الأحد الثاني من شهر كيهك

 

 

لأنه يولد لنا ولد ونعطى ابنا، وتكون الرياسة على كتفه، ويدعى اسمه عجيبا مشيرا، إلها قديرا، أبا أبديا، رئيس السلام لنمو رياسته، وللسلام لا نهاية على كرسي داود وعلى مملكته، ليثبتها ويعضدها بالحق والبر، من الآن إلى الأبد. غيرة رب الجنود تصنع هذا (أش٩ : ٦-٧)

” من صعد إلى السماوات ونزل ؟ من جمع الريح في حفنتيه؟ من صر المياه في ثوب؟ من ثبت جميع أطراف الأرض ؟ ما اسمه ؟ وما اسم ابنه إن عرفت ” (أم ٤:٣٠)

الذي أرسل نوره الحقيقي ابنه الوحيد يسوع المسيح الكلمة الذاتي الكائن في حضنه الأبوي كل حين أتي وحل في الحشا البتولي غير الدنس ولدته وهي عذراء وبتوليتها مختومة ” قسمة الميلاد”

” طبيعتنا تحولت إلى حجارة بواسطة عبادة الأصنام ، وأصبحت مُجمدة في الوثنية الباردة، وغير القادرة على التقدم، بزغت شمس البرّ (ملا ٤: ٢). في هذا الشتاء   القارس تحقق ظهور الربيع. وأزالت رياح الجنوب الدافئة آثار البرد، وأدخلت أشعة الشمس المشرقة الدفء في كل الأرض. لذلك، فالجنس البشرى الذي كان قد تحول إلى حجارة بواسطة البرد، قد يشمله الدفء بواسطة الروح القدس أشعة كلمة الله، وهكذا يصبح مرة أخرى مثل المياه التي تهب الحياة الأبدية (يو ٤: ١٤). “المحول الصخرة إلى غدران مياه، الصّوان إلى ينابيع مياه” (مز ١١٤: ٨)[1]

 

 

شواهد القراءات

(مز١٤٣: ٧-٥) ، (لو٧ : ٣٦-٥٠) ، (مز٧١ :٥-٦) ، (لو١١ :٢٠-٢٨) ، (رو٣ : ١- ٤ : ١-٣) ، (١يو١ -٢ : ١-٢)، (أع٧ : ٣٠-٣٤ )،        (مز ١٣:٤٤) ، (لو١ : ٢٦-٣٨)

 

 

ملاحظات على قراءات اليوم

+ قراءة إنجيل عشيَّة اليوم (لو ٧: ٣٦ – ٥٠) هي نفس قراءة قدَّاس الأحد الرابع من شهر توت ، وقراءة إنجيل عشيَّة عيد البشارة

وتأتي القراءة اليوم (وعيد البشارة) لأجل البشارة بالخلاص والغفران للخطاة (مغفورة لك خطاياك.. إيمانك قد خلصك)، ومجيئها في شهر توت لأجل الإشارة إلي كمال توبة المرأة ، ومحبة الآب للبشرية الضعيفة والتي أعلنها الابن في تجسُّده

+ تتطابق قراءات عيد البشارة مع قراءات الأحد الثاني من كيهك ( بشارة رئيس الملائكة لوالدة الإله ) في كل شيء مع ثلاث اختلافات بسيطة في قراءات البولس والكاثوليكون والإبركسيس

وهي قراءات تجسُّد الكلمة لذلك جاءت في عيد البشارة ، وفي الأحد الثاني من شهر كيهك

ففي البولس يأتي في الأحد الثاني من كيهك من رومية (رو٣ : ١ – ٤ : ١-٣ ) أمَّا في عيد البشارة فيأتي من (رو ٣ : ١- ٣١ )

هنا يكتفي البولس في عيد البشارة بالإصحاح الثالث كله ليُظْهِر عجز الناموس عن إصلاح فساد الطبيعة البشرية والإحتياج للبرّالإلهي في تجديد طبيعة الإنسان بتجسُّد الكلمة

وفِي الكاثوليكون يأتي في الأحد الثاني من كيهك من (رسالة يوحنا الأولي١ : ١ – ٢ : ١-٢ ) أمَّا في عيد البشارة فتُضاف أربع آيات أخري (١يو١ : ١- ٢ : ١-٦)

الجزء المُضاف في عيد البشارة يتكلَّم عن كمال محبّته فينا ( كما في والدة الإله ) وتتكرَّر كلمة ” بهذا نعلم ” مرتين للتأكيد علي وضوح معالم وصورة الإنسان الجديد الذي أخذناه من الكلمة المُتجسِّد من والدة الإله

وفِي الإبركسيس يأتي في الأحد الثاني من كيهك من (أع ٧ : ٣٠-٣٤ ) وفِي عيد البشارة من نفس الإصحاح مع إضافة سبعة آيات(أع٧ : ٢٣-٣٤ )

والجزء المُضاف في عيد البشارة يتكلَّم عن الأربعين سنة الأولي في حياة موسي وعدم إدراكه لتدبير الله للخلاص ثم احتياجه لأربعين سنة أخري ليتحقَّق من خطة الله للخلاص وسرّ وعُمْق تدبيره لذلك تكرَّر تعبير ” ولما كَمَلُت أربعون سنة ” مرتين في إبركسيس عيد البشارة وكأن أيضاً هنا الجزء المُضاف يُعْلِن كمال تدبيره الإلهي وخطته الإلهية لخلاص البشر.

+ وقراءة الكاثوليكون اليوم (١يو١ : ١ – ٢ : ١ – ٢)  تُشبه أيضاً قراءة الكاثوليكون (١يو ١: ١ – ٢ :١ – ٦) لأيَّام ٤ طوبة ، يومي ٢٩ برمهات ، ١ نسئ اليوم الاول من الشهر الصغير .

وهنا الرسالة من يوحنا وشهادته التي بدأ بها رسالته لذلك جاءت في تذكاره ( ٤ طوبه ) وتذكار تلميذه ( ١ نسئ ) وعن ظهور الله في الجسد كشاهد عيان لها لذلك جاءت في قراءة عيد البشارة ( ٢٩ برمهات )

أمَّا مجيئها في قراءة الأحد الثاني من كيهك للإشارة إلي الظهور الإلهي لإبن الله في الجسد ” فإن الحياة أظهرت … ”

+ قراءة الإبركسيس اليوم (أع ٧ : ٣٠ – ٣٤ )  تُشبه قراءة الإبركسيس (أع ٧ : ٢٠ – ٣٤ ) ليوم ٢٨ مسري ، يوم ٢٤ بشنس ، وتتشابه مع قراءة الإبركسيس (أع ٧ : ٢٣ – ٣٤ ) ليوم ٢٩ برمهات ، وأيضاً قراءة الإبركسيس (أع ٧ : ٣٠ – ٣٧) ليوم ٣٠ مسري ( تذكار ملاخي النبي )

وهي القراءة التي تكلمت عن إحدي رموز التجسّد ظهور الرب في العليقة المُشتعلة لذلك جاءت في عيد البشارة ( ٢٩ برمهات ) ، والأحد الثاني من كيهك ، وتكلَّمت عن الإرسالية إلي مصر لذلك جاءت في تذكار دخول الرب أرض مصر ( ٢٤ بشنس ) وإعلان الله أنه إله إبراهيم وإسحق ويعقوب لذلك جاء في تذكارهم ( ٢٨ مسري ) ، وللإشارة إلي رفض إسرائيل لأنبياؤهم ( ٣٠ مسري )

 

 

شرح القراءات

 

يتكلم هذا الأسبوع عن تجسد الكلمة من أمنا العذراء والدة الإله وتنازله لأجل خلاصنا

تبدأ المزامير بصرخة البشرية ( مزمور عشيّة ) والاستجابة السماوية ( مزمور باكر ) والعذراء البتول ( مزمور القدَّاس )

لذلك تحدثنا المزامير عن تدرج السر والتدبير الإلهي فبينما يبدأ مزمور عشية بالكلام عن احتياجنا كبشر لتجسده المجيد وصراخ البشرية لأجل تدخل الله ونزوله من عليائه لأرضنا ( يأرب طأطئ السموات وإنزال المس الجبال فتدخن أرسل يدك من العلو انقذني ونجني )

يكمل مزمور باكر بإعلان استجابته لصراخنا في مزمور عشية ويوضح طريقة نزوله إلينا علي الأرض وتأثيرها علي الأرض ( ينزل مثل المطر علي الجزة ومثل قطرات تقطر علي الأرض يشرق في أيامه العدل وكثرة السلام )

أما مزمور القداس فيعلن استقبال البشرية لتنازله في شخص أمنا العذراء والدة الإله وكنيسة العهد الجديد وأيضا كل نفس بشرية تقبل هذا الحب الإلهي العجيب ( إسمعي يا إبنتي وانظري وأميلي سمعك وانسي شعبك وبيت أبيك فإن الملك قد اشتهي حسنك لأنه هو ربك )

أما الرسائل الثلاث فتقدم البرّ الإلهي ( البولس ) والشركة مع الثالوث ( الكاثوليكون ) والتحرر من العبودية ( الإبركسيس )

فتعلن ما قدمه الظهور الإلهي للبشرية المتعطشة سواء كان يهود أم أمم وأن كل هذه العطايا سبق إعداد البشرية لها سواء كان في حكم الناموس علي اليهودي بالعجز الإنساني عن إقتناء البر أو في إنحدار الأمم إلي فساد وسفك دم وإنكسار وشقاوة

لذلك يوضح البولس إحدي العطايا الثمينة لظهور ابن الله في الجسد وهي ” بره الإلهي ” فيعلن القديس بولس أن العالم كله صار تحت حكم الدينونة والقصاص الإلهي سواء كانوا اليهود بعدم مقدرتهم علي التبرير خلال الناموس ( لأنه من أعمال الناموس كل ذي جسد لا يتبرر أمامه لأن بالناموس معرفة الخطية ) أو الأمم الذين انحدروا الي أبشع الخطايا أي أن كل العالم وضع في الشر ( لأننا قد سبقنا وشكونا أن اليهود واليونانيين أجمعين تحت الخطيئة كما هو مكتوب أنه ليس بار ولا واحد …الجميع زاغوا وفسدوا) لذلك أتي ابن الله ليظهر بره الإلهي للكل ( وأما الآن فقد ظهر بر الله بدون الناموس مشهودا له من قبل الناموس والأنبياء….بإمهال الله لكي يظهر بره في هذا الزمان الحاضر ليكون بارا ويبرر من هو من الإيمان بيسوع المسيح )

أما الكاثوليكون فيعلن عطية أخري ثمينة للظهور الإلهي وهي ( فإن الحياة أظهرت وقد رأينا ونشهد ونعلمكم بالحياة الأبدية التي كانت عند الآب وأظهرت لنا ) فالحياة الأبدية التي أعطاها لنا تجسد إبن الله هي شركتنا مع الثالوث وانسكاب النور الإلهي في كياننا الإنساني وتطهيرنا الدائم من الخطية بشفاعه دمه الثمين وإعترافنا الصادق بخطايانا لننال ونعيش الفرح الكامل ( أما شركتنا نحن فهي مع الآب وابنه يسوع المسيح وهذا ما نكتبه إليكم لكي يكون فرحكم كاملا ….إن إعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتي يغفر لنا خطايانا فهو أمين وعادل حتي يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم )

لذلك يختم الإبركسيس بإعلان عطية الخلاص للبشرية والتي كان لها ظلال ورمز كبير في العهد القديم في ظهور الله لموسي النبي في العليقة المشتعلة ليعلن له أنه سيخلصهم بنفسه وبحضور قوته الإلهية وسط شعبة ( قد رأيت عيانا مشقة شعبي في مصر وسمعت أنينهم ونزلت لأخلصهم )

وتوضح الأناجيل عطايا تجسّد الكلمة الغفران والسلام ( انجيل عشيًة ) والنصرة علي ابليس ( إنجيل باكر ) وتدبير الثالوث في التجسد ( انجيل القدَّاس )

فيبدأ إنجيل عشية بإعلان عطايا التجسد لإنسان العهد الجديد الغفران والخلاص والسلام الإلهي المجاني ( مغفورة لك خطاياك-إيمانك قد خلصك إذهبي بسلام )

أما إنجيل باكر فيعلن هدف سر التجسد وهو تحرير البشرية من سلطان إبليس ( إذا تسلح القوي-ابليس- ليحفظ داره فأمواله تكون في أمان وإذا جاء من هو أقوي منه -إبن الله – فإنه يغلبه ويأخذ سلاحه الذي يتكل عليه ويوزع غنائمه )

بينما يعلن إنجيل القداس عن تدبير الثالوث في هذا السر العظيم فإنه وإن كان التجسد يخص أقنوم الإبن لكن لم يفعله بإراده منفرده بل كما في كل الأعمال الأخرى يظهر الله الثالوث في أي عمل يخص أي من الأقانيم الأخري ( إن الروح القدس يحل عليك وقوة العلي- الآب –  تظللك فلذلك أيضا المولود منك قدوس ويدعي إبن الله )

وعندما يأتي تساؤل كيف تلد العذراء ؟ نقرأ تشبيه جميل للقديس يوحنا ذهبي الفم ، في مقارنته لجنة عدن التي وُجِدَتْ فيها النباتات والأشجار دون فلاحة بشر بأمنا العذراء والدة الإله التي جاء منها الكلمة المُتَجسِّد دون أي عامل بشري

( لهذا دعاها ” عدن ” أو ” التربة العذراء ” لأن هذه العذراء ” أرض الجنة ” كانت مثالاً للعذراء الأخرى.

وكما أن الأرض الأولي انتجت لنا جنة الفردوس دون أي بذور، هكذا فإن العذراء ولدت المسيح لنا دون أي بذرة بشرية.

وإذا سأل أحد كيف يمكن أن تلد العذراء؟

فإننا نجيبه هكذا : كيف يمكن للأرض غير المزروعة أن تخرج نباتات عجيبة ؟ لأن كلمة عدن في العبرية تعني ” الأرض العذراء[2]

 

 

ملخص الشرح

يتضح من قراءات اليوم كل ما يخص سر التجسد الإلهي حسب فكر الكنيسة فتجسد إبن الله كان بتدبير الثالوث (  إنجيل القداس )

واحتياج البشرية                                                                                                      ( مزمور عشية )

واحتياج الإنسان للبر الإلهي                                                                                          ( البولس )

وتم السر بنزول إبن الله إلي أرضنا بإشراقه الإلهي ليمطر سلامه وعدله علي الأرض                ( مزمور باكر )

واستجابة البشرية لصلاحه الإلهي ممثله في أمنا العذراء والدة الإله                         ( مزمور وإنجيل القداس )

وعطايا تجسده المجيد الخلاص والغفران والسلام                                                 ( إنجيل عشية )

وتحررنا من سلطان الشيطان                                                                           ( إنجيل باكر )

ومن العبودية                                                                                                ( الإبركسيس )

ونوال الشركة مع الثالوث والسلوك في النور والتطهير من الخطية                          ( الكاثوليكون )

 

 

 إنجيل القدَّاس في فكر آباء الكنيسة

“يستند لوقا إلى شهادة الذين قد عاينوا يسوع وسمعوه فأخبروه بأسرار المسيح وحدّثوه عن شخصه.” (القديس أثناسيوس).

“يحرص لوقا على حِفظ هذا الطقس لا لنفسه فقط، بلْ هو أيضًا يعدّه ويشرحه للكنيسة حتى تحفَظ في قدّاساتها ومجامعها كل ما حدَّث به الشهود وخدّام الكلمة عن تجسُّد يسوع المسيح وعمله الكفّاري.” (القديس كيرلُّس السكندري).

“كان لأَحداث فترة الطفولة صدى عظيمًا لدى آباء الكنيسة، خاصةً لأنهم رأوا أنها دليلهم في الدفاع عن التجسّد. يشهد التاريخ بأحداثه أن الروح القدس قد تسبب في ميلاد يسوع المعجزيّ.” (القديس كيرلُّس الأورشليمي).

“ظهور الملاك هو علامة الظهور الإلهي الذي به يُعلَن مجيء الكاهن الحقّ الأعظم.” (القديس ديونيسيوس}.

“إن الملاك قَبل أنْ ينطق ببشارة الميلاد المعجزيّ وباسم الطفل، سبق فطمأن مريم بقوله: “لا تخافي”.” (القديس أثناسيوس).

“قد ظهر الملاك لزكريّا الأب الجسدي ليوحنّا؛ أما عن يسوع، فإن الملاك قد جاء لمريم لا ليوسف. وصلوات زكريّا وطلباته التي رفعها وقت خدمته الكهنوتية كانت مِن أجْل مجيء المسيّا.” (القديس أوغسطينوس).

“هي فتاة مخطوبة وعذراء وبقيت هكذا عذراء بعد ميلاد يسوع.” (القديس جيروم).

“إنها هي التجسيد للنبوءة بالكنيسة العروس غير الدنسة.” (القديس أمبروسيوس).

“,”السلام لكِ أيتها الممتلئة نعمة”! تحية لم تكن قد قيلت إلّا لمريم فقط.” (العلّامة أوريجانوس).

“يبشّرها الملاك أيضًا قائلاً: “الرب معكِ” تحية غامضة اضطرب لها قلب مريم” (القديس بطرس الناطق بالذهبيّات)، “لتواضعها الشديد.” (القديس أمبروسيوس).

“يسوع هو تاج بيت داود: فهو مِن بيت داود وبيت لاوي أيضًا.” (مار إفرام السرياني).

“على عكس زكريا فإن تساؤل مريم لم ينبع مِن شك، بلْ مِن أجْل نذرها البتوليّة” (القديس أوغسطينوس)، “فتفكّرت بالسّر اللاهوتي لهذا الميلاد البتوليّ.” (القديس أمبروسيوس).

“إن الميلاد البتوليّ ليسوع يحرّرنا لأنه جاء بالروح وليس بشهوةٍ الجسد” (القديس أوغسطينوس).

“هذا هو نفسه الروح الذي قد حل على المياه وجبل الخليقة؛ ظِلّ يَهْوَه الذي ظهر في سحابة وأحاط بالخيمة، ومجد يَهْوَه الذي ملأها.” (مار إفرام السرياني).

“في طاعتها النقيض لعصيان حواء. فسقوط العذراء الأولى بغواية الملاك ينتصر عليه إيمان هذه العذراء واستجابتها وتصديقها لقول ملاك آخر.” (القديس إيرينيُس)[3].

 

 

   الكنيسة في قراءات اليوم

الغفران والسلام ثمر التوبة                                         إنجيل عشيّة

لاهوت المسيح + مكانة والدة الإله أيضاً بحفظها الكلمة     إنجيل باكر

إعداد البشرية للخلاص من خلال ناموس العهد القديم      البولس

الشركة مع الثالوث + الشفاعة الكفّارية                         الكاثوليكون

رموز التجسّد                                                             الإبركسيس

سر التجسّد                                                            إنجيل القدَّاس

 

 

عظات مقترحة

(١) لماذا تجسّد الكلمة

١- أرسل يدك من العلو انقذني ونجني ( مزمور عشيّة )

– يشرق في أيامه العدل وكثرة السلام ( مزمور باكر )

– فإن الملك قد إشتهي حسنك ( مزمور القدَّاس )

تجسّد لأجل خلاصنا وسلامنا ولأجل الإتحاد الدائم بنا حباً فينا

وأمنا العذراء والدة الإلة نموذج لكل نفس بشرية يشتهي الله أن يعطيها من جماله ومجده

٢- مغفورة لك خطاياك  ( إنجيل عشيّة ) – فإنه يغلبه ويأخذ سلاحه الذي يتكل عليه ويوزع غنائمه ( انجيل باكر )

الغفران والنصرة علي الخطيّة والنصرة علي الشيطان ثمار تجسّده

٣- ليكون بارا ويبرر من هو من الإيمان بيسوع المسيح ( البولس ) –  ونعلمكم بالحياة الأبدية التي كانت عند الآب وأظهرت لنا ( الكاثوليكون ) – قد رأيت عيانا مشقة شعبي في مصر وسمعت أنينهم ونزلت لأخلصهم ( الإبركسيس )

التبرير – إعلان الحياة الأبديّة في المسيح – خلاص ونجاة البشر

 

(٢) لماذا تجسّد الكلمة ؟ وكيف تجسَّد ؟

١-لماذا تجسَّد الكلمة

” ولكن لما جاء ملء الزمان، أرسل الله ابنه مولودا من امرأة، مولودا تحت الناموس ليفتدي الذين تحت الناموس، لننال التبني ثم بما أنكم أبناء، أرسل الله روح ابنه إلى قلوبكم صارخا: يا أبا الآب إذا لست بعد عبدا بل ابنا، وإن كنت ابنا فوارث لله بالمسيح ” (غل ٤ : ٤-٧)

+ ليفتدي الذين تحت الناموس

جاء لكي يتمّم لنا الفداء ويهبنا الخلاص مجاناً نحن الذين كنّا جالسين في الظلمة وظلال الموت

+ لننال التبنّي

صار إبن الله إنساناً لكي ما يُصيّر الإنسان إبناً لله حسب تعليم القديس أثناسيوس الرسولي

+ فوارث لله بالمسيح

جاء لكي يمنحنا الحياة الأبديّة ويُعدّ لنا مكاناً في ملكوت إبية ويحقّق مسرّة الآب في أن يُعطينا الملكوت

٢- كيف تجسَّد الكلمة ؟

+  هل جعل التجسّد الله محدودا ؟ ومن كان يحكم العالم عندما كان في أحشائها ؟

بالطبع لم يُحد التجسد من اللاهوت لأنه مالئ كل مكان مثل الهواء الذي يملأ الحجرات المُغلقة وفِي ذات الوقت العالم كله فالحجرة المغلقة تحوي كل الهواء داخلها وهو ذاته موجود خارجها وفِي كل مكان

ومثل الموجات اللاسلكية عندما تجد جهاز تليفزيون وتتجسّد فيه علي هيئة صورة فلم يجعل التليفزيون الموجات محدودة له أو خاصة به لكنها أيضاً تملأ المكان كله وإذا وُجِدَ مائة جهاز تليفزيون في المكان لا تنقص الموجات في شيء

+  هل يتعارض التجسّد مع قداسة الله

طبيعة اللاهوت تختلف عن طبيعة البشر التي تتأثر بأي شيء ولكن الله ليس عنده تغيير ولا ظل دوران (يع ١٧:١ )

مثل أشعة الشمس التي تدخل كل مكان دون أن تتأثر تدخل المباني الفاخرة والأكواخ والعشش وأماكن القمامة لكنها لا تتغير بل المكان نفسه يمتلأ نوراً ودفئاً وتقتل الميكروبات لذلك يقولون ان المكان الذي تدخله الشمس لا يدخله الطبيب

هكذا اللاهوت عندما أخذ جسداً من أُمنا والدة الإله فملأ الطبيعة البشرية من نور الإبن وحرارة محبة الآب وتقديس الروح القدس

وكما نقول في التسبحة ( أخذ الذي لنا – أي بشريتنا- وأعطانا الذي له – أي خلاصه وبره ومعرفته ) ثيئوطوكية الجمعة

 

 

(٣) شخصيات البشارة

١- والدة الإله ” الصمت المُقدَّس “

اجتازت والدة الإله مواقف ربما لا يستطيع كثيرون احتمالها دون كلام أو انفعال

مواقف المجد : ماذا يحدث لفتاة صغيرة عندما يظهر لها رئيس الملائكة الجليل ويُبشِّرها بإختيار الله لها لتجسُّد الكلمة ؟

وماذا يحدث لأم صغيرة السن عندما يأتي لها رعاة يُخبرونها بظهور جمهور من الجند السماوي لهم وبشارتهم بميلاد المُخلِّص ؟

وماذا كان رد فعلها عند مجيء ملوك المشرق بموكب عظيم وسجودهم للمولود ملك اليهود والهدايا الذهب واللبان والمر ؟!

