتضنك.

“مقابلته لك” هي سبق معرفته، و”احتضانه لك” هو إعلان رحمته، وتعبير عن حبه الأبوي.

يقع على عنقك لكي يقيمك أنت الساقط تحت ثقل الخطايا، ولكي يرجعك إلى السماء إذ اتجهت إلى الأرض، فتطلب خالقك.

يقع المسيح على عنقك، لكي يخلص عنقك من نير العبوديَّة، فيحملك نيره الهين (مت 11: 30).. يقع على عنقك بقوله: “تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم، احملوا نيري عليكم” (مت 11: 28).

هكذا يحتضنك الرب عندما تتوب.

  • يأتيك بالحلة والخاتم والحذاء.

الحلة هي ثوب الحكمة التي بها غطى الرسل عري أجسادهم، وبها يكتسي كل إنسان.

أخذوا الحلة لكي يستروا ضعفات أجسادهم بقوَّة الحكمة الروحيَّة، وقد قيل عن الحكمة: “غسل بالخمر لباسه” (تك 49: 11). الحلة هي الكساء الروحي وثوب العرس.

الخاتم ليس إلا صك الإيمان الصادق وختم الحق.

الحذاء يشير إلى الكرازة بالإنجيل.

  • دين الابن الأكبر، لأنه جاء من الحقل. هنا الحقل يشير إلى الاهتمام بأعمال الأرض والجهل بأعمال روح الله (1 كو 2: 11).

اشتكى لأنه لم يُعط جديًا ليذبحه، مع أن حمل الله قد ذُبح لغفران الخطايا، لا لذة الجسد.

يطلب الحاسد جديًا ليذبحه، بينما يشتهي البار أن يُذبح من أجل حمل الله!

بسبب الحسد أصيب الأكبر بشيخوخة (روحيَّة) مبكرة، وقد ظل خارجًا بسبب عدم محبَّته. الغيرة (الشرِّيرة) التي فاض بها قلبه طردته خارجًا!

إنه أحد الذين لا يبصرون الخشبة التي في أعينهم، بينما ينتقدون القذى التي في الآخرين..

إنه يغضب، لأن الغير ينال غفرانًا ونعمة!

يا لعدم احتمال جنود الشر الروحيَّة، إذ لا تطيق أن تسمع ترانيم الفرح وتلاوة المزامير.!

يشير الابنان إلى شعبين، الأصغر يمثل الأمم، والأكبر إسرائيل الذي يحسد الآخر من أجل تمتعه بالبركات الأبديَّة. احتج اليهود عندما دخل المسيح ليأكل عند الأمم، لذا طلبوا جديًا كتقدَّمة أثيمة مكروهة.

يطلب اليهودي الجدي (باراباس)، والمسيحي يطلب حملًا (المسيح)، لذلك أطلق لليهود بارباس وقدَّم لنا المسيح ذبيحة. حل بهم منذ ذلك الحين فساد الإثم بينما نلنا نحن غفران الخطايا…

يشير الابن الأكبر للفرِّيسي الذي برر ذاته في صلاته المملوءة غرورًا، هذا الذي حسب نفسه أنه لم يكسر وصيَّة الله مطلقًا، بممارسته لحرف الناموس (18: 11). بقسوة اتهم أخاه أنه بدد ميراث أبيه مع الزواني، مع أنه كان يجب أن يحترس في كلماته لأن الرب يسوع جاء لأجل العشارين والزواني.

لم يُطرد الابن الأكبر، إنما وقف على الباب ولم يرد أن يدخل، إذ لم يقبل إرادة الله التي دعت الأمم للإيمان، بهذا صار الابن عبدًا، “لأن العبد لا يعرف إرادة سيِّده” (يو10: 14)،
وعندما عرفها غار وصار معذبًا من أجل سعادة الكنيسة، وبقي هو خارجًا. مع هذا أراد الأب المحب أن يخلصه، إذ قال له: “أنت معي في كل حين”… يا حبذا لو أبطلت حسدك، “كل ما هو لي فهو لك”، فإذ لك أسرار العهد القديم كيهودي، وتنال أسرار العهد الجديد أن اعتمدت أيضًا.

 

 

صلاة للقديس أمبروسيوس[9]

تعال أيها الرب يسوع، لتطلب عبدك، لتبحث عن الغنمة الضالة،

تعال أيها الراعي وأبحث عني مثلما بحث يوسف عن أخوته (تك٣٧:١٦)

لقد ضل خروفك بعيدا، بينما كنت تمكث في الجبال،

أترك هناك التسعة والتسعين خروفاً وتعال اطلب الخروف الضال،

تعال بدون الكلاب، بدون الأردياء، بدون الأجراء الغرباء الذين لا يدخلون من الباب،

تعال دون أن يساعدك أحد أو يلاحظك أحد، لقد انتظرت وصولك طويلا،

أعرف أنك ستأتي، لأنني لم أنسى وصاياك،

تعال ليس بسوط بل بمحبة ورقه قلب.

تعال لأنني متعب  ومضطرب من غارات الذئاب الضارية.

تعال إليَّ لأنني طردت من الفردوس، لقد تهت بعيداً عن القطيع الذي يرعى على المرتفعات.

لقد وضعتني هناك، ولكن الذئب الذي يحوم ويعوي ليلاً أبعدني عن القطيع الرابض في الحظيرة.

تعال وأطلبني واعتن بي لأنني أنا أيضا أطلبك،

ابحث عني، جدني، ضمني اليك، احملني …

فأنت تقدر أن تجد من تطلبه، وتحب أن ترحب بمن تجده، وأن تضعه علي كتفيك،

تعال بنفسك، لتطلب خرافك وغنم مرعاتك، عوض أن ترسل خدامك أو اجراءك يبحثون عني.

إجذبني إليك في هذا الجسد الذي في آدم،

وأجذبني إليك ليس من سارة، بل من مريم،

احملني على صليبك الذي هو خلاص الهالكين والراحة الوحيدة للمبعثين،

على صليبك الذي كل مَنْ يموت يحيا به من جديد.

 

عظات آباء وخدام معاصرون :

الأبن الضال – لقداسة البابا تواضروس الثاني[12]

  • الخطية ابتعاد وغربة

من هو الابن الضال؟

يقول القديس أمبروسيوس: “الابتعاد الأعظم هو أن ينفصل الإنسان لا من خلال المسافات المكانية وإنما خلال العادات، ولا أن يذهب إلى بلاد مختلفة بل يحمل اتجاهات مختلفة”.

هذا المثل يُبيّن لنا:

     الأبن التائب  –    الأب المُحب   –   الأبن المُتذمّر

(الشاطر)        (المشتاق)         (الغضوب)

المقصود الأساسي في هذا المثل الرائع فرح الله بالتوبة حيث يشترك الملائكة فيه (‏لو ١٥ ‏:‏ ٧).

ماذا فعل هذا الابن؟

  • طلب نصيبه، تعدّى على سُلطة أبيه في ميعاد توزيع الميراث، واعتبره كأنه ميتاً.
  • أنفق كل شيء باستهار ولا مبالاة في عيشة رديئة وفي معاشرات رديئة.
  • شكا العوز وانحط إلى مستوى طعام الخنازير (الحيوان النجس عند اليهود وهذا هو قمة الذل).

لكنه تاب، أي:

  • عودة إلى النفس: رجع إلى نفسه أي إلى قلبه بدموع نادمة (لو ١٥ : ١٧).
  • عودة إلى الله: رجع إلى أبيه أي إلى الأحضان المفتوحة (لو ١٥ : ٢٠).
  • عودة إلى الكنيسة: رجع إلى بيته أي إلى مصدر شبعه، إلى ينابيع الله المُشبعة (لو ١٥ : ٢٢)

وماذا نال؟

  • الحلّـــة = المعمودية: الحلّة الأولى أي وُلِد من جديد.
  • الخاتــم = الميرون: وهو علامة السُّلطة (الثبات).
  • الحــذاء = الوصية (الإنسان الحُر مُميَّز عن العبد).
  • العجــل = الافخارستيا وهي قمّة الثبات في المسيح.
  • الحضن = احتواء الآب (السماوي) لأنه تائب وعائد.

وماذا كان سيعوِّقه؟

  التأجيل/ التبرير/ التعبير/التخويف/ الخداع/ ….. الخ.

  • شارد وشاطر
لماذا هو ضال؟ لماذا هو شاطر؟
à لأنه اعتبر أباه شيئاً. à       رجع إلى نفسه.
à أحسّ أنه يفهم أكثر من أبيه. à       شجاع أخذ خطوة عملية.
à استمع لكلام أصدقائه وانخدع. à       اعترف بخطيته.
à ظن أن حرّيته خارج بيته. à       احتمى في بيت أبيه.

 

لقد تعامل الأب مع أبنه التائب على أساس الحاضر ولم يُناقشه أو يُعاتبه عن الماضي، أما الأخ الأكبر فقد تعامل مع أخيه على أساس الماضي وتناسى عمداً الحاضر المُفرِح، وهذا هو الفرق بين الأبوّة والأخوّة.

 

ايضا عظة اخري لقداسة البابا تواضروس الثاني :

بوم الأحد من الأسبوع الثالث 

لو ( ١٥ ، ١١ : ٣٢ ) 

هل اختبرت هذا الأختبار ؟

أحـد الابن الضـال مـن القصص المحبوبـة جـداً لنـا فـي التاريخ والكتاب المقدس والجميـع يـعـرف أن الصـوم المقـدس يبـدأ بأسبوعين “الاستعداد والتجربـة”، وينتهـى بأسبوعين ” السعف والقيامة “، أما الأحاد الموجودة بين الأسبوعين فنسميهم قلـب الصوم وهم أربعة أسابيع ” الابن الضال ، السامرية ، المخلع ، المولود أعمى “، وتطلق عليهم ” قلب الصوم “، لأن القصص الأربعة مرتبطـون بعضهم ببعض . قصـة الابـن الضال تُمثل الاختيار، لكنه اختيار خطأ ، أما قصة السامرية فتُمثل تكرار الخطية ، أما قصة المخلع الذي عاش ٣٨ عاماً فهي قصة استمرار للخطيـة وهـذا حسـب مـفهـوم العهـد القـديم الـذي كـان يـرمـز لـهـا بـالمرض ، فاستمر ٣٨ سنة مريضاً ، إلى أن جاء أحد المولود أعمى وهـذا تسميه الخط الأخير في الخطية وهو العمى ، ولا يقصد به العمى الجسدي لكنه العمى الروحي وهذا ما يمكن أن نسميه ” بقصة المرار”.

قصة ” الابن الضال ” هي قصة أسرة مثل كل أسرنا ، فهي أسرة هادئة ؛ ولأنهـا أسـرة يهوديـة كـان فيهـا ابـنـان واحـد صغير والآخـر الكبير ، وكـل مـا فـي البـيـت مـلـكـاً لهما ، وكانت العادة أن الابن الكبير يأخذ ثلثي الميراث والابن الأصغر يأخذ الثلث المتبقي ، وكـان مـن ضـمن العادات أيضاً أن الابن الأكبر هـو مـن يـتـزوج الأول فكان الأب يقـوم بتربية عجل كبير ويتم تسمينه إلى أن يأتي يوم العرس ويتم ذبحه علامة فرح كبيرة . كـل هـذه الأمور كانت واضحة فـي هـذه الأسرة ، فكانت أسـرة هـادئـة جـداً إلى أن دخلت فيها جرثومة الخطية من خلال أصدقاء السوء الذين بدأوا الإلحاح على الابن الأصغر ويستغلونه إلى أن كونوا في ذهنه فكرة غريبة وهي أن بيتك سجن وإذا خرجت منـه سـوف تنال الحرية ، أرجـوك انتبـه فهـذه العبارة هـي مـن أخطر العبارات التي توقع بالإنسان في مشاكل كثيرة ، واستمر الابـن فـي الإلحاح على أبيه إلى أن أخذ نصيبه وخرج إلى الحرية التي كان ينتظرها ، لكنه صار في حالة انحدارحتى جاء اليوم الذي فقد فيه آخر ما كان معه من مال وأصحاب ، وبعد أن كان يعيش سعيداً آمناً مطمئناً بدأ يلجأ لشخص غير يهودي تاجر خنازير وطلب منه أن يعمل عنده وحاله بدأ يزداد سوءا ، وتُلاحظ أن أهم ما في المثل هو أنه نظر إلى الخنازير، ونظر إلى صحته ، ونظر إلى ماضيه وما كان عليه في بيت أبيه ، وأخيرا أدرك أن ما هو فيه هو السجن وبيت أبيه هو الحرية الحقيقيـة ، وقـر أنـه يعـود لبيـت أبـيـه ” أقـوم وأذهـب إلـى أبـي وأقـول لـه يا أبي أخطأت إلى السماء وقدامك . ولست مستحقاً بعد أن أدعى لك ابنا . إجعلني كأحد أجراك ” (لو١٥ : ١٨ – ١٩).

والسؤال الذي أريد أن أضعه أمامك :

هل اختبرت حلاوة هذا الاختبار ؟

أحياناً الإنسان ينشغل كثيراً فـي هـذه الـدنيا ، وتكون النتيجـة إنك لا تعـرف طريقك ، هل اختبرت هذه اللحظة ؟ إنها لحظة رائعة ” رجع إلى نفسه ” (لو ١٥ :١٧)، كأن الخطية خروج من النفس ، والتوبة عودة إلى النفس ، هل ذقت حلاوة الرجوع إلى النفس ، هل جربت أنك ترجع من خطية أو علاقة سيئة أو فكرة شريرة وتعود إلى صوابك ؟ 

 أريد أن أشرح لك شيئاً مهماً جداً فالابن قبـل مـا يخـرج مـن بيـت أبيـه مـاذا كان يدور في فكره ؟

+ فكر والخطية : 

 + الماضـي : كـان فـي بـيـتـه مـعـززاً مكرماً ولكنه نساه ، لقد نسي كل هذا وتحول البيت أمامه إلى سجن .

 + الحاضر : كان هو ما يشغل تفكيره . 

+ المستقبل : كان مستقبلاً مزدهراً في عينيه ، مغلفاً بكلمة الحرية . 

 هذا هو حال من يفعل الخطية ، فهي تجعله ينسى الماضي ويتذكر الحاضر فقط والمستقبل القادم مفتوح أمامه باتساع ، وهذا هو فكر الخطية . هذا الابـن وقـع فـي الخطيـة وشـرب منهـا ، وكـان يشتهي أن يأكـل مـن طـعـام الخنازير ، ولكنه لم يجد من يعطيه إياه ، وعندما وقف أمام نفسه ورجع إلى ذاته نجد إنه كان يفكر في ثلاث أمور :

* فعل الخطية :

+ الماضي مخجـل ، فقـد عـاش لـدي شخص غير يهودي راع للخنازير، وكـان هـذا يـعـنـي فـي الفـكـر اليهودي أنه كلي النجاسة

+ الحاضر مؤلم جداً ، فما كان فيـه مـن عـز وغنـى تحـول به الحال إلى أنه كان يجلس على التراب ، وكانت ملابسه وصورته وحياته كلها مؤلمة . 

+ المستقبل غيـر موجـود ، فقـد قـرر أن يعـود لأبيه حتى لو عمل أجيرا عنـده ؛ لأنه أدرك أخيراً أن حدود البيت هي الحرية وخارجه هو السجن .  وهذه هي مأساة الإنسان في أية خطية ، لكن أريدك أن تُدرك تماماً أن بيتك هو أفضل بيت في العالم حتى لو كنت تأكل فيه عيشاً وملحاً وتنام على الأرض . بيت الإنسان هـو أفضـل بيـت ، لذلك نحـن نقـدس الأسرة ؛ لأنهـا عبـارة عـن تـرابـط أسـري مـقـدس تـفـرح بـه الكنيسة كلها ، ونحـن نحتفل بعيـد الأسرة لكي نلفت النظر لعطاء المحبة القوي الذي يضم الأسرة والإنسان بصفة عامة .

* مظاهر البنوة :

بعدما رجع الابن لحضن أبيه ” فقال له الإبن : يا أبي أخطأت إلى السماء وقدامك ولست مستحقاً بعد أن أدعى لك ابنا ” (لو ١٥ : ٢١)، وهنا تظهر حلاوة الآب السماوي وهـو يستقبل الإنسان التائب ، والقديس يوحنا الذهبي الفم له عبارة جميلة يقول فيها : ” ما أجمل أيقونة المسيح المرسومة في دمعة إنسان تائب ” . 

كـان الابـن عنـد عـودتـه متوقعـاً مـن أبيـه أي رد فعـل لـمـا حـدث ، ولكـن محبـة الآب السماوي والحضن المفتوح يقول له : ” لا تقل شيئاً “، وعمـل معـه مـا هـو غير متوقع ، فقد قدم له الحلة الأولى ورفع من كرامته ، وأعطاه خاتم السلطة ، ومكانته في البيت ، وهذا تأكيد البنوة ، وقال لهم : ” ألبسوه حذاء المالك لأرضه “، وكسر القاعدة ، فالعجل الذي كان يربيه لفرح الابن الكبير أمر بذبحه فرحاً بعودة ابنه الأصغر ، فهي فرحة كبيرة جدا تكاد تكون أكبر من الفرح بزواج الابن الأكبر ، وتم ذبح العجل المسمن ، وهذا شيء غير مألوف في المجتمع اليهودي ، والأهم من هذا كله إنه احتضنه واحتواه ، يقول عنه الكتاب : ” فتحنن وركض ووقع على عنقه وقبله ” (لو ١٥ : ٢٠).

محبـة الله الفياضـة تجـاه الإنسان التائب ، إنهـا قصـة مـفـرحـة ، يقولون أن قصـة ” الابن الضال ” هي أفضل قصة أدبية كتبت باللغة اليونانية ، لكن للأسف الشديد يأتي مـن يسبب النكـد داخل البيت ، حيث رجع الابن الأكبر ويتعجب مما يحدث ويسأل : ” ماذا حدث ؟”، فيقولون له : ” أخوك عاد وأبوك ذبح العجل المسمن “، التصرف الطبيعي أنه يدخل البيت ويرحب بأخيه ، لكن تعجبوا معي من تصرفه الذي كان يدعي أنه لا يترك بيت أبيه مهما حدث ، فيقول عنه الكتاب : ” غضب ولم يرد أن يدخل . فخرج أبوه يطلب إليه . فأجاب وقال لأبيه : ها أنا أخدمك سنين هذا عددها وقط لم أتجاوز وصيتك وجدياً لم تعطني قط لأفرح مع أصدقائي . ولكن لما جاء ابنك هذا الذي أكل معيشتك مع الزواني ذبحت له العجل المسمن ” (لو١٥ : ۲۸ – ۳۰).

وهنا يظهر الفرق ، فالابن هنا يهين أباه ويتكلم معه بجفاء ، ويتهم أخاه بالخطية وهـو لا يـدري أنـه مخـطـئ فـي حقهما ، ولكن بمنتهى البساطة والحنـو يـقـول لـه الأب : ” يا بني أنت معي في كل حين ، وكل ما لي فهولك . ولكن كان ينبغي أن نفرح ونشر ” (لو١٥ : ۳۱ – ۳۲).

هذه هي كل الصورة المفرحة ، ولكن مجيء الابن الأكبر كان سبب حزن للبيت ، وتنتهي القصة ونحن لا نعلم هل ترك الابن الأكبر البيت أم ظل موجوداً ؟!

ويأتي السؤال الغريب : ” من الشاطر : الابن الأكبر أم الأصغر ؟ ومن الضال : الابن الصغير أم الكبير ؟”.

نلاحظ أن الصغير عاد للبيت وأصبح الابن الشاطر، والكبير عاش فـي بيـت أبيه ولكن لم يكن قلبه داخل البيت ، نجد الصغير هو التائب في حين أن الكبير لم يتب .

هل ذقت واختبرت هذه الوقفة ” وقفة التوبة “؟

إذا نظرنا إلى الابن الصغير نجده استفاد ، أما الكبير فلم يستفد ، وأضاع الفرصة منه وتسـبب فـي حـزن أبيه ، ولا نعـرف هـل خطيته جعلتـه يفـوق لنفسه أم استمر في الخطية وظل بعيدا عن بيت أبيه ؟

أحيانا يظن الإنسان أنه بخير وليس فيه شيء ولم يخطئ ، ولكن بمجرد حدوث موقف قد يكون بسيطاً تظهر العفونة التي في قلبه .

من فضلك وأنت تدرس مثل الابن الضال اسأل نفسك : ” من أنت ؟” … هـل أنـت الابن الصغير أم الابن الكبير ؟ أم الأب المحب ؟ اسأل نفسك ثـم أجـب عـن ذلـك بـكـل صراحة ، واعرف أن هناك حلاوة اسمها ” حلاوة الرجوع إلى النفس “، وهناك مبدأ ” إن بيت الإنسان هو الحرية وخارج البيت هو السجن الذي يبعد الإنسان عن الله “.

المرجع : كتاب احتبرني يا الله صفحة ١٧٢ – قداسة البابا تواضروس الثاني

الأبن الضال – للمتنيح أنبا يؤانس أسقف الغربية[10]

فالأبن الذي ترك بيت أبيه، هو مثال للنفوس التي تترك الله وبيته، ذلك الأبن سافر إلى كورة بعيدة حيث بذَّر فيها ماله بعيش مسرف، وهناك احتاج، فاشتغل برعي الخنازير، واشتهي أن يملأ بطنه من الخرنوب .. هذه كلها صور لما تقود اليه الخطية والبعد عن الله. هذا الأبن بمجرد أن شعر بسوء ما آل اليه حاله، قام ليرجع إلى أبيه ويعتذر له طالباً الصفح. وهذه تشير إلى التوبة وخطواتها. يقول السيد المسيح عن ذلك الأبن “فقام وجاء إلى أبيه، واذ كان لم يزل بعيداً، رآه أبوه فتحنن، وركض، ووقع على عنقه  وقبّله”، ما أقوى هذه الكلمات، وما أروع هذا التعبير، الذي أراد الرب أن يصور به حبه الشديد للخطاة وحنوه عليهم.

” واذ كان لم يزل بعيدا رآه أبوه”، على أي شيء تدل هذه الكلمات، إلا على الإنتظار؟ الأب في عاطفته الأبوية، ينتظر ابنه الذي تركه في غير أسف، وطالب بما يخصه من مال في غير خجل!! فإن كان هذا هو حال الأب الجسدي الذي تشوب حياته النقائص، فكم تكون مشاعر الآب السماوي نحو أولاده؟!!!.. وهو الذي يوبخنا في موضع آخر من الأنجيل المقدس بقوله: “فإن كنتم وأنتم أشرار تعرفون أن تعطوا أولادكم عطايا جيدة، فكم بالحري أبوكم الذي في السموات، يهب خيرات للذين يسألونه” (مت٧: ١١).

ثم ما هي نتيجة رؤية الأب لأبنه الضال؟ “تحنن، وركض، ووقع على عنقه، وقبّله”، كل هذه الخطوات من جانب الأب نحو أبنه تمت قبل أن يتفوه الأبن بكلمة إعتذار واحدة لأبيه، أو حتي يقدم دليلا على ذلك .. وربما كانت هذه الخطوات من جانب الأب أيضا أمراً لا يتناسب معهـ إذ كيف يركض (يجري) الأب: ألم يكن هذا جديراً بالأبن الشاب، واليق به؟!.. لكنها المحبة التي تنسى كل الإساءات وتمحو كل السيئات، وإن ذلك الأب الجسدي أظهر حباً بهذا المقدار نحو ابنه الذي تمرغ في حمأة الأثم، فكم يكون حب الله لأبنائه، الذين اقتنصهم عدو الخير لأرادته، وقيدهم بقيود الظلمة، وأذلهم تحت سلطانه؟! ألا يحنو عليهم، ويفكهم من قيوده، ويحررهم من عبوديته، ويمتعهم ببنوته؟!.. ألا يفعل ذلك وهو القائل بفمه الإلهي الطاهر “لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى .. لأني لم آت لأدعو أبراراً بل خطاة إلى التوبة” (مت٩: ١٢- ١٣).

كانت هذه المشاعر من جانب الأب، فماذا فعل الأبن نحو أبيه؟

كان الأبن وهو بعد في الكورة البعيدة، قد تعاهد مع نفسه أن يقول لأبيه معتذراً حينما يلقاه “يا أبي أخطأت الى السماء وقدامك، ولست مستحقاً بعد أن أدعي لك ابناً، أجعلني كأحد أجراك”، وحدث لما تقابل مع أبيه أن قال نفس هذه الكلماتً، لكن لم يدعه يقول العبارة الأخيرة منها “إجعلني كأحد أجراك”، وهذا التصرف من جانب الأب له أهميته ودلالته في علاقتنا بالله، فنحن لا نفقد بنوتنا للآب السماوي، مهما ارتكبنا من معاصي وشرور. ولذا فالكنيسة المقدسة لا تعيد المعمودية – التي بها ننال نعمة البنوة لله – حتى في حالة رجوع الإنسان المرتد عن الإيمان. ومن هنا كان علينا ألا ننسي أبداً أننا أبناء الله، تبنانا لذاته، وقدم دمه الإلهي ثمناً لهذه البنوة “عالمين أنكم أفتديتم لا بأشياء تفنى، بفضة أو ذهب .. بل بدم كريم كما من حمل بلا عيب دم المسيح” (1بط ١٨- ١٩).

إن كلمة الله “أبانا” هي الكلمة الشجية ذات النغم العذب، التي يلذ للرب سماعها، فأمر تلاميذه ان يكرروها “متى صليتم فقولوا أبانا الذي في السموات” (لو١١: ٢).

ثم ماذا بعد هذا في هذه القصة؟ ماذا بعد أن قدم الأبن المتمرد توبة وإعتذار؟ لقد صدر أمر الأب لعبيده “أخرجوا الحلة الأولي والبسوه، واجعلوا خاتماً في يده، وحذاء في رجليه، وقدموا العجل المسمن واذبحوه فنأكل ونفرح، لأن أبني هذا كان ميتاً فعاش وكان ضالاً فوجد”.

كان الأبن عرياناً من جراء الخطية (تك٣: ٧). فكساه أبوه، وهذا ما تفعله التوبة، إذ تلبس الآثم حلة البر كما يقول القديس الشيخ الروحاني.

ونحن نسائل أنفسنا “ألم يكن الأبن الأكبر الذي عاش في طاعة أبيه، خليقاً بها؟!”، لكنها أحشاء الرأفات التي للآباء ،فالأبن المريض يتمتع بعطف أبيه أكثر من بقية اخوته، وهكذا مريض الروح يتمتع بعطف الآب السماوي أكثر من التسعة والتسعين الذين لا يحتاجون إلى الطيبيب (أو إلى شفاء). أما الخاتم الذي جعلوه في يده، فهو علامة  العهد بين الأب، أنه لا يعود يذكر تعدياته، لقد كان كل اهتمام الأب أن يكسو عري أبنه، لكي يعود له مظهر الأبن في بيت أبيه وكأنه لم يفعل شراً.

إن الأبن لم يقدم لأبيه سوي مشاعر صيغت في كلمات، أما الأب فعوض هذه خلع عليه من خيراته، وهكذا نحن في علاقتنا مع أبينا السماوي ليس لنا سوي مشاعرنا القلبية في عبارات وعبرات، فيقبلنا اليه ويغنينا من فيض غناه، ويهبنا عطايا روحية، ومواهب قدسية، عوض ما خسرناه بالخطية.

