يوم ٢٩ برمهات عيد بشارة رئيس الملائكة لوالدة الإله بتجسّد الكلمة

 

 

عيد بشارة رئيس الملائكة لوالدة الإله بتجسّد الكلمة

” ها العذراء تحبل وتلد ابنا وتدعو اسمه عمانوئيل ” (أش ٧: ١٤)

” فلنكرم بتولية العروس التي بغير شرّ ، النقية الكلية القدس والدة الإله مريم  .

ارتفعت أكثر من السماء ، وأنتِ أكرم من الأرض وكل المخلوقات التي فيها ، لأنكِ صرت أمُاً للخالق ”

لحن برلكس ( السلام لمريم الملكة – يُقال بعد رفع بخور باكر )

يتغنَّي القديس كيرلس الكبير في انتقالنا من العبودية إلى البنوية قائلاً :

[ يا لجود الفائق !ويا للطف المنقطع النظير واللائق به وحده !

إنه يخلع علينا مجده الخاص ! إنه يرفع العبيد إلى كرامة الأحرار !

فيكلل حالة الإنسان بمثل هذه الكرامة التي تفوق قوة الطبيعة ،

ويحقق ما سبق وأخبر به بواسطة صوت المرنم قديماً :

أنا قلت أنكم آلهه ، وبنو العلي كلكم (مز٨١: ٦سبعينية) ،

فهنا هو يحررنا من مستوى العبودية ، واهباً لنا بنعمته، ما لم نكن نملكه بالطبيعة، إنه يسمح لنا أن ندعو الله أباً لنا ، بصفتنا قد ارتقينا إلى طقس البنين ].[1]

شواهد القراءات

(مز ١٤٣ : ٥ ، ٧) ، (لو ٧ : ٣٦ – ٥٠) ، (مز ٧١ : ٥ ، ٦) ، (لو ١١ : ٢٠ – ٢٨) ، (رو ٣ : ١ – ٣١) ، (١يو ١ : ١ – ٢ : ١ – ٦) ، (أع ٧ : ٢٣ – ٣٤) ، (مز٤٤ : ١٣) ، (لو ١ : ٢٦ – ٣٨)

ملاحظات علي قراءات يوم ٢٩ برمهات

+ تتطابق قراءات عيد البشارة مع قراءات الأحد الثاني من كيهك ( بشارة رئيس الملائكة لوالدة الإله ) في كل شيء مع ثلاث اختلافات بسيطة في قراءات البولس والكاثوليكون والإبركسيس

وهي قراءات تجسُّد الكلمة لذلك جاءت في عيد البشارة ، وفي الأحد الثاني من شهر كيهك

ففي البولس يأتي في الأحد الثاني من كيهك من رومية (رو ٣ : ١ – ٤ : ١-٣) أمَّا في عيد البشارة فيأتي من (رو ٣ : ١- ٣١)

هنا يكتفي البولس في عيد البشارة بالإصحاح الثالث كله ليُظْهِر عجز الناموس عن إصلاح فساد الطبيعة البشرية والإحتياج للبرّ الإلهي في تجديد طبيعة الإنسان بتجسُّد الكلمة

وفِي الكاثوليكون يأتي في الأحد الثاني من كيهك من رسالة يوحنا الأولي (١يو ١ : ١ – ٢ : ١-٢) أمَّا في عيد البشارة فتُضاف أربع آيات أخري (١يو ١ : ١- ٢ : ١-٦)

الجزء المُضاف في عيد البشارة يتكلَّم عن كمال محبّته فينا ( كما في والدة الإله ) وتتكرَّر كلمة ” بهذا نعلم ” مرتين للتأكيد علي وضوح معالم وصورة الإنسان الجديد الذي أخذناه من الكلمة المُتجسِّد من والدة الإله

وفِي الإبركسيس يأتي في الأحد الثاني من كيهك من (أع ٧ : ٣٠-٣٤) وفِي عيد البشارة من نفس الإصحاح مع إضافة سبعة آيات (أع ٧ : ٢٣-٣٤)

والجزء المُضاف في عيد البشارة يتكلَّم عن الأربعين سنة الأولي في حياة موسي وعدم إدراكه لتدبير الله للخلاص ثم إحتياجه لأربعين سنة أخري ليتحقَّق من خطة الله للخلاص وسرّ وعُمْق تدبيره لذلك تكرَّر تعبير ” ولما كَمَلُت أربعون سنة ” مرتين في إبركسيس عيد البشارة وكأن أيضاً هنا الجزء المُضاف يُعْلِن كمال تدبيره الإلهي وخطته الإلهية لخلاص البشر

+ قراءة إنجيل عشيَّة اليوم (لو ٧ : ٣٦ – ٥٠) هي نفس قراءة قدَّاس الأحد الرابع من شهر توت ، وقراءة إنجيل عشيَّة الأحد الثاني من كيهك

وتأتي القراءة اليوم ( والأحد الثاني من كيهك ) لأجل البشارة بالخلاص والغفران للخطاة ( مغفورة لك خطاياك .. إيمانك قد خلصك ) ، ومجيئها في شهر توت لأجل الإشارة إلي كمال توبة المرأة ، ومحبة الآب للبشرية الضعيفة والتي أعلنها الإبن في تجسُّده )

+ قراءة الكاثوليكون اليوم (١يو ١ : ١ – ٢ : ١ – ٦) تكررت أيضاً في قراءات يومي ٤ طوبه ، ١ نسئ

وهنا الرسالة من يوحنا وشهادته التي بدأ بها رسالته لذلك جاءت في تذكاره ( ٤ طوبه ) وتذكار تلميذه ( ١ نسئ ) وعن ظهور الله في الجسد كشاهد عيان لها لذلك جاءت في قراءة عيد البشارة اليوم

+ قراءة الإبركسيس اليوم (أع ٧ : ٢٣ – ٣٤) تُشبه قراءة الإبركسيس (أع ٧ : ٢٠ – ٣٤) في يوم ٢٤ بشنس ، يوم ٢٨ مسري ، وأيضاً تُشبه قراءة الإبركسيس (أع ٧ : ٣٠ – ٣٧) ليوم ٣٠ مسري ، وقراءة الإبركسيس (أع ٧ : ٣٠ – ٣٤) للأحد الثاني من شهر كيهك

وهي القراءة التي تكلمت عن إحدي رموز التجسّد ظهور الرب في العليقة المُشتعلة لذلك جاءت في عيد البشارة ( ٢٩ برمهات ) ، وفي الأحد الثاني من كيهك ، وتكلَّمت عن الإرسالية إلي مصر لذلك جاءت في تذكار دخول الرب أرض مصر ( ٢٤ بشنس ) وإعلان الله أنه إله إبراهيم وإسحق ويعقوب لذلك جاء في تذكارهم ( ٢٨ مسري ) ، وللإشارة إلي رفض إسرائيل لأنبياؤهم ( ٣٠ مسري )

+ قراءة إنجيل القداس اليوم (لو ١ : ٢٦ – ٣٨) هي نفس قراءة إنجيل القداس ليوم ٢٢ كيهك ( تذكار رئيس الملائكة غبريال )

شرح القراءات

هذا اليوم هو عيد الأعياد وفرح البشرية ببشارة رئيس الملائكة لوالدة الإله بتجسّد الكلمة من أحشائها المُقدّسة

تصلّي الكنيسة اليوم بنغمة الفرح مهما جاء اليوم أثناء أيّام صوم أم لا بل وتصلّي   الكنيسة بنغمة الفرح في كل يوم ٢٩ تذكار البشارة والميلاد والقيامة

تتركّز قراءات الكنيسة اليوم علي تجسّد الكلمة وعلي والدة الإلة فالكلام عن أُمّنِا العذراء يرتبط دائماً بتجسّد الكلمة واللقب الأساسي لها في الكنيسة المُقدّسة هو والدة الإلة فلا نستطيع الكلام عن التجسّد دون أن نُلقي ضوءا كبيراً علي دورها في قبول السرّ وحياتها حسب التدبير الإلهي طوال فترة تجسّد الرب علي الأرض وحتي بعد صعوده للسماء

لذلك تكون أيقونة والدة الإله حسب الطقس الكنسي ومعها الطفل يسوع ولا توجد أيقونة مُدشَّنة لوالدة الإله وحدها وذلك لارتباطها بتجسُّد الكلمة وارتباط سر التجسُّد بها

 

تتكلّم المزامير عن صرخة البشرية             ( مزمور عشيّة )

وفعل تجسّده                                       ( مزمور باكر )

واختيار العذراء                                       ( مزمور القداس )

 

يتكلّم مزمور عشية عن صرخة واحتياج كل البشر لتجسّد الكلمة لنجاة الإنسان من الهلاك كما صرخ أشعياء ليتك تشق السموات وتنزل وهنا يتكلم عن يد العلي التي هي الابن الكلمة الذي أرُسِل من الآب لأجل خلاصنا

( يارب طاطي السموات وانزل المس الجبال فلتدخن ارسل يدك من العلي أنقذني ونجني )

وكما يقول القديس جيروم

“يا رب طأطئ سماواتك وانزل”. غنمك التائه لا يقدر أن يُشفي من تيهه ما لم تحمله على منكبيك.

وفِي مزمور باكر نري العدل والبر والسلامة التي تصحب تجسّده ونزوله هادئاً كما يقول القديس يوحنا ذهبي الفم دخل بلطف إلي رحم العذراء ( تفسير المزمور ابونا تادرس ) وتعبير المطر يشير إلي فيض نعمة العهد الجديد

( ينزل مثل المطر علي الجُزة ومثل قطرات تقطر علي الأرض يشرق في أيامه العدل وكثرة السلامة )

*   إن الذين يتساقط عليهم ندى روح الحياة “ينزل مثل المطر على الجزاز، ومثل الغيوث الزرافة على الأرض (مز ٧٢ : ٦) تنجذب قلوبهم بحبٍ إلهيٍ للمسيح يأسرهم ذلك الجمال والمجد إلى اشتهاءٍ دائمٍ نحو المسيح.

القديس أبا مقاريوس الكبير

وفِي مزمور القداس عن الإبنة التي نسيت شعبها وبيت أبيها أُمنا العذراء والدة الإله التي نقول عنها في التسبحة ( تطلع الآب من السماء فلم يجد من يشبهك ) ونرنم بكلمات هذا المزمور في أعياد وتذكارات والدة الإله كما يقول بعض الآباء القديسون أيضاً أن الإبنة هنا هي البشرية في العهد الجديد التي يلزم أن تنسي ماضيها وتترك زيف عبادتها وحياتها لتكتشف الكلمة المُتجسِّد ( القديس باسيليوس والقديس يوحنا ذهبي الفم – تفسير المزمور – أبونا تادرس

( إسمعي يا إبنتي وانظري وأميلي سمعك وانسي شعبك وكل بيت أبيك فإن الملك قد اشتهي حسنك لأنه هو ربك )

 

وتتكلّم القراءات عن برّ العهد الجديد الذي أُسْتعلِن بتجسّد الكلمة وكيف نقبله         ( البولس )

وكيف نعيشه                                                                                         ( الكاثوليكون )

وكيف ندركه                                                                                         ( الإبركسيس )

 

يبدأ البولس بالكلام عن ضعف وعجز الناموس في التبرير وإن كان هو أظهر وعمَّق احتياج البشر لهذا البرّ مثل دور أجهزة الأشعة التي تكشف المرض فقط وتُزيد في المريض احتياجه للشفاء ويبقي قبول عمل الطبيب وقبول برّ الآب في إبنه يسوع المسيح الذي يحتاج كل البشر يهود وأمم أن يقبلوه لخلاصهم وتبريرهم

( فماذا لنا إذاً أنحن أفضل كلا البتة لأننا قد سبقنا وشكونا أن اليهود واليونانيين أجمعين تحت الخطية كما هو مكتوب أنه ليس بار ولا واحد ليس من يفهم … ونحن نعلم أن كلَّ ما يقوله الناموس فهو يكلم به الذين في الناموس لكي يستدَّ فم كل واحد ويصير كلّ العالم تحت حكم الله … وأما الآن فقد ظهر برّ الله بدون الناموس مشهوداً له من قبل الناموس والأنبياء وبرّ الله الذي بالإيمان بيسوع المسيح في جميع الذين يؤمنون لأنه لا يوجد فرق إذ الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله متبررين مجاناً بنعمته بالخلاص الذي بيسوع المسيح )

وفِي الكاثوليكون كيف نعيش هذا البرّ الإلهي في شركتنا مع الثالوث والفرح الكامل والسلوك في النور وحفظ الوصيّة ومحبّة الله الكاملة والثبات فيه والسلوك كما سلك هو أيضاً

( فإن الحياة أُظهرت وقد رأينا ونشهد ونُعْلمكم بالحياة الأبديّة التي كانت عند الآب وأُظهرت لنا الذي رأيناه وسمعناه نبشركم به لكي يكون لكم أيضاً شركة معنا أما شركتنا نحن فهي مع الآب وإبنه يسوع المسيح وهذا ما نكتبه إليكم لكي يكون فرحكم كاملاً … ولكن إن سلكنا في النور كما هو ساكن في النور فلنا شركة بعضنا مع بعض ودم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطيّة … وأما من يحفظ كلمته فحقاً في هذا قد كملت محبة الله بهذا نعلم أننا ثابتون فيه من يقول إني ثابت فيه ينبغي أنه كما سلك ذاك هكذا يسلك هو أيضاً )

وفِي الإبركسيس كيف ندرك عمق تدبير الله في تجسّده مثل تدبيره قديما لخلاص الشعب من عبودية فرعون وإرسالية الله لموسي النبي عندما ظهر له في لهيب نار في علّيقة رمز تجسّده من والدة الإله كما نصلي في تسبحة كيهك ( العليقة التي رآها ) ووعده بنزوله وسط شعبه ليخلصهم من فرعون كما سينزل في ملء الزمان لخلاص البشرية من عبودية إبليس

( ولما كملت أربعون سنة ظهر له ملاك في برية طور سينا في لهيب نار في عليقة فلما رأي موسي الرؤيا تعجّب وفيما هو يتقدّم ليتأمل صار صوت الرب قائلاً أنا هو إله آبائك إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب فارتعد موسي ولم يجسر أن يتأمل فقال له الرب اخلع نعل رجليك لأن الموضع الذي أنت واقف عليه هو أرض مقدسة قد رأيت عياناً مشقة شعبي الذين في مصر وسمعت أنينهم ونزلت لأخلصهم فهلمّ الآن لأرسلك إلي مصر )

 

وفِي الأناجيل نري برّه الإلهي في فيض الغفران والسلام              ( إنجيل عشية )

وفِي قوة كلمة الله                                                                ( إنجيل باكر )

وفِي قبولنا سرّ التجسُّد في شخص والدة الإله وافتقاده لنا           ( إنجيل القداس )

يُقدِّم إنجيل عشية الغفران الإلهي المجاني للبشرية الخاطئة في لقاء الرب مع المرأة الخاطئة في بيت سمعان الفريسي وعجز رجال الناموس عن إدراك نعمة العهد الجديد وقبول الله لكل البشر

( فلما رأي الفريسي الذي دعاه تكلم في نفسه قائلاً لو كان هذا نبيا لعلم من هي وكيف حال هذه المرأة التي لمسته وإنها خاطئة … ثم التفت إلي المرأة وقال لسمعان أتري هذه المرأة إني دخلت بيتك وماء لأجل رجلي لم تعط وأما هذه فقد بلَّت رجليَّ بدموعها ومسحتهما بشعرها … من أجل ذلك أقول لك أن خطاياها الكثيرة مغفورة لها لأنها أحبت كثيراً … فقال للمرأة إيمانك قد خلصك إذهبي بسلام )

وفِي إنجيل باكر قوة الله الكلمة في تجسّده وكيف حرَّر جنس البشر من سلطان القوي الذي هو إبليس وأخذ منه سلاحه ووزَّع غنائمه ويقدم أيضاً قوة كلمة الله في حياتنا وأن والدة الإله لم تُمْدَح فقط لولادتها ابن الله بالجسد ولكن أيضاً لحفظها كلمته في قلبها وأعماقها

( إذا تسلح القوي ليحفظ داره فأمواله تصير في أمان وإذا جاء من هو أقوي منه فإنه يغلبه ويأخذ سلاحه الذي يتكل عليه ويوزع غنائمه … وفيما هو يتكلم رفعت إمرأة صوتها من الجمع وقالت له طوبي للبطن الذي حملك والثديين اللذين رضعتهما أما هو فقال لها بل طوبي للذين يسمعون كلام الله ويحفظونه )

وفِي إنجيل القداس تقبل البشرية في شخص والدة الإله سر تجسّد ابن الله لأجل خلاصها وتبريرها وإفتقاده لها

( فقال لها الملاك لا تخافي يا مريم لأنك قد وجدت نعمة عند الله وها أنت ستحبلين وتلدين إبنا إسمه يسوع وهذا يكون عظيما وإبن العلي يُدعي … الروح القدس يحلُّ عليك وقوّة العلي تظللك فلذلك أيضا المولود منك قدوس ويدعي ابن الله … فقالت مريم للملاك هوذا أنا أمة الربِّ ليكن لي كقولك فإنصرف عنها الملاك )

ملخص القراءات

التدبير الإلهي للتجسد والفداء إنتظر إشتياق البشرية الشديد الذي إستجابت السماء له بإختيار والدة الإله     مزمور عشيّة وباكر والقدّاس

وهو الذي عجز عنه الناموس ولكن أدركته البشرية بالظهور الإلهي كما سبق ومهَّد له في القديم    البولس والكاثوليكون والإبركسيس

وظهرت بركاته في فيض الغفران والسلام ونصرته علي ابليس ووجوده الدائم معنا بقبول والدة الإله لسر تجسّده  إنجيل عشيّة وباكر والقدّاس

أفكار مُقترحة للعظات

            (١) عطايا التجسُّد للإنسان الجديد                                                الكاثوليكون

١- الحياة الأبديّة

” وقد رأينا ونشهد ونُعْلِمكم بالحياة الأبدية التي كانت عند الآب وأُظهرت لنا ”

صار لنا الآن بتجسّد الكلمة يقين الحياة الأبديّة وإستعلانها في نور ابن الله في قلوبنا (٢كو ٤ : ٧) وبداية ظهور ملكوت الله في قلوبنا التي قبلت كلمة الحياة وامتلأت من غني روحه القدّوس ( ها ملكوت الله داخلكم ) ، يو ١٧ هذي هي الحياة الأبديّة أن يعرفوك

فلم تعد الحياة الأبديّة هي حياة فقط بعد الموت لكنها الحياة في المسيح له المجد فهو القيامة والحياة (يو ١١)

٢- الشركة مع الثالوث

” وأمَّا شركتنا نحن فهي مع الآب وابنه يسوع المسيح ”

وهذا يتضح من بشارة رئيس الملائكة لوالدة الإله ( الروح القدس يحل عليك وقوّة العلي الآب تُظللك فلذلك المولود منك قدوس ويُدعي ابن الله )

ففي تجسُده من والدة الإله إختبرنا محبِّة الله الآب ونعمة الابن الوحيد وعطية الروح القدس كما نُصلِّي دائماً بها في القدَّاس الإلهي

