اليوم العشرون من شهر بشنس

(تذكار نياحة القديس أمونيوس الأنطاكي )

طوبى للإنسان الذي يسمع لي ساهرا كل يوم عند مصاريعي، حافظا قوائم أبوابي (أم ٣٤:٨)

بل أطلب إليك برأفاتك اعطني أن أخدم إسمك القدوس المكرم بغير سكوت لكي أجد أجرة الوكيل الأمين الحكيم في الخيرات الأبدية التي وعدت بها محييك

صلاة الحجاب – القدَّاس الكيرلسي

” يجب أن نُسرع في معرفة أي طريق هو لمغفرة الخطايا ورجاء ميراث الخيرات الموعود بها، فإنه لا يوجد سوى هذا الطريق: أن تتعرف على هذا المسيح، وتغتسل في الينبوع (المعمودية) الذي تحدث عنه إشعياء لغفران الخطايا (إش ٤ : ٤ )، وهكذا نبتدئ أن نعيش بالقداسة[1]

شواهد القراءات

(مز ٦٤ : ٤ ، ٦) ، (مت ٢٤ : ٤٢ – ٧٤) ، (مز ٣٦ : ١٥ ، ١٦ ، ٢٧) ، (مر ١٣ : ٣٣ – ٣٧) ، (١كو ٣ : ٤ – ٢٣) ، (١بط ٥ : ٥ – ١٤) ، (أع ١٨ : ٢٤ – ١٩ : ١ – ٦) ، (مز ٣٦ : ٢٨) ، (لو ١٦ : ١ – ١٢)

ملاحظات على قراءات يوم ٢٠ بشنس

+ تذكار هذا اليوم نياحة القديس أمونيوس الأنطاكي والذي تدور قراءاته حول السهر الروحي

+ تتشابه قراءات اليوم مع قراءات اليوم الرابع من الشهر الصغير ( النسئ ) والذي يكون فيه تذكار نياحة أنبا بيمن المتوحد ونياحة ليباريوس أسقف روما

وتتماثل القراءتين في أناجيل عشيّة وباكر والقدّاس والإبركسيس وتشابه البولس والكاثوليكون في معظم القراءة واختلاف المزامير فقط

وتتوافق القراءتين لتشابه سيرة حياة القديس أمونيوس الأنطاكي المتوحد والقديس أنبا بيمن المتوحد ، وذلك لوحدة الموضوع وهو السهر الروحي

+ تتكرر قراءة إنجيل عشيّة أيضاً (بالإضافة ليوم ٤ نسئ ) في قراءة إنجيل عشيّة ليوم ١٦ بؤونه ( نياحة أباً نوفر السائح )

+ قراءة إنجيل باكر اليوم (مر ١٣ : ٣٣ – ٣٧) هي قراءة خاصّة بالسهر الروحي والصلاة الدائمة جاءت أيضاً في إنجيل باكر يوم ٤ نسئ ( نياحة أنبا بيمين المصري المتوحد )

وهي جزء من قراءات المجئ الثاني التي جاءت أيضاً في قراءة إنجيل القدَّاس (مر ١٣ : ٣ – ٣٧) للأحد الرابع من شهر مسري ، وقراءة إنجيل باكر (مر ١٣ : ٣٢ – ٣٧) للأحد الموافق للنسئ

+ قراءة الكاثوليكون اليوم (١بط ٥ : ٥ – ١٤) تتشابه معها قراءتين أخريين (١بط ٥ : ١ – ١٤) في ١٧ هاتور، ٢٤ هاتور  ، ٢ أمشير ، ٢٠ بشنس ، وأيضاً (١بط ٥ : ١ – ١١) في ٤ نسئ

وهنا الكلام عن الرعاية والرعاة ( ارعوا رعية الله التي بينكم ) لذلك جاءت في تذكار ذهبي الفم ( ١٧ هاتور ) والأربعة والعشرين قسيس ( ٢٤ هاتور ) ومار مرقس ( ٣٠ برمودة )

كما أن القراءة تتكلّم أيضاً عن السهر واليقظة ومقاومة إبليس لذلك جاءت مع تذكار آباء البرية مثل الأنبا بولا ( ٢ أمشير ) والقديس امونيوس الأنطاكي ( ٢٠ بشنس ) والقديس بيمن المتوحد ( ٤ نسئ )

+ قراءة الإبركسيس اليوم (أع ١٨ : ٢٤ – ١٩ : ١ – ٦) تكررت في قراءات أيّام ٢٠ بشنس ، ٢٥ مسري ، ٤ نسئ

تتكلّم هذه القراءة عن المعمودية ( ١١ طوبه ) وعن السلوك في طريق الله بأكثر تدقيق وسهر وصلاة لذلك جاءت في تذكار قديسين عاشوا حياة كاملة مع الله مثل القديس أمونيوس الأنطاكي ( ٢٠ بشنس ) والقديس بيصاريون الكبير ( ٢٥ مسري ) وأنبا بيمن المصري المتوحد ( ٤ نسئ )

+ قراءة إنجيل قدَّاس اليوم (لو ١٦ : ١ – ١٢) هي نفس قراءة إنجيل قدَّاس يوم ٤ نسئ ( نياحة أنبا بيمن المصري المتوحد ) ، وتُشبه قراءة إنجيل عشيَّة الأحد الثاني من شهر أبيب

القراءة الأولي ( ٢٠ بشنس ) ، والثانية ( ٤ نسئ ) تتكلَّمان عن مثل وكيل الظلم

أمَّا القراءة الثالثة ( الخاصّة بإنجيل عشيَّة الأحد الثاني من أبيب ) بإضافة ستَّة آيات من آية ١٣ إلي آية ١٨ (لو ١٦ : ١ – ١٨) ، وهي التي فيها الحديث عن ملكوت الله ، وهو موضوع قراءات ذاك الشهر ” ومن ذلك الوقت يُبشَّر بملكوت الله وكل واحد يغتصب نفسه إليه ”

القراءات المُحوَّلة علي هذا اليوم

٧  بابة                         نياحة القديس الأنبا بولا الطموهي

١٣ بابة                      نياحة القديس زكريا الراهب

٢٥ بابة                      نياحة القديسين أبللو وأبيب

١٢ كيهك                  نياحة القديس هدرا الأسواني المتوحد

١٤ طوبة                    نياحة القديس أرشيليدس

٢٥ طوبة                    نياحة القديس بطرس العابد

٣ أمشير                     نياحة القديس يعقوب الراهب

١٢ أمشير                   نياحة القديس جلاسيوس الناسك

١٩ أمشير                    نقل أعضاء القديس مرتيانوس الراهب

٩ برمهات                   نياحة القديس كونن المجاهد

أول برمودة                  نياحة القديس سلوانس الراهب

١٠ برمودة                  نياحة القديس الأنبا ايساك تلميذ أنبا ابوللو

تاسع وعشرون بؤونة  شهادة السبعة نساك القديسين بجبل ثونه

شرح القراءات

تتركَّز القراءات في هذا اليوم عن سهر القديسين حتي مجيء الرب والسهر هنا سهر الكمال لأجل مجيء الرب سهر الحب الإلهي وسهر الفرح والتسبيح والخلاص سهر المكافأة والمجازاة

ولكن يوجد جانب آخر للسهر سهر اليقظة والحرص من جولان السارق والأسد الذي يجول ملتمساً من يبتلعه سهر حفظ الثوب من النجاسة والخطية

تبدأ المزامير بنصيب الصديقين وخائفي الله والساهرين يسكنون الديار                 ( مزمور عشيّة )