يقول الكتاب ” أمَّا مريم فكانت تحفظ جميع هذا الكلام مُتَفكِّرة به في قلبها ”    يا للعجب كل هذا في قلبها ؟ لم تُخْبِر أحداً حتي في بشارة رئيس الملائكة لم تُخْبِر يوسف النجار لذلك كان مُتَحيِّر في أمرها

ما أجمل قول أشعياء النبي ” وعلي كل مجد غطاء ” فكانت والدة الإله تُغطِّي مجد الله فيها بمسكنتها واتضاعها وخدمتها

مواقف الألم

قليلون هم الذين يتعرَّضون لظلم كبير ويحتفظون بصمتهم الداخلي والخارجي لذلك ما أعجب أن نري هنا أُمنا العذراء تري نظرات الحيرة في عيني يوسف النجار بعد رجوعها من خدمة إليصابات وتعرف بما ينوي فعله كرجل بار ورغم ذلك تختار أن تصمت وكان يُمْكِن أن تُخبره ببشارة رئيس الملائكة لها وأن تُخْبِره أيضاً بما حدث مع إليصابات وشهادتها لها بأنها أم ربي لكنها إختارت أيضاً الصمت الداخلي والخارجي

كما قال أحد الآباء ( الصمت هو سرّ الدهر الآتي ) فهو عنوان حياة الكاملين

٢- رئيس الملائكة غبريال ” ملاك البشارة “

ما أجمل أن نقتدي به في رسالة الفرح وأن نكون دائماً مُبشِّرين بالسلام ومُبشِّرين بالخيرات ( رو ١٥:١٠ ) وأن تكون خدمتنا مملوءة من جو الفرح والتشجيع وهكذا أيضاً بيوتنا بين الأزواج وبين الآباء والأمهات والأولاد كما أن أجواء الكآبة طاردة للشباب والفتيان من البيوت فيبحثون عن راحتهم خارجها مع الأصدقاء

٣- يوسف النجار ” سلوك الأبرار “

يُعَلِّمنا يوسف النجار منهج حياة الأبرار في أنه :

+ لم يشأ أن يُشْهِرها

العجيب أنه لم يفعل ما هو في الناموس وتسامي فوق برّ الناموس الذي يكشف الخطية ويحكم عليها وهذا نموذج لنا في كيف نتعامل مع أخطاء وانحرافات أي إنسان ( وربما لا تكون أصلاً أخطاء لكنه حكم خاطئ ) فسلامة الشخص عند الأبرار لا تقل أهميَّة عن سلامة الوصيّة

+ فيما هو مُتفكِّر في هذه الأمور

ما أجمل تروّي الأبرار وعدم التسرُّع في ردود الأفعال وإعطاء فرصة لهدوء العاطفة وتفعيل العقل والإنصات إلي روح الله وكثيراً ما تأتي المعونة السماوية

 

 

عظات آبائية

 

تجسد الكلمة للقديس أثناسيوس الرسولي

عظة للانبا شنوده دكتور صموئيل

يعقوب السروجي مزمور ٨٠

ملخص كتاب تجسد الكلمة ( بإذن خاص من الدكتور جوزيف موريس فلتس )

شرح القديس اثناسيوس الرسولي

ترجمة الدكتور جوزيف موريس فلتس

يمكن أن نقسِّم شرح الكتاب لثلاث أجزاء

(١) الجزء الأول من فصل ١ إلي فصل ١٩

” الربط بين خلقة الإنسان الأول وتجسد الكلمة ”

فصل١- فصل٣: يبدأ القديس بقصة الخلق قائلا ان الآب خلص العالم الابْن كما خلق العالم بِالابْن

كما يشرح نظريات الخلق في ذات الوقت

الأبيكوريين  نظرية الصدفة أبيكورس

الأفلاطونيين  نظرية المادة السابقة  أفلاطون

الغنوسيين  نظرية وجود اله آخر مع الله  ماركيون

كما يوضح أن الله أعطي الانسان من ظل الكلمة، وان يكون عاقلاً لكي يحيا حياة القديسين في الفردوس، وأعطاه وصية لكي يحفظ النعمة المعطاة له فصل ٤، ٥ : ارتباط الخلق بالسقوط من ناحية النعمة المعطاة للإنسان فكما أخذ الانسان الحياة الأبدية بعد الخلق كنعمة ثانية من الله ( نعمة خلق الإنسان علي صورة الله ومثاله ) ، هكذا فقدها بعد السقوط بالخطية وزاد الفساد عند البشر تدريجيا

فصل ٦ : ماذا سيفعل الله ؟

هل سيترك خليقته في الفساد ولماذا خلقها أصلا ؟

هل سيتركها لغواية الشيطان أو لإهمالهم ؟

سيُصبِح هذا ضد صلاح الله ومعلنا ضعفه ؟

فصل٧: التوبة لا تكفي لانه أعقبها فساد

أي أن غفران الله للإنسان عدا السقوط كان سيرفع حكم الموت لكن سيبقي الإنسان في الفساد للأبد الاحتياج لابن الله ليعيد صورة الانسان لأصله ويجدّد طبيعته.

فصل٨: الكلمة أخذ جسدا من العذراء ليقهر فيه الموت وينهي سلطانه

فصل٩: لأنه لا يوقف الفساد الا الموت أخذ الكلمة جسدا قابلا للموت لكي بشترك الجسد في عدم الموت الذي للكلمة يتوقف الفساد ولكي يتمم الكلمة الفداء للجميع مات عنهم لا نموت نحن الآن كمدانين بل برجاء القيامة العامة والحياة الابدية

فصل١٠: مثال: الملك في المدينة

عندما يوجد الملك في المدينة ( طبيعة الإنسان ) تتغير المدينة كلها وتتكرم بسببه

فصل ١١ : الهدف من التجسد أيضا معرفة البشر للآب من خلال الكلمة المتجسد

خلقة الإنسان علي صورة الله – الناموس والأنبياء – الكون والطبيعة

فصل ١٢ : لكن بسبب كثرة الفساد لم يعد يدرك الإنسان الله لا من خلال الناموس والأنبياء ولا من خلال الطبيعة

فصل١٣، ١٤ : وجب ان يبحث الله بنفسه عن خليقته وان ينزل ابن الله إلينا لأنه الوحيد القادر علي اعادة تشكيل الصورة التي فسدت ولم تعد تدرك رؤية الله ولأنهم التجأوا للأمور الجسدية قابلهم في منتصف الطريق ومشي وسط البشر وجذب أحاسيس البشر نحو نفسه

فصل١٥: وإذا كانوا يعبدون الطبيعة ووجدها خاضعة له يدركون عظمته ( مثل انتهار الريح وإسكات البحر) وإذا كانوا يعبدون البشر ويرون فيه قدرته وسموّه عّن جميع البشر يعرفون قدره (في سجود الكثيرين له وإدراكهم عظمته ) وإذا كانوا يعبدون الأرواح الشريرة ويجدوها ترتعب منه وتخرج ( مثل انتهاره للشياطين وإخراجهم من كل إنسان بسلطان ) يؤمنون بلاهوته وان كانوا يعبدون الأبطال الاموات ويجدونه قائم من بين الأموات يعرفون عظمته.

( فصل ١٦ – فصل١٩ ) حاضر في كل جزء وخارج كل شيء

يشرح القديس أثناسيوس هذه الآية ”  وأنتم متأصلون ومتأسسون في المحبّة حتي تستطيعوا أن تدركوا مع جميع القديسين ما هو العرض الطول والعمق والعلو “( فوق أي الخليقة– تحت أي الأنسان – العمق أي الجحيم – العرض أي المسكونة)

“لأن المخلص تمم بتأنسه عمليتي المحبة :

( أولاً ) : أنه أباد الموت من داخلنا وجدّدنا ثانية .

( ثانياً ) أنه إذ هو غير ظاهر ولا منظور، فقد أعلن نفسه وعرف ذاته بأعماله في الجسد ، بأنه كلمة الآب، ومدبّر وملك الكون . ”

بينما كان يتصرف كإنسان كان ككلمة الله يحيي كل الأشياء وكابن كان كائنا مع أبيه … عندما ولدته العذراء لم يعتريه اي تغيير ولا تدنس بحلوله في الجسد بل بالعكس فهو قدس الجسد أيضا مثال الشمس لا تتدنس عندما تلمس أشعتها الأجسام الأرضية ولا تفقد نورها بسبب ظلمة هذه الأجسام .

(٢) الجزء الثاني ( من فصل ٢٠ إليّ فصل ٣٢ )

تدبير الله في موته وقيامته وتأثيرهم وفعلهم في البشرية

( فصل ٢٠ ) فعلان متناقضان ( يبدو وكأنهما ) : موت الجميع قد تم في جسد الرب ( علي الصليب ) ، الموت والفساد قد أبيد من الجسد بفضل اتحاد الكلمة به.

( فصل٢١ ،٢٢ ) لماذا لم يختار الله طريقة لائقة للموت ؟ قبل الموت اليه كعلامة علي قوة الكلمة.

لماذا لم يمرض قبل الموت ؟ لئلا يُنسب الضعف لطبيعته

لماذا مات علانية أمام الكل ؟ ( فصل ٢٣ ) لكي يتأكد الجميع من حقيقة موته.

( فصل ٢٤ ) لماذا لم يختار طريقة أخري للموت ؟ مثل  المصارع القوي الذي لا يهاب أي نوع من الموت ولم يسمح بقطع رأسه (يوحنا ) ولا نشر جسده ( أشعياء) لكي يحفظ جسده ولا يعطي حجة للذين يريدون تقسيم الكنيسة

( فصل٢٥ ) لماذا الصليب ؟

رفع اللعنة – بسط الذراعين لقبول الجميع يهود وأمم – تطهير الهواء من الأرواح الشريرة

لماذا قام في اليوم الثالث ؟ ولماذا لم يكن قبل أو بعد ؟

( فصل٢٦) لم يكن قبل لئلا يشك الناس في حقيقة موته ، ولم يكن بعد لئلا ينسي الناس ما حدث ، ولئلا يعتقدوا انه استبد لجسده بجسد آخر

( فصل ٢٧ ، ٢٨ ) ماذا فعل فلاسفة اليونان وماذا فعل صليب المسيح للموت ؟

علاقة الناس بالموت وعدم خوفهم منه واستهزائهم به دليل علي قوة المصلوب وصحة القيامة – النساء والأطفال

مثال : مادة الأمينت أو الأسبستوس ( كما لا يحترق القش المُحاط بالاسبستوس )

( فصل ٢٩ ) مثل انتشار أشعة الشمس في الكون هكذا انتشر فعل الصليب والقيامة لكل المؤمنين فاحتقروا الموت وقبلوه بفرح.

( فصل ٣٠ ) إلي الآن يغيّر الكلمة حياة كثيرين ويجعل الكافر تقيَّا ومجرد ذكر اسمه يرعب الشياطين.

فهل هذا تأثير إنسان ميت ؟ أو لم يقم ؟

( فصل ٣١ ) قوة العمل علامة الحياة لذلك نتعلم من قوة المسيح الفائقة وقوّة علامة الصليب.

( فصل ٣٢ ) مثال الشمس للأعمى ( كما لا يري الأعمى الشمس لكنه يشعر بحرارتها هكذا الملحد لا يري الكلمة بعينيه لكنه يشعر بحرارته في المؤمنين به )

( ٣ ) الجزء الثالث دفاع ضد اليهود واليونانيين

( فصل ٣٣ ) النبوّات لليهود ، ( فصل ٣٤) نبوّات موته وقيامته

( فصل ٣٥) نبوّات عن الصليب

( فصل ٣٦ ) ، ( فصل ٣٧) آلامه وهروبه لمصر ورعب الشياطين

( فصل ٣٨) نبوّات عن معجزاته والفرق بين معجزات الأنبياء ومعجزات الرب

معجزات الرب كانت بسلطان ، ومعجزات خلق ( خلق عيناً لمولود أعمي )

( فصل ٣٩) نبوة دانيال ( فصل٤٠) ابطال الرؤيا والنبوة بعد مجيء المسيح له المجد

( فصل٤١ ، ٤٢) الرد علي اليونانيين بحلول الكلمة في الجزء

( الأنسان ) كما الكل ( الخليقة )

مثال : اللسان ( الجزء ) يعبر عن العقل ( الكل )

( فصل ٤٣ ) جاء في شكل بشري ولم يأتِ في شكل أسمي لأنه جاء ليخلص لا ليبهر الأنظار

( فصل ٤٤) لماذا لا يخلص بكلمة ؟ مثل الخلق

إصلاح ما هو موجود بالفعل يختلف عن الخلق

تأصل الموت في طبيعة الأنسان\ وكان لابد للحياة ان تلتصق بالجسد وتصير فيه مثال : القش والاسبستوس والنار

( فصل ٤٥ ، ٤٦ ) افتضاح العبادة الوثنية ومحدودية  أماكن العبادة بينما تنتشر العبادة المسيحية في كل مكان

( فصل ٤٧ ) لم تستطع الفلسفة ان تقنع الناس بالصلاح الأجماع محدودة بينما استطاعت جماعة محدودة  أن يقنعوا الجماهير الغفيرة

( فصل ٤٨) دليل القوة في الاستشهاد والبتولية ( أي في استهانة الشهداء بالموت ، وتكريس الشباب حياتهم للبتولية )

( فصل ٤٩) اسكليبوس – هيراكليس – ديونسيوس

كان اليونانيون يعبدون اسكليبوس لأنه كان يشفي بالطب أما الكلمة كان يخلق وليس فقط يشفي وكانوا يعبدون هيراكليس لأنه انتصر علي وحوش بينما الكلمة انتصر علي الشياطين والموت

وكانوا يعبدون ديونسيوس لأنه علمهم شرب الخمر بينما علّم الكلمة البشر العفّة والاعتدال

( فصل ٥٠) علم به ابسط لكنه حجب بنور تعاليمه الفلاسفة –ملأ كنائسه وأفرغ مدارسهم

( فصل ٥١ ) تغيير طباع البشر الوحشية وتعلم الفضيلة

( فصل ٥٥ )  تلاشي العبادة الوثنية

الختام ( فصل ٥٦ ، ٥٧ )

دراسة الكتب المقدسة ومعرفتها معرفة حقيقية تتطلبان حياة صالحة ، ونفسا طاهرة ، وحياة الفضيلة التي بالمسيح ، وذلك لكي يستطيع الذهن أن يصل إلي ما يتمناه ، وأن يدرك بقدر استطاعة الطبيعة البشرية ما يختص بالله الكلمة فبدون الذهن النقي والتمثل بحياة القديسين لا يستطيع الإنسان أن يفهم أقوال القديسين.

 

 

القديس يوستينوس الشهيد

  • ويتنبأ نبي آخر وهو إشعياء عن هذه الأمور ذاتها بكلمات مختلفة قائلاً : “يبزغ نجم من يعقوب وتطلع زهرة من أصل يسى وعلى ذراعه تتكل الأمم ” وبالفعل قد ظهر نجم ساطع وزهرة أزهرت من أصل يسي ، الذي هو المسيح لأنه بقوة الله قد حبلت به عذراء من نسل يعقوب أبي يهوذا الذي هو كما قلنا أبو الأمة اليهودية ، وصار يسی جدًا للمسيح كما قيل فى النبوءة وبالتالي فهو ابن ليعقوب ويهوذا بحسب تسلسل الأنساب وايضا اسمعوا كيف تنبأ إشعياء بان المسيح سوف يولد من عذراء” هوذا العذراء تحبل وتلد ابنا ويدعون اسمه الله معنا ” (اش ٧ : ١٤) .
  • فما يعتبره الناس غير قابل للتصديق وغير ممكن سبق الله وأخبرنا من خلال روح النبوة أنه سوف يحدث حتى متى صار بالفعل لا يقدر أحد أن ينكره بل يؤمن به الناس لأنه قد تم التنبؤ به ، ولئلا يتهمنا البعض ممن لا يدركون معنى هذه النبوءة بالأمور عينها التي نتهم نحن بها الشعراء الذين يقولون ان زیوس تقرب من النساء من أجل شهوة جسدية ، دعونا نحاول توضيح كلمات هذه القيودة ان عبارة “ها العذراء تحبل” تعني أن الحبل سيكون بدون اتصال جنسي ، لأنه لو كان للعذراء اتصال جنسي مع أحد لما ظلت عذراء بعد ذلك، ولكن قوة الله حلت على العذراء وظللتها وجعلتها تحبل وهي بعد عذراء ثم أن ملاك الله الذي أرسل للعذراء فى ذلك الوقت حمل لها البشارة قائلا لها : “ها أنت ستحبلين من الروح القدس وتلدين ابنا وابن العلي يدعي وتدعين اسمه يسوع لأنه يخلص شعبه من خطاياهم” (لو١ : ۳۱) ، وقد تم هذا كما علمنا الذين سجلوا كل ما يخص مخلصنا يسوع المسيح . ونحن نؤمن بما قالوه . وكما تنبأ روح النبوة بواسطة إشعياء أنه سيولد بهذه الطريقة كما قلنا من قبل . فلا يصح إذن أن نفهم أن الروح وقوة الله شيء آخر غير الكلمة الذي هو أيضا بكر الله كما قال موسى النبي الذي ذكرناه من قبل . هذا هو الذي حل على العذراء وظللها وجعلها تحبل . بغير اتصال جنسي . بل بقوة إلهية . واسم “يسوع “هو كلمة عبرية تعني “مخلص “ولذا قال الملاك للعذراء وتدعين اسمه يسوع لأنه يخلص شعبه من خطاياهم .وأعتقد أنكم توافقونني الرأي بأن الذي أوحى للأنبياء ليس آخر غير كلمة الله[4] .

 

 

القديس ايريناؤس أسقف ليون

حين أخذ ابن الله جسداً وصار أنسانا ، جمع في نفسه تاريخ البشرية الطويل جالباً لنا نعمة الخلاص ، لذلك فانه في المسيح يسوع نستطيع أن نستعيد ما فقدناه في آدم ، الذى هو صورة وشبه الله ، لأنه اذا كان من غير الممكن للانسان بعد أن صار مجروحاً ومكسوراً بالعصيان أن يشفى ويستعيد غصن النصر ، ولأن ذلك معناه أنه من غير الممكن له أن ينال الخلاص ، لأنه وقع تحت قوة الخطية فقد حقق ابن الله هاتين المهمتين ، أنه ” كلمة الله ” أتى ونزل من عند الآب وصار جسداً ووضع نفسه حتى الى الموت وأكمل تدبير خلاصنا ”

” لقد أغويّت حواء بكلمة الملاك الذى سقط وعصت كلمة الله لذلك هربت منه ، بنفس الطريقة استقبلت مريم البشارة بواسطة كلمة من الملاك، وأطاعت كلمة الله لذلك حملته في أحشائها.

وبينما الأولى (حواء) قد أغويّت لتعصى الله ، قَبِلَت الأخيرة أن تطيع الله ، لذلك صارت العذراء مريم هى المحامية عن العذراء حواء

وكما أن الجنس البشرى صار مربوطاً بالموت بسبب عذراء (حواء) هكذا قد تحررت من الموت بالعذراء ( مريم )

لأن عصيان العذراء الأولى قد عالجه وأبطله أطاعه العذراء الثانية

اذاً ، ان كانت خطية الأنسان الأول قد شفُيّت وعولجت بحياة ابن الله الوحيد الجنس ، وان كان مكر الحيّة قد أُبطِل ببساطة الحمامة ( مريم ) وان كانت السلاسل التي ربطتنا بالموت قد تحطمت ، اذاً فالهراطقة ( غير المؤمنين بالمسيح) الآن هم في غباء شديد وهم جاهلون بتدبير الله وغير مدركين لتدبيره لخلاص الأنسان ”

†  آدم الجديد وحواء الجديدة :

” في رسالته الى أهل غلاطية يقول القديس بولس بكل وضوح ” أرسل الله ابنه مولوداً من امرأة ” (غل ٤: ٤) وفى رسالته الى أهل رومية يقول ” عن ابنه الذى صار من نسل داود بحسب الجسد وتعيّن ابن الله بقوة من جهة روح القداسة بالقيامة من الأموات يسوع المسيح ربنا ” (رو ١ : ٣ – ٤)

اذاً لم يكن قصده فى أن يأخذ جسداً من العذراء أمراً بلا فائدة ، لأنه لماذا ينزل الى أحشائها الا اذا كان يريد أن يأخذ منها شيئاً ؟

وعلاوة على ذلك اذا لم يكن قد أخذ منها جسداً ( بشرياً ) ما كان قد تعود على أن يأكل الطعام الارضى ولا كان بعد أن صام أربعين يوماً مثل موسى وايليا ، قد شعر بألم الجوع (مت ٤ : ٢)

وأيضاً لم يكن جسده قد شعر بالحاجة الى الغذاء ، ولا كان تلميذه يوحنا قد كتب عنه ” واذ تعب يسوع من السفر جلس هكذا على البئر ” (يو ٤ : ٦)

ولا كان داود النبي قد أخبر عنه قائلاً ” زادونى حزنا على وجعي ”                 (مز ٦٩ : ٢٧)

ولا كان يسوع قد بكى على قبر لعازر                                                     (يو ١١ : ٣٥)

ولا كان عرقه تساقط كقطرات الدم                                                        (لو ٢٢ : ٤٤)

ولا كان قد قال ” نفسى حزينة جداً ”                                                    (مت ٢٦ : ٣٨)

ولا كان قد خرج دم وماء من جنبه المطعون بالحربة                                    (يو ١٩ : ٣٤)

هذه كلها علامات على انه قد أخذ جسداً من الأرض ( يقصد جسداً بشرياً ) جامعاً هذا الجسد فى نفسه ( أي جمع الطبيعة البشرية في نفسه ) ليخلص صنعة يديه ( خليقته )

لأجل ذلك فان القديس لوقا يقدم نسب يسوع مبتدئاً من ميلاد الرب ، راجعاً به حتى آدم ذاكراً حوالى 72 جيلاً (لو ٣ : ٢٣ – ٣٨) هكذا ربط النهاية بالبداية ،  وأوضح أن يسوع الذى جمع فى نفسه كل الشعوب المتفرقة منذ آدم ، جمع كل اللغات وكل الأجيال البشرية حتى آدم نفسه

لذلك فان بولس يدعو آدم ” مثال الآتى ” (رو ٥ : ١٤) لأن الكلمة ، خالق كل الأشياء ، قد شكّل فى آدم التدبير الخاص بالبشرية التى منها سوف يأخذ ابن الله جسداً

فى البداية خلق الله انساناً ( جسدياً ) ليكون له الامكانية أن يخلص بواسطته ( الروحانى ) (١كو ١٥ : ٤٦) ولأن المُخلّص كان كائناً قبل التَجَسُد ، فان خليقته التى احتاجت الى الوجود أيضاً وهكذا لم يكن مجىء المخلص بلا سبب0

وطبقاً لهذا التدبير قدّمت العذراء مريم طاعة حين قالت ” هوذا أنا أمة الرب ليكن لى كقولك ” (لو ١ : ٣٨) ، وحواء قدّمت المعصية وهى عذراء حواء ظلّت عذراء بالرغم من وجود آدم معها كزوج فى الفردوس لأنهما ” كانا عريانين وهما لا يخجلان ” (تك ٢ : ٢٥)

لأنهما كانا فى بداية خلقتهما ولم يكونا يعرفا شيئاً عن ولادة الأولاد ، كان عليهما أن ينضجا أولاً ثم بعد ذلك ينجبا الأولاد

بالعصيان صارت حواء سبباً للموت لها ولكل الجنس البشرى وبنفس الطريقة صارت مريم ، بالرغم من أنها هى أيضاً كانت تُحسَب أن لها زوجاً ، كانت دائما عذراء ، وبالطاعة صارت سبباً للخلاص لنفسها ولكل الجنس البشرى 0لأجل هذا السبب ، الناموس يدعو المرأة المخطوبة لرجل ، يدعوها زوجته حتى لو كانت لا تزال عذراء وهذا يوضح المقابلة بين حواء ومريم تماماً مثلما يكون هناك شىء مربوطاً لا يمكن أن يحلّ الّا بأن نفك العقدة بطريقة عكسية

لهذا السبب قال ربنا أن ” الآخرون أولون والأولون آخرون ” (مت ١٩ : ٣٠)  وداود النبى أيضاً أكّد نفس الشىء حين قال ” ويكون لك أبناء عوضاً عن آبائك ” (مز ٤٥ : ١٦) ولأن الرب قد صار ” البكر بين الأموات ” (كو ١ : ١٨)  وقبل كل الآباء الأولين فى حضنه وجددهم ثانية بالحياة مع الله صائراً هو نفسه أول الأحياء (كو ١ : ١٨) مثلما صار آدم أول الأموات

لذلك بدأ القديس لوقا أنسابه من الرب راجعاً الى آدم لكى يوضح أنه لم يكن الآباء هم الذين جدّدوا ( الابن ) ولكن بالحرى ( الابن ) هو الذى جدّدهم بإنجيل الحياة وهكذا عقدة عصيان حواء قد حلّتها طاعة مريم 0 وما ربطته حواء بعدم الايمان حلته مريم بإيمانها[5]

 

 

القديس كيرلس الأسكندري

عظة ألقاها بكنيسة العذراء في مدينة افسس ضد نسطور:

” السلام للثالوث القدوس السر الذى دعانا معاً في هذه الكنيسة المكرسة على اسم العذراء والدة الإله . السلام لك منا يا والدة الإله نعظمك ، نعظمك يا والدة الإله الكنز المرهوب الذى ( أغنى ) العالم كله . المصباح غير المنطفئ ، تاج البتولية ، صولجان الأرثوذكسية ، الهيكل غير الفاسد ، الإناء الذى حوى غير المحوى . الأم والعذراء … التي بك قيل في الأناجيل ” مبارك الآتي باسم الرب ” (مت ٢١ : ٩) ، السلام لك يامن حويت غير المحوى في بطنك المقدس البتولى . بك تمجد الثالوث القدوس ، بك صار الصليب مكرماً وممجداً في العالم كله . السماء تبتهج ، وتفرح الملائكة ورؤساء الملائكة. بك تهرب الشياطين ، بك سقط الشيطان المجرب من السماء وعادت الخليقة الساقطة إلى الفردوس . كل الشعوب التي سُبيت بالأوثان عادت إلى معرفة الحق . بك قدمت المعمودية ومسحة الميرون إلى المؤمنين . بك تأسست الكنائس في كل العالم وتغيرت الشعوب ماذا أقول أكثر من ذلك ؟

منك أشرق الابن الوحيد الجنس مثل نور لأولئك الجالسين في الظلمة وظلال الموت ، بك تنبأ الأنبياء وبك كرز الرسل بالخلاص للأمم ، بك قام الأموات وحكم العظماء وملك الثالوث القدوس .

من من البشر يقدر أن يمدح مريم المطوّبة ؟ البطن البتولى ، يا لهذا العجب ! أن هذه العجيبة تهزنى بشدة فرحاً . هل سُمع أن البناء منعه أحد من أن يسكن في الهيكل الذى بناه هو نفسه ؟ !

هل يلام من دعي خادمته لتكون أماً له ؟ !

” ما أجمل أقدام المبشرين بالسلام ” (رو ١٥ : ١٠) ، أي سلام هذا ؟ إنه يسوع ربنا الذى ولد من مريم حسبما أراد هو ” .