٣- الفرح الكامل

” وهذا ما نكتبه إليكم لكي يكون فرحُكم كاملاً ”

الفرح القلبي الذي لا يُنْزَع منَّا (يو ١٦ : ٢٢) هو نصيب إنسان العهد الجديد (في ٤ : ٤) وهو بشارة الملائكة (لو ٢ : ١٠) وبهجة القيامة (يو ٢٠ : ٢٠) وموضوع الكرازة (رو ١٠ : ١٥) وتعزية الضيق (أع ١٦ : ٢٥) وتجاوز الألم لأجل تحقيق الهدف (كو ١ : ٢٤) ومجد الخدمة (٣يو ١ : ٣)

٤- السلوك في النور

” أن الله نور وليس فيه ظلمة البتة .. ولكن إن سلكنا في النور كما هو ساكن في النور ”

يتَّضح هذا من رفض أولاد الله أعمال الظلمة (رو ١٣ : ١٢ ، أف ٥ : ١١) وقيامتهم الدائمة في المسيح فيضئ لهم بمجد قيامته (أف ٥ : ١٤)

٥- الغفران والتطهير والتقديس

” إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتي يغفر لنا خطايانا ويُطهرنا من كلِّ إثمٍ ” (١يو ١ : ٩)

فهو لا يغفر فقط لكن يُطهِّر ويُقدِّس كياننا الداخلي وهذا هو هدف الإعتراف بالخطايا ليس فقط الغفران لكن حياة القداسة

٦- كمال محبِّة الله

” وأمَّا من يحفظ كلمته فحقاً في هذا قد كَمُلت محبِّة الله ”

هذا هو هدف الإنسان الجديد الامتلاء الداخلي من المحبّة الإلهية لكي نكون فيها متأصلين ومتأسِّسين لكي ندرك مع جميع القديسين ما هو العرض والطول والعمق والعلو ونعرف محبِّة المسيح الفائقة المعرفة ونمتلئ إلي كل ملء الله (أف ٣ : ١٨ – ٢٠)

 

( ٢ ) يمكن الرجوع للأفكار المُقترحة للعظات ليوم الثامن والعشرون من كيهك وتاسع وعشرون من شهر كيهك

عظات آبائية

يُمْكِن الرجوع لعظات الأحد الثاني من شهر كيهك

القديس إبيفانيوس أسقف سلاميس

حواء أتت بالموت ومريم أحضرت لنا الحياة

“السلام لك يا ممتلئة نعمة الرب معك ” (لو١: ٢٨) ، وهذه هى التى كانت حواء مثالاً لها التى أخذت بطريقة رمزية لقب ” أم الأحياء (تك٣: ٢٠) لأن حواء دُعيت أم الأحياء بعد أن سمعت الكلمات “انك تراب والى تراب تعود” (تك٣: ١٩) أو بتعبير آخر ، بعد السق

ويبدو أنه من غير المناسب على الاطلاق أن تأخذ هذا اللقب العظيم بعد أن وقعت فى الخطية .

واذا نظرنا الى الأمر من الخارج ، ستلاحظ أن حواء هي الإنسانة التي منها أخذ كل الجنس البشرى منشأه على هذه الأرض .

وعلى عكس ذلك فان مريم ، أعطت بالحقيقة الحياة للعالم بولادتها الله الحى ، لذلك صارت مريم أم الأحياء ، بالحقيقة ان الكلمات “من وضع في الطخاء حكمة أو من أظهر في الشهب فطنة ” (أى٣٨: ٣٦) تشير إلى امرأتين الأولى هي حواء ، التي تنسج بمهارة الملابس المنظورة لآدم والتي هي نفسها قد تعرت معه  وكانت نهايتها هذا التعب وهذا الشقاء ، لأنه مثلنا أن العرى صار معروفاً بسببها كذلك أيضاً وضعت عليها مهمة أن تكسى الجسد الحسى من العرى المنظور  وبدلاً من ذلك فقد صارت مريم أمينة من قِبَل الله على مهمة الميلاد لأجلنا ، ميلاد الحمل والخروف ، والذى من مجده الأسنى ، كما من حجاب ، وبقوة قيامته وخلوده ، قد صار لنا لباساً منسوجاً بكل عناية.

ولكننا يجب أن نضع في الاعتبار جانباً آخر عجيباً في المقارنة بين حواء ومريم ، لقد صارت حواء للرجال سبب موت ، لأن بها دخل الموت الى العالم ، ولكن مريم صارت هي سبب الحياة ، لأن الحياة أتت الينا منها لأجل هذا السبب جاء ابن الله الى العالم و “حيثما كثرت الخطية ازدادت النعمة جداً ” ( رو ٥: ٢٠) ، ومن هناك حيث نشأ الموت نبعت لنا الحياة ، لأجل ذلك فان الحياة تفوق الموت  ان كان الموت قد جاء من المرأة ، فان الموت قد انهزم بمن جاء عن طريق المرأة وصار هو حياتنا.

وكما كان في الجنة ، كانت حواء عذراء ، وسقطت في خطية العصيان ، فمرة أخرى بالعذراء صارت نعمة الطاعة حين أتت البشارة المفرحة بأن الحياة الأبدية نزل من السماء في الجسد لأن الله قال للحية ” أضع عداوة بينك وبين المرأة وبين نسلك ونسلها” ( تك٣: ١٥) ، ان نسل المرأة لم يوجد في أي مكان آخر ، وهذا الكلام قيل بمعنى رمزي أن العداوة قد صارت بين حواء والحية ، أى بين نسل العذراء وبين ما تشير اليه الحيه الذى هو الشيطان  هذا الكلام لا يمكن أن يتحقق بالكامل في حواء ، ولكن بالحقيقة قد صار فى النسل المقدس المختار والفريد الذى أتى من مريم وحدها ودون أى علاقة بالرجل.

هذا النسل جاء ليحطم قوة التنين ، الذى هو الحية الماكرة والخداعة والذى كان يفتخر أنه ملك العالم كله لهذا السبب وُلِد الابن الوحيد الجنس من امرأة لكى يحطم الحية ، لكى يحطم المعتقد الخاطئ ، يحطم الفساد والكذب ، والخطأ والانحلال.

انه هو الذى خرج من أحشاء أمه ، فاتح رحم أمه (خر١٣: ١٢) لأن كل الأبكار الذين قبله لم يحققوا هذه الشروط ، وحده الوحيد الجنس فتح الرحم البتولى هذا حدث معه وحده ، وليس أحد آخر هو الوحيد الجنس وحده الذى فتح رحم أمه هو وحده وليس أحد آخر غيره أو معه”.[2]

القديس باسيليوس الكبير

مريم معمل سر التجسد

“هكذا تحقق السر الذى تعين قبل الدهور وبشر به الأنبياء الأولون : “ها العذراء تحبل وتلد ابناً ويدعى اسمه عمانوئيل الذى تفسيره الله معنا ” (أش٧: ١٤) .

هذا الاسم القديم المقدس “عمانوئيل” يحوى الاعلان عن السرّ كله ، الله يكون معنا ، احذروا أن يَضل أحد ضلال اليهود ، فيظن أن النبى اشعياء يتحدث عن امرأة صغيرة وليست عذراء ، لأن الآية لا تقول امرأة بل عذراء ، لأنه سيكون من الأمور غير اللائقة أن نتخيل أن الرب يعطى آية للنبى وهذه الآية تكون شيئاً عادياً مألوفاً وهو أن (امرأة) تلد لأنه ماذا يقول النبى اشعياء ؟

“ثم عاد الرب وكلّم آحاز قائلاً أطلب لنفسك آية من الرب الهك عمّق طلبك وارفعه الى فوق فقال آحاز لا أطلب ولا أجرب الرب ” ثم يقول “ولكن يعطيكم السيد نفسه آية ها العذراء تحبل وتلد ابناً ويدعى اسمه عمانوئيل ” (اش٧: ١٠-١٢)

هكذا لم يطلب آحاز آية (لا فى العمق ولا فى الارتفاع) لذلك يجب أن نفهم أن الذى نزل الى أقسام الأرض السفلى هو نفسه الذى صعد فوق سماء السموات

(أف٤: ٩-١٠).

الرب نفسه أعطى آية ، أعطى نفسه آية ، آية عجيبة وغير عادية ، أعلى جداً من قانون الطبيعة المعتاد ، المرأة نفسها هى عذراء وأم ، وذلك بالرغم من أنها بقيت فى بتولية كاملة فانها أيضاً حصلت على بركات ولادة الأولاد”.

“ان النبى يرى الله المتجسد ، يرى عمانوئيل ، يولد من عذراء قديسة ، ومعنى عمانوئيل (الله معنا) لأجل هذا السبب يصرح بالنبوة (رب الجنود معنا) وهذا يوضح لنا أنه هو نفسه الذى ظهر للأنبياء القديسين ولرؤساء الآباء “.

“ان أصله وبدايته لم يكن من مريم ، ولا انه ينتمى الى الزمان مثلها ، ماذا اذن ؟ ” (يو١:١) جوهر أزلى ، ميلاد بلا تغيير أو انفصال ، طبيعة ملوكية ، طبيعة واحدة مع أبيه “.

“ولكن من هو معمل هذا التدبير ؟ انه جسد العذراء القديسة ، ومن هو الفاعل فى ميلاد المسيح ؟ انه الروح القدس وقوة العلى التى ظللت العذراء “.

تعليق الأب القمص بنيامين مرجان علي كلام القديس باسيليوس :

لاحظ أن تعبير ” معمل “يأتى فى التسبحة القبطية هكذا : السلام لمعمل الاتحاد غير المفترق الذى للطبائع التى أتت معاً الى موضع واحد بغير اختلاط .

(القطعة الخامسة من ثيؤطوكية الأربعاء)

(الابصلمودية المقدسة)

نلاحظ هنا أن القديس باسيليوس حتى حين يتكلم عن سر ميلاد يسوع بالجسد ، دائما يؤكد على سر ميلاده الأزلى من الآب. ذلك معناه أن التجسد يكتسب قيمته ومعناه من أزلية الابن الواحد مع أبيه فى الجوهر. [3]

القديس يعقوب السروجي

مباركة أنت في النساء

يحركني حبك لاتكلم لك بافراز بنفس بصيرة ممتلئة دهشاً على مولدك . يا ابن العلى الذي شاء أن يكون من التحتانيين بك ترتفع كلمتى الضعيفة لعلو ابيك . أنت مرتفع يا ربي من الضمائر والألسن وصغيرة هي العقول والأذهان لتصورك قولك مخفى عن العاليين والتحتانيين ، وخبرك مخفى عن الروحانيين والحسدانيين. البطن حملك ومن لا يخاف من كلامك . السموات تخاف وترتعب من عظمتك والبطن مسكك وحمل مجدك. حين أنت عظيم حسن لك أن تحل في البطن . عندما ينظر العقل أن السموات ممتلئة من عظمتك وينظر حلولك في البطن يتخبط ، صغيرة هي السموات يا ربي أمامك وعظيم لك بطن مريم إذ تشاء . شئت فوسعك البطن .

السماء صغيرة والصبية عظيمة ، حسب ارادتك جميعه جالس على مركبة اللهيب وجميعه حال في البطن وهو كما هو مخفى بأزليته مخفى بعظمته ، لابس اللهيب . هذا هو العظيم لأنه لم يصغر بالصغر ولم يحد لأنه لولم يصغر لم يكن عظيماً . ليس ثم مكان في حضن أبيه لم يمتلىء منه ، وحل في البطن ولم يفض منها . السموات كرسيه ومريم أمـه . لم يشبه الكرسى للام لأن الأم أعظم وأيمانها أقرب وأحب له ومكرم ومحبوب ومختلط فيه . السموات لم تعط الحليب للطفل ، مباركة انت في النساء يا مريم وممتلئة طوبي – الحقل الذي أعطى غلة الحياة بغير فلاح .

وأشبع جميع الخليقة المحتاجة . البتول الكريمة أعطت العنقود وها من غمرها تفرح المسكونة الحزينة . إبنة المساكين التي صارت أما للواحد الغنى وها يبدد خزائنه على المتصدقين ليغنيهم . أدهشني الملتقى المحبوب الذي للنسيبتين وتحركت في الكلمة عليه لتظهر حسنها . الصباح والمساء نظرا بعضهما لبعض بمحبة حل في الصبية الملك العظيم وعقد التاج ، وحملة العجوز العبد المبشر بالملكوت في اليهودية جرو الأسد الذي كتب عنه يعقوب،وفي اللاوية الكاهن الذي فتح المعمودية، أتت هذه البتول العظيمة الممتلئة قدسا لتفرح مع العجوز العاقر بالحبل الجديد .

داود الملك رقص قدام التابوت بفرح قلبه ولم يحفظ طقس تاجه العظيم ويوحنا أيضا تحرك وهو طفل أكثر من داود لأن الصبية صارت تابوتا للاهوت إذ حل بداخلها سيد الاسرار . ها مصور جميع الأطفال صار طفلا والعظيم الذي يملا السموات حل في البطن .. هذا هو حامل خطايا العالم بأقنومه ويعتق جنس البشر من العبودية .

من شفتي مريم أسرع الصوت وبشر الطفل في البطن أن سيده يأتى فبدأ يتحرك سمعت اليصابات السلام وقبلت الروح وسجدت وقالت بمحبة مباركة أنت في النساء أيتها الصبية ومبارك هو الثمر المحبوب الحال في بطنك المقدس . من اين لي أن تأتى إلى أيتها المباركة حاملة العظيم . بطنك ممتلىء من ذلك اللهيب حامي الدهور و به تضمحل الأشواك المتأسسة في الأرض جميعها . لم تضارعك الصخرة التي ولدت الأنهر لأن منك تخرج مياه الحياة للعالم أجمع ، فقالت مريم: أترى غبريال حدثك بالسر لأنه هو فقط الواسطة في هذا الخبر ؟ فقالت العاقر : الطفل الذي في هو أوضح لي أن سيده حال فيك أيتها الطوبانية: فقالت مريم تعظم نفسي الرب الذي افتقدنى بالدهش العظيم وملا ًنى تعجبا بنعمته وأيضا يوحنا صار صوتا لكلمة سيده صنع بدء كرازته من داخل البطن وكمل عند ينبوع المعمودية . ولما شول من العبرانيين من هو اعترف أنه الصوت المرسل ليكرز على الكلمة ولم يدع اسمه لا ايليا ولا نبيا . مبارك هـو الكلمة الذي كرز الصوت على ظهوره .

له المجد دائما وعلينا رحمته آمين ؟ [4]

الأب المكرم بولس البوشي

ميمر البشارة المحيية للأب المكرم القس بولس البوشي

صلاته وبركاته تشملنا إلي النَّفس الآخير .آمين

المجد للقوة الإلهية التي تسود الكل ، الكلمة الذي خلق البرايا المنظورة وغير المنظورة ، شمس البر الذي لما بدأ أن يظهر متجسداً أضاء المسكونة وأزال عنا ظلمة الضلالة ، وطرد عنا نوم الغفلة ، وأخاف الوحوش الكاسرة والسراق المردة .وأحادنا عن توعر الهلكة وأرانا طريقا مفضية إلي الحياة الأبدية ، أطلب إلي جودك أيها النور الحقيقي الذي من حضن الآب أشرق للخلاص ، أسأل صلاحك أيها المولود من الآب قبل كل الدهور ، الذي سر أن يتجسد ، أتضرع إلي مراحمك أيها العالي فوق كل رياسة وسلطان ، الذي تواضع من أجلنا ، أنر عيني عقلي ياذا الضياء ، الذي ينير مخادع الظلمة لكيما أتكلم بكرامتك ، أعطني كلمة يا كلمة الآب لكيما أنطق بسر تدبيرك ، أفتح فاي يا معطي النطق للخرس لكيما أخبّر بمجدك ، أعطني من الذي لك خاصة يا معطي بسعة من غير امتنان ، وأنا أعطيك من الذي أعطيتني لأن منك تكون العطايا الصالحة والمواهب التامة .

أعطني معرفة لكي أعطي تمجيداً لتجسدك الكريم ، هب لي نطقا لكي أرسل تسبحة لتواضعك من أجل خلاص جنسنا . ألهمني فهما لكي أقدم سجوداً ووقاراً لمحبتك التي لا ينطق بها ، لأنك أنت هو الطريق والحق والحياة الأبدية ، والباب الذي يؤول إلي حظير الرعية الروحانية .

الحق أن سر تدبيرك أيها الإله يعلو كل عقل ، ويفوق كل فهم ، وكما أنك خلقت البرايا وأخرجتها من العدم إلي الوجود ، لا حاجة بك إليها بل تفضلا منك اليها .

فلما تجاوزنا الوصية سقطنا بحكم عدل من النعمة والحياة الأبدية ، فلم يقدر مخلوق أن يرد إلينا الحياة التي لا نهاية لها . لأنها غير ملائمة له ، ولم يكن كذلك إلا الرب الإله الذي به خلق كل شيء وبغيره لم يكن شيء مما كان ، كقول داود النبي : بكلمة الله خلقت السموات والأرض ، ثم عرفنا أن الكلمة الذي خلق البرايا هو الذي يتولي تدبير بريته ويجدد خليقته ، فقال أرسل كلمته فشفاهم وأنقذهم من الفساد فلنشكر الرب لرحمته وعجائبه في بني البشر ، وكما أنه من العدم إلي الوجود كونها . ولما فقدت من الوجود الأبدي كان من عدله أن ينقلها من عدم الحياة إلي البقاء الدائم في الملكوت بلا إنتهاء كما يليق به .

فلم يوصل إلينا ذلك بلاهوته لأننا غير قادرين علي احتماله ، بل تفضل وتجسد ، وأوصل لنا الحياة الأبدية بتجسده باتحاده بلاهوته الأزلي ، ثم ظهر غالباً للموت والفساد بقيامته المقدسة ، وأوصل إلينا نحن تلك الحياة بالنسبة لذلك الجسد المأخوذ منا ، لأنه كما أن الموت الذي قبلناه من أبينا آدم لم يكن غريباً منا بل قبلناه بالنسبة إليه . كذلك هذه الحياة أيضاً لم تصر غريبة منا ، بل صارت إلينا بالنسبة لتجسد الإله الكلمة .

والمعمودية والاشتراك أيضاً بذلك الجسد المحيي بأخذنا من سرائره المقدسة ، كما شهد قائلاً : إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان وتشربوا دمه فليست لكم حياة أبدية فلهذا تعهد الصانع صنعته لأنه لا يقدر أحد أن يصلح صنعه يده سواه .