ويرثون الأرض                                                                                        ( مزمور باكر )

ولا تتعرقل  خطواتهم                                                                             ( مزمور القدَّاس )

كما نري أيضاً في المزامير سمات الساهرين لذلك نري احتياجهم للخلاص            (مزمور عشيّة )

واستقامة حياتهم ونقاوة أفكارهم من إلتواء العالم                                           ( مزمور باكر )

وهذيذهم في كلمة الله                                                                         ( مزمور القدَّاس )

 

وفِي القراءات سهر البنيان                      (البولس )

وسهر الرعاية                                      ( الكاثوليكون )

وسهر الكمال                                      ( الإبركسيس )

في البولس سهر البنيان في الخدمة وسهر القداسة في الحياة ونقاوة هياكلنا

( قد وضعت أساساً وآخر يبني عليه ولكن فلينظر كل واحد كيف يبني عليه … ذهباً فضة حجارة كريمة حطبا عشبا قشاً فسيُعلن عمل كل واحد لأن اليوم سيظهره لانه بنار يُسْتَعلن وستمتحن النار عمل كل واحد كيف ما هو … أما تعلمون أنكّم هيكل الله وروح الله ساكن فيكم فمن ينجّس هيكل الله فسيُفسده الله لأنَّ هيكل الله مقدس الذي أنتم هو )

وفِي الكاثوليكون عن سهر الرعاية والرعاة وسهر اليقظة من حروب إبليس

في سهر الرعاية والرعاة نري صمام أمان أجواء الخدمة والرعاية في التواضع والخضوع وما أجمل تعبير الكتاب ” مُتسربلين بالتواضع ” أي أن رسم الإتضاع يُغلِّف كل أعمالنا وخدمتنا كما يُشير إلي أهمّية السهر والحرص واليقظة من طرق ومكائد العدو

( كذلك أنتم أيها الشبَّان اخضعوا للشيوخ وكونوا جميعاً مُتسربلين بالتواضع بعضكم لبعض لأن الله يقاوم المستكبرين ويعطي نعمة للمتواضعين … كونوا متيقظين واسهروا لأن إبليس عدوّكم يجول كأسد زائر يلتمس من يبتلعه فقاوموه راسخين في الإيمان )

وفِي الإبركسيس سهر الكمال كمال ونقاوة التعليم ومعرفة طريق ومنهج الله بأكثر تدقيق

( وكان يوجد يهودي اسمه أبولوس إسكندري الجنس رجل فصيح قدم إلي أفسس مقتدر في الكتب هذا كان تلميذا لطريقة الرب وكان وهو حار بالروح يتكلَّم ويعلِّم بتدقيق ما يختص بيسوع عارفاً معمودية يوحنا فقط وإبتدأ يجاهر في المجمع فلما سمعه بريسكلا وآكيلا قبلاه إليهما وعلماه طريق الله بأكثر تدقيق )

وفِي الأناجيل سهر إنتظار السيّد وسهر الوقاية من السارق ( انجيل عشيّة )

ومواعيد مجيئه المختلفة ( انجيل باكر )

ومواقفنا من الآخرين تحدد موقف الله منَّا يوم الدينونة ( إنجيل القدَّاس )

في انجيل عشيّة نري سهر حفظ بيوتنا من النهب من السارق وسهر الخدمة في إنتظار المكافأة من السيّد الرب لنا نحن عبيده

( اسهروا إذاً لأنكم لا تعلمون في أية ساعة يأتي ربكم واعلموا هذا أنه لو كان رب البيت يعلم في أية ساعة يأتي السارق لسهر ولم يدع بيته ينهب … فمن هو يا تُري العبد الأمين والحكيم الذي يقيمه سَيِّدِه علي عبيده ليعطيهم طعامهم في حينه طوبي لذلك العبد الذي إذا جاء سيده يجده يفعل هكذا الحق أقول لكن أنه يقيمه علي جميع أمواله )

وفِي انجيل باكر سهر الراعي – البواب – وأزمنة مجيئه

( كأنما إنسان سافر وترك بيته وأعطي عبيده السلطان ولكل واحد عمله وأوصي البواب أن يسهر اسهروا إذا فإنكم لا تعرفون متي يأتي رب البيت أمساء أم نصف الليل أم صياح الديك أم صباحاً لئلا يأتي بغته فيجدكم نياماً )

ونلاحظ هنا التقسيم الروماني لليل إلي أربعة ( مساء ونصف الليل وصياح الديك وصباحاً ) بخلاف التقسيم اليهودي له إلي ثلاثة ( قض ٧ : ١٩ )[2]

وفِي إنجيل القدَّاس سهر الأمانة وسهر مواقفنا من الآخرين الذي يشفع فينا عندما تفني أجسادنا

( وقال أيضاً لتلاميذه كان إنسان غني له وكيل فوشي به إليه بأنه يبذر أمواله فدعاه وقال له ما هذا الذي أسمعه عنك أعطني حساب الوكالة … وأنا أقول لكم اصنعوا لكم أصدقاء بمال الظلم حتي إذا فنيتم يقبلونكم في المظال الأبديّة )

ورُبَّما يأتي تعليق الرب علي المثل ( وأنا أقول لكم اصنعوا لكم أصدقاء بمال الظلم ) للتشجيع علي العطاء وتأثيره علي مصيرنا الأبدي (مت ٢٥ : ٣٤) ، (٢كو ٩ : ٩) ، وهذا لدرجة تشجيع القديسين لكل إنسان علي العطاء حتي ولو بدأ الإنسان بهدف إرضاء الناس كما قالت الأم سارّة ” جيد أن يصنع الإنسان رحمة ولو من أجل الناس ، ولو كانت لإرضائهم ، فإنه يمكن بهذا أن نبدأ فنطلب مسرة الله[3]

ملخّص القراءات

الصديقين والساهرين هم المحتاجين للخلاص وأنقياء الهدف والوسيلة ومُحبِّي كلمة الله وشريعته                                                                                                                                                      مزمور عشيّة وباكر والقدّاس

ويظهر سهرهم في أساس بنيان خدمتهم وشركتهم وكمال ونقاوة تعليمهم                                                                                                                                                                               البولس والكاثوليكون والإبركسيس

وتطويب للعبد الأمين والبوَّاب الساهر والوكيل الحكيم                                                                                                                                                                                                                إنجيل عشيّة وباكر والقدّاس

أفكار مقترحة للعظات

(١) سهر القديسين

١- سهر الأبناء والوكلاء

” فمن هو يا تُري العبد الأمين والحكيم الذي يقيمه سيده علي عبيده ليُعطيهم طعامهم في حينه ”                                                                                                                                                            إنجيل عشيّة

٢- معني السهر وتوقيته

” انتظروا واسهروا وصلوا … أمساء أم نصف الليل أم صياح الديك أم صباحاً ”                         إنجيل باكر

٣- سهر الخدّام والرعاة

” ولكن فلينظر كل واحد كيف يبني عليه … فسيعلن عمل كلُّ واحدٍ ”                                   البولس

٤- لماذا السهر

” كونوا متيقِّظين وإسهروا لأن ابليس عدوكم يجول كأسدٍ زائرٍ يلتمس من يبتلعه ”               الكاثوليكون

٥- سهر أهل العالم

” لأن أبناء هذا الدهر أحكم من أبناء النور في جيلهم ”                                            إنجيل القدَّاس

(٢) البَنَّاء الحكيم

١- يعطيهم طعامهم في حينه

” يقيمه سيده عليٍ عبيده ليُعطيهم طعامهم في حينه ”                                       إنجيل عشيّة