رسالة من الابن .. الابن الضال للمتنيح الانبا كيرلس مطران ميلانو

رسالة من الابن الذي كان ضالاً

أنا أجول وأطوف في كل جيل ، أجري في الطرقات أقرع على أبواب القلوب وأطرق على مداخل ومخارج الأفكار .

لا يقدر أحد أن يمنعني أو يعوقني عن رسالتي ، لأني خارج من فم المسيح الحي الذي لا يموت . رسالتي هي أن أنادي كل ضال وكل تائه وكل حائد عن طريق الرب ، لكي يعود إلى نفسه ويقول مثلما قلت أنا : ” أقوم الآن وأرجع إلى أبي “.

الذي يمنعني من الحديث معه ، يمنع نفسه الميتة من العودة إلى الحياة . الذي يعوقني ، يعوق رد نفسه من الضلال .

أنا صورة حية للتائب الناجي من الموت الثاني ، أنا نموذج حي للضال المردود ، أنا كنت ميتاً فعشت ، كنت ضالاً فوجدت .

إذا كان الحرف الواحد من كلام الرب لا يزول ، فكم يكون مقداري أنا المثل الخارج من فمه ؟! أنا المثل ابن المثل الذي ذكره السيد المسيح .أنا المثل المشجع لكل ضال في كل جيل ، أتيت إليك قارعاً راجياً أن تفتح لي بابك ، ولك سوف أفتح قلبي

أنا لا يجب على أن أتذكر ماضي المؤلم بعد عودتي من الضلال ، لأن الحياة مع الآب السماوي تجعلني أنسى ما هو وراء وأمتد إلى ما هو قدام

ومع هذا إن بدأت أنا الخاطئ التائب أن أرصد خطايا الغير ، تنتشلني التوبة من الغرق في الإدانة ، وتعلمني أن أتذكر خطاياي ، وأن أضعها أمامي في كل حين.

أنا كنت مثلك ، كنت ضالاً منحرفاً منجرفاً عنيداً عنيفاً ، ليس لي ضوابط في سلوكي وفي كلامي وفي نظراتي وفي مسامعي وفي أفكاري

كنت لا أكرم ولا أحترم ولا أطيع ولا أسمع الوصية ، كنت متكبراً ومتغطرساً ، لذا طريق أفكاري كان يبدو مستقيماً أمام عيني ولم أكن أدرك أن عاقبته الموت بالخطية .

في بيت أبي كنت سيداً وأفكاري كانت عبيداً تحت سلطاني ، وعندما تراخيت وتهاونت ونسيت محبة أبي ، سريعاً تسلطت أفكاري علي ونزعت سلطاني ، فصرت لها عبداً .أفكاري قيدتني وقادتني إلى أن أفعل ما أريد وما يشبع أهوائي في كل مكان وفي كل وقت ومع كل أحد .

أنا كنت غريباً في أعمالي ، مفهومي للحرية كان مقيداً لحياتي بالخطية ، كان رابطا لي من عنقي بالإثم .

عندما عدت إلى نفسي أدركت أن الحرية الحقيقية تسبقها أخلاقيات ، وبدون الأخلاقيات الحرية لا تحطم النفس فقط بل تحطم الشعوب

أنا نادم على ما صنعت مع أبي ، كيف طلبت ميراثي منه وهو على قيد الحياة ؟! وما قيمة الميراث وهو غائب عني وأنا بعيد عنه ؟! وهل العطية أهم وأقيم من العاطي ؟!

حتى بعد رحيله ، ألا يجب أن أعود إلى نفسي في خجل وأسأل : ماذا أخذ معه من الأرض ذاك الذي ترك لي الميراث ؟! أليست الحياة مع أبي العاطي هي الميراث الحقيقي والكلي ؟!

” ميراثي هو الرب ، أبي السماوي ” قالت نفسي

المرجع : كتاب شفتاك يا عروس تقطران شهدا – الجزء الخامس صفحة ١٥٢ -١٥٣ – المتنيح أنبا كيرلس مطران ميلانو

 

أحد الأبن الضال – المتنيح القمص بيشوي كامل[11]

الأحد التالت من الصوم المقدس أحد الأبن الضال، أختاراته الكنيسة وأحنا في منتصف مشوارنا بتاع الصوم، علشان خاطر كل واحد مننا يحط نفسه في مركز الأبن الضال أو زي ما بيسميه البعض “الأبن الشاطر”. ومعنى إن أحنا نحط نفسينا في مركز الأبن الشاطر دي مش حاجة وحشة، فتقول أنا معملتش الحاجات اللي عملها الولد ده، ولكن الكتاب المقدس بيقول “أنظروا إلى نهاية سيرتهم وتمثلوا بإيمانهم”، فالعبرة بالنهاية، النهاية إن هذا الأبن بقى في حضن أبوه.

لكن أيضاً من ناحية الأمثال التي ضربها ربنا يسوع المسيح اللي هي خاصة بالتوبة أو الرجوع لربنا تتميز الأمثال دي بطابع خاص، تتميز بالحرارة الروحية والنشاط والعزيمة القوية. شوف الأمثلة اللي هي ضربت من أجل هذا الموضوع، مثلاً:

عندنا السامرية، لما أنت تبص للسامرية تلاقي إن هي انسانة شجاعة، تركت جرتها وتركت ماضيها وبدأت حياتها الجديدة .. وتركت كل علاقاتها، وأبتدأت بداياتها الجديدة.

لما تنظر أيضاً للص اليمين تجد أنه رجل شجاع لأنه استطاع في لحظاته الأخيرة، وفي أزمته الصعبة اللي هو بيمر بيها أن يصرخ ويقول له: “أذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك”.

فالأمثلة بتاعة الناس دول كانت تتميز بالحرارة الروحية والوضوح.

وسفر الرؤيا في الأصحاحات الأول والتاني والتالت بيتكلم عن الرسائل اللي أرسلت للسبع كنائس وكلها بتدعو للتوبة. مرة يقول له أذكر محبتك الأولى، كنت بتحبني بحرارة ودلوقت محبتك فاترة ليه؟!.. ومرة تانية يقول له: أذكر من أين سقطت وتب، ومرة يقول له: إن أنت قلت في نفسك إن أنت غني وقد إستغنيت مع إن أنت الفقير البائس، والمسكين والعريان، والمصيبة الكبيرة إن كنت بتقول إن أنت غني وإستغنيت، فأنت غرقان في خطية مضاعفة يعني أنت مانتاش حاسس إن أنت مسكين وعريان وبائس، ومرة تانية يقول له: لا أنت حار ولا أنت بارد لكن لأنك فاتر أنا مزمع أن أتقيأك.

الأمثلة اللي اتضربت عن التوبة كلها تتصف بصفة واحدة، إن التوبة فيها حرارة، واخد بالك .. أنا عايز أمسك النقطة دي وأقول ده سر عدم تقدمنا روحياً، ماحنا بنسيب كتير، إحنا أصناف ياما أنا أخدت على إن أنا كل يوم جمعة وأحد آجي أصلي في الكنيسة وأعمل قداس وأقف أنا على المذبح، وتحولت العملية دي إلى روتين، وده بيقول له: تذكر محبتك الأولى، أول أنت لما وقفت زمان على المذبح وكانت الدموع في عينيك وكانت الحرارة الروحية في قلبك وكنت مندفع بقوة روحية جامدة .. وكتير نشتكي الشكوى دي. ده أحنا أيام لما جينا الكنيسة كان قلبنا مفتوح خالص، يا ترى هو المجئ للكنيسة كتير وسماع كلمة ربنا هو اللي سبب لنا الفتور ده؟!.. فين الأيام الأولى؟!.. أتذكرت الأيام الأولى ولهجت في كل أعمال يديك، كانت أيام عجيبة جداً، كان فيها حرارة روحية. علشان كدة بيقول كدة أرجع لمحبتك الأولى بتاعة زمان، وأذكر من أين سقطت وتب. وأول أعتراف أعترفته كان أعتراف من القلب وبحرارة، وبعدين بقت حياتي روتينية والأعتراف روتيني. وأول تناول كان تناول قوي وحسيت كدة إن الله دخل في حياتي، وأكلت جسد ربنا ودمه.

هي بس التوبة يعني الواحد ميسرقش وميكدبش وميعملش الحاجات الوحشة؟!.. بل بيقول له: أذكر محبتك الأولى، شوف المحبة الأولى بتاعتك فين؟.. يا إما أحنا بنبتدي توبتنا بفتور جداً بحيث إن أحنا مش عايزين نبذل جهد وحرارة أو قوة في التوبة، فبتعدي التوبة بتاعتنا كأنه المكن، تقول ما أنا أعترفت كم مرة ، ويا حبذا كمان لو أروح أبحث عن كل الخطايا بتاعتي وأرصها كدة، وأرجع وأقول: أهو كل الخطايا بتاعتي هي أعترفت بيها لربنا عاوز بأة أيه أكتر من كدة؟!..  ما دام أعترفت أعتراف كامل يبقى كل حاجة حلوة وكويسة.

التوبة: أذكر من أين سقطت .. أذكر محبتك الأولى.

الناس اللي تابوا دول كلهم باختصار كانت تتميز حياتهم بأن عندهم عزيمة قوية وحرارة روحية واندفاع في المحبة لربنا وعدم رجوع للخطية. فالمرأة السامرية حياتها أتغيرت تغيير كامل والأبن الضال مكانش ينفع إن هو يتوب وهو في المكان اللي موجود فيه، لازم يرجع تاني يسيبه ويرجع لحضن أبوه من جديد. مكانش ينفع أبداً إن هو يتوب وهو قاعد في الكورة البعيدة مع الخنازير، لأن التوبة متنفعش إلا بالترك. مكانش ممكن زكا تتغير حياته إلا لما يترك مكانه أولاً ده ويترك مكان الجباية، ويقول له: ما دام أنا وشيت بالناس أرد أربعة أضعاف.

شوف التوبة فيها علامات واضحة كدة، لازم يبقى فيه خط واضح بين الماضي وأعماله الوحشة وبين الحياة الجديدة.

التوبة يا أحبائي عمل مهم جداً بالنسبة للأنسان المسيحي، لأن وهو بيبني حياته الداخلية محتاج أن ميكونش بارد، يا ليتك كنت بارد أو حار، لكن لأنك فاتر أنا مزمع أن أتقيأك. متكونش فاتر، وفيه حاجات كتيرة عايزة استئصال علشان يكون فيه توبة.

لما ربنا يسوع يوصينا وصية أعرف أن الوصية دي أمر منه .. لما يقول: لا تدينوا لكي لا تدانوا .. يعني أعرف إن أحنا منمسكش سيرة الناس، خالص يعني خالص ، أحنا إن جبنا سيرة الناس نجيبها بالخير بس. منقعدش مع بعض علشان نقول فلان عمل وفلان سوى .. لا تدينوا لكي لا تدانوا .. وكل واحد ينقد أخوه في شئ هيقع فيه لازم.

التوبة تطلع من القلب .. أنا قلبي مفيهوش تسامح، لازم هاتعلم التسامح. أتكلمنا عن التسامح وقال أغفر لنا ذنوبنا كما نغفر .. النهاردة بيقول لنا ربنا إن التوبة فيها حاجات كتيرة خالص متعلقة بالقلب .. ولو اننا في الصيام وبنهتم بالأكل اللي بيدخل الفم، لكن ده بيقول: لا متهتمش بالأكل ده أمره سهل، لأن من الفم تخرج حاجات تاني وحشة، والحاجات الوحشة دي طالعة من القلب، لأن من القلب تصدر أفكار شريرة، احنا بنتكلم على الصيام دلوقت على اللي بيطلع من الفم كمان، احنا طبعاً مش زي الناس الحرفيين اللي بياخدوا حتى وبيسيبوا حتة، أحنا في الأنجيل بتاعنا ناخد كل حاجة، الصيام عن الأكل اللي صامه ربنا يسوع المسيح اللي بنمارسه لكن عاوز يورينا النهاردة كمان أن الصيام صيام القلب، قال اللي يطلع من الفم ده واللي يطلع من الفكر ده أصله طالع من القلب، وابتدأ يكلمنا في موضوع خطير جداً علشان نمارسه في حياة التوبة، قال من القلب من جوة يطلع أيه؟.. من القلب قال كل حاجة، الانسان ده غريب جداً من جوة تطلع أفكار كراهية وبغضة، واحنا في الصيام بنتكلم عن المحبة، فاللي يبغض أخاه هو قاتل نفس، والزنا والفسق، والسرقة .. حتى السرقة في القلب؟.. آه .. فيه سرقة في القلب، هو لازم الواحد يكون يسرق بالأيدين؟.. فيه سرقة بالقلب، واحد يشتهي حاجة غيره، ويشتهي يسرقها وياخدها، ماهو مهو مسرقش .. والتجديف .. ومارمرقس يزود عليها الكبرياء والحسد.. كل دي أفكار تخرج من القلب .. فعاوز يورينا أن التوبة في الصيام مع التدقيق في الحاجات اللي أحنا بناكلها. ناخد بالنا من الحاجات اللي بتطلع من الفم علشان الفم ده اللي بياكل جسد ربنا ودمه تطلع منه كلمة كويسة تمجد اسم ربنا، فقال إن القلب هو المركز اللي بيطلع منه كل الحاجات دي. فالنهاردة هو بيدينا مفاهيم مهمة جداً للتوبة.

التوبةل لازم تكون فيها عملية قطع وفيها عملية حرارة وقوة ومفيهاش فتور، وتكون يعني بحد قاطع بحيث تفصل بين حياة وحياة، ودول للناس اللي بيتوبوا، لكن اللي بيمارسوا حياة فاترة وبيرجعوا تاني مش هيدوقوا التوبة أبداً.

الناحية التانية قال إن التوبة تطلع من القلب، فالواحد يفحص قلبه من جوة يجد أن القلب بيعمل حاجات معينة يبتدي يحاسب نفسه في فترة الصوم ويتوب عنها.. بيطلع من القلب أيه؟.. حسد، أفكار شريرة، قتل، كبرياء، وسخط، تجديف، سرقة.. تبتدي التوبة من أيه؟.. من القلب.

النقطة المهمة خالص اللي هيكلمنا عنها الانجيل بكثرة اللي هو الإصحاح 15 من انجيل معلمنا لوقا.. الأبن والأجير ..

التوبة عندنا إحنا المسيحيين لها معنى تاني خالص خالص غير عند الناس التانيين. الولد رجع لحضن أبوه. والولد لما ساب مقالش أرجع لأبونا .. قال كم من أجير عند أبي يفضل عنه الخبز وأنا هنا أهلك جوعاً.. فأنا أرجع وأشتغل عند أبويا خدام !!.. طيب لما أنت ناوي تشتغل خدام، متشتغل خدام عند أي حد، يعني أكرم حتى علشان متشوفش وش أبوك اللي أنت أسأت اليه ده.. قال: لا .. فيه حاجة جوة قلبي كدة بتقول لي روح أشتغل خدام عند أبوك، مهيدوك أجرة زي مبتشتغل عند أي حد تاني.. قال: لا فيه حاجة كدة بتقول ده أبويا، خدام عند أبويا غير خدام عند واحد غير أبويا.. إذا كانت فيه رابطة سرية خفية خطيرة جداً بين الولد ده وبين أبوه.. الرابطة دي يا أحبائي اللي هي رابطة البنوة .. لا الواحد عارف يفرط في أبوه ولا الأب قادر ينسى أبنه.. فعلشان كدة الأبن بيقول هاروح أشتغل خدام عند أبويا مليش وش أن أنا أكلمه..

فالتوبة عندنا في الكنيسة تبتدي بالمعمودية.. المعمودية احنا بقينا ولاد ربنا وبنقول أبانا الذي في السموات.. فأحنا في توبتنا في الواقع طبعاً أنت عندك أبنك في البيت وشوف بتتعامل معاه أزاي؟.. مبتتعاملش معاه زي الأجير، بيعمل حاجة كويسة بتقول له خد أجرتك آخر النهار وانزل اتفسح زي ما أنت عاوز.. ده أنت بتعامله على أساس أن أنت بتحبه، وأحياناً تكتر من تأديبه لأن أنت بتحبه، معاملتك ليه مش زي الأجير تدي له أجرة آخر النهار وخلاص!!.. فالأجر في الواقع النعمة اللي احنا أخدناها في المعمودية، نعمة التوبة دي الحبل السري اللي يربطنا بينا وبين الآب.. وبيدي للخطية مفهوم تاني جديد خالص.. أيه الخطية اللي عمالين تحكوا لنا عليها في الكنيسة دي؟.. القتل والسرقة والقلب اللي معرفش بيطلع منه أيه وأيه وأيه؟!.. قال أبداً ده معلمنا بولس في رسالته لتسالونيكي لما بيتكلم عن خطية الزنا بيقول من يرذلكم لا يرذل انساناً بل الله الذي أعطانا روحه القدوس، فإدّى للخطية مفهوم جديد خالص.. قال الخطية دي ليست موجهة ضد انسان ولا بيقع بها انسان بل هي موجهة ضد الله، لأن الانسان ساكن جواه روح ربنا “اذا من يرذل لا يرذل انسانا بل الله الذي أعطانا أيضا روحه القدوس”.

التوبة في المسيحية: ابتدأت الخطية تاخد معنى تاني .. بولس الرسول يقول: ده أنا أبنه من لحمه ومن عظامه أفآخذ أعضاء المسيح وأجعلها أعضاء للخطية؟!.. الخطية إحنا في مفهومنا مش أنا أسأت لفلان وخلاص، لكن الخطية موجهة لله ذاته، وموجهة لله الآب.

وبعدين عاوز أحكي لك وأقول لك إن الانسان بيمر بفترتين: الفترة الأولانية اللي مبيحسش بأن ربنا ده أبوه، يقعد يقع ويقوم ويقع ويقوم ويقول خلاص مش هنعمل خطية مش هنزعل ربنا تاني .. وأول ميكتشف محبة أبوه ليه، وإن هو بيجرحه بالخطية ميبقاش عاوز يعملها تاني.. تقول لي ليه؟.. أقولك كفاية بقى مش عاوز أعذب يسوع.. مش عاوز أجرحه.. مش عاوز أسبب له ألم تاني، لأن أنا في الواقع خطيتي هو اللي بيشلها، محدش بيشلها غيره، هو اللي حمل أسقامنا وحمل أوجاعنا وخطايانا محدش بيشلها غير المسيح، فأنا خطيتي موجهة للمسيح شخصياً، فأنا مبحبش الخطية وبأكرهها -رغم أن أنا أحياناً أقع فيها- لأن أنا باحب المسيح ومبحبش أجرحه.. ويبتدي دلوقت يدخل مفهوم عميق تاني في حياتي: بقدر مباحب ربنا بقدر مباكره الخطية.. فيقول أيه: محبة العالم عداوة لله.. محبة الخطية، محبة الجسد، عداوة لله، ليه؟!.. لأن أنا دلوقت باجرح ربنا اللي هو بيحبني.. لما واحد بيحبك قوي قوي وبيعمل فيك خير كتير وأنت بدل الخير ده تيجي عامل فيه حاجة وحشة!، تبقى عامل أيه؟!.. مكسوف منه جداً.. علشان كدة الأبن الضال لما رجع وتاب، يقولوا له أصحابه تاني: يوم متيجي بقى تاخد فلوس من أبوك، وأبوك راجل طيب، ونروح نفرفش تاني، نروح الكورة البعيدة.. يقول لهم: مقدرش أجرحه، المرة الأولانية أنا عملتها بجهل لأني مكنتش عارف أنه بيحبني زي كدة لكن المرة دي إزاي أنا أعملها وأنا عارف إن هو بيحبني؟!!..

فالتوبة بقى في المسيحية: هي أن إحنا مش عايزين نجرح المسيح اللي هو حبنا وحمل خطايانا علي الصليب.

ثانياً التوبة في المسيحية هي إن أحنا نريح قلب ربنا.. ممكن نفكر ونقول الأبن الضال ده ولد شاطر قوي أهو ريح واستريح وانبسط، لكن بيني وبينك، استريح كمان الأب لما لقى أبنه في حضنه، يا فرحة الآب لما يلاقي أبنه كويس خالص.

فالتوبة في الواقع من ناحية ربنا هي تفريح لقلب ربنا.. تفريح له بحيث أنه كل مرة بأرجع لربنا بأفرح قلبه، هتقول لي طيب وليه قلت كل مرة تاني مش احنا قلنا التوبة قطع كدة وخلاص؟!..

التوبة قطع صحيح لكن بيتكرر كتير.. ليه؟!.. لأن كان فيه حاجات أنا لقيتها في يوم من الأيام خطية فجيت قاطعها، وبعدين مشيت مع ربنا وأنا ماشي معاه اكتشفت أن فيه حاجات برضه عاوزة تنقطع من جديد زي كل مباقرب من النور ده، كان فيه بقعة كبيرة كدة في هدومي فأول لما شفتها راحت جايب مية وماسحها ومنظفها، قربت من النور أكتر، لما قربت من النور أكتر لقيت فيه بقعة تانية مكنتش باينة وأنا بعيد، فقلت دي كمان لازم تتشال، لما قربت أكتر من النور لقيت فيه بقعة تانية .. كل ماقرب ألاقي فيه بقع، علشان كدة متستغربش أبداً في حياة القديسين، أن هم قعدوا طول حياتهم يمارسوا حياة التوبة، لأن طبيعة الانسان فيها حاجات مستخبية كتير، لكن بنعمة المسيح كل متتقدم لربنا وتقرب منه كل مبتشتاق لحياة التوبة أكتر، علشان كدة التوبة حياة مستمرة ومش ممكن أبداً تيجي في يوم وتقول خلاص أنا تبت، تعرف إن لو جيت وقلت خلصت كل حاجة هتيجي في يوم مش هتحس بطعم الذبيحة اللي بتتقدم على المذبح ولا بطعم الدم اللي أنت بتشربه ولا بطعم الجسد اللي بتاكله ولا بطعم التحليل بتاع الكاهن اللي هو بيقوله لك، مش هتحس بالحاجات دي، ولا هتحس بوقفتك في القداس، لأن القداس ده عبارة عن ذبيحة من أجل الخطاة، وهتحس أنك أنت زي الفريسي اللي بيقول: أشكرك يا رب لأني لست مثل باقي الناس..

لكن الحقيقة أن التوبة للناس اللي عاشرت ربنا كل ما بتقرب من ربنا أكتر كل مبتحس بضعفها أكتر، كل مبتقول يا ربي أعني أني أتوب من جديد وأبتدي من جديد.

ويقول لنا التاريخ أن القديس أنبا أنطونيوس كان كل يوم يصحى الصبح يقول له: يا ربي هنبتدي معاك من جديد النهاردة، كل يوم غير اليوم اللي فات، اليوم اللي فات مش كويس معاه، النهاردة يقول دة أنا ممشيتش حاجة لسة، أنا النهاردة يا رب هبتدي من جديد، ده المشوار لسة طويل، وبقت كل يوم في حياته يوم جديد، شوف الجمال كل يوم في حياته يوم جديد، ما أجمل حياتنا لما تكون كل يوم صباحية يوم جديد ندي حياتنا فيه لربنا في توبة صادقة، نترك اللي فات ونمتد إلى ما هو قدام.

التوبة تفرح قلب ربنا، والتوبة متنتهيش أبداً، علشان كدة قلب ربنا يفضل فرحان دايماً، زي مانت بتكبر وباباك يفرح أنك بتكبر، وكل متاخد شهادة في سنة يفرح أكتر، والسنة اللي بعديها يفرح أكتر.. كل مانت بتقرب لحضنه أكتر تفرح بيه وهو يفرح بيك أكتر، وكل مانت بتفرح وتبقى الخطية بالنسبة ليك مش أنت بتعمل شر، الخطية بالنسبة لك أن أنت مش عايز تزعل أبوك السماوي..

الحقيقة أن المثل بتاع الأبن الضال اللي الكنيسة عملته بكرة، ده مثل مهم لأن هو بيت القصيد في الصيام الكبير كله. يعني الصيام الكبير كله بيدور حوالين بنوتنا لله.. وبالمعمودية واحنا بقينا أولاد لربنا. جه في وسط الصيام وجه جايب لنا عينة في ولد من أولاد ربنا بس وحش خالص، نعملوا فيه أيه ده؟!.. قال دة لو رجع لربنا بحرارة روحية يفرح بيه فرح كبير خالص، وتكون بالنسبة للأبن اختبار عميق لمحبة الآب السماوي، ليه؟!.. يعتبر أن ليه حياة جديدة.. رغم إن هو أبن أبيه من زمان .. بعض إخوتنا من الطوايف التانية يقول لك مثلاً إن فلان اتجدد في اليوم الفلاني.. عارف كلمة اتجدد يقصد بيها أيه؟.. يقصد أنه تاب توبة، يعني قطع، يعني رمى كل الحاجات القديمة. لكن أحنا مبنقولش كدة.. أحنا بنقول إنه هي توبة حقيقية، ليه؟.. لأنه كلما قرب من ربنا هيتوب تاني وتاني وكل مهيحس أنه في حضن أبوه فرحان بيه هيفرحه أكتر وأكتر وأكتر.. عايز أقول لك أكتر من كدة بقى.. أحنا هدفنا من التوبة أيه؟.. مش نفرح قلب ربنا؟.. أفرض ليك زميل في العمل ولا ليك زميل في الكلية، ولا ليك جار في البيت بتاعك والشخص ده بعيد عن ربنا، وبعدين قلت وأنا ليه مأفرحش قلب ربنا لو أنا قدرت أكلم الشخص ده عن المسيح وأجرجره معايا للكنيسة وأعرفه كلمة ربنا، مش الشخص ده يرجع لحضن ربنا، ماهو أبنه برضه. طيب ماهو ربنا  يفرح بيه ويفرح بيك زي ما يفرح بيّ مفيش فرق.. علشان كدة في المسيحية نجد إن الانسان مش بس عايز يتوب، لكن نفسه اللي حواليه يدوقوا محبة ربنا. شوفوا الآية الأولانية في سفر نشيد الأنشاد تقول: أجذبني وراك.. أنا لوحدي .. أنا مفرد.. فنجري بالجمع.. يعني بس تجذبني أنا وأحنا كلنا نجري وراك !!.. وحقيقي كل النفوس اللي تابت لربنا حتى في الأنجيل جات مجرجرة وراها ناس كتير، تقول لي بدافع أيه؟.. زي مثلاً أي واحد صاحب مذهب في العالم عايز يكتر الأنصار بتوعه؟.. أبداً مش دة الدافع اللي عندي، أو اللي عندنا.. أنا لما بألاقي الأب فرحان بأبقى فرحان.. عايز أفرح قلبه.. طيب شفت الأبن الكبير مش وحش، وحش لأنه قال طيب أحنا مالنا!..وقال الولد اللي عمل العمايل الوحشة دي ما نسيبه هو راح لحاله، المهم إحنا مادام أنا مبأعملش حاجة وحشة، مأنا باخدمك سنين كتيرة وأنت بتعامل الولد دة معاملة…، قال له آه أنت لسة لغاية النهاردة متبتش لأن التوبة تجعلك تمام إنك تحس إن خطيتك زي خطية أخوك، إمتى خطيتي تجرح المسيح؟.. دي خطيتك أنت بتجرح المسيح، واحنا ملناش غير مسيح واحد، وعلشان كدة بنقول “أبانا الذي في السموات..” وعلشان كدة بولس الرسول بيقول أفرح في آلامي لأن أنا بأكمل نقائص شدائد المسيح في جسدي الذي هو الكنيسة، يعني أنا بولس عضو في جسم المسيح بأتألم وبأحتم لمعاه علشان أكمل النقص في شدائده لأن الكنيسة فيها آلام كتيرة، فتبص تلاقي الانسان يبتدي كدة يفهم معنى التوبة.