اليوم يا أحبائي كملت نبوة إشعياء النبي القائل : إن خلاصنا ليس بملاك ولا رئيس ملائكة ، بل بالرب إله القوات ، وأيضاً داود المزمر في وسطنا اليَوم يرتل قائلا : طأطأ السماء ونزل والضباب تحت رجليه ، ثم أعلمنا بإعلان أن تجسده كان مخفيا عن الرؤساء والأرواح الشريرة ، فقال ينزل مثل المطر علي الصوف وكالقطر إذا هبط علي الأرض ، أعني أنه يتجسد سراً ثم يكمل التدبير بعد ذلك بإعلان ، وذلك عندما يملأ شرف لاهوته كلُّ المسكونة لأن النبي لم يسكت بل أظهر في تلاوته القول بعظم فعل الرب للخلاص علانية ، فقال : ويكثر العدل والسلام في أيامه حتي يورث القمر النقص ، عني بالعدل مساواته بين اليهود وسائر الشعوب في بدء البشري ، وأنه بررهم مجانا بالإيمان ، وعني بالسلامة أنه نقض الحائط الذي كان حاجزاً في الوسط وأزال العداوة وصنع الصلح والسلام بين السمائيين والأرضيين . ككلمة بولس الرسول ، وعني بالقمر ناموس العتيق ، لأن تلك سميت ليلا كما قال الرسول أيضاً : قد مضي الليل ودنا النهار – لأن القمر هو ضياء الليل .

فأما المسيح فهو شمس البر كما تنبأ ملاخي قائلا وشمس البر اسمه – فلما ظهر بالجسد العجيب لم يبق للقمر الذي كان ممجداً في الليل بهاء ولا مجد ، كما شهد الرسول قائلا : إن تلك التي كانت ممجدة صارت غير ممدوحة الآن عندما قيست بهذا المجد الفاضل ، والرب يقول : أنا هو نور العالم من يتبعني لا يمكث في الظلام بل يحيا في مجد نور الحق . بحق يا أحبائي إن كرامة هذا العيد عظيمة جداً ، لأنه بكر كل الأعياد وأول كل الأفراح ، وبدء كل المسرات ، وبحق قد سمي عيد البشارة ، وليس للسيدة البتول مريم فقط بل ولنا نحن كافة المؤمنين ، لأن كل بشارة لقوم إنما هي لهم خاصة ، أما هذه فهي للكافة . ابراهيم بشره الرب بمولد اسحق ، ولكن لم يصل لنا نحن من ذلك بر ولا خلاص .

حنة وعدت بمولد صموئيل النبي ، كذلك أم شمشون الجبار ، وزكريا بشر بولادة يوحنا ،. لكن كل واحد من هؤلاء كانت مسرته لنفسه كما قالت اليصابات ” إن الرب نظر إليّ لينزع عاري من بين الناس “. فأما هذه البشارة اليَوم فكائنة لكل المسكونة وكما أن الرب حكم علي حواء قائلا لأكثرن أحزانك وبالوجع تلدين بنيك فصار هذا لاحقاً بكل جنسها . كمثل الحكم الذي كان علي آدم إذ صار متابعاً لكل جنسه . هكذا عوضاً عن ذلك قال الملاك للسيدة العذراء : إفرحي يا ممتلئة نعمة الرب معك . فذلك الفرح والنعمة صار إلينا نحن كافة المؤمنين ، لأن الرب قد صار معنا علي الأرض بالجسد العجيب ، ورأينا مجده مجداً مثل الابن الوحيد الذي لأبيه الممتليء نعمة وحقاً .

وكما أن الملاك لما بشر الرعاة بمولد الرب قال لهم : هوذا أبشركم بفرح عظيم يكون لكم ولكل الشعوب ، لأنه قد ولد لكم مخلص هو المسيح الرب ، وهكذا الفرح بهذا العيد الشريف اليوم ، فهو بشارة عامة لكل المسكونة لأنه يبشرنا بإتيان الرب إلينا ، واتحاد لاهوته غير المدرك بطبيعتنا ، الطبيعة الضعيفة التي قد هلكت فجعلها قوية غالبة الموت ، وقاهرة لإبليس وجن

اليوم يا أحبائي ينبغي لنا أن نسرّ – لأن فيه افتقدنا الرب مشرقا من العلاء ليضيء للجالسين في الظلمة وظلال الموت . اليوم سرّ الرب أن يفتقد شعبه للخلاص . ويتعاهد خليقته بالشفاء وصنع البر .ولأنه إذا اشتد المرض وتزايدت العلة وعسر الشفاء احتاج للعلاج من الطبيب الماهر القادر علي كل شيء ، الشافي النفوس والأجساد وهو تجسد الإله الكلمة . فهو ذا الكلمة الأزلية ذو الرحمة ، معدن التحنن الكامل من ذي الكمال ، القوة التي لا تقهر ، الهبة التي لا تتغير ، الشبه الذي لا يستحيل ، المثال الذي لا يزول ، النوع الذي لا يتبدل ، الخاصية التي لا يماثلها شيء ، القدوس الذي لا يتدنس ، صورة الأزلية التي لا تفسد ، الضابط الَّذِي لا يحتوي عليه ضياء المجد الذي لا يخمد ، شمس البر الذي لا يغيب ، نور من نور إله حق من إله حق ، مولود غير مخلوق ، مساوي الآب في الجوهر ، وإن كان الآب يسمي إلهاً ، والابن يسمي إلهاً لأجل جوهر اللاهوت الواحد وكذلك الروح القدس ، ولكن لا يقال ثلاثة آلهة لأن هذه صفة خواص اللاهوت ، ثلاثة أقانيم لاهوت واحد .

قال أغريغوريوس الثاؤلوغوس : إذا قلت الله إنما أقول الآب والابن والروح القدس ، لأن اللاهوتية لا تنعت زائداً عن هذا ولا تنضمر أقل منه . ومع هذا لا نعبد ثلاثة ، لئلا نوجد مثل الأمم ، الذين يقولون بكثرة الآلهة ، ولا نكون أيضاً مثل اليهود الذين ينكرون كلمة الله وروحه لأن الرديء فيهما متساوي وإن كان قولهما مختلفاً .

وبهذا نؤمن أن الكلمة مولود من الآب ميلاداً أزلياً لا بدء له ، وقد شاء أن يتجسد من القديسة البتول مريم من بيت داود من سبط يهوذا من زرع ابراهيم ، لكيما يستطيع العالم مشاهدته ، ولكي يخلص الشبه بشبهه ، فأرسل أمامه رئيس ملائكة مقدس للبشارة منذراً بأن المتجسد هو الرب لأنه حيث يكون السيد الملك السماوي هناك يكون خدامه العلويون الروحانيون .

هلم في وسطنا اليوم أيها الانجيلي القديس لوقا المطبب بشير الحياة ، لأنك الذي أخبرتنا بتدبير التجسد علي سياقته أولًا فأولًا ، قال لما كان الشهر السادس أعني من حبل اليصابات قال أرسل جبرائيل الملاك من عند الله .

يا لهذه الكرامة التي أعطيها هذا الملاك من دون كافة الروحانيين ، لأنه أؤتمن علي سر التدبير ، وسلك أمام الرب في البشارة المحقة ، لأن تفسير اسم جبرائيل في اللغة العبرانية رجل الله ، وهو سر علي التجسد ، بأن الإله متحد بالانسان بالتجسد العجيب . قال إلي مدينة في الجليل تدعي ناصرة ، وهذا ليتم ما قيل في الأنبياء أنه يدعي ناصرياً ، قال : إلي عذراء مخطوبة لرجل اسمه يوسف من بيت داود ، ذكر أنها خطبت ليوسف لكي ما يخفي الرب تدبير التجسد عن الشيطان ، لأن النبوة تذكر بأن العذراء تحبل وتلد ابناً ويدعي اسمه عمانوئيل ، ولهذا كانت البشارة بعد خروج السيدة العذراء من الهيكل إلي بيت يوسف ليخفي سر الحبل في ذلك .

وقوله إنه من بيت داود ليعلن أن قبيلة داود كانت محفوظة لم تختلط بالقبائل الأخري لأجل التجسد ، ثم بعد ذلك اختلطت بعد صعود الرب بما يناهز أربعين سنة في مملكة آسباسيانوس لما أخرب البيت المقدس وقتل اليهود وبدد الفضلة في آفاق الأرض .

قال واسم العذراء مريم أراد تحقيق الأمر فيها جيداً ، إنها من بيت داود بما يأتي بيانه ، قال ولما دخل عليها الملاك قال لها : افرحي يا ممتلئة نعمة الرب معك ، أعطاها الملاك سلاماً من الله مملوءاً فرحاً ليزيل حزن حواء ، وكما أن تلك لما أكلت من عود المعصية لطاعتها لإبليس ، ملك عليها الشيطان ، واستولي علي جنسها ، كذلك هذه لما أطاعت البشري قائلة ” ليكن لي كقولك ” ، حل فيها الإله الكلمة وملأها من كل نعمة وفرح ، وشمل ذلك إلي جنسنا وأنعم علينا بالخلاص مجاناً وسار معنا علي الأرض .

قال لما سمعته اضطربت من كلامه وفكرت قائلة ما هذا السلام ، أعني أنه لم يكن لها مخاطبة أحد لأنها تربت في الهيكل في ستر وسكون عابدة الله ليلا ونهارًا ، ثم أن الإنجيل أظهر فضلها ، وكونها لما اضطربت من صوت الملاك ، لم تدع عنها التحفظ الذي ألفته والسكون الذي تربت فيه ،ولم تصرخ ولم تدفع كلامها بالجملة ، فكرت في نفسها لا غير ، قائلة ماهذا السلام الغريب اليوم ، فخاطبها الملاك بهدوء لائق بها قائلا لا تخافي يا مريم ، لأن هكذا جرت عادة المنظر الذي من الله وملائكته الأطهار ، إذا ظهر يزيل الخوف ويعطي هدوءاً وسكوناً ، فأما الذي لإبليس فإنه يزيد خوفاً علي خوف وقلق علي قلق ، وبهذا عرف القديسون المنظر الذي من الشيطان وجنوده ، فلما سكن الملاك خوفها بدأ يبشرها قائلاً : لأنك ظفرت بنعمة من عند الله أعني أنه اختارها للتجسد الكريم من دون كافة البشر لتكون محلا للإله الكلمة ومنها يظهر الخلاص ، فأي نعمة تكون أشرف وأي موهبة تكون أفضل من هذه الكرامة ؟!

طوباك أيتها السماء الجديدة التي علي الأرض يا مريم ، لأنك استحقيت أن تدعي والدة الإله أم المسيح الرب معاينة الكلمة وخادمته ، ذات الشفاعات القوية .

قال : وأنت تقبلين حبلا وتلدين ابنا أعني أنه منها تجسد بالحق من غير شبه ولا خيال بكمال البشرية ، شبها بنا في كل شيء ما خلا الخطية ، وهكذا تلده ويكمل سر التدبير ، وقال : ويدعي اسمه يسوع تفسير يسوع المخلص ، وهكذا سمي كنحو فعله كما قال : إن ابن الانسان لم يأت إلا لينجي ويخلص من كان ضالا ، ثم بدأ يخبرها بإعلان قائلا هذا يكون عظيما وابن العلي يُدعي ، أعني وإن كان يولد بالجسد فهو ابن العلي لم يزل لأنه إله متأنس ابن العلي سرمداً ، مولود منه أزلياً ، كائن بلا ابتداء ويكون بلا انتهاء ، وقوله يدعي ، أعني بالتجسد عرف سر ابن الله ، ثم بدأ يظهر كيفية التجسد بالكمال ، وأن العذراء ابنة داود النبي فقال : وليعطه الرب الإله كرسي داود أبيه ، فحقق أن البتول لم يكن شيء يماثلها ، وكيف يكون ذلك ، لولا تجسد الإله الكلمة الذي شاء أن يتجسد من البتول بغير زرع بشر ، كما قال سليمان ” الحكمة بنت لها بيتا ” .

وإن القديسة مريم لعظم إيمانها في الله وحسن يقينها ، رغم هذا الشيء الغريب الذي لم يكن مثله ، صدقت البشري وآمنت أن يكون لها ذلك ،! وأن الله القوي في كل شيء أيدها بروحه الذي حلّ عليها ، فصرفت أشواقها في الرب وتاقت للقول الذي أخبرها به الملاك ، واشتهت أن يكون لها ذلك وأجابته قائلة : ” ها أنذا أمة الرب فليكن لي كقولك ” .

وعند قولها هذا ، حل فيها شمس البر ، لأنه لم يرد أن يغصب الطبيعة التي أعطاها اختيار الإرادة وسلطة الحرية منذ البدء ، حتي طلبت هي ذلك أولا بشهوة من الله من تلقاء الروح قال وانصرف عنها الملاك ، أعني أنه لما أكمل الرسالة وحل الرب بالتجسد العجيب أذن له أن ينصرف بسلام ، لأنه قد أكمل ما يجب عليه من الخدمة التي أرسل فيها . اليوم يا أحبائي كمل قول داود النبي القائل :” اسمعي يا ابنة واصغي بسمعك وأنسي شعبك وبيت أبيك ، فإن الملك قد اشتهي حسنك ، ثم أعلمها من هو الملك فقال لأنه إلهك وله تسجدين ، بحق أنها سمعت ونسيت كل شيء موجود في هذا العالم لما قد صارت اليه من الرفعة والكرامة الفائقة .

لكن ما هو الحسن الذي اشتهاه الإله الملك الأبدي ؟ هل هو بهاء عالمي ؟ لا يكون ذلك ، لأن النبي أخبرنا بذلك الحسن أيضاً في المزمور قائلاً : ” جميع مجد ابنة الملك من داخل مزينة ، أعني بهذه النفس الناطقة النقية بزينة الفضائل “. وبطرس الرسول يكتب ويؤكد علي هذه الزينة الناطقة قائلاً :” أن تكون زينة النساء ليس بالزينة الهالكة بدوايب الشعر وحلي الذهب ولبس الثياب الفاخرة بل بتزيين زينة الانسان الباطن الزينة الخفية التي تكون بالقلب المتواضع ، الزينة التي هي عند الله علي غاية الكمال ” .

هذا هو حسن بهاء البتول مريم ، التي زينت ذاتها بالفضائل ، وبهاء النفس الباطنة ، وأما في إنسانها الظاهر فلم تهتم بشيء من أمور العالم قل أو كثر ، إنما كان اهتمامها التقرب من ربها ، لتكون طاهرة بجسدها وروحها ، كما يعلمنا الرسول .

وبهذه استحقت الطوباوية مريم أن تدعي القبة الثانية التي حل فيها مجد الله لأن تلك الأولي التي صنعها موسي كانت معمولة بشقق الحرير والقرمز والأرجوان وغزل كتان ، متقنة بصنعة صانع حاذق ، وكانت فيها آنية الخدمة ذهب وفضة ، مع المنارة ، وتابوت العهد من ذهب الابريز مصاغاً ، وعمدها من ذهب ، القواعد فضة ، هيأه بهذا البهاء من داخل ، أما من خارج فكانت مستورة بخرق شعر ، فكانت تري من خارجها حقيرة المنظر ، ومن داخلها جليلة المقدار والكرامة والبهاء ، شهية المنظر ومجد الرب فيها ، وهكذا الطوباوية مريم ، كان منظرها متواضعاً عفيفاً ورعاً ، أما الباطن فكان جليلاً جداً، وهو ضياء نفسها الملتصقة بالله ، المتطلع عليها ، كما هو مكتوب في سفر صموئيل النبي : إن الناس ينظرون في الظاهر وأنا أنظر في الباطن يقول الرب .

أنت هي العوسجة التي منها كلم الله موسي بنار تضطرم ولم تحترق أغصانها ، ولا تغير لون ورقها ، فإن فكر أحد في حلول الرب فيك فليحد ذهنه إلي تلك العوسجة الحقيرة ذات الشوك وغير المثمرة ، كيف لم يكلم موسي في شجرة ذات ثمار ؟ وزاد ذلك بقوله : أنا إله إبراهيم وإله اسحق وإله يعقوب ، ثم أمره بالهبوط إلي مصر ، وما الدليل علي ذلك وصحته إلا عندما هبط إلي مصر وصنع الآيات بأمر الله ، وأخرج الشعب بيد قوية ، فتبين ليس بالقول فقط بل وبالفعل أيضاً أن الذي كلم موسي في العوسجة هو الرب إله القوات .

أنت هو الجبل الذي شهد عنه دانيال الذي قطع منه حجر بغير يد إنسان الذي هو الرب الحجر الكريم ، الذي تجسد منك بغير زرع رجل ، وصار جبلا عظيما وملأ المسكونة ، الذي هو كرامة لاهوته الماليء كل البرايا ، وقد يقصر بي الزمان وضعف المنطق أن أبلغ مدح كرامتك كما تستحقين أيتها البتول الطاهرة بكل نوع ، القديسة مريم ، ها أني أقدم كرامة ووقاراً وسجوداً للرب الاله الذي تجسد منك ، وأسأل طيب صلاحه وكثرة تحننه، الذي من أجل محبته أتضع لخلاصنا ، وشرف طبيعتنا الحقيرة باتحاده بها ، أن ينظر إلينا بعين التحنن من سماء قدسه ، وأن يغفر خطايانا ، ويتجاوز زلاتنا ، ويسامحنا بهفواتنا ويصفح عن أثامنا ، ويساعدنا علي العمل بمسرته .

وإن كان ليس لنا دالة أمامه ، فنحن نطلب إليه بشفاعتك يا فخر جنسنا ، أيتها البتول ذات الشفاعات القوية ، لأنك قد ظفرت منه بنعمة ، ووجدت عنده دالة أفضل من الملائكة السماويين وكل البرايا الذين كانوا والذين يكونون أيضاً ، لأن منك خاصة سُر أن يتجسد . عظيمة هي يا أحبائي كرامة هذا العيد لانه بكر الأعياد السبعة الإلهية ، وكما أن في يوم الأحد – بكر الأيام السبعة – خلق الله كل البرايا جملة ، ثم وزعها في الأيام الأخري كما شهد بذلك سفر الخليقة قائلا :” في البدء خلق الله ذات السماء والأرض وكانت الأرض غير ظاهرة ، وكانت ظلمة غاشية وجه الغمر ، وروح الله يرف علي وجه المياه ، وقال ليكن نور فكان كذلك ، ورأي الله النور حسناً ، وفرق الله بين النور والظلمة ، ودعا النور نهاراً والظلمة ليلاً ، وكان مساء وكان صباح يوما واحداً ، فخلق الله الملائكة من ذلك النور وكذلك الأنوار والكواكب ، ثم جمع الماء الذي علي الأرض وكان بحاراً ، وظهر اليبس ، ثم خلق النبات والأشجار من الأرض وأسعدها وأنماها ” .