٢- يسهر علي الجميع

” وأوصي البواب أن يسهر ”                                                                             إنجيل باكر

٣ – يعمل مع الله ويعتمد علي نعمته ويعرف أن الأساس هو يسوع المسيح

” حسب نعمة الله المُعطاة لي كبنَّاءٍ حكيمٍ ماهرٍ قد وضعتُ أساساً وآخر يبني عليه ولكن فلينظر كل واحد كيف يبني عليه فإنه لا يستطيع أحد أن يضع أساساً آخر غير الذي وُضع الذي هو يسوع المسيح ”                    البولس

٤ – رعايته يغلب عليها التواضع والوداعة

” وكونوا جميعاً مُتسربلين بالتواضع بعضكم لبعض”                                               الكاثوليكون

٥ – يُعلِّم بأكثر تدقيق

” فلما سمعه بريسكلَّا وآكيلا قبلاه إليهما وعلماه طريق الله بأكثر تدقيق ”                    الإبركسيس

٦ – أمين في القليل وفِي ما هو للغير

” ” الأمين في القليل يكون أميناً أيضاً في الكثير … وإن لم تكونوا أمناء في ما هو للغير فمن يعطيكم ما هو لكم ”                                                                                                                                     إنجيل القدَّاس

(٣) شرح مثل وكيل الظلم

المثل هنا ( رُبَّما ) لا يعني أن الوكيل كان غير أميناً أو ظالماً بل يمكن أن يكون وكيلاً أميناً لكن المشكلة هنا تكمن في الوشاية للسيَّد ومعني وشاية أنها من أناس مغرضين حقودين ويمكن أن يكون ما إدَّعوا به عليه أمام سيَّده لم يكن فيه شئ من الحقيقة والأخطر هنا القرار الذي أخذه السيد إعتماداً علي الوشاية دون فحص ودون سماع دفاع الوكيل ( ما هذا الذي أسمع عنك أَعْط حساب وكالتك ) أي أنه إتخذ القرار دون سماع رأي وكيله

لذلك لا يُشير الوكيل هنا إلي الرب بل إلي سادة العالم، كما أنه لو كان هذا الوكيل ظالماً وسارقاً لكان غنياً ولا يحتاج لإنسان إذا عُزِل عن الوكالة ، كما أن ما فعله كان في حدود سلطته الموكولة له فالوكيل في ذاك الوقت كانت له نسبة من المبيعات  ، وإذا تنازل هو بإرادته عن نسبته مع الناس بعد ما علم بعزله فلربما فكَّر في كيف سيرد له هؤلاء الناس الجميل سواء في عمل معهم أم بإستفادة أخري من أي نوع ، ويمكن أن نقول أن هذا المثل يَخُص أهل العالم الذين يتصرفون بأمانة ( في حدود مبادئهم ) ولكن أيضاً بحكمة عالمية لتأمين حياتهم ومستقبلهم ، ومن هنا جاء مدح السيد لوكيله فهو لم يخدعه أو يسرق منه بل تنازل عن مكاسبه ليكسب رضا زبائنه فيُكرمونه في المستقبل ، وكيف يمدحه إذا كان قد سرقه عندما طُلِبَ منه أن يُعْطي حساب وكالته ؟ ، ولهذا قال الرب تعقيباً علي المثل أن أبناء هذا الدهر أحكم من أبناء النور في جيلهم ، أي أنهم يعملون حساب المستقبل بأي طريقة التي قد يفتقدها أبناء النور في حكمة إدراك أهميَّة مصيرهم الأبدي

ويوضِّح المتنيح الدكتور موريس تاوضروس مدي المكاسب الخاصة بأصحاب الأموال والموكَّلين عليها في شرحه للآية الواردة في (مت ٢٥ : ٢٧)

“فكان ينبغي أن تضع  فضتي عند الصيارفة فعند مجيئي كنت آخذ الذى لي مع الربا ” :

كانت هذه الكلمة تعنى أولا الولادة ثم أصبحت تعنى النتاج أو النتيجة ، وصارت بعد ذلك تستعمل عن الفائدة كنتاج لرأس المال . كانت أصلا تستعمل لتعنى فقط  ما يدفع كنتيجة لاستغلال المال ، أى لتعنى الفائدة ، ثم صارت تستعمل كمرادفة للفائدة الباهظة بما فيها من ابتزاز ، ولذلك يفضل البعض ترجمتها في هذا الموضع بالفائدة بدلا من الربا . وفى روما يبدو أنه كانت تدفع فوائد كبيرة على استغلال المال . وعمليا لم تكن الفائدة محددة ثم صارت الفائدة الشهرية تقدر بـ١ ٪   وارتفعت النسبة قانونيا إلي  ٨٪ ولكن في الصفقات والمعاملات التجارية كانت تتدرج إلى١٢ ٪  وإلي ٢٤ ٪ بل قد تصل إلي ٤٠ ٪ . وفى الشريعة الموسوية كان يسمح بقرض الأجنبي بالفائدة ولكن لم يسمح بذلك عند قرض اليهودي لأخيه اليهودي ( تث ٢٣ : ١٩ ، ٢٠ ). وعلى العموم فالأمر بالنسبة للذي أخذ الوزنة الواحدة وتكلم بقساوة نحو سيده وقال :يا سيد عرفت انك انسان قاس تحصد حيث لم تزرع وتجمع من حيث لم تبذر ، فخفت ومضيت وأخفيت وزنتك في الأرض ، هوذا الذى لك “، أجابه السيد المسيح ووبخه بسبب كسله ، لأنه لم يتاجر بالوزنة فيربح .

لم يكن هناك ما يبرر كسل هذا العبد ، ولو فرض أن سيده على حسب ما يعتقد كان قاسيا ظالما – وبالطبع ليس هو كذلك- فقد كان عليه ألا يطمر الوزنة بل يضعها عند الصيارفة ، فيأخذ سيده المبلغ مع الفائدة . وقد كان الصيارفة يأخذون الأمواال بفائدة قليلة ولكنهم يقرضونها بفائدة باهظة . وعلى العموم فالكتاب المقدس يشجب الربا (أنظر حز ٢٢: ١٢ ، نح ٥ : ٧ ، ١٠). والكلمة العبرانية للربا تدل على معنى العض (قاموس الكتاب المقدس للدكتور جورج بوست)[4].

( ٤ ) ولكن يري البعض ( كنز التفسير الشماس بشارة بولس ص ٤٣٣ – ٤٣٥ ) أن هذا المثل جاء في لوقا ١٦ بعد لوقا ١٥ والذي تكلَّم عن الإبن الضال الذي بذَّر ما له بعيش مسرف وهنا الوكيل يُبذِّر أموال سيده بطريقة الاختلاس والخيانة ثم سيأتي في نفس الإصحاح قصة الغني ولعازر وكأن الرب يلفت النظر لكيفية التصرف فيما نملكه أو فيما نُؤتَمن عليه ويختم المثل بقوله أننا إن لم نكون أمناء فيما للغير ( أي المال الذي لا يدوم مع أحد وحتي وإن كان معنا الآن لكنه لا يستمر في قبضتنا وهذا هو المقصود بأنه للغير رغم أنه في حوزتنا الآن – فكيف يُعطينا ما هو لنا ) أي العطايا السماوية والحياة الأبديّة التي تخصُّنا

عظات آبائية

( يُمْكِن أيضاً الرجوع إلي عظات يوم الإثنين من الإسبوع الرابع في أيام الصوم الكبير )