من وقائع مجمع أفسس

الخطاب الثاني للقديس كيرلس إلى نسطور :

” نحن لا نقول أن طبيعة ” الكلمة ” قد تحولت إلى جسد ، ولا أنها تحولت إلى إنسان من جسد وروح ولكننا نؤكد أن ” الكلمة ” ، اتحد اقنومياً بالجسد المتحد بالنفس العاقلة ، بطريقة غير مدركة وتفوق الوصف قد صار إنساناً ودعى ” ابن الإنسان ” ، ليس بمجرد الإرادة أو المشيئة ، والا بمجرد الظهور في صورة شخص ، ونحن نقول أن الطبيعتين متميزتان بالرغم من أنهما قد اتحدا معاً في اتحاد حقيقى ، ولكن الطبيعتين هما المسيح الواحد ، الابن الواحد ليس بمعنى أن إختلاف الطبيعتين قد تلاشى بسبب الإتحاد ، ولكن بمعنى أن اللاهوت والناسوت ، باتحادهما غير الموصوف والخفى يكونان معاً رباً واحداً وابناً واحداً ، يسوع المسيح ، هكذا يمكن أن نؤكد أنه بالرغم من أنه كائن قبل كل الدهور وهو المولود من الآب ، فإنه صار أيضاً مولوداً من امرأة بحسب الجسد . ولكن ذلك لا يعنى أن طبيعته اللاهوتية قد أخذت بدايتها من العذراء القديسة ، أو أن هذه الطبيعة إحتاجت إلى ميلاد ثانى بعد ميلاده من الآب بالحقيقة ، سيكون من الواضح جداً أنه غير المعقول ومن الجهل أن نقول إن الذى هو كائن قبل كل الدهور والذى هو أزلي مع الآب  إحتاج إلى ميلاد ثانى لكى يوجد ، ولكن ما نقوله يعنى أنه من أجلنا ومن أجل خلاصنا أخذ طبيعته البشرية إلى إتحاد مع شخصه ، ووُلد من امرأة ولهذا السبب يقال وُلد حسب الجسد لذلك يجب ألا نعتقد أن العذراء القديسة قد ولدت إنساناً ما عادياً ثم حل فيه الكلمة بعد ذلك .

لا ، كلنا يجب أن نؤمن أنه توجد حقيقة واحدة منذ اللحظة الأولى في أحشاء أمه ، وأنه وُلد حسب الجسد ، قابلاً ميلاد جسده الخاص ، الآن إذاً حين نقول أن الكلمة صار جسداً هو نفس الشئ حين نقول ، أنه مثلنا ، قد صار شريكاً في اللحم والدم (عب ٢ : ١٤) لقد أخذ جسدنا لنفسه ووُلد كإنسان من امرأة ، دون أن يفقد ألوهيته أو ميلاده من الآب ، ولكنه بقى كما هو ، كما كان ، حتى حين أخذ الجسد ، هذا ما يؤكد الإيمان الأرثوذكسى في كل مكان ، هذا ما نجده في كتابات الآباء القديسين ، من أجل ذلك هم لم يترددوا في أن يدعوا العذراء القديسة  ( ثيؤتوكوس = والدة الإله ) ، ليس بمعنى أن الطبيعة الإلهية التي لله الكلمة ، نشأت أو أخذت وجودها من العذراء القديسة ولكن بمعنى أنه أخذ جسده المقدس ، المتحد بالنفس العاقلة منها ، ولكن الكلمة قد اتحد بأقنومه بهذا الجسد نستطيع أن نقول أنه وُلد بالحقيقة حسب الجسد .

إننى أكتب هذه الأمور الآن مدفوعاً بمحبة المسيح ، حاثاً إياك كأخ ، متضرعاً إليك أمام الله وملائكته المختارين أن تؤمن وتعلم بهذه الحقائق معنا ، لكى يحفظ السلام بين الكنائس وبذلك نُبقى روابط الوحدة والمحبة بين كهنة الله غير متحطمة ” .

” إن الله صار في شكل منظور مثل شكلنا ، رب الكل في شكل عبد ، ومع ذلك فإن مجد الربوبية غير منفصل عنه الإبن الوحيد صار جسداً واحتمل أن يولد من امرأة من أجلنا ، لكى يبطل اللعنة التي حُكم بها على المرأة الأولى ” .

” إن لقب البنوة قد مُنح لنا كنعمة حلت علينا ، نحن الذين تحت النير ونحن بطبيعتنا عبيد ، أما المسيح فهو الإبن الحقيقى ، أي أنه ابن الله الآب بالطبيعة ، حتى حينما صار جسداً ، لأنه استمر على ما كان عليه منذ الأزل ، رغم أنه اتخذ ما لم يكن له ( أي الجسد) ”

” لأنه قد وحدنا مع الآب بواسطة نفسه ، إذ قد رفع سبب العداوة من الوسط وأعنى به الخطية ، وهكذا هو يبررنا بالإيمان ويجعلنا قديسين وبلا لوم والذين كانوا بعيدين يدعوهم قريبين إليه وإلى جانب ذلك فقد خلق الشعبين في إنسان واحد جديد ” ، ” في هذه الحالة نقول أن الجسد الإلهى تكون من الروح القدس وتشكل في العذراء القديسة بطريقة أبعد من الكلمات ، أعلى وأبعد من قوانين الطبيعية (يقصد الميلاد بالزواج العادي ) ، بكر القداسة بداية أولئك الذين ينالون الميلاد الثاني من الله بواسطة الروح ، لم يحتاج إلى زرع بشرى .

عن هذا يقول بكل وضوح ” الذين ولدوا ليس من دم ولا من مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل، بل من الله ” (يو ١: ١٣)[6] .

 

عظة للأنبا شنوده رئيس المتوحدين

عن التجسد وميلاد المسيح

مقدمة المترجم

في هذه العظة يتحدث الأنبا شنودة عن أزلية أقنوم الابن الذي تجسد في ملء الزمان من القديسة العذراء مريم، وكيف أن ولادته من العذراء بالجسد ليست هي بدء وجوده كما كان يظن البعض، بل هو مولود من الآب أقنوميًّا قبل كل الدهور .ويدافع عن تسمية العذراء بوالدة الإله، كما سماها آباء الكنيسة دائمًا. بعد ذلك ينتقل للحديث عن الإفخارستيا التي يتحول فيها الخبز والخمر إلى جسد المسيح ودمه، ونتناولهما ليس على سبيل الرمز، بل جسدًا ودمًا حقيقيًّا لمغفرة الخطايا.

العظة

حدث ذات يوم، عندما كنا نتكلم عن لاهوت مخلصنا، وأنه صار جسدًا وحل بين البشر، في حين إنه ظل إلَهًا وابن الله، أن بعض الجمع أجابوا بوداعة وبلا خبث، متعجبين لما يسمعون، وقالوا: “هل كان كائنًا قبل أن يولد من القديسة العذراء مريم؟”، فأجبتهم بوضوح أن هذا لأمر يدعو للسخرية، فاليهود أيضًا لما سمعوا المخلص يقول: “أبوكم إبراهيم تهلل بأن يرى يومي” ، لم يحتمل أولئك الجهلاء، إنما أجابوا بلا حياء، وقالوا: “ليس لك خمسون سنة”. أما هو فأجابهم قائلاً: “قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن (يو ٨: 56– ٥٨)”.

ليتنا ننتبه لكلماته لنفهم ما نسأل عنه، لأنه يتكلم عن أبيه (إبراهيم) كإنسان، وحسب التدبير هو يخبرنا عن ألوهيته الكاملة أنه كائن قبل الكل، فهو قد قال: “مجدني، يا أبي، بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم” (يو 17: 5)، وكذلك: “به كان العالم” (يو ١: ١٠)، وأيضًا: “في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله. هذا كان في البدء عند الله. به كان كل شيء، وبغيره لم يكن شيء مما كان” (يو ١: ١–٣)، وكذلك: “الذي كان من البدء قد ظهر لنا ورأيناه” (١ يو 1: 1–3)، و”هذا كان عند الآب” (١ يو ١: ٢)، وأيضًا: “خرج من عند الله، وسيذهب إلى الله” (يو ٨: ٤٢، 13: 3، 16: 27–28)، وكذلك: “خرجتُ من عند الآب وأتيتُ إلى العالم” (يو ١٦: ٢٨)، وأيضًا: “فيه خُلِقَ الكل” (كو ١: ١٦)، و”هو كائن قبل الكل” (كو ١: ١٧)، وأيضًا: “إن رأيتم ابن الإنسان صاعدًا إلى حيث كان أولاً” (يو ٦: ٦٢)، وكذلك: “الصخرة تابعتهم وكانت الصخرة المسيح” (1 كو 10: 4). حقًّا، من الزمان الذي كان إسرائيل فيه في البرية حتى زمان القديسة مريم، وأيضًا: “السر المكتوم منذ الدهور”( كو 1: 26؛ أف ٣: ٩)، وكذلك “لما أتى ملء الزمان أرسل الله ابنه مولودًا من امرأة” (غل ٤: ٤)، فاسمعوا أيضًا (قوله): “أرسله”. مِن أين أرسله؟ أو مِن عند مَن خرج سوى من عند أبيه القدوس؟

ولكن أن تقول “كيف تأنس في أحشاء العذراء القديسة؟” مَن تكون أنت أيها المتطفل؟ أخبرني أولاً كيف صرت أنت في بطن أمك. هكذا ينبغي عليك أن تعرف قدرة الله ومسيحه. أم أن الذي أخذ ترابًا من الأرض وخلق منه إنسانًا على صورته ومثاله ليست له القدرة أن يبني لنفسه هيكله الخاص، جسده المقدس، كيفما يريد في بطن التي كرمها أكثر من كل النساء؟ أين يجد التراب يدًا وقدمًا، وطولاً وعرضًا و رأسًا، وشَعْرًا لامعًا وعينًا مملوءة بالنور وأذنًا تسمع، وفمًا ولسانًا يتكلم وأنفًا يستنشق، وعظامًا وجسدًا ومفاصل، وكل الأعضاء الباهرة .هكذا أيضًا بالحري قد صنع ما يريد في أحشاء مريم، فهي أمه حسب التدبير، أما حسب اللاهوت المتعال فهي أمَته. لأنه هكذا جُنَّ اليهود ومن شاكلهم، وفقدوا صوابهم، وقالوا مثل مختلي العقل: “أ ليس هذا هو ابن النجار؟ أ ليست أمه هي مريم؟” (مت ١٣: ٥٥؛ مر ٦: ٣؛ لو ٤: ٢٢؛ يو ٦: ٤٢).

لقد قلنا وكتبنا الكثير عن ميلاد المخلص وعن لاهوته، لكننا قلنا أيضًا تلك (الكلمات) القليلة من أجل الذين سألوا: “هل كان موجودًا قبل أن يولد من مريم؟” توجد شهادة أخرى أصدق وأعظم أن الرب المخلص كائن مع أبيه قبل الدهور. مَن يقول لمن: “لنخلق الإنسان على صورتنا كشبهنا”؟ (تك ١: ٢٦) أ ليس الآب هو الذي يتحدث مع ابنه، وحيده القدوس؟ أيضًا الصديق الحقيقي للأنبياء وأخو الرسل قال في أسفاره، وكلامه هو الصدق، مخبرًا إيانا أن الآب هو الذي يتحدث للابن قائلاً: “لنخلق الإنسان على صورتنا كشبهنا”. لم يقل: “سأخلق أنا” حتى لا يجعل الابن غريبًا عن (عملية) الخلق، ولم يقل: “اخلق أنت” حتى لا يجعل نفسه غريبًا عن الأمر. فلو أدركنا أن الابن فاعلٌ مع الآب في (خلق) الإنسان فسوف نعرف أيضًا أنه فاعلٌ معه من أجل (خلق) السماء والأرض، الشمس والقمر والنجوم والبحر، سماء السموات وكل ما فيها.

أ تريد أن نأتي لك بأدلة من خارج (الكتاب المقدس) من أعمال الصناعات المتواضعة؟ اسمع (إذًا)، لأننا كنا نقرأ كتابات أتت لأيدينا، مكتوبة على أشغال كتانية، لمن هذه الأيقونة من الرسل، ولمن هذه من الأنبياء، ولمن تلك من الصديقين، وقد وصلنا لتلك التي للمخلص والقديسة مريم مكتوب (عليها) “مريم والدة الإله”، فقلت للإخوة الذين كانوا معي، عندما كنا نقرأهم: “اسمعوا! ماذا قال المزركِشون والحائكون والمطرِّزون؟” قالوا: “مريم والدة الإله”، ولكن حسب الجسد، أما حسب لاهوته فهو الذي خلقها في الأحشاء، وهي فتاته، مثلها مثل كل من خلقهم. أما نسطور، هذا الذي أُعْطِيَ لقب أسقف، وكذلك آخرون على شاكلته، هذا الذي ورم لسانه وملأ فمه ومات في المنفى، قال إنها ولدت المسيح الإنسان، مثله مثل موسى وداود وآخرين[7].

 

 

القس بولس البوشي

ميمر البشارة المحيية للأب المكرم القس بولس البوشي صلاته وبركاته تشملنا إلي النَّفس الآخير .آمين

المجد للقوة الإلهية التي تسود الكل ، الكلمة الذي خلق البرايا المنظورة وغير المنظورة ، شمس البر الذي لما بدأ أن يظهر متجسداً أضاء المسكونة وأزال عنا ظلمة الضلالة ، وطرد عنا نوم الغفلة ، وأخاف الوحوش الكاسرة والسراق المردة .وأحادنا عن توعر الهلكة وأرانا طريقا مفضية إلي الحياة الأبدية ، أطلب إلي جودك أيها النور الحقيقي الذي من حضن الآب أشرق للخلاص ، أسأل صلاحك أيها المولود من الآب قبل كل الدهور ، الذي سر أن يتجسد ، أتضرع إلي مراحمك أيها العالي فوق كل رياسة وسلطان ، الذي تواضع من أجلنا ، أنر عيني عقلي ياذا الضياء ، الذي ينير مخادع الظلمة لكي ما أتكلم بكرامتك ، أعطني كلمة يا كلمة الآب لكي ما أنطق بسر تدبيرك ، أفتح فاي يا معطي النطق للخرس لكي ما أخبّر بمجدك ، أعطني من الذي لك خاصة يا معطي بسعة من غير امتنان ، وأنا أعطيك من الذي أعطيتني لأن منك تكون العطايا الصالحة والمواهب التامة .

أعطني معرفة لكي أعطي تمجيداً لتجسدك الكريم ، هب لي نطقا لكي أرسل تسبحه لتواضعك من أجل خلاص جنسنا . ألهمني فهما لكي أقدم سجوداً و وقاراً لمحبتك التي لا ينطق بها ، لأنك أنت هو الطريق والحق والحياة الأبدية ، والباب الذي يؤول إلي حظير الرعية الروحانية .

الحق أن سر تدبيرك أيها الإله يعلو كل عقل ، ويفوق كل فهم ، وكما أنك خلقت البرايا وأخرجتها من العدم إلي الوجود ، لا حاجة بك إليها بل تفضلا منك اليها .

فلما تجاوزنا الوصية سقطنا بحكم عدل من النعمة والحياة الأبدية، فلم يقدر مخلوق أن يرد إلينا الحياة التي لا نهاية لها . لأنها غير ملائمة له ، ولم يكن كذلك إلا الرب الإله الذي به خلق كل شيء وبغيره لم يكن شيء مما كان ، كقول داود النبي : بكلمة الله خلقت السموات والأرض ، ثم عرفنا أن الكلمة الذي خلق البرايا هو الذي يتولي تدبير بريته ويجدد خليقته ، فقال أرسل كلمته فشفاهم وأنقذهم من الفساد فلنشكر الرب لرحمته وعجائبه في بني البشر ، وكما أنه من العدم إلي الوجود كونها . ولما فقدت من الوجود الأبدي كان من عدله أن ينقلها من عدم الحياة إلي البقاء الدائم في الملكوت بلا انتهاء كما يليق به .

فلم يوصل إلينا ذلك بلاهوته لأننا غير قادرين علي احتماله ، بل تفضل وتجسد ، وأوصل لنا الحياة الأبدية بتجسده باتحاده بلاهوته الأزلي ، ثم ظهر غالباً للموت والفساد بقيامته المقدسة ، وأوصل إلينا نحن تلك الحياة بالنسبة لذلك الجسد المأخوذ منا ، لأنه كما أن الموت الذي قبلناه من أبينا آدم لم يكن غريباً منا بل قبلناه بالنسبة إليه . كذلك هذه الحياة أيضاً لم تصر غريبة منا ، بل صارت إلينا بالنسبة لتجسد الإله الكلمة .

والمعمودية والاشتراك أيضاً بذلك الجسد المحيي بأخذنا من سرائره المقدسة ، كما شهد قائلاً : إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان وتشربوا دمه فليست لكم حياة أبدية فلهذا تعهد الصانع صنعته لأنه لا يقدر أحد أن يصلح صنعه يده سواه .

اليوم يا أحبائي كملت نبوة إشعياء النبي القائل : إن خلاصنا ليس بملاك ولا رئيس ملائكة ، بل بالرب إله القوات ، وأيضاً داود المزمر في وسطنا اليَوم يرتل قائلا : طأطأ السماء ونزل والضباب تحت رجليه ، ثم أعلمنا بإعلان أن تجسده كان مخفيا عن الرؤساء والأرواح الشريرة ، فقال ينزل مثل المطر علي الصوف وكالقطر إذا هبط علي الأرض ، أعني أنه يتجسد سراً ثم يكمل التدبير بعد ذلك بإعلان ، وذلك عندما يملأ شرف لاهوته كلُّ المسكونة لأن النبي لم يسكت بل أظهر في تلاوته القول بعظم فعل الرب للخلاص علانية ، فقال : ويكثر العدل والسلام في أيامه حتي يورث القمر النقص ، عني بالعدل مساواته بين اليهود وسائر الشعوب في بدء البشري ، وأنه بررهم مجانا بالإيمان ، وعني بالسلامة أنه نقض الحائط الذي كان حاجزاً في الوسط وأزال العداوة وصنع الصلح والسلام بين السمائيين والأرضيين . ككلمة بولس الرسول ، وعني بالقمر ناموس العتيق ، لأن تلك سميت ليلا كما قال الرسول أيضاً : قد مضي الليل ودنا النهار – لأن القمر هو ضياء الليل .

فأما المسيح فهو شمس البر كما تنبأ ملاخي قائلا وشمس البر اسمه – فلما ظهر بالجسد العجيب لم يبق للقمر الذي كان ممجداً في الليل بهاء ولا مجد ، كما شهد الرسول قائلا : إن تلك التي كانت ممجدة صارت غير ممدوحة الآن عندما قيست بهذا المجد الفاضل ، والرب يقول : أنا هو نور العالم من يتبعني لا يمكث في الظلام بل يحيا في مجد نور الحق . بحق يا أحبائي إن كرامة هذا العيد عظيمة جداً ، لأنه بكر كل الأعياد وأول كل الأفراح ، وبدء كل المسرات ، وبحق قد سمي عيد البشارة ، وليس للسيدة البتول مريم فقط بل ولنا نحن كافة المؤمنين ، لأن كل بشارة لقوم إنما هي لهم خاصة ، أما هذه فهي للكافة . ابراهيم بشره الرب بمولد اسحق ، ولكن لم يصل لنا نحن من ذلك بر ولا خلاص . حنة وعدت بمولد صموئيل النبي، كذلك أم شمشون الجبار ، وزكريا بشر بولادة يوحنا ،. لكن كل واحد من هؤلاء كانت مسرته لنفسه كما قالت اليصابات ” إن الرب نظر إليّ لينزع عاري من بين الناس “. فأما هذه البشارة اليَوم فكائنة لكل المسكونة وكما أن الرب حكم علي حواء قائلا لأكثرن أحزانك وبالوجع تلدين بنيك فصار هذا لاحقاً بكل جنسها . كمثل الحكم الذي كان علي آدم إذ صار متابعاً لكل جنسه. هكذا عوضاً عن ذلك قال الملاك للسيدة العذراء: إفرحي يا ممتلئة نعمة الرب معك . فذلك الفرح والنعمة صار إلينا نحن كافة المؤمنين، لأن الرب قد صار معنا علي الأرض بالجسد العجيب ، ورأينا مجده مجداً مثل الابن الوحيد الذي لأبيه الممتلئ نعمة وحقاً .

وكما أن الملاك لما بشر الرعاة بمولد الرب قال لهم: هوذا أبشركم بفرح عظيم يكون لكم ولكل الشعوب ، لأنه قد ولد لكم مخلص هو المسيح الرب ، وهكذا الفرح بهذا العيد الشريف اليوم ، فهو بشارة عامة لكل المسكونة لأنه يبشرنا بإتيان الرب إلينا ، واتحاد لاهوته غير المدرك بطبيعتنا ، الطبيعة الضعيفة التي قد هلكت فجعلها قوية غالبة الموت ، وقاهرة لإبليس وجنوده .

اليوم يا أحبائي ينبغي لنا أن نسرّ – لأن فيه افتقدنا الرب مشرقا من العلاء ليضيء للجالسين في الظلمة وظلال الموت . اليوم سرّ الرب أن يفتقد شعبه للخلاص. ويتعاهد خليقته بالشفاء وصنع البر. ولأنه إذا اشتد المرض وتزايدت العلة وعسر الشفاء احتاج للعلاج من الطبيب الماهر القادر علي كل شيء ، الشافي النفوس والأجساد وهو تجسد الإله الكلمة . فهو ذا الكلمة الأزلية ذو الرحمة ، معدن التحنن الكامل من ذي الكمال ، القوة التي لا تقهر ، الهبة التي لا تتغير ، الشبه الذي لا يستحيل ، المثال الذي لا يزول ، النوع الذي لا يتبدل ، الخاصية التي لا يماثلها شيء ، القدوس الذي لا يتدنس ، صورة الأزلية التي لا تفسد ، الضابط الَّذِي لا يحتوي عليه ضياء المجد الذي لا يخمد ، شمس البر الذي لا يغيب ، نور من نور إله حق من إله حق ، مولود غير مخلوق ، مساوي الآب في الجوهر ، وإن كان الآب يسمي إلهاً ، والابن يسمي إلهاً لأجل جوهر اللاهوت الواحد وكذلك الروح القدس ، ولكن لا يقال ثلاثة آلهة لأن هذه صفة خواص اللاهوت ، ثلاثة أقانيم لاهوت واحد .

قال أغريغوريوس الثاؤلوغوس : إذا قلت الله إنما أقول الآب والابن والروح القدس ، لأن اللاهوتية لا تنعت زائداً عن هذا ولا تنضمر أقل منه . ومع هذا لا نعبد ثلاثة ، لئلا نوجد مثل الأمم ، الذين يقولون بكثرة الآلهة ، ولا نكون أيضاً مثل اليهود الذين ينكرون كلمة الله وروحه لأن الرديء فيهما متساوي وإن كان قولهما مختلفاً .

وبهذا نؤمن أن الكلمة مولود من الآب ميلاداً أزلياً لا بدء له ، وقد شاء أن يتجسد من القديسة البتول مريم من بيت داود من سبط يهوذا من زرع ابراهيم ، لكي ما يستطيع العالم مشاهدته ، ولكي يخلص الشبه بشبهه ، فأرسل أمامه رئيس ملائكة مقدس للبشارة منذراً بأن المتجسد هو الرب لأنه حيث يكون السيد الملك السماوي هناك يكون خدامه العلويون الروحانيون .

هلم في وسطنا اليوم أيها الانجيلي القديس لوقا المطبب بشير الحياة ، لأنك الذي أخبرتنا بتدبير التجسد علي سياقته أولًا فأولًا ، قال لما كان الشهر السادس أعني من حبل اليصابات قال أرسل جبرائيل الملاك من عند الله .

يا لهذه الكرامة التي أعطيها هذا الملاك من دون كافة الروحانيين ، لأنه أؤتمن علي سر التدبير ، وسلك أمام الرب في البشارة المحقة ، لأن تفسير اسم جبرائيل في اللغة العبرانية رجل الله ، وهو سر علي التجسد ، بأن الإله متحد بالإنسان بالتجسد العجيب . قال إلي مدينة في الجليل تدعي ناصرة ، وهذا ليتم ما قيل في الأنبياء أنه يدعي ناصرياً ، قال : إلي عذراء مخطوبة لرجل اسمه يوسف من بيت داود ، ذكر أنها خطبت ليوسف لكي ما يخفي الرب تدبير التجسد عن الشيطان ، لأن النبوة تذكر بأن العذراء تحبل وتلد ابناً ويدعي اسمه عمانوئيل ، ولهذا كانت البشارة بعد خروج السيدة العذراء من الهيكل إلي بيت يوسف ليخفي سر الحبل في ذلك . وقوله إنه من بيت داود ليعلن أن قبيلة داود كانت محفوظة لم تختلط بالقبائل الأخرى لأجل التجسد ، ثم بعد ذلك اختلطت بعد صعود الرب بما يناهز أربعين سنة في مملكة آسباسيانوس لما أخرب البيت المقدس وقتل اليهود وبدد الفضلة في آفاق الأرض . قال واسم العذراء مريم أراد تحقيق الأمر فيها جيداً ، إنها من بيت داود بما يأتي بيانه ، قال ولما دخل عليها الملاك قال لها : افرحي يا ممتلئة نعمة الرب معك ، أعطاها الملاك سلاماً من الله مملوءاً فرحاً ليزيل حزن حواء ، وكما أن تلك لما أكلت من عود المعصية لطاعتها لإبليس ، ملك عليها الشيطان ، واستولي علي جنسها ، كذلك هذه لما أطاعت البشري قائلة ” ليكن لي كقولك ” ، حل فيها الإله الكلمة وملأها من كل نعمة وفرح ، وشمل ذلك إلي جنسنا وأنعم علينا بالخلاص مجاناً وسار معنا علي الأرض .