وخلق الأسماك والطير من الماء ، ثم من الأرض أيضاً خلق الحيوان وجعل منها الإنسان ، وشرفه بالروح العظيمة الناطقة ، فقد صح أن الكل جملة كانوا يوم الأحد ووزعها في الأيام الأخر ، وكذلك هذا العيد الكريم ، اعني عيد البشارة كان فيه جملة الأشياء التي كان الله مزمعاً أن يكلمها بالتجسد العجيب ، في الستة الأعياد الأخري الإلهية مع بقية سر التدبير ، وذلك حيث هو غير مرئي بلاهوته وغير متألم ، سر أن يتجسد ، لكي يشاهده الخلق ويكمل بالجسد سر تدبيره ، ويتألم من أجلنا ويقوم ويعطي لنا الغلبة ، والبعث من بين الأموات ، أخذ جسد بشريتنا لكي يعطينا موهبة روح قدسه بالميلاد الثاني الذي أفاضه علي رسله الأطهار ، بعد كمال الخمسين ، تنازل إلينا الذي يعلو الكل لكي يرفع الجسد ، الذي كان أسفل إلي علو السموات ويصعده إلي أعلي المراتب ، فوق الرؤساء والسلاطين والقوات ، وفوق كل اسم يسمي ، وأن يصلح بين السمائيين والأرضيين ، فبالتجسد أكمل ذلك بأسره ، إلا أننا نري أناساً لا يهتمون بهذا العيد ، كمثل بقية الأعياد الإلهية ، لكونه يقع في صوم الأربعين المقدس ، إذ يظنون أن كرامة الأعياد بالمأكل والمشارب واللهو العالمي ، فليس الأمر كذلك لأن الرب يقول أنظروا لئلا تثقل قلوبكم ، بالشبع والسكر والأمور العالمية ، فيأتي عليكم ذلك اليوم مثل الفخ ، فقد صح بأن كثرة الإسراف في هذه الأشياء يقسي القلب ، ويطرد منه التخشع ، وأن للنفس طعاماً آخر غير هذا خاصياً يبقي ولا يزول ، لأن الرب أيضاً يعلمنا قائلاً :” اعملوا لا للطعام الفاني ، بل للطعام الباقي لحياة الأبد الذي يعطيكموه ابن البشر فالآن قراءة الكتب التي من تلقاء الروح كرامتكم ، الترتيل في كلام الله فخركم ، الوقوف في الصلوات عزاؤكم ، مواظبة الابتهال لله رجاؤكم ، اتصالكم به بمثابرة لتذكار اسمه القدوس غذاؤكم ، كما يقول داود إني إذا ذكرتك تمتليء نفسي ، كشبعها من الشحم والدسم …

اقترابكم إليه بأعمال الفضيلة شرابكم ، كما يقول من كان عطشاناً فليقترب إليّ ويشرب ، حفظ أجسادكم بطهارة وعفاف ، بهاء لباسكم ، ضبط حواسكم عن أمور الآثام ضياء نفوسكم ، بذل أيديكم بالرحمة ، صفح ذنوبكم ، كما قال ارحموا ترحموا .

ترك الحقد من قلوبكم علي اخوتكم دالتكم عند الله وقت صلاتكم وتجسرون أن تقولوا أغفر لنا كما غفرنا لمن أساء إلينا ، تغيير العادة الردية بالجيدة شرفكم ، مكافحتكم علي إبطال الرذيلة ومجاهدتكم علي إقامة الفضيلة ، إكليل مجد يوضع علي رؤوسكم .

هذا هو عيد الجيل الذي يبتغي الرب ، ويطلب وجه إله يعقوب ، وليس بالمآكل والمشارب التي تفسد وتصير زبلا ، فان زادت فقد أورثت أموراً تسوق إلي الخطأ ، كما يعظنا بولس الرسول قائلا :” إن أنتم عشتم بالجسديات فعاقبتكم أن تموتوا ، وإن سستم أنفسكم ودبرتموها بالروح نلتم حياة الأبد ، وقال أيضاً لا تسكروا من الخمر الذي منه يكون المجون ، بل كملوا أنفسكم بالمزامير والتسابيح والأنشاد الروحانية ، فلنصنع الآن الأعياد الالهية كما يليق بها ، لكي نعيد بفرح مع كافة الأطهار ، في الملكوت السماوي ، موضع نياح القديسين الذي تباعد منه الحزن والكآبة .

ونحن نسأل تحنن الرب الذي له القوة أن يحرس شعبنا وأن يساعدنا علي ما فيه خلاص نفوسنا ، وينيح نفوس أمواتنا ويحفظنا من التجارب مدة ما بقي من حياتنا . وأن يؤهلنا جميعاً نصيبا مع القديسين في الملكوت الأبدي ، والحياة السرمدية . بشفاعة سيدتنا البتول الطاهرة القديسة مريم ، التي منها تجسد الاله الكلمة ، وشفاعة الرسل الأطهار وكافة الشهداء القديسين الأبرار ، ومن أرضي الرب بأعماله الصالحة ويرضيه من الآن وكل أوان وإلي دهر الداهرين. أمين .[5]

عظات آباء وخدام معاصرين

يُمْكِن الرجوع لعظات الأحد الثاني من شهر كيهك

المتنيح الأنبا فيلبس مطران الدقهلية

خادمة المشورة الإلهية

من قديم الزمان والبشرية تشتاق لرؤية الله ومعرفته إذ يوجد حنين غريزى في أعماق الإنسان نحو الله وهذا يؤكد وجود العنصر الروحى وعمله في الإنسان ، وإمتيازه عن الحيوانات بأنه مخلوق من نسمة إلهية قُدسية خالدة تحن إلى مصدرها. وفى ظل الأمة الموسوية في سنة ١٥٠٠ ق . م نجد موسى النبى يقول للرب ” أرنى مجدك ” فأجابه الرب ” لا تقدر أن ترى وجهى لأن الإنسان لا يرانى ويعيش … هوذا عندى مكان فتقف على الصخرة وأسترك بيدى … إلخ (خر ٣٣ : ١٨ – ٢٣) .

وكانت نقرة الصخرة هذه تشير إلى جنب المسيح المطعون على الصليب ، بمعنى أن الإيمان بفداء المسيح هو السبيل لمعرفة الله ورؤية محبته وقداسته وحكمته وعدله .

وقال أيوب ” من يعطنى أن أجده فآتى إلى كرسيه. ها آنذا أذهب شرقاً فليس هو هناك وغرباً فلا أشعر به شمالًا حيث عمله فلا أنظره ، يتعطف الجنوب فلا آراه ” (أي ٢٣ : ٣ ، ٨) … وقال أيضاً ” ما لم أبصره فأرنيه أنت … ” (أي ٣٤ : ٣٢) . وقال داود النبى ” كما يشتاق الإبل إلى جداول المياه ، هكذا تشتاق نفسى إليك يا الله عطشت نفسى إلى الله إلى الإله الحى … ” (مز ٤٢ : ١) . وقال أشعياء النبى مناجياً الله ” ليتك تشق السموات وتنزل … ” (أش ٦٤ : ١) .

وهكذا كانت البشرية تفتش عن الله ، وتشتاق لرؤيته ومعرفته والتمتع بخيره ومعونته وحمايته ورضاه . وبعد مرحلة أعداد طويلة لأذهان البشر عن طريق الوحى للأنبياء في النبوات والرموز الكثيرة . تناولت مئات النبوات تفاصيل مجيئه إلى العالم ، وهدفه خلاص الإنسان من الخطية والموت والشيطان ، وبيان طريقة ميلاده المعجزية بالروح القدس من عذراء ، وقد أوضح ذلك أشعياء النبى كل الوضوح في نبوته ” ها العذراء تحبل وتلد إبناً وتدعوا إسمه عمانوئيل ” وفى مرة أخرى يكتب ” لأنه يولد لنا ولد ، ونعطى إبناً وتكون الرياسة على كتفه . ويدعى إسمه عجيباً ، مشيراً إلهاً قديراً أباً أبدياً رئيس السلام ” (أش ٩ : ٦) .

وبعد تلك النبوات إستعاد كثيرون من الذين فقدوا الرجاء ، رجاءهم مرة أخرى . فكانت أمهات كثيرات يتساءلن ، حينما يولد لهن ولد ، هل هذا هو الطفل المدعو ؟ هل يكبر ( إبنى ليصبح الرئيس الذى وعد الله بإرساله ؟ ولكن النبى ميخا أعلن إسم المكان الذى سيولد فيه الطفل المدعو وانتشرت النبوة بين الأمهات وكل المنتظرين فداء من الله . وكانت نبوه ميخا ” أما أنت يا بيت لحم آفراته ، وأنت صغيرة أن تكونى بين ألوف يهوذا .

فمنك يخرج لى الذى يكون مُتسلطاً على إسرائيل ومخارجه منذ القدم منذ أيام الأزل (مي ٥ : ٢) . وإتجهت الأنظار كلها نحو بيت لحم ومضت السنون ولكن الطفل لم يولد ! ! ونسى الكثيرون هذه النبوة فيما عدا قليلين ، الذين لم يشكوا ولا لحظة واحدة في صدق وعود الله .

وبعد أن أسر اليهود وتشتتوا في مملكة بابل وهُدمت مدينتهم ” أورشليم ” إنهار إيمان الجميع ولكن قام نبى جديد يتحدث بأخبار مفرحة عن الطفل الإلهى العجيب . قال دانيال أن الملاك جبرائيل أخبره بالموعد المحدد الذى سيظهر فيه المخلص فقد قال الملاك له ” ابتداءً من صدور الأمر بتجديد أورشليم وبنائها إلى المسيح الرئيس . سبعة أسابيع وإثنان وستون أسبوعاً ” وكانت هذه النبوة أكثر النبوات تحديداً . لأنه حدد الموعد بأنه بعد صدور أمر ملك الفرس بإعادة بناء أورشليم بتسعة وستين أسبوعاً ( ٧ + ٦٢ أسبوعاً ) سيأتى المسيح الرئيس . وتعجب بعض الناس أن يكون الموعد قريباً هكذا ، أي أن المسيح سيأتى بعد أقل من سنتين .ولكن البعض الآخر قالوا أن ” الأسابيع النبوية ” تحسب على إعتبار أن كل يوم من أيام الأسبوع هو سنة وكان هذا الرأي الثانى صحيحاً وهذا يعنى أن العالم سينتظر ٥٠٠ عاماً أخرى .

وكان هذا وقتاً بعيداً ومرت السنوات ونسى الناس أيضاً نبوة دانيال ، وفى ملء الزمان أجاب الله طلبة البشرية ، إذ كلن يبادلها المحبة والشوق كقول أيوب ” تشتاق إلى عمل يديك ” (أي ١٤ : ١٥) . ونزل إلينا في شخص الرب يسوع ، متخذاً جسد إنسان مشابهاً لنا في كل شيء ما عدا الخطية (غل ٤ : ٤) ، (تى ٢ : ٥) ، (عب ٢ : ١٤) . بعد أن كاد الناس أن يفقدوا الرجاء تماماً في مجيئه ولكنه أرسل هذه المرة الملاك ليبشر بقدومه الخلاص ليس إلى نبى ولكن إلى عذراء مخطوبة ليوسف النجار وبشرها بأخبار السماء المفرحة . ولكن لماذا إختار الله مثل هذه العذراء الفتاة البسيطة المتواضعة (مريم ) من بين كل نساء اليهود المؤمنات القديسات في ذلك الزمان في فلسطين لكى تكون خادمة المشورة الإلهية ؟

– إن إختيار الله لها لتكون أماً للإبن المتجسد غامض تماماً مثل غموض حملها له في رحمها البتولى . وقد ذكر القديس أغسطينوس رداً على هذا السؤال :

( إن الله إختار فتاة كرست نفسها للرب. فإختار العذراء مريم التي قدست قلبها لله . لذلك أجابت الملاك قائلة ” كيف لى هذا وأنا لست أعرف رجلاً . إنها عبرت عما يكنه قلبها البتولى من أفكار ، ومبادئ وحياة قدسية. لقد إمتلأت العذراء من كل نعمة وقداسة وطهارة ونقاوة منذ دخولها الهيكل وهى لم تبلغ بعد سوى ثلاث سنوات ، وأثمرت تقواها وقداستها فصممت على عدم المعرفة الزوجية الجسدية وشهد الملاك بذلك بقوله ” سلام لك أيتها الممتلئة نعمة ” . لقد قدست وكرست نفسها وعواطفها للرب ، فاستحقت أن تسمع صوت الملاك ” مباركة أنت في النساء ” (لو ١ : ٢٨) . إنها استحقت هذا اللقب لأنها فضلت العشرة مع الله عن اللذة الجسدية إنها تسامت بعواطفها وإرتفعت بها للسماء فاستحقت أن يأتي ملك الملوك ويحل في أحشائها ويجعلها سماء ثانيه .

إن القديسة مريم هي الشخصية الأولى في تاريخ البشرية التي إختارت البتولية الدائمة وفضلتها على الحب العاطفى وتسامت بقلبها روحياً لذلك إختارها الله لتكون إناء مقدساً يحل فيه الكلمة الإلهى ويتجسد ) .

أ – الخضوع للمشورة الإلهية :

( يا كلمة الله الأبن الوحيد ، غير المائت ، لقد رضيت من أجل خلاصنا أن تتجسد من والدة الإله القديسة مريم الدائمة البتولية) .

_ سر الأسرار أُعلن لهذه الفتاة الطاهرة النقية العفيفة عذراء الناصرة ، الحمامة الوديعة . إنها النعمة الإلهية التي تشرك الإنسان في طبيعة الله ، وترفعه إلى مثل هذا المستوى الذى يسمو على الإدراك ، كان الحدث العظيم حدث إلتقاء الطبيعتين الإلهية والإنسانية معاً في شخص إبن الله الواحد الأحد .

وبعد الإلتقاء لم يفارق لاهوته ناسوته لحظة واحدة ولا طرفة عين . وقد تم بهذا الإعلان الإلهى رجاء العهد القديم وتحققت نبواتهم وكملت إعلانات الله لقديسيه وأنبيائه فإن كان الله قد أعطى الشريعة بواسطة موسى وكلم الناس قديماً بواسطة الأنبياء ، فإنه بتجسده في أحشاء البتول مريم قد أعطانا مصدر النعمة بعينه ، وكلمنا بابنه الوحيد الكلمة الذى أخذ جسداً من مريم وحل بيننا . الذى أخلى ذاته ونزل من السماء وما برح السماء . هو الإله الإبن الوحيد الذى في حضن الآب وأخبرنا بنفسه ، وعن حقيقته الإلهية وحقيقة الطبيعة الإلهية . إن شخصية مريم العذراء لها أهمية عظمى في إتمام سر التجسد : ففي خضوع وطاعة مريم إستطاعت البشرية أن تقول ” نعم ” لله ، وأن تقبله مخلصاً لها . وهذا ما تم عندما أجابت مريم الملاك قائلة ” هوذا أنا أمة الرب ليكن لى كقولك ” عندئذ تم تجسد إلن الله . ففي مريم تم الإتحاد بين الله والناس ، إذ أن إبن الله حل في مريم وأخذ جسداً منها .

وكيف نستطيع أن نؤمن بسر التجسد الإلهى إلا إذا أدركنا هذا الإلتحام السرى المقدس بين الطبيعة الإلهية والطبيعة الإنسانية في بطن العذراء مريم بغير إختلاط ولا إمتزاج ولا تغيير ؟ لقد هيأ الله الإنسانية تدريجيًا لقبول الخلاص ، وكملت هذه التهيئة في العذراء مريم ، وبلغت العذراء مريم القمة في الإيمان والتواضع والطاعة لله . ومنها جاء المسيح إبن الإنسان مخلص العالم .

ب – الحديث المحير … مع خادمة المشورة الإلهية :

يقف الضعف البشرى أمام الله وأمه البتول خادم المشورة الإلهية وأم السر العجيب متحيراً أمام عديد من الأسئلة التي تفوق مداركه كبشر يحسبها أحياناً بعقله المحدود لضعف إيمانه . فلعل الكثيرون من كل جيل يقفون أمام هذا السر العجيب بل والأعجب هو سر تجسد السيد المسيح له المجد من القديسة مريم العذراء خادمة هذا السر . فتعال معى أيها القارئ بضعفنا نذهب إليها ولعلها توضح لنا بما يلائم هذا الضعف البشري وتفكيرنا البسيط ما هو هذا السر المحجوب في تفاصيله عن الأفكار وبعيداً عن الإدراك حيث لا تستطيع عين أن تراقبه ولا تسمع به إذن ولا تلمسه يد ولا يعرف له إتجاه ولا يحده علو أو عمق لأنه أعلى من الحدود وأسمى من القيود ، لا تظهره شمس ولا يكشفه قمر أو كواكب لأنه سر الأعاجيب .

+ كيف حل الأقنوم الثانى في بطنك الطهور يا أمنا القديسة مريم العذراء !

_ هل رأته الملائكة عندما تحركًمن السماء إلى الأرض ؟

_ هل لاحظه أحد من الناس حال نزوله إلى أحشاءك يا أمنا ؟

_ هل ترك فراغاً في السماء ليملأه في الأرض ؟

امنا العذراء أبنائى : أنه كان على عرشه في السماء لم يبارحه لحظة ولم ولن يتركه طرفة عين ولم تتوقف الملائكة ورؤساء الملائكة وكل الطغمات السمائية عن تمجيده وتقديسه والسجود لعظمته الإلهية . لم يحدث تشويش أو خلط أو فوضى لا في السماء ولا على الأرض ولا تحت الأرض لأنه ماسك الكل بيده . والكل يسير أمامه بخشوع ورعدة وإحترام .

+ هل كان الله يدير الخليقة ويسوسها وهو على عرشه في السماء أم وهو في بطنك أيتها العذراء الطاهرة ؟

_هل تغير شيء من نظام السماء حين نزل المسيح له المجد الأقنوم الثانى ليجعلك يا أمنا العذراء سماء جديدة ثانية ؟

_ في أي لحظة أصبحت حاملة لمن هو على عرشه محمول ؟ هل في بداية بشارة الملاك أم أثناء حديثه أم حينما إنتهى من تبليغ الرسالة لك أيتها الممتلئة نعمة ؟

_ هل رأى الملاك المبشر الرب حين حل في بطنك الطهور ؟

_ هل أحسست به أيتها الطاهرة بمجرد أن حل في بطنك المقدس ؟

أمنا العذراء يا أولادى : إنه سر وغير مسموح لى أن أتحدث معكم فيه إلا في حدود ما يفهم فقط إذ أن كل سر يختص ويكون في طي الكتمان لا يعرفه إلا فاعله فقط ولأن رب الأسرار سكن فيّ فقد صرت سراً من الأسرار أيضًا حيرت عقول الملائكة والبشر . ألم تتذكروا بعد ما قاله القديس كيرلس الكبير في ذلك عندما وصف هذا التجسد الإلهى بأنه ” فائق الوصف – سرى بصفة مطلقة – لا ينطق به – يفوق العقل – سرى وفائق للعقل وهو لا يقصد بذلك أن ينهينا عن معرفة حقيقة هذا السر الإلهى وإلا فكيف نؤمن به ؟ بل ينهينا عن إخضاعه للفحص العقلى . فمن الجهالة التامة أن نُخضع للبحث ( العقلى ) ما يفوق العقل وأن نحاول أن ندرك بعقولنا الذى لا يُدرك بالعقل . أم لست تعلم أن ذلك السر العميق ينبغي أن يُعبد بإيمان بلا فحص ؟ وأما السؤال الجاهل كيف يمكن أن يكون هذا ؟ فإننا نتركه لنيقوديموس وأمثاله . أما نحن فإننا نقبل بدون تردد أقوال روح الله ونثق أن السيد المسيح هو القائل ” الحق الحق أقول لكم إننا نتكلم بما نعلم ونشهد بما رأينا ” .