القديس كيرلس الأسكندري

شرح مثل وكيل الظلم

” المعلمون الاكثر خبرة و امتيازا عندما يرغبون في تثبيت اي تعليم هام في عمق اذهان تلاميذهم فانهم لا يغفلون اي نوع من التفكير يستطيع ان يلقي ضوءا علي الغرض الرئيسي لأفكارهم

فمرة ينسجون الحجج معا ومرة اخري يستخدمون امثلة مناسبة و هكذا يجمعون من كل حدب وصوب اي شئ يخدم غرضهم

وهذا ما نجد ان المسيح ايضا يفعله في اماكن كثيرة وهو الذي يعطينا كل حكمة

لانه كثيرا ما يكرر نفس الحجج بعينها حول الموضوع ايا كان لكي ما يرشد ذهن سامعيه الي الفهم لكلماته بدقة

لذا اتوسل اليكم ان تنظروا ثانية الي مغزي الدروس الموضوعة امامنا لانه هكذا ستجدون ان كلماتنا صحيحة وهو يقول ” الامين في القليل ايضا في الكثير والظالم في القليل ايضا في الكثير”

لكن قبل ان استرسل اعتقد انه من المفيد ان نتامل في ما هي مناسبة مثل هذا الحديث ومن اي اصل نشا لان بهذا سيصير معني الكلام واضحا جدا

كان المسيح انذاك يعلم الاغنياء ان يشعروا ببهجة خاصة في اظهار الشفقة والعطف نحو الفقراء وفي مد يد العون لكل من هم في احتياج وهكذا يكنزون لهم كنوزا في السماء ويتفكرون مقدما في الغني المدخر لهم لانه قال : “اصنعوا لكم اصدقاء بمال الظلم حتي اذا فنيتم يقبلونكم في المظال الابدية” (لو ١٦ : ٩)

لكن اذ هو اله بالطبيعة فهو يعرف جيدا كسل الذهن البشري من جهة كل عمل جاد وصالح ولم يغب عن معرفته ان البشر في طمعهم في المال والثروة يسلمون ذهنهم لحب الربح واذ تتسلط عليهم هذه الشهوة فانهم يصيرون قساة القلوب ولا يبدون مشاركة وجدانية في الالم ولا يظهرون اي شفقة ايا كانت للفقراء رغم انهم قد كدسوا ثروات كثيرة في خزائنهم .

لذلك فاولئك الذين يتفكرون هكذا ليس لهم نصيب في هبات الله الروحية وهذا ما يظهره الرب بامثلة واضحة جدا اذ يقول :   ” الامين في القليل امين ايضا في الكثير والظالم في القليل ظالم ايضا في الكثير”

يا رب اشرح لنا المعني وافتح عين قلبنا . لذلك انصتوا اليه بينما هو يشرح بوضوح ودقة ما قاله : ” ان لم تكونوا امناء في مال الظلم فمن ياتمنكم علي الحق ؟ “(لو ١٦: ١١)

فالقليل اذا هو مال الظلم اي الثروة الدنيوية التي جمعت في الغالب بالابتزاز والطمع. اما من يعرفون كيف يعيشون بالتقوي ويعطشون الي الرجاء المكنوز لهم ويسحبون ذهنهم من الارضيات ويفكرون بالاحري في الامور التي فوق فانهم يزدرون تماما بالغني الارضي لانه لا يمنح شيئا سوي الملذات والفجور والشهوات الجسدانية الوضيعة و الابهة التي لا تنفع بل هي ابهة مؤقتة وباطلة وهكذا يعلمنا يوحنا الرسول قائلا : ” لان كل ما في العالم شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم المعيشة ” (١يو ٢ : ١٦)

لكن مثل هذه الاشياء هي لا شئ بالمرة لمن يحيون حياة رزينة وتقية لانها اشياء تافهة ومؤقتة ومملؤة بالنجاسة وتؤدي الي النار و الدينونة ونادرا ما تستمر الي نهاية حياة الجسد وحتي ان استمرت فانها تزول علي غير توقع عندما يحل اي خطر باولئك الذين يمتلكونها

لذلك يوبخ يعقوب الرسول الاغنياء بقوله : “هلم الان ايها الاغنياء ابكوا مولولين علي شقاوتكم القادمة غناكم قد تهرا وثيابكم قد اكلها العث ذهبكم وفضتكم قد صدئا وصداهما يكون شهادة عليكم ”

(يع ٥: ١ -٣)

فكيف صدا الذهب والفضة ؟ بكونهما مخزونين بكميات هائلة وهذا بعينة هو شهادة ضدهم امام منبر الدينونة الالهي لكونهم غير رحومين لانهم جمعوا في كنوزهم كميات كبيرة لا يحتاجون اليها ولم يعملوا اي اعتبار لمن كانوا في احتياج مع انه كان في استطاعتهم – لو هم رغبوا – ان يصنعوا خيرا بسهولة لكثيرين ولكنهم لم يكونوا امناء في القليل .

لكن باي طريقة يمكن للناس ان يصيروا امناء ؟

هذا ما علمنا اياه المخلص نفسه بعد ذلك ………

طلب احد الفريسيين منه ان ياكل خبزا عنده في يوم السبت وقبل المسيح دعوته ولما مضي الي هناك جلس لياكل وكان كثيرون اخرون ايضا مدعوين معه ولم يكن احد منهم تظهر عليه سمات الفقر بل علي العكس كانوا كلهم من الوجهاء وعلية القوم ومحبين للمجالس الاولي ومتعطشين للمجد الباطل كما لو كانوا متسربلين بكبرياء الغني . فماذا قال السيد المسيح لمن دعاه : “إِذَا صَنَعْتَ غَدَاءً أَوْ عَشَاءً فَلاَ تَدْعُ أَصْدِقَاءَكَ وَلاَ إِخْوَتَكَ وَلاَ أَقْرِبَاءَكَ وَلاَ الْجِيرَانَ الأَغْنِيَاءَ، لِئَلاَّ يَدْعُوكَ هُمْ أَيْضًا، فَتَكُونَ لَكَ مُكَافَاةٌ.

بَلْ إِذَا صَنَعْتَ ضِيَافَةً فَادْعُ: الْمَسَاكِينَ، الْجُدْعَ، الْعُرْجَ، الْعُمْيَ،

” (لو ١٤: ١٢ – ١٤) فَيَكُونَ لَكَ الطُّوبَى إِذْ لَيْسَ لَهُمْ حَتَّى يُكَافُوكَ، لأَنَّكَ تُكَافَى فِي قِيَامَةِ الأَبْرَار

هذا هو اذا ما اعتقد انه معني ان يكون الانسان امينا في القليل اي ان تكون له شفقة علي من هم في احتياج ويوزع مساعدة مما لديه لمن هم في ضيق شديد

لكن نحن بازدرائنا بالطريق المجيد والذي له مجازاة اكيدة فاننا نختار طريقا معيبا وبلا مكافاة وذلك بان نعامل باحتقار من هم في فقر مدقع بل ونرفض احيانا ان نسمح لكلماتهم ان تدخل اذاننا بينما نحن من ناحية اخري نقيم وليمة مكلفة وببذخ شديد اما لاصدقاء يعيشون في رغد او لمن اعتادوا ان يمدحوا او يداهنوا جاعلين كرمنا فرصه لاشباع حبنا للمديح

لكن هذا لم يكن هو قصد الله من سماحه لنا ان نمتلك ثروة

لذلك فان كنا غير امناء في القليل بعدم تكييف انفسنا وفقا لمشيئة الله وباعطاء افضل قسم من انفسنا لملذاتنا وافتخاراتنا فكيف يمكننا ان ننال منه ما هو حق ؟ ( او ما هو حقيقي ) وماذا يكون هذا الحق ؟ هو الانعام الفائض لتلك العطايا الالهية التي تزين نفس الانسان وتجعل فيها جمالا شبيها بالجمال الالهي .