التوبة تفرح قلب ربنا طيب أنا هأفرح قلب ربنا، لما أجيب أبني، ولما أجيب جاري، ولما أجيب زميلي، أجذبني وراك فنجري، وتفرح بيّ وتفرح باللي معايا، الكل عندك غالي، واحد أهم من التسعة والتسعين، دي الأمثلة اللي ضربها المسيح، والدرهم الواحد المفقود أهم من التسهة التانيين، مش لأنه أكتر قيمة مهو ده درهم ودول دراهم زيه، لكن مفقود يبقى في نظر ربنا له قيمة كبيرة خالص، علشان كدة أنا بأقول الموسم دة موسم الصيام اللي نحب نفرح فيه ربنا، هو موسم التوبة، ومش توبتنا إحنا بس وتوبة الذين من خارج أيضاً، والبعيدين عن ربنا، لأن كل واحد يدخل حضن الآب السماوي وياخد القبلات بتاعته يفرح الآب.

يا ربي.. أحنا عايزين نفرحك في كل لحظة وفي كل وقت وتكون في الكنيسة باستمرار فرحان، ولادك راجعين لك، كل يوم نفوس جديدة بتترمي في حضنك وعند قدميك، وكل يوم نفوس جديدة تجيلك وأنت بتقبلها.

شوف التوبة تظهر بمعنى أيه أوسع بكتير من الفكر اللي عند الناس برة..

والتوبة يا أحبائي مش بس عملية مستمرة لأن كل شوية كلما أقرب من ربنا، كلما أكتشف الضعف بتاعي، لآد ة كلما أقرب من ربنا بأكتشف حبه أكتر فبأحبه أكتر، هي طبيعة الحب كدة، كلما تكتشف ربنا بيحبك تحبه، ولما تكتشف أنه بيحبك أكتر تحبه أكتر، كل متقرب منه تحبه أكتر، وكل خطوة من خطوات التوبة هي خطوة في محبة ربنا، علشان كدة نقول إن التوبة عملية مستمرة حتى عند القديسين.. حتى عند أحسن القديسين.. لأن حياتهم كلها توبة في توبة، يفرحوا قلب ربنا باتستمرار، بيدوقوا حبه وبيخشوا جوة، يخشوا جوة يدوقوا حبه أكتر يخشوا جوة أكتر، يدوقوا حبه أكتر إلى متى؟!!!.. إلى ملء قامة المسيح.. إلى مالا نهاية.. أحبنا إلى المنتهى.. علشان كدة أنا أحبه أحبه حتى الدم.. مش كتير.. لما هو يقول قدموا أجسادكم ذبيحة – ذبيحة يعني زي ما أنا ادبحت – ذبيحة حية مرضية عبادتكم العقلية.. يبقى مش كتير.. اللي يحب ربنا يقوم، ويقوم، ويقوم..

وأصبح دلوقت مفهوم التوبة دة فيه سر جواه !!..

سر التوبة: التوبة دي هي الحب الإلهي كل متخش فيه كل متلاقي حاجات لا نهائية، أو تخش أكتر فتذوق التوبة أكتر.. تدوق الحب أكتر، وتبتدي تخرج عن ذاتك، فحب ربنا حب يغمر به العالم كله، وتحس أنت لما نفس تانية تيجي لربنا تحس أن محبة ربنا بتزداد ليك أنت كمان، وتجد أنت أن الآب يبقى فرحان.. هتجد التوبة فرح وحب.. والأمثلة اللي ذكرها ربنا يسوع الثلاثة اللي هي: الخروف الضال، والدرهم المفقود، والأبن الضال في لوقا 15 الثلاثة بيتكلم فيها عن الفرح.

لما وجد الخروف الضال، فرح وحمله على منكبيه وقال: إن ملايكة السماء تفرح كمان.. الملايكة مالهم؟.. الملايكة دول خدام لأولاد ربنا، فيفرحوا على فرح ربنا.. شوفوا أزاي؟!.. يعني مش بس بتفرح ربنا وتفرح ملايكته كمان.

ولما لقي الدرهم المفقود قالت أيه لكل الجيران؟.. قالت لكل الجيران تعالوا أفرحوا معي لأني وجدت درهمي المفقود!!..

لما رجع الأبن الكبير من برة ولقي وسمع أصوات طرب وفرح، قال أيه الحكاية دي؟!.. قالوا له أن أخوك جه، وأبوك ذبح ليه العجل المسمن، ولما عاتب أبوه قال له يا أبني كان ينبغي أن تفرح لأن أخاك هذا كان ميتاً فعاش وكان ضالاً فوجد.

فرح وتوبة، مفاهيم خطيرة جداً في إيماننا المسيحي ..

التوبة معروف عنها التذلل والانسحاق.. واخد بالك.. ومعروف عنها الكآبة، وهتروح تعتذر لربنا، والغفران، دي مشاعرك، ولكن تنتهي بأيه؟!.. تنتهي بحب وبفرح.. هو ده علشان كدة في العهد الجديد قال إذا صمت أدهن رأسك وامشي فرحان.. إذا صمت ادهن رأسك.. في العهد القديم إذا صمت أوعى تدهن رأسك.. يقول كدة.. يقول له دانيال كدة أنا صمت ولم آكل لحم ولم أشرب خمر ولم أدّهن.. معملتش ولا دهان على وشي خالص ولا زيت. في العهد الجديد ربنا يقول إذا صمت أفرح، أدهن رأسك، ومتعرفش حد أن أنت صايم وامشي فرحان .. الصوم في العهد الجديد هو انطلاق روحي .. توبة.. حب الهي.. فرح.. هو ده الصيام في عهد النعمة.

ربنا يبارك في الأحد ده ويجعله يوم مبروك لنفوس كثيرة تفرح قلب ربنا وترجع لحضنه. ولربنا المجد دائماً أبدياً آمين.

مثل الإبن الضال للمتنيح القمص يوسف أسعد

في الإصحاح الخامس عشر من الإنجيل لمعلمنا مار لوقا الطبيب ذكر الرب ثلاثة أمثال عن التوبة ومحبته للخطاة الذين كانوا إليه يجلسون ومعه يأكلون

وهذه الأمثال الثلاثة تختص

بفقد المادة – في مثل الدرهم

وفقد الحيوان – في مثل الخروف

وفقد الإنسان – في مثل الإبن

وذلك لكي يوضح الرب مركز الإنسان التائب عنده وفي السماء فكل من فقد المادة والحيوان ( وكلاهما لا يعقل ولا إرادة له ) دبر لهما من يوجدهما من تيههما وضلالهما . فدبر المرأة بمسكتها  للدرهم ، والراعي بسعيه للخروف ..

أما الإبن الذي أعطاه الحرية والإرادة وأعطاه الكل … فعندما يفقد لا يبحث عنه الآب وإن كان قلبه يئن مشتاقاً لرجوعه ، بل يتركه حتي بالحرية والإرادة يقدم التوبة .. فالتوبة بلا حرية وإرادة لا ترضي الرب ولا تفرح قلبه ..

كذلك فإن مسؤولية فقد المادة أو الحيوان لا تقع عليهما ، لأنه حيث يغيب العقل تنتفي المسؤولية. والمسؤول عن ضياعهما هو الإنسان الذي سلطه الرب علي الكل ، لذلك قال الرب إن الإنسان هو الذي ” أضاع واحداً ” من الخراف ، والمرأة هي التي أضاعت درهما واحد وهذا

.يوضح لنا مدى إهتمام الرب بالکل، حتى المادة والحيوان عزيزان عنده .. ينبغي ألا يفقدا. أليس هو الذي أمر بجمع فضلات الطعام، وهو الذي قال عن العصفور الذي يمنح فوق البيعة أنه غير منسي قدامه..

هناك بعض الروحيين – في تطرف – يهملون المادة والحيوان…

أما الروحيين الصادقين الذين عرفوا الرب، يهتمون بالمادة والحيوان لكي لا يفقد شيئاً منها بل يستخدمونها كلها أدوات صالحة لمجد الله … إنهم ينصتون إلى قول الرب عن المرأة أنها فتشت عن الدرهم «باجتهاد»، وإلى قول مار بولس «أما المدبر فبإجتهاد» (رو١٢: ٨) فيدبرون كل ما يقع بين أيديهم من المادة أو الحيوان بجهاد.. وإن ضاع شیء منهما، لا يستريحون حتى يعوضوا الفاقد ويستردوا المفقود معتبرين أنفسهم وكلاء على مال الله المعطى لهم وبين أيديهم…

إن التائب مع أنه يطلب الملكوت أولاً لكنه يندم ويتوب عن كل فقد في الحيوان أو المادة.. «فالصديق يراعی نفس بهيمته (أم ١:١٠).»

ومن الملاحظ أن رجوع الدرهم والخروف كانا مصحوبان بفرح لا لمن وجداهما فقط بل ولكل «الأصدقاء والجيران، والصديقات والجارات».. وهذا يعطينا صورة صحيحة عن التائب الأمين في ماله أو حيوانه فإنه يحول ما يحصل عليه بجهاده وتعبه وتفتيشه لا إلى ثروة ترهق عقله وأعصابه بل إلى فرح يشرك فيها المحتاجون وخدام الله والكنيسة كلها. بصفة عامة .

لقد كان إبراهيم أب الآباء نموذجاً رائعاً للإنسان التائب الذي كان له أموال وحيوانات، ولكنه فضل السلام مع إبن أخيه لوط وفرحه عن الخصام وقنية ما يريد… كما كان أيوب البار غنياً في المال والحيوانات وعندما فقدها كلها بسبب خطاياه كان نموذجاً رائعاً للإنسان التائب الذي يبارك الرب ویشکرويتوب قائلا: «أندم في التراب والرماد» حتى عوضه الرب وزاد ما كان له ضعفاً وبارك آخرته أكثر من أولاه (راجع أى ٤٢: ٦، ۱۰، ۱٢

ليس هذا كل ما نجده في هذه الأمثال، إنما الأرقام الواردة فيها فلها دلالاتها الروحية العميقة أيضاً

لقد إستخدم رقم ۱۰ – في الدرهم ورقمی ۱۰۰، ۹۹ – في الخروف ورقم ۳ – في الإبن

أما رقم ۱۰۰ في مثل الخروف فهو إشارة إلى إمتداد ملكوت الله وإتساعه. عدد القطيع مئة، وهو كمال وملء عدد الكائنات العاقلة الطائعة له .

وهو مثال لعدد الخراف الذي تاه إحداها وبالتحديد : جنس البشر…

لذا فرقم ۹۹ الذي إستخدمه الرب في مثل الخروف مثال لكمال عدد الأبرار هو حاصل ضرب عددی ۹، ۱۱، وعدد ۹ هو حاصل جمع عدد ٣ ثلاث مرات … وعدد ٣ يشير إلى إشتراك الثالوث القدوس في البحث عن الجنس البشرى الضال: فها هو الإبن ربنا يسوع تجسد وسار مشواراً طويلاً جداً (من السماء للأرض) في البحث عن الخروف الضال حتى صلب ومات لأجله وقام وعندما وجده وضعه على منكبيه فرحاً.. وها هو الروح القدس النور الذي يكشف عن الأماكن المظلمة التي يختبيء فيها الضال.. أما الآب فيجري ويركض ويقع على العنق .

وهو عمل دائم للثالوث الأقدس: الإبن يبحث عنا، والروح القدس بتوبيخه وإرشاده يفتش عنا، والأب ينتظر عودتنا ليعطينا قبلة ويقدم العجل المسمن

هذا عن رقم ٩، أما رقم ۱۱ فهو شهادة على الخيانة .. لأن رقم التلاميذ الأمناء للمسيح هو ۱۲ الذي يرمز دائماً إلى شعب الله بكماله، مثل أثنى عشر أسباط إسرائيل، والمرأة التي هي كناية عن الكنيسة في سفر الرؤيا لها إكليل من إثنى عشر كوكباً (رؤ۱:۱۲) وأورشليم الجديدة لها إثنی عشر باباً وإثنى عشر ملاكاً وإثنی عشر أساساً وكان قياسها إثني عشر ألف غلوة من كل جهة وطول سورها إثني عشرة ذراعاً مضروبة بإثنی عشر وفي وسطها شجرة حياة تصنع إثني عشر ثمرة وتعطي ثمرها كل شهر من شهور السنة الإثني عشر (رؤ ۱۲:۲۱، ١٤، ١٦، ۱۷، ۲۲ :۲). إن رقم ۱۲ هو إشارة إلى كمال شعب الله الأمين .

ولكن يهوذا خان الرب وعدم إسمه ورقمه بين الإثني عشر فأصبح رقم ١١ رمزاً لكمال الخيانة والسقوط.

إذن رقم ۹۹ هو تأكيد أن بر البار ليس بره وخلاص الإنسان ليس ثمر تعبه بل هو عمل الثالوث القدوس الكامل مهما كان كمال سقوطه وخياناته لله !!!

هؤلاء التسعة والتسعين كانوا قبلاً ضالين كمال الضلال حتى أتى الله المثلث أقانيمه وردهم إلى حظيرته وبره .. ما أروع هذا الحب الإلهي للخطاة التائبين الذي ذخره الرب ليس في قلبه وفدائه وتعاليمه بل حتى في الأرقام التي يستخدمها في أمثاله عنهم مبارك أنت ياحبيبي، حبيب العشارين والخطأة التائبين.. لقد طبعت فىّ صورتك الملوكية ونقشت على سلطانك الإلهي لكني وسط التراب والخطية فقدت وضاع عني بريقك البهی وجمالك اللانهائي.. لكني أشكرك أيها النور الحقيقي، يا كوكب الصبح المنير، يا شمس البر.. أتيت إلى، وفي نورك ياربى يسوع المسيح أوجدتني من جديد ومنحتني وعدك أن تصير صورتك الأولى وسلطانك الأول وبهاؤك الأول أعظم فىّ مما فقدته..

من أجل ذلك أشكرك أشكرك أشكرك

ومهما سقطت وخفت فإني إليك أهرب، وفي حضنك أختبىء حتى تخلصني إلى ملكوتك السماوي الذي جئت کارزاً إليه بالتوبة .. ياحبيب الخطاة التائبين.

الإبن الضال

(لو ۱۱:١٥-٣٢)

في هذا المثل الروائي يعرض سيدنا له المجد وقائع حادثة دعى فيها الإبن ضال لأنه ضل حقيقة، ودعی الشاطر لأنه عرف كيف يرجع عن ضلاله، ودعیالأصغر لأنه كان بطبع المثل أصغر أولاد أبيه.

رذائل الإبن الضال:

كان مرائياً، أي أظهر بعكس ما كان يبطن. فإستخدم أقدس الكلمات وأعظمها في غير موضعها الصحيح، بل وضد إستعمالها الصحيح. قال «یاأبی» (ع١٢) وهو يفكر في ثروة أبيه لا في حبه! كان كإبن أقرب إنسان إلى قلب أبوه، لكنه كان أكثر بعداً من العبيد لأبيه

إن أقرب الناس إلى الله، قد يكونوا أكثرهم بعداً عنه.. لهذا تصرخ الكنيسة في بداية ونهاية الليتورجيا قائلة: «طهرنا من كل رياء”.

وكان مطعوناً بسهام الكبرياء. إذ تعامل مع أبوه على أساس أنه شريك نداً بنداً ، يطلب ماله، وأبوه لا يزال حياً! كانت هذه الطعنة هي بداية ضلالته،وهى بداية قصة الضلال في كل الرجال الروحيين. ثم أنه وقع في خطية التبديد. فربما كان الآن على مستوى المسئولية حينما طلب القسم الذي يخصه، لكن الذي حدث فعلاً أنه عندما صار المال ملكاً له لم يستثمره لينميه بل بدده تبديداً دل على فراغ شخصيته كفراغ قرن الحيوان الصلب. كثيرون يقرعون بشدة على الأبواب يطالبون بحقوقهم – مشروعة كانت أو غير مشروعة – بدافع الطلب أو بدافع إستغلال فرصة الطلب لإستعراض النفوذ السياسى والمقدرة على التسلط. ولكن حينما يعطون ما يطالبون به يبددوه غير مبالين بمسئولية. وغالباً الذين يقدرون المسئولية يهربون.

وحتى في تبديده للمال وقع أيضاً في خطية الإسراف. «بدد ماله بعيش مسرف» (ع ١٣). ما أخطر هذه الخطية، إن هذه وحدها عقوبتها الموت في التشريع الإلهي: «إذا كان لرجل ابن معاند ومارد لا يسمع لقول أبيه ولا لقول أمه، ويؤدبانه فلا يسمع لهما. يمسكه أبوه وأمه ويأتيان به إلى شيوخ مدينته وإلى باب مكانه. ويقولان لشيوخ مدينته: ابننا هذا معاند ومارد لا يسمع لقولنا وهو مسرف وسكير فيرجمه جميع رجال مدينته بحجارة حتى يموت فتنزع الشر من بينكم ويسمع كل إسرائيل ويخافون» (تث٢١: ۱۸-۲۱) لاحظ أيضاً أن ذلك الإبن قد سقط في هذه الخطية لا في ماله الخاص بل في المال الذي من عرق أبيه وجهده. ربما ساعده على ذلك سفره إلى مكان بعيد، ليكون بعيداً عن أبيه ورعايته.

وبالتالي توبيخه وتربيته وكل الذين يهربون من التأديب ويختارون لأنفسهم البعد عن رعاية الأب يحرمون أنفسهم بأنفسهم من بركة هذه الرعاية ثم يقعون فريسة لمن ليس له قلب الأب وحبه الصادق وفي ذلك المكان البعيد لم يعمل، لأنه لو عمل لكان إيراد عمله ستر إسرافه بعض الشيء، وحفظه أن يصل إلى حد إنفاق كل شيء.

لقد إتكل على المال الذي لم يتعب فيه، وتراخي وكسل. «وید الكسلان تفتقر». لقد قال الكتاب المقدس: (من لا يشتغل لا يأكل، (۲تس ۱۰:۳). ولذا كان طبيعياً أن يفتقر إلى خبز يومه، ويشتهي الخرنوب فلا يجده.

كما أنه في ذلك المكان البعيد رافق مجموعة من الأصدقاء الزناة، بدلیل قول الإبن الأكبر لأبيه «… ذلك الذي بدد معيشتك مع الزوانی» (ع ۳۰) .

هؤلاء الأصدقاء سلبوا إرادته نحو الزنا. ورفيق الزواني يبدد مالاً (أم ٢٩: ٣) وربما صارت حالته أفضل لو أنه في المكان البعيد إختار أصدقاء صالحین

ماذا صنعت فيه خطاياه ؟

لقد أصبح ميتاً

وهذا التعبير «الموت» هو التعبير الصحيح عن حالة الإنسان الخاطىء المنفصل بإرادته عن الله مصدر كل حياة

فالموت في المفهوم الأبوي ليس هو مفارقة روح الإبن لجسده ، فمثل هذا نسميه «إنتقال»، لكن الموت الحقيقي هو إتصال الإنسان بالخطية وإنفصاله عن الله. لهذا قال الآب في المثل «إبني هذا كان ميتاً ».. (ع ٢٤)

ولكن ما هي مظاهر هذا الموت الروحي الذي بلغه الإبن الضال ؟

لقد أسقطته خطاياه من رتبة الإبن إلى رتبة الأجير والعبد. فكل ما للأب هو للإبن، يجمع معه، ويحفظ ماله من الضياع لأن كل خسارة يتعرض لها الأب هي خسارة للإبن وعلى نفس المدی. لكنه سقط من هذه الرتبة الرفيعة، إلى رتبة أجير لأنه لا يبالي، لقد أخذ وبدد (راجع يو ۱۲:۱۰). ولذلك عندما قال الإبن لأبيه «اجعلني كأحد أجراءك» لم يكن متضعاً بل كان صادقاً في التعبير عن وضعه الساقط

كما جعلته خطاياه أسير للشكوى. في بلد لا يعرف فيها أحداً من الناس ولا يوجد له فيها أب يسمع لشكواه

وحتى حينما إشتکی، تحت أنين الجوع والحاجة، لم يجد من يسمعه من أصدقائه الزناة الذين بددوا أمواله في الإثم

لم يجد من يسمع شكواه سوى رجل يرجو منفعة لذاته، يرجو رعاية لخنازير لا لخراف. فلم يعد مؤتمناً على رعاية خراف، فالخراف لا تسمع إلا للراعى، أما الخنازير فلها الأجير

جيد ما قيل: «الشكوى لغير الله مذلة»، فنحن نشكو لله لأننا نناديه “یا أبانا”

كذلك جعلته خطاياه يشتهي ولا يملك. حتى في إشتهائه لم يشتهي شيئاً يليق حتى بإنسانيته، بل بدأ يشتهى طعام الخنازير «فلم يعطيه أحد» (ع ١٦) وكانت هذه قمة المأساة في ضلال الإبن

فالإبن الذي كان كل طلب يطلبه من أبوه مجاب يطلب في ضلاله لا شيئاً كمالياً بل يطلب ملء بطنه، لا بطعام إنسان بل بطعام خنازير، ومع كل ذلك الإمتهان لا يعطيه أحد

هذه هي نهاية قصة الخطية في حياة كل إنسان، تبدأ معه بريق لامع، ويخضع الإنسان لزيف هذا البريق، فيميل نحو الخطية، وترتب له الخطية لذة مبكرة في ضلالة تزيد بها إنحرافه نحوها، وعندما يتذوق الإنسان لذة الموت هذه مرة وراء أخرى تتحول فيه إلى عادة يصبح بها الإنسان عبد عادة أو أجير شهوة.. وعندئذ يطلب الإنسان الخطية أما هي فتذله ولا تعطيه ما منحته أولاً!!

بينما تخلت عنه خطاياه ولم تعطه حتى ما إتضع في إشتهائه، نجد ناقوس التوبة يدق!

دقت التوبة ناقوسها في مسامع ساقط يشتهي ولا يملك. دقت التوبة في ذات اللحظة التي تعلن الخطية في الإنسان الساقط اليأس والفشل. فمثل هذا الإبن، وفي واقع صراعه الداخلي العنيف وشهواته غير المشبعة، فريسة سهلة في فرصة مواتية تتمم خلالها الخطية هلاکه للموت الأبدی! لكن التوبة، في دوامة هذا المنظر الصعب، تعلن صوت الرب يسوع الذي جاء «يخلص شعبه من خطاياهم» (مت ۲۱:۱) والذي ينادی: «جئت لأطلب وأخلص ما قد هلك» (لو ۱۰:۱۹)

إن يسوع يتوب ما قد هلك فعلاً، فهو الذي يقدر أن يغير واقع الهلاك إلى فعل الخلاص، وهو الإله القادر وحده أن يحول واقع الموت إلى تطلعات الأبدية

أتى يسوع يطلب خلاص ما قد عجزت البشرية عن صنعه، إذ وهو خالق الإنسان يستطيع أن يعبره وادى الهلاك إلى قمم الحياة الجديدة باطنياً وسلوكياً .

يعجبني منظر الفخاری، الذي من قشف متكسرة لا منظر فيها ولا جمال يبدع بيديه أوان جديدة تصنع لمسات الجمال في بيت الإنسان

إنه مثال سيدنا يسوع الذي جاء يطلب النفس التي صارت حطاماً والإنسان الذي مزقته صراعات الخطية: «صادقة هی الكلمة ومستحقة كل قبول أن المسيح جاء إلى العالم ليخلص الخطاة الذين أولهم أنا» (۱ تی ١٥:۱)

جاء يطلبك ياعزيزي الإنسان حتى ولو كانت بصمات الخطية قد أفقدتك ملامحك الروحية الإنسانية. ومهما تكن سقطاتك، ومهما تكن صراعاتك مع الخطية فيسوع واقف بالتوبة يعلن الرجاء والخلاص من الخطية..

فاتح لى أحضانك.             تعلن لي حنانك

لما أعترف وأتوب.           تغفر لي كل الذنوب

بارك وأعلن شخصك.       عزينا بروح قدسك

ربنا يسوع المسيح الذي يقدم التوبة للإنسان رجاء للخلاص من خطاياه لا يفعل ذلك بالقوة، بل في هدوء السائل وبطرقات المحب يقرع فقط: «ها أنذا واقف على الباب وأقرع. إن سمع أحد صوتي وفتح الباب أدخل وأتعشى معه وهو معی» (رؤ ٣: ٢٠) إنه يقرع، وعلى التائب أن يسمع قرعاته ويميل أذنه لسماع ذلك الصوت. وللإنسان مطلق الحرية في قبول السمع أو رفضه

لعل لذلك يصلي الأب الكاهن قبل قراءة الإنجيل كنسياً قائلاً: «فلنستحق أن نسمع ونعمل بأناجيلك المقدسة”

وهذا هو عمل الكنيسة في إعلان التوبة: إنها تقرع فقط، في عظات روحية بانية، أو في كتابات روحية وتعاليم آبائية، أو في إرساليات مبشرة.. تقرع، وكأن أجراسها التي تدق مع كل خدماتها تعلن نداء حب المسيح للتائبين وشغف الكنيسة على لقائهم.

ما أجمل كلام أليهو بن برخئيل البوزى وهو يتحدث عن الله إذ قال : «هوذا الله عزیز… يفتح آذانهم للإنذار ويأمر بأن يرجعوا عن إثمهم. إن سمعوا وأطاعوا قضوا أيامهم بالخير وسنيهم بالنعم. وإن لم يسمعوا فبحرية الموت يزولون ويموتون…» (أي ٥:٣٦-١٢)

إنه يقرع، ومن له آذان للسمع فليسمع ويفتح الباب بنفسه. إن الله يخلص من يريد أن يخلص.

وهو لا يخلص إنساناً من خطاياه رغم أنفه. إنه لا يستخدم أسلوب الإرغام في قبول الخلاص، لا لقصوره في ذلك فهو الله القادر على كل شيء، لكنه يكرم الإرادة الحرة في الإنسان ويكمل خلاصه برفع هذه الإرادة إلى مستوى إرادته الإلهية في خلاص كل أحد. وحينما تلتقي إرادة الإنسان بإرادة الله تتدفق ينابيع الخلاص لتشمل كيان الإنسان كله.

لقد قال سیدنا: «من أراد أن يكون لي تلميذاً فليحمل صليبه كل يوم.. » (لو ٩: ٢٣)، وقال للمريض الذي أعياه القعود ثمان وثلاثين عاماً «أتريد أن تبرأ» (يو ٦: ٥٠) هذه الإرادة الحرة في قبول عمل الله الخلاصی قدمها موسى النبي حينما كانت العليقة متقدة بالنار وهي لا تحترق. إذ قال بملء إرادته «أميل الآن لأنظر هذا المنظر العظيم» (خر ۳: ۳). وحينما مالت إرادته لله ناداه الله للتو: «إخلع نعليك» وأرسله لعمل مقدس سبق فأعده لخلاص شعبه.