+ هل كان السيد المسيح الإله يتغذى وهو في بطنك أيتها القديسة مريم كبقية الأجنة التي تتغذى من غذاء أمهاتهم ؟

_ هل كان يتغذى وهو طفل من غذاء أمه الطاهرة ؟

أمنا العذراء يا أحبائى : أنه الإله الذى يطعم كل حى ولا يحتاج إلى طعام أو شراب ومع هذا فهو سر عجيب كما وضحنا سابقاً لا تعرفه البشرية وإن كان بعد ولادته يأكل ويشرب فذلك لكى يؤكد للناس تأنسه كإبن الإنسان . وإنه شابهنا في كل شيء ما خلا الخطية وحدها . وأنتم تتكلمون من حيث الأوضاع ظاهرياً أما داخلياً فهذا هو السر إذ أن كل شيء في عالم الطبيعة تحت أمره وخاضعاً لطاعته . وأن كل ما عمله إبنى وإلهى يسوع المسيح له المجد محاطاً بالتدابير والأسرار الإلهية التي لا يعملها غيره إلا إذا كشف بعضها لقديسيه ومختاريه .

ويحدثنا في النهاية القديس مار اڤرايم السريانى عن مناجاة لطيفة على لسان القديسة العذراء تخاطب إبنها وإلهها ولعل هذا الحديث هو تعليق على الأسئلة السابقة والتي تقول فيها : ” إبنى … سوف لا أغار لأنك وأنت معى ، أنت مع جميع الناس ! لتكن إلهاً لمن يعترف بك ، ورباً لمن يخدمك ، وأخاً لمن يحبك ، حتى تربح الجميع . عندما سكنت فىّ كنت أيضًا خارجاً ! وعندما ولدتك بالجسد ، لم تدع قوتك الخفية منى . أنت في داخلى ، أنت في خارجى يا من تجعل أمك في ذهول عندما أرى شكلك الخارجي أمام عيناى أتذكر شكلك الخفى أيها القدوس . ففي شكلك الخارجي أرى آدم وفى شكلك المخفى أرى أباك المتحد بك .

فهل تظهر جمالك لى أنا وحدى ؟ …

إجعل الكنيسة أيضًا تراك كما رأتك أمك … في الخبز والجسد ( التناول ) رأيناك . كيف أدعوك غريباً وأنت منى ؟ فإننى إختك إذا كلينا من بيت داود أبينا . أنا أمك من أجل حبلى بك . أنا عروسك من أجل تقديسك اى . أنا أمتك وإبنتك من أجل الدم الذى إشتريتنى به والماء الذى تعمدت به . إبن العلى جاء وسكن فىّ وصرت أنا أماً له . فولدت ذاك الذى عاد فولدنى بالميلاد الثانى .

–       خلاصة وحصيلة القول : –

–       أن السيدة العذراء مريم هي خادمة المشورة الإلهية وكاشفة للأسرار الإلهية وأم الأسرار العجائبية . فأى عقل يدرك كرامتك يا أمنا الطهور ؟ وأى لغة تُترجم شرف عظمتك أيتها الأم الطاهرة والتي صارت أماً لهذا الإله العجيب في سره ومشورته وعلانيته أمام الناس والملائكة وكل الطبائع . [6]

القديس القمص بيشوي كامل

عظة عيد البشارة

بسم الآب والآبن والروح القدس

في عشية عيد البشارة اختارت الكنيسة هذا الانجيل لكى يقرأ في هذه المناسبة . كنا نفتكر بتقرأ أيه الليلة بخصوص بشارة الملاك للعذراء . الملاك راح بشرها وقال لها إن إنت تحبلين وتلدين أبناً وتدعينه يسوع لأنه يخلص شعبه من خطاياهم . لكن الكنيسة النهاردة بتقدم لينا البشارة عمليناً في قصة المرأة الخاطئة . لأن البشارة مش ممكن تكون قصة نكررها كل سنه ولا عبارة عن موضوع ندرسه أو عظة نوعظها ولكن البشارة عبارة عن حياة تختبر ، يختبرها الإنسان ويعيشها .

فالكنيسة النهاردة بتقدم لنا البشارة عملياً . في شكل امرأة تعسة مسكينة مظهرها الخارجي إن هي فرحانة أو مبسوطة أو ذات مركز لكن في الداخل مليانة تعب وضيق وألم ومشاكل كثيرة وهموم من العالم .. هي دى المرأة اللى جاية .

فالأنجيل النهاردة بيقدم لنا بشارة  .. بشارة بحقيقى .. بشارة عملية مفرحة .. إزى ترجع المرأة ديه لبيتها وهى طايره من الفرح مع أن مافيش شى جديد حدث بالنسبة ليها .

معلمنا يوحنا في رسالته الأولى بيتكلم عن البشارة المفرحة دى . بيتكلم فبيقول دية مش حاجة حصلت كقصة في حياتى ولكن الذى كان من البدء .. الذى سمعناه .. الذى رأيناه بعيوننا الذى شاهدناه ولمسته أيدينا من جهة كلمة الحياة .. فإن الحياة قد أظهرت ونشهد ونخبركم بالحياة التي كانت عند الآب وأظهرت لنا .. الذى رأيناه وسمعناه نخبركم به لكى يكون لكم أيضًا شركة معنا . وأما شركتنا نحن فهى مع الآب وابنه يسوع المسيح ونطلب إليكم هذا لكى يكون فرحكم كاملاً .. فآدى يوحنا كواحد اختبر البشارة دى اللى احنا بنسميها البشارة المفرحة . والإنجيل معناه البشارة المفرحة . فيوحنا شاف ولمس بأيديه الفرحة دية . وقال الذى رأيناه وسمعناه ولمسته أيدينا من جهة كلمة الحياة نخبركم به أن الحياة أظهرت ونشهد ونخبركم بالحياة التي كانت عند الآب وأظهرت لنا . وبنخبركم بيها علشان يكون فرحكم كامل .. علشان تفرحوا .

أظن مافيش حد يقدر يقول الكلام ده إلا لما يكون الواحد فعلاً فرحان وعاوز يفرح الناس اللى حواليه .

فالمسيحية يا أحبائى عبارة عن رسالة فرح تدخل قلب الإنسان وهو كدة طبيعي يحب يفرح اللى حواليه . مايقدرش يكتم الفرح اللى موجود في قلبه لكن بيكرز بالفرح اللى في حياته .. بيقول نخبركم بهذا لكى يكون فرحكم كاملاً وليكون لكم شركة معنا . البشارة المفرحة يعنى الإنجيل . لأن كلمة الإنجيل يعنى البشارة المفرحة .. والبشارة المفرحة دى كانت جايه لناس تعبانين ومساكين  ومتألمين . قال عنها أشعياء النبى وقال عنها معلمنا لوقا في إنجيله في الأصحاح الرابع . لما دخل المجمع علشان يقرأ فقال إن الرب أرسلنى .. لأنه مسحنى لأبشر المساكين .. فالبشارة أصلاً للمساكين . المساكين زى المرأة الخاطئة دى مسكينة .. زى اللص اليمين .. بشارة قوية جداً لها القدرة أن تدخل لإنسان بيصارع الموت في لحظاتة الأخيرة .. في لحظاته الأخيرة وهو بيموت بيقول له ” اذكرنى يارب متى جئت في ملكوتك ” ..

هل ممكن يكون في فرح أقوى من الموت ؟ ! شوف ازاى !

اللص اليمين :

يعنى الفرح هنا اللي بيعيشه اللص اليمين ، هو في الواقع درجة عالية جداً جداً مش عاوز هنا أقول لك واحد تعبان أو متألم لكن هي درجة عالية جداً أعلى من الموت . هو فيه حاجة أقوى من الموت علشان يقدر اللص ده يقول الكلمة دية بفرح !! يقول له اذكرنى يارب إذا جئت في ملكوتك

القديس سيدهم بشاى :

البشارة بشارة مفرحة جدأ . في تاريخ القديس سيدهم بشاى وهو كان بعد ما عذبوه في دمياط عذبات كثيرة وجرجروه على الأرض وكان بيتألم آلام كثيرة جداً وحطوا الزفت والطين على وشه وجرجروه في الشوارع وضربوه . وبعدين وهو في وسط الآلام دى كلها بيقول ياحنونه  . فقالوا ده لازم بينادي مراته وهو ماكنش متزوج .. فقالوا سيبوه راجل بينادى على مراته . وبعدين بيقول لواحد مش تجيب كرسى للست علشان تقعد . ست العذراء قاعدة معاه زى ما بيقول في الأجبية إن في ساعة انتقالنا تحضر الست العذراء وتتشفع لينا فهو شايفها قدامه ففرحان . ومن فرحته نسى ألمه وبيطلب ليها كرسى علشان تعقد يقول شوفوا كرسى للست علشان تقعد . ده معناه إن هو نسى الألم بتاعه .

أنا بأقول قصة بسيطة معاصرة . يعنى مش هاقول لك قصة استفانوس اللى كانت فيها الفرحة أكثر من الموت بكثير . بحيث إن هو قال إنه هو رأى السموات مفتوحة وابن الإنسان قائماً عن يمين العظمة وابتدأ يبارك الناس اللى حواليه ويقول يارب لا تقم لهم هذه الخطية . فيه واحد وهو بينازع الموت في لحظاته الأخيرة والناس بترميه بالحجارة للدرجة دية .. وشه يبقى منور زى وش ملاك ؟ !

لذلك يا أحبائى موضوع البشارة مش قصة نحكيها ونقول إن البشارة جات للعذراء ونتكلم عن الميلاد . لكن هي حياة مارسها أولاد ربنا وعاشوها وفرحوا .

طيب تقول ايه لى إيه الترمومتر أو الحاجة اللى أقدر أقيس بها إنى فعلاً عايش في البشارة المجيدة . ها قول لك هو يوحنا الحبيب قال نقطتين :

١ – قال الحياة اللى كانت عند الآب أظهرت ، يبقى إذا فيه حاجة اسمها الحياة قبل كدة .. كان الناس ميته لكن دلوقتى بقى فيه حياة .

٢ – النقطة الثانية قال علشان يكون فرحكم كاملاً ، فالنقطة الثانية في البشارة الفرح .

الحياة أظهرت . ومافيش أقصى من الموت . ولما بولس الرسول يتكلم عنه يقول أين شوكتك ياموت . وبيتكلم عن الموت إن هو العدو الأخير . أقسىى عدو اللى ماحدش بيقدر عليه  أبداً . لكن النهاردة أنا وإنت كمؤمنين أخذنا عربون الحياة الأبدية بحيث إن الموت لم يعد له سلطان علينا ، أحنا عايشين الحياة . والحياة بتدب فينا ، عارف زى ما بتحس على قلبك وتحس إن القلب بينبض بتحسس على نفسك وتحس إن المسيح جوه وإن أنت مش ممكن تتغلب على الموت .

أمثلة عملية :

وعاوز ادي لك أمثلة عملية :

مش بس الناس دولت اللى قابلوا الموت بفرح . لكن بيقول عنهم أيضاً سفر العبرانيين إن فيه بعض منهم لم يقبلوا النجاة من أجل حياة أفضل يعنى كان قدامهم فرصة إن هم يهربوا من الموت لكن كانت فيهم قوة حياة أقوى من الموت فراحوا دوروا على الأستشهاد وجروا ليه .. معنى كدة إن فيهم حاجة أقوى من العدو اللى ها يقابلهم . لأن أنا ما أقدرش أروح أقابل حاجة واحس إن هي أقوى منى لأنى ها اتهزم قدمها . لكن علشان أروح لها لغاية عندها يبقى معناها إن أنا في قوة أكثر من الحاجة دية .

فبيقول أين شوكتك ياموت . كان قدامهم فرصة للنجاة .. فيه كثير قوى من قديسين الكنيسة اللى اتقدموا للاستشهاد كانوا بيدوروا على فرص للاستشهاد وما هربوش منه . فمعنى كدة إن كان فيهم قوة أكبر من الموت اللى إحنا بنسميها الحياة الأبدية . فدة الحياة التي أظهرت .

العلامة الثانية الفرح .. الفرح يا أحبائي ليس فرح من العالم ونفس ربنا يسوع قال كدة .. ليس كما يعطى العالم أعطيكم يعنى مش من الفرح أو السلام بتاع العالم . لكن الفرح اللى بيديه لنا ربنا فرح داخلى أقوى من فرح العالم . ده اللى لازم أحس بيه . يمكن أكون بقرأ أيه صغيرة في الأنجيل وينتابنى شعور بالفرح أحسن من أي فرح في العالم .. فرح العالم له طبعه بما أنه من العالم فهو فرح مادى . وبما أنه فرح مادى فهو معرض للزوال .. أو معرض يحصله نكسة .. أو معرض إنه هو يزول .. أو بتعبير يوحنا نفسه بيقول لكى يكون فرحكم كاملاً . يبقى حتى لو فيه فرح في العالم فهو فرح غير كامل .

إيه الفرح ده .. الفرح ده يا أحبائي ثمرة من ثمار وجود ربنا في حياتنا .. يعنى مش جهد شخصى .ثمرة بنسميه  ثمر الروح القدس .. محبة فرح .. ففيه فرح دخل في حياتنا . إيه اللى خلى بولس الرسول يعتبر الخسارة فرح قال لأن أنا كسبان المسيح . واللى يقرأ في سير الأباء ، وفى سير القديسين يجد إن هم كانوا دايماً فرحانين حتى لما يروح منهم حاجة ، يفرحوا لما أضهدوا خرجوا فرحين لأنهم حسبوا أهلاً أن يهانوا من أجل اسم الله لما الإنسان يخسر من أجل اسم المسيح يبقى كسبان . لانه كسب المسيح .. كل ما لى ربح حسبته نفاية علشان أنا كسبت المسيح .

يعايروك الناس ويقولوا لك إنت خسرت .. تقول لهم ده أنا  كسبان . فشعور المسيحى دايماً حالة فرح . لأنه لو خسر العالم كله فهو يبقى كسب ربنا . فمين يقدر ينزع الفرح ده . يقول كدة ربنا يسوع في لهجة تحدى ” لا يقدر أحد أن ينزع فرحكم منكم ” يمكن إنت تقول لى ساعات الواحد بيزعل .. ساعات حاجات تضيع من الواحد .. ساعات حاجات تضايق الواحد . مشكلة .. حاجة مادية تروح من الواحد .

ده بيسبب للواحد عدم فرح إزاى الفرح ده يكون على طول . لا .. برضه المسيح ما قالش على نوع الفرح ده . قال ليس كما اعطى العالم اعطيكم . ده فرح من صنف ثانى فرح بأن إنت نصيبك هو ربنا وأخذت المسيح فماحدش يقدر يأخذه منك ممكن تمر بفترة ضيق . زى بعضه . لكن مش ممكن ينتزع منك الفرح الروحى .

الفرح المادى والفرح الروحى :

فأرجو إن أنت تفرق بين الفرح المادى والفرح الروحى اللى إداه ليك المسيح أحسن بعدين تقول لى طيب يا أبونا إذا كان الكلام ده الفرح ده من النوع المادى يبقى مش مفروض يحصل للمسيحيين أي خسارة مادية مش ممكن يحصل لهم مرض .. مش ممكن يحصل ليهم تعب مثلاً .. مش ممكن تيجى ليهم ضيقة  .. مش ممكن يتهموا ظلم .. أقول لك أبداً .. ممكن كل ده .لأن الفرح اللى فيهم فرح روحى مش فرح مادى . وده عطية الروح القدس .

لما المسيح أتكلم في التطويبات قال : ماقالش احتملوا قال افرحوا وتهللوا .. قال افرحوا وتهللوا . فالبشارة بتاعة الملاك للست العذراء كأم للبشرية لها صفتين :

جاى يبشر بالحياة .. الحياة اللى ما تتغلبش أبداً .. وجاى يبشر بالفرح اللى لا يمكن العالم يشيله مننا .

علشان كده النهاردة لما الكنيسة بتختار واحدة انسانة تعسة غلبانة مسكينة زى المرأة الخاطئة . أو زى ما لوقا الإنجيلى بيردد كلمات أشعياء بيقول : أرسلنى لأبشر المساكين وأشفى المنكسرى القلوب وأنادى للمأسورين بالاطلاق .. جاى علشان خاطر ناس مساكين تعابة فجاى علشان يقدم لهم الفرح ده .

المرأة الخاطئة :

إيه قصة المرأة الخاطئة دى .. المرأة الخاطئة إنسانه قضت عمرها في حياة الشر وفجاة تلاقت مع المسيح . احنا مانعرفش تلاقت معاه إزاى ؟ بطريقة أو بأخرى . لكن ربنا يسوع قال عنها إن هذه المرأة أحبت كثيراً . فابتدأ فيه لغة ثانية .. دخلت في المنهج المسيحى .. لغة الحب .. قال : الواحد اللى يحب كثير فتتغفر خطاياه الكثيرة . هي من ضمن الحاجات التي تسبب الضيق للإنسان الخطية . فإذا كان البشارة بغفران الخطية يبقى دى فعلاً رسالة فرح حقيقى . الفرح ده فرح كامل لأنه جاى يقول كدة إن الخطية بتاعتها الكثيرة اتغفرت . ما تعالى نفكر مع بعض .

يعنى ممكن إحنا لو قعدنا دلوقت وقلنا ماكناش عرفنا قصة المراة الخاطئة دى .. ماكناش عرفنا قصة اللص اليمين وقلنا لو واحده زى الست دى وقضت حياتها بالطريقة الوحشة دى .. فيه أمل لنجاتها ؟ أو دخولها السماء ؟ أو زى اللص اليمين ده فيه أمل يخش ملكوت السماء ؟ تقول لى مستحيل . فالنهارده إحنا قدام واحدة إتفتح قدمها باب السماء لأنها أحبت كثيراً والخطايا اللى ماكناش لها حدود !! إتمسحت في دم المسيح . قد إيه يكون الإنسان فرحان في حياته لأنه عارف إن خطاياه مغفورة .. غفرت . زى ما بيقول الرسول في رسالته : ” كتبت اليكم .. لأن خطاياكم قد غفرت ” . وفى نفس رسالة يوحنا في الأصحاح الأول لأن وراها على طول بيقول : ” إن قلنا إننا لم نخطئ نضل أنفسنا وليس الحق فينا . أن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ” .. وبيقول إن ” دم يسوع المسيح يطهر من كل خطية ” .

فالمرأة دية اللى ماكانش عندها أي أمل بالمرة ان يكون ليها نصيب مع ربنا .. في قعدة مع المسيح قال لها اليوم مغفورة  لك خطاياك . امضى بسلام ، قد ايه الكلمة دى وهى بتتقرى في الإنجيل كانت بترن في قلبنا لأن دى رسالة الخلاص فعلاً .. رسالة الفرح .. المرأة دى طلعت من بيت سمعان الفريسى وهى في منتهى الفرح والسعادة .

والفرح يا أحبائي كان فرح داخلى لأن بيقول عليها الكتاب كده .. إن هي لم تكف عن تقبيل قدميه وكانت تغسلها وتمسحهما بشعر رأسها لم تكف .. ده طبعاً إذا كانت الكنيسة تختار حاجة الليلة علشان خاطر تكلمنا عن البشارة تقول لنا اتفضلوا أدى امرأة خاطئة رجعت فرحانة جداً لأن خطايانا كلها اتغفرت . والفرح بتاعها كان شديد للدرجة إن هي بقت الدموع ماتقفش من عينيها ابداً .. المرأة ديه علشان يكمل الفرح بتاعها بقت تابعة للمسيح ما سابتهوش أبداً فكان بيقول لك .. كن يخدمن من أموالهن . نساء كثيرات .. بعديها في الاصحاح الثامن .. منهم مريم المجدلية التي أخرج منها سبعة شياطين .. إذا فرضنا إن المرأة الخاطئة ديه هي المجدلية تبقى كانت بتخدم المسيح من أموالها .