هذا هو الغني الروحي وليس الغني الذي يسمن الجسد الممسك بالموت بل هو بالأحرى ذلك الغني الذي يخلص النفس ويجعلها جديرة بان يقتدي بها ومكرمة امام الله والذي يكسبها مدحا وامجاد حقيقية .

لذلك فمن واجبنا ان نكون امناء لله و انقياء القلب رحومين وشفوقين ابرارا وقديسين لان هذه الامور تطبع فينا ملامح صورة الله وتكملنا كورثة للحياة الابدية وهذا اذن هو ” الحق ”

وكون ان هذا هو مغزي ومقصد كلمات المخلص فهذا هو ما يمكن لاي شخص ان يعرفه بسهولة مما يلي لانه يقول ” ان لم تكونوا امناء فيما هو للغير  فمن يعطيكم ما هو لكم ؟ “.

وايضا نحن نقول ان ” ما هو للغير ” هو الغني الذي نمتلكه لاننا لم نولد اغنياء بل علي العكس فقد ولدنا عراة ويمكننا ان نؤكد هذا عن حق بكلمات الكتاب : “لاننا لم ندخل العالم بشئ وواضح اننا لا نقدر ان نخرج منه بشئ “(١تي ٦ : ٧) لان ايوب الصبور قد قال ايضا شيئا من هذا القبيل :” عريانا خرجت من بطن امي وعريانا اعود الي هناك “(اي ١ : ٢١) .

لذلك فلا يملك اي انسان بمقتضي الطبيعة ان يكون غنيا وان يحيا في غني وفير بل ان الغني هو شئ مضاف عليه من خارجه فهو مجرد امكانية ( اي يمكن ان يوجد او لا يوجد ) فلو باد الغني وضاع فهذا امر لا يخل بخصائص الطبيعة البشرية فانه ليس بسبب الغني نكون كائنات عاقلة وماهرين في كل عمل صالح بل ان هذه هي خاصية للطبيعة البشرية ان نتمكن من عمل هذه الاشياء

لذاك كما قلت فان ” ما هو للغير ” لا يدخل ضمن خصائص طبيعتنا بل علي العكس فمن الواضح ان الغني انما هو مضاف الينا من الخارج .

ولكن ماهو لنا وخاص بالطبيعة البشرية هو ان نكون مؤهلين لكل عمل صالح كما يكتب الطوباوي  بولس : ” قد خلقنا لاعمال صالحة قد سبق الله فاعدها لكي نسلك فيها ” (اف ٢ : ١٠)

لذلك فعندما يكون البعض غير امناء ” فيما هو للغير ” اي في تلك الاشياء التي هي مضافة اليهم من الخارج فكيف سينالون ما هو لهم ؟ كيف سيصيرون شركاء الخيرات التي يعطيها الله والتي تزين نفس الانسان وتطبع فيه جمالا الهيا يتشكل فيها روحيا بواسطة البر والقداسة وبتلك الاعمال المستقيمة التي تعمل في مخافة الله .

لذلك ليت من يمتلكون منا ثروة ارضية يفتحون قلوبهم لاولئك الذين هم في احتياج وعوز ولنظهر انفسنا امناء ومطيعين لوصية الله وتابعين لمشيئة ربنا في تلك الاشياء التي هي من خارج وليست هي لنا لكي ما ننال ما هو لنا الذي هو ذلك الجمال المقدس والعجيب الذي يشكله الله في نفوس الناس اذ يصوغهم علي مثاله بحسب ما كنا عليه في الاصل .

اما انه شئ مستحيل لشخص واحد بعينه ان يقسم ذاته بين متناقضات ويمكنه مع ذلك ان يحيا حياة بلا لوم فالرب يوضح هذا بقوله ” لا يقدر خادم ان يخدم سيدين لانه اما ان يبغض الواحد ويحب الاخر او يكرم الواحد ويحتقر الاخر ” (لو ١٦ : ١٣)

وهذا في الواقع مثال واضح وصريح ومناسب جدا لشرح الموضوع الذي امامنا لان الذي يترتب علي هذا هو خلاصة المناقشة كلها ” لانكم لا تقدرون ان تخدموا الله والمال ” وهو يقول : لانه لو كان لانسان ان يكون خادما لسيدين لهما مشيئتان مختلفتان ومتضادتان وفكر كل واحد منهما غير قابل للتصالح مع الاخر فكيف يمكنه ان يرضيهما كليهما ؟ لانه بسبب كونه منقسما في سعيه ان يعمل ما يوافق عليه كل منهما يكون هو في نفسه تعارض مع مشيئتيهما معا وهكذا فان نفس الشخص يلزمه حتما ان يظهر انه شرير وصالح ولذلك يقول الرب انه لو قرر انه ان يكون امينا للواحد فانه سيبغض الاخر وهكذا سيعتبره طبعا كلا شئ لذلك يستحيل ان نخدم الله والمال .

فمال الظلم الذي يقصد به الغني هو شئ يسلم للشهوانية وهو معرض لكل لوم ويولد الافتخار ومحبة اللذه ويجعل الناس غلاظ الرقبة واصدقاء للاشرار ومتكبرين نعم اية رذيلة دنيئة لا يسببها في اولئك الذين يمتلكونه ؟

لكن مسرة الله الصالحة تجعل الناس لطفاء هادئيين متواضعين في افكارهم طويلي الاناة رحومين ولهم صبر نموذخي غير محبين للربح غير راغبين في الغني وقانعين بالقوت والكسوة فقط ويهربون علي الاخص من محبة المال الذي هو اصل لكل الشرور (١تي ٦ : ١٠) ويباشرون بفرح الاتعاب لاجل التقوي ويهربون من محبة اللذة ويتحاشون باجتهاد كل شعور بالتعب والكلل في الاعمال الصالحه ودائما يقدرون السعي الي الحياة باستقامة وممارسة كل اعتدال باعتبار ان هذه الاشياء هي التي تربح لهم المكافاة .

هذا هو ” ما هو لنا ” وما “هو الحق ”  هذا هو ما سيصبغه الله علي من يحبون الفقر ويعرفون كيف يوزعون  – علي من هم في احتياج – ” ماهو للغير ” وياتي من الخارج اي غناهم الذي يعرف ايضا باسم المال .

فليته يكون بعيدا عن ذهن كل واحد منا ان نكون عبيدا له ( المال ) لكي بهذا يمكننا بحرية وبدون عائق ان نحني عنق ذهننا للمسيح مخلصنا كلنا الذي به ومعه لله الاب يحق التسبيح والسلطان مع الروح القدس الي ابد الابدين امين[5]

القديس يوحنا ذهبي الفم

الحث على الصدقه عند القديس يوحنا ذهبي الفم

فاتهام العذاري بالجهل لم يكن بسبب الزني او الغش ، أو الحسد ، أو الغيره ، أو السكر ، ولا حتي لعدم الايمان المستقيم اتهمن لنقص زيتهن ، اي  أنهن لم يقدمن الصدقه فهذا ما يعنيه الزيت . وايضاً الذين سيدانون في اليوم الأخير بسماعهم الصوت القائل : ” اذهبوا عني يا ملاعين الي النار الابديه” سوف يكون سبب إدانتهم هو أنهم لم يطعموا المسيح.