الإبن – بطبيعته البنوية – يدرك إدراكاً كاملاً حنان أبوه وصدق رعايته، وهو الذي كان يدرك عن فهم عمیق خبرات أبيه. وإتساع ثروته. ومع كل معرفته الدقيقة بأبيه، ضل بإرادته. مثل هذا الإبن لم يسأل عنه أبوه ولم يرسل في أثره باحثاً أو هادياً. إلى أن قدم الإبن إرادة التوبة والخلاص إذ رجع إلى نفسه وفطن إلى ضلاله بنفسه. ثم بدأ سعياً جاداً يصدق به على إرادته إذ قال «أقوم الآن وأذهب إلى أبي». وحتى حينما وصل الإبن إلى هذا الحد من الإرادة المصممة على الخلاص لم يسأل عنه الأب ولا إفتقده، إلى أن بدأت أقدام الإبن تسلك سلوكاً جديداً نحو بيت أبيه وإرادة أبيه .

یاعزیزی: يامن عرفت الرب يسوع، وسمعت نداءه.. وقبلته مخلصاً وفادياً  يا من عرفت محبته الأبوية الحانية، وأدركت فيض مراحمه المتدفقة المترفقة حينما تضل وراء خطية أو شهوة ردية بإرادتك فالله مخلصنا لن يسأل عنك ولن يرسل من يسأل عنك. مالم ترجع إلى نفسك وتحس بعظم إثمك. ثم تضبط الإرادة فيك لتقوم نفسك عن أخطائها وتملأ وديان سقطاتك بينابيع دموع نادمة تائبة. وتخفض آکام کبریائك وإعتزازك بأخطائك في تسليم وخضوع ليد الله العالية فوقك.

حينما تصنع ذلك، وأرجو أن تصنع كذلك، ستجد يسوع المخلص يخلصك من مرارة سقطاتك ويرد إليك بهجة خلاصك الأول.

هذا ما تجده واضحاً في تصرف الأب مع إبنه الذي أراد التوبة، ثم بدأ يحياها .. إذ في هذا السلوك التقوى الخاشع رآه من على بعد. فنزل ليتلاقی مع إرادته الجديدة وإستقبله بفرح عظيم! نزل ليستقبل إبن شاطر…

فضائل الأبن الشاطر

١-رجع إلى نفسه:

المراجعة أسلوب من أساليب النجاح في عالحياة العامة، تلجأ إليه كل المؤسسات الناجحة على فترات زمنية محددة لحساب أرباحها وخسائرها .

وهي نقطة الإنطلاق نحو حالة أفضل يرجوها الإنسان لنفسه .

إن النفس البشرية لها سلطان عجيب على الإنسان، يقبل منها توبيخها لأخطائه دون خجل وبصورة أفضل كثيراً من قبوله تأنيب الناس أو تهذيبهم.

ولقد عرف أبطال الجهاد قدر أهمية هذه البداية في جهاد التوبة .

قال أرميا «لنفحص طرقنا ونمتحنها ونرجع إلى الرب» (مراثی ۳: ٤٠).

وبواسطة هذا المبدأ کشف الرب حقيقة رعايته لمار بطرس الرسول : «وقال بطرس وهو قد رجع إلى نفسه الآن علمت يقيناً أن الرب أرسل ملاکه وأنقذني ..» (أع ۱۱:۱۲).

ولأن الإنسان أحياناً كثيرة يختار لنفسه المبادئ على هواه الخاص، تكون إذن مراجعته لنفسه في ضوء مبادئه الخاصة مخاطرة قد لا تقود الإنسان إلى فعل التوبة الصادق .

لذا يراجع الإنسان نفسه على الحق الإنجيلى الذي يمحص المبادئ وينقيها. هناك من يراجع نفسه على شريعة العهد الجديد في الموعظة على الجبل (مت ٥ ،٦ ،٧) يومياً، وأحيانا أكثر من مرة في اليوم الواحد بعد كل سقطة، وأحياناً في نهاية الأسبوع أثناء الاستعداد للاعتراف أو التناول، أو في نهاية كل عام، أو قبل البدء في مشاريع تاريخية في حياة الإنسان مثل الزواج أو التكریس، أو في أيام ذكريات الميلاد.

إن القديسون يعتبرون ذلك عنصر حياة في الإنسان، حتى قال أحدهم «اليوم الذي لا تجلس فيه إلى نفسك وتعرف فيما أخطأت وفيما أصبت لا تعدده ضمن أيام حياتك». ومن الضروري أن ندرك أن المراجعة لا تشمل الخطايا ونواحي الضعف فقط، بل وأيضاً الصلاح الذي كان على الإنسان أن يصنعه ولم يتمه «فمن يعرف أن يعمل حسناً ولا يعمل فذلك خطية له» (يع ٤ : ١٧).

إن إختيار الميعاد المناسب للمراجعة، والوقار في أثنائها، وسكب ما يتوصل الإنسان إليه مع نفسه في صلاة نادمة خاشعة تؤكد صدق الإنسان في طلب التوبة والخلاص.

ليس ذلك كل ما يفعله الإنسان وهو يراجع نفسه .. هناك أمر ثان.٢

٢- أجتر ذكريات في بيت أبيه:

جيد أن يراجع الإنسان نفسه، ويرجع إلى موضع راحته. ولكن الذي ألهب قلب الابن أنه تذكر بيت أبيه الذي يمتلئ بيته بالخيرات، ثم تذکر الأجراء الذين يخدمون في بيت أبيه وهم يأكلون طعام العظماء ثم يفضل عنهم أيضاً ما ترعاه الطيور والحيوانات..

تذكر ذلك وقال «كم من أجير عند أبي يفضل عنه الخبز وأنا أهلك جوعاّ» (ع ۱۷).

إن الذكريات المقدسة وسيلة نافعة لشحذ همم التائبين والكنسية تكثر من هذه الذكريات سنوياً، لتظل مراحم الله وحنانه الدافق نبع دائم ينهل منه التائبين خلاصاً لأنفسهم.

بعد القيامة، قال الملاك للمريمات «.. لكن اذهبن وقلن لتلاميذه ولبطرس أنه يسبقكم إلى الجليل. هناك ترونه» (مر۷:١٦)، وقال هو بذاته لتلاميذه «ولكن بعد قيامي أسبقكم إلى الجليل». (مر ١٤: ۲۸) لقد كان الجليل بذكرياته الروحية الدسمة ضرورة في حياة الرسل بعد ما إنتابهم من ضعف وخيانة وإنكار وخوف وهروب من الرب يسوع.. لقد كان كافياً أن يكونوا في المكان الذي سبق فأعلن لهم فيه حقائق الخلاص والأبدية ..

يا عزيزي، في لحظات رجوعك إلى نفسك أذكر إحسانات الرب معك، وأذكر يمينه القوية التي سندت ضعفك في محنات كثيرة ..

أذكر ذلك وغيره، بكل التفاصيل.. فهذه التذكارات كالريح تهب على قلب تحول من جذوة حب مشتعلة إلى فتيلة مدخنة تحتاج إلى يقظة جديدة .

٣- قرر بنفسه قرار التوبة :

حالما تذكر وضع أبيه، وانكشفت حقائق نفسه أمامه، قرر بنفسه «أقوم وأذهب إلى أبي وأقول له : أخطأت يا أبتاه في السماء وقدامك ولست مستحقاً أن أدعى لك إبناً إجعلني كأحد أجرائك» (ع ١٩) .

لم يحتاج إلى مبشر، أو مرشد في ذلك إلا نداء حاجته، لا للطعام فحسب بل وللحب الأبوي الصافي أيضاً. إن الإنسان الذي يقدم توبة، لا يحتاج في ذلك لمعاونة إلا من داخله ومن صميم احتياجه «لا يعرف الإنسان إلا روح الإنسان الساكن فيه”

والأبطال من التائبين هم الذين صنعوا بأنفسهم قرار التوبة، ولم تكن الظروف المحيطة بهم سوى عامل ثانوي فقط.

٤- ثم وضع القرار موضع التنفيذ الجاد السريع :

لم يكن الابن الشاطر متهاون مع نفسه في تنفيذ قرار التوبة، ولم يكن كاذباً في صدق رغبته التائبة، ولم يلجأ إلى أسلوب الرياء القديم .

قال «أقوم» ثم «قام» فعلاً. قال : «أذهب إلى أبي» ثم «مضى إلى أبيه» فعلاً.. قال «أقول له: أخطأت». ثم قال له «أخطأت» فعلاً.. لقد إستعاد الإبن إرادته المسلوبة، ثم قدسها بتوبة جادة سريعة. إن أخطر ما يتعرض له الإنسان التائب أن يقرر في لحظة ما قرار توبة ، ثم يهمل في تنفيذه، أو يؤجله لحين آخر.. إن صوت الله الذي دوى في كيانه لا يمكن أن يواجه بالإهمال أو التأجيل وإلا أصبحت خطية جديدة تحتاج إلى التوبة من أولى مدارجها. لهذا يقول الكتاب للذين يقررون التوبة :

.«اليوم إن سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم» (مز ٩٥: ٧، ۸)

لقد ظهرت التوبة الصادقة في حياة ذلك الابن الشاطر:

+ فى السلوك الجديد نحو أبيه، رغم حالته النفسية الممزقة، ورغم مظهره غير اللائق الذي يقابل به أبوه بعد أن بدد معيشته. إرتفع فوق هذا كله، وسار نحو أبيه مسيرة تحمل روح الصدق والجدية في توبته .

+في إعترافه العلني الصريح بخطأه، ليس أمام أبيه فقط بل وأمام السماء أيضا «أخطأت إلى السماء وقدامك».وكان إقراره الصريح بخطأه دلالة على استرداد إرادته الضالة وسمة من سمات صدق توبته.تأمل منظره وهو داخل بيت أبيه يعلن خطأه، وقدام عبيد أبيه. إنه مشهد القمة في توبة الشاطر.

+ في سرعة تنفيذ ما قد أقره بنفسه، في عدم مماطلة بل في تلهف نحو الحنان الأبوي والرعاية الصادقة في بيت أبيه. إن السرعة ضارة في كل الأمور، إلا في فعل التوبة فهي أكثر العناصر إلهاباً لقلب الإنسان بالنقاوة الكاملة.

ختام :

هكذا كانت نهاية سارة لبداية مرة، وهكذا تفرح قلوب المؤمنين المنتصرين والمجاهدين بعمل الله المتوب المبدل حال الإنسان للخلاص.

حقا قال مار اسحق: «إيه أيتها التوبة .. يامن تجعلين الزناة بتوليين، وتجلين النوراني الذي علاه الصدأ”!

كانت هذه قصة ابن ضل وتاب. فماذا عن أخاه الأكبر رفيق صباه في بيت أبيه ؟!

فضائل الإبن الأكبر

كان هذا الإبن بطبعه أكبر من أخيه سناً، والأكبر دائماً ۔ خاصة وقت قول المثل – له شأنه وكرامته .

١- لقد كان هذا الابن شريكاً لأخيه الأصغر في ميراث أبيهما. وحينما قسم الأب معيشته بينهما خصه قسم من المال حصل عليه بدون طلب منه أو سعی لذلك. لكنه حصل عليها بملء إرادة أبيه ورضاه الكامل.

لقد كان لوضعه هذا معزة خاصة عند أبوه، جعلت أبوه يحس أنه لا يملك هذا القسم الصغير مما خصه مثل أخيه، بل كل مقتناه الباقی بعد القسم حسبه الأب ملكاّ للكبير. لقد قال له: «كل ما لي فهو لك”

وهذا التصريح الأبوي يدل على مدى الإعزاز الذي يتمتع به الإبن في قلب أبوه . لقد كان الإبن كبيراً حقاّ في هذا التصرف أمام عيني أبوه .

إن الذي سعى ليأخذ نصيبه، أخذه بعدل وليس برضا. وكان سبباً في بدأ ضلال عظيم.

أما الذي لم يسعي لذلك، فقد خصه نصيبه مثل أخيه برضا ثم زاد علی ذلك كل ما للأب.

هذا هو أسلوب الله في منح المواهب ، إن الذي يسعى وراءها بقصدها قد يعطي، لكنه بها يخسر نفسه وحياته . وكم من مواهب صارت سبباً في هلاك أصحابها !

أما الذي يسعى نحو الله، حباً فيه لا في مواهبه، ينال ما لا يفكر فيه من مواهب ثم تكون مكافأته الحقيقية حيث أكون أنا هناك أيضاً يكون خادمی»(یو ٢٦:۱٢).

لقد قال الكتاب «ليس لمن يشاء ولا لمن يسعى بل الله الذي يرحم» (رو ١٦:۹).

٢- وكان مع كل ما خصه من هذا الميراث والحب الأبوي غير متكلاً عليه. بل كان عاملاً في الحقل، ليزيد هذا الرصيد من عرقه وجهده الخاص.

لقد كان إنسان حقاً، لأن الإنسان الأول الذي خلقه الله كان عاملاً. فآدم إذا لم يكن قبله «إنسان ليعمل في الأرض» (تك ٥:٢ ) وعندما جعل من تراب أخذه الله «ووضعه في جنة عدن ليعملها» (ع ١٥).

إن العمل الحسن لسد الاحتياج الضروري للإنسان واجب يأمر به الرسل (تی ١٤:٣)، فكم يكون مدح الإبن الأكبر الذي كان يعمل لا للإحتياج الضروري فحسب بل وليزيد من كده وعرقه ما أعطى من أبيه ؟! وفضلاً عن كون العمل صابون للجسم، يصحه ويجليه، فهو شرف مستمد من الله الذي «عمل الإنسان» (تك ٢٦:١) بغض النظر عن كون العمل حقيراً أو عظيماً، صغيراً أم كبيراً..

رذائل الإبن الأكبر:

لقد سمع الإبن الأكبر صوت الطرب والغناء من على بعد، فكان عليه أن يستعلم: ماذا الخبر!

وإلى هذا الحد، فقد كان إنساناً طبيعياً. فوجیء، وهو ابن أكبر لأبيه، بما لم يخبره به في الصباح قبل ذهابه إلى العمل. وكانت هذه المفاجأة مدعاة لتساؤله إنسانياً .

لكنه حينما أراد أن يستعلم عن سبب الفرح لم يدخل البيت ليستعلم بنفسه، ومن أبيه الذي قال له: «أنت معي في كل حين». لم يفعل ذلك بل ترك وضعه كإبن وسأل أحد الغلمان الذين يخدمون في بيت أبيه .

وكان عليه أن يكون على إتصال مباشر بأبيه، لا عن طريق غلام، ليعرف سبب العرس المفاجئ.

وكان ذلك خطأ، جعله لا يعرف السبب الحقيقي وراء العرس، بقدر ما عرف الأحداث التي قادت للعرس. وشتان بين الأحداث وأسبابها.

حدث الرجوع وذبح العجل المسمن شیء، وسبب العرس الحقيقي في قلب الأب الفرحان شيء آخر.

إن معظم المشاكل التي تعصف بحياتنا تنجم من فقداننا الاتصال البنوی بالله أبونا، في مخدع الصلاة وفوق جبل الليتورجيا المقدسة. ونذهب لسؤال الناس الذين مهما تكن قداستهم فهم «أصدقاء للعريس»

صدق الرب حين قال «شعبی عمل شرين: تركوني أنا ينبوع المياه الحية لينقروا لأنفسهم آباراً مشققة لا تضبط ماء» (أر ٢: ١٣). إن إلتجائنا للناس ليس خطأ في حد ذاته، ولكن لا يوجد من يستطيع يجيب تساؤلات الإيمان وتحدياته في هذا العصر مثلما يجيب عليها أبونا السماوي.

والذين تعودوا الصلة المباشرة اليومية بالآب السماوي يدركون جيداً كيف يجيب الله ما يعجز البشر عن فهمه وتفسيره !

ياعزيزي الكبير.. إن كبرك فرصة لزيادة خبراتك في علاقتك المباشرة بالله أبونا، وليس فرصة لظهور خبراتك وحكمتك المأخوذة من الناس .

الكبير حقاّ هو الذي كل يوم تزداد فرص إتصاله بالله كماً وكيفاً.

والعجيب أن كثيرين من الذين يقفون خارج بيت الله (الكنيسة) يتصرفون تصرف الإبن الكبير تماماً… يزداد صياحهم، ويزداد إنتقادهم، بل وقد يصلون إلى حد مناصبة الكنيسة بيت أبيهم العداء والمذمة .

إن كان ممكناً لإنسان أن يخلص خارج الكنيسة (معنی ومبني) لكان ممكناً لذلك الإبن الأكبر أن يخلص من قساوته خارج بيت أبيه.

يقضون سنو حياتهم المبكرة في داخل بيت الله، وحينما يكبرون سناً أو مركزاً يصغرون في معرفتهم بالله ويقفون خارج الكنيسة متفرجين أو ناقدین أو هادمين !

آه .. لو دخلوا الكنيسة في كبرهم أيضاً، لتحولوا إلى عاملين مضحيين بانیین لنفوس كثيرة ..ولكن ماذا صنع تصرفه السيء هذا في سؤال أحد الخدام، هل قاده إلى إستفسار حكيم أم إلى خطية عظيمة !

. ٢- لم يكن جواب الغلام الذي سأله الابن الأكبر بذات العمق والفهم مثل جواب الأب. ولذلك أساء فهمه، فأسقطه في خطية الغضب. وفي لحظة غضبه أخذ قراراً يعبر عن انفعالات خاطئة تملكت عليه لحظتها إذ «أبي» أن يدخل بيت أبوه. إنفعل بالغضب الرديء ورفض أن يدخل إلى أبيه. وهكذا سقط في خطية أخيه الأصغر، الأصغر فر من بيت أبيه وراء ضلاله، والأكبر رفض دخول بيت أبيه وراء قساوته. لقد غضب غضباً غير مقدساً، لا نفع من ورائه.. غضب في أوان الفرح الذي كان لابد أن يملك قلبه ككبير إذ يرى الضال يوجد والميت يعيش !

حسناً قال مار اسحق: «كما أن جريان الماء يتجه إلى أسفل هكذا قوة الغضب إذا ما ألفت موضعاً في فكرنا». هكذا اتجه الإبن الأكبر إلى أسفل حينما نفذ إرادة الغضب برفضه دخول بيت الأب، وحرم نفسه لفترة طويلة – هي فترة مكوثه خارج البيت غضوباً _ من هدوء نفسه في لقاء مباشر مع أبيه .

. ٣- لقد أثمر الغضب سقطة أخرى هي معايرة أبيه بخدمته ولطلبه أجرة نظير ذلك. ولو جدياً واحداً يأكله مع أصحابه .

لقد كان يعمل باجتهاد، هذا مبارك ومشرف ولكنه حينما قال «أنا أخدمك.. ولم تعطني جدياً ، سقط من رتبته کإبن لأنه طلب أجرة خدمته ،إن طلب عبد أجرته أعتبر ذلك حقاً شرعياً له، لكن إن طلب الإبن أجرة بنوته صار أجيراً !

٤- وأكمل الغضب ثمرته فيه إذ سقط في إدانته لأخيه «إبنك هذا بعدما أكل معيشتك مع الزوانی”..

وما أخطر هذه الخطية في حياة الإنسان ، لأنها تنم عن كبرياء واضح يأخذ فيها الإنسان موضع الله الديان، ليدين أخاه ..

إن الإدانة نشأت في هذا الموقف بسبب مقارنة حاله بحال أخيه في زمان ضعفه. لكن لو كان الإبن الأكبر قارن حاله بحال أبيه المجاهد المحب لإتضعت نفسه وصغرت جداً ورأى سقطة أخوه حبة رمل أمام أخطاءه الكثيرة .

إن المرآة التي وقف أمامها الإبن الأكبر مرآة غاشة لم تعطه صورة دقيقة عن نفسه، فخرج من نطاقها إلى نطاق أخيه في سقوطه ..

كان يمكن أن ينجو الإبن الأكبر من هذه الإدانة لو نسی لأخيه ضعفه، وقارن حاله بحالة أخيه التائب الذي رجع إلى حضن أبيه. لو فعل ذلك لكان بکی على نفسه هو، على غضبه وتذمره على أبيه وسلك التوبة مثلما سلكها أخيه الأصغر قبله.

إن الصغير بدأ ردياً وإنتهی حسناً أما الكبير مع أنه كان في بداءة حسنة مثمرة لكنه سقط في نهاية المثل.. ولم نسمع عنه توبة

أيها الكبار إحذروا ..

أن سقطاتكم تكون عبرة للصغير، وفرصة لتوبته.. أما أنتم فلأنكم تعتقدون أنكم كبار حينما يسقط الصغار تقفون أمامهم موقف الحكام.. والمعلمين مع أنكم تحتاجون أن تقفوا موقف التلاميذ فتتعلموا..

الصغار يتوبون، وتوبتهم تكون مشحونة بدوافع مقدسة غاية في النقاوة والسعي وراء المسيح..

فاحذروا أيها الكبار، لأنكم في توبتكم تتخذون مسالك السياسيين لمداراة أخطاءكم أمام الناس مع أنها تخذلكم أمام الله ..

ياليتكم تقتدون بالصغار في نقاوة توبتهم، وجدية توبتهم، وتغيير مسالكهم..

لقد أوقف الرب يسوع وسط التلاميذ الكبار الإثني عشر صبياً صغيراً وقال لهم: «الحق الحق أقول لكم إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأولاد فلن تدخلوا ملكوت السموات» (مت ۳:۱۸).

الصغير والكبير سقطا كليهما..

ولكن في سقوطهما إلتقيا بأب كليهما..ذلك الأب الذي يشير في المثل إلى الآب السماوي .. ولا يمكننا أن ننسى الآن هذا الأب، فماذا فعلت أبوته مع الكبير والصغير.

الأب في مثل الإبن الضَال

١-أب حکیم :

فلا استقامة للأبوة بدون الحكمة في التوجيه والتربية. والأب في مثل الابن الضال تجلت فيه حكمة عميقة وممارسة ديمقراطية لسلطانه الأبوي.

لقد جاء الإبن الأصغر يطلب نصيبه في ميراثه، وكان يمكن للأب أن يعارضه في ذلك معارضة قانونية سليمة. وكان يمكن أن يمارس معه أسلوب الإرغام في تنفيذ قانونية معارضته لطلب تقسيم ميراثه وهو حي بعد.

لكننا لم نسمع في المثل جدالاً من الأب، أو مناقشة فيه. فلا شك أن الجدال والنقاش مع إبن مستهتر إلى هذا الحد للمواجهة مع أبيه خسارة ،وأعظم کسب هو أن يتجنب الأب جداله ومناقشته .

لقد فطن الأب بحكمته أن ما يطالب به إبنه في ميراثه، وإن كان غير لائق أدبياً، لكنه حق سيصير له بعد وفاته آجلا أم عاجلاً.. فإن أعطاه له وهو بعد حي يكون قد أراح ضميره لأبعد الحدود، إذ إطمئن على عدالة التقسيم في الميراث وهو حي. فطن الأب إلى ذلك بحكمته، ووافق على قسم المعيشة لإبنيه دون أن نسمع تبرماً أو ضيقاً بتصرف الصغير..

وهنا تبرز فضيلة أخرى في ذلك الأب الحكيم: لقد كانت حكمته نازلة من فوق لذلك كانت «مسالمة» (یع ۱۷:۳).

كان أب في حكمته مسالماً لأولاده، لم يغضبهم بينما هم أغضبوه في قلبه. صرف غضبه هو في إتساع أبوته، ولم ينفث فيهم غضباً أو خصاماً.

وكانت حكمته المسالمة في تقسيم الميراث، فرصة ليتعلم هذا الصغير لا بالعظات أو التوبيخ أو التهديد بل بالممارسة، إن الممارسة وحدها وسط الحياة كافية أن تلقنه حب أبوه وإخلاصه.

هذه الحكمة التي نراها في أب المثل، تتجسد واقعياً في معاملات الآب السماوي لنا.

قد نلح في طلب امور غير نافعة لنا، وقد نتبرم في تمهله علينا في الإستجابة. وحينما يجدنا نتابع الإصرار يعطينا ما نطلب فنتعلم بعد ذلك أنه كان خير لنا لو لم نطلب أو لم نعطى..

إن حكمة أبونا السماوي أعطت الشعب شاول، مع أنه عارف بعدم صلاحيته كملك، حتى أقر الشعب بعد ذلك علناً عندما أعطوا في هتافهم الربوات لداود والألوف لشاول!

ياليتنا نفطن إلى حكمة إلهنا المحب في كل أحوالنا فنقول عن ثقة ورضى «لتكن مشيئتك» . ومع أننا لا نسمع أدنى مناقشة بين الأب والصغير، نقف أمام مناقشة تفصيلية مع الكبير .

فالحكمة التي إستوجبت الصمت والعطاء مع الصغير، إستوجبت المناقشة والأخذ مع الكبير.

فلقد كانت المناقشة هنا ليست حول قضية حتمية، ولكنها حول موقف فوجيء به هو عرس داخل بيت أبوه دون علمه. ولهذا كان لابد أن يناقش إبنه الكبير ليوضح له سبب العرس .

فالحكمة تعرف أن تستعمل المناقشة والصمت كل في موضعهما ومع أشخاصها.

٢-أب مربی:

والأبوة مرتبطة بالتربية، وإستخدام أساليب التربية حق مشروع للأب.

ولقد تميز ذلك الأب بميزتين فريدتين في شخصيته جعلته مربی من طراز رفيع:

+لقد ترك إبنه الصغير في ضلاله يتربي من أعماله.

فمع أن الإبن كان يدرك إدراكاً كاملاً حنان أبوه وصدق رعايته وخیرات أبيه وإتساع ثروته، لكنه ضل بإرادته وسعى لهلاك نفسه .

ولم يسأل عنه الأب، ولم يرسل في أثره باحثاً أو هاوياً. مع أننا لا نستطيع أن نجرده من عاطفته الأبوية التي بلا شك أنت كثيراً وتألمت ساعة خروج الإبن من البيت. وإستمر الأب في إهماله الشكلي لإبنه، إلى أن قدم الإبن إرادة التوبة والخلاص.

وحينما رجع الإبن بسلوك جديد رآه أبوه من على بعد، وإذ أكمل المربی تربيته لإبنه نزل ليستقبله بفرح عظيم. فللتربية وقت وللإستقبال وقت!

إن فقد الأب قدرته على التربية صارت أبوته مشوهة. وفي التربية يرتفع الأب حتى فوق عاطفته الرقيقة ليمارس تداريب تبدو في ظاهرها شديدة وحازمة لكنها تحمل في طياتها مشاعر حب وأمل للوصول إلى وضع أفضل.

لقد قال الروح القدس في سفر العبرانيين «إن کنتم تحتملون التأديب يعاملكم الله كالبنين، فأي ابن لا يؤدبه أبوه، ولكن إن کنتم بلا تأديب قد صار الجميع شركاء فيه فأنتم نغول لا بنون» (عب ١٢: ٧، ٨).

+نعم إنه أب يعرف أسلوب المكافأة في التربية، فليست التربية عنده ممارسة في السقطات. لكنها ممارسة في الأثرة أيضاً.

فعندما رجع الإبن عن تيهه وسقطاته، رجوعاً صادقاً في النية والسلوك معاً، كان لابد أن يجد في قلب الأب الصادق في تربيته نسياناً لماضيه النتن الرائحة، ومكافأة تشجعه على المسير في طرق الإرادة التائبة الجديدة .

لقد كافيء الصغير بالحلة الجديدة، والخاتم في أصبعه، والنعلين في قدميه، والعجل المسمن أمامه ومن حوله كل أهل البيت ولقد كافیء الكبير أيضاً أنه «خرج إليه» حيث كان خارج البيت، وهذا تنازل أبوي يعتبر في حد ذاته مكافأة عظيمة من الأب لإبنه.