وإذا فرضنا إن المرأة الخاطئة دية كانت المجدلية تبقى عى اللى بشرت بقيامة المسيح ودى نقطة ثانية لازم نضيفها النهاردة .. النهاردة ٢٩ برمهات . ليلة البشارة الليلة دى وفى نفس الوقت ليلة القيامة في السنة التي إتصلب فيها ربنا يسوع المسيح . يعنى سنة ما إتصلب المسيح كان ٢٧ برمهات السنة التي اتصلب فيها المسيح كان هو عيد القيامة و ٢٩ برمهات هو عيد البشارة . فالبشارة    مش واضحة ومش مكشوفة بقوتها لغاية لما أعلنت لأولاد الله في القيامة . ها نرجع لها النقطة دى ثانى . لأن البشارة كملت .

فالمرأة الخاطئة دى قال لها المسيح مغفورة لك خطاياك لكن يوم القيامة راحت وشافت المسيح قام من الأموات وفرحت به وراحت تكرز في العالم كله وتقول إن هو كلمنى وقال لها اذهبى لاخوتى وقولى إن هم يسبقونى إلى الجليل فأصبح يوم البشارة هو يوم القيامة.

٢٩ برمهات

وطبعاً بالمناسبة اللطيفة دى نقول إن في تاريخ الأقباط كان ٢٩ برمهات هو شم النسيم ، وكان دايماً يجى في الصيام الكبير وكان الأقباط بيأكلوا فيه أكل فطارى فنقلوه بعد عيد القيامة على طول . لأنه عيد مصري .

إيه التوافق اللطيف ده ؟ . إن الاقباط بحاستهم القديمة في قلبهم كانوا بيفرحوا في اليوم ده فرح أكثرمن كل أيام العام . بيعتبروه عيد الربيع في حياتهم . وفى نفس الوقت جه اليوم ده هو بشارة الملاك للست العذراء . وهو كان في نفس اليوم يوم قيامة ربنا يسوع المسيح من بين الأموات . ففيه فرح أكثر من كدة !! مارسته المرأة الخاطئة دية في صور لطيفة جميلة خالص .. شوف مروحها للقبر واخدة معاها إيه ؟ قال واخدة معاها طيب ! . طيب إيه اللى وخداه ؟ قال هي كدة طبيعتها من يوم ما عرفت المسيح وسكبت الطيب على قدمين المسيح وهى دايماً بتقدم ليه ريحة طيبة .. ريحة توبتها لأن دية تفرح قلب المسيح . فأخذت معاها الحنوط والأطياب وراحت تحطهم على القبر فلاقت المسيح قام من الأموات فكمل الفرح بتاعها .

واللى عاوز أقوله لكم يا أحبائي إن فيه فرق بين .. صحيح البشارة كانت في السر بس العذراء شافتها ولولا إن الست العذراء قالتها لمعلمنا لوقا ما كناش عرفنا ولا حاجة . لكن كان في ناس منتظرة .. مثلاً حنة بنت فنوئيل ٨٤ سنة عابدة في الهيكل بأصوام وبطلبات بعد ترملها وهى منتظرة مع كل المنتظرين فداء إسرائيل.

إذا كان فيه ناس كثير مستنية اليوم ده . لكن لما ظهرت البشارة بقت حاجة علنى .. الملايكة جاءت من السماء لأن من قوة الفرحة ارتجت الملايكة في السماء .. ارتجت الملايكة فجه جمهور الملايكة وقالوا للرعاة أنتم فين دى فيه حاجة حصلت من مده كبيرة من تسعة أشهر .. إيه اللى حصل ؟ قال أبشركم بفرح عظيم يكون لكم ولكل العالم .. لكل الشعب .. إيه ؟ قال ولد لكم مخلص هو المسيح الرب . فالفرحة كانت كبيرة جداً لدرجة إن اشتركت فيها ملايكة السماء مع الأرضيين . وبرضه أرجع وأقول إن الرعاه راحوا وفرحوا وحملوا المسيح على ذراعاتهم ورجعوا بهدومهم المقطعة ذي ما هي .. ولحالة الفقر اللى كانوا فيها وبحالتهم المادية كما هي .. مش الفرحة فرحه مادية .. بتاتاً .. لكن كانوا في منتهى السعادة والفرح  وكل واحد أخذ نصيب من الفرح لا يمكن أن يعبر عنه .

فالقيامة لما المسيح قام من الأموات كانت البشارة لناس مخصوصين .. مش للكل .. مش كل واحد يقدر يشوف المسيح وهو قايم من بين الأموات . لكن المسيح كان يروح للناس في الحتة اللى هما فيها ويقول لهم : أنا هو ناس .. ناس ، آه ناس ..ناس .. الناس اللى تعبوا معاه .. اللى قبلوا  دعوته .. دعوة الخلاص والفرح . راح لهم لغاية عندهم .. راح للتلاميذ والأبواب مغلقه . وراح لتلميذى عمواس وهم غلبانين بيتلخبطوا في تفسير الكتاب وماشيين في السكة .. وظهر للمجدلية وافتكرته البستانى .. وجه للتلاميذ وهم بيأكلوا.

فبهجة البشارة علشان تأخذ بالك مش ممكن تكون إلا للنفوس التي تقبلها يقوم ربنا يظهر لها علنى .. تقول لى طيب وليه المسيح مظهرش كدة بالقيامة قدام الناس كلها ؟ ! شوف أقول لك المسيح مابيجبرش الناس بالقوة على قبول البشارة بتاعته .. أو على التوبة .. لكن النفوس اللى تعبت وتابت وقبلت البشارة في حياتها بفرح وبلذة وقبلت الحياة .. فالمسيح من حقها إن هو يظهر لها القيامة حتى اللى ما كانوش أيام المسيح .. زى بولس الرسول .. يقول ” لأعرفه وشركة  آلامه وقوة قيامته متشبهاً بموته ” .

البشارة  لمن ؟

البشارة في الواقع كانت بشارة غريبة خالص . ابتداها المسيح بالموعظة على الجبل .. قال أيه ؟ قال طوبى للمساكين بالروح لأن لهم ملكوت السموات ، وطوبى للحزانى لأنهم يتعزون ، طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض ، طوبى للجياع والعطاش إلى البر لأنهم يشبعون  ، طوبى للرحماء لأنهم يرحمون ، طوبى للأنقياء القلب لانهم يعاينون الله ، فواضح أن البشارة معروضة على ناس معينين . مش ناس مفضلين عن ناس لكن ناس بيطلبوا البشارة دى .. بانسحاق روح .. طوبى للمساكين بالروح .. قال دولت يأخدوا بشارة ملكوت الله . واللى مش مساكين بالروح ما يأخدوش ..المتعجرفين . علشان كدة البشارة لو تأخذ بالك منها ، وتدرسها تجد إن فيه ناس كانوا منتظرين خلاص إسرائيل .. مش منتظرين إن المسيح يجيئ يعمل معاهم ملك أرضى . ومملكة أرضية . كانوا منتظرين فداء إسرائيل .. منتظرين الخلاص . ناس متعطشة . فالناس اللى كانت متعطشة دى المسكينة بالروح جاء لها المسيح وإداها ملكوت السموات .

البشارة في الواقع كانت بمبادئ جديدة وغريبة . قال الحزانى ها يتعزوا دى بشارة .. قال آه دى البشارة الجديدة .. الشخص اللى يحزن على خطيته ويمارس التوبة زى المرأة الخاطئة ده ها يفرح فرح كبير جداً .. طوبى للحزانى لأنهم يتعزون . يعنى أنا دلوقتى ما ابتديش أحسب زى ما بيقول معلمتا لوقا ويل لكن أيها الضاحكون لأنكم ستبكون .. بتضحكوا كثير فحاتبكوا . إنما الحزانى على خطاياهم دولت ها يفرحوا فرح كبير خالص . تدينا الفرح ده إمتى ياربى ؟ في السماء ؟ قال : لا أبداً هي المراة الخاطئة أخذته امتى ؟ ده وهى قاعدة الدموع نزلت من عينيها والفرح غمر قلبها .. لدرجة يتهيأ لى أقول لها قومى بقى لأنه ما تحتملش أكثر من كده لأن هذه المرأة أحبت كثيراً .. أحبت كثيراً والحب لما يكثر في القلب ممكن الإنسان ما يحتملش الحدود بتاعته . فقال لها قومى بقى .

البشارة في الواقع بشارة عجيبة جداً . بشارة برؤية ربنا ..رؤية ربنا في سبيل إيه ؟ في سبيل ايه يا عزيزى .. قال في سبيل إنك تكون نقى القلب . لو قلبك يكون نقى وتطلب المسيح يطهرك بدمه وتعيش ابن حقيقى لله وتكون نقى في قلبك .. في محبتك للأخرين .. ونقى من كل ناحية تستحق إن أنت تعاين الله .

البشارة مش بس بشارة بفرح دى بمعاينة الله .. أمال هو هايديك الحياة إزاى ؟ ودى توصلنا يا أحيائى لموضوع مهم قوى إن البشارة مثلا عبارة عن رئيس ملايكة جه للرعاة وقال لهم خلاص ربنا ها يبشركم بالخلاص .. لا .. البشارة كانت بشارة بوجود الله الدائم في حياة الإنسان .. قال للست العذراء إن إنت هتحبلى وتلدى ابن .. وانت كانسانه بشرية ممثلة للبشرية كلها .. كلمة الله يتحد بجسدك بدون امتزاج وبذون انفصال ويبقى هذا الجسد

اللى أخذه المسيح منك هو الجسد اللى ها يكون في السماء هو اللى صعد هو اللى أتصلب وهو اللى مات وهو اللي قام .. وهو اللي صعد للسماء .. وهو اللي موجود دلوقت .. وهو اللي هانعاينه في الأبدية وهو اللي هايجى في المجئ الثانى .

المهم أنا عايز أورى لك البشارة دى تبقى إيه .. البشارة دى مش بس أنقياء القلب يعاينوا ربنا . ده أصبح الأنسان مسكن لله ” أنتم هيكل الله وروح الله يسكن فيكم ” أصبحت البشارة إن لا يمكن إن إنت تنفصل عن ربنا . بقيت ابن لربنا بالتبنى .. أصبحت البشارة  إن أنت بجسدك القابل للفساد التحمت بالجسد اللى إتاخد من العذراء . فأهلت للقيامة بجسد غير قابل للفساد .

فالبشارة عبارة عن حياة مش مجرد رؤية ربنا بس .. مبادئ جميلة جداً حطها المسيح قدمنا . بشارة .. قال تحب الناس اللى بيحبوك وتحب اللى مابيحبوكش .. وتحب اللى بيسيئوا إليك .. تصلى ليهم .. أحبوا أعداءكم وباركوا .. واحسنوا .. وصلوا للذين يسيئون اليكم .. قال علشان تكونوا أولاد أبيكم الذى في السموات .

البشارة أصبحت بمبادئ جديدة .. الإنسان المسيحي احنا بنقول إن هو إتولد ولادة جديدة .. لازم .. قال لازم المسيحي يعدى على المعمودية ويتولد ولادة جديدة .. ومش ممكن يكون مسيحي من غير ما يتولد ولادة جديدة ؟ قال ابداً .. ما هو أصله من الأرض وتراب .. ترابى .. لكن البشارة الجديدة .. البشارة المفرحة ليه . إن هو ها يتولد ولادة جديدة .. لها مبادئ جديدة . عضو في جسد المسيح .. ابن الملكوت  ابن ملكوت محبته يعنى احنا اللى قاعدين في الكنيسة هنا .. أحنا كلنا أعضاء في جسم المسيح . أولاده .. أعضاء في الملكوت بتاعه لينا انجيل ولينا مبادئ والعالم ما يقبلهاش . طب بره في الشارع كده وقول للناس طوبى للحزانى .. يضحكوا عليك .. يابخت الحزانى .. أحنا عايزين نشبع من العالم ونفرح وانت جاى تقول يابخت الحزانى لأنهم يتعزون !! تقول لهم ده المرأة الخاطية سكبت دموع وأخذت فرح كبير خالص يقول لك مبادئك دى مانعرفهاش !!

البشارة مش بس هانشوف ربنا بقلبنا النقى . لكن كمان بقينا أعضاء في جسمه من لحمه ومن عظامه .. وبقينا هيكل للروح القدس . آدى مركزنا الجديد . علشان كده ليه حق بولس الرسول يقول ” كل ما كان لو ربح حسبته نفاية ” لو خسرت كل حاجة وكسبت المسيح أبقى أنا اللى كسبان

ولو خسرت المسيح وكسبت العالم كله يبقى إنا ماكسبتش حاجة ابداً لأجل هذا يا أحبائى البشارة طبيعتها الفرح .. وطبيعتها الحياة اللى ماتتغلبش أبداً .

أحنا اتكلمنا عن الفرح كثير .. الحياة ماتتغلبش أبداً .. يعنى إيه ؟ يعنى ها قول لك نقط مهمه بنعمة المسيح . يعنى إذا كنت أنا مطالب كمسيحي أن أنا أحب .. وأحب اللى يسئ إلى .. يبقى المحبة دى ماتنقصش أبداً ماتجيش في يوم من الأيام وتقول خلاص قلبى مافيهوش محبة أبداً لأن المحبة اتغلبت .

الحياة معناها إن هي ما تتغلبش .. الحياة الأبدية ماتتغلبش . لا تتغلب لا بموت ولا مبادئها تنكسر .. ولا العالم يغلبنا . تعرف المسيح قال كده ” رئيس هذا العالم آت ولكن ليس له في شيء . وفى مرة ثانية قال ” ثقوا أنا قد غلبت إيه ؟ العالم ” . فالعالم اللى قدام المسيح عالم مغلوب .

فالمبادئ المسيحية بتدب فيها الحياة .. واخد بالك ؟ ! فمحبة ماليهاش حدود .. غلبة للعالم مالهوش حدود .. حياة طهارة بنعمة المسيح يتمتع بيها أولاد ربنا .. بنعمته هو ما تتغلبش من العالم .. العالم يقول لك ممكن انسان يعيش فى حياة طهارة .. وإنت تقول له بنعمة المسيح أستطيع كل شيء في المسيح الذى يقوينى .

أصبحت المبادئ المسيحية غير قابلة للموت .. مبادئ حيه لدرجة إن بولس الرسول لما حب يعبر عن الجهاد ضد الخطية قال : ” لم تجاهدوا بعد حتى الدم ضد الخطية ” .

فربنا يعطينا نعمة إن عيد البشارة ده يتحول لحياة فعلاً في سلوكنا في معاملاتنا .. وفى حياتنا . علشان ما تقولش إن ده عيد للبشارة لكن قول يا أبونا كل واحد مننا .. أنا اختبرت البشارة في حيانى وعشتها .. عشت غلبتها .. والبشارة هي حياتى اللى ها أفرح بيها مش في العالم وفى الأبد أيضاً .

لالهنا المجد دائماً أبدياً أمين.[7]

القديس الأرشيدياكون حبيب جرجس

بشارة الملاك للعذراء بميلاد المسيح (لو١ : ٢٦ – ۳۸)

« سلام لك أيتها الممتلئة نعمة . الرب معك مباركة أنت في النساء » (لو ۱ : ۲۸)

(أولا ً) ظهور المسيح على الأرض بحالة التواضع والفقر اذ لم يرض أن يأتى من أسرة غنية كبيرة ، بل من بلدة حقيرة ومن عائلة صغيرة . وهو غني ولكن من أجلنا افتقر فهل تتعلم التواضع وعدم احتقار الفقراء .

(ثانياً) النعمة العظمى التي حصلت عليها السيدة العذراء اذ اختارها ربنا أن تكون أماً له فهي الوسيلة التي قربت بين السماء والأرض و بين الله والانسان .

(ثالثاً) انظر الى وصف الملاك لملكوت المسيح

(١) انه يكون عظيماً

(۲) ابن العلي يدعى ( أي يكون )

(٣) يملك على بيت يعقوب أي على كل الكنيسة

(٤) ولا يكون لملكه نهاية اذ تزول أمامه كل ممالك العالم .

(رابعاً) لاحظ كلام الملاك عن سر التجسد بكل وقار وان هذا فعل قدرة الله وعمل الروح القدس .

(خامساً) الحجة التي قدمها الملاك لمريم « ليس شيء غير ممكن لدى الله » فانه تعالى متى أراد أمراً فلا بد أن يتم ويكون .

(سادساً) خضوع السيدة العذراء لارادة الله بقولها « هأنذا أمة الرب ليكن لي كقولك » فلنتعلم أن نخضع لله في كل ما يريده منا ونفعل مشيئته بكل وقار وطاعة .[8]

الراهب ماكس ثوريان

العذراء ابنة صهيون

نلاحظ في العهد القديم ، أن الله كان يشبه شعبه  بامرأة . وقد تردد هذا التشبيه الأنثوى بكثرة على فم الأنبياء حتى يصل إلى قمة مداه في التعبير عنه بجملة : ” ابنة صهيون ” توجد أمثلة عديدة من إشعياء النبى ، وصفنيا ، وزكريا :

+ ” هوذا الرب قد أخبر إلى أقصى الأرض . قولوا لابنة صهيون هوذا مخلصك آت ، ها أجرته معه ” (إش ٦٢ : ١١) .

+ “ترنمى يا ابنة صهيون ” (صف ٣ : ١٤) .

+ ” ترنمى وافرحى يابنت صهيون ، لأنى هانذا آتى وأسكن في وسطك ” (زك ٢ : ١٠ ، ٩ : ٩) .

وفى سفر إرميا ومراثيه نجد ابنة صهيون كعذراء وفى نفس الوقت أم متألمة كما في الآيات :

+ داس السيد كما في معصرة الخمر العذراء بنت يهوذا ” (مرا ١ : ١٥) .

+ ”  ماذا أقول وبماذا أشبهك يا ابنة أورشليم  ؟ ” (مرا ٢ : ١٣)

+ عملت عذراء إسرائيل ما يقشعر منه جداً (إر ١٨ : ١٣) .

+ لأنى سمعت صوتاً كماخضة ، ضيقاً مثل ضيق بكرية. صوت ابنة صهيون تزفر : تبسط يدها ” (إر ٤ : ٣١) .

+ ” تلوى ادفعى يا بنت صهيون كالوالدة ” (مي ٤ : ١٠) .

وبعض الأنبياء يصورون ابنة صهيون كعذراء مرتبطة بالرب الذى سيتزوجها .