ألا تعلمون يا اخوتي أن إهمال الصدقه والرحمه سيؤدي إلي الحكم عليهم بجهنم؟

كيف تكونون ذوي فائده وأنتم لا تتصدقون ؟

هل تصومون كل الايام ؟ و

ماذا استفدن العذراي الجاهلات مما فعلن ؟

لا شيء يفيد دون الصدقه ، دون الصدقه كل شيء يكون غير نقي . يقول الوحي الإلهي : “من لا يحب فليس من الله ” (١يو ٣: ١٠). كيف تقول أنك تحب أخاك وانت لا تريد أن تقاسمه في أشياء خسيسه ؟ ربما تقول أنك تعيش بعفه وطهاره . ما هو السبب الذي يدفعك إلي ذلك ؟ هل خوفا من العقوبه ، أو بحكم مزاجك الطبيعي ؟ إذا كان الخوف من العقاب هو الذي يجبرك علي العفة ، وعلي مقاومه نيران الدعارة ، ألست بالأحرى أنت ملتزم بعمل الصدقة ؟ إن مشقه احتقار المال أخف من مشقه ضبط الشهوة لأن الأخيرة مولوده معنا ، ومغروسة بعمق في جسدنا ، فمحبتنا للمال لا تكون بهذا القدر أخيرا ليس هناك شيء يجعلنا مشابهين لله سوي الصدقة والرحمة ، فإذا فقدنا هما فقدنا كل شيء .

يسوع المسيح لا يقول لكم إذا صمتم إذا حفظتم علي بتوليتكم ، إذا صليتم تكونون مشابهين لله ، لأن الله لا يفعل ذلك بحكم طبيعته ، لكنه يقول : ” كونوا رحماء لأن أباكم أيضاً رحيم ” (لو ٦: ٣٦). هذا هو عمل الله ، التطهير من خطايانا . ولكن هنا توجد الأمور المضحكه ، لأن الله لا يبغض الانسان لعدم طهاره النفس ” طوبي لأنقياء القلب ” ( لتعلموا إنها نقاوه القلب وليس الجسد ) ” لانهم يعاينون الله ” (مت ٢: ٥، ،٨).

وماذا يقول المرنم ؟ قلبا نقيا أخلق فيا يا الله ” (مز ٥١). يقول أرميا النبي : اغسل من الشر قلبي ” (ار ٤: ١٤). من المفيد جدا أن ببكر بالاعتياد علي الأعمال الحسنه . أنها أمور تافهه هي تلك الاغتسالات ، ومع ذلك فذلك الانسان لا يجسر أن يتقدم أمام الله قبل أن يكون قد قدمها . فمثلاً نحن نغتسل ثم نصلي ، كما لو كان غير مسموح لنا أن نصلي قبل أن نغتسل  .

نحن لا نرفع طلباتنا امام الله إن لم نكن قد طهرنا قبلاً أيدينا ، ويخيل إلينا أننا نهين الله ونلوث ضميرنا إن لم نتم ذلك . ليتنا نتخذ نفس العاده في تقديم الصدقه بعزم ثابت بأن لا ندخل بأيادي فارغه إلي بيت الله ، ونسدد ما علينا بنفس الأمانه والسهوله ، لأن العاده لها قوتها سواء في الخير ، أم في الشر ، وإذا جذبتنا لا تكلفنا شيئاً.

كثيرون اتخذوا عاده رشم أنفسهم بالصليب بصفه مستمره ومن ذلك الحين لم يعودوا في حاجه لإنذارهم برشمه ، فهم يرشمونه بصفه طبيعيه . ودائما عندما يكونون في أماكن متفرقه ، نجد أن هذه العاده التي اتخذوها بمثابه المعلم المتحرك الذي ينذرهم ويقود أياديهم إلي هذه العلامه المقدسه .

آخرون تعودوا علي ألايحلفوا أبدا ، لا بإرا دتهم ، ولا بالقوه . لنعتاد نحن أيضا علي تقديم الصدقه ، فلن نجد فيها أيه مشقه

لماذا لا نعطي خيراتنا بسخاء ؟ إذا كان في الامراض المستعصيه يقال عن أشخاص كثيرين ، هذا الشخص مستعد أن يعطي كل ماله في سبيل إنقاذه من الموت ، فكيف لا يقرر ذلك وبأكثر سرعه لينقذ نفسه من شده المحاكمه العليا ؟

تعجبوا من محبه الله . هو لم يعطيكم الوسائل لانقاذكم من الموت العالمي ، بل هو يعمل علي إنقاذكم من موت أكثر رعبا منه ، هو الموت الأبدي ، علي أن الأمر يتوقف عليكم في ذلك

يقول : لا تعتقدوا بأنكم ستحصلون علي حياه قصيره وبائسه اعملوا لكي تحصلوا علي حياه سعيده لا تنتهي أبدا . فهذه هي التي أريد أن أبتاعها لكم وليست الأخرى . لا أريد أن أخدكم . أنا أخدعكم .

أنا أعلم بأنكم إذا حصلتم علي هذه الحياه القصيرة البائسة فكأنكم لم تحصلوا علي شيء ، لكني أعلم بقيمه تلك الحياه التي احتفظ بها لكم . أنا لا أشبه هؤلاء التجار  الذين لا يفكرون سوي في الغش والخداع ، ويبيعون بثمن غالي ما لا يساوي إلا القليل . أنا لست هكذا ، فأنا أعطي الكثير بثمن قليل

قل لي إذا دخلت عند بائع مجوهرات ووجدت عنده فصين ، واحد منهما عادي منتشر وثمنه ضئيل ، والثاني يحتاج لثروه  لتغطي ثمنه ، فأنت إذا دفعت ثمن الحجر الضئيل ، لكن البائع سلمك الحجر الثمين، فهل ارتكب بائع المجوهرات جريمه بكرمه هذا ؟ كلا ، بل علي العكس سوف تحبه . هكذا أنت تعامل من الله بنفس هذه المعامله ، يعرض عليك نوعان من الحياه ، واحده زمنيه والاخري لا نهايه لها . الله هو البائع ويروق له أن يعطينا الأخيرة وليست الأولي ، فلماذا نغضب كالأطفال الصغار وبدون تفكير لأننا أخذنا الثمينه والقيمه ولم نأخذ الزمنيه والرخيصه ؟

قد تقولون هل شراء الحياه الباقيه يكون بالمال ؟

ممكن إذا أعطينا من مالنا وليس من مال الآخرين

قد تقول لي أن مالي هو لي أنا

فإذا لم تفعلوه فماذا يبقي لكم ؟ ويقول ايضا : أريد رحمه لا ذبيحه ” (هو ٦: ١٦). الله صنع السماء والأرض ، والبحر ، هذا شيء عظيم جدا وجدير بحكمته ولكن لا شيء من كل هذا أثر في الإنسان قدر محبته اللانهائية وحنانه الغير مدرك . بالتأكيد أن خلق العالم من عمل الحكمة ، والقوه ، والصلاح ، لكن الأكثر من ذلك كله هو أن الله صار عبدا لأجلنا .