قال لما سمعته اضطربت من كلامه وفكرت قائلة ما هذا السلام ، أعني أنه لم يكن لها مخاطبة أحد لأنها تربت في الهيكل في ستر وسكون عابدة الله ليلا ونهارًا ، ثم أن الإنجيل أظهر فضلها ، وكونها لما اضطربت من صوت الملاك ، لم تدع عنها التحفظ الذي ألفته والسكون الذي تربت فيه ،ولم تصرخ ولم تدفع كلامها بالجملة ، فكرت في نفسها لا غير ، قائلة ما هذا السلام الغريب اليوم ، فخاطبها الملاك بهدوء لائق بها قائلا لا تخافي يا مريم ، لأن هكذا جرت عادة المنظر الذي من الله وملائكته الأطهار ، إذا ظهر يزيل الخوف ويعطي هدوءاً وسكوناً ، فأما الذي لإبليس فإنه يزيد خوفاً علي خوف وقلق علي قلق ، وبهذا عرف القديسون المنظر الذي من الشيطان وجنوده ، فلما سكن الملاك خوفها بدأ يبشرها قائلاً : لأنك ظفرت بنعمة من عند الله أعني أنه اختارها للتجسد الكريم من دون كافة البشر لتكون محلا للإله الكلمة ومنها يظهر الخلاص ، فأي نعمة تكون أشرف وأي موهبة تكون أفضل من هذه الكرامة ؟!

طوباك أيتها السماء الجديدة التي علي الأرض يا مريم، لأنك استحفيت أن تدعي والدة الإله أم المسيح الرب معاينة الكلمة وخادمته ، ذات الشفاعات القوية .

قال : وأنت تقبلين حبلا وتلدين ابنا أعني أنه منها تجسد بالحق من غير شبه ولا خيال بكمال البشرية ، شبها بنا في كل شيء ما خلا الخطية ، وهكذا تلده ويكمل سر التدبير ، وقال : ويدعي اسمه يسوع تفسير يسوع المخلص ، وهكذا سمي كنحو فعله كما قال : إن ابن الأنسان لم يأت إلا لينجي ويخلص من كان ضالا ، ثم بدأ يخبرها بإعلان قائلا هذا يكون عظيما وابن العلي يُدعي ، أعني وإن كان يولد بالجسد فهو ابن العلي لم يزل لأنه إله متأنس ابن العلي سرمداً ، مولود منه أزلياً ، كائن بلا ابتداء ويكون بلا انتهاء ، وقوله يدعي ، أعني بالتجسد عرف سر ابن الله ، ثم بدأ يظهر كيفية التجسد بالكمال ، وأن العذراء ابنة داود النبي فقال : وليعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه ، فحقق أن البتول لم يكن شيء يماثلها ، وكيف يكون ذلك ، لولا تجسد الإله الكلمة الذي شاء أن يتجسد من البتول بغير زرع بشر ، كما قال سليمان ” الحكمة بنت لها بيتا ” .

وإن القديسة مريم لعظم إيمانها في الله وحسن يقينها ، رغم هذا الشيء الغريب الذي لم يكن مثله ، صدقت البشري وآمنت أن يكون لها ذلك ،! وأن الله القوي في كل شيء أيدها بروحه الذي حلّ عليها ، فصرفت أشواقها في الرب وتاقت للقول الذي أخبرها به الملاك ، واشتهت أن يكون لها ذلك وأجابته قائلة : ” ها أنذا أمة الرب فليكن لي كقولك ” . وعند قولها هذا ، حل فيها شمس البر ، لأنه لم يرد أن يغصب الطبيعة التي أعطاها اختيار الإرادة وسلطة الحرية منذ البدء ، حتي طلبت هي ذلك أولا بشهوة من الله من تلقاء الروح قال وانصرف عنها الملاك ، أعني أنه لما أكمل الرسالة وحل الرب بالتجسد العجيب أذن له أن ينصرف بسلام ، لأنه قد أكمل ما يجب عليه من الخدمة التي أرسل فيها . اليوم يا أحبائي كمل قول داود النبي القائل :” اسمعي يا ابنة واصغي بسمعك وأنسي شعبك وبيت أبيك ، فإن الملك قد اشتهي حسنك ، ثم أعلمها من هو الملك فقال لأنه إلهك وله تسجدين ، بحق أنها سمعت ونسيت كل شيء موجود في هذا العالم لما قد صارت اليه من الرفعة والكرامة الفائقة .

لكن ما هو الحسن الذي اشتهاه الإله الملك الأبدي ؟ هل هو بهاء عالمي ؟ لا يكون ذلك ، لأن النبي أخبرنا بذلك الحسن أيضاً في المزمور قائلاً : ” جميع مجد ابنة الملك من داخل مزينة ، أعني بهذه النفس الناطقة النقية بزينة الفضائل “. وبطرس الرسول يكتب ويؤكد علي هذه الزينة الناطقة قائلاً :” أن تكون زينة النساء ليس بالزينة الهالكة بدوايب الشعر وحلي الذهب ولبس الثياب الفاخرة بل بتزيين زينة الأنسان الباطن الزينة الخفية التي تكون بالقلب المتواضع ، الزينة التي هي عند الله علي غاية الكمال ” .

هذا هو حسن بهاء البتول مريم ، التي زينت ذاتها بالفضائل ، وبهاء النفس الباطنة ، وأما في إنسانها الظاهر فلم تهتم بشيء من أمور العالم قل أو كثر ، إنما كان اهتمامها التقرب من ربها ، لتكون طاهرة بجسدها وروحها ، كما يعلمنا الرسول .

وبهذه استحقت الطوباوية مريم أن تدعي القبة الثانية التي حل فيها مجد الله لأن تلك الأولي التي صنعها موسي كانت معمولة بشقق الحرير والقرمز والأرجوان وغزل كتان ، متقنة بصنعة صانع حاذق ، وكانت فيها آنية الخدمة ذهب وفضة ، مع المنارة ، وتابوت العهد من ذهب الابريز مصاغاً ، وعمدها من ذهب ، القواعد فضة ، هيأه بهذا البهاء من داخل ، أما من خارج فكانت مستورة بخرق شعر ، فكانت تري من خارجها حقيرة المنظر ، ومن داخلها جليلة المقدار والكرامة والبهاء ، شهية المنظر ومجد الرب فيها ، وهكذا الطوباوية مريم ، كان منظرها متواضعاً عفيفاً ورعاً ، أما الباطن فكان جليلاً جداً، وهو ضياء نفسها الملتصقة بالله ، المتطلع عليها ، كما هو مكتوب في سفر صموئيل النبي : إن الناس ينظرون في الظاهر وأنا أنظر في الباطن يقول الرب .

أنت هي العوسجة التي منها كلم الله موسي بنار تضطرم ولم تحترق أغصانها ، ولا تغير لون ورقها ، فإن فكر أحد في حلول الرب فيك فليحد ذهنه إلي تلك العوسجة الحقيرة ذات الشوك وغير المثمرة ، كيف لم يكلم موسي في شجرة ذات ثمار ؟ وزاد ذلك بقوله : أنا إله إبراهيم وإله اسحق وإله يعقوب ، ثم أمره بالهبوط إلي مصر ، وما الدليل علي ذلك وصحته إلا عندما هبط إلي مصر وصنع الآيات بأمر الله ، وأخرج الشعب بيد قوية ، فتبين ليس بالقول فقط بل وبالفعل أيضاً أن الذي كلم موسي في العوسجة هو الرب إله القوات .

أنت هو الجبل الذي شهد عنه دانيال الذي قطع منه حجر بغير يد إنسان الذي هو الرب الحجر الكريم ، الذي تجسد منك بغير زرع رجل ، وصار جبلا عظيما وملأ المسكونة ، الذي هو كرامة لاهوته الماليء كل البرايا ، وقد يقصر بي الزمان وضعف المنطق أن أبلغ مدح كرامتك كما تستحقين أيتها البتول الطاهرة بكل نوع ، القديسة مريم ، ها أني أقدم كرامة ووقاراً وسجوداً للرب الاله الذي تجسد منك ، وأسأل طيب صلاحه وكثرة تحننه، الذي من أجل محبته أتضع لخلاصنا ، وشرف طبيعتنا الحقيرة باتحاده بها ، أن ينظر إلينا بعين التحنن من سماء قدسه ، وأن يغفر خطايانا ، ويتجاوز زلاتنا ، ويسامحنا بهفواتنا ويصفح عن أثامنا ، ويساعدنا علي العمل بمسرته .

وإن كان ليس لنا دالة أمامه ، فنحن نطلب إليه بشفاعتك يا فخر جنسنا ، أيتها البتول ذات الشفاعات القوية ، لأنك قد ظفرت منه بنعمة ، ووجدت عنده دالة أفضل من الملائكة السماويين وكل البرايا الذين كانوا والذين يكونون أيضاً ، لأن منك خاصة سُر أن يتجسد . عظيمة هي يا أحبائي كرامة هذا العيد لأنه بكر الأعياد السبعة الإلهية ، وكما أن في يوم الأحد – بكر الأيام السبعة – خلق الله كل البرايا جملة ، ثم وزعها في الأيام الأخرى كما شهد بذلك سفر الخليقة قائلا :” في البدء خلق الله ذات السماء والأرض وكانت الأرض غير ظاهرة ، وكانت ظلمة غاشية وجه الغمر ، وروح الله يرف علي وجه المياه ، وقال ليكن نور فكان كذلك ، ورأي الله النور حسناً ، وفرق الله بين النور والظلمة ، ودعا النور نهاراً والظلمة ليلاً ، وكان مساء وكان صباح يوما واحداً ، فخلق الله الملائكة من ذلك النور وكذلك الأنوار والكواكب ، ثم جمع الماء الذي علي الأرض وكان بحاراً ، وظهر اليبس ، ثم خلق النبات والأشجار من الأرض وأسعدها وأنماها ” .

وخلق الأسماك والطير من الماء ، ثم من الأرض أيضاً خلق الحيوان وجعل منها الإنسان ، وشرفه بالروح العظيمة الناطقة ، فقد صح أن الكل جملة كانوا يوم الأحد ووزعها في الأيام الأخر ، وكذلك هذا العيد الكريم ، اعني عيد البشارة كان فيه جملة الأشياء التي كان الله مزمعاً أن يكلمها بالتجسد العجيب ، في الستة الأعياد الأخرى الإلهية مع بقية سر التدبير ، وذلك حيث هو غير مرئي بلاهوته وغير متألم ، سر أن يتجسد ، لكي يشاهده الخلق ويكمل بالجسد سر تدبيره ، ويتألم من أجلنا ويقوم ويعطي لنا الغلبة ، والبعث من بين الأموات ، أخذ جسد بشريتنا لكي يعطينا موهبة روح قدسه بالميلاد الثاني الذي أفاضه علي رسله الأطهار ، بعد كمال الخمسين ، تنازل إلينا الذي يعلو الكل لكي يرفع الجسد ، الذي كان أسفل إلي علو السموات ويصعده إلي أعلي المراتب ، فوق الرؤساء والسلاطين والقوات ، وفوق كل اسم يسمي ، وأن يصلح بين السمائيين والأرضيين ، فبالتجسد أكمل ذلك بأسره ، إلا أننا نري أناساً لا يهتمون بهذا العيد ، كمثل بقية الأعياد الإلهية ، لكونه يقع في صوم الأربعين المقدس ، إذ يظنون أن كرامة الأعياد بالمأكل والمشارب واللهو العالمي ، فليس الأمر كذلك لأن الرب يقول أنظروا لئلا تثقل قلوبكم ، بالشبع والسكر والأمور العالمية ، فيأتي عليكم ذلك اليوم مثل الفخ ، فقد صح بأن كثرة الإسراف في هذه الأشياء يقسي القلب ، ويطرد منه التخشع ، وأن للنفس طعاماً آخر غير هذا خاصياً يبقي ولا يزول ، لأن الرب أيضاً يعلمنا قائلاً :” اعملوا لا للطعام الفاني ، بل للطعام الباقي لحياة الأبد الذي يعطيكموه ابن البشر فالآن قراءة الكتب التي من تلقاء الروح كرامتكم ، الترتيل في كلام الله فخركم ، الوقوف في الصلوات عزاؤكم ، مواظبة الابتهال لله رجاؤكم ، اتصالكم به بمثابرة لتذكار اسمه القدوس غذاؤكم ، كما يقول داود إني إذا ذكرتك تمتلئ نفسي ، كشبعها من الشحم والدسم …

اقترابكم إليه بأعمال الفضيلة شرابكم ، كما يقول من كان عطشاناً فليقترب إليّ ويشرب ، حفظ أجسادكم بطهارة وعفاف ، بهاء لباسكم ، ضبط حواسكم عن أمور الآثام ضياء نفوسكم ، بذل أيديكم بالرحمة ، صفح ذنوبكم ، كما قال ارحموا ترحموا .

ترك الحقد من قلوبكم علي اخوتكم دالتكم عند الله وقت صلاتكم وتجسرون أن تقولوا أغفر لنا كما غفرنا لمن أساء إلينا ، تغيير العادة الردية بالجيدة شرفكم ، مكافحتكم علي إبطال الرذيلة ومجاهدتكم علي إقامة الفضيلة ، إكليل مجد يوضع علي رؤوسكم .

هذا هو عيد الجيل الذي يبتغي الرب ، ويطلب وجه إله يعقوب ، وليس بالمآكل والمشارب التي تفسد وتصير زبلا ، فان زادت فقد أورثت أموراً تسوق إلي الخطأ ، كما يعظنا بولس الرسول قائلا :” إن أنتم عشتم بالجسديات فعاقبتكم أن تموتوا ، وإن سستم أنفسكم ودبرتموها بالروح نلتم حياة الأبد ، وقال أيضاً لا تسكروا من الخمر الذي منه يكون المجون ، بل كملوا أنفسكم بالمزامير والتسابيح والأنشاد الروحانية ، فلنصنع الآن الأعياد الالهية كما يليق بها ، لكي نعيد بفرح مع كافة الأطهار ، في الملكوت السماوي ، موضع نياح القديسين الذي تباعد منه الحزن والكآبة .

ونحن نسأل تحنن الرب الذي له القوة أن يحرس شعبنا وأن يساعدنا علي ما فيه خلاص نفوسنا ، وينيح نفوس أمواتنا ويحفظنا من التجارب مدة ما بقي من حياتنا . وأن يؤهلنا جميعاً نصيبا مع القديسين في الملكوت الأبدي ، والحياة السرمدية . بشفاعة سيدتنا البتول الطاهرة القديسة مريم ، التي منها تجسد الاله الكلمة ، وشفاعة الرسل الأطهار وكافة الشهداء القديسين الأبرار ، ومن أرضي الرب بأعماله الصالحة ويرضيه من الآن وكل أوان وإلي دهر الداهرين. أمين[8].

 

 

القديس أمبروسيوس أسقف ميلانو ( ٣٣٩ – ٣٧٩ م )

” وفى الشهر السادس أرسل جبرائيل الملاك من الله إلى مدينة من الجليل اسمها ناصرة إلى عذراء مخطوبة لرجل من بيت داود اسمه يوسف واسم العذراء مريم ” (لو ١: ٢٦ – ٢٧) .

[ إن الخدمة الإلهية أمر مهيب ، لأن لا أحد بين البشر يستطيع أن يعرف بسهولة ما هي مشورة الله ، حقاً تقول النبوة : ” من قاس روح الرب ومن مُشيرُهُ يُعلمُهُ  ؟ ” (إش ٤٠ : ١٣) . لكننا نستطيع أن نتفهم من أعمال ربنا ومخلصنا أنها خطة للتحرير ، وأن تلك العذراء المخطوبة لرجل ، هي التي تم اختيارها فوق الجميع لطاعتها للرب. لكن لماذا لم تتلق هذه البشارة قبل خُطبتها ؟ والإجابة هي : لئلا يُقال أنها حملت في دنس . يذكر الكتاب المقدس بدقة أن الملاك جاء إلى عذراء مخطوبة ، ويقصد من عذراء أنها لم تعرف رجلاً ، أي مخطوبة، لئلا توصم بعدم الشرف ، ويتدنس هيكل عذريتها ويُنتهك عندما تتبدى عليها علامات الحبل .

لقد آثر الرب أن يشكك البعض في أمر ميلاده، على أن يتشككوا في شرف أمه … فهو لم يُرد أن تكون معقولية ميلاده من عذراء على حساب إلصاق خطية بأمه . وهكذا حُفظت عذرية القديسة مريم ولم تُنتهك أو تُهان بأية إشاعات مسيئة … وكيف يقول عن نفسه : ” ما جئت لأنقض بل لأكمل ” (مت ٥ : ١٧) ، لو أن اليهود رأوا في ميلاده انتهاكا للناموس ، حيث أدانت الشريعة الحبل بغير زواج … لقد كان إيمان القديسة مريم أعظم من أن يعبر عنه بالكمات إيمان يزول معه كل مقوم للخداع أو الغش لأن امرأة حُبلى وغير متزوجة ، يفترض أنها تحاول إخفاء إثمها بالكذب . لأن أية امرأة غير مخطوبة، لديها مبرراً للكذب ، أما المرأة المخطوبة ، فلم يكن لديها مبرر لعمل هذا ، لأن المولود هو وليد رابطة تحفظ للنساء كرامتهن . لا يوجد هناك سبباً معقولاً لماذا ضللت عذرية مريم رئيس هذا العالم . لأنه حينما رآها مخطوبة لرجل من المعقول ألا يشك في حملها (يو ١٢: ٣١) وهكذا تُبين كلمات رب المجد نفسه القصد من إخفاء الحدث عن رئيس هذا العالم وذلك حين أمر الرسل أن يصمتوا ولا يخبروا أحداً عنه ، وأيضاً حين نهى الذى أبرأه عن أن يبوح بما فعله معه . حينما حاولت الشياطين زعزعة سلام الرسل وإيمانهم بابن الله ، أظهر القديس بولس الرسول ، كما زكرت ، أن قصد السيد المسيح كان إخفاء نفسه عن رئيس هذا العالم ، حيث قال : ” بل نتكلم بحكمة الله في سر . الحكمة المكتومة التي سبق الله فعينها قبل الدهور لمجدنا . التي لم يعلمها أحد من عظماء هذا الدهر . لأن لو عرفوا لما صلبوا رب المجد ” ( ١كو ٢ & ٧ – ٨) . لقد اخفى ذاته لأجلنا ، أخفى ذاته لكى يقهره ، أخفى نفسه حين حاول الشيطان إغراءه وحينما جربه ،وحينما سأله عما إذا كان ابن الله . هكذا حمل السيد المسيح بحكمته شهادة ألوهته . لأنه بينما هو يخفى حقيقته عن رئيس هذا العالم بصورة أكثر روعه ، كان الشيطان يشك أحياناً ، وذلك قال : ” إن كُنت ابن الله … ” (مت ٤ : ٦) . لقد عرفة ، وإن كان متأخر جداً لذا تركه . وأيضا حين عرفته الشياطين ، صرخوا قائلين : ” ما لنا ولك يا يسوع ابن الله (مت ٨ : ٢٩) . بمعنى أنهم يعرفون أنه قد جاء ، لأنهم كانوا على علم مُسبق بمجيئه لكن ملوك هذا العالم ، لم يكونوا على علم بهذا الحدث الأعظم : ” لأن لو عرفوا لما صلبوا رب المجد ” (١كو ٢ : ٨) . إن خبث ومكر الشيطان يسهل فهمه مهما عمل على إخفائه ، لكن الحق إن هؤلاء المستغرقون في الانشغالات الدنيوية لا يستطيعون فهم الحقائق الإلهية . لقد اقتسمت البشائر الأربعة عرض الأحداث فيما بينها ، فسجل القديس متى أن الملاك طمأن يوسف وحثه على ألا يترك مريم . ثم عرض القديس لوقا أن مريم كانت بمفردها حين أجابت الملاك قائله : ” كيف يكون هذا وأنا لست أعرف رجلاً ؟ ” (لو ١ : ٢٧) . وهو ما أعلنه إشعياء النبي حينما قال : ” ها العذراء تحبل … (إش ٧ : ١٤) . وأعلنه يوسف أيضاً حين رأى أنها حُبلى وهو لم يعرف . لذا أراد تخليتها سراً ، وقد برهن الرب نفسه على هذا وهو على عود الصليب حين قال لأمه : ” يا امرأة هُوذا ابنُك ” (يو ١٩ : ٢٦) ، ثم قال لتلميذه يوحنا ” هوذا أمك ” (يو ١٩ : ١٧) . ” ومن تلك الساعةً أخذها التلميذ إلى خاصته ” (يو ١٩ : ٢٧) . ومن المؤكد أنه المؤكد أنه لو كان لها زوجاً ما كانت لتترك زوجها ، وما كان الرب يسوع ليترك هذا الرجل البار ( يوسف ) ليعاني آلام انفصالها عنه في شيخوخته هذه ، ثم كيف للرب أن يشجع على انفصال المرأة عن زوجها وهو الذى نهى عن أن يُطلق الرجل امرأته إلا لعله الزنا . لقد علمنا القديس متى ببراعة ما الذى يتعين على الرجل البار فعله إذا اكتشف عدم عفة زوجته ، حتى يستطيع أن يحفظ نفسه بلا دنس ، طاهراً عفيفاً حين قال : ” من التصق بزانية هو جسد واحد لأنه يقول : يكون الاثنان جسداً واحداً ” (١كو ٦ : ١٦). وعليه فإن نعمة يوسف البار كانت محفوظة في كل موضع ، لأن فم الرجل البار يلهج دائماً بالحكمة ولا يعرف الخديعة ، بل ولسانه ينطق بالحق . فلا تنزعج حين يقول الكتاب المقدس : ” امرأتك ” (مت ١ : ٢٠ ، ٢٤) إذ لا يعنى هذا أنها لم تعد عذراء بل لأجل استعلان الزواج … وفى الوقت ذاته ، ليس ضروريًا أن نغير ما يقوله القديس متى البشير : ” ولم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر ” (مت ١ :٢٥) … لأنه من يأخذ على عاتقه كشف سر التجسد العظيم يدرك أن السعي إلى التحقق من عذرية القديسة مريم أمر لا طائل له وفوق الإمكان ، لئلا يُحسب كمجرد مُدافع عن العذراء أكثر منه مبشراً بسر التجسد . بالتأكيد . إن القديس متى البشير حينما يعلمنا أن يوسف كان باراً فهو يعلن بالحقيقة أنه لم يدنس أبداً هيكل الروح القدس : أعنى أم الرب ، أي الرحم الذى وُلد منه هذا السر . لقد تعلمنا نسب الحق ومشورته ، دعنا نتعلم سره أيضاً كان من اللائق أن تُزف مريم ، لكنها بقيت عذراء وذلك لأنها كانت تمثل نموزج مُسبق للكنيسة التي تُزف لعريسها ولا دنس فيها. كأنها عذراء حبلت بنا بالروح ، وولدتنا بغير آلام المخاض . وربما لهذا خُطبت القديسة مريم لواحد ، بينما حملت في بطنها بآخر ، تماماً مثل الكنائس المنتشرة في أماكن متفرقة الممتلئة حقاً بروح ونعمة واحدة ، برغم أنها الآن مرتبطة بالكاهن الزمنى .

قال لها الملاك : ” سلام لك أيتها المُنعم عليها ! الرب معك. مباركة أنت في النساء. فلما رأته اضطربت من كلامه وفكرت ما عسى أن تكون هذه التحية ” (لو ١: ٢٨ – ٢٩) . وهنا نتعلم من شخصية العذراء الاتضاع الذى به ينكشف السر . أنها طبيعة العذارى أن يرتعدن خوفاً عند دخول أي شخص عليهن ومخاطبته لهن . دع النساء يتعلمن كيف يحاكين هذا الاتضاع . لقد كانت بمفردها في الحجرة الداخلية ، حيث لا يراها بشر ، كانت وحدها حين كلمها الملاك ولم يكن بصحبتها أحد . ولم يكن في الغرفة من يشهد على زيارته لها . لذلك اضطربت القديسة مريم من تحية الملاك لها . ” وفكرت ما عسى أن تكون هذه التحية ” (لو ١: ٢٩) . لقد تعجبت مريم ووجهها تكسوه حُمرة الخجل وبدت عليها أمارات الخوف والحذر لأجل العبارة الغريبة التي باركها بها الملاك ، والتي لم تقرأ مثلها في الكتاب المقدس من قبل . لقد أختص الملاك القديسة مريم وحدها بهذه التحية. لأنها هي وحدها بالحقيقة الممتلئة نعمة ، هي وحدها التي حصلت على هذه النعمة الإلهية التي لم تستحقها أية امرأة أخرى . لذلك استحقت أن تمتلئ بموجِد النعمةً. لقد إحمرت القديسة مريم خجلاً ، وأيضاً أليصابات ، وهذا ما يعلمنا الفارق بين اتضاع امرأة واتضاع عذراء واحدة إحمرت خجلًا لأجل ما حدث. والأخرى إحمرت خجلاً لاتضاعها . إن صفة الخجل موجودة في المرأة عموماً ، لكن نعمة الخجل تزداد في العذراء .

قال لها الملاك : ” لا تخافي يا مريم لأنك قد وجدت نعمة عند الله .وها أنت ستحبلين وتلدين ابناً وتسمينه يسوع . هذا يكون عظيماً وابن العلى يدعى ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه ” (لو ١ : ٣٠ – ٣٢) . حقاً لقد قال الملاك عن يوحنا انه سيكون عظيماً . لكنه سيكون عظيماً من حيث هو إنسان ، أما المسيح فهو عظيم من حيث هو إله ” عظيم هو الرب وحميد جداً وليس لعظمته استقصاء ” (مز ١٤٥ : ٣) . كان يوحنا بالحقيقة عظيمًا أيضًا إذ لم يكن – كما هو مكتوب ” بين المولودين من النساء ليس نبي أعظم من يوحنا المعمدان واكن الأصغر في ملكوت الله أعظم منه ” (لو ٧ : ٢٨) . كان يوحنا عظيماً لا يشرف خمراً أو مسكراً أما الرب يسوع فكان يأكل ويشرب مع العشارين والخطاة .