” لأنه كما يتزوج الشاب عذراء يتزوجك بنوك ، وكما يفرح العريس بالعروس يفرح بك إلهك ” (إش ٦٢ : ٥) . ويصورونها أيضاً بالأم التي تتمخض بوجع وألم حتى تلد خلاصها … سيجعلها الرب تمر في تجربة الغزو (إر ٤ : ٣١) وتجربة السبى (مي ٤ : ١٠) . ” تأتين إلى بابل هناك تنقذين ، هناك يفديك الرب من يد أعدائك ” . ابنة صهيون هذه ، هي الأم التي تنتظر أن تلد خلاصها بوجع كثير … إنها رمز وظلال لرجاء مجئ المسيح ( المسيا المنتظر ) بعد مرور شعب الله في السبى . ففترة السبى هي فترة التوجع ، وآلام مخاض ابنة صهيون : إلى أن تنجب المسيا من أحشائها ، خلاصاً نهائياً مبرماً لشعبه. وهكذا كان الأنبياء يعزون ابنة صهيون في محنها وشدائدها المرعبة فدور ابنة صهيون هو دور سرائرى ودور مجيئ …

دور سرائرى : بالنسبة لاتحاد العذراء ابنة صهيون بالرب الإله .

ودور مجيئ : بالنسبة لأمومة ابنة صهيون. وبأنها ستلد المسيا الذى سيخلص شعب الله ، ولكن هذه الولادة ستكون وسط آلام وأوجاع كثيرة . وإذا انتقلنا بعد هذه الخلفية إلى أحداث البشارة كما سجلها القديس لوقا في بشارته ، نجد أن الملاك غبريال قد حيا العذراء مريم بهذه الكلمات : ” سلام لك أيتها الممتلئة نعمة ، الرب معك ” . ولكى نضع هذه التحية في مفهومها الصحيح ، من الضرورى أن نراعى ما يُعتمل في قلب صهيون من توقعات مجئ المسيا . إن كلمة ” شارا ” بالغة اليونانية ، أي سلام لك أو أفرحى ، قد وردت أربع مرات في الترجمة السبعينية للتوراة : (مرا ٤ : ٢١) (يؤ : ٢ : ٢١) (صف ٣ : ١٤) ، (زك ٩ : ٩) . فإذا استثنينا آية المراثى لأنها موجهة بتهكم لآدم محذرة إياه من السر الآتى ، فإن الآيات الثلاثة الباقية تبدوا أنها آيات نبوية تعبر عن الفرح بمجئ المسيا وخلاصه لشعب الله . يوئيل النبى يوجه نداءه بالفرح إلى ابنة صهيون ، أما صفنيا وزكريا فإنهما يوجهان تحية الفرح إليها : ويربطان تحية الفرح هذه بإعلان خلاص المسيا الآتى … إنهما تحيتان غاية في الروعة والأهمية ، غايتها بث مشاعر الفرح والسعادة والبهجة في قلب ابنة صهيون بسبب الخلاص الآتى بمجئ المسيا …

+ ترنمى وارفعى صوتك يا ابنة صهيون ( أي افرحى بشدة ) اهتف مبتهجاً يا إسرائيل ، افرحى والتهجى بكل قلبك يا ابنة أورشليم ” (صف ٣ : ١٤) .

+ ” ابتهجى جداً يا ابنة صهيون ( مرة أخرى افرحى بشدة ) اهتفى عالياً يا ابنة أورشليم ” (زك ٩ : ٩) . إنها لغة الفرح الذى يهز كل الكيان بعنف ، لغة البهجة عند النصرة والخلاص ، والسرور برجاء المسيا الآتى !! تحية الفرح هذه موجهة لابنة صهيون . الأنبياء يعلنون لها عن الملك المسيا الآتى في وسط شعبه .

” قد نزع الرب الأقضية عليك ” أزال عدوك ، ملك إسرائيل ، الرب في وسطك لا تنظرين بعد شراً (صف ٣ : ١٥) . ” هوذا ملكك يأتي إليك ، هو عادل ومنصور … ” (زك ٩ : ٩) هذه هي نفس الطريقة والأسلوب واللغة التي وجهت بها التحية للقديسة العذراء مريم : ” افرحى أيتها الممتلئة نعمة ، الرب معك ” (لو ١ : ٢٨) . لقد حياها الملاك كابنة صهيون ، واعلن لها الخلاص بمجئ المسيا منها – الرب معك … إنها ليست مجرد تحية سطحية عابرة ، ولكنها دعوة للفرح الشديد بالمسيا الآتى : افرحى بشدة أيتها القديسة مريم ابنة صهيون الحقيقة افرحى ، و بالعبرانية ” رانى ” وباليونانية ” شيرى سفودرا ” .

وستتضح حقيقة كون العذراء مريم هي ابنة صهيون الحقيقية من مقارنة تحية الملاك للقديسة مريم ، بنبوة صفنيا ملاحظين نقط التلاقى والتطابق الواضح جداً بين النصين :

صفنيا ٣                                                                    لوقا ١

١٤ – ترنمى يا ابنة صهيون ، اهتف يا                                 ٢٨ – سلام لك أيتها الممتلئة نعمة

إسرائيل ! افرحى وابتهجى بكل قلبك يا                                   ( أفرحى ) .

ابنة اورشليم .

١٥ – قد نزع الرب الأقضية عليك ، أزال                               ٢٩ – لأنك وجدت نعمة عند الله. الرب

عدوك . ملك إسرائيل الرب في وسطك . لا                              معك . سيملك على بيت يعقوب إلى الأبد .

تنظرين بعد شراً .

١٦ – في ذلك اليوم يقال لأورشليم لا تخافى                          ٣٠ – لا تخافى يا مريم لأنك وجدت نعمة

ياصهيون لا ترتخى يداك .                                                عند الله .

١٧ – الرب في وسطك . جبار يخلص . يبتهج                       ٣١ – ها أنك ستحبلين في البطن وتلدين

بك فرحاً ، في محبته يجددك ، يبتهج بك                               ابناً وتسمينه يسوع ( يهوه يخلص ) .

بترنم ، كما في يوم عييده .

عجيب حقاً أن يتشابه النصان لفظياً ومعنوياً إلى هذا الحد !! والمغزى الذى نخرج به من هذا التشابه ، هو الترابط الواضح بين ابنة صهيون التي ترمز إلى شعب الله ، وبين القديسة مريم. إن مريم العذراء في الواقع تجسم لشخصية شعب الله المعنوية. إنها هي ابنة صهيون التي كانت تنتظر مجئ المسيا عبر تاريخنا الحزين الطويل كى يحقق لها خلاصها الأبدى … يمكن القول إن القديسة مريم هي تجسيد لشعب الله .

في النص اليوناني القديم لبشارة الملاك للعذراء مريم نجد : ها أنت ستحبلين في البطن … ، وتبدوا أن كلمة في البطن لأول وهلة أنها كلمة زائدة . فقد كان كافياً أن يقول التعبير الشائع تحبل وتلد ، وهو تعبير منتشر بكثرة في العهد القديم ، فلماذا إذاً أضاف الجملة في البطن ؟ الواقع أن هذه الجملة الزائدة توضح الأرتباط الصريح بين بشارة القديس لوقا ، ونبؤة (صف ٣ : ١٥) التي تتكلم مرتين عن وجود الله في وسط شعبه . فوجود الرب في داخل ابنة صهيون ، كان يعنى سكنى الله في هيكله وسط شعبه . ” الرب عادل في وسطك ( عبرانى بيكيرباه أي في داخل أحشائك ) لا يفعل ظلماً ، كل صباح يبرز حكمة إلى النور وكل فجر لا يتعذر ” (صف ٣ : ٥) ،

وتوجد نبوات أخرى في العهد القديم تصور سكنى الله في هيكله في وسط شعبه ، في داخله ، أو في أحشائه .

+ ” وتعلمون إنى أنا في وسط إسرائيل ، وإنى أنا الرب إلهكم وليس غيرى ” ( يؤ٢ : ٢٧ ) .

+ ” ترنمى وافرحى يابنت صهيون ، أنى هأنذا آتى وأسكن في وسطك ( شاكان ) يقول الرب . اكتوا يا كل البشر قدام الرب لأنه قد استيقظ من مسكن قدسه ” (زك ٢ : ١٠ ، ١٣) .

+ ” لا ترهب وجوههم ، لأن الرب إلهك في وسطك ( بيكرباك  ) إله عظيم مخوف ” (تث ٧ : ٢١) .

الاإشارة هنا عن خيمة الاجتماع ، وحلول السحابة كعلامة على سكنى الله  ( شاكيناه ) في وسط شعبه… الخيمة في البرية والهيكل في أورشليم هما المكانان حيث يستقر الله ، ويحل فوق تابوت العهد وسط شعبه. يقول إشعياء النبى : ” صوتى وإهتفى يا ساكنة صهيون ، لأن قدوس إسرائيل عظيم في وسطك ” (إش ١٢ : ٦ ، تث ٧ : ٢١) . لذلك قصد الروح أن يضيف على جملة ” ها أنت ستحبلين ” الكلمة ” في البطن ” .

وقد تكرر هذا التعبير في بشارة القديس لوقا في سرده لحادثة الختان إذ قال : ” ولما تمت ثمانية أيام ليختنوا الصبى ، سُمى يسوع كما تسمى من الملاك قبل أن حُبل به في البطن ” (لو٢ : ٢١) . فمثل هذه الزيادة المقصودة في الألفاظ قد ابرزت الارتباط بين كلمات بشارة الملاك للعذراء ، والتنبؤ بمجئ المسيا ووجود الله في وسط شعبه وأوضحت التقابل العجيب بين الحبل بالمسيح في بطن العذراء مريم : وسكنى الله في وسط ابنة صهيون أي شعبه .

فالذى في بطن العذراء مريم هو ابمسيا المنتظر واسم يسوع ( أي مخلص) هو الرب في وسط شعبه ، الذى هو جبار يخلص طبقاً لنبؤة صفنيا (صف ٣ : ١٧) ومريم العذراء ابنة صهيون الذى وجه الملاك إليها التحية المسياوية ” سلام لك ” ستكون هي المكان الجديد لسكنى الله . إنها تابوت العهد ، الذى في بطنها يسكن المخلص ليبدأ عهداً جديداً مع شعبه .

ونحن نعلم أنه بعد خراب أورشليم سنة ٥٩٦ ق. م . اختفى تابوت العهد … وعندما أعيد بناء الهيكل بعد السبى ، ترك قدس القداس خالياً تماماً ، كنوع من الرمز عن توقع مجئ الله في هيكله مرة أخرى . والقديس لوقا في بشارته ، قد أوضح أن السيدة العذراء هي قدس الأقداس الحقيقية التي حل فيها الله … إنها ابنة صهيون الحقيقية التي كانت في فقرها ومسكنتها وقداستها ، تتوقع الرجاء المفرح بمجئ مسيح الرب . وقد تحقق هذا المجئ فيها هي ، وفى بطنها …

إنها تابوت العهد الحقيقى الذى يسكن فيه الرب ، فعلى ضوء البشارة في إنجيل القديس لوقا ، ونصوص العهد القديم كما رأينا ، تلقب القديسة مريم بهذه الألقاب :

+ ابنة صهيون .

+ أم المسيا المنتظر .

مكان سكنى الله .

 

 فصل من كتاب العذراء مثال الكنيسة للراهب ماكس ثوريان ترجمة القمص ويصا السرياني ( المتنيح الأنبا إيساك الأسقف العام )[9]

المتنيح القمص تادرس البراموسي

سلام لك أيتها الممتلئة نعمة الرب معك مباركة أنت في النساء (لو ١: ٢٦-٣٨)

رزحت الخليقة بعدما أخطأ أبونا أدم وتعديه للوصية آلاف السنين يتخبط في ظلام دامس وفقد الإنسان سلامه وكان وعـد الله لآدم أن نسل المرأة يسحق رأس الحية (تك ٣-١٥) وإنتظر العالم وجـاء الأنبياء ولم يكن فيهم المخلص لأنه لم يكن فيهم أحد معصوم مـن الخطية وليس لأحد مقدرة أن يخلص نفسه لا إبراهيم آب الأباء ولا إسحق ولا يعقوب وكان الجميع ينتظرون الساعة التي يـأتى فيهـا المخلص جاء موسى النبي وخلص إسرائيل من عبودية المصريين ولم يخلص العالم من خطية آدم وجاء أشعياء وآرميا وإيليا وأخنوخ كلهم كان لهم دالة على الله لكن لم تكن فيهم الكفاية للخلاص وماتوا على رجاء أن يأتي المخلص والكتاب المقدس يقول لما جاء ملـئ الزمان أتى ابن الله مولوداً من إمرأة تحت الناموس لكـى يفتـدى الذين هم تحت الناموس ، لما جاء مليء الزمان أتى ابن الله مولوداً من إمرأة تحت الناموس .

والكتاب المقدس يعلمنا قائلاً وفي الشـهر السادس أرسل جبرائيل الملاك من الله إلى مدينة من الجليل أسـمها ناصرة إلى عذراء مخطوبة لرجل من بيت داود أسمه يوسف وإسم لعذراء مريم . يقصد بالشهر السادس أي الشهر السـادس لحبـل أليصابات العاقر أم يوحنا المعمدان التي هي والسيدة العذراء بنات خالات وكل منهما ولدت بمعجزة ولدت العذراء بدون أن تعرف رجلاً وهي حبلى من الروح القدس تعتبر معجزة وولـدت العـاقر المتقدمة في أيامها وقد يأست هي وزوجها زكريا الكاهن من الطلب ولما رزقمها الله بيوحنا المعمدان تعتبر معجزة الذي بشـر السـيدة العذراء بولادة السيد المسيح هو جبرائيل الملاك والذي بشر زكريا بميلاد يوحنا هو ايضا الملاك جبرائيل لكن تجد الفرق الشاسع بين الإثنين في المعاملة . الملاك قال للسيدة العذراء السلام لـك أيتهـا المنعم عليها الرب معك مباركة أنت في النساء وعندما بشر زكريا لما رآه إضطرب فقال له الملاك لا تخف يا زكريا لأن طلبتك سمعت وإمرأتك ستلد لك إبنا وتسميه يوحنا .

السيدة العذراء رأته إضطربت ما عسى أن تكون التحية قـال لهـا الملاك لا تخافي يا مريم لأنك وجدت نعمة عند الله ها أنت ستحبلين وتلدين إبنا وتسميه يسوع قالت مريم للملاك كيف يكون هذا وأنا لا أعرف رجلا قال لها الملاك الروح القدس يحل عليك وقوة العلـى تظللك فلذلك أيضاً القدوس المولود منك يـدعى إبـن الله وأراد أن يثبت لها هذا الكلام عملى فقال لها أليصابات نسيبتك هـي أيضـاً حبلي بإبن في شيخوختها هذا هو الشهر السـادس لتلـك المـدعوة عاقرا لأنه ليس شئ غير مستطاع عند الله . قال زكريا للملاك كيف يكون هذا وأنا شيخ وإمرأتي متقدمة في أيامها قال له المـلاك أنـا جبرائيل الواقف أمام الله أرسلت لأبشرك بهذا وهـا أنـت تـكـون صامتاً لا تتكلم إلى اليوم الذي يتم فيه هذا لأنك لم تصدق كلامـى الذي يتم في حينه : قالت مريم للملاك ها أنا أمة الرب لـيكن لـي كقولك فمضى من عندها الملاك فأنظروا يا أحبائي كيـف كـانـت معاملة الملاك للسيدة العذراء وكيف كانت معاملته مع زكريا في معاملته للسيدة العذراء كان يخاطـب أم الله ويقـدم لـهـا الكرامـة والأحترام أما زكريا فهو خادم من خدام الله وهو متـزوج وعنـده إمرأة والسيدة العذراء بتول وفيما بعد صارت الأم البتـول دائمـة البتولية لأنها عذراء قبل وبعد الحبل والولادة .[10]

المتنيح الدكتور راغب عبد النور

هذه الخيمة ، ومحبة الله

من ذا الذي يستطيع أن يرفع الحجاب ويكشف الستار فتعلن أمجاد الله في إرادته و حسابه للأوقات . ما أعظم أحكامه عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء حين يكلم موسى عن رغبته في السكن وسط اسرائيل كانت تلك المناسبة بالنسبة للفكر البشرى ـ هي أسوأ المناسبات ، لأن اسرائيل هـذا الذي يريد الله أن يسكن وسطه ، هو نفسه صانع العجل والساجد له ، ولم يكن قد مضى على تلك الجريمة غير وقت قليل .!! ولكن الرب يريد أن يهب و يعطى طبقاً لحاجة الناس وليس طبقاً لاستحقاقهم وإذا تحدثنا عن استحقاق الناس ، فجميع الأوقات سواء ، لأن الإنسان دائماً غير مستحق . . .

أما حاجة الإنسان ، وإحساس الرب بها ومحبته في أن يكملها ، واختياره أنسب الأوقات لذلك ، فهذا هو القانون الدائم في أعمال الله مع الإنسان . . وطبقاً لهذا القانون عين الله موعداً لإقامة خيمة الاجتماع. لأنه ـ وهو العالم بالقديم من تاريخ البشر ، والكاشف المستقبل ، والفاحص و المختبر لأعماق الإنسان ، و العارف بالمكشوف منه ـ وجد ورأى أن هذا هو أنسب المواعيد لإقامة الخيمة . . . في ملء الزمان .وقد كانت إقامة خيمة الاجتماع وسط خيام اسرائيل مثالا للتجسد الإلهى إن ربنا هو هو نفسه أمساً واليوم وإلى الأبد ، تمشياً مع القول السابق والاعتبارات السابقة لم يشأ أن يكون التجسد متأخراً من ميعاده ولا أيضاً متقدما . بل اختار تلك السنة و اليوم و الساعة والدقيقة والثانية وأجزاء أجزاء الثانية ، مرسلا الملاك جبرائيل إلى العذراء الطوباوية القديسة مريم ، يزف إليها البشارة بميلاد ابن الله . رأى الله بعد أن حسب حساب العالم كله بأنه وقبائله ، وحساب الأفراد بأفكارهم وعقائدهم ـ أن هـذا هو ملء الزمان ، فأرسل ابنه مولوداً من امرأه . . . عمانوئيل ، أوالله معنا .

أقيمت خيمة الاجتماع وسط خيام اسرائيل ، ولم يكن أحد من الإسرائيليين يفكر في هذه النعمة ولا حتى في أحلامه . بل حتى موسى لم يكن ليذهب به تفكيره هذا المذهب . فالخيمة لم تكن تنفيذا لاقتراح بشرى ، ولم تكن تصميما بشريا هذبه الله و نقحه ، وإنما هي كلها من عمل الله . إنها مظهر من مظاهر محبة الله لهذا الإنسان المسكين كأنى بهذا الإنسان يشبه الطفل ، إذ جلس للأكل والشرب ، ثم قام للعب ، وقد أصبح كل فكره و اهتمامه و اتجاهه مركزاً في كيف يأكل متلذذاً ، ثم يتطرف في اللذة إلى أن تصبح غايته في الوجود وأمله في السعى . فأصبحت حياته مزيجا من اللذة واللهو وهو يقول “لنأكل ونشرب لانه غدا نموت ” !! هذا الإنسان المخدرة إحساساته باللذة والمتعة ، يقف بجانبه الأب الحنون يحمله على يديه ، وعلى ركبتيه يدلله ، ويعمل كل ما يمكن عمله من أجله حتى يرفع عينه وقلبه عن هذه الأرضيات الشنيعة وقد كانت خيمة الاجتماع من أروع ما عمل الرب مع اسرائيل ، ليرتفع بقلوب الناس من  انحطاط اللذة الى رفعة السلام ، السلام مع الله . . إذا فأعمال الله معنا هي حسب ما يراه من احتياجاتنا ، وليس حسب احساسنا نحن بالحاجة . وعلى هـذا القياس تعظم و ترتفع كل أعماله ، أما طلباتنا التي تتمشى مع إحساسنا الأرضى فتنحدر الى الحضيض الأسفل . . . و بنفس القياس نتحدث في كثير من الخشوع عن التجسد الإلهي الذي قرره ونفذه إلهنا العظيم وحده حسب ادراكة واحساسه لحاجة الإنسان المسكين ، الإنسان الغارق في بحر متلاطم الموج سواء في عالم الفكر ، أم في عالم الدين .