وهذا علي الأخص هو الشيء الذي يثير دهشتنا وإعجابنا . الانبياء لم يكفوا عن التحدث عن رحمه الله منذ البداية

وعندما اتكلم عن الرحمة لا اتكلم قط عن الصدقة بالمسروقات وما نحصل عليه بالسلب والنهب فلا توجد هنا رحمه قط

الزيت لا يخرج من جذور الشوك ، لا يخرج إلا من شجره الزيتون ، هكذا الصدقه لا يمكن أن تصدر من جذور البخل والظلم ولا بوسائل السلب أيا كانت . لا تقللوا من قيمه الرحمه ، لا تعرضوها للاحتقار . إذا اغتصبتم لعمل الرحمه ، تكون صدقتكم من اكثر الاعمال رداءه ، كل ما يأتي من السلب لا يدعي قط رحمه ، بل قسوه ، وعدم إنسانيه و بربريه لا تهين الانسان فقط بل الله نفسه . إذا  كان قايين قد أساء إلي الله لأنه قدم له أقل ما عنده ، فكيف لا يسيئه الذي يقدم له خير الأخرين .

التقدمة عن الذبيحة ، أنها وسيله للتطهير وليس للتلوث . أنتم لا تجسرون علي الصلاة بأيدي قذره، وتعتقدون بأنكم حينما تقدمون تقدمات من الخيرات التي سلبتموها ظلماً ، أن الله سيحتمل عدم نقاوة هذه التقدمات . أنتم لا تحتملون قذاره أيديكم وهما بلا جريمه ، وتحتملون قذاره أنفسكم المليئه بالجرائم .

ليكن اهتمامنا بأن تكون عطايانا من الأعمال النقيه الطاهره أكثر من أهتمامنا بتقديم عطايانا وصلواتنا بأيادي نظييفه

ما رايكم في مائده مسحت جيداً لتكون نظيفه تماما ، ثم توضع عليها أشياء قذره جدا ألا يكون الأمر غير لائق ويدعو للسخريه ؟ لنبادر بنظافه ايدينا ، ولكن ليست هي نظافه ناتجه عن غسلها بالماء ، فهذا لا يساوي شيئاً كثيراً ، لتكن لنا الطهاره التي يعطيها الصلاح وحده ، و التي هي بالحق نقاوه . لو كانت أياديكم ملآنه بالظلم ، اغسلوها ألف مره إذا أردتم ولن تستفيدوا شيئاً . يقول أشعياء النبي ” اغتسلوا تنقوا ” (اش ١: ٦)، اذهبوا إلي الحمامات ، إلي الأنهار ، كل هذا لا شيء لكن انزعوا الخبث من نفوسكم فهنا الطهاره ، التطهر من التلوث ، النظافه التي يطلبها الله . النظافه الخارجيه تفيد قليلاً، لكن النظافه الداخليه تساعدنا علي العبور إلي الله ، وتملأنا من الثقه المقدسه. الطهاره الخارجيه يمكن أن تجدها عند الزناه ، اللصوص ، القتلة ، الوقحاء ، كل هؤلاء يعتنون بإفرات بنظافه الجسد الذي يعبدونه عباده الأوثان ، يتعطرون بالروائح الجذابة ، يهتمون بنظافة جسدهم الذي ما هو إلا قبر ، طالما يحوي نفسا ميته ، يملكون الطهارة الخارجية ولا يستطيعون احتواء الطهاره الداخليه .

ماذا أخذتم من أمور عظيمه بتنظيفكم   لأجسادكم ؟ طالما الطهارة الداخلية تنقصكم ، فتلك الطهارة اليهودية الزائدة لا تجديكم شيئاً. كرجل تحلل جسمه وامتلأ بالقروح ، فغسله لجسده لا طائل تحته فإذا كانت المياه لا تفيد بشيء ظاهري في جسد فاسد ومليء بالعفن ، فهل تفيد في غسل النفس المليئة بالفساد ؟

يلزمنا صلوات طاهره ، فطالما النفس التي تنبع منها الصلوات ملوثه ، فلا يمكن للصلوات أن تكون طاهره . لا شيء يدنس النفس قدر البخل والسلب . ومع ذلك فالكثير من الناس بعد أن يرتكبوا أثناء النهار جرائم لا نهايه لها ، يغتسلون في المساء ، ويدخلون بجرأه إلي الكنيسه، ويرفعون أيديهم للصلاه ، كما لو كانت هذه المياه ستمحو التلوثات . ياللأسف ! لو كان هذا سليماً  والحمامات التي تترددون عليها يومياً قد أتت بفوائد كثيره لكم ، لكنت أنا نفسي قد تواجدت فيها بصفه مستمره ، إذا كانت فائده

لتعلم أن ما تسرقه هو ليس لك ، حتي لو قلت مائه مره أنك سيد له فهو ليس ملكك . إذا وضعت وديعه بين يديك لحفظها في فتره غياب صاحبها ، هل لأجل هذا تقول إنك تملكها ؟

إذا شجعت صديقك علي حفظ شيء يملكه هو ،بصفه وديعه عندك أثناء غيابه ، فهل تجرؤ علي القول أنها ملكك في فتره وجودها في منزلك ؟

فعلي الأقل لا تقدر أن تقول هذا عن مال اغتصبته من الآخرين رغماً عنهم وبعنف ، إنه يخصهم مهما قلت أو فعلت . ليس لنا شيء هنا نملكه حقيقه سوي الفضيله . أما عن المال فحتي مالنا لا يخصنا ، هو لنا اليوم ، وغدا ليس لنا . اما الفضيله ، هي علي العكس فهي ملكنا ولا تضيع مثل المال ، بل ستبقي كامله لمن يمتلكها . ونحتقر الثراء ، حتي نتمكن من الوصول إلي الخيرات الحقيقه التي يعطينا الله أن نكون أهلا لها بنعمه ورافه ربنا والهنا ومخلصنا المسيح الذي له المجد إلي الابد . آمين.

كتاب تفسير رسالة بولس الرسول الثانية إلي تيموثيئوس – الموعظة السادسة – عربتها عن الفرنسية الأستاذة سعاد سوريال

عظة أخري للقديس يوحنا ذهبي الفم

المظال الأبدية :

لأنه من حيث أن الرسول بولس ، لم ينل بعد إكليله ، ولا أي أحد آخر من أولئك الذين أرضوا الله بأعمالهم الصالحة منذ البداية ، ولن يأخذه أحد ، حتى يصل جميع العتيدين أن ينالوا هذا الإكليل ، اسمع ماذا قال الرسول بولس نفسه ، يقول : ” قد جاهدت الجهاد الحسن ، أكملت السعي   حفظت الإيمان ، وأخيراً قد وضع لي إكليل البر ، الذى يهبه لي في ذلك اليوم ، الرب الديان العادل ، وليس لي فقط ، بل لجميع الذين يحبون ظهوره أيضاً ” . وفى موضع آخر أيضاً ، يثبت بأن خيرات الدهر الآتي ستعطى لكل من أرضى الله بشكل مشترك ، إذ يقول : ” إذ هو عادل عند الله أن الذين يضايقونكم يجازيهم ضيقاً ، وإياكم الذين تتضايقون راحة معنا ، عند استعلان الرب يسوع من السماء مع ملائكة قوته ” .

وأيضاً : ” إننا نحن الأحياء الباقين إلى مجيء الرب ، لا نسبق الراقدين ” . هكذا يعلن الرسول بولس من خلال كل هذا ، كيف أنه ينبغي للجميع معاً أن يتمتعوا بالكرامة السمائية. هذا ومن ناحية آخرى ، يفرح أولئك الذين سبقوا ورحلوا إلى الحياة الأبدية ، طالما أنهم يستمتعوا بهذه الخيرات التي لا يعبر عنها مع أخصائهم . لأنه عندما يشارك الأب الجسدي في مائدة عامرة بالأطعمة الفاخرة ، سيكون أكثر فرحاً ، عندما يشاركونه أبناؤه التمتع بهذه المائدة .