٣-أب حنون كريم:

مع أن مسئولية التربية قد تجعل منظر الأب يعرف بالشدة أو بالقسوة . لكن مثل الأب في حنوه وكرمه مع بنية لا يوجد شبيه أو مقارنة !

لقد رأى الأب الشغوف على توبة إبنه منظر فتی آت من بعيد فيه بعض ملامح من إبنه الضال.

وكان حنوه هو الذي جعله يصعد إلى سطح منزله يترقب عن كثب عودة إبنه التائه.

هذا الحنو هو الذي أنساه وصفه وهيبته وكرامته عندما إلتقى بإبنه التائب، حتى أنه نزل بحنو مفرط مسرعاً للقائه.. أخذ يعدو في الطريق، ولما لقاه ألقى بنفسه على عنقه «وقبله طويلاً(حسب طبعة الأباء اليسوعيين) » لشوق عاطفته الأبوية نحو إبنه .

ومع أنها كانت فرصة لمعاقبته أو إعطاءه درساً، لكن الأب كان كريماً مع إبنه التائب.. فقد إكتفى بدرس عملي عاشه الإبن في ضلاله، وظهرت نتيجة تعلمه وتوبته.. إكتفي الأب بهذا وصبغ من كرمه على إبنه في الحال إذ رده إلى رتبة بنوته الأولى.

هذا المنظر يتجسد بصورة عملية في لقاء الرب مع ماربطرس الرسول عندما بكى بكاء مراً، وندم على إنكاره للرب.. إذ قال له «أتحبني» ، ثم رده إلى رتبته الأولى في كرم فياض حان «إرعی خرافی»

ما أكرمك يا إلهي الحنون معی أنا الساقط عندما ترى فىّ توبة صادقة في النية والسلوك نحوك.. فأخلق فىّ الإرادة الجادة، ومارس فىّ ومعی فعل التوبة لأظل أناديك «توبنى يارب فأتوب”.

المرجع : كتاب توبني يارب فأتوب صفحة ١١٦ – القمص يوسف أسعد

مثل الأبن الضال – المتنيح القمص لوقا سيداروس[13]

کان جميع العشارين والخطاة يدنون منه ليسمعوه، فكلمهم بهذا المثل، لقد فتح الرب بهذا المثل باب السماء أمام الخطاة، وكشف عن فرح الآب الشديد برجوعنا، لأنه لا يسر بموت الخاطىء، مثلما يرجع ويحيا. ومعلوم أن الرب يسوع جاء ليعرفنا الآب .. وهنا يعلن المسيح المبارك عن أسرار فكر الآب من نحو رجوعنا إليه، وفرح الآب وسروره بأستقبالنا كابن راجع من كورة بعيدة وظلال الموت. ولا يوجد في الكتاب المقدس كله إظهارا لمشاعر القرب نحونا كخطاة بقدر ما أعلن المسيح في هذا المثل .. فالمسيح يتكلم كإبن الله الوحيد ويكشف عن قبولنا في شخصه لدى الآب، فبدون البنوة لا تكون توبة ولا رجاء ولا حياة ولا رجوع وتمتع بأحضان الآب.

لذلك فالمعمودية التي هي بنوتنا لله هي أساس توبتنا .. فنحن نرجع إلى الآب على أساس بنوتنا له، وإن لم يكن أبناء، فكيف نقدر أن نرجع إليه؟.

الغربة عن الآب

ليتنا نركز فكرنا في الإعلانات التي كشفها لنا الرب يسوع من جهة الآب .. لأن من جهة الإبن الخاطيء وشفاعة الخطية والعصيان وأباطيل العالم الزائفة .. كل هذه الأمور اختبرناها لا بالكلام، بل بالعمل .. فمن منا لم يذق مرارة الخطية وعذابها؟ ومن منا شبع من خرنوب الخنازير؟.. دعنا نركز فكرنا في الآب الحنون، لنكتشف كم تخسر النفس في غربتها بعيدة من الآب .. وهذه هي الكلمات التي نطق بها الرب يسوع بخصوص الآب.

لما رآه أبوه تحنن

ليس شيء من النطق يستطيع أن يحد لجة حنان الأبوة .. “اضطَرَمَتْ مَراحِمي جميعًا” (هو11: 8). هذه تعبيرات بلغة بشرية عن أمور إلهية لا توصف. فالآب الحنون لا يطيق أن يراني في ذل أو عبودية .. وعندما يراني قادماً إليه في ثياب خطيتي ونجاساتی يُغلَب من تحننه. إن أختا لعازر عندما قالتا للرب تعال وأنظر، بكي يسوع. فمنظري في قبر شهواتي ونتانة رائحة خطاياي تستدر حنان الآب، ودموع يسوع.

وقع على عنقه وقبله

لقد هجرت أحضانك الأبوية بإرادتي .. وذهبت أعانق العالم، وأفتح قلبي للشهوات .. نجست شفتي بقبلات الغش والدنس .. افتكرت في نفسي أن أرتمي في أحضان السعادة والسرور، ولكني كنت أذهب من حزن إلى حزن .. وضعت شفتي على ينبوع المياه المسروقة والمغشوشة، فكنت أعطش أيضاً .. والآن يا أبي قبلني بقبلات فمك، لأن حبك أطيب من الخمر، وحلقك حلاوة وكله مشتهيات، لقد تغربت كثيراً عن قبلات فمك .. أحضانك الأبوية تحتويني، شمالك تحت رأسي، يمينك تعانقني .. لا تدعني أخرج أيضا خارجاً .. أغلق عليَّ بين ذراعيك، الذين في يدك لا يقدر أحد أن يخطفهم منك .. يمينك يا رب معتزة بالقوة .. في يديك أستودع روحي.

وقع على عنقه

عنقي الذي وقع تحت نير العبودية وأستعبد للشهوات، ورأسي الذي أنحنى في المسكنة، وخزى الخطية وعارها صارا عليه .. حب الآب يحررني .. وقبلاته ترفع وجهي .. حرر یا رب .. خلص بالحب والعناق، اغسل الدنس من نفسي.

أخرجوا الحلة الأولى

ثوبي الأول .. معموديتي الطاهرة .. نقاوتي الأولى .. فکري البسيط الذي بلا خطية .. طفولتي البريئة التي لا تعرف الشر، ولا يسكن فيها الخبث أو المكر أو شبه الدنس، برك الذي كساني كالثوب .. كل هذه عراني العالم منها، ألبسني الخزي وتبدل ثوبي بثوب العالم .. لبست أفكار العالم الملوثة، ولبست الرياء والتملق والكلام الباطل وهموم الغنى، صرت شكل أولاد العالم، بعد أن كنت لابساً المسيح، یا لحب الآب الأزلى .. هل لي رجوع إلى حلتى الأولى وحالتي الأولى؟.. هل تعود إليَّ قداستي؟.. یا لكرامة الرجوع إلى الآب، تجعل الزناة بتوليين، والخطاة أبرار ..

ربي .. كم تغربت عن التمتع بلباس النعمة وحلة الخلاص .. تغربت كثيراً عن معمودیتي، ألبسني مرة أخرى حلتي الأولى.

حقا أن التوبة هي تجديد المعمودية أو كما يقول الآباء: هي معمودية ثانية .

خاتماً في يده، وحذاء في رجليه

اليد هي العمل، والرجل هي السعى نحو الغرض، وكلاهما تغربتا كثيراً عن الآب .. فيدي عملت لحساب الجسد والعالم والشهوات، حتى وصلت إلى أن تعمل في رعاية الخنازير، لقد تعبت يدي من أعمال النجاسة، وها هي راجعة إليك يا الله بعد أن كلت من قبض الريح،

ألبسها الخاتم، خاتم مسيحك لتعمل للملكوت .. لتعمل للحياة الأبدية، لتعمل في الحصاد.

ألبسها خاتم القداسة لتعمل عمل الرب بقوة وبدون رخاوة.

ألبسها خاتم الخطبة والاتحاد بالله لكي لا تعود تعمل لنفسها، بل للذي بذل نفسه لأجلها.

إن الخاتم في يدي عوض المسمار في يد المسيح، كم هو ثمین وباهظ التكاليف.

إيه يا نفسي لا تعودي تتغربي عن محبة الآب، ولا تعودی تخلعی خاتم مجده الذي هو وصاياه وكلامه “لتكن هذه الكلمات التي أنا أوصيك بها اليوم في قلبك واجعلها خاتماً على يديك”.

أما رجلي فكم حملتني بعيداً وهي تسعى في الكورة البعيدة، لقد أدمت رجلي بأشواك كثيرة، لقد خرجت من بيت الآب بحذاء في رجلي. هو إستعداد إنجيل السلام بأرجل مغسولة بيد المسيح بعد العشاء بسراج الكلمة لرجلي. وتغربت كثيراً في العالم سرت في وادي الموت .. وسلکت مسالك الهلاك في مزالق وحفر وفخاخ الشر، فقدت حذائي، وتهرأ لحم قدمي لم تعد لي قوة على حركة أو قدرة على السعي للملكوت بعد. وحتى كل هذا ترده إليَّ مرة أخرى .. يا رجلي لا تعودي تسعي بعيداً عن الآب تعرضك للآلام، يا رجلى توجد طريق تبدو صالحة وآخرتها الموت، يا نفسي هذا الحذاء في رجلك هو الطريق الكرب لكي لا تتعرجي في السير نحو الآب.

ربي والهي إحفظ قدمي من الزلل ..

وقدموا العجل السمن واذبحوا فنأكل ونفرح

وليمة الآب هي الذبيحة يصاحبها الفرح. هي إذن ذبيحة الفرح وطعام الحياة الأبدية. افتكرت نفسي أن تشبع من مائدة العالم، فقدم لها العالم إغراءات كثيرة. ولكنه كان يخفي خلف الإغراءات خرنوب الخنازير “لماذا تزِنونَ فِضَّةً لغَيرِ خُبزٍ، وتعَبَكُمْ لغَيرِ شَبَعٍ؟ استَمِعوا لي استِماعًا وكُلوا الطَّيِّبَ، ولتتلَذَّذْ بالدَّسَمِ أنفُسُكُمْ. “السماء تفرح بخاطيء واحد يتوب” هلموا يا أخوة نفرح قلب الآب بتوبتنا و برجوعنا. كفانا غربة، وكفانا ذل في الكورة البعيدة. هلموا نتمتع بأحضان الآب، وذبيحة إبنه يسوع المسيح، وفرح السمائيين الذي لا يوصف.

 

وايضا عظة اخري  للقمص لوقا سيداروس: مثل الابن الشاطر :

وقال : انسان كان له ابنان  فقال أصغرهما لأبيه يا أبى أعطني القسم الذى يصيبنى من المال  فقسم لهما معيشته وبعد أيام ليست بكثيرة جمع الابن الأصغر كل شىء وسافر الى كورة بعيدة وهناك بذر ماله فى عيش مسرف  فلما أنفق كل شىء حدث جوع شديد فى تلك الكورة فابتدأ يحتاج فمضى والتصق بواحد من أهل تلك الكورة فأرسله الى حقول ليرعى خنازير وكان يشتهى أن يملأ بطنه من الخرنوب الذى كانت الخنازير تأكله فلم يعطه أحد فرجع الى نفسه وقال كم من أجير لأبى يفضل عنه الخبز وأنا أهلك جوعاً  أقوم وأذهب الى أبى وأقول له يا أبى أخطأت الى السماء وقدامك  ولست مستحقاً بعد أن أدعى لك ابناً اجعلنى كأحد أجراك فقام وجاء الى أبيه واذ كان لم يزل بعيداً رآه أبوه فتحنن وركض ووقع على عنقه وقبله فقال له الابن يا أبى أخطأت الى السماء وقدامك ولست مستحقاً بعد أن أدعى لك ابناً  فقال الأب لعبيده أخرجوا الحلة الأولى وألبسوه واجعلوا خاتماً فى يده وحذاء فى رجليه وقدموا العجل المسمن واذبحوه فنأكل ونفرح لأن ابنى هذا كان ميتاً فعاش وكان ضالاً فوجد فابتدأوا يفرحون وكان ابنه الأكبر فى الحقل  فلما جاء وقرب من البيت سمع صوت آلات طرب ورقصاً  فدعا واحداً من الغلمان وسأله ما عسى أن يكون هذا فقال له  أخوك جاء فذبح أبوك العجل المسمن لأنه قبله سالماً فغضب ولم يرد أن يدخل فخرج أبوه يطلب اليه فأجاب وقال لأبيه ها أنا أخدمك سنين هذا عددها وقط لم أتجاوز وصيتك وجدياً لم تعطنى قط لأفرح مع أصدقائى  ولكن لما جاء ابنك هذا الذى أكل معيشتك مع الزوانى ذبحت له العجل المسمن  فقال له يابنى أنت معى كل حين وكل ما لى فهو لك  ولكن كان ينبغى أن نفرح ونسر لأن أخاك هذا كان ميتاً فعاش وكان ضالاُ فوجد

مثل الابن الشاطر

لقد فتح الرب يسوع بهذا المثل باب التوبة والرجوع الى حضن الأب  فتح هذا الباب بدون أدنى تحفظ فتحه على مصراعيه أمام الخطاة والأثمة  ولجميع الناس وجعله باب رجاء مهما تعاظمت الخطايا لأنه حيثما كثرت الخطية ازدادت النعمة جداً والمثل يوضح عمل التوبة فى المسيحية وكيف أن التوبة والرجوع تقلب الأوضاع راساً على عقب فاحزان الابن فى الكورة البعيدة انقلبت أفراح ومسرات ووحشة الغربة والمعاناة النفسية والبعد تغيرت بالتوبة الى حضن سرور الأب وقبلات وعواطف يصعب التعبير عنها ، والثياب الرثه التى جاءت عليها كراهه رائحة رعى الخنازير تبدلت بالتوبة الى الحلة الأولى وصك العبودية للخدمة المرذولة والدخول تحت نير سيد قاس كل هذا تغير الى خاتم البنوة فى اليد للتصرف بحرية وسلطان ناهيك عن الأفراح التى صارت فى بيت الأب بحسب مسرته اذا قبل ابنه صار فرح يشبه فرح السماء بقبول خاطىء واحد يفرح قلب الله بعودته

البنوة أساس التوبة :

لقد احتوى هذا المثل أنبل المشاعر التى يهتز لها كيان الانسان  (فتعطفات) أبوية رحيمة وشفقة حانية وغفران فائق للعقل وحركات الاحشاء الأبوية التى صورها لنا الرب يسوع عندما رسم لنا صورة الأب ” اذ رآه من بعيد تحنن واذا لم يكن بعيداً ركض اليه ووقع على عنقه وقبله ”

وبنوة راجعة نادمة ، رافضة فى التراب تشتهى أن تصنع نفسها موضع العبيد من أجل ما ارتكبته فى حق الآب والسماء معاً

ولكن الذى يرتفع بهذا المثل الى هذا المستوى الرفيع من المشاعر هو أن العلاقة والرباط بين الأثنين هو رباط بنوة وأبوه ، لأنه لو كانت العلاقة التى تربطهما دون هذا المستوى لاختلف الحال بالطبع

فلو أن خادماً جحد سيده ومضى الى الكورة البعيدة ثم عاد نادماً لاختلف الأمر تماماً

أو لو كان الأمر يتعلق بوكيل يعمل كموظف ثم بعد أن عُزل من الوكالة رجع مستعطفاً لاختلف الأمر أيضاً

ولكننا بالمسيح ارتقينا الى هذا المقام السامى وحصلنا على نعمة البنوة  نحن الذين كنا قبلاً فى الظلمة أما الآن فنور فى الرب

الذين كنا غير مرحومين أما الآن فمرحومون على هذا الأساس – أساس البنوة — يصير الرجوع الى الآب هو الوضع الصحيح والطبيعى اذ لا توجد قوة فى الوجود تستطيع أن تقف أمام ابن يريد الرجوع الى حضن الآب

ان الابن الراجع صرخ قائلاً ” أخطأت يا أبتاه ” فحالما سمع الأب هذه المناداه المحبوبة الى قلبه جداً لم يدع ابنه يكمل عبارات الاعتذار والندم ، ولسان حال الأب يقول من حيث انى مازلت أبيك  فلا تندم ولا يحزن قلبك وطالما أنت تنادينى ” أبتاه ”  فلا توجد عقبة أو مشكلة  كل شىء هين وكل المشاكل لها حلول يكفى أنك مازلت تشعر أنك ابنى واسمع صوتك ينادينى يا أبتاه

فنحن نرجع نطلب غفراناً ، عفواً عن آزمنة الجهل  قلبنا يتجه نحو الأب وعيوننا نحو مسكننا الذى فى السماء الذى فقدناه وقتا سالكين بحسب شهواتنا ومنقادين للجسد

وأساس رجوعنا وركيزته الأولى هو الخطوة والدالة التى لنا عند الآب بالمسيح اذ صرنا أولاد الله بالمعمودية المقدسة

قلب الآب من نحونا :

كشف المسيح بهذا المثل مقدار ما لنا من مكان فى قلب الآب ، ومركزنا الذى صرنا فيه مقبولين فى كل يوم وفى كل ساعة ان اقتربنا الى الآب باسم يسوع المسيح الابن الوحيد

وكلمات المسيح —  كابن وحيد للآب – وواحد مع الآب فى الجوهر هى فى الواقع اعلان وكشف عن حقيقة ليس من سبيل الى معرفتها بدون المسيح لأن المسيح كشف لنا سر الآب الذى لم يعرف به بنى البشر ولم يعلن لحكماء ولا لفهماء

” أحمدك أيها الآب رب السماء والأرض لأنك أخفيت هذه عن الحكماء  وأعلنتها للأطفال الصغار  نعم هكذا صارت المسرة أمامك ”

الله لم يره أحد قط  الابن الوحيد الذى فى حضن الآب هو خبر” ليس أحد يعرف الآب الا الابن”

فالمسيح اذن حينما يكشف لنا قلب الآب من نحونا بحسب معرفة المسيح كابن وحيد للآب وواحد معه وفيه  معناه أنه يعرفنا بالآب ويصالحنا معه فى شخصه وحركات الآب وعواطفه نحو الابن الراجع كما ترجمها المسيح فى المثل عميقة غاية فى العمق

فلما رآه أبوه تحنن

هذه الحركة القلبية والأحشاء الرحيمة ندركها ونحسها ونتلامس معها على مستوى النفس والعاطفة فى حياتنا اليومية ولكن عندما تكون كلمة ” تحنن ” مختصة بالآب فالفرق شاسع ورهيب اذ يكون ادراك كمالها مستحيل لأن كل ما لله هو نهائى غير محدود اذن المسيح كشف أمام الانسان الراجع حنان الآب غير المحدود وغير الموصوف حين قال ” لما رآه أبوه تحنن ” هنا نرى أن أول ما يتقبله الابن الراجع وهو يلج دائرة الترائى أمام الآب يتقبل دفق من الحنان نحوه اذ هو راجع ليترائى أمام الله كابن بالمسيح لله الآب ولكن يلزم أن يترائى التائب الراجع أمام الآب لما رآه أبوه راجعا من الكورة البعيدة فتح له أحضان القبول ، لما رآه نادماً على البشر رافضاً الخطية أظهر له حبه الحانى ، لما رآه فى ثيابه الرثة وحالته البائسة استجلب المراحم وحرك الأحشاء ، لما رآه تحنن أنها أمور لا ينطق بها وهذا معناه أننا لا يجب أن يحجبنا الخجل أو يمنعنا عن المثول أمام الآب  وليس من المعقول أن ننتظر حتى يتغير حالنا وتتبدل ثيابنا هذا مستحيل  انما نحن نُقبل الى الآب بنفس حالنا التعسة وخطايانا ودنس ثيابنا نقترب اليه فى هواننا وعار خطايانا  وهو أمين فى محبته صادق فى مواعيده

فلا يستنكف أحد من أن يعترف بخطاياه مهما تعاظمت وليس بغريب منظر الازدراء الذى صرنا اليه ولكن الغريب والمستغرب لدى الآب وصفوف السمائيين هو بقاؤنا فى الكورة البعيدة متغربين عن الرب

وركض  ووقع على عنقه :

+ هل يجوز لنا أن نتأمل هذا المنظر ليس بمقاييس الجسد ولكن بعمق الروح قارنين الروحيات بالروحيات

فان كان الابن الراجع يخطو نحو الآب فمسرة الآب بالرجوع ترجمها المسيح هكذا ان الآب يركض لملاقاته ، أى أن مسرة الآب وفرحه بلقائنا يفوق أضعاف مضاعفة فرحنا ومسرتنا برجوعنا فان كنا نسير نحوه بخطوات متثاقلة من جراء الجسد والخطايا تجر مراءنا ثقل ماضينا وضيق حاضرنافانه الآب يركض نحونا يسند الضعف ويشجع صغار النفوس ويطلب ويخلص ما قد هلك آى المحسوب فى عداد الهالكين

فالذى يسير نحو الله خطوة سيجد أن الله يركض نحوه مائه خطوة

آه لو تفطنت النفس ووعت حركة الآب من نحوها وهى فى حال خطاياها ؟؛؛

الله يسعى دائماً نحو الخطاه ” مددت يدى طول النهار ” ألم يسّع الله نحو الانسان بكل وسيلة متكلما مع الآباء بالأشياء بطرق متنوعة

ألم تدركنا مراحم الله حين سعى نحونا فأرسل ابنه الوحيد فى الجسد يطلب الضال ويسترد المفقود ويحمل خطايا العالم ويقبل الموت حتى الصليب عوض الخطاه ماذا ننتظر بعد هذا ؟ ان كل ما يدور حولنا كل يوم من أحداث وملابسات وظروف مدبره تقودنا للتوبة والرجوع هى فى الواقع حركة أبوية لا تكف عن طلب الضال ” هل يسر الله بموت الخاطىء ؟؛ الله لا يشاء ذلك مطلقاً ولكنه يسر برجوعه لكى تحيا نفسه أنه يطلبنا بكل طريقة حتى يجدنا يحرك قلبنا ومشاعرنا لنقبل دعوته للرجوع حقاً ما أرق قلبه نحونا

ووقع على عنقه وقبله :

من يستطيع أن يصور لنا مشاعر هذا الابن الراجع حينما احتواه حضن الآب ؟؛؛

ما أبشعك أيتها الخطية لأن بسببك يحرم الانسان من حنان الأبوة الرحيمة

لقد ظن فى بادىء الأمر أن الوجود فى ظل الآب والخضوع لوصاياه قيود وعبودية واشتهى الابن أن ينفك من هذا الرباط بأى ثمن وقد بلغ الزيف والخديعة غايتها حينما زينت الخطية نفسها وأغوت هذا الابن وسحبته بعيداً عن بيت الآب لكى تفترسه وهو منفرد ووحيد فى أرض غربته ولكن الحقيقةكانت على خلاف ما ظن فالخطية خاطئة جداً وكريهة جداً وقد أختبرنا مرها وأجرتها المميتة الحقيقة أن الراحة والسلام والفرح الحقيقى كائن فى الوجود فى الآب وفى عمل مشيئته الصالحة الطوباوية

ولقد ظهر البعد المخيف للخطية فى هذا المنظر حينما وقع الآب على عنق ابنه هذا العنق الذى خضع لقيود العبودية الخطية رباط يحيط بعنق الانسان فيستعبد ويصيرعبداً للخطية ” من يفعل الخطية هو عبد للخطية ”  وقوع الآب على هذا العنق وقبلات محبته هى التى تفك النفس من نير العبودية المريرالذى يسلم نفسه للشيطان والشر والخطية يصير حتماً عبداً للشيطان والخطية ويصير ذليلاً كل أيامه

الكنيسة تسمى الشيطان في صلواتها ” الغير الرحيم ” هذه حقيقة من يقع تحت نير الشيطان لا يجد رحمة

وقبله :

+ سرت قبلة الآب في أحشاء الابن الراجع كقوة خلاص تجدد القوة وتمسح آثار الدنس أحس الابن الراجع بأنه يستعيد بهذه القبلة كرامة بنوته للآب لقد تغرب كثيراً عن قبلة الأبوة الحانية حين استبدلها بقبلات الغش والشهوات الكاذبة

+ أن قبلات الآب فيها شفاء للنفس  كم تغربت النفس  كم صارت مثل أرض عادمة الماء  كم عطشت واشتهت وعادت عطشى  أيضاً حينما توسلت ومدت يدها تستعطف الآبار المشققة ، كم جاعت الى خبز العبودية وراحت تطلب حتى الخرنوب  ولكن لم يعطها شبع ولا ملأ فراغها  لقد كانت نفس الابن بها جوع مبهم وعطش خفى نحو شىء فقدته زماناً ولكن لا يعوضه شىء من أمور هذا العالم  كان جائعاً الى قبله الآب

+ ما أبغضك أيتها القبلات الغاشة التى فرحت بها حيناً متلذذاً بالخطية ما أقبحك يا قبلات الشهوات الغبية  ما أحقرك يا محبة الذات ورفقاء السوء  الآن أرتفع القناع وظهرت شناعة الدنس خبز الخفية الذى كان لذيذاً ولكن لا يملك أن يظهر قبح هذه الأشياء الا فى النور ولا تسقط من نظر الانسان الى الأبد الا حينما يَقبل قبلات الآب الطاهرة وحب قلبه الالهى الذى لا يعبر عنه

افرحوا معى :

ان الفرح هو فرح الآب برجوع ابنه الذى كان محسوباً ميتاً فعاش وضالاً فوجد

أما فرح الملائكة والسمائيين فهو نابع من فرح الآب ، مستمد منه  يكون فرح فى السماء بخاطىء واحد يتوب  ان رجوع الابن يمثل تكميل مسرة الآب ومشيئته الطوباوية الصالحة نحو الانسان لأنه لا يسر بموت الخاطىء ولا يشاء ذلك ولكن عندما يتمسك الانسان بمشيئته الذاتية ويسلك ضد ارادة الله ويتبع أهواءه ويسلم نفسه بذاته لارادة عدو الخير يصير بعيداً ومنفياً ورافضاً لمشورة الله  واللحظة التى يرجع الانسان الى نفسه ويهجر كورة الخطية ويتجه بقلبه نحو أورشليم يكون قد تلاقت مشيئته بمشيئة الآب فيفرح قلب الآب

ميتا فعاش ، وضالا فوجد :

الخاطىء فى عرف الروح ميت ، والتوبة هى الحياة

التوبة اذن هى اختبار القيامة من الأموات بدأها الابن الضال بهذه الكلمة ” أقوم وأرجع الى أبى ”

دخل الموت الى العالم  ومن قبل الخطية صار الموت ، بالمخالفة أنفصل الانسان عن مصدر الحياة ، وبارادته الذاتية جلب على نفسه حكم الموت

وفى آدم مات الجميع  سقط الجنس البشرى المسيح يقيم الساقطين ويحل المربوطين

وكما ملك الموت بالواحد صارت الحياة بالمسيح الواحد وكما فى آدم يموت الجميع هكذا بالمسيح يحيا الجميع  وكما بالانسان واحد صار الموت كذلك بالمسيح كانت القيامة

التوبة اذن ليست جهداً بشرياً أو تقوى وبر انسان أو أعمال نسك كل هذه الأعمال فى ذاتها لا تحسب شيئاً بل تحسب على الانسان على سبيل دين