كان يوحنا عظيمًا  ، لكن عظمته لها بداية ونهاية ، أما المسيح الرب فليس لعظمته نهاية بل هو البداية والنهاية ” هو الأول والآخر ” (رؤ ٢ : ٨) . هو الأول الذى لا يسبقه شيء ، والآخر الذى لا يأتي بعده شيء . فلا تدع سمة التناسل البشرى تضللك وتقودك لأن تفكر في أن المسيح ليس هو الأول لأنه هو الابن ، واتبع الكتاب المقدس لتأمن الوقوع في الزلل . لأنه مكتوب أن الابن هو الأول ، ومكتوب أيضًا أن الآب هو ” الذى وحده له عدم الموت ساكناً في نور لا بدنى منه ” (١تي ٦ : ١٦) كذلك تقرأ ” وملك الدهور الذى لا يفنى ولا يرى ، الإله الحكيم وحده ” (١تي ١ : ١٧) لأنه لا يوجد من هو سابق على الآب ، والآب لا يوجد وحده بغير الابن . بحيث إنك إذا أنكرت واحداً فإنك تُضعف الآخر . فإتبع الآب والابن ، لأن الكتاب المقدس لم يقل : ” أنا هو المتقدم ، وأنا هو المتأخر ” بل قال : ” أنا هو الأول والآخر ” (رؤ ١ : ١٧) . فالابن هو الأول ، وبالتالي فهو شريك مع الآب في الأزلية ، لأنه مع الآب منذ الأزل . وسوف أتجرأ وأقول : إن الأبن هو الأول ، لكنه لم يكن وحده ، وحسن أتكلم لأننى أتكلم بمخافة الله . فلماذا تفتحون آذانكم لهذه الآثام ؟ أنتم هراطقة ! وقد وقعتم في الفخاخ التي نصبتموها . الابن هو الأول ، ليس وحده ، لأنه دائمًا وأبداً مع الآب . الابن ليس وحده لأنه لم يكن أبداً بدون الآب . أنا لم أقل هذا من تلقاء نفسى ، لأن الرب هو الذى قال ” وأنا لست وحدى لأن الآب معي ” (يو ١٦ : ٣٢) . الآب وحده . لأن ألوهةً الآب ، والابن والروح القدس واحدة ، والواحد يكون وحده . الآب وحده ، المولود الوحيد منه وحده والروح القدس وحده أيضًا. وليس هناك أقنوم واحد للابن والآب ، أو الآب والابن أو الروح القدس والابن . لأن الابن أقنوم ، والروح القدس أقنوم آخر ، لذلك نقرأ في الكتاب المقدس ” وأنا أطلب من الآب فيعطيكم معزياً آخر ليمكث معكم إلى الأبد ” (يو ١٤ : ١٦) . واحد هو الله الذى منه جميع الأشياء ، والابن وحيد ، لأنه واحد هو الرب الذى به جميع الأشياء ” لنا إله واحد : الآب الذى منه جميع الأشياء ونحن له ورب واحد : يسوع المسيح الذى به جميع الأشياء ونحن به ” (١كو ٨ : ٦) وألوهة الله  واحده ، فلا الابن يرى بدون الآب ، ولا الآب يرى بدون الابن . لأن ” الله لم يراه احد قط الابن الوحيد الذى هو في حضن الآب هو خَبر ” (يو ١ : ١٨) وهو الجالس عن يمين الآب . فوق هذا تجرأ البعض على القول إن نور الذى يسكن فيه الآب يتعذر علي الابن الوصول إليه . بالتأكيد . إن النور لا يفوق الآب عظمة ؟ ثم أي نور للآب هذا الذى يتعذر علي الابن الوصول اليه ، وهو ( أي الابن ) النور الحقيقى وخالق النور الأبدى الذى قيل عنه : ” كان النور الحقيقي إلى يُنير لكل إنسان أتياً إلى العالم ” (يو ١ : ٩) ، (حك ٧ : ٢٦) فكيف يتعذر عليه الوصول إلى النور الذى يسكن فيه الآب إذا كان الآب في الابن ، والابن في الآب .

عظيم حقاً أن تكون قوة الله واسعة الإمتداد ، لأن عظمة الوجود السمائى هائلة . الثالوث لا يصفه شيء ولا شيء يقيده ، لا شيء يحده طولاً وعرضاً ، لا يحد بمكان ولا يدرك بالفهم ، ولا يتغير بمرور الزمن … الحق إن المسيح الرب قد ” خلق الكل : ما في السماوات وما على الأرض ، ما يرى وما لايرى ، سواء كان عُروشاً ام سيادات ام رياسات أم سلاطين . الكل به وله قد خُلق ” (١كو ١ : ١٦) . كائناً في علو السماء ، وعلى الأرض ، هو الذى صعد إلى السماء وهو الذى نزل إلى الهاوية ، إذا إرتفعت إلى السماوات يسوع موجود هناك ، وإذا هبط إلى الهاوية فهو هناك أيضاً . واليوم وأنا أتكلم هو معى في هذه اللحظة وفى هذا المكان . وإذا تحدث شخص مسيحى الآن في أرمنيا مثلاً ، فيسوع كائن هناك أيضاً ، لأن ” ليس أحد يقدر أن يقول أن يسوع رب إلا بالروح القدس ” (١كو ١٢ : ٣) . وإن إستطعت أن تخترق الهاوية ، فهناك سترى يسوع يعمل . لأنه مكتوب : ” لا تقل في قلبك من يصعد إلى السماء ؟ . أو من يهبط إلى الهاوية ؟ أي ليصعد المسيح من الأموات ” (رو ١٠ : ٦ – ٧) . فما من مكان لا يوجد فيه ، فهو يملك السماء والجحيم وكل بقاع الأرض ، فهو بحق عظيم جداً ، يملأ العالم بإحساناته ، هو الكائن في كل مكان وسيظل هو الكائن دائماً و” لا يكون لملكه نهاية ” (لو ١ : ٣٣) .

” فقالت مريم للملاك : كيف يكون هذا وأنا ليست أعرفُ رجلاً ؟ ” (لو ١ : ٣٤)

قد تبدوا لك القديسة مريم للوهلة الأولى – إن لم تتمعن في الأمر – وكأن لديها بعض التشكك لأنه ليس من الصواب أن التي أُختيرت لتحمل الابن الوحيد المولود من الآب ، أن تظهر هكذا مرتابة في إيمانها . وكيف يكون هذا ، وهى التي إختصها الله بهذا الإمتياز ، فهى الأم التي مُنحت أعظم عطية ؟ لكن هذا الأمتياز العظيم لابد أن يقابله إيمان عظيم من جانبها أيضاً ، وإلا لماذا عوقب زكريا الكاهن بأن يظل صامتاً لأجل عدم إيمانه ؟ لكن لولم تؤمن القديسة مريم ، ما كانت لتكرم بحلول الروح القدس عليها ؟ ومن ثم لم يكن هذا عدم إيمان من جانبها ، ولا هو إهمال أو عدم تصديق للملاك . إذ لم يكن من السهل عليها أن تعرف ” السر المكتوم منذ الدهر في الله خالق الجميع بيسوع المسيح ” (أف ٣ : ٩) ، (كو ١ : ٢٦) . الذى لم تكن تعرفه القوات العلوية أيضاً. غير أن القديسة مريم لم تنكر الإيمان ، ولم ترفض التكليف  لكنها كانت تهيئ إرادتها لقبوله ، وقطعت على نفسها وعداً بالطاعة . لأنه بالحقيقة حين قالت : ” كيف يكون هذا ؟ ” (لو١: ٣٤) . فهى تتشكك في نتائج هذه البشارة لكنها كانت تفكر في طبيعة المولود نفسه . كم كانت إستجابتها أهدأ من كلمات زكريا الكاهن ، لقد قالت ” كيف يكون هذا (لو١ : ٣٤) بينما أجاب هو” كيف أعلم هذا لأنى أنا شيخ وامرأتى متقدمة في أيامها ؟ ” (لو ١ : ١٨) . لقد أخذت تتأمل ملياً في الأمر ، بينما ظل زكريا الكاهن مرتاباً في أمر المبعوث إليه . لأن من ينكر أنه يعرف ، فهو ينكر أنه يؤمن . أما مريم فقد أطاعت ، ولم تشك مطلقاً في وجوب تحقق ما قاله الملاك لها . وكل ما هنالك أنها سألت فقط : ” كيف يكون هذا وأنا لست أعرف رجلاً ؟ ” (لو١ : ٣٤) . إن مولوداً عجيباً كهذا يجب أن نسمع له أولاً ، حتى يتثنى لنا أن نؤمن به . ذلك لأن العذراء حين تلد فهذه علامة على أن المولود منها هو مولوداً إلهياً لا بشريًا ، لكنه سر . أنصت لما لقد قيل : ” لكن يعطيكم السيد أيه : ها العذراء تحبل وتلد ابناً وتدعوا اسمه عمانوئيل ” (إش ٧ : ١٤) . ولابد أن مريم قد قرأت هذا ، وآمنت بضرورة تحققه ، لكنها لم تقرأ من فبل عن كيفية حدوثه ، لأن سر هذا الميلاد العجيب لم يكن بالأمر المكشوف حتي  لأعظم الأنبياء ، عظيم هو سر الخلاص ، حتى ينطق به لسان بشر ، بل لسان ملاك . واليوم نسمع لأول مرة ” الروح القدس يحل عليك وقوة العلى تظللك فذلك أيضاً القدوس المولود منك يدعى ابن الله ” (لو ١ : ٣٥) اليوم سمعناه وآمنا به .

قالت : ” هوذا أنا أمة الرب . ليكن لى كقولك ” (لو ١ : ٣٨) . أنظر مدى إتضاعها ووداعتها . لقد قالت : ” أمة الرب ” ، وهى التي أختيرت لتكون أماً له ، ولم تتعالى أو تنتفخ بسبب هذا الوعد المفاجئ . وفى ذات الوقت حين تقول عن نفسها أنها ” أمة الرب “يعنى أنها لا تدعى لنفسها أي إمتياز في مقابل هذه النعمة العظيمة …بل كانت تُظهر وداعتها وإتضاعها . فتأمل طاعتها وتضرعها حين قالت : ” هوذا أنا أمة الرب ليكن لى كقولك ” (لو ١ : ٣٨) .

كم كانت مريم مسرعة في تصديق ما سمعته برغم أن وضعها غير مناسب مع الحدث ، تماماً كعدم تطابق الروح القدس مع الجسد ؟ فمن ذا الذى سمع عن عذراء تحبل ؟ ! إنه أمر ضد الشريعة ، ضد التقاليد ، ضد العفة ، إنه أمر غريب بالنسبة إلى عذراء ؟ بينما كان زكريا غير مصدق برغم أنه لم يكن في وضع مريم غير المناسب للحدث ، بل مجرد شيخ متقدم في السن ، ومن ثم فإن وضعه كان مشروعاً بالنسبة لهذا الإعلان ، فضلاً عن أن الإنجاب أمر مشروع بين رجل وإمراته وإن كان يتنافى مع الطبيعة ، لأن السن يخضع للطبيعة وليست الطبيعة هي التي تخضع للسن لقد رُزق إبراهيم وسارة بابن في كبرهما وكان يوسف ” ابن شيخوخته ” أما زكريا فلم يصدق لا النبوة ولا ما حدث من قبل حين صار لإبراهيم ابناً في شيخوخته . لكن حين قالت القديسة مريم: كيف يكون لى هذا وأنا لست أعرف رجلاً ” ؟ (لو ١ : ٣٤) لا يبدوا هذا تشكُكاً في الأمر ، بقدر ما هو إستفسار حول طبيعة الحدث ؟ لأنه من البديهى ، أن التي تسأل عن كيفية تحقق أمر ما ، تكون قد سبق وآمنت بصدق تحققه بالفعل . ولهذا استحقت القديسة مريم ان تسمع قول الملاك لها ” فطوبى للتى آمنت أن يتم ما قِيل لها من قِبل الرب ” (لو ١ : ٤٥) . لأنه بتفوقها على إيمان زكريا الكاهن استحقت هذا التطويب عن جدارة. لقد أنكر زكريا الكاهن بينما صححت العذراء خطأ عدم التصديق .

فليس غريباً أن الرب ، الذى سيخلص العالم ، قد بدأ عمله الخلاصى من القديسة مريم ، لكى يُعد بها الخلاص للجميع ، لذلك كان لابد أولاً أن يتجسد منها[9] … ] .

 

 

القديس مار افرام السريانی

العذراء والدة الاله

بقوة منه استطاعت مریم ان تحمله في حضنها هذا الذي يحمل كل الأشياء أرضعته لبنا هو هيأة فيها ، واعطته طعاما هو صنعه ، كاله اعطى مريم لبنا ثم عاد فرضعه منها كابن للإنسان ، يداها كانتا تعریانه اذ أخلی نفسه ، ذراعها احتضنته من حيث كونه قد صار صغيرا ، قوته عظيمة من يقدر أن يحدها ؟ لكنه أخفي قياسها تحت الثوب فقد كانت أمه تغزل له ، وتلبسه ، اذ أخلى نفسه من ثوب المجد .

وقال أيضا :

من آدم الرجل الذي لم يكن له أن يلد خرجت أمنا حواء ، فكم بالحرى يلزمنا أن نصدق أن ابنة حواء تلد طفلا بغير رجل .الأرض البكر حملت آدم الأول الذي كان رأسا على كل الأرض ، واليوم حملت العذراء البكر آدم الثاني الذي هو رأس كل السموات عصا هارون أفرخت ، والعود اليابس اثمر ، لقد انكشف اليوم سر هذا لان البتول حملت طفلا .

وقال أيضا :

يمثل هذه الكلمات التهبت احشاء مريم وكأنها تداعبه قائلة : من الذي وهبني أنا البتول أن أحمل في بطني والد ، ذاك الذي يملأ الكل ، أنه طفل صغير ، لكنه عظيم ، فهو كله معي ، وهو يملأ كل مكان .

في اليوم الذي جاء جبرائيل فيه إلى ضعفى صرت حرة ولست عبدة، فأنا أمة لك يا الهي وابني ، يا بن الملك لقد صارت بك العبدة فجأة ابنة الملك : كم انا مندهشة !! فأن الطفل الراقد امامی هو اقدم من كل شيء ، عيناه تحملقان في السماء بغير انقطاع ، وفمه يبدو حسب ظنى أنه يلهج بسكوته محدثا الآب ، أيها الينبوع كيف افتح لك ينبوع اللبن ؟ !!

كيف أطعمك ؟ وأنت تقوت الكل من مائدتك ؟ كيف أقمطك باللفائف يا من تلتحف بالمجد ؟ يابن الواحد أن فمي يرتعب ولا يعرف كيف يدعوك ؟ !! أتجاسر وادعوك ابنا ليوسف وأنت لست من زرعه ؟ واخاف ان انكر اسم ذاك الذي خطبت له . ان عشرة آلاف اسم لاتكفيك ، فأنت ابن الله ، وابن الإنسان ، وابن داود ، وابن مريم ، ورب مريم ! من الذي جعل اله كل فم يصمت ؟ !! فقد قام الناس على بسبب حملى الطاهر بك ، من أجلك يا محب البشر صرت انا مبغوضة هوذا أنا التي حملت وولدت من هو حصنا للناس وصرت انا مضطهدة .

وقال أيضا :

” لايستطيع أحد أن يعرف أمك أيها الرب هل يسميها عذراء ؟ وهوذا ابنها موجود هل يسميها زوجة ؟ وهي لم تعرف رجلا ؟ فان كان لا يوجد من يفهم أمك فمن يكون كفئا لفهمك انت ، مریم نالت من قبلك كل کرامة المتزوجات ، لقد حبلت بك بغير زواج ، كان في صدرها لبن علی غير الطبيعة اذ اخرجت من الأرض الظمانة ينبوع لبن يفيض •

ان حملتك فبنظرتك القديرة تخفف حملها ، و ان اطعمتك فلانك جائع ، وان سقتك فلانك عطشان ، وان احتضنتك انت جمرة المراحم فانك تحصن صدرها .

عجيبة هي أمك :

الرب دخلها اصبح عبدا .

الكلمة دخلها فصار صامتا داخلها .

الرعد دخلها فهدأ صوته .

راعي الكل دخلها فصار فيها حملا .

ان بطن أمك قد غيرت أوضاع الأمور يامنظم الكل ، الغنى دخلها فخرج فقيراً ، العالي دخلها فخرج في صورة وضيعة ، الضياء دخلها فأخفي نفسه وخرج في صورة يمكن أن تحتقر ، القدير دخلها فأخفي نفسه

وقال ايضا :

ابنى سوف لا اغار لانك وانت معى انت مع جميع الناس ، عندما سكنت في كنت ايضا خارجا و عندما ولدتك بالجسد لم تنزع قوتك الحقيقية منى أنت في داخلي ، انت في خارجي يا من تجعل امك في ذهول ، عندما أرى شكلك الخارجى امام عینای اتذكر شكلك الخفى ايها القدوس ! ففى شكلك الخارجى اري آدم ، وفي شكلك الخفي أنظر اباك المتحد بك كيف ادعوك غريبا عنى وانت منى؟ فاننى اختك اذ كلينا من بيت داود أبينا انا امك من اجل حبلي بك . أنا عروسك من اجل تقديسك لي ، أنا أمتك وابنتك من اجل الدم الذي اشتريتني به ، والماء الذي تعمدت به .

ابن العلى جاء وسكن في وصرت أنا اما له ، فولدت ذاك الذي عاد فولدنى بالميلاد الثاني .

وقال أيضا :

“راحیل صاحت فى زوجها « اعطنى بنين ” ” (تك ۱:۳۰) ” مباركة هي مريم التي على الرغم من أنها لم تطلب حللت في احشائها أيها العطية التي سكبت ذاتها على من قبلوها . بدموع مرة طلبت حنه طفلا ” (اصم ١ : ٧) ” بنذور وطلبات، طلبت سارة ورفقة بصلوات طلبت اليصابات وبعدها حزنت نفوسهن جميعا نلن العزاء . مباركة هي مريم التي بغير نذور ولاصلاة حملت في بتوليتها وولدت رب أبناء جميع رفيقاتها . الذين صاروا طاهرین وابرارا كهنة وملوكا . من استكان في احشائها طفلا كما حدث مع مریم ؟ من تجسر وتدعو الخالق ، ابن العلى ، ابنا لها ؟[10] ! .

 

 

القديس يعقوب السروجي

في عهد ربنا كان قد أشرق نور عظيم، ليقتل الظلمة التي أعمت العالم في موضعها.

أشرق ضياء الآب شعاعه على السفليين، ليُضاء بإشراقه الدرب الكئيب للسائرين عليه.

نزل شمس البرّ، ومشى على الأرض، فانهزمت الظلال الكثيفة من بهائه (مل ٢ : ٤).

نشر أشعته على الجهات وأبهجها، فاستنارت المسكونة، التي كانت كئيبة قبل أن يشرق.

طرد الضلالة التي كانت منتشرة في جميع الشعوب، وأظهر للعالم سبيل الحياة ليسير عليها.

رش الشفاء على البشرية التي كانت مريضة، وانطفأت آلام المرضى العديدة.

صبّ شفاءه على المجروحين، وثبتهم، ونفخ في ضيقات الضعفاء وأطفأها.

وسكب موهبته ليثري العالم من معوناته، وفتح خزائنه، فنهب كل محتاجٍ واغتنى.

العميان يرون، والمشلولون يتعافون، والشياطين يُطردون، والمنحنون ينتصبون.

أعطى السمع للصم، والنور لمن هم بلا نور، وطهر البرص، وأعطى الغفران للخطاة.

نزل كالمطر على أرض اليهودية المريضة، ونبتوا من الأسرة كالجذور المريضة (هو ٦ : ٣).

طرد الشياطين الذين تسلطوا على الإنسانية، وبروح فمه زجر الأذى من الكثيرين.

كان يشفي مجانًا، وهم ينكرون جميله ولا يغضب، ويضمد الجروح، ويشتمونه بأسئلتهم.

أبغضه الشعب بينما كان شفاؤه عزيزًا، وكان يلام بينما كانت معوناته عديدة.

الشعوب الغُرْل آمنوا به وبمعوناته، والشعب المختون تشكك من شفائه[11].

 

 

عظات اباء معاصرين

 

عظة لقداسة البابا تواضروس

مقابلة .. محادثة .. حياة :

في إنجيل هذا الأحد مقابلة وظهور الملاك للعذراء مريم بقصد البشارة … وفى افتتاحية حديثة قال لها :

سلام لك :

لم يكن ذلك مجرد لفظ للتحية ولا هو أجر لفضيلتها ، بل كان هبة ونعمه ممنوحة على أساس حياة  الإيمان

الموجودة في قلب أمنا العذراء . ( إيمانها جلب لها السلام )

أيتها الممتلئة نعمة :

هذا اللقب أو الوصف يبين لنا صورة حياتها الداخلية وفيه :

أ – اختيار من الله أساسه محبته للبشر .

ب – حلول وامتلاء من نعمة الروح القدس بصورة مزيدة غير مسبوقة .

الرب معك  :

١ – تعبير موجز يبدأ بالله وينتهى بالإنسان وفيه رسالة اطمئنان من الله سيد الكل .

٢ – الله ليس فكرة في ذهنها بل حضور.. إنه مخلصها الشخصى .

٣ – المقابلة والمواجهة مع الله لا تتم إلا على أساس الإيمان .

+ هذا التعبير فيه : ( إيمان – طاعة – تسليم – جهاد روحى )

+ اللة بالنسبة لمريم : معرفة هادئة بسيطة عميقة .

بشارة مفرحة :

العذراء يتيمة مجهولة نسيبة  لأليصابات ( مريم ) .

والقرية : مغمورة في أقصى الجليل ( الناصرة ) .

والتحية : مدهشة باعثة على الذهول ( أيتها الممتلئة نعمة ) . عندما قال الملاك : ” الرب معك . مباركة أنت في النساء”.

هناك خمس شخصيات في العهد القديم أعطيت لهم أسماء قبل ولادتهم هم :

” إسحق – إسماعيل – موسى – سليمان – يوشيا ” .

ثم اسم ” المسيا ” مع افتتاحية العهد الجديد .

كلمات الملاك العذراء جعلها تقدم له سؤالها الاستفسارى : لم يكن ذلك بسبب شكوك في قلبها ، بل من أجل الإرشاد لنفس قد سلمت كل إرادتها للرب ، ولكن الملاك أعطاها علامة  لم تطلبها وهذا ما حدث مع أليصابات نسيبنها ، فكانت الاستجابة عجيبة وكانت العلامة  ” توجيهاً ” .

ويقابل الملاك جبرائيل ثلاث مرات على صفحات الكتاب المقدس ، وكلها ذات وزن عطيم :

١ – ظهر لدانيال النبى ليفسر له الرؤيا ويعلمه الفهم والحكمة  (دا ٨ ، ٩ ، ١٠ ) وتركة في صمت أخذ برهة زمنية .

٢ – ظهر  لزكريا الكاهن مبشراً بميلاد السابق يوحنا المعمدان … وتركة في صمت لمدة ٩ شهور .

٣ – ظهر للعذراء مريم مبشراً بميلاد مخلص العالم كله … وتركها تسبح وتفرح .

” هوذا أنا أمة الرب ، ليكن لى كقولك ” (لو ١ : ٣٨ ) . لم تفزع العذراء من ظهور الملاك مثل معظم الأنبياء ؛ لأن البتولية الحقيقة جعلت لها ألفة مع الملائكة بسبب مساواتها لهم .

 

 

المتنيح الأنبا فيلبس مطران الدقهلية

 

مختصر النبوات والرموز عن مستودع الكنوز

يتضمن العهد القديم كثيراً من النبوات والرموز التي تناولت الكثير من أحداث العهد الجديد أيضاً والتي تنبأت عن ميلاد السيد المسيح لأن الكتاب المقدس وحدة واحدة يسوق الوحي فيه نبواته عن المسيح الآتي بنبوات وإرشادات وإشارات ” كل الكتاب موحي به من الله “(٢تي ٣: ١٦) . وهذا الوحي كان يسلط كل الأضواء في العهد القديم علي ميلاد المسيح المخلص الآتي من نسل داود وإرتبط العهد القديم بالعهد الجديد بزمام الأمور الروحية بفعل الروح القدس إذ يقول بطرس الرسول ” كل نبوة الكتاب ليست من تفسير خاص ، لأنه لم تأت نبوة قط بمشيئة إنسان بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس “(٢بط ١: ٢٠- ٢١) .

وبذلك تضمنت النبوات عن ميلاد السيد المسيح وأمه الطهور العذراء مريم ومن المؤكد أن العذراء عندما هلت أحداث البشارة والميلاد العجيب بدأت تتذكر تلك النبوات التي سمعت عنها في التوراة وتُليت علي مسامعها في رواق النذرين بالهيكل كما كان يتكلم ويتحدث عنها الآباء المنتظرين للخلاص الآتي ، ولكنها كانت تعي كل ذلك في صمت وكما عبر عن ذلك القديس لوقا عندما قال ” أما مريم فكانت تحفظ جميع هذا الكلام متفكرة به في قلبها “(لو ٢: ١٩) . فأستحقت أن تكون مستودع لكنوز المعرفة عن النبوات والرموز والاشارات والعلامات التي تدل علي طريق الخلاص والتي كانت بمثابة إشارات المرور إلي الطريق الذي يؤدي إلي طريق النور طريق الخلاص وبمثابة المخارج إلي الطريق الأساسي الذي ليس له بديل لأن فيه ” الرحمة والحق التقيا ، البر والسلام تلاثما “(مز ٨٥: ١٠- ١١) ، كما أنه ” الطريق والحق والحياة “.