هكذا الرسول بولس ، وكل الذين تمثلوا به ، سيشعرون بالفرح أكثر ، عندما يتمتعون بخيرات الدهر الآتي مع أعضاء الجسد الواحد. لأن الآباء لا يظهرون حنو تجاه أبناءهم ، بقدر الاهتمام الذى يبدونه الذين رحلوا لمن حققوا نفس الإنجازات معهم . إذاً لكى نصير نحن أيضاً بين صفوف الذين سيتمجدون لنحرص على أن نصل إلى مستوى أولئك القديسين . وكيف نصل إليهم ؟ ومن سيرينا الطريق الذى سيقود إلى هناك (الحياة الأبدية  ) ؟ الرب نفسه ، الذى يعلمنا ليس فقط ، كيف سنحلق بهم ، بل أيضاً كيف سنصبح مرافقين لهم في سكناهم ” اصنعوا لكم أصدقاء بمال الظلمة ، حتى إذا فنيتم يقبلونكم في المظال الأبدية ” . وحسناً قال المظال الأبدية لأنه حتى وإن كان لديك بيتاً فاخراً وباهراً ، إلا أنه لا يزول مع مرور الزمن .

بل ويمكن حتى قبل أن يزول بفعل الزمن ، أن ينهى الموت حياتك ، ويخرجك خارج هذا البيت المشرق . ومن ناحية أخرى في مرات عديدة ، حتى قبل أن يداهمك الموت ، فإن ظروف صعبغفى الحياة ، مثل حملات النميمة والوشاية ، والإتهام بالباطل ، يلقى بك خارج هذا البيت الفاخر . أما في الحياة الأبدية فلا شيء من كل هذا ، يمكن أن يخيف المرء ، لا فساد الطبيعة ، ولا موت ولا الكوارث ، ولا شرور النمامين ، ولا أي شيء آخر مشابه لذلك ، لأن السكن ثابت ، والسكنى خالدة. لذلك دعاها ” بالمظال الأبدية ” . يقول : ” إصنعوا لكم أصدقاء بمال الظلم ” . وانتبهوا إلى المحبة الفائقة والرأفة التي للرب نحو البشر ، لأنه لم يضع هذه الإضافة ( مال الظلم ) ، هكذا مصادفة ، لأن أغنياء كثيرون قد جمعوا أموالهم بالسرقة ، والطمع .

يقول : لقد صنعت بذلك شراً ، وما كان ينبغي أن تلجأ إلى هذه الطريقة ، لكن بعدما تكون قد جمعتها توقف عن السرقة ، والطمع ، واستخدم مالك كما ينبغي. أنا لا أقول لك أن تسرق ، حتى تصنع إحساناً للغير ، بل لتترك الطمع ، وتدير ثروتك بما يتفق مع عمل الخير ، والبر بالفقراء . لكن حتى وإن وضع الغنى أموالاً لا حصر لها في أيدى فارغة أي في أيدى المحتاجين ، بينما هو لا يزال يسرق ، فإن الله يعتبر مثل هذا الإنسان ، شبيه بمن يمارس الإجرام .

لذلك يجب أولاً أن يترك الطمع ، وبعد ذلك يحسن إلى الفقراء . لأن قوة الإحسان وفعل الخير ، هي عظيمة جداً ، وقد حدثتكم عنها في اجتماعنا السابق ، والآن سأكلمكم عنها مرة أخرى .

لكن لا يجب أن يتصور أحد ، أن هذه التذكرة المستمرة تشكل اتهاما للسامعين . إذ أن المشاهدين في المنافسات الرياضية ، يقومون بتشجيع العدائين الذين يرونهم يقتربون أكثر من الحصول على الجائزة ، ولديهم رجاء كبير بالفوز النهائي . ولأنني أراكم دوماً تريدون أن تستمعوا لكلام عن عمل الخير والإحسان برغبة متميزة ، لذلك فأنا بإستمرار ، أحثكم على ذلك .

المرجع : كتاب الحقيقة والظلال للقديس يوحنا ذهبي الفم – ترجمة دكتور سعيد حكيم يعقوب

القديس كبريانوس

أيها الإخوة الأحباء، نحن نقدم هذه الآيات لكي نزكي شهادة الحق التي قالها الملاك رافائيل. ففي سفر أعمال الرسل قد ثبت صدق كل ذلك، وعرفنا أنه بالصدقة تتحرر النفوس، ليس الموت الثاني، بل من الموت الأول.

بدليل ما تم وحدث بالفعل، فعندما أصاب المرض طابيثا- التي أوقفت حياتها على الأعمال الصالحة والصدقة- ثم ماتت، استدعى بطرس الرسول وكان جسدها بلا حياة، وقفت حوله الأرامل باكيات ومتوسلات وهن يرينه الأقمصة والثياب التي صنعتها لهن في حياتها، وهكذا تضرعن من أجلها، لا بكلامهن بل بأعمالها هي. فشعر بطرس الرسول أن ما يطلب بهذه الطريقة يمكن الحصول عليه، وأن المسيح لن يتخلى عن هؤلاء الأرامل اللاتي كن يطلبن، إذ كان الرب ذاته قد اكتسى بملابس صنعتها له الأرامل.

وهكذا عندما جثا بطرس الرسول على ركبتيه وصلى، وكشفيع عن هؤلاء الأرامل والفقراء قدم التضرعات التي حملوه إياها أمام الرب، التفت إلى الجسد الموضوع على الفراش وقال: «يا طابيثا قومي! باسم يسوع المسيح» (أع ٩: ٤٠). فلم يتأخر الرب عن معونة بطرس وهو الذي قال في إنجيله مها طلبتم شيء باسمى يعطى لكم. وهكذا طرد الموت،

وعادت الروح إلى طابيثا، ووسط تعجب الجميع، ودهشتهم قام الجسد ودبت فيه الحياة من جديد. كم هي قوة استحقاقات الرحمة، وكم أفادت جدا الأعمال الصالحة!

فتلك التي قدمت المعونة للأرامل التي أحنى عليهن الدهر، استحقت أن تعود ثانية للحياة من . خلال توسلات هؤلاء الأرامل.

٧- لذلك نرى في إنجيل الرب معلم حياتنا ومرشدنا إلى الخلاص الأبدي، الذي وهب الحياة للمؤمنين وقدم لهم كل شيء أن أحياهم، لم يطلب أي شيء مرات كثيرة مثلما كان يطلب أن تداوم في إعطاء الصدقة وألا نتمسك بالمقتنيات الأرضية بل بالأولى أن نكنـز لنا كنوزا في السماء إذ يقول: «بيعوا أمتعتكم وأعطوا صدقة» (لو ۳۳:۱۲). وأيضا: «لا تكنـزوا لكم كنوزا على الأرض حيث يفسد السوس والصدأ، وحيث ينقب السارقون ويسرقون. بل اكنـزوا لكم كنوزا في السماء…..حيث لا ينقب سارقون ولا يسرقون، لأنه حيث يكون كنـزك هناك يكون قلبك أيضا» (مت٦: ١٩- ٢١).

وعندما أراد أن يعلم الرجل الغنى الذي حفظ الناموس كيف يكون كاملاً قال له: «إن أردت أن تكون كاملاً فاذهب ربع أملاكك وأعط الفقراء، فيكون لك كنـز في السماء، وتعال اتبعني» (مت