كل هذه الأعمال فى ذاتها لا تقيم من الأموات ولا تحيى من عدم ولكن التوبة هى قبول روح قيامه من الأموات فى المسيح يسوع ، اذن خارج المسيح لا توجد توبة

الانسان اليهودى كان يعمل بالناموس ويكمل الوصايا ولكنه كان محكوماً عليه من الناموس كمعتدى ولم يكن للناموس أن يقيم من الأموات بل حكم الناموس وأغلق على الكل تحت الخطية ان كان روح المسيح ساكناً فينا فالذى أقام المسيح من الأموات سيحينا أيضاً بروحه القدوس الساكن فينا التوبة اذن هى ثمرة عمل روح الله فينا

هو يبكت على الخطية ويدفعنا الى البر ويؤهلنا لكى لا ندان مع العالم الحياة حسب الروح والخضوع لمشيئته ومرضاته هى التوبة المقبولة لدى الآب

اذا استجاب الانسان لمطالب الروح وأخضع مشيئته لتبكيته فانه يقوم للحال يتراءى أمام الله الآب مدفوعاً بحرارة التوبة التى هى من صميم عمل الروح القدس

الانسان يموت اذا اتبع أهواء الجسد الخضوع لمشيئة الجسد محسوبة موتا من يزرع للجسد فمن الجسد يحصد موتا الذين هم فى الجسد لا يستطيعون أن يرضوا الله اهتمام الجسد هو موت  الروح القدس هو الذى يحيى يشفع فينا بتنهدات لا ينطق بها يرشدنا الى جميع الحق يأخذ مما للمسيح ويعطينا

اخرجوا الحلة الأولى والبنوة :

هكذا قال الآب الحنون لعبيده الواقفين حوله فرحين معه باستقبال ضالتهم  والعبيد يصنعون ارادة الآب عند سماع صوت كلامه الوف الوف وقوف قدامه وربوات ربوات يقدمون له الخدمة

عندما تذكر الابن منظرهم وهو فى منفى الخطية بعيداً عن حظوة الوجود فى حضرة الآب رجع الى نفسه قائلاً كم من أجير عند أبى يفضُل عنه الخبز لقد جعلهم الآب خداماً وأرواحا متقده بالحب من نحونا

لقد صاروا يخدمون خلاصنا بل صاروا خداماً للعتيدين أن يرثوا الخلاص

ان الحله الأولى تلبسها النفس بيد الملائكة أو ليس الكهنة خدام العهد الجديد محسوبين ملائكة الكنيسة ؛؛؟

عندما نادى الرب يسوع لعازر من داخل القبر  قال لتلاميذه الاطهار ” حلوه ودعوه يمضى ” لقد اعطاهم السلطان أن يحلو رباطات الموت ويفكوا الخطاة

ويعمدوا باسمه لمغفرة الخطايا ويخلعوا الانسان العتيق الفاسد ويلبسوا الجديد الفاخر ” أنتم الذين اعتمدتم للمسيح قد لبستم المسيح ” اليست التوبة هى معمودية ثانية ؟ اذن هى لبس الحلة الأولى الفاخرة أنها لبس المسيح بيد كهنة المسيح ( البسوه )

+ ماذا حدث فى الغربة ؟ لقد تعرت النفس من النعمة خلعت ثياب التنعم فانكشفت وتعرت فى ضياع وخزى ما بعده خزى وماذا يحسب الرجوع الى حضن الآب الا الدخول فى ستر العلى وفى ظل الاله القدير

ان ثبوتنا فى حال التوبة هو بمثابة اختفاء بشريتنا داخل المسيح فلا يظهر خزى عرينا كما قال الرب لملاك كنيسة لاودكية ” أشير عليك أن تشترى منى ذهبا مصفى بالنار لكى تستغنى وثياباً بيضاً لكى تلبس فلا يظهر خزى عريتك ” ان النفس التى تكمل توبتها ورجوعها على هذا الأسلوب وبهذه الروح تستحق أن تأخذ المكانة الأولى والحظوة الأولى لدى الآب

+ واجعلوا خاتماً فى يده  وحذاء فى رجليه لقد كانت حلى الذهب توضع فى يد العروس كعلامة للخطبة أنها صارت لرجل كدليل للملكية أن العريس خطبها لنفسه واشتراها فصارت له

وهكذا كان ختم البنوه يوضع فى يد الأمراء أبناء الملوك لاظهار مركز البنوة أنهم أبناء للأب وورثه للملك

هل أتت الخطية على الميراث ؟ هل ضيعت أيام الغربة حق التمتع بالأب ؟ حاشاً فالخطية مهما حطمت وأفسدت فالنعمة متفاضلة جداً ” حينما كثرت الخطية ازدادت النعمة جداً ”

لقد قال الرب قديماً بفم أشعياء النبى للكهنة ” عزوا عزوا شعبى ، يقول الهكم : طيبوا قلب أورشليم ونادوها بأن جهادها قد كمل وأن أثمها قد عُفى عنه ، وأنها قد قبلت من يد الرب ضعفين عن كل خطاياها ” (اش٤٠ :١، ٢) النعمة لا تسدد أجرة الخطية فحسب ولكن النعمة تعطى ضعفين فتعوض عن السنين التى أكلها الجراد بسنوات شبع وسرور وفيض ما أجمل النفس عندما تسترد مافقد منها أزيد مما كان ، ما أبهاها وقد لبست المسيح كانه حلة جديدة وما أجملها حينما تتحلى بخاتم سلطان البنوه ” الذين قبلوه أعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله ” وقد حذت أرجلها التى أدمتها أشواك الخطية باستعداد انجيل السلام

العجل المثمن :

” وقدموا العجل المثمن واذبحوه فنأكل ونفرح فابتدأوا يفرحون ”

ها قد حرمت النفس من الوليمه أياماً هذا عددها واليوم يوم خلاص ووقت مقبول آن الآوان للتمتع والفرح وتبدلت ثياب الحزن والحداد لأن الأبن كان محسوباً ميتا

ان الكنيسة تدفع بالذين يقبلون التوبة الى حضن الآب تدفع بهم الى وليمتها والذبيحة الالهية حتى تشبع نفوسهم من دسم النعمة ويفرحون بالسرور وتنعمات القديسين

فالتناول يتبع سر التوبة والاعتراف

ما أحوجنا أن نمارس هذه الأمور بالروح فندرك مقدار غنى العواطف الأبوية الرحيمة ومقدار كرامة التوبة وبهاء مائدة الأفراح الالهية

ها ان الآب الحنون ينتظر رجوعنا القلبى كل يوم ها ذراعيه ممدودتان طول النهار ” مددت يدى طول النهار ” ها ان روحه يدفعنا دفعاً نحو الارتماء فى أحضان الآب مبكتاً على الخطية مشجعاً على البر محذراً من الدينونة

ها ان وليمة الآب تنتظرنا وثياب البر مغسولة بدم المسيح بيد الملائكة وآباء الكنيسة تنتظر رجوعنا ليلبسونا اياها بفرح لا ينطق به ومجيد ، فلا عذر لنا فى التأجيل ولا نجاة ان اهملنا خلاصاً هذا مقداره

رقة المشاعر الأبوية نحو الابن المفقود :

نقرأ فى سفر التكوين عن يعقوب أب الأسباط حينما أرسلوا اليه قميص يوسف ابنه ملطخاً بدم تيس وقالوا ، وجدنا هذا حقاً أقميص ابنك هذا هو أم لا ، فحقق وقال قميص ابنى ، وحش ردىء أكله ، افترس يوسف افتراساً ، فمزق يعقوب ثيابه ووضع مسحاً على حقويه وناح على ابنه أياماً كثيرة فقام جميع بنيه وجميع بناته ليعزوه فأبى أن يتعزى وقال انى أنزل الى ابنى نائحاً الى الهاوية وبكى عليه أبوه ثم بعد سنين طويلة نقرأ أيضاً كيف استقبل يعقوب الخبر العجيب ” يوسف حى بعد ” فجمد قلب يعقوب لأنه لم يصدقهم  فعاشت روح يعقوب  فقال اسرائيل كفى يوسف ابنى حىّ بعد  أذهب وأراه ثم نقرأ عن هذا اللقاء بين الابن الذى كان محسوباً ميتاً فعاش وأبيه الآب الذى ذهبت عيناه من كثره البكاء ، ” ولما ظهر له وقع على عنقه وبكى على عنقه زماناً ، وقال اسرائيل ليوسف أموت الآن بعدما رأيت وجهك انك حىّ بعد ” (تك٤٦)

يعجز الانسان عن متابعة هذا المنظر لكثرة ما ينفل به القلب من مشاعر وما تمتلىء به المآقى من غزير الدمع

ومن عجب ان الكلمات تأتى متطابقة بين ما ورد فى سفر التكوين وبين كلمات المثل فى لو١٥

+ يوسف حىّ  ابنى كان ميتاً فعاش

+ وقع على عنقه وبكى زماناً  وقع على عنقه وقبله

لكن ترى من يستطيع أن يترجم هذه الكلمات ” انزل الى ابنى نائحاً الى الهاوية ” ثم عند سماع الخبر أنه حى ” عاشت روح يعقوب ” ” كفى ابنى يوسف حى بعدُ ”

انه لا يريد من الدنيا شيئاً ، يحتقر كل شىء احتقاراً ، لا مركبات ولا خيل ولا خيرات ولاشىء آخر يكفى ان يراه وكفى

وهكذا رسم الكتاب منذ القديم أمامنا هذه الصورة الجبارة لعلها تلقى ضوءاً باهتاً على الحقيقة العظمى ان الله آب ، ونحن بالمسيح صرنا أولاد الله والأب يفرح برجوعنا  اذ نُحسب عنده أننا كنا أمواتاً بالخطايا وأقامنا بالمسيح الى جدة الحياه

مثل من سفر الخروج :

هكذا يقول الرب : اسرائيل ابنى البكر فقلت لك أطلق ابنى ليعبدني فأبيت أن تطلقه ها أنا أقتل ابنك البكر (خر٤: ٢٢) لم يكن فرعون ليفهم مشاعر الله كأب نحو اسرائيل الذى كان يدعوه الله ” ابنى البكر” لان ابراهيم كان باكورة الاختيار ، أول من دخل في عهد مع الله كعربون للبنوة الحقيقية بالمسيح يسوع

وكان اسرائيل فى قبضة فرعون يسقيه الذل ويشقيه العذاب فى طين السخرة والعبودية القاسية فتسقى قلب فرعون وقال ” اسرائيل لا أطلق ”

وكان فى الضربة العاشرة وهى كمال الضربات أراد الرب أن يشعر فرعون بعمق الألم المتسبب فى غياب الابن عن أبيه فضرب الرب أبكار المصريين من بكر فرعون لبكر الجارية التى خلف الرحى فصار نحيب وبكاء فى كل بيت وكأن الرب بهذه الصورة أراد أن ينير بصائرنا  لكى ندرك مركزنا الذى صار لنا عنده كأولاد ” انه فى كل ضيقتنا يتضايق وملاك حضرته يخلصنا ”

+ قد لا يفهم العالم ذلك ، وقد يتقسى قلب فرعون ، ولكن مشاعر الأب نحونا لا تطيق أن يقع أولاده تحت سخره (عبودية) شيطان أو حبس خطايا أو مذلة نجاسة ولا يطيق أن يسمع أنين أولاده معذبين من جراء أسواط المسخرين تنهب ظهورهم وهم منحنيين تحت أثقال الجسد والعمل لحساب التراب فان كانت هذه هى مشاعر الآب فى القديم تحت ظلال الرموز وأشباه السماويات ، فكم يكون نصيبنا من حب الآب بعد ما صرنا بالمسيح فى نعمة البنوة وسمعنا صوته القائل ” الأب نفسه يحبكم ”

مثل من سفر صموئيل الثانى (ص١٨)

قلب داود نحو ابشالوم ابنه :

كان ابشالوم بن داود النبى والملك  كان رجلاً عنيفاً سفاكاً للدماء ، بدأ بقتل أخيه أمنون ، ثم هرب من وجه أبيه مدة من الزمان عاد بعدها الى أورشليم ، وابتدأ بحيل شيطانية وعطف زائف على الشعب فاستمال قلب الشعب وراءه ثم دبر مؤامرة لخلع داود النبى عن الملك ليتسلم هو مقاليد الأمور ، وهكذا كان ، فهرب داود من وجه ابشالوم حافياً مغطى الرأس باكياً ، وزاد ابشالوم فى شره فصنع الأثم مع نساء أبيه ، وفوق كل هذا طلب أن يقتل أبيه واستشار أخيتوفل الحكيم وكاد أن يفعل لولا أن الرب حمق مشورة أخيتوفل وأبطلها فنجا داود من الموت ولما صارت حرب فاصلة بين رجال داود وقواده والشعب الذين معه ضد ابشالوم وتابعيه وقف داود النبى يوصى قواده وهم خارجين للحرب قائلاً ” ترفقوا لى بالفتى أبشالوم ” يا لقلب الأبوة العجيب ؛؛؛

هل تنسى كل هذا الشر الذى لأبشالوم ؟

أنه طلب أن يترفقوا له ، أنه ابنه رغم كل الشرور والفظائع التى أتاها أن البنوة لا تغلبها الخطايا  ؛؛

ثم بعد أن سمع داود خبر موت أبشالوم يقول الكتاب أن الملك انزعج وصعد الى علية الباب وكان يبكى ويقول : هكذا وهو يتمشى يا ابنى أبشالوم يا ابنى يا ابنى أبشالوم ياليتنى مت عوضاً عنك يا أبشالوم ابنى ابنى

هذه هى مشاعر الأبوة الصادقة فى قلب انسان قديس قال الرب عنه ” فتشت قلب داود بن يسىّ فوجدته رجلاً بحسب قلبى ”

فان كان هكذا يكون قلب الانسان فكم وكم يكون قلب الآب السماوى ؟

شىء لا نهائى ، أغوار لا يمكن وصفها ، لجج حب أقوى من الموت

وبعد هذا هل تقف قوة فى الوجود تحول دون رجوع ابن الى حضن أبيه

ان كل حيل الشيطان تفشل وكل عقباته التى يصنعها فى طريقنا ونحن راجعون الى حضن الآب لا تساوى شىء

الابن الأكبر :

يقول بعض المفسرين أن الابن الأكبر يمثل اسرائيل “اسرائيل ابنى البكر” فهو لم يفرح بقبول الأمم ورجوعهم الى الله اذ قد كانت الأمم محسوبة كأبن ميت فعاش وضالاً فوجد وقد أوضح القديس بولس الرسول موقف اسرائيل فى رسالته الى أهل رومية (ص١١) وأكد أن رفضهم كان مصالحة للأمم فكم يكون اقتبالهم

وأكد أن اسرائيل لابد أنه سيخلص بعد عصيانه اذ أن العداوة قد حصلت جزئياً لاسرائيل الى أن يدخل ملؤ الأمم

وهذا يبدو واضحاً من مشاعر الابن الأكبر الجافة وتمسكه فى عناد بحقوقه وغيرته التى ليست بحسب المعرفة أنظر ماذا يقول للأب ” لم اتجاوز وصيتك قط ” انه الأحساس اليهودى بالبر الذاتى ، احساس الفريسى الذى يصوم مرتين فى الأسبوع ويعطى عشر كل ماله  احساس التمسك بالحرف الناموسى

ثم روح الأجير لا روح الابن اذ يقول “وجدياً لم تعطنى قط” اذ ينتظر مكافأة عن أعماله لأبيه مع أن الأب يقول ” أنت معى كل حين وكل ما هو لى فهو لك ”

هذا ما لم يدركه اسرائيل الى الآن  بل مازال فى فكر العداوة والقساوة والجحود

وعلى أن كلمات الأب ” كان ينبغى لنا أن تفرح ونُسر” تصير مبكته لهذا التصرف البغيض الذ عاشه الأبن الأكبر الا يبكت عمله هذا فرح الخدام حول سيدهم ؟ اذ ابتدأوا يفرحون ويذبحوا العجل المثمن ويلبسوا الابن الراجع ثياب الخلاص وجدة الحياة ؛؛

ولكن قلب الأب الحنون ما أعجبه

لقد نزل المسيح يبحث عن الضال ويرد المطرود ويجبر الكسير ويعصب الجريح وبذل نفسه عن الخراف ، وكل الخراف وقدم نفسه ذبيحة عن العالم كله ختان وغرلة ، عبد وحر، بربرى وسكيثى – فالمسيح جاء ليجمع أبناء الله المتفرقين الى واحد

فان كان اليهود قد حصلوا فى العداوة ولكنه سيأتى الوقت الذى فيه يستفيقون من غفلتهم ويميلوا آذانهم الى صوت الآب الحنونى ويقبلوا ابنه المرسل من السماء ويعودوا الى الحضن الأبوى والفرح الحنون الأبدى داخل البيت الذى هو كنيسة الله التى اقتناها بدمه

المرجع : كتاب وكلَّمهم أيضاً بأمثال صفحة ٢٥ – القمص لوقا سيداروس

 

 

الأحد الثالث من الصوم الكبير للمتنيح القمص تادرس البراموسي

لأن أبنى كان ميتاً فعاش وكان ضالاً فوجد (لو ١٥- ١١-٣٢)

أعطت الكنيسة لقب الابن الشاطر لهذا الابن الذى رجع إلى نفسه وأستيقظ ضميره وقام من غفلته تحقق شقاء حاله ودناءة قلبه متأملا الحالة الأولى التي كان فيها قبل انفصاله عن أبيه وتمرد عليه. أي حالة وصد أليها بعد أن ضل الطريق وتبع طرق الظلمة حقاً أن كل من ينقاد لشهواته يشبه البهائم التي تباد أن رجوع هذا الأبن إلى نفسه هي الخطوة الأولى من رجوعه إلى أبيه لذلك رجوع الخاطئ إلى نفسه هي استعداده لرجوعه إلى الله لأنه يسير بمقتضى العقل والضمير لا بمقتضى الشهوات أنه لما تأمل في سوء حالة ولما تذكر أن له أباً حنوناً محباً مستعداً لمسامحته عما اقترفه من ذنوب لم ييأس بل عزم على الذهاب إلى أبيه لم يفكر كيف تكون المقابلة أو يجهل لما فعل بأموال أبيه أو السيرة القبيحه التي سلكها بل قام مسرعاً لكى يتمم أمر التوبة والرجوع إلى أبيه لذلك الخاطئ الذى يشعر بأنه هالك يبعده عن الله ويعزم على الرجوع إلى بالتوبة ويعترف بخطيته أمام الله لأن الاعتراف بالخطية شرط أساسى وضرورى للمغفرة ولا تكن التوبة صحيحة بدون الاعتراف وكما أعترف الأبن الشاطر بخطيته ولم يعتذر بشبابه وحروب الشيطان وطيشه وجهله وقوة التجربة بل اعتبر نفسه ليس له عزر فيما فعل هكذا يليق بالخاطئ أن يعترف بخطيته ولا يقدم أي عزر لذلك وتسبب في تأخير التوبة ولم يقدر الابن الضال أن يعترف فقط بأنه أخطأ ضد الله والناس بل عزم أيضاً أن يتواضع تواضع تام ويقول لأبيه لست مستحقاً أن أدعى لك أبناً بل أجعلنى كأحد أجرائك ان التواضع من أهم لوازم التوبة الحقيقية وهو أفضل برهان على التوبة المقبولة ولم يقتصر هذا الابن على هذا العزم بل قام وجاء إلى ابيه

 

العظة الأولى

أ – التمرد على الوالدين وطلب النصيب

ب – التغرب عن الفضيلة وعيشة الأشرار

ج – أزلال الخطية وعيشة الخنازير

د – هروب أصدقاء السوء عند الضيق

هـ – الشوق إلى التوبة وسرعة تنفيذها

و – محبة الأب وتغاضيه عن الأخطاء

ذ – تقدير الله للنفس البشرية

ح – فرح السماء بتوبة الخاطئ

ط – نظرة الناس إلى الخاطئ

ى – أحضان الأب المفتوحه لكل تائب والفرح برجوعه إليه

 

العظة الثانية

أ – أبنان لرجل واحد واختلاف الطباع

ب – صغير منحرف وكبير حليم

ج – تغرب عن حضن الأب ومعيشة الرذيلة

د – الأصدقاء حول من عنده مال

هـ – صداقة المنفعة والتنكر عند الحاجه

و – الخطية وولائها على المجتمع

ذ – عبد الخطية أحقر البشرية

ح – الرجوع إلى النفس شيمة العظماء

ط – الفقر والجوع ورعى الخنازير

ى – فكر التوبة وسرعة تنفيذه

ك – خاتم وحذاء وفرح السماء

ل – أب حنون وأبوة صادقة

م – قبول التوبة ومغفرة الخطايا

 

العظة الثالثة

أ – صغير متمرد وكبير محتج وأب حكيم

ب – جوع وضياع وهروب الأصدقاء

ج – طلب حقير وصديق شرير ورعى خنازير

د – رجوع إلى النفس واستعمال العقل

هـ – نهضة سريعة وتوبة جريئة لأب حنون

و – فتح الأحضان نسى الأحزان

ذ – نسيان ما فات وإعطاء الهبات

ح – فرح الرجوع ومسح الدموع

ط – احتجاج الكبير وعطف القدير

ى – خروج الديان فاتح الأحضان

ك – هدوء النفس وخطب العروس

ل – فرحت السماء وجزيل العطاء ووهبت الحياة

المرجع : كتاب تأملات وعناصر روحية في أحاد وأيام السنة التوتية – إعداد القمص تادرس البراموسي

 

 

الأعضاء الثلاثة للمتنيح القمص بولس باسيلي

تقسيم على ضوء القراءات الكنسية

البولس : (٢كو ٦ : ٢ – ١٣)

الكاثوليكون : (يع ٣ : ١ – ١٢)

الإبركسيس : (أع ٢٤ : ١ – ١٣)

الإنجيل : (لو ١٥ : ١١ – ٣١)

تمهيد : أمامنا في هذه القراءات اسرة كاملة .. أب ، وابن أصغر ،

وابن أكبر ولنا في كل من هؤلاء الأعضاء الثلاثة تأملات

القسم الأول – طياشة الأبناء

(١) من خلال طياشته فقد الخصال : داس تقاليد الأسرة وتنكرلأدابها ففقد خصاله وأخلاقه، فداس القيم الإجتماعية « اعطني القسم الذي يصيبني من المال » طلب أن يرث أباه وهو حى!!

(٢) ثم فقد أيضاً المال : لقد أخذ المال وادخره ، لكنه نال المال وفقده مثل الغني الغبي الذي استعبده المال فناداه الصوت « يا غبي » !! لقد أحب المال « لتكن سيرتكم خالية من محبة المال » (عب ١٣ : ٥) .

(٣) ثم .. فقد أيضا الجمال : الشباب والجمال و القوة والفتوة ، كل أولئك فقدها من خلال طياشته.. وهل ذلك الذي يرعى الخنازير وينام في حظيرتها محتفظ بجماله ؟ كل هذا لأنه فقد ضميره وكما قال الابركسيس « لذلك أدرب نفسي ليكون لى دائما ضمير بلا عثرة من نحو الله و الناس » ( اع ٢٤: ١٦).

القسم الثاني – محبة الآباء

(١)محبة وعطف نحو المعترفين : لم يرض الأب الحنون أن يترك الابن ان بسترسل في اعترافه ، لقد أعد العدة أن يعترف عليه و يقول : « أخطأت إلى السماء وقدامك و لست مستحقا أن ادعى لك ابنا اجعلني كأحد أجراك » ، ولكن الأب الرحيم لم يشأ له هذا الأذلال فلم يسمح له أن يقول « احد اجراك

لقد احتفظ الأب لابنه بكرامته ، واللسان الذي تبجح عن طريقه وهاجم والده وطلب لنفسه ماله … هو هو اللسان الذي أراد الأب له ان يحتفظ بجلاله وبكرامته ولذلك نرى في الكاثوليكون قول يعقوب الرسول  « هوذا السفن أيضا وهي عظيمة بهذا المقدار وتسوقها رياح عاصفة تديرها دفة صغيرة جداً إلى حيثما شاء قصد المدير (يع٣ :٤) .

قبول للنادمين التائبين :

قبله الأب بمجرد ظهور علامات الندم  فوقع عليه وقبله [ أنظر البولس يقول : في وقت مقبول

سمعتك وفي يوم خلاص أعنتك ، هوذا الآن وقت مقبول هوذا الآن  يوم خلاص ] (٢كو ٦ : ٢)

القسم الثالث – موقف الأخوة الأشقاء

(١)الأخر الأكبر حاقد على أبيه : « ها أنا أخدمك سنين هذا عددها وقط لم اتجاوز وصيتك وجديا لم تعطني قط لافرح مع أصدقائى » (لو١٥ : ٣٩) .

(٢)وايضاً حاسد لاخيه : « غضب ولم يرد أن يدخل ذبحت له العجل المسمن » (لو ۳۰:١٥)

في عظة الأحد الثالث من الصوم الكبير (لو ٥ : ۱۱- ۲۲ )

بعد أيام ليست بكثيرة

هذه العبارة هنا تعني أن الخطية حين تبدأ في الانسان لا تلبث إلل قليلاً حتى يستفحل أمرها ، ويتطاير شررها وتضطرم نارها فتحرق الأخضر واليابس ، وفي هذا قال يشوع بن سيراخ « تنمو الخطية “بسرعة وبعد نمو قليل تخطو خطوات واسعة جداً

كورة بعيدة

الخاطيء الذي يبعد عن الله تصل به درجة البعد إلى حد الضلال

البعيد ، إلي كورة بعيدة .. الخطية هي دائماً « الكورة البعيدة ”

النفس العاصية . ولذلك قال احد القديسين « إذا أجلنا التوبة يوماً فستضيف يوما على ما يجب أن نتوب عنه وسنخسر يوما نتوب فيه !”

أجل فالذي وعدنا بالصفح إذا تبنا ، لم يعدنا بالحياة إلى أن نتوب .

قال يوحنا ذهي الفم « أنا أكرر وافكر أن الخطية أكثر مرارة من أحتمال  آلامات الجحيم .”

قسم لهما معيشته

لم يعارض الأب رغبة ابنه ، بل نفذها له .. وهذا يشير إلى الحرية التي منحها الله للانسان … « ها أنذا قد وضعت أمامك طريقين طريق الحياة إن سرت فيه تحيا وطريق الموت إن سرت فيه تموت ولكن أشير عليك أن تسير في طريق الحياة فتحيا » وقوله أيضاً “ها أنذا واقف على الباب وأقرع إن سمع أحد وفتح الباب أدخل إليه أتعشى معه وهو معي » وقديما نادى الرب أورشليم قائلا « كم أردت ان اجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ولكنك لم تريدى فهوذا بيتك يترك لك خرابا ”

إنها الحرية .. ولكن كثيرين لا يحسنون استغلالها .

فالحرية حريتان : حرية كاذبة وهي أن يفعل الانسان ما يريد، وحرية  صحيحة وهي أن يفعل الانسان ما يجب عليه أن يفعله .

وفي هذا يقول الفيلسوف کولی : « الحرية بالنسبة للجماعة أن تخضع الجماعة للقوانين التي هي من وضعها، وبالنسبة للفرد أن يخضع للشرائع الدينية والمبادى، والآداب والفضيلة “. ويقول  روسو : « لا حياة لأمة بغير حرية ، ولا حياة لحرية بغير فضيلة “.