فتعال معنا أيها القاريء المبارك لنتذكر سوياً هذه النبوات والأشارات والرموز وكيف تمت بتفاسيرها عن حياة العذراء حتي حيرت العالم كله في دراسة هذه الأحقاب والأزمنة المباركة التي جاءت في موعدها ، وذلك علي سبيل المثال لا الحصر حيث أنها نبوات السماء إلي طريق الرب والذي يزيد عليه أو يحذف منه عليه غضب الله ” إن كان أحد يحذف مَنْ أقوال كتاب هذه النبوة يحذف الله نصيبه من سفر الحياة “(رؤ ٢٢: ١٩) .

مريم في ميزان النبوات والرموز

أ- النبوات

١- نسل المرأة يسحق رأس الحية :-

قال الرب للحية بعد السقوط ” نسل المرأة هو يسحق رأسك وأنتِ تسحقين عقبه “(تك ٣: ١٥) .

نبؤة عن ستكون الغلبة لنسل المرأة … ويا تري من تكون تلك المرأة (نسل المرأة ) هي العذراء المطوبة

٢- الملكة المختارة :-

قال الوحي في سفر المزامير ” الملكة عن يمين الملك بذهب أوفير … أشتهي حسنها وهي تسجد له … كلها مجد إبنة الملك في خدرها…”(مز ٤٥: ٩، ١١، ١٣) .

نبؤة عن السيدة العذراء الملكة عن يمين الملك المسيح وتشير كل المزامير الآتية (مز ٤٩: ٢) ، (مز ٧٥: ١) ،(مز ١٣٢: ١٣) ، ( مز ٨٧: ٥) ، عن إبنة صهيون وهي إشارات إلي الطاهرة مريم العذراء .

٣- ينبوع مختوم :-

يقول الوحي في سفر نشيد الأناشيد ” أختي العروس جنة مغلقة ، عين مقفلة ، ينبوع مختوم “(نش ٤: ١٢) .

نبؤة عن العذراء والكنيسة في بتوليتها فهي عروس أي عروس المسيح وهي جنة مغلقة وعين مقفلة وينبوع مختوم لأنها بتول في كل حين وبعد ولادة إبنها وإلي نهاية حياتها .

٤- عذراء تحبل وتلد إبناً :-

يقول الوحي في سفر إشعياء ” يعطيكم السيد الرب نفسه آية ها العذراء تحبل وتلد إبناً وتدعو إسمه عمانوئيل “(إش ٧: ١٤) .

نبؤة عن شخصية العذراء التي إحتار فيها سمعان الشيخ عندما أراد ترجمتها وهي تكشف عن شخصية العذراء في :

في عذراويتها وبتوليتها الدائمة .

في حبلها وولادتها العجيبة المعجزية .

في ثمرة بطنها ، عمانوئيل (الله معنا) .

في أمومتها لله .

٥- ولادة إبن الله :-

يقول الوحي في سفر إشعياء ” لأنه يولد لنا ولد ، ونعطي إبناً وتكون الرئاسة علي كتفه ويدعي إسمه عجيباً مشيراً إلهاً قديراً أباً أبدياً رئيس السلام “(إش ٩: ٦) .

نبؤة عن إشارة ضمنية لأم هذا المولود العجيب الإله القدير القديسة مريم العذراء .

٦- باب المشرق أو الباب الخارجي :-

يقول الوحي في سفر حزقيال ” ثم إرجعي إلي طريق باب المقدس الخارجي المتجه للمشرق وهو مغلق ، فقال الرب هذا الباب يكون مغلقاً ، لا يفتح ولا يدخل منه إنسان لأن الرب إله إسرائيل دخل منه فيكون مغلقاً “(حز ٤٤: ١، ٢) .

نبؤة تشير إلي دوام بتولية العذراء وطهارتها المستمرة والباب المغلق هو كناية عن ختم بتوليتها ودخول وخروج الرب وبكوريتها مختومة .

٧-مركبة الله :-

يفسر الأباء المركبة أو العرش الذي رآه حزقيال النبي والذي يصفه بأنه محمول علي أربعة حيوانات لها أشكال تمثل الخليقة الناطقة وغير الناطقة ، فوجه الإنسان يمثل البشر ، ووجه الأسد يمثل الوحوش ، ووجه النسر يمثل الطيور ، والعجل يمثل الحيوانات …إلخ.

نبؤة عن القديسة مريم التي صارت عرشاً ومركبة للمسيح الإله حيث أنه حل في بطنها حلولاً فعلياً أخذ جسداً من جسدها الطاهر وكانت الملائكة ورؤساء الملائكة تحيط بالعذراء تسجد وتعبد خالقها وربها الساكن في أحشاء القديسة الطاهرة مريم .

٨- حجر مقطوع بغير يدين أو حلم دانيال :-

كشف الله لدانيال في رؤيا الليل السر عن حلم نبوخذ نصر ملك بابل الذي عجز الحكماء والفهماء عن كشفه وتفسيره وكيف أن حجراً قُطع بغير يدين ضرب التمثال المصنوع من الحديد والخزف والفضة والذهب وسحقه سحقاً وصار جبلاً عظيماً ، وتقول الكنيسة ” أنت هو الجبل الذي رآه دانيال وقد قطع منه حجر ملأ كل الأرض الذي هو المسيح دون أن يلمسه يد إنسان البتة .

نبؤه عن :- العذراء حيث أن الحجر هنا يشير إلي السيد المسيح إذ قيل عن الحجر الذي رذلة البناؤون قد صار رأس للزاوية وقطع الحجر بدون يدين يشير إلي حبل العذراء بالسيد المسيح بغير زرع بشر وإنما بحلول الروح القدس عليها .

٩- الخلق الحديث :-

يقول الوحي في سفر إرميا لأن ” الرب قد خلق شيئاً حديثاً في الأرض أنثي تحيط برجل “(إر ٣١: ٢٢) .

نبؤة عن :- القديسة العذراء تصفها وهي تحمل الطفل يسوع بين ذراعيها الطاهرتين .

١٠- عزاء إبنة صهيون :-

يقول الوحي في سفر مراثي إرميا “… بماذا أُقايسك فأعزيك أيتها العذراء بنت صهيون …”(مراثي إرميا ٢: ١٣) .

نبؤة عن :- وصف أحاسيس العذراء لحظة الصلب الرهيبة لإبنها المصلوب من أجل خطايانا والمسحوق لأجل آثامنا وهي واقفة تحت الصليب وهو السيف الذي جاز في نفسها والذي تنبأ لها عنه سمعان الشيخ عندما حمل الطفل علي يديه .

ب- الرموز والإشارات

١- الحمامة الحسنة (حمامة نوح) :-

يقول الوحي في سفر التكوين ” فأتت إليه الحمامة عند المساء وإذا ورقة زيتون خضراء في فمها …”(تك ٨: ١١) .

إشارة إلي الحمامة الحسنة التي ولدت رئيس السلام القديسة مريم العذراء التي بشرت العالم بأن طوفان الخطية والشر إنتهيا لأن إبنها الذي كان في أحشائها هو الذي يخلص العالم من طوفان الخطية وكانت العلامة هي قولها للملاك الذي بشرها ” هأنذا أمة الرب ليكن لي كقولك ” .

٢- سلم يعقوب:-

يقول الوحي في سفر التكوين “… إذا سلم منصوبة علي الأرض ورأسها يمس السماء وهوذا ملائكة الله صاعدة ونازلة عليها …”(تك ٢٨: ١٢- ١٣) .

إشارة إلي مريم العذراء التي حملت يسوع في بطنها ، وعلي عود الصليب إرتفع الرب ففتح السماء وجعل السمائيين والأرضيين واحداً (تقول الكنيسة في تسبيحتها أنت هي السلم الذي رآه يعقوب ثابتاً علي الأرض ومرتفعاً إلي السماء والملائكة نازلون عليه)

٣- العليقة :-

يقول الوحي في سفر الخروج ” وظهر له ملاك الرب بلهيب نار من وسط عليقة فنظر وإذا العليقة تتوقد بالنار والعليقة لم تكن تحترق “(خر ٣: ٢) .

إشارة إلي حمل مريم العذراء لنار اللاهوت دون أن تحترق وتظل بتوليتها مصونة ، كما تشير إلي إتحاد اللاهوت بالناسوت بغير إختلاط ولا إمتزاج ولا تغيير .

٤- عصا هارون :-

يقول الوحي في سفر العدد “… وأفرحت فروخاً وأزهرت زهراً وأنضجت لوزاً …”(عدد ١٧: ٨) .

إشارة إلي العذراء مريم التي ولدت الرب يسوع علي مستوي معجزي .

٥- مجمرة هارون :-

يقول الوحي في سفر العدد” ثم قال موسي لهرون خذ المجمرة وإجعل فيها ناراً من علي المذبح وضع بخوراً…”(عدد ١٦: ٤٦) .

إشارة إلي أن المجمرة الذهب النقي هي العذراء ، والمجمرة تشير إلي العليقة ” التي رآها موسي النبي في البرية والنيران تشعل جواها مثال أم النور طوباها ،حملت جمر اللاهوتية ، تسعة أشهر في أحشاها ولم تمسسها بأذية …” واللاهوت والبخور هو رئيس الكهنة الأعظم الذي أصعد ذاته ذبيحة وقرباناً مقبولاً علي الصليب . اشتمه الآب السماوي علي الجلجثة وقت المساء والرائحة العطرة التي فاحت هي ولادة المسيح وكرازته للعالم .

٦- تابوت العهد :-

يقول الوحي في سفر الخروج “… من خشب السنط وتغشيه بذهب نقي من داخل وخارج ، خشبه لا يسوس …”(خر ٢٥: ١٠- ١١) .

إشارة إلي بتولية العذراء الدائمة ، أمًا كسوته بالذهب من الداخل والخارج تشير إلي طهارة مريم وإتحاد اللاهوت بالناسوت أما إحتواء التابوت علي المن إشارة إلي حمل العذراء بالمسيح المن الحقيقي السماوي .

٧- قسط المن :-

يقول الوحي في سفر الخروج قال أيضاً موسي لهرون ” خذ قسطاً واحداً وإجعل فيه ملء العُمر مناً وضعه أمام الرب للحفظ في أجيالكم “(خر ١٦: ٣٣) .

إشارة إلي أن مريم قسط المن الذهب الحاملة المن العقلي خبز الحياة .

٨- صخرة حوريب :-

يقول الوحي في سفر الخروج ” ها أنا أقف أمامك هناك علي الصخرة في حوريب فتضرب الصخرة فيخرج منها ماء ليشرب الشعب “(خر ١٧: ٦) .

إشارة إلي العذراء التي خرج منها المسيح بمعجزة ، وهو الماء الحي الذي كل من يشرب منه لا يعطش .(١كو ١٠: ٤) .

٩- المنارة الذهبية :-

يقول الوحي في سفر الخروج ” تصنع المنارة من ذهب نقي …” (خر ٢٥: ٣١) .

إشارة إلي المنارة ذات السرج الموقدة كل حين وهي العذراء مريم حاملة النور الحقيقي الذي هو شمس البر الذي يُنير لكل إنسان آتٍ إلي العالم .

١٠- قدس الأقداس :-

هو قسم من أقسام خيمة الإجتماع ليدخله رئيس الكهنة مرة واحدة فقط في السنة .

إشارة إلي السيدة العذراء التي حل فيها الله الكلمة لأنها وُصفت تارة بالقبة وأخري بالمسكن وثالثة بالهيكل وكلها جميعاً مكان حلول الله ومادام الله قد حل في بطن العذراء فتنطبق هذه الأوصاف والرموز عليها .” ثم غطت السحابة خيمة الإجتماع وملأ بهاء الرب المسكن “(خر ٤٠: ٣٤) .

١١- السحابة :-

يقول الوحي في سفر إشعياء ” هوذا الرب راكباً علي سحابة سريعة وقادم إلي مصر فترتجف أوثان مصر من وجهه ويذوب قلب مصر داخلها “(أش ١٩: ١) .

إشارة إلي مريم العذراء السحابة الجميلة النقية الطاهرة التي حملت الرب الإله في قدومه إلي مصر لكي يباركها ويحطم أوثانها ويؤسس مذبحه المقدس فيها .

١٢- زهرة البخور :-

قال الرب لموسي النبي في سفر الخروج ” خذ لك أعطاراً . ميعة وأظفاراً …ليشمه يُقطع من شعبه “(خر ٣٠ : ٣٤- ٣٨) .

إشارة إلي أن الأصناف المذكورة السابقة في سفر الخروج التي تمت منها تركيبة البخور خارجة من زهور نبتت في الأرض وأثمرت هذه الزهور الطبيعية الرائحة التي لا يليق أن تقدم برائحتها الجميلة الطيبة إلا لله القدوس وحده .

أما الزهرة الجميلة الطيبة الرائحة والمقدسة نفساً وجسماً وروحاً القديسة مريم العذراء لم تُخرج للعالم والكنيسة زهراً يُصنع منه البخور بل أخرجت من أحشائها الطاهرة رب السماء والأرض الذي يُقدم له البخور في السماء والأرض ، ربنا يسوع المسيح له المجد الذي هو الرائحة الذكية التي أنعشت وطيبت كل الخلائق في السماء وعلي الأرض أيضاً ” لأنك أنت هي الزهرة النيرة غير المتغيرة ” من الأجبية .

١٣- سفينة نوح :-

يقول الوحي في سفر التكوين “… أدخل أنت وجميع بنيك إلي الفلك لأني أياك رأيت باراً لدي في هذا الجيل”(تك ٧: ١) .

إشارة إلي أن الفلك هو مريم العذراء التي منها خرج منقذ الشعوب والأمم وهو يسوع المسيح ربنا الذي جاء ليخلص الخطاة كما كان فلك نوح وسيلة لإنقاذ بيته من الطوفان للفساد والخطية السائدة والدنس المسيطر علي هذا الجيل ، فكان أيضاً الفلك وسيلة للإنقاذ من عذاب الجحيم والنار الأبدية التي لا تطفأ والدود الذي لا يموت .

١٤- النخلة :-

يقول سليمان الحكيم في سفر نشيد الأناشيد ” قامتك هذه شبيهة بالنخلة وثدياك بالعناقيد “(نش ٧:٧) .

إشارة إلي السيدة العذراء لأن النخلة عالية جداً وعلي قدر علوها تمد جذورها في الأرض ومريم العذراء علي قدر علوها ومجدها السامي فوق الملائكة والبشر علي قدر إتضاعها ووداعتها التي لم يماثلها فيها أحد من الناس حتي أنها قالت بالروح القدس ” هأنذا أمة الرب ” وقالت ” لأنه نظر إلي إتضاع أمته …” .

١٥- أبواب إبنة صهيون :-

يقول المزمور ” أحب الرب أبواب صهيون أفضل من جميع مساكن يعقوب وأعمال كريمة قيلت عنك يا مدينة الله “. (مز ٨٧: ٢)

إشارة إلي أن الله أحب العذراء مريم وإختارها أكثر من جميع عذاري إسرائيل ، أما الأعمال الكريمة التي قيلت عنها كمدينة الله ، لأن صهيون كما جاء عنها في قاموس الكتاب المقدس أنها الجبل المشمس الجاف أي شمسه مشرقة عليه دائماً ويطلق هذا الإسم علي أورشليم كلها كما أن صهيون محاطة بسور منيع وهي أشرف قسم في أورشليم حيث يوجد بها بيوت العظماء والأكابر ويُذكر أن السيد المسيح له المجد صنع في غرفة من مبانيها العشاء الرباني ويقول المفسرون أن صهيون معناها صخرة قوية ، وكلها إشارات للسيدة العذراء وإبنها يسوع الذي أحبها أكثر من عذاري إسرائيل ، وكل ما قيل عن صهيون يوجد في (مز ٤٥ : ١٠) ، (مز ٧٥: ١) ، (مز ١٣٢: ١٣) ، (مز ٨٧: ٥) .

بهذا العرض السابق نستطيع القول بأن العهد القديم أشبه بأسوار عالية منيعة تحتضن العهد الجديد وتحيطه لتعلن ما بداخله من مجد كما لو كانت مصابيح فوق هذه الأسوار لتعلن للعيون البشرية مجد العهد الجديد وعلو البنيان الروحي .

لذلك نري أن الرب يسوع أكد أهمية العهد القديم بقوله عن يونان النبي ” جيل فاسق وشرير يُطلب آية ولا تعطي له إلا آية يونان النبي “(مت ١٢: ٣٩) .

كما أن البشير متي إستعان بنبوات العهد القديم لتحقيق البر الخلاص الذي للعهد الجديد في عبارات كثيرة بقوله (لكي يتم ما قيل بالنبي … لكي يتم المكتوب … كما جاء بالأنبياء…) وهكذا في حوالي ٤٨ مرة يستشهد بالأنبياء من العهد القديم ليربطه بالعهد الجديد في دائرة الحب .

لهذا لا نستطيع أن نحصي النبوات أو الرموز أو الإشارات التي وردت في العهد القديم عن مجيء الرب في الجسد من العذراء مريم ورحلة الخلاص لأجل الإنسان .

وقد زاد عدد النبوات عن ٣٠٠ نبوة مبتدئة من البشارة به إلي قيامته من بين الأموات ونزوله الجحيم وإطلاق المأسورين …وصعوده إلي السماء .

فمباركة أنت يا مريم من خلال النبوات قبل ميلادك ، ومباركة أنت يا مريم أفضل من المولودين معك بل تباركن كل العذاري بميلادك معهن ، فمباركة أنت أفضل من السماء ومكرمة أفضل من الأرض ، فقت كل فكر فمن يقدر أن يصف كرامتك يا مريم .

نساء كثيرات نلن كرامات تعاليت أنت أكثر من جميعهن فكنت الجوهرة المعهود لها بالخلاص والتي يبحث عنها الأنبياء في النبوات حتي أصبحت فخر العهد الجديد ونعمته[12].

 

 

 المتنيح الأنبا إبيفانيوس أسقف ورئيس دير القديس أنبا مقار

ملء الزمان

+ ” ولكن لما جاء ملء الزمان ، أرسل

الله ابنه مولوداً من امرأة ، مولوداً

تحت الناموس ، ليفتدى الذين تحت

الناموس ، لننال التبنى ” (غل ٤ : ٤- ٥)

” لكل شىء زمان ، ولكل أمر تحت السموات وقت ” (جا ٣ : ١) ، هكذا يقرر سليمان الحكيم فى سفر الجامعة اذ يرى أن ” للولادة وقت وللموت وقت ” ، وأن الله ” صنع الكل حسناً فى وقته ” (جا ٣ : ٢ ، ١١) ويتكلم الملاك جبرائيل مع دانيال النبى عن خطة الله وتدبيره فى تعيين الأوقات وتحديد الأزمنة ، اذ يخبره عن الوقت الذى حدده الله لمجىء الرب يسوع فيقول : ” سبعون أسبوعاً قضيت على شعبك وعلى مدينتك المقدسة لتكميل المعصية وتتميم الخطايا ، ولكفاره الاثم ، وليؤتى بالبر الأبدى ، ولختم الرؤيا والنبوة ، ولمسح قدوس القدوسين ” (دا ٩ : ٢١ – ٢٤)

وهكذا نرى الرب يسوع ، بعد أن اعتمد فى نهر الأردن ، يبدأ خدمته قائلاً : ” قد كمل الزمان ” (مر ١ : ١٥) والقديس بولس الرسول يؤكد على اكتمال الزمان هكذا قائلاً : ” ولكن لما جاء ملء الزمان ، أرسل الله ابنه مولودا من امرأة ” (غل ٤ : ٤)

ولكن ما معنى عبارة ” قد كمل الزمان ” ؟ أو ما هو قصد القديس بولس من عبارة ” ملء الزمان ” ؟ هل يقصد تاريخاً عشوائياً ؟ أم أنه كان يرى بالأحرى ، أن العالم قد أصبح الأن مهيئاً أكثر من أى وقت مضى لتدخل الله ومجىء المسيا المنتظر ؟

قد يكون من العسير أن نحيط احاطة كاملة بما يقصده بولس الرسول من ” ملء الزمان ” ولكننا اذا حاولنا دراسة أحوال العالم وقت ولادة الطفل يسوع ، والأمور التى أدت الى سرعة انتشار الانجيل ، أمكننا معرفة بعض المعانى التى كانت تراود فكر الرسول بولس

الحالة الروحية

كان الشعب اليهودى يحلم منذ قرون عديدة بالملك الذى من نسل داود ، الذى سيأتى ويعيد اليهم مجدهم الضائع ولكن بسبب خضوع اليهود المرة تلو الأخرى للغزو العسكرى من الشعوب المجاورة ، تبدد الأمل فى مجىء هذا الملك الأرضى لذلك تولد عندهم أمل آخر فى مجىء ملك له صفات الهية ، كما بشرهم اشعياء النبى :

+   ” لأنه يولد لنا ولد ونعطى ابناً ، وتكون الرياسة على كتفه ، ويدعى اسمه عجيباً ، مشيراً ، الهاً قديراً ، أباً أبدياً ، رئيس السلام  لنمو رياسته ، وللسلام لا نهاية على كرسى داود وعلى مملكته ، ليثبتها ويعضدها بالحق والبر ، من الآن الى الأبد ” (اش ٩ : ٦-٧)

هذا الملك سوف يأتى فى ” يوم الرب ” ، ويدين أعداء اسرائيل ، ويحقق السلام والعدل بين شعبه اسرائيل:

+   ” لذلك يقول السيد رب الجنود عزيز اسرائيل : آه إ  انى أستريح من خُصمائى وأنتقم من أعدائى وأعيد قضاتك كما فى الأول ، ومُشيريك كما فى البداءة بعد ذلك تُدعين مدينة العدل ، القرية الأمينة ” (أش ١ : ٢٤ – ٢٦)

ولم يكن اشعياء النبى فقط هو الذى بعث فيهم هذا الأمل ، فقد تنبأ لهم حزقيال النبى أيضاً برسالة من الله يخبر فيها الشعب أن الله سنزل بنفسه ليرعى شعبه اسرائيل :

+     ” وكان الىّ كلام الرب قائلا : يا ابن آدم ، تنبأ على رعاة اسرائيل ، تنبأ وقل لهم : هكذا قال السيد الرب للرعاة : ويل لرعاة اسرائيل ، الذين كانوا يرعون أنفسهم ألا يرعى الرعاة الغنم ؟ تأكلون الشحم ، وتلبسون الصوف وتذبحون السمين ، ولا ترعون الغنم المريض لم تقووه ، والمجروح لم تعصبوه ، والمكسور لم تجبروه ، والمطرود لم تستردوه ، والضال لم تطلبوه ، بل بشدة وبعنف تسلطتم عليهم فتشتت بلا راع وصارت مأكلاً لجميع وحوش الحقل ، وتشتتت ضلت غنمى فى كل الجبال ، وعلى كل تل عال ، وعلى كل وجه الأرض تشتتت غنمى ولم يكن من يسأل أو يفتش

فلذلك أيها الرعاة اسمعوا كلام الرب : حى أنا يقول السيد الرب  هأنذا على الرعاة وأطلب غنمى من يدهم ، وأكفهم عن رعى الغنم هأنذا أسأل عن غنمى وأفتقدها كما يفتقد الراعى قطيعه يوم يكون فى وسط غنمه المشتته ، هكذا أفتقد غنمى وأخلصها أنا أرعى غنمى وأربضها ، يقول السيد الرب ” (حز ٣٤ : ١ – ١٥)

وحتى وقت ميلاد المسيح كان هذا الأمل نفسه قد خفت ، على الأقل فى الأوساط الكهنوتية التى لم يكن يعنيها من الدين سوى تتميم الفرائض الطقسية والتمسك بتقليدات الشيوخ البالية0 ولم يعش هذا الأمل الا فى النفوس التقية التى كانت تنتظر مجىء المسيّا وتحيا كل يوم بهذا الرجاء وخير مثال على هذه الفئة المتيقظة لمواعيد الرب ، سمعان الشيخ الذى  كان باراً تقياً  ينتظر تعزية اسرائيل  ” فبعد أن أخذ الطفل يسوع على ذراعيه ، بارك الله وقال : ” عينىّ قد أبصرتا خلاصك ، الذى أعددته قدام وجه جميع الشعوب نور اعلان للأمم ، ومجداً لشعبك اسرائيل ” (لو ٢ : ٢٥ – ٣٢) وهذه امرأة أخرى تقية وهى حنة بنت فنوئيل ، التى عاشت على هذا الرجاء ، عندما علمت بمجىء الرب : ” وقفت تُسبح الرب ، وتكلمت عنه مع جميع المنتظرين فداء فى أورشليم ” (لو ٢ : ٣٦ – ٣٨) أما الكهنة الذين كانت مهمتهم دراسة الشريعة ومعرفة الأزمنة والأوقات فكانوا منشغلين باهتماماتهم الخاصة ، لذلك فاتهم ادراك ملء الزمان الذى حدّده الله لافتقاد شعبه

بَيدَ أن الأمل فى مجىء المسيّا كان له مفهوم آخر عند البعض ، فالله سيأتى فى الزمان الذى حدده ، ليس لكى يفتقد شعبه وينجيه من أيدى أعدائه فقط ، بل ليصبّ غضبه على الأشرار وينتقم من فاعلى الاثم وها هو يوحنا المعمدان الذى أتى ليعدّ طريق الرب ، والذى كان مجيئه وظهوره فى البرارى احدى الخطوات التى مهّددت لاكتمال الزمان ، ها نراه يحذّرّ الشعب أن مجىء المسيا هو للانتقام من فاعلى الشر :