أم في عالم السياسة ، أم في عالم الاجتماع . . . الإنسان المسكين الميت ، كيف يحس بحاجته ؟ و إن أحس فهو احساس البائس ، أو الإحساس العابر . أما الرب فتطلع وأراد أن يبنى من جديد . ولم يكن هيناً عليه أن يموت الإنسان ، و لكن هان لديه أن ( يموت ) ابن الله على الصليب . الله الخالق العظيم المحب الحنون ، قد كلم الآباء بالأنبياء في العهد القديم ، كلمهم بأنواع وطرق شتى ، ومن أبلغ هذه الطرق وأعظمها خيمة الاجتماع ، وقد كانت أبرز مكان لحلول الله ، ومنه انتظر الناس إعلان إرادة الله ، لأنه هناك كان يكلم نائبه بين الناس ، فهي إذن كانت واسطة الاتصال بين الله والأنسان أما في ملء الزمان فلم يكن ثمة داع لتلك الأنواع و الطرق الكثيرة ، لأنه في هذه الأيام الأخيرة كلمنا في إبنه الذي جعله وارثاً لكل شيء ، الذي به أيضاً عمل العالمين . فيسوع المسيح ربنا ، فادى نفوسنا و مخلصنا هو نفسه واسطة الاتصال بين الآب و بنيهوهو ذاته في حياته أو في تعاليمه كان الإعلان البسيط الواضح لإرادة الآب ورغبته . بل إنه بحياته وتعاليمه قد ارتفع بالإنسان إلى حيث إرادة الآب ورغبته ،

أين أنت يارب . . ؟ ما عدت على الجبل العالي حتى تعجز قوة الإبصار فينا عن أن تحدق حيث انت وما عدت وسط النار والسحاب فتضطرب قلوبنا وتخاف من منظر الزلزال واللهيب ما عدت في المكان البعيد فنحس باستحالة الوصول إليك ، وما عدت في مكان الغضب والتأديب فنحس بالرعب كلما أحسنا القرب منك . لكنك هنا معنا ووسطنا تسكن ، مثلنا تسكن في خيمة ، ومعنا تجتاز طريق البرية والغربة ، تشاركنا الجهاد في السفر والرحيل . . وقد كان هذا صحيحا جدا لما حل الرب على الخيمة وفيها فهدأت أعصاب الإسرائيليين ، وبدلا من أن يخافوه ويهربوا منه أحبوه فاقتربوا اليه بواسطة الخيمة ثم أين أنت أيها الرب ..؟ ما عدت في السماء تعد خطایای و آثامى فتعد لى العقاب الصارم جزاء أبدياً لا خلاص منه . . و ما عاد هناك حجاب بيني و بينك ، ذلك الحجاب الذي أقمته بخطيتى فصار كسد منبع يمنع قربي منك أو قربك منى ما عدت بالبعيد عن الإنسان أو المبتعد عنه ، بل إنك هنا معنا ووسطنا تسكن مثلنا تسكن في خيمة الجسد ، ومعنا تجتاز طريق البرية والغربة : تشاركنا الجهاد في السفر و الرحيل . فللثعالب أوجره ولطيور السماء أوكار ، أما أنت فليس لك أين تسند رأسك . قد شابهتنا في كل شيء ما عدا الخطية . . الله لم يره أحد قط ، الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب خبر ثم بقى علينا أن نذكر ، وبقى علينا أن نتذكر أيضاً أن كل أنواع الذبائح الكافية لجميع مطاليب الإنسان كانت تقدم على مذبح خيمة الاجتماع . ولعلك لا تحتاج إلى من يخبرك انه لولا هذه الذبائح ما استطاع الإنسان الاقتراب إلى الخيمة أو إلى يهوه الحال فيها . و لعله لولا هذه الذبائح ما كان ممكنا أن يقترب الإله النار الأكلة دون أن يهلك الشعب ويفنيه حتى الآخر . . . لأننا لو ذكرنا هذا تذكرنا ما هو الشبه العظيم بين تلك الذبائح و بين” الله ظهر في الجسد ” . لأنه بهذا الجسد قدمت الذبيحة الخالدة الأبدية الكافية لكل مطاليب الإنسان و حاجاته ، و أصبح بفضلها الذين في المسيح يسوع خليقة جديدة ، فيها استطاع الإنسان أن يقترب إلى الله ، وبها اقترب الإله نحو الإنسان . . . ففادينا الحبيب كما يدعى ” يسوع ” أي يخلص شعبه من خطاياهم أو يرتفع بهم إلى أمجاد السماء، يدعى أيضا عمانوئيل، الذي تفسيره الله معنا ، أي أن الله يقترب من الإنسان وبه يتحد. لولا هــذه الذبيحة كانت صلاة الناس كلهم مكرهة للرب . ففي تلك الذبيحة قبل الرب صلاتي من أجل نفسى ، وصلاة المتشفعين من أجلى ، سواء أكانوا من الأحياء على الأرض أو من الأحياء في الفردوس . . . ففي أدم ابن الله استجاب الرب لكل صلاة سواء من الكنيسة المجاهدة أم من الكنيسة المنتصرة ثم علينا ألا ننسى أن الخيمة قبل أن تمارس فيها الخدمة قدست و دشنت بالزيت المقدس وأيضا ربنا قبل أن يبدأ خدمته الجهارية حل عليه الروح القدس في شكل حمامة . . من أجل كل هذه الأسباب ، و من أجل أسباب أخرى أيضا ، نستطيع الجزم بأن خيمة الاجتماع في مجموعها مثال ورمز للتجسد الإلهي العجيب . [11]

المتنيح الدكتور موريس تاوضروس

البشـــارة بميلاد المخلص

ونتحدث فيها عن ثلاث نقط .

١ – ظهور الملاك (لو ١ : ٢٦ – ۲۹)

۲ – منطوق البشاره (لو ۳۰:۱-۳۳)

۳ – تصديق مريم للبشاره (لو ١ : ٣٤ – ٣٨)

۱- ظهور الملاك :

كان ميلاد يوحنا كما كان ميلاد اسحق نتيجة لتدبير الهي ومع ذلك فقد تم الميلاد في حدوده الطبيعيه . أي بزرع بشر ـ أما ميلاد السيد المسيح فقد تم بطريقة فريدة بواسطة الاقنوم الثالث ” الروح القدس ” ، وقـد بشر الملاك مريم بميلاد المسيح وكان لابد أن يتم الميلاد من عذراء لم تعرف رجلا لکی يأخذ المولود جسدا بلا خطيه كالجسد الذي خلق به آدم قبل أن يخطى. وكانت مريم مخطوبة ليوسف ،وحسب العادة الجارية آنذاك كانت مدة الخطوبة تستمر سنة كاملة يتم بعدها الزواج . فكانت خطوبة يوسف لمريم أمر يستلزمه المحافظة على شرف مريم ممن لا يصدقون بميلاد السيد المسيح الخارق للطبيعة .

وقد كان كل من يوسف ومريم ينسب إلى داود الملك ويتضح نسب المسيح إلى داود مما ذكره لوقا (لو ١ : ٣٢ و ٦٩) كما أعطى السيد المسيح لقب ( ابن داود ) في مواضع كثيره من العهد الجديد (مت ١، ٩: ٢٨، ١٢: ٢٣و ١٥: ٢٢، ٢٠: ٣٠، ٣١- مر ١٠ : ٤٧ ، ٤٨- لو ١٨: ٣٨، ٣٩)، وما أجمل أن تقابل بين حديث الله لحواء عندما اخطأت و بين حديث الملاك للعذراء وهو يبشرها ، قال الله لحواء ، بالوجع تلدين أولاداً ، وأما هنا فقد انحل الوجع وتحول إلى (سلام ) ويبدو من تحية الملاك لمريم مقدار الكرامة التي تتحلى بها العذراء ( أيتها الممتلئة نعمة ) .

۲ – منطوق البشاره

فقال الملاك لا تخافي … لملكه انقضاء (لو ۱ : ۳۰ – ۳۳)

طمأن الملاك مريم فليس هناك علة للخوف, لأنها قد وجدت نعمة عندالله وهذه العبارة الأخيرة قيلت أيضا عن نوح , وأما نوح فوجد نعمة في عيني الرب ، (تك ٦ : ٨). وقال ابراهيم للرب عندما ظهر له في ثلاثة رجال ” يا سيد ان كنت قد وجدت نعمة في عينيك فلا تتجاوز عبدك ” (تك ١٨ : ٣). وقيل عن يوسف ( فوجد يوسف نعمة في عينيه ( أي في عينى سيده ) وخدمه (تك ٣٩ : ٤).

و لقد تكلم الملاك عن صفات يسوع ( يهوه المخلص ) فهو يكون عظيما .

ويلاحظ أن هذه الصفة قيلت أيضا عن يوحنا المعمدان ولكن الفارق بين عظمة المسيح وعظمة يوحنا واضح إذ أن المعمدان اكتسب عظمته لكونه كان مشيرا بالسيد المسيح بينما ترجع عظمة السيد المسيح الى كونه الاله الخالق الذي تأنس .

وإبن العلى يدعى ، ويقصد بالعلى الذي يعلو ويرتفع فوق كل موجود وخاصة إذا قورن بالهة الوثنيين . كذلك قيل في البشارة ( ويعطيه الرب الاله کرسی داود أبيه … ) وهذا هو ما تنبأ عنه داود النبي قائلا ( أقسم الرب لداود بالحق لا يرجع عنه . . . من ثمرة بطنك أجعل على كرسيك إن حفظ بنوك عهدى وشهاداتي التي أعلمهم اياها فبنوهم أيضا الى الأبد يجلسون على كرسيك …) (مز ١٣٢: ١١-١٨) . على أن كرسي داود هنا لا يقصد به الملك الأرضى بل الملك السماوي – ويلاحظ أن شعب المسيح أطلق عليه أحيانا يعقوب وأحيانا اسرائيل ، وبالطبع أن التسميه هنا واحدة لأن يعقوب هو اسرائيل على أن القصد من ذكر اسم يعقوب ليشير الى البنوة الطبيعية ليعقوب ، والقصد من ذكر اسرائيل ليشير الى البنوة الروحية الجديدة إذ أن اسرائيل هو الاسم الذي أخذه يعقوب بعد أن باركه الله (تك٣٥ : ٩)

٣- تصديق مریم للبشاره

فقالت مريم للملاك كيف يكون لي هذا . . . . . ها أنا أمة الرب فليكن لي كقولك … (لو ١ : ٣٤ – ٣٨)

اختلف موقف مريم بالنسبة للبشاره عن موقف زكريا : فسؤال مريم للملاك لم يصدر عن عدم تصديقها للبشارة ولكنه سؤال عن الكيفية التي يمكن أن يتم بها الحبل والولادة دون أن تعرف رجلا فهو سؤال طبيعي بالنسبة لحالة عذراء لم تتزوج بعد وكأنها تتساءل : كيف يتم لى هذا الأمر إذا كان لن يتم عن الطريق الطبيعي أو الزرع البشري ، أنها تريد أن تستوضح طريق الولادة لا أن تتنكر للبشارة . ومن أجل ذلك فإن الملاك لم يدن مريم كما أدان زكريا ولكنه أوضح لها الطريق الذي ستتم به الولادة أما زكريا فقد كان عليه أن يصدق فلم تكن حالته هي الأولى من نوعها فقد سبق أن تمت مواعيد الله مع سارة ورفقة وراحيل وحنه ، أما بالنسبة للعذراء فليس هناك حالة مماثله أخرى تستوجب على مريم أن تقبل البشارة دون تساؤل . لقد كانت حالة مريم فريده لأن المولود فريد أيضا ( الروح القدس يحل عليك وقوة العلى تظلك ) .

وكلمتي الروح القدس لها معنى خاص ( فكلمة الروح ) لن يتم بزرع بشرى وكلمة ( القدس ) تعنى أن المولود سيولد بلا خطيئة فكأن كلمة الروح وضعت في موضع مضاد للجسد وكلمة القدس في موضع مضاد للخطية ومن أجل ذلك يقول بولس الرسول ( لأنه ما كان الناموس عاجزا عنه في ما كان. ضعيفا بالجسد فالله إذا أرسل ابنه في شبه . جسد الخطية ولأجل الخطية دان الخطية في الجسد  (رو ۸ : ٣) ـ ويلاحظ أن النص اليوناني يذكر اسم الروح القدس بغير اداة التعريف مما دعا البعض لأن يفسر كلمتى روح قدس لا على أنهما تشيران إلى الاقنوم الثالث بل إلى قوة الهية تمت بها ولادة المسيح وبذلك تنتقص في نظرهم قيمة السيد المسيح باعتباره الاقنوم الثاني والاله المتجسد .

وهـذا التفسير لا يصدق مع الفهم الصحيح ولأجل ذلك تحرص الكنيسة في قانون الايمان أن تذكر اسم الروح القدس لا ( روح قدس ) : عندما تشير إلى ميلاد السيد المسيح ، وتجسد من الروح العذراء ، وعبارة يحل عليك تفسر تفسيرا مجازيا بمعنى أن الحبل سيتم بواسطة الروح القدس ـ على أن في البشارة إشارة إلى اشتراك الثالوث المقدس في حبل العذراء إذ أن كلمة العلى تشير إلى الآب وقوة العلى تشير إلى الابن لأنه قيل عن الإبن إنه قوة الله وحكمته اكو ٢٤:١ وأما كلمة تظلك فهي تشير إلى موضوع يتعدى عليه الفعل إذ أن الفعل تظلل في اليوناني معناه يعمل ظلا .

ولقد استخدم في العهد القديم عن السحابة التي كانت تظلل خيمة الشهادة (أنظر خر٤٠: ٣٤، عد٩: ١٥ – امل ۸ : ١٠) كذلك استعملت من السحابة التي ظللت السيد المسيح على جبل التجلى فكأن قوة العلى هنا تشبه سحابة تظلل العذراء ، وفي هذا اشارة إلى عمل الله الذي سيتم في اتمام الحبل بطريقة سرية غير ظاهرة – وكذلك في هذه البشارة اشارة إلى أن المولود قد تم من العذراء مريم من الروح القدس فقط فقد أشار الملاك إلى عامل الروح القدس في الولادة ولكنه قال ( المولود منك ) ولم يقل المولود فيك ، حتى لا يعتقد أن جسد المسيح حل في بطن العذراء بفعل الروح القدس فقط ولم يأخذه أيضا من مريم أي أن في عبارة الملاك إفصاح عن أن جسد الرب اخذه من الروح القدس ومن مريم العذراء معا.

ولقد ختمت العذراء حديثها مع الملاك بهذه العبارة الجميلة ( هوذا انا ) و تذكرنا هذه العبارة بقصة ابراهيم يوم امتحنه الرب فأجاب بنفس العبارة . فما اروع ما تمثلت به مريم من طاعة لمواعيد الرب وتصديق لإتمامها وما اعظم الفارق بين حواء التي عصت فكانت علة لغضب الله وقصاصه ، بينما كانت مريم بطاعتها منفذة لرحمة الله وغفرانه اجل ما اكرمك يا مريم ، ما اعظم ايمانك ، ما انقى حياتك واطهر سيرتك ، ولم تشكى مطلقا في قدرة الله ولم تستنكرى مواعيده من اجل ذلك اختارتك نعمة الله لتكونى ام النور والدة الاله ( فطوبى للتي آمنت ان يتم ما قيل لها من قبل الرب ) . .

دكتور موريس تاوضروس [12]

من وحي قراءات اليوم

هوذا انا امة الرب (لو ١ : ٣٨)

يقول رئيس الملائكة  القدوس المولود منك وهي تقول هوذا انا امه الرب

عند الإنتساب للرب لايفرق الاسم والمكانة والرتبة يكفي شرف وعظمة الإنتساب له كعبد أو عبده

” بولس عبد يسوع المسيح ” (رو ١ : ١)  آية تعلن المبدأ الذي أرسته والنموذج الذي قدمته أمنا العذراء

فلتتضاءل وتضمحل وتخبو كل عظمة بشرية ومجد بشري أمام هذا الإتضاع العجيب

لأنها رأت نفسها كعبده إلتزمت الصمت طوال رحلة الخلاص

لأنّها عاشت كعبدة قبلت الفقر والألم اللذان كانا عنوان حياتها

أمة الرب تعني القبول الكامل لكل مايسمح به الله في حياتها حتي عمق الألم وعار الصليب

أمة الرب تعني عدم المطالبة بأي إمتياز أو حقوق رغم أن هذا كان وضعها الطبيعي

طول حياتها علي الأرض لم تحيا يوماً في هدوء بل من ضيق إلي ضيق لترسم لنا طريق الخلاص والمجد

والدة الاله ليس فقط لقبها لكنه إيماننا وفخرنا ومن يعتبرها فقط قدّيسة يبتعد كثيراً عن كلمة الله والحق الكتابي (لو ١ : ٣٥ ، ٤٣)

” تطلع الآب من السماء ، فلم يجد من يشبهك   أرسل وحيده ، أتي وتجسد منك  ”

ثيئوطوكية الأربعاء

 

 

المراجع

 

[1] كتاب مفاهيم إنجيلية ص ٢٣٩ – نيافة الأنبا ابيفانيوس اسقف ورئيس دير أبو مقار

[2] كتاب العذراء في فكر الآباء ( صفحة ١٤٤ ) – القمص بنيامين مرجان باسيلي

[3] كتاب العذراء في فكر الآباء ( صفحة ١١٦ ) – القمص بنيامين مرجان باسيلي

[4] مجلة مدارس الأحد عدد نوفمبر لسنة ١٩٧٠

[5] مقالات الأنبا بولس البوشي ( صفحة ٩ ) – القس منقريوس عوض الله

[6] كتاب السحابة المتألقة في دقادوس ( صفحة ٣٩ ) – الأنبا فيلبس مطران الدقهلية

[7] كتاب عظات مضيئة معاشة ( صفحة ٤٤١ ) – مطرانية ملوي

[8] كتاب الكنز الأنفس للارشيدياكون حبيب جرجس الجزء الثالث ( صفحة ٥ ) – مشروع الكنوز القبطية

[9] الكتاب الشهري للشباب والخدام ( عدد أغسطس صفحة ٣ ) – إصدار بيت التكريس لخدمة الكرازة

[10] كتاب تأملات وعناصر روحية في آحاد وأيام السنة التوتية ( الجزء الثالث  صفحة ١٨٩ ) – إعداد القمص تادرس البراموسي

[11] مجلة مدارس الأحد عدد مايو لسنة ١٩٥٢

[12] مجلة مدارس الاحد شهر يونيو ١٩٦٠