وقديما قال فولتير : « كم باسم الحرية يساء إلى الحرية »  و تقول مدام  رولان : « ايتها الحرية ما اكثر الجرائم التي ترتكب باسمك ! بذر ماله بعيش مسرف

یا محسنا بالزمان ظنا                 لم تدر ما يفعل الزمان

لا تتبع النفس في هواها              إن اتباع الهوى هوان

واخجلتي من عتاب ربي             إن قال « أسرفت يا فلان ”

إلى متى أنت في المعاصي          تسير مرخي لك العنان ؟ !

وقال الحكيم « المسرف والسكير يفتقران إلى رغيف خبز ”

ولذلك افتقر الابن الضال لانه مبذر مسرف ، والمبذرون إخوان الشياطين  كما يقولون .

إن السيد المسيح له المجد – حتى في الجبل – طالب بالاقتصاد والحكمةً ، فبعد أن أطعم الآلاف الجائعة نسمعه يقول لتلاميذه ” أجمعوا  الكسر الفاضلة لئلا يضيع شی ابتدأ يحتاج

لابد من الجوع والفاقة ، ولابد من الحاجة والحرمان نتيجة حتمية للخطية . والشر  .. قال أحدهم « الخطية والسعادة لا يسافران في العربة الواحدة لأنهما يسيران في طريقين متناقضين

وقال أفلاطون « الخطية والعقاب يسيران ورأس إحداهما مربوطة برأس الأخرى “.

مسكين أيها الابن الغني المدلل .. أهكذا تصل بك الدرجة إلى حد الجوع والحاجه ؟ ولكن لم لا؟ أليست هي نتيجة حتمية للخطية ؟

أأنت صديق أم عدو لنفسه          فإنك ترميها بكل مصيبة

لقد بعتها هوناً عليك رخيصة      وكانت بهذا منك غير حقيقة

أفان بباق تشتريه سفاهة           وسخطا برضوان و نار بجنة

فبادرة بين المزابل ألقيت          وجوهرة بيعت بأبخس قيمة

أنفق كل شيء!!

لم يبق في حياته على شيء .. أضاع المال والجمال والكرامة والشرف ، أنفق الصيت والسمعة والأصل والفصل ، لقد تسلط الهوى على عقله فأفقده حتى عقله !!

والعقل للانسان كالعقال للناقه ، وكلاهما من مصدر واحد ، فالعقال هو الحبل الذي يشد الناقة و يقيدها ويمنعها من الشرود إذا نفرت ،

والعقل هو ذلك النور الطهور المنبعث من القلب الحكيم إلى الدماغ ليضبط النفس و يمنعها من التمادي في الشهوات إذا جمحت وهوت

.. والهوى هو ميل النفس وانحرافها نحو المذموم ، وصدق الشاعر الذى  دعا الهوى هوانا فقال :

إن الهوان هو الهوى قلب اسمه             فإذا هويت فقد لقيت هوانا

وقال آخر :

إذا أنت لم تعص الهوى قادك الهوى       إلى كل ما فيه عليك مقال

والشرير الذي ضل طريقه كالابن الضال يدعوه سلمان الحكيم عديم العقل “.فالعاقل هو من أدرك أن الحياة طيف عابر فاغتنم خمساً قبل خمس ” شبابه قبل هرمه ، وصحته قبل سقمه ، وغناه قبل فقره ، و فراغه قبل  شغله ، وحياته قبل موته !!”

و لقد شبه أحد العلماء الانسان بعربة تجرها ثلاثة خيول يضبطها لجام . والجياد الثلاثة هي: شهوة الجسد ، وشهوة العيون ، وتعظم المعيشه  . واللجام هو العقل ، فإذا ملك العقل هذه الشهوات الثلاث وعقلها  وتسلط عليها وأخضعها وقهرها فإن الانسان ” العربة ”

يسلك في أمان ، وويل له إذا جمحت شهواته والحت عليه وتغلبت على عقله ، فإنه لا محالة هالك.

إن الإنسان أسمي من الملائكة إذا ضبط نفسه ، لأن الله خلق الملاك بعقل  بلا شهوة ، وخلق الحيوان بشهوة دون عقل ، ولكنه خلق الإنسان  بعقل وبشهوة ، فإذا ضبط الانسان نفسه كان أفضل من

الملاك ، وإذا غلب شهوته على عقله كان أحط من الحيوان !!

إن الابن الضال غلب – بادىء ذي بدء – شهوته على عقله فوصل إلى  درجات الخنازير ، ولكن أخيراً رجع إلى نفسه فغلب عقله على شهوته  فأصبح ابناً كريماً !

المرجع : كتاب المواعظ النموذجية – المجلد الخامس صفحة ١٨٠- القمص بولس باسيلي

 

مثل الابن الضال لأنتوني بلوم

وقال إنسان كان له ابنان ، فقال أصغرهما لأبيه يا أبى أعطينى القسم الذى يصيبنى من المال . فقسم له معيشته .وبعد أيام ليست بكثيرة جمع الابن الاصغر كل شىء وسافر إلى كورة بعيدة ، وهناك أشياء بذر ماله بعيش مسرف ، فلما أنفق كل شىء حدث جوع شديد فى تلك الكورة فابتدأ يحتاج فمضى والتصق بواحد من أهل تلك الكورة فأرسله إلى حقوله ليرعى خنازير ، وكان يشتهى أن يملأ بطنه من الخرنوب الذى كانت الخنازير تأكله ، فلم يعطه أحد ، فرجع إلى نفسه وقال كم من أجير لأبى يفضل عنه الخبز ،وأنا أهلك جوعا .أقوم وأذهب إلى أبى وأقول له يا أبى : أخطأت إلى السماء وقدامك ،ولست مستحقا أن أدعى لك ابنا ،بل اجعلنى كأحد أجرائك .فقام وجاء إلى أبيه .

وإذ كان لم يزل بعيدا رآه أبوه فتحنن وركض ووقع على عنقه وقبله .فقال له الابن يا أبى ، أخطأت إلى السماء وقدامك ولست مستحقا بعد أن أدعى لك ابنا . فقال الأب لعبيده .أخرجوا الحلة الأولى والبسوه واجعلوا خاتما فى يده وحذاء فى رجليه ، وقدموا العجل المسمن واذبحوه فنأكل ونفرح .لأن ابنى هكذا كان ميتا فعاش وكان ضالا فوجد .فابتدأوا يفرحون وكان ابنه الاكبر فى الحقل .فلما جاء وقرب من البيت سمع صوت آلات طرب ورقصا .فدعا واحد من الغلمان وسأله ما عسى أن يكون هذا .فقال له .أخوك جاء فذبح أبوك العجل المسمن لأنه قبله سالما فغضب ولم يرد أن يدخل فخرج أبوه يطلب إليه..

فأجاب وقال لابيه ها أنا أخدمك سنين هذا عددها ، وقط لم أتجاوز وصيتك وجديا لم تعطنى لأفرح مع أصدقائى .ولكن لما جاء ابنك هذا الذى أكل معيشتك مع الزوانى ذبحت له العجل المسمن .فقال له يا بنى ، أنت معى فى كل حين وكل ما لى فهو لك. ولكن كان ينبغى أن نفرح ونسر لأن أخاك هذا كان ميتا فعاش وكان ضالا فوجد” (لو ١٥ : ١١- ٣٢)

هذا المثل الغنى بالمعانى الروحية ، يقع فى جوهر روحانية المسيحية ، وحياتنا فى المسيح ، إنه يتابع الانسان فى اللحظة التى يضل فيها عن الله ، ويتركله ليتبع طريقه الخاص فى هذه الأرض المهجورة .ظانا أنه سيجد فيها الكمال ، وحياة أفضل.

خطيئة إلغاء الله من الحياة …

أن حوادث هذا المثل تبدأ بطيئة الوقع فى البداية ، ولكنها منتصرة فى النهاية حين يعود الابن بقلب منكسر مفعم بالمرارة ، ومستسلم ، يعود إلى أبيه . النقطة الأولى فى هذا المثل ، أنه ليس قصة خطيئة واحدة عابرة، بل هى قصة الخطيئة فى أعمق أبعادها ، وبكل قوتها الهدامة . كان لرجل ابنان ، فطلب الاصغر من أبيه حصته من الميراث. لقد تعودنا على صيغة التقرير المدون فى الكتاب المقدس الذى يصور به المشهد ، حتى أننا نقرأه دون أن نضطرب – انه مجرد قصة بالنسبة لنا . إلا أننا أن تأملنا قليلا سنرى ما تعنيه هذه الكلمات بالضبط .، سنفزع.

هذه العبارة بسيطة : “أبى … اعطينى … ” أنها تعنى أبى أعطنى (دلوقت) ما سيكون ملكى حينما تموت أريد أن أعيش حياتى ، وأنت واقف عقبة فى الطريق ، لا أستطيع أن أنتظرك حتى تموت ، سأغدو عجوزا آنذاك ولا أقدر أن اتمتع بما يجلبه الغنى والحرية : لذلك مت . لا وجود لك بالنسبة لى ، أننى راشد ولا حاجة لى إلى أب كل ما أريده هو الحرية، وكل ثمار حياتك وجهادك .مت ودعنى أذهب !!

أليست هذه هى خلاصة الخطيئة ؟

ألم يحدث أن نعامل الله نفس معاملة الابن الاصغر لابيه كما جاء فى الانجيل.

نطلب منه مساحة وقوة ، كل ما يستطيع أنه يعطيه لنا : صحة ، قوة جسمية ، ذكاء ، دقة حس ، يسر كل ما نستطيع أن نكونه ، وكل ما نستطيع أن ناخذه منه ونبدده تاركين إياه منسيا منبوذا ؟

أما نفعل هذا الاجرام الروحى بين الحين والاخر ضد الله  وضد أخوتنا البشر – الاصدقاء ، الاقرباء ، الزملاء ، الابناء ، الازواج ، الزوجات ، الوالدين ؟

أما نتصرف كما لو كان الله والناس موجودين فقط لكى يشقوا ويعطونا ثمر حياتهم ، بل يعطونا حياتهم نفسها ، وبعد ذلك لا أهمية لهم بالنسبة لنا ؟ الناس ، والله نفسه لا ننظر إليهم كأشخاص بل ظروف وأشياء ، وبعدما نأخذ كل ما يمكن أن يعطوه لنا ، ندير لهم ظهورنا ونجد أنفسنا بعيدين عن هؤلاء ولا ينبغى أن نرى وجوهم.

ونظن أننا لكى تتدعم ملكيتنا لما أخذناه . علينا أن نلغى من الوجود من أعطانا هذه الاشياء .وبذلك نبعد أنفسنا عن سر المحبة .لاننا نصبح غير قادرين على العطاء ، ولا نستطيع أن ناخذ أكثر ، هذا هو أساس الخطيئة.

حين تقفر قلوبنا من المحبة فنطلب من الشخص الكبير الذى يعطينا أن يخرج من حياتنا ، ويقبل الموت والفناء.إن هذه الفلسفة العقلية هى جريمة ضد الحب ، وهى من عمل الخطيئة ، إنها خطيئة إبليس وآدم ، وقايين … الخ

شقاء الانسان الذى يلغى الله …

حينما ملك الفتى كل الغنى الذى منحه إياه “موت” أبيه ! ودون أن ينظر للخلف كما يفعل الشاب الطائش ، يترك الشاب أمان بيته الذى يخنقه ، ويركض بسرعة نحو الارض التى يتصرف فيها بحرية دون أن يعيقه عائق : حرا من القيود ، ومن كل الروابط الاخلاقية، يستطيع الان بكل إخلاص أن يسلم نفسه لكل نزوات قلبه ، لا وجود للماضى ، الحاضر فقط هو الموجود ، ويمتد أمامه المستقبل بلا حدود إنه محاط بأصدقاء، وهو مركز كل شىء تبهره أطماع الحياة ، ولا شك أنها لن تفى بوعدها يتخيل أن أصدقاءه الجدد متعلقين به ، والحقيقة أنه عومل منهم كما عامل هو والده . أنهم أصدقاؤه لمجرد غناه فقط ، وللمدى الذى يستطيعون فيه أن يشاركوه فى مفاتن حياته المسرفة ، يأكلون ، يشربون يفرحون ، أنه ملىء بالبهجة ولكن كم تختلف هذه البهجة عن نعيم ملكوت الله الهادىء العميق الذى ظهر فى عرس قانا الجليل.

ثم جاء الوقت الذى خانه فيه غناه ، وعندما تلاشى كل شىء ولم يتبقى لاصدقائه إلا ذاته ، أنطبق عليه القانون الروحى العام :” بالكيل الذى به تكيلون يكال لكم” (مت٧ : ٥)

لقد تركوه لكهم ، لان شخصه ليس له منفعة بالنسبة لهم ، لا وجود له بالنسبة لهم ، لقد أصبح وحيدا ومعهم أصبح جوعانا وعطشانا وعريانا وتعسا ومنبوذا ،متروكا وحده – كما ترك هو أباه وحده- ليواجه تعاسة أعظم وهى فراغه الداخلى.

أن أباه رغم كونه وحيدا ، كان غنيا بمحبة فائضة ، تلك التى جعلته يضع نفسه عن ابنه ويقبل الاهانة بأن يتصرف ابنه بحرية

بحث الابن عن عمل ، وكان عمله تعاسه ومهانة أعظم : لا أحد يعطيه طعام ، ولا يعلم كيف يجد الطعام ، يا للأهانة أيرعى خنازير (وكانت فى الديانة اليهودية تعتبر رمزا للنجاسة وغير طاهرة كالأرواح النجسة التى أخرجها المسيح) . هكذا كان عمله الخارجى رعاية الخنازير غير الطاهرة نموذجا لحالته الداخلة النجسة غير الطاهرة. وهكذا وصل الى الحضيض ، وفى حالة يرثى لها من التعاسة العميقة والشقاء.

ذكريات المحبة الأبوية …

نحن أيضا ، كثيرا ما نندب تعاستنا أكثر مما نشكر على الأمور المبهجة فى حياتنا ، ليس لأن تجاربنا ثقيلة ، ولكن لاننا نواجهها بجبن وبلا صبر.

لقد ترك الابن الضال من كل أصدقائه ، وٌرفض من كل جهة فلم يجد مفرا من أنه يواجه نفسه بنفسه ، ولاول مرة ينظر إلى داخله متحررا من كل إغراء أو غواية ، ومن كل الكذب والمكابرة ، الامور التى كان يعتبرها أنها حريته …

تذكر طفولته ، الوقت الذى كان له أب ، الوقت الذى لم يكن فيه يتيما ، ولم يكن متشردا دون عائل أو بيت ، فأدرك حينئذ أن الجريمة الادبية التى ارتكبها لم تقتل أباه ، بل قتلته هو . وقرر أن يعود ويعطى حياته إلى أبيه بحب كامل ، وبأمل فنهض ، تاركا وراءه وجوده المزعزع ومنطلقا إلى بيت أبيه . ومستعدا أن يلقى بنفسه عند قدمى حنانه . أنها ليست ذكريات بيته : نار المدفأة ، والمائدة المليئة بالطعام بل محبة أبيه ، حتى أنه لم يبدأ اعترافه بكلمة “أغفر” بل “أبى”.أنها محبة أبيه التى كانت تٌمنح له بدون مقابل ، وكل وجود الحياة يتدفق منها. قال ربنا يسوع : أطلبوا أولا ملكوت الله وبره وهذه كلمها تزاد لكن ” أنه عائد ليس لشخص غريب لا يعرفه ويقدم له ذاته” ألا تتذكرنى ؟  لقد كان لك ابن أنكرك وتركك … إنه أنا ، كلا أنه اسم “أبى” النابغة من الاعماق هى التى كانت تدفعه دفعا الى الامام وتعجل خطاه وهى التى أعطته الامل.

هذه هى الطبيعة الحقيقية للتوبة ، فالتوبة الحقيقية تمزج معا : رؤية الشخص لخطاياه ، مع الامل فى القلب الابوى الكبير الذى لله الذى يصل الى درجة اليقين .

حينما تكون رؤيتنا لخطايانا بلا رجاء ، تظل توبتنا غير كاملة ، ويحل تبكيت الضمير ، وربما تقودنا الى التعاسة  ، أن يهوذا قد فهم ما عمله ، رأى أن لا علاج لانكاره . لقد حرركم المسيح ومات ، لكن يهوذا لم يتذكر حنان الله ، لم يفهم أن الله لن يخونه كما خان هو الله فقد كل رجاء ، فخرج خارجاً وخنق نفسه ، كان فكره مع خطيئته ، مع نفسه وليس مع إلهه الآب السماوى ليسوع وأبيه هو أيضا.

سر المغــــفرة …

رجع الابن الضال ، لان ذكريات محبة أبيه أعطته الشجاعة وتدفق أعترافه ، اعترافا رجوليا كاملا “أبى ، أخطأت إلى السماء وقدامك ولست مستحقا بعد أن أدعى لك ابنا : اجعلنى كأحد أجرائك “.

لقد وقف متهما أمام ضميره ، لا يستطيع ، يسامح نفسه لكى يحصل على المغفرة …

أن الاتضاع هو سر المغفرة .

يجب أن نتعلم هذا من حين لاخر . يجب أن نتعلم أن نقبل المغفرة ليس عن استحقاق فينا ، بل عن طريق عمل الايمان فى محبة الاخرين ، نؤمن بيقين فى انتصار المحبة والحياة ، ونقبل بتواضع عطية المغفرة المجانية حينما تمنح لنا . الابن الضال استطاع بالاتضاع أن يفتح قلب أبيه ويجعله مستعدا للغفران ، فبينما كان يقترب من البيت رآه أبوه ، فتحنن عليه وركض ووقع على عنقه وقبله.

كم مرة وقف هذا الآب الطيب على عتبة الباب ينظر إلى الطريق الذى رحل منه ابنه آملا ومنتظرا

وأخيرا جاءه اليوم الذى تحقق فيه أمله ، ليرى أبنه الذى رحل فى حله مزخرفة بالجواهر وفى حالة من العز والغنى ، رحل دون أن يلتفت ليلقى نظره على بيت الطفولة ،لأن عقله كان ملئا بالاوهام التى تدغدغ خياله.

أما الان فالاب يراه عائدا فى هذه المرة ، كفقير فى خرق بالية ، وفى كآبة مطبقة ، يحمل ماضيه المخجل ، وبلا مستقبل، ترى كيف سيقابله أبوه ؟

“أبى …. أخطأت … ” ولم يتركه أبوه يكمل تنازله عن بنويته ، كما لو كان يقول له : “إن فى رجوعك إلى البيت ، قد أعدت لى حياتى ، حينما عاملتنى كميت ، أمت أنت نفسك ، ولكن عندما عرفت أننى حى رجعت الحياة لك أيضا”.

الحلة الاولى ، الخاتم ، الحذاء ، العجل المسمن ..

والتفت الأب إلى عبيده وقال لهم : “اخرجوا الحلة الاولى والبسوه ، واجعلوا خاتما فى يديه ، وحذاء فى رجليه”. فى ترجمات كثيرة نقرأها “أحسن حلة” ولكن النص اليونانى الأصلى يعنى “الحلة الاولى”

طبعا ربما تكون الحلة الاولى هى أحسن حلة فى البيت ، ولكن أليس ، من المرجح أكثر أن يكون الأب قال لعبيده “أذهبوا واحضروا الحلة الاولى التى خلعها ابنى يوم سفره، الحلة التى ألقى بها ، كى يلبس رداء الخيانة لو أنهم أحضروا أحسن حلة فى البيت ، لاحس الابن المسكين بالارتباك فى نفسه ، وشعر أنه ليس فى بيته ، ولكنه مجرد ضيف ، استقبل بكل حفاوة واحترام . لا يلبس الشخص أجود حلة حين يستريح فى البيت ، والنص يحتمل أكثر ، أن نفكر أن الأب قد طلب الحلة التى كان الابن قد رفضها ، ولكن الأب التقطها ، وطواها بعناية واحتفظ بها ، كما احتفظ يعقوب بقميص ابنه يوسف الملون الذى أحضره له أخوته ملطخا بالدماء كأثر باق من ابنع الذى قيل أن وحشا قد أفترسه.

لذلك ، خلع الابن الاسماال البالية ، ولبس رداءه المألوف مرة أخرى ، أنه قديم بعض الشىء ، ولكنه على مقاسه ، أنه يلبسه فى المنزل وينظر حواليه : أن السنين التى قضاها بعيدا عن بيت أبيه ، فى الزنا والخيانة وعدم الاخلاص تظهر ككابوس- كأنه شىء لم يحصل . هو هنا ، وكان دائما هنا ، يلبس نفس اللباس الذى كان يلبسه دائما . أبوه هنا ، أكبر سنا مما قبل مع بعض التجاعيد . العبيد هنا يحترمونه ، وينظرون إليه بفرح وسعادة ، لقد رجع إلينا ، وكنا نظن أنه رحل إلى الأبد ، لقد رجع إلى الحياة ، وكنا نخشى أن يعامله أبوه بصرامة مميتة ، وبدلا من أن يقتل روحه الابدية ، أعادة للحياة.

أنها التوبة التى انتزعت الهوة التى كانت تفصله عن أبيه ، وبيت أبيه … لقد فعل الاب أكثر من هذا بأن أعطاه خاتمه الذى لم يكن خاتما عاديا .

تعلمون أنه قديما لم تكن الكتابة معروفه لكل الناس ، كان الخاتم ذو الختم هو وسيلة الامضاء على أى مستند ، فكونك تعطى خاتمك لشخص ما ، يعنى أن الشخص يضع حياته ، واملاكه ، وأسرته ، وشرفه ، وكل شى ء فى يده.

أذكروا دانيال وهو فى بابل ويوسف وهو فى مصر . حينما أعطاهم الملك خاتمه منحهم السلطة أن يحكموا باسمه ، هكذا تبادل الدبل بين الخطيبين يعنى أن كلا منهما يثق فى الاخر ، ويضع نفسه بكاملها تحت تصرف الاخر ، كل شىء أملكه ، كل نفسى بلا استثناء ، ولا أبقى لنفىسى شيئا.

عندما يقول شخص : وطنى ، خطيبتى ، كنيستى ، فهذا لا يعنى أنه يمتلكهم ، بل يعنى أننى ملك لهم دون أى تحفظ .

إن إعطاء الابن لخاتم ، صورة أخرى لهبة الذات ، الابن الذى طلب نصف أملاك أبيه ، الذى أراد أن يستولى على ما كان سيأخذه بعد موت أبيه – يضع الاب الآن ثقته فيه . لماذا ؟

لآنه رجع للبيت ، لم يحاسبه عما فعله حينما كان بعيدا ، لم يقل له ، عندما تخبرنى عن القصة بأكملها سأفكر أن كنت أثق فيه أم لا .

لم يقل –كما نفعل نحن كثيرا سواء بطريق مباشر أو غير مباشر حينما يعود إلينا أحد الاشخاص الذى تشاجرنا معهم – ، حسنا ، سأقبلك تحت التجربة ستكافح لنرمم صداقتنا ، وإذا وجدتك غير مخلص سيرجع ماضيك كله مرة أخرى ، وأطرحك خارجا عن حياتى لاجل ماضيك الذى يشهد عليك والذى برهن على إدانتك ، ستكون دائما خائنا فى نظرى.

أن الأب لم يفكر على هذا النحو ، بل أتصور أنه قال ” إن رجوعك سيزيل فترة غيابك القاسية تماما” ، أنظر الرداء الذى ترتديه ! أنه برهان على انه كأن شيئا لم يحدث ، أنت نفس الشخص اليوم كما كنت قبل رحيلك ، وهذا الخاتم الذى أعطيه لك يبرهن أننى لا أشك فيك كل شىء ملك لك لآنك أبنى”.

ويضع حذاء فى قدميه “حاذين أرجلكم باستعداد إنجيل السلام” كما يكتب معلمنا بولس الرسول فى رسالته إلى أهل أفسس.

ويذبح العجل المسمن للوليمة ، التى هى وليمة القيامة ، أنها أصلا وليمة الحياة الابدية ، وليمة الحمل ، وليمة الملكوت، الابن الذى كان ميتا ، هو حى ، والذى كان ضالا فى أرض غريبه ، فى قفر خال – كما نقرأ بداية سفر التكوين ، رجع إلى البيت.

هذا الابن فى الملكوت الان ، لان الملكوت هو ملكوت المحبة ، محبة الاب الذى أحبه ، الآب المنقذ والمكمل ، ومصلح الحياة.

الابن الاكبر …

الابن الاخر يظهر فى الصورة، لقد كان دائما يعمل فى بيت أبيه بكل أمانة ، ويسلك حياة بلا لوم لكنه لم يدرك أبدا أن أهم شىء فى علاقة الآب بالابن هو القلب وليس العمل، أنها المحبة وليست الفروض. كان مخلصا فى كل شىء ، ولكن كما لو لم يكن له أب ، وهو لم يكن أبنا إلا فى الظاهر، ولا حتى كان له أخ ، اسمع ما يقوله لابيه لما سمع صوت آلات طرب ورقص دعى أحد الغلمان، وسأله ما عسى أن يكون هذا ، وأجابه الغلام : “أخوك جاء ، فذبح أبوك العجل المسمن لانه قبله سالما”.

وغضب الابن الاكبر ولم يرد ان يدخل فخرج أبوه يطلب إليه لكنه أجاب : ها أنا أخدمك سنين هذا عددها (وكلمه يخدم فى اللغة اليونانية واللاتينية كلمة قوية تشير الى الرق والعبودية ، فكان العبد يقوم بكل الاعمال المختلفة) وقط لم أتجاوز وصيتك (إنه لا يفكر إلا بمنطق الاوامر والتعديات، لم يتأمل يوما فى القصد من وراء الكلمات ، كان القلب كالحجر ، لم يستمع بغنم ، ولم يشعر بدفء الحياة المشتركة بينه وبين أبيه كان الامر بالنسبة له أوامر وواجبات لم يكسرها على الاطلاق)  ويستمر قائلا : “وجديا لم تعطنى قط لأفرح مع أصدقائى، ولكن لما جاء ابنك هذا الذى أكل كل معيشتك مع الزوانى ، ذبحت له العجل المسمن ” لاحظ ، يقول “أبنك” وليس “أخى” أنه لا يريد أن يكون له أى علاقة بأخيه . أعرف أسرة هكذا ، وأم وابنة كانت محبوبة عند أبيها ، وابن كان مصدر حزن لابيه فكان الاب يقول للام دائما “ابنتى” ، “وابنك”.

لقد هاجم الابن الاكبر أباه بعنف ، أبنك هذا ليس أخى ، لم يكن يتجاوز وصية أبيه مثلى ، فلماذا ذبحت له العجل المسمن ؟ كيف يجيب الأب ؟

“يا أبنى أنت معى فى كل حين ” فالأب يعتبره كابن ، هو بالنسبة له ابنه ، وهما دائما . أما بالنسبة للابن ، فلا . كان الابن مع ابيه دائما جنبا على جنب ولكن لم تكن لهما حياة مشتركة بلا انفصال . كانا فى نفس البيت ولكن ليس هناك اتحاد أو عمق.

“وكل ما هو لى فهو لك” هذه الكلمات هى التى استعلمها السيد المسيح فى صلاته للأب قبل موته

ثم يستمر الأب فيقول : “ولكن كان ينبغى أن نفرح ونسر ، لان اخاك هذا كان ميتا فعاش وكان ضالا فوجد”.