+  ” يا أولاد الأفاعى ، من أراكم أن تهربوا من الغضب الآتى ؟ فاصنعوا أثماراً تليق بالتوبة أنا أعمدكم بماء للتوبة ، ولكن الذى يأتى بعدى هو أقوى منى هو سيعمدكم بالروح القدس ونار الذى رفشه فى يده وسيُنقى بيدره ، ويجمع قمحه الى المخزن،وأما التبن فيحرقه بنار لا تطفأ “(مت ٣ : ٧ – ١٢)

لقد جاء يوحنا المعمدان لكى يُمهد الطريق لمجىء المسيا ، لكن المستوى الذى وصل اليه حال الشعب ، وخاصة الكهنة وقادة الشعب ، حتّم عليه أن يبشّرهم بسرعة مجىء الرب للانتقام فالناموس أو التوراة التى كانت تمثّل حجر الزاوية فى حياة كل الشعب اليهودى ، صارت أداة فى يد الكهنة والفريسيين ليحكموا بها الشعب حسب مصلحتهم الخاصة وأهوائهم الشخصية

والشريعة التى نزلت لتكون خادماً للشعب تعينه على الخلاص ، صارت سيداً قاسياً لا يرحم وبدلاً من أن تكون منهجاً لللتوجيه والارشاد فى الطريق الروحى ، صارت هى فى حد ذاتها الطريق الذى به نظن أننا نترضى وجه الله

لقد حوّل الفريسيون الشريعة الى حمل ثقيل أرهقوا به كاهل الشعب ، ونصّبوا أنفسهم رقباءَ على الشعب ليجبروهم على تتميم الشريعة واحترام التقاليد والتفاسير والشروحات التى فرضوها عليهم وهكذا سلبت الشريعة بهجة الحياة ، وخلقت فى الشعب الاحساس بالخطية والذنب لعدم امكانية تتميم متطلباتها القاسية الأمر الذى وبّخ عليه يسوع الفريسيين عندما قال لهم : ” انهم يَحزمُونَ أحمالاً ثقيلةً عسرة الحمل ويضعونها على أكتاف الناس ، وهم لا يريدون أن يحركوها باصبعهم ” (مت ٢٣ : ٤) وقد كتب بولس الرسول الى أهل غلاطية يذكرهم أن الناموس ” قد زيد بسبب التعديات لأنه لو أعُطى ناموس قادر أن يُحيى ، لكان بالحقيقة البرُ بالناموس ” ، وأنه قبل نزول الناموس بأربعمائة وثلاثين سنة عاش ابراهيم فى سلام مع الله بالايمان وأن الناموس بهذه الطريقة التى مارسها الفريسيون لم يحقق للشعب سوى الوقوع تحت اللعنة والدينونة (غل ٣ : ٦ – ٢١)

ان صراخ الشعب وأنينه نتيجة ثقل الناموس ونيره القاسى وعدم جدوى التوجيه الروحى لقادة الشعب ، كان من العوامل الهامة التى مهّدت لاكتمال الزمان ولسرعة مجىء المخلص ، تماماً كما كان صراخ الشعب من أجل مسخريهم فى مصر سبباً فى اكتمال الزمان لتدبير خلاصهم واخراجهم من أرض مصر وارسال موسى النبى لانقاذهم (خر ٣ : ٧ – ١٠)

الواقع السياسى والثقافى

من المحتمل أن الرسول بولس كان يقصد أيضاً ب ” ملء الزمان ” ، الوضع السياسى والثقافى الذى كان عليه العالم وقتئذ فقد كان العالم ثقافياً مُمهّداً لظهور المسيا فاللغة اليونانية أصبحت هى لغة الثقافة السائدة فى العالم المتحضر المعروف آنذاك ، أى داخل حدود الامبراطورية الرومانية وقد ساعدت اللغة اليونانية الرسل والكارزين فى سرعة انتشار الكرازة بالانجيل ، وذلك فى مقابل اللغة العبرانية والآرامية التى لم تكن معروفة الا فى حدود أرض فلسطين

أما عن الوضع السياسى فقد ساد السلام الرومانى أرجاء العالم ، وأصبحت طرق الاتصال ممهدة ومتيسرة ، بل ومأمونة أيضاً وقد سهل ذلك على الرسل الانتقال براً وبحراً داخل حدود الامبراطورية ، بل والذهاب الى روما نفسها لتبشيرها بالمسيح لأنه بالرغم من الاضطهادات التى واجهها الرسل ، فان الدولة الرومانية كانت مستعدة لتقبل أية ديانة جديدة بل ان الفلاسفة اليونان أنفسهم كانوا قد مهدوا بتعاليمهم لاستقبال الدين الجديد الذى سيحقق لهم السلام ويمتعهم بالحياة فى ” المدينة الفاضلة ” التى كانوا ينادون بها

أما الوضع السياسى داخل حدود الدولة اليهودية فكان يعانى من المخاض ، وكان فى أشد الاحتياج لظهور المسيا فقد وُلِدَ المسيح فى أيام الملك هيرودس الكبير ، هذا الملك الذى كان يمثل الشر بعينه فقد كان يستخدم سلطانه لسحق أى تمرد سواء كان حقيقياً أو حسب تخيلاته وقد أراق دماء خمسة وأربعين من أعضاء المجمع اليهودى ( السنهدريم ) فى بداية حكمه ، كما أنه قتل زوجته وحماته وثلاثة من أشقائه بدافع الغيرة حتى فى موته كان قد أمر بقتل مجموعة من أعيان الشعب ليضمن أنه سيكون هناك مناحة كبيرة فى المدينة يوم وفاته

ولا ننسى الاجراءات التى اتخذها بعد عودة المجوس الذين حضروا للسجود لطفل المزود ، فقد أمر بقتل جميع أطفال بيت لحم حتى يتأكد من القضاء على هذا الطفل الملك الذى أعلمه المجوس ، بل والكهنة أيضاً ، أنه سيولد فى بيت لحم لقد كان هيرودس يمثل بالحقيقة ” رئيس هذا العالم ” ، الذى شحذ كل قواته لقتل طفل المزود البرىء وفيه تحقق قول يوحنا الانجيلى أن النور جاء الى العالم وأنه أضاء فى الظلمة والظلمة لم تدركه انه فى حكم الملك هيرودس كان ” ملء الزمان ” قد اقترب ليُظهر الله قوته ويعلن حضوره

التلاميذ والرسل

يمكننا أيضاً أن نقول ان الله كان يهيىء لنفسه آنية سبق فأعدها ليكون لها دور فى ” ملء الزمان ” ، كما يوضح لنا بولس الرسول فى رسالته الى أهل غلاطية : ” ولكن لما سرّ الله الذى أفرزنى من بطن أمى ، ودعانى بنعمته ، أن يعلن ابنه فىّ لأبشر به بين الأمم  (غل ١ : ١٥ ، ١٦) لقد كانت الكرازة بالمسيح تحتاج الى أشخاص مثل بطرس واندراوس ، ويعقوب ويوحنا ، وأكيلا وبريسكلا ، لكى تُنشر كلمة الخلاص وتُبشر الشعب بمجىء المسيا وبالأحرى كانت تحتاج الى شخص مثل بولس الرسول ، الذى نادراً ما يجود الزمان بمثله ، الذى فيه اجتمعت الديانة اليهودية والثقافة اليونانية والمواطنة الرومانية ، حتى يحمل الانجيل بلا عائق ويجول فى جميع أرجاء المسكونة ينادى لهم ببشرى الخلاص

لقد وجد الله فى شاول الطرسوسى ، الذى صار بولس الرسول ، اناءً مختاراً ليحمل اسمه أمام أمم وملوك بنى اسرائيل (أع ٩ : ١٥)

أخيراً وليس آخراً ، كان الله يعد لنفسه فى ملء الزمان ، فتاة عذراء قديسة ، تكون أهلاً لأن يتجسد فى أحشائها وتكون أمينة على سر التجسد هذه العذراء التى سبق فرآها اشعياء النبى قبل التجسد بسبعمائة عام وتنبأ قائلاً : ” ها العذراء تحبل وتلد ابناً وتدعو اسمه عمانوئيل ” (إش ٧ : ١٤) ، والتى رآها حزقيال النبى فى الرؤيا وقال :” هذا الباب يكون مغلقاً ( نبوة عن بتولية العذراء) ، لا يُفتح ولا يدخل منه انسان ، لأن الرب اله اسرائيل دخل منه فيكون مغلقاً ”     (ح[13]ز ٤٤ : ٢)

قد يكون هذا هو ما دار بفكر القديس بولس عندما كتب لأهل غلاطية عن ” ملء الزمان ” ، وبالأولى بفكر الرب يسوع عندما أعلن أنه ” قد كمل الزمان ” لكننا نؤمن أنه عندما وجد الله الوقت قد حان ، وأنه هذا هو الميعاد المناسب والوقت المقبول ، أرسل الله ابنه الى العالم ليفتدى الذين فى العالم لننال التبنى

 

 

عظة للمتنيح القمص لوقا سيداروس

بشارة الملاك للعذراء

+ ليتنا نتأمل اليوم في بشارة الملاك جبرائيل للعذراء القديسة مريم وكلماته معها التي تكشف لنا عن شخصيتها الفريدة وشركتها مع الله لعلنا نأخذ بركة لحياتنا بشفاعتها .

تحية الملاك

تحية الملاك للعذراء خالية من المجاملات … وتختلف عن تحية الناس . أنها تكشف عن حقيقة العذراء أمام الله ، والتي وما زالت أسراراً غاية في العمق . لأن العذراء القديسة لم تكن لأحد : لأنها كانت كلها للرب ، فمن يا ترى يعرف سرها أو من يستطيع أن يخبر بما في قلبها ، انها جنه مغلقه ، ينبوع مختوم كما يقول سليمان الحكيم .

ممتلئة نعمة : ” السلام لك يا ممتلئة نعمة ” .

الامتلاء من النعمة يسبقه دائماً تفريغ القلب من العالم والعالميات … ومن يا ترى بلغ هذا الأخلاء والتفريغ لله مثل العذراء… عاشت بكليتها لله لم تأخذ من العالم لا اسم ولا مركز ولا شهوة ولا سلطان ولا كرامة ولا مجد من الناس ولا ملكية في شيء . عاشت في العالم ومع الناس ، ولكن قلبها كان مسكناً لله وليس لآخر … طوباك يا ممتلئه نعمة – ” اشفعى فينا لكى يعطينا الرب أن نمتلئ من النعمة ” … عندما نتكلم عن العذراء القديسة نتكلم عن ملئها من النعمة ، وحينما تخدم العذراء تخدم من ملئ النعمة ، كل حركة في حياتها كانت ممسوحة بالنعمة . ” أشفعى فينا أن تصير حياتنا وكلامنا بنعمة في كل حين مملحاً بملح لكى يعطى نعمة للسامعين ” … ” اشفعى فينا يا ممتلئه نعمة لكى تصير حياتنا نوراً للعالم وملح للأرض وتكون سبب بركة وخلاص لكل أحد ” .

الرب معك

لم يختبر أحد من الناس حياة الوجود مع الله . قدرك أيتها العذراء القديسة هكذا شهد لك جبرائيل المبشر . أن الرب الإله حال معك . لأنك خضعت بكليتك لحبه الإلهي واتضعت أمامه حتى تطلع من السماء فلم يجد من يشبهك ، وها جبرائيل يحمل إليك بشارة حلول أبن الله في أحشائك ، طوباك يا من عرفت كيف تكون الحياة مع الله فأ نعم عليك بالأتحاد به كجنين في بطنك . وها أنت صرت مثل قسط الذهب الذى صار المن المخفي فيه . ” أشفعى فينا يا من في داخلك أستراح أبن الله وقدم نفسه فيك خبز الحياة النازل من السماء من عند الآب ” . ” أشفعى فينا يا كرسى الله . وأفتحى أمامنا باب الاتحاد بالله وعلمينا أن نقترب إلى خبز الحياة ونأخذ جسد الكلمة من على المذبح ونحيا به من الموت ونثبت فيه وهو فينا ” .

مباركة أنت في النساء

بسبب حواء دخلت اللعنة والخطية إلى العالم. وبسبب العذراء صار الخلاص والفداء لجنسنا . صرت بركة وسبب بركة وتبارك في نسلك كل قبائل الأرض . السماء تطوبك أيتها العذراء القديسة . وكل البشر يكرمونك من أجل أنك صرت بركة للجميع . حتى الذين ينكرون الإيمان يتشفعون بك في ضيقتهم . يعرفون حقاً أنك مباركة في النساء . أشفعى فينا لكى نكون باتحادنا بالمسيح وعمل روح القداسة بركة لكل أحد ، نحب بعضنا من قلب طاهر فنكون تلاميذ الرب . نقدم المسيح للعالم ونسعى كسفراء نقول للناس تصالحوا مع الله فنكون مباركين وسبب بركة .

فلما رأته اضطربت من كلامه وفكرت ما عسى أن تكون هذه التحية .

ما أجمل اتضاعك يا أمي العذراء . انك في عينى نفسك لا تستحقي كل هذا الكلام لهذا اضطربت . لم تقبلوه مدحاً من إنسان ولا أخذت أجرة من الناس . كانت حياتك السرية مع الله تخشى كلام الناس وفضول المديح الكاذب .

علمينى يا أمى وأشفعى في أن أكون في أتضاع مثل سيدى الذى قال ” مجداً من الناس لست أقبل ” هذا طريق صعب انه ضد طبيعتي التي تريد أن تتعظم أمام الناس وتقبل مجد العالم .

علمني أعمل في الخفاء وأصلى والمخدع وأبغض حب الظهور وأنكر ذاتي ولا أفرح بكلام الناس عنى ، بل أضطرب حتى لو مدحنى ملاك من السماء . إن العذراء القديسة لم تضطرب من منظر الملاك مثلما قيل عن زكريا الكاهن ” فلما رآه زكريا أضطرب ووقع عليه خوف ” . لأنها كانت تنظر في داخلها منظراً أعظم من ملاك ، إذ صار قلبها عرشاً لله ومسكناً لروحه القدوس إنما هي اضطربت من كلامه ومديحه .

تلدين ابناً وتسمينه يسوع : إن أسم يسوع معناه المخلص .

القديسون عرفوا قيمة هذا الاسم المبارك ، أسم الخلاص الذى لربنا يسوع ، فعشقوا هذا الاسم وصار في أفواههم تسبحة دائمة وصلاة بلا انقطاع ، أما العذراء القديسة مريم فهي أول من تلامس مع أسم يسوع على مستوى الاتحاد ، فلم يكن أسم يسوع كلمة في فمها ، بل كان الكلمة التي في أحشائها ، ولم تكن العلاقة بين العذراء القديسة وجنينها الإلهى مجرد علاقة جسدية ، بل كان هناك رباط آخر وهو إدراك العذراء ومعرفتها باسم الجنين ” يسوع المخلص ” ومعرفتها بقوة الخلاص روحياً . لذلك هتفت قائلة : ” تعظم نفسى الرب وتبتهج روحي بالله مخلصي ” . ان العذراء لم تحمل الرب كجنين في بطنها فقط ، بل كقوة للخلاص تمتعت بها العذراء في روحها وفى أحشائها الباطن .

” شفاعتها تكون معنا آمين ”  .

 

 

المتنيح القمص تادرس البراموسي

 

مباركة أنت في النساء (لو ١ – ٢٦ – ٣٨ )

لم يأتي الملاك جبرائيل لزكريا والقديسة مريم العذراء فقط بل ظهر لكثيرين في العهد القديم . وكل ما ظهر حمل معه أنباء هامه وبشارة مفرحة . كانت مريم العذراء فتاه صغيرة وفقيرة وهى صفات تجعلها تبدوا في نظر أهل العالم أنها لا يمكن أن يستخدمها الله في عمل جليل مثل هذا ألا أن الله تبارك أسمه أختارها وميزها عن الكثيرات من بنات جنسها قد يشعر الإنسان أن ظروفه في الحياة لا تسمح له بخدمة الله لكن اختيار الله وحكمته تختلف كثيرًا عن أفكار البشر لما أختار الله داود النبى ليكون ملكاً على إسرائيل لم يفكر داود وكل من حوله في الملك لكن الكتاب يقول الإنسان ينظر للوجه لكن الله ينظر للقلب . لا تحد من اختيار الله فقد يستخدمك ويختارك لشيء يراه هو فيك . ويعضدك ويسندك أن بركة الله ونعمته لا تجلب بالتعيين أو بالتشهير به . السيدة العذراء لما أختارها الله لم تفكر في عائلتها . أو أي أمر أخر الموضع الذى اختبرت له لم يكن بالهين مثل أي منصب تشغله وبعد قليل تتركه أنها قد صارت أماً للرب يسوع وعاشت حياتها بأتعاب كثيرة وألام ، رآها الناس وعايروها . وهذأوا بها . كما أن خطيبها يوسف لما علم بأمر حبلها أراد تخليتها سراً لولا أن الملاك أتاه وقال له لا تخف أن تأخذ امرأتك لأنها حبلى من الروح القدس والمولود منها يدعى أبن الله . قالت ها أنا أمة الرب ليكن لى كقولك . هوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوبنى لأن القدير صنع بى عظائم وأسمه قدوس قال لها الملاك مباركة أنت في النساء ومباركة هي ثمرة بطنك . لذلك أدت طاعتها وخضوعها . إلى خلاصنا فأن نسبت البركات المعطاه لنا من الله في الآلام فلا نخاف ونتشفع بالقديسة مريم أم الله وأنتظر بصبر أن يعطيك الله كل ما تطلبه وكل ما تتمناه

 

العظة الأولى

أ – البشارة العجيبة وربطها بحبل أليصابات

ب – وقوف الملاك بخشوع أمام العذراء

ج – ألقاء السلام ولقبها بالمباركة

د – اضطراب وخوف لأنها لم تتوقع ذلك

هـ – طمأنينة وخبر مفرح وبشارة سارة

و – عظمة المولود وانه أبن الله

ذ – اعتراض لأنه بخلاف الطبيعة

ح – الفرق بين رد الملاك على العذراء وزكريا

ط – المواود قدوس وأبن العلى

ى – تأكيد البشارة بحبل العاقر

ك – قبول البشارة والتسليم الكامل

العظة الثانية

أ – عذراء وملاك وبشارة

ب – سلام ونعمة ورسالة

ج – اضطراب واعتراض ومسئولية

د – ملك عظيم وأله أبدى

هـ – خبر مزعج عذراء تحبل وولادة

و – عاقر وشيخوخة ومولود

د – عجائب ثنائية وغريبة عذراء وعاقر

ح – محبة ملائكية وبشارة سمائية

ط – قداسة المولود وأكمال الوعود

ى – تكميل النبوات ونسيان ما فات

العظة الثالثة

أ – مدينة صغيرة وعذراء يتيمه وبشرى عظيمه

ب – عذراء نقية وشيخ جليل وملاك مبشر

ج – السلام لمستحقيه ونعمة إلهية

د – خوف واضطراب واستغراب من قوة الحدث

هـ – حبل بلا رجل وملاك مطمئن وطفل إله

و – خشوع وطاعة وخضوع

ذ – تأكيد ووعيد وقبول وسلام

ح – البشرى بالإله ورفع المعاناة

ط – فرحت حواء وزال الشفاء

ى – تجبير الكسور ومعالجة الأمور

 

 

المتنيح القمص بولس باسيلي

نعمة فريدةوشركة مجيدة إ

تقسيم على ضوء القراءات الكنسية

البولس        :      (رو ٣: ١-٤)

الكاثوليكون    :     (١يو ١: ١-٢)

الابركسيس    :     (أع ٧: ٢٠- ٣٤)

الانجيل         :      (لو١: ٢٦- ٣٨)

 القسم الأول —  مفاهيم قراءات الفصل

(1)          البولس يشير الى ايمان العذراء :

فيقول الرسول بولس فى رسالته هنا ” آمن ابراهيم بالله فحسب له براً ” وعلى هذا القياس نستطيع أن نقول ” آمنت العذراء بالله فحسب لها براً ” ” طوبى للتى آمنت أن يتم ما قيل لها من قبل الرب ” ” ها أنا أمة الرب ليكن لى كقولك .

(2)          الكاثوليكون يشير الى أزلية المولود :

فيقول الرسول يوحنا ” الذى كان من البدء الذى سمعناه الذى رأيناه بعيوننا الذى شاهدناه ولمسته أيدينا من جهة كلمة الحياة ، فان الحياة أظهرت وقد رأيناه ونشهد ونخبركم بالحياة الأبدية التى كانت عند الآب وأظهرت لنا “.

(3)          الأبركسيس يشير الى رموز الولادة الالهية :

اذ أشار سفر الأعمال الى ظهور الله فى العليقة وهى رمز واضح ناطق الى حبل السيدة العذراء وحلول جمر اللاهوت فيها ولم تحترق .

وهناك أيضاً اشارة أخرى الى ولادة المخلص اذ قال الوحى ” لقد رأيت مشقة شعبى الذين فى مصر وسمعت أنينهم ونزلت لأنقذهم ، وهذه نبوة عن مجىء مخلص العالم يسوع المسيح .

    القسم الثانى – نعمة فريدة

(1)          النعم نوعان : نعم أرضية ونعم سمائية :

  • النعم الأرضية :

مثل ما جاء فى العهد القديم عن أستير الملكة أنها حازت على نعمة فى عينى الملك ، وعن يوسف أنه نال نعمة فى عينى فرعون ، لكن هذه النعم رغم أنها من ملوك الأرض الا أنها مهددة وزائلة.

  • النعم السمائية :

ومثل هذه النعم والبركات السمائية حنة أم صموئيل التى نالت نعمة فى عينى الرب فأنعم عليها بصموئيل النبى العظيم ، واليصابات التى نالت نعمة فى عينى الرب فأعطاها يوحنا أعظم مواليد النساء 0 لكن هذه النعم برغم كونها من السماء الا أنها نعم ناقصة لأنها فى ظل الناموس ” والناموس بموسى أعطى لكن النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا ” .

( 2) الممتلئة نعمة :

ان عذراءنا فاقت على هؤلاء وأولئك لأنها ممتلئة نعمة ، وهو لقب لم يعط لبشر من قبل أو بعد.

  • ممتلئة نعمة التواضع : ” لأنه نظر الى اتضاع أمته “.
  • ممتلئة نعمة البتولية : فرغم أنها ولدت يسوع الا أن هذه ” الوالدة ” ” عذراء ” وهى ” العذراء كل حين ” ” والدائمة البتولية “.
  • ممتلئة نعمة الأمومة :

وهى الأم المثالية ” أم الله ” ” ومن أين لى هذا أن تأتى أم ربى الىّ ” وهى ” المدينة ” التى يسكن فيها الله ، فلئن كان الله مسبحاً فى جميع قديسيه ، الا أنه مسبح جداً فى ” مدينة الله ” هكذا يرنم داود النبى ويقول ” كمثل ما سمعنا كذلك رأينا فى مدينة رب القوات ، فى مدينة الهنا  عظيم هو الرب ومسبح جداً ، فى مدينة الهنا على جبل المقدس ” (مز٤٧: ١).

+++++++++++++++++++++++++++

القسم الثالث – شركة مجيدة

(1)          شركة بالرب :

” الرب معك ” ان شركة مريم بمخلصها وابنها القدوس شركة عظيمة حقاً ، فقد كانت تتأمل  والتأمل على حد تعبير كارليل الفيلسوف ضرب من التعبد ، قال الوحى عنها ” كانت تحفظ كلام الله متفكرة به فى قلبها ” (لو ٢: ١٩) وكانت تحفظ جميع الأمور الخاصة بابنها فى قلبها ” (لو ٢: ٥١) من أجل ذلك تنبأ عنها النبى ” كل مجدها الروحى انما هو من داخل مشتملة ومتزينة بأشكال كثيرة ” ( مز٤٤: ١٤و ١٥).

فلئن كان المسيح القدوس سكن فى أحشائها ، الا أنها هى أيضاً ” سكنت ” معه فى أفكارها وتأملاتها وهذا هو عمق الشركة المجيدة مع الله .

(2)          طاعة للرب :

وشركتها بالرب وحفظها كلام الرب جعلها خاضعة مطيعة ، ويبدو هذا جلياً فى عرس قانا الجليل حيث فرغت الخمر فقالت العذراء ليسوع ، ليس لهم خمر ، فلما لم يكن هذا طبق برنامجه المقرر  قال لها ان ساعته لم تأت بعد فلم تغضب بل فى روح الطاعة والفهم قالت للخدام ” مهما قال لكم فأفعلوه ”

+++++++++++++++++++++++++++++++++++

 

تأملات روحية نقاط تفسيرية

فى عظة الأحد الثانى من شهر كيهك

(لو ١: ٢٦—٢٧)

  • ” اسمه يسوع ” :

قال الوحى ” يدعى اسمه يسوع لأنه يخلص شعبه من خطاياهم “(مت١: ٢١) ان كلمة يسوع هى الصيغة اليونانية للكلمة العبرية ” يهوشوع ” وتفسيرها ” الله يخلص ”

كثيرون فى العهد القديم دعى عليهم الاسم العجيب ” مخلص ” كيشوع بن نون الذى خلص شعب اسرائيل ، وأدخلهم أرض كنعان وكان رمزاً الى يسوع مخلص العالم ، ودعى يوسف وجدعون وغيرهم أيضاً بهذا اللقب ، لأنهم خلصوا شعوبهم من هلاك أو عبودية زمنية ودخلوا حروباً ومعارك سفكوا فيها دماء كثيرة وخرجوا ظافرين  أما يسوع فقد دخل معركته الكبرى مع الشيطان ولم يسفك دماء أعدائه بل جاد بدمه هو ” والجود بالدم أقصى غاية الجود ” لأنه قد جاء يخلص ما قد هلك ” (مت ١٨: ١١) ” وهو الذى بذل نفسه فدية عنا ” (١بط ٢: ٤٢) ، ” لم آت لأدين بل لأخلص العالم (يو ١٢: ٤٢) ” ان المسيح يسوع جاء ليخلص الخطاة الذين أولهم أنا ” (١تى ١: ١٥).