عــــــــودتنا إلى الآب …

رحلتنا إذن هى من عمق الخطيئة ، إلى بيت الآب وها هو الطريق المائل أمامنا ، أن كنا جادين فى أن نعيش بحسب صوت ، الذى يدوى فى ضمائنا ، وليس بحسب الآراء الشائعة وسط الناس ، أن كنا جادين فى أن نعيش بحسب الحق المعلن فى الكتاب المقدس ، والممثل فى شخص المسيح الذى هوالطريق والحق والحياة حينما نستقر على أن نجعل الله وضمائرنا الحكم الوحيد والمطلق فينا ، ستنهار من أمام أعيننا كل مقاييس العالم ، ونستطيع أن نرى ونعرف ما هى الخطيئة ، ونعود إلى ذواتنا ، ونواجه أنفسنا وجها لوجه ، وننال ملء البركات التى نالها الابن الاصغر والتى كانت له وقت أن كان يعيش فى طفولة فى بيت أبيه . وندرك بشاعة فعل الخطيئة التى تتنكر لوجود الله ، والاشخاص ، اذ ترينا إياهم أنهم أشياء نستغلها بما يعود على ذواتنا بالنفع ونطرحهم عنا حين لا نجنى من ورائهم نفعا.

هل تذكرون الآية الآخيرة فى إنجيل متى ، حينما قال السيد المسيح لتلاميذه أن يرجعوا إلى الجليل؟ لقد عاشوا منذ وقت قصير أسبوع الالام فى أورشليم أسوأ أيام حياتهم وأصعبها . رأوا فيه إلههم وهو محاط بالكراهية ، وهم فى ضعفهم انكروه.

لقد استسلم التلاميذ للنوم فى بستان الزيتون وهربوا حينما ظهر يهوذا . اثنان منهم تبعا ربهما والههما الى بيت قيافا ، وجلس أحدهما مع الخدم وهو بطرس الذى كان قد قال وقت العشاء ، أنه حتى أن شك فيه الجميع لا ينكره هو ،  وها هم يرونه حيا معهم مرة أخرى . كانت اليهودية بالنسبة لهم تعنى التحطيم والجدب ونهاية الحياة ، وفقدان الرجاء.

ولكن الرب يسوع يرسلهم ليرجعوا الى الجليل :

ارجعوا إلى هناك حيث عرفتمونى لاول مرة ، حيث عشنا معا حياتنا اليومية فى مودة أخوية ، حيث لم يكن هناك ما يعكر الصفو ، ولم تحدث معاناة ولا انكار.

عودوا للزمان الذى كان فيه كل شىء بريئا بكل الامكانيات الضئيلة …. ارجعوا الى الماضى ، الى عمق الماضى ، ثم اذهبوا وعلموا كل الامم وعمدوهم باسم الاب والابن والروح القدس ، وعلموهم كل ما علمته لكم.

إن الرجوع للنفس ، يقود إلى العمق الذى نكتشف فيه الحياة ، نكتشف الوقت الذى كنا فيه أحياء فى الرب مع أشخاص آخرين . من قلب هذه الواحة فى برية الماضى المقفر ، نستطيع أن نبدأ طريقنا ، طريق الرجوع بكلمة “أبى” وليس ” ديان” أو “حاكم” على شفاهنا وباعتراف رجولى عما ارتكبناه من خطايا ، مع يقين لا ينقص شيئا من مقامنا بل سيضمن لنا كرامة حياتنا . وهو لا يسمح لنا أ، نصبح عبيدا منذ الوقت الذى دعانا فيه بكلمته الخالقة وأيضا دعوته الأخيرة لنا بأن نكون أبناء ، وبناتا لابوته نستطيع أن نذهب إليه بثقة  ،عالمين أنه كان ينتظرنا طول الوقت الذى نسيناه فيه .

أنه هو الذى سيضمنا  بين ذراعيه ، ويمحو تعاستنا التى لا نقدرأن نعرف مداها ، لاننا لا نعلم متى سقطنا ، ولا عظمة الدعو ة التى نهدف إليها ، نستطيع أن نذهب إليه ، عالمين أنه سيلبسنا المسيح ويعيدنا إلى نقاوتنا الأولى ان المسيح هو الانسان كما أراده الله . أنه هو الذى يجب أن نلبسه ، مجد الروح الذى يسترنا حينما تعرينا الخطيئة.

ولنعلم أن الله ، وقت أن نرجع إليه ، سيرجع ثقته فينا ، ويعطينا خاتم الحرية الذى استخدمه آدم الاول من قبل لهدم الانسجام الكونى مرة، سيعيد إلينا خاتم الابن الوحيد الذى مات على الصليب حين أنكره الناس، وبموته غلب سلطان الموت ، وقيامته وصعوده –التى هى توبتنا – تعيد الانسجام والألفة بيننا وبين الآب.

عــــــودة إنسانيتنا ….

حينما نعود لبيت الآب ، ونجد أنفسنا فى مواجهة دينونة ضمائرنا ودينونة الله . تلك الدينونة التى لا تكون مبنية على نظريات لاهوتية ، ولا على ما نستطيع أن ناخذه من الله فى حياة الشركة معه ، بل هى دينونة مبنية على شىء واحد : هل تتصرف كانسان ، أم أن تصرفاتك تخرجك عن دائرة البشر ؟ ” .

ربما تذكر مثل الخراف والجداء (مت ٢٥ : ٣١-٤٥) “يارب متى رأيناك جائعا أو عطشانا ، أ, غريبا ، أو عريانا أو مريضا، أو محبوسا ؟” أن كنا لم نعرف أن نتصرف كبشر ، لا يكون لدينا أى فكرة عن كيف نتصرف على المستوى اللاهوتى.

ولا يمكننا أن نعود لبيت الاب ، ولا يتحتم علينا أن نلبس المسيح ، ولا يضىء بهاء الروح على وجوهنا ، بل لا نود أن نكمل دعوتنا لنكون أبناء حقيقين للأب علينا أن نعمل بكل طاقتنا ، ما نستطيع أن نفعله لنبقى الرفق ، الرحمة ، الرأفة فى وسعنا سواء كنا أبرارا أم خطاة.

نستطيع أن نرجع الى الاب ، نستطيع أن نرجع بملء الثقة طالما الله هو حليم محب ، وهو الذى يبغى خلاصنا ، لا يطلب منا إلا شيئا واحدا كقول الحكمة : يا ابنى اعطنى قلبك ، وهذه كلها تزاد لك .

هذا هو الطريق الذى يقودنا جميعا من مكاننا ، حين نكون عميانا وخارج الملكوت ، متشوقين أن نرى ذلك الملكوت مكتملا فى داخلنا ومتخللا كل الاشياء لنسلك فى هذا الطريق خطوة خطوة إلى أن نجد أنفسنا أمام دينونة الله ، ونرى مدى بساطة هذه الدينونة.

إلى أى حد ينبغى أن، يكون رجاء قلوبنا ، فبقدر هذا الرجاء نجد طريقنا نحو الله بثقة ، عالمين أنه هو الديان ، ولكن فوق كل شىء هو كفارة عن خطايانا أن الله هو الوحيد الذى يعز عليه الانسان جدا فكل حياته ، وموته وآلامه ، وإخلائه ، والاهوال التى قاسها الابن الوحيد مقياس الثمن الذى يربطه بخلاصنا.

المرجع : كتاب الرحلة من موت الخطية إلي قيامة الحياة لأنتوني بلوم – ترجمة الأنبا إيساك الأسقف العام

 

 

 

لا تستسلم أبداً للأب فرنسيس لابيف

« وإلى الشيخوخة انا هو والى الشيبة انا احمل. قد فعلت وانا ارفع وانا احمل وانجي ».(اش ٤٦ : ٤).

« هل تتخلى عني أبداً يا أبتاه؟ » نبعت تلك الكلمات من قلب مرعوب من ضعفه ومن فقد القبضة القوية التي كانت تمنعه من الانزلاق المحتم في وحل الخطيئة التي كانت تحيطه جاهد الشاب وتاب عن الكثير والفضل للكاهن ، ولكن ثقل الحياة كان أقوي منه. ففي  صميم قلبه توجد الرغبة الحقيقية من اجل الخير ، وقد اعتز بصداقة كاهن الله أكثر من أي شيء في العالم. ومع ذلك فكانت الحياة قاسية للغاية ، وكان الكاهن يعلم ذلك جيداً إذ انبعثت کلماته قوية  ورحومة واكيدة عند مقابلته لهذا الشاب المكافح : « دعك من هذا « يا ابني » حتى اراك في امان مع الله “.

و عندما طلب الشاب العون من الكاهن کشف له الكاهن انه ذاته يناجى الله نفسه : « لا تتخلى عني أبداً يا الله بالرغم من كثرة خطاياى و سهوی عن محبتك ». وكان الله يجيبه دائماً : « وإلى شيخوختك انا هو والى الشيبة أنا أحمل. قد فعلت وأنا أرفع وأنا أحمل  وانجی » ، اذهب يا إبني حيثما أردت . فأنت ابني الحبيب …

ولكن لك أكثر مما تسكنه الأم ، سأتبعك واشدك مرة ثانية ، لن أتخلى عنك أبداً يا ابني .

« هل تنسى المرأة رضيعها فلا ترحم ابن بطنها حتى هؤلاء ينسين وانا لا انساك . هوذا على كفي نقشتك »(اش ٤٩ : ١٥- ١٦)

إنه لعزاء عظيم أن ندرك هذا ،ومع ذلك فنحن نتشكك أحياناً في أوقات القداسة نعتقد بكل ثقة أن الله يحبنا لقداستنا ، ولكن عندما نخطئ مرة أخرى و نغفل عن « الحبيب الهائل » نشعر انه يكرهننا ويبغضنا على عدم ثباتنا ونكراننا الجميل  وفى أثناء ذلك ننسي أن الله يحبنا لأننا ملكه . فهو يريد  محبتنا لأننا فقط صنع يديه وثمرة آلامه وموته على الصليب – وليس لأننا نستحق هذه المحبة . وأنه بالطبع يبتهج من أجل أولاده القديسين المنشغلين  به دائماً ، و لكن عندما يأتي تمردنا فهو لا يزال يحبنا لانه أبونا  ، ولم يستقبل أبداً أباً متلهفاً ابناً ضالا مثلما فعل الله تجاه خطواتنا العنيدة ، وبغض النظر عن مكان وجودنا ، أو ضخامة

وكثرة خطایانا ، فأبونا لايزال يحبنا لأنه فقط ابونا ويريد ان الكل يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون “.

عندما يجربنا إبليس ويضعف من عزمنا و يضخم خطایانا المظلمة ويحقر سبلنا العنيدة فلندعو الله ونلجأ إليه من اجل نفوسنا فهو لن يبعدعنا أبداً – إلا أنه ينتظر دائماً نداءنا . فهو ينتظرنا و نعمته الصالحة هي هي التي أدت إلى هذا النداء أن ينبعث منا ومتلهفاً على رجوع أولاده کی يعيد سكب محبته لهم مرة ثانية « لأنه لا يشاء موت  الخاطيء مثلما يرجع و تحيا نفسه “.

يا ربى يسوع الحبيب ، أنه لعزاء كبير لقلبي الضعيف عندما أعلم أنك  صديقي الدائم . وبمرور الأيام تتغير طباعی ، وأعتزم المحاولة يوماً  وأحاول فعلا ، وعند اشراق اليوم التالى يتبخر كل هذا وتأتى  النقائص العديدة ، وربما الخطيئة ، تصبح نفسي بعد ذلك مملؤة خوفا من فقد حبيبها إلى الأبد إذ يكون قد تعب من هذه الطرق  الطفولية المتعمدة ولكن يا ربى يسوع الحبيب في تلك اللحظات المخيفة ، عند إدراك خطايای المتعمدة فلتذكرنى دائما لأنك لا زلت تحبنی و تريد توبتي والرجوع إليك ثانية . ومن أجل نفسي

في ساعات الظلام فلتجعلنى أتذكر دائما وعودك الصادقة الأمينة وهذه الحقيقة الواحدة وهي انك لن تتخلى عني ابداً .

المرجع : كتاب الصديق الدائم صفحة ٢٥( ترجمة السيدة إيزيس ميخائيل أسعد) – القمص بيشوي كامل

 

 

المدلولات الروحية واللاهوتية لبعض المعاني في مثل الإبن الضال للمتنيح الدكتور موريس تواضروس

١) وصية ( entoly  )

تعنى الكلمة بوجه عام : وصية – تنبيه – إيعاز – أمر – فرض – سُنة ، واستعملت عن الوصايا الأخلاقية والروحية (انظر مت ٥ : ١٩) . وقد كثر ورودها في الأناجيل وعلى الأخص في الأنجيل للقديس يوحنا ، وفى الرسائل . ويشار إلى وصايا عظمى (مت ٢٢ : ٣٦ ، ٣٨) ووصايا صغرى ( مت ٥ : ١٩ ) وهناك الوصايا التي من الله (مت ١٥ : ٣ ، رؤ ١٢ : ١٧ ، ١٤ : ١٢) ووصايا السيد المسيح (يو ١٣ : ٣٤ ، ١٤ : ١٥ ،٢١) ووصايا البشر (لو ١٥ : ٢٩) ويشار إلى العلاقة بين الوصايا وبين الخطية (رو٧ : ٨ – ١٣) وبين الوصايا وتقاليد البشر (مر ٧ : ٩) وتستعمل الكلمة أيضاً بمعنى : أمر (يو ١١ : ٥٧)

(٢) فيض زياده -كثره .وفره فضله

اولا : كاسم

١- perisseia ( فيض . وفور . زياده . كثره واستعملت ٤ مرات في العهد الجديد : عن فيض الجديد : عن فيض النعمه ( رو ٥ : ١٧)، وعن فيض الفرح ( ٢ كو ٨: ٢).وامتداد الكرازه (٢ كو ١٠ : ١٥) وعن كثره الشر (يع ١ : ٢١).

٢- perisseuuma ( فضله – فضاله ). ، واستعملت عن هبات القديسين (٢ كو ٨ : ١٣ ، ١٤).

وعن فضله القلب ( مت ١٢: ٣٤، لو ٦ : ٤٥) وفضلات الكسر ( مر ٨ :٨)

٣- Huperbolw ( فرط – افراط – فضل – افضل – اكثر- فاكثر – جدا ). و تتكون الكلمه لغويا من جزئين : ( uper كثيرا جدا + ballw يلقي – يرمي ) وتعني : قوه الله الفائقه التي يهبها للخدام ( ليكن فضل القوه لله ٢ كو ٤: ٧)، وفرط الإعلانات التي حظي بها بولس ( ٢كو ١٢ : ٧)، ومع الحرف ataبمعني جدا جدا ( رو ٧ : ١٣). واستعملت عن الطريق الافضل ( ١كو ١٢ : ٣١ ) وعن الافراط في الاضطهادات( غل  ١ : ١٣). وبمعني ” اكثر فأكثر ” ٢ كو ٤ : ١٧ وكذلك استعلت بمعني ” جدا في ٢ كو ١ : ٨ ( تثقلنا جدا فوق الطاقه ).

٤– Hadrotys جسامه ( في جسامه هذه المخدومه منا ٢ كو ٨ : ٢٠ ).

ثانيا : كفعل :

١ – Perisseuw ( يفضل – يزيد – يكثر – يفيض ). وتستعمل كفعل لازم ( غير متعد ) علي النحو التالي :

أ- للا شاره الي زياده في امر ما ، كالحديث عن الكسر التي زادت في معجزه الخمس خبزات والسمكتين ( لو ٩ : ١٧ ، يو٦ : ١٢ ، ١٣). او زياده في الثروه (لو ١٢ : ١٥ ، ٢١ : ٤، او زياده في الطعام ( ١٥ : ١٧). وفي هذا المعني يتحدث الرسول عن الزياده في التعزيه ( ٢كو ١: ٥). او الزياده عن الاحتياجات ( ٢ كو ٩ : ٢)؛والزياده في الفرح ( في ١ : ٢٦ ) وفي نعمة الله ( رو ٥ : ١٥). وفي الام المسيح ( ٢ كو ١: ٥). وفي ما يمتلكه الانسان ( هؤلاء من فضلهم القوا ( لو ٢١ : ٤) ، وانظر (مر١٢ : ٤٤) ، والزياده في المنافع الماديه ( لو ١٢ : ١٥ ، في ٤ : ١٨ ) وفي الهبات الروحيه ( ١ كو ١٤ : ١٢) وفي الاخلاقيات والروحيات (١كو ١٤ : ١٢ ) وفي الاخلاقيات والروحيات ( ١كو ٨:٨).وفي الرجاء ( رو ١٥ :١٣) وفي عمل الرب ( ١كو ١٥ : ٥٨) وفي الايمان والنعمه ( ٢ كو ٨: ٧) وفي الشكر(كو ٢: ٧).وفي المحبه (في ١ : ٩). وفي ارضاء الله (اتس ٤: ١ ، ١٠). وفي البر ( مت٥ : ٢٠) وفي الرجاء ( رو ١٥ : ١٣). وفي عمل الرب ( اكو ١٥ : ٥٨) وفي الايمان والنعمه ( ٢ كو ٨: ٧) وفي الشكر ( كو ٢ : ٧).وفي المحبه ( في ١: ٩). وفي ارضاء الله (١ تس ٤ : ١-١٠). وفي البر ( مت ٥: ٢٠). وفي الانجيل كخدمة للبر ( ٢ كو ٣ : ٩).

ويستعمل الفعل perisseuw ايضاً كفعل لازم ، للحديث عن الزياده نتيجه تأثير عامل ما ، كعامل النعمه ” ثم نعرفكم ايها الاخوة نعمه الله المعطاه… فاض وفور فرحهم وفقرهم العميق لغني سخانهم ” (٢ كو ٨ : ١ ، ٢)، ويشار الي الزياده المبنيه علي الحجه غير الصحيحة ” فانه ان كان صدق الله قد ازداد بكذبي لمجده ، فلماذا ادان انا بعد كخاطي ” (رو ٣: ٧).

ب –  ويستعمل الفعل perisseuw كفعل متعد (من له سيعطي ويزادد) (مت ١٣ : ١٢) ، ( من له فيزداد  ( مت ٢٥ : ٢٩)، (قادر ان يزيدكم كل نعمه) (٢ كو ٩ : ٨) ، (اجزلها لنا بكل حكمه) اف ١ : ٨ ، (تزيد الشكر لمجد الله) (٢ كو ٤ : ١٥) ، ( والرب ينميكم ويزيد في المحبه ) ١ تس ٣ : ١٢ .

Huperperiseuw يزداد جداً

ويلاحظ هنا ان الحرف ” uper ” يعطي قوه اكثر لمعني Perrisseuw ، ” ازدادت النعمه جداً ” (رو ٥ : ٢٠) ، ” ازددت فرحاً جداً ” (٢كو ٧ : ٤) .

٣– Pleonazw يكثر ، يتكاثر ، يفضل ، يزداد ، ينمي . واستعملت علي النحو التالي :

أ- كفعل لازم ، عن الخطيه ” تكثر الخطيه ” (رو ٥ : ٢٠) ، عن النعمه ” النعمه وهي قد كثرت ” (٢ كو ٤ : ١٥) ، ” لكي تكثر النعمة ” (رو ٦: ١) ، وعن الثمر الروحي ” اطلب الثمر المتكاثر لحسابكم ” (في ٤: ١٧) ، وعن المحبه ” ومحبه كل واحد .. تزداد” ٢ تس ١: ٣ وعن الثمار المختلفه ” اذا كانت فيكم وكثرت ” (٢ بط ١ : ٨) ، وعن جمع المن ” الذي جمع كثيرا لم يفضل ” (٢ كو٨ : ١٥) .

ب – وكفعل متعد ” والرب ينميكم ويزيدكم في المحبه  ” (اتس ٣ : ١٢) .

٤- Huperpleonazw يتفاضل جدا ” تفاضلت نعمه الله جدا ” (اتي ١ : ١٤)

٥– Plythunw يكثر- يتكاثر – يزيد واستعملت علي النحو التالي :

أ – كفعل متعد ” سيقدم ويكثر بذاركم ” (٢ كو ٩ : ١٠) ، ” واكثرنك تكثيراً ” (عب ٦ : ١٤) ، ” ولكثره الاثم تبرد محبه الكثيرين ” (مت ٢٤ : ١٢) ، ” لتكثر لكم النعمه والسلام ” (١ بط ١ : ٢) ، وانظر أيضا (٢ بط ١ : ٢) ،  يه – اع ٦: ٧ ، ٧: ١٧ ، ٩ : ٣١ ، ١٢ : ٢٤.

ب – وكفعل لازم ” اذ تكاثر التلاميذ “(اع ٦ : ١) .

٦– Huperballw يزداد ، ” لسبب المجد الفائق ” ٢ كو ٣ : ١٠ ، ” نعمه الله الفائقه لديكم ” ٢ كو ٩ : ١٤ ، ” عظمه قدرته الفائقة نحونا ” اف ١ : ١٩، ” ليظهر .. غني نعمته الفائق ” اف ٢ : ٧ محبه المسيح الفائقه المعرفه ” اف ٣ : ١٩ .

ثالثا: كصفه Perissos

افضل . مفرط . اكثر كثيرا ” افضل من بني ” مت١١  :٩ ، ” دينونه اعظم ” مت ٢٣ : ١٤ “كرامه افضل ” ، ١كو ١٢ : ٢٣، ” حزن مفرط ” ٢ كو ٢ :٧ وانظر ايضاً : مت ٥ : ٣٧ ، ٤٧ ، مر ٦ : ٥١ ، ١٢ : ٤٠ ، ١٤ : ٣١، لو ٧ :٢٦ ، لو ١٢ : ٤ ، ٤٨، ٢٠ : ٤٧ ،يو ١٠ : ١٠ ، رو ٣: ١ ، ١ كو ١٢ : ٢٤ ، ٢ كو ٩ : ١ ، ١٠ : ٨ ، اف ٣ : ٢٠ ، ١ تس ٣ : ١٠ ، ٥ : ١٣ ) .

رابعا : كظرف

١– Perissws بزياده – بافراط  – الي الغايه ( انظر مت ٢٧ : ٢٣ ، مر ١٠ : ٢٦ ، اع ٢٦ : ١ ١ ).

٢– Perissoterws بزياده اكثر ، بزياده اوفر – لا سيما –  اكثر ” ولا سيما من نحوكم ” ٢ كو ١ : ١٢ ، ” فرضا اكثر جدا” ٢كو ٧ : ١٣ ” في الاتعاب اكثر ” ٢ كو ١١ : ٢٣ ، ” يجترئون اكثر علي التكلم ” في ١ : ١٤ ” نتنبه اكثر ” عب ٢ : ١ ، ” اطلب اكثر ” عب ١٣ : ١٩ ( وانظر مر ١٥ : ١٤ ، ٢كو ٢ : ٤ ، ٢كو ٧: ١٥ ، ٢ كو ١٢ : ١٥ ، غل ١: ١٤ ، ١ تس ٢: ١٧).

٣– Huperperissws الي الغايه ” بهتوا الي الغايه ” مر ٧ : ٣٧

 

٤– Huperekperissouاكثر جدا مما نطلب ” اف ٣ : ٢٠ ، وانظر ايضاً اتس ٣ : ١٠ ، ٥ : ١٣ .

٥– Huperballontws اوفر ” في الضربات اوفر ” ٢ كو ١١ : ٢٣.

٦ — Plousiws  بغني — بسعه ، واستعملت علي النحو التالي :

أ – عن هبه الروح ” سكبه بغني علينا بيسوع ” تي ٣ : ٦ .

ب – عن الدخول الي الملكوت الاتي ٢ بط ١: ١١ .

ج – لسكني كلمه المسيح ” لتسكن فيكم كلمه المسيح بغني ” كو ٣ : ١٦ .

د –  عن الخبرات الماديه ” يمنحنا كل شيء بغني للتمتع ١ تي ٦ : ١٧ .

 

 

المرجع كتاب

دراسات لاهوتية ولغوية في كتاب العهد الجديد – الجزء الثاني صفحة 63 وصفحة 85 – الدكتور موريس تواضروس

 

من وحي قــراءات اليــوم

  • مهما بعدت وإنحدرت كل ما أشوفك وأرجع إليك ألاقي اليدين المفتوحة والحضن الدافئ.
  • إفتكرت إن الجـوع والخنازيـر والخرنـوب هـم عقابي لكنه كان نتيجة إختياري.
  • أهـم وأعظم قـرار أخـذته لمّا واجهت نفسي مرّة بشجاعة وصدق.
  • كنت فاكرك هاتعاقبني أو حتى هاتعاتبني لكن عينيك ماشافتش غير حُزْني وغُلْبي.
  • شفت في رجـوعي ودموعي كمال توبتي وإعترافي.
  • لم تكلمني عن مثاليات لأنّك إنشغلت بسدّ الإحتياجات.
  • وأنا في وسط الخنازير وبأفكّر أكون مثل الأجير كنت بتعدّ لي مجد البنين.
  • الخاتم والعجل المسمّن والحذاء والحُلّة لم يكونوا مكافأة الخطية لكنّك قصدت تردّ لي أنا الخاطئ كـرامتي وتعيد لي مكانتي.
  • مـا أعظـم فـرحتـك برجوعي ونسيانك لكل ضلالي.
  • ما أجمل أبوتـك وما أوسع مراحمك وغنى غفـرانـك ودفء حضنك أيها الآب السماوي.

[1]– أخـذ الـذي لنـا وأعطـانـا الـذي لـه – نيـافـة الأنبـا بنيـاميـن . اسقـف المنـوفيـة.

[2] JR, A.J. & Oden, T.C. ( 2003 ). Luke ( The Ancient Christian Commentary on Scripture, New testament part III ). Illinois ( U.S.A ) : InterVarsity press. Pages 246,247, 262, 263

ترجمة الأخت : إيفيت منير – كنيسة مار مرقص ببني سويف.

[3]كتاب عظات القديس مقاريوس الكبير- العظة الرابعة  صفحة ٣٣ – طبعة 1991م. – ترجمة دكتور نصحي عبد الشهيد.

[4]كتاب:  تفسير إنجيل لوقا للقديس كيرلس الأسكندري –  صفحة ٥١٧ –  ترجمة دكتور نصحي عبد الشهيد.

[5]كتاب تفسير الرسالة إلي أهل رومية للقديس يوحنا ذهبي الفم صفحة ٢٦٠ – ترجمة دكتور سعيد حكيم يعقوب.

[6]– يشير هنا إلى مثل الابن الضال (لو15: 11- 32).

[7]كتاب اقوال العلَّامة ترتليانوس عن التوبة – صفحة ١٨ – الشماس يوسف حبيب.

[8]كتاب تفسير إنجيل لوقا الإصحاح الخامس عشر – القمص تادرس يعقوب ملطي.

[9]كتاب تفسير الكتاب المقدس عند الآباء صفحة ١٦٦ – ترجمة دكتور جورج عوض.

[10] كتاب بستان الروح – الجزء الأول صفحة ٢٦ – المتنيح أنبا يؤانس أسقف الغربية.

[11]كتاب عظات مضيئة معاشة – صفحة ٩٠ – إصدار مطرانية ملوي وأنصنا والأشمونين.

[12]– كتاب المنجلية القبطية الارثوذكسية – البابا تواضروس الثاني.

[13]المرجع كتاب تاملات روحية في قراءات اناجيل آحاد السنة القبطية –  ص 278 – 283 – كنيسة مارجرجس سبورتنج