  • ” وابن العلى يدعى ” :

ان الطفل يسوع ابن العلى يدعى ” القدوس المولود منك يدعى ابن الله ”

ان الله روح ، والمسيح هو من روح الله  اذن هو من ذات جوهر الله اذن له طبيعة الله فاذا كان المسيح الهاً وله طبيعة الله ، وأنه من روح الله ، وأنه هو ابن العلى ، أفلا يفهم من هذا أنه الله ، ان اسم ” القدوس ” من أسماء الله التى ينفرد بها ، وقد تنبأ عن هذا الأسم اشعياء النبى فقال ” لأنه هكذا قال العلى المرتفع ساكن الأبد القدوس اسمه ” (اش٥٧: ١٥) وهو نفس الأسم الذى شهدت به العذراء ” واسمه قدوس ” (لو١: ٤٩) فان كان لقب ” القدوس ” هو أحد أسماء الله تعالى ، ثم قيل عن المسيح انه قدوس ، أفلا يعنى ذلك أن المسيح هو الله ؟؟؟إ

ان المسيح ” قدوس بلا شر ولا دنس قد انفصل عن الخطاة وصار أعلى من السموات ” (عب٧: ٢٦) ، والقديس بطرس يشهد عنه أنه ” الذى لم يفعل خطية ولا وجد فى فمه مكر ” (١بط ٢: ٢٢)

يهوذا الذى أسلمه قال ” أخطأت اذ سلمت دماً بريئاً ” (مت٢٧: ٤) وبيلاطس قال ” انى برىء من دم هذا البار ” (مت٢٧: ٢٤) وزوجة بيلاطس أرسلت الى زوجها تقول ” اياك وهذا البار لأنى تألمت كثيراً فى حلم من أجله ” (مت٢٧: ٢٩) والشيطان نفسه شهد له ” أنا أعرفك من أنت قدوس الله ” (مر ١: ٢٤ ).

اذن ” فالقدوس المولود منك يدعى ابن الله ”

  • ” سلام لك ” :

فى ميمر للقديس يوحنا ذهبى الفم يقول : ” فاشعياء النبى العظيم الصوت قال ان العذراء ستحبل وتلد ابناً ويدعى اسمه عمانوئيل الذى تفسيره الله معنا ” (اش٧: ١٤) وحزقيال أيضاً تنبأ قائلا ” هذا الباب يكون مغلقاً ولا يدخل فيه أحد ولا يخرج منه الا الرب وحده يدخل ويخرج وهو مغلق “(حز٤٤: ٢) ورجل النبوات دانيال تنبأ وقال ” انى رأيت أنه قد قطع حجر من جبل لا بيدين ” (دا ٢: ٤٥) ” لأن سيدنا ظهر من البتول من غير زرع بشرى.

  • وقال القديس كيرلس بابا الاسكندرية فى مجمع أفسس بعد حرم نسطور ” أنظر الى محفل القديسين الذين دعتهم القديسة والدة الاله مريم الدائمة البتولية  السلام عليك يا مريم والدة الاله يا كنز المسكونة المكرم ، يا مصباح النور الذى لا يطفأ ، يا اكليل البتولية ، يا قضيب ملك التعليم القويم ، يا مكان من لا يسعه مكان ، من هى أم وبتول معاً ، السلام عليك يا من حملت الذى لا يوصف ولا يدرك فى البطن المقدس البتولى  “
  • العذراء فى قداسات الكنيسة اليونانية :

” حقاً نغبط والدة الاله الدائمة الطوبى البريئة من العيوب أم الهنا ، يا من هى أكرم من الشاروبيم وأرفع مجداً بغير قياس من السارافيم ، يا من هى بغير فساد ولدت كلمة الله ، حقاً انك والدة الاله ، اياك نعظم

” ان البرايا بأسرها تفرح بك يا ممتلئة نعمة مجافل الملائكة وأجناس البشر أيها الهيكل المتقدس والفردوس الناطق  فخر البتولية مريم التى منها تجسد الاله وصار طفلا وهو اله قبل كل الدهور ، لأنه صنع مستودعك عرشاً وجعل بطنك أرحب من السموات ، لذلك يا ممتلئة نعمة تفرح بك كل البرايا وتمجدك

  • ” أنا لست أعرف رجلا ” :

حول هذه الكلمات التى تثبت بتولية السيدة العذراء مريم قامت ضجة كبيرة من بعض الطوائف المسيحية بينها الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والكنيستان اليونانية الأرثوذكسية والكاثوليكية تؤمن بدوام بتوليتها:

أما الكنائس الأخرى فتزعم بأن العذراء تزوجت بعد ولادة المسيح وولدت أولاداً أربعة إإ

ونحن مهما أوتينا من حجج وبراهين لنثبت بتولية العذراء لا نكون أقوى من ” شاهد أهلها ” القس جبره أحد أقطاب البروتستانت الذى يسأل فى حزم ويقول في تأكيد ” أرنى في أي محل من الكتاب المقدس يشتم منه أن يوسف النجار كان له أولاد من مريم أو من خلافها ؟؟إإ  ” وقال أيضاً ” ان نسبة البكورية ليسوع لا يقصد بها أن مريم ولدت خلافه بل يقصد بها مناسبة دعوته قدوس الرب كما ورد في الناموس أن كل ذكر فاتح رحم يدعى قدوسا للرب (حز ١٣: ٢)و (لو٢: ٢٣). ومَن قال ان كل من بكرت تثنى ؟ أو ليس اسحق بكر سارة ؟؟”

ونقول أيضاً حول ما ذكره الانجيل عن ” اخوة يسوع ” ان أسمائهم فى بعض المواضع بالتحديد : ففي (مت١٣: ٥٥) قيل ” أليست أمه تدعى مريم وأخوته يعقوب ويوسى وسمعان ويهوذا ” وهذا النص بعينه جاء في (مر ٦: ٢) وفى (غلا ١: ١٩) قيل  ” يعقوب أخا الرب ” .

أما يعقوب ويوسى المذكوران بين أخوة يسوع فقد ذكر عنهما فى الانجيل ما يثبت أنهما ابنا مريم أخرى غير مريم أم يسوع ففى ( مر١٥: ٤٠) يقول ” وكانت أيضاً نساء ينظرن من بعيد بينهن مريم المجدلية ومريم أم يعقوب الصغير ويوسى ” وكذلك فى (مر١٦: ١) يقول ” وبعدما مضى الشعب اشترت مريم المجدلية ومريم أم يعقوب وسألومه حنوطاً ، ومما ذكر في (يو١٠: ٢٥) وهو ” وكانت واقفات عند صلب يسوع أمه وأخت أمه مريم زوجة كلوبا ومريم المجدلية ” يتضح أن مريم هذه أم يعقوب ويوسى وهى أخت مريم العذراء الطاهرة.

اذن فيكون يعقوب ويوسى ليسا أخوين ليسوع من مريم أمه ولكنهما ابنا خالته مريم زوجة كلوبا ومما جاء فى (لو٦: ١٦) , (أع ١: ١٣) نعلم أن يهوذا أخو يعقوب ، وهذا ما يتضح مما جاء في رسالة يهوذا وهو ” يهوذا عبد يسوع المسيح وأخو يعقوب ” وقد ثبت أن يعقوب هو ابن خالة يسوع فأذن يكون يهوذا أخو يعقوب هو كذلك ابن خالة يسوع وليس أخاه من العذراء مريم0

أما أن أولاد الخال والخالة كانوا يدعون اخوة ، فهذه عادة قديمة تثبت من الكتاب مما جاء فى (تك ٣١: ٤٦-٥٤ ) حيث يدعو يعقوب أولاد خاله لابان اخوته. والخلاصة أن اخوة يسوع المذكورين فى العهد الجديد ليسوا اخوته من أمه العذراء مريم ولكنهم أولاد خالته – وبهذا يسقط الدليل الأكبر الذى تتخذه المعارضة برهاناً تثبت به زعمها أن العذراء تزوجت وولدت بعد ولادتها يسوع.

  • ” اليصابات نسيبتك ” :

قال البعض ان اليصابات خالة مريم العذراء ، وقال آخرون ان النسب هنا هو اشتراكهما فى الانسانية ، وقال البعض اشتراكهما فى الطهارة والقداسة ، والبعض الآخر اشتراكهما فى البتولية والعقورية.

وقال العلامة المشرقى أن أليعازر كان له ابنان يسمى يوثام والآخر متانيا ، ويوثام ولد صادوق ، وصادوق ولد مريم العذراء من دينا أخت اليصابات أم يوحنا المعمدان.[14]

 

 

الراهب ماكس ثوريان

العذراء ابنة صهيون

نلاحظ في العهد القديم ، أن الله كان يشبه شعبه  بامرأة . وقد تردد هذا التشبيه الأنثوى بكثرة على فم الأنبياء حتى يصل إلى قمة مداه في التعبير عنه بجملة : ” ابنة صهيون ” توجد أمثلة عديدة من إشعياء النبى ، وصفنيا ، وزكريا :

+ ” هوذا الرب قد أخبر إلى أقصى الأرض . قولوا لابنة صهيون هوذا مخلصك آت ، ها أجرته معه ” (إش ٦٢ : ١١) .

+ “ترنمى يا ابنة صهيون ” (صف ٣ : ١٤) .

+ ” ترنمى وافرحى يابنت صهيون ، لأنى هانذا آتى وأسكن في وسطك ” (ز٢ : ١٠ ، ٩ : ٩ ) .

وفى سفر إرميا ومراثيه نجد ابنة صهيون كعذراء وفى نفس الوقت أم متألمة كما في الآيات :

+ داس السيد كما في معصرة الخمر العذراء بنت يهوذا ” (مراثى ١ : ١٥) .

+ ”  ماذا أقول وبماذا أشبهك يا ابنة أورشليم  ؟ ” (مراثى ٢ : ١٣ )

+ عملت عذراء إسرائيل ما يقشعر منه جداً (إر ١٨ : ١٣ ) .

+ لأنى سمعت صوتاً كماخضة ، ضيقاً مثل ضيق بكرية. صوت ابنة صهيون تزفر : تبسط يدها ” (إر ٤ : ٣١ ) .

+ ” تلوى ادفعى يا بنت صهيون كالوالدة ” (ميخا ٤ : ١٠ ) .

وبعض الأنبياء يصورون ابنة صهيون كعذراء مرتبطة بالرب الذى سيتزوجها .

” لأنه كما يتزوج الشاب عذراء يتزوجك بنوك ، وكما يفرح العريس بالعروس يفرح بك إلهك ” (إش ٦٢ : ٥ ) . ويصورونها أيضاً بالأم التي تتمخض بوجع وألم حتى تلد خلاصها … سيجعلها الرب تمر في تجربة الغزو (إر ٤ : ٣١ ) وتجربة السبى (ميخا ٤ : ١٠) . ” تأتين إلى بابل هناك تنقذين ، هناك يفديك الرب من يد أعدائك ” . ابنة صهيون هذه ، هي الأم التي تنتظر أن تلد خلاصها بوجع كثير … إنها رمز وظلال لرجاء مجئ المسيح ( المسيا المنتظر ) بعد مرور شعب الله في السبى . ففترة السبى هي فترة التوجع ، وآلام مخاض ابنة صهيون : إلى أن تنجب المسيا من أحشائها ، خلاصاً نهائياً مبرماً لشعبه. وهكذا كان الأنبياء يعزون ابنة صهيون في محنها وشدائدها المرعبة فدور ابنة صهيون هو دور سرائرى ودور مجيئ …

دور سرائرى : بالنسبة لاتحاد العذراء ابنة صهيون بالرب الإله .

ودور مجيئ : بالنسبة لأمومة ابنة صهيون. وبأنها ستلد المسيا الذى سيخلص شعب الله ، ولكن هذه الولادة ستكون وسط آلام وأوجاع كثيرة . وإذا انتقلنا بعد هذه الخلفية إلى أحداث البشارة كما سجلها القديس لوقا في بشارته ، نجد أن الملاك غبريال قد حيا العذراء مريم بهذه الكلمات : ” سلام لك أيتها الممتلئة نعمة ، الرب معك ” . ولكى نضع هذه التحية في مفهومها الصحيح ، من الضرورى أن نراعى ما يُعتمل في قلب صهيون من توقعات مجئ المسيا . إن كلمة ” شارا ” بالغة اليونانية ، أي سلام لك أو أفرحى ، قد وردت أربع مرات في الترجمة السبعينية للتوراة : (مراثى ٤ : ٢١ ) (يؤ : ٢ : ٢١ ) (صف ٣ : ١٤ ) ، ( زك ٩ : ٩ ) . فإذا استثنينا آية المراثى لأنها موجهة بتهكم لآدم محذرة إياه من السر الآتى ، فإن الآيات الثلاثة الباقية تبدوا أنها آيات نبوية تعبر عن الفرح بمجئ المسيا وخلاصه لشعب الله . يوئيل النبى يوجه نداءه بالفرح إلى ابنة صهيون ، أما صفنيا وزكريا فإنهما يوجهان تحية الفرح إليها : ويربطان تحية الفرح هذه بإعلان خلاص المسيا الآتى … إنهما تحيتان غاية في الروعة والأهمية ، غايتها بث مشاعر الفرح والسعادة والبهجة في قلب ابنة صهيون بسبب الخلاص الآتى بمجئ المسيا …

+ ترنمى وارفعى صوتك يا ابنة صهيون ( أي افرحى بشدة ) اهتف مبتهجاً يا إسرائيل ، افرحى والتهجى بكل قلبك يا ابنة أورشليم ” (صف٣ : ١٤) .

+ ” ابتهجى جداً يا ابنة صهيون ( مرة أخرى افرحى بشدة ) اهتفى عالياً يا ابنة أورشليم ” (زك ٩ : ٩ ) . إنها لغة الفرح الذى يهز كل الكيان بعنف ، لغة البهجة عند النصرة والخلاص ، والسرور برجاء المسيا الآتى !! تحية الفرح هذه موجهة لابنة صهيون . الأنبياء يعلنون لها عن الملك المسيا الآتى في وسط شعبه .

” قد نزع الرب الأقضية عليك ” أزال عدوك ، ملك إسرائيل ، الرب في وسطك لا تنظرين بعد شراً (صف ٣ : ١٥ ) . ” هوذا ملكك يأتي إليك ، هو عادل ومنصور … ” (زك ٩ : ٩ ) هذه هي نفس الطريقة والأسلوب واللغة التي وجهت بها التحية للقديسة العذراء مريم : ” افرحى أيتها الممتلئة نعمة ، الرب معك ” (لو ١ : ٢٨ ) . لقد حياها الملاك كابنة صهيون ، واعلن لها الخلاص بمجئ المسيا منها – الرب معك … إنها ليست مجرد تحية سطحية عابرة ، ولكنها دعوة للفرح الشديد بالمسيا الآتى : افرحى بشدة أيتها القديسة مريم ابنة صهيون الحقيقة افرحى ، و بالعبرانية ” رانى ” وباليونانية ” شيرى سفودرا ” .

وستتضح حقيقة كون العذراء مريم هي ابنة صهيون الحقيقية من مقارنة تحية الملاك للقديسة مريم ، بنبوة صفنيا ملاحظين نقط التلاقى والتطابق الواضح جداً بين النصين :

(صفنيا ٣ )                                                                   (لوقا ١)

١٤ – ترنمى يا ابنة صهيون ، اهتف يا                                 ٢٨ – سلام لك أيتها الممتلئة نعمة

إسرائيل ! افرحى وابتهجى بكل قلبك يا                                   ( أفرحى ) .

ابنة اورشليم .

١٥ – قد نزع الرب الأقضية عليك ، أزال                               ٢٩ – لأنك وجدت نعمة عند الله. الرب

عدوك . ملك إسرائيل الرب في وسطك . لا                              معك . سيملك على بيت يعقوب إلى الأبد .

تنظرين بعد شراً .

١٦ – في ذلك اليوم يقال لأورشليم لا تخافى                          ٣٠ – لا تخافى يا مريم لأنك وجدت نعمة

ياصهيون لا ترتخى يداك .                                                عند الله .

١٧ – الرب في وسطك . جبار يخلص . يبتهج                       ٣١ – ها أنك ستحبلين في البطن وتلدين

بك فرحاً ، في محبته يجددك ، يبتهج بك                               ابناً وتسمينه يسوع ( يهوه يخلص ) .

بترنم ، كما في يوم عييده .

عجيب حقاً أن يتشابه النصان لفظياً ومعنوياً إلى هذا الحد !! والمغزى الذى نخرج به من هذا التشابه ، هو الترابط الواضح بين ابنة صهيون التي ترمز إلى شعب الله ، وبين القديسة مريم. إن مريم العذراء في الواقع تجسم لشخصية شعب الله المعنوية. إنها هي ابنة صهيون التي كانت تنتظر مجئ المسيا عبر تاريخنا الحزين الطويل كى يحقق لها خلاصها الأبدى … يمكن القول إن القديسة مريم هي تجسيد لشعب الله . في النص اليوناني القديم لبشارة الملاك للعذراء مريم نجد : ها أنت ستحبلين في البطن … ، وتبدوا أن كلمة في البطن لأول وهلة أنها كلمة زائدة . فقد كان كافياً أن يقول التعبير الشائع تحبل وتلد ، وهو تعبير منتشر بكثرة في العهد القديم ، فلماذا إذاً أضاف الجملة في البطن ؟ الواقع أن هذه الجملة الزائدة توضح الأرتباط الصريح بين بشارة القديس لوقا ، ونبؤة (صفنيا ٣ : ١٥) التي تتكلم مرتين عن وجود الله في وسط شعبه . فوجود الرب في داخل ابنة صهيون ، كان يعنى سكنى الله في هيكله وسط شعبه . ” الرب عادل في وسطك ( عبرانى بيكيرباه أي في داخل أحشائك ) لا يفعل ظلماً ، كل صباح يبرز حكمة إلى النور وكل فجر لا يتعذر ” (صف٣: ٥ ) ،

وتوجد نبوات أخرى في العهد القديم تصور سكنى الله في هيكله في وسط شعبه ، في داخله ، أو في أحشائه .

+ ” وتعلمون إنى أنا في وسط إسرائيل ، وإنى أنا الرب إلهكم وليس غيرى ” (يؤ٢ : ٢٧ ) .

+ ” ترنمى وافرحى يابنت صهيون ، أنى هأنذا آتى وأسكن في وسطك ( شاكان ) يقول الرب . اكتوا يا كل البشر قدام الرب لأنه قد استيقظ من مسكن قدسه ” (زك ٢ : ١٠-١٣ ) .

+ ” لا ترهب وجوههم ، لأن الرب إلهك في وسطك ( بيكرباك  ) إله عظيم مخوف ” (تث ٧ : ٢١) .

الاإشارة هنا عن خيمة الاجتماع ، وحلول السحابة كعلامة على سكنى الله  ( شاكيناه ) في وسط شعبه… الخيمة في البرية والهيكل في أورشليم هما المكانان حيث يستقر الله ، ويحل فوق تابوت العهد وسط شعبه. يقول إشعياء النبى : ” صوتى وإهتفى يا ساكنة صهيون ، لأن قدوس إسرائيل عظيم في وسطك ” (إش ١٢ : ٦) ، (تث ٧ : ٢١ ) . لذلك قصد الروح أن يضيف على جملة ” ها أنت ستحبلين ” الكلمة ” في البطن ” .

وقد تكرر هذا التعبير في بشارة القديس لوقا في سرده لحادثة الختان إذ قال : ” ولما تمت ثمانية أيام ليختنوا الصبى ، سُمى يسوع كما تسمى من الملاك قبل أن حُبل به في البطن ” ( لو٢ : ٢١ ) . فمثل هذه الزيادة المقصودة في الألفاظ قد ابرزت الارتباط بين كلمات بشارة الملاك للعذراء ، والتنبؤ بمجئ المسيا ووجود الله في وسط شعبه وأوضحت التقابل العجيب بين الحبل بالمسيح في بطن العذراء مريم : وسكنى الله في وسط ابنة صهيون أي شعبه .

فالذي في بطن العذراء مريم هو المسيا المنتظر واسم يسوع ( أي مخلص) هو الرب في وسط شعبه ، الذى هو جبار يخلص طبقاً لنبؤة صفنيا (صف ٣ : ١٧ ) ومريم العذراء ابنة صهيون الذى وجه الملاك إليها التحية المساوية ” سلام لك ” ستكون هي المكان الجديد لسكنى الله . إنها تابوت العهد ، الذى في بطنها يسكن المخلص ليبدأ عهداً جديداً مع شعبه . ونحن نعلم أنه بعد خراب أورشليم سنة ٥٩٦ ق. م . اختفى تابوت العهد … وعندما أعيد بناء الهيكل بعد السبي ، ترك قدس القداس خالياً تماماً ، كنوع من الرمز عن توقع مجيء الله في هيكله مرة أخرى . والقديس لوقا في بشارته ، قد أوضح أن السيدة العذراء هي قدس الأقداس الحقيقية التي حل فيها الله … إنها ابنة صهيون الحقيقية التي كانت في فقرها ومسكنتها وقداستها ، تتوقع الرجاء المفرح بمجيء مسيح الرب . وقد تحقق هذا المجيء فيها هي ، وفى بطنها …

إنها تابوت العهد الحقيقي الذى يسكن فيه الرب ، فعلى ضوء البشارة في إنجيل القديس لوقا ، ونصوص العهد القديم كما رأينا ، تلقب القديسة مريم بهذه الألقاب :

+ ابنة صهيون .

+ أم المسيا المنتظر .

مكان سكنى الله[15].

 

 

من وحي بشارة الملاك لوالدة الاله

هوذا أنا أمة الرب (لو ١ : ٣٨ ) – إنجيل القداس

فليصمت كل لسان متعظم فالعظيمة في البشر تلقب نفسها بأمة الرب

فليتراجع كل تمجيد للبشر فأم رب المجد تري نفسها عبدته

رئيس الملائكة يلقبها بأم القدوس وإليصابات تلقبها بأم ربي وهي تتغني بأنها أمة الرب

فليسكت كل متفلسف واصفا فقط إياها بأم يسوع متجاهلا شهادة الوحي الإلهي وللأسف مدعيا أنه إنجيلي

عندما لم تريدي سوي عبوديته أعطاك كل أمجاده

نحن نتهافت علي التمجيد وانت تمجدت بحياتك في الخفاء

كان فقر حياتك هو القشرة الخارجية لغني مجدك الداخلي والذي لم يلحظه العالميين

جميع الأجيال تطوبني كانت شهاده روح الله لذلك سطرها الوحي الإلهي

كل من يقبل بفرح فقره وبساطه حياته وتجاهل الناس وتعييرهم متجها لمجده الداخلي يتشبه بأمنا كلنا وفخر جنسنا

” لأنك قدمت شعبا كثيرا لله من خلال طهارتك ” ثيئوطوكية الأحد

 

 

المراجع:

 

١- القديس غريغوريوس النيسي – تفسير إنجيل يوحنا إصحاح ٤ – القمص تادرس يعقوب ملطي

٢- المرجع : كتاب والدة الإله مريم العذراء في فكر الآباء صفحة ١٧٠ – إعداد القمص بنيامين مرجان باسيلي

JR, A. J. & Oden, T.C. ( 2003 ). Luke (The Ancient Christian Commentary on Scripture,      New testament part III ). Illinois ( USA ) : InterVarsity press. Page 2,4,12,13

٣- ترجمة الأخت ايفيت منير – كنيسة مار مرقس ببني سويف

٤- المرجع : كتاب يوستينوس الفيلسوف والشهيد ( صفحة ٦١ ) – الترجمة عن الإنجليزية الأستاذة آمال فؤاد – إصدار دار باناريون للنشر

٥- المرجع : كتاب العذراء في فكر الآباء (صفحة ٦٣) – إعداد القمص بنيامين مرجان باسيلي

٦- المرجع : كتاب العذراء في فكر الآباء ( صفحة ١٧٨ ) – إعداد القمص بنيامين مرجان باسيلي

٧- ترجمها عن اللغة القبطية د. صموئيل القس قزمان معوض

قسم الدراسات القبطية – جامعة مونستر بألمانيا

٨- المرجع : كتاب مقالات الأنبا بولس البوشي (صفحة ٩) – إعداد القس منقريوس عوض الله

٩- المرجع : كتاب شرح وتفسير آباء الكنيسة لأناجيل آحاد السنة التوتية (صفحة ٥٧) – دكتور جوزيف موريس فلتس

١٠- المرجع : كتاب أين ولد المسيح (صفحة ٥٩) – القمص سيداروس عبد المسيح

١١- المرجع : تفسير مزمور ٨٠ – القمص تادرس يعقوب ملطي

١٢- المرجع : كتاب السحابة المتألقة في دقادوس ( صفحة ٥٩ ) – الأنبا فيلبس مطران الدقهلية – مشروع الكنوز القبطية

١٣- المرجع : كتاب مفاهيم إنجيلية (صفحة ٩ ) – الأنبا إبيفانيوس – أسقف ورئيس دير القديس الأنبا مقار

١٤- المرجع كتاب المواعظ النموذجية الجزء الثاني

١٥- المرجع : كتاب العذراء مثال الكنيسة للراهب ماكس ثوريان – ترجمة القمص ويصا السرياني (الأنبا إيساك الأسقف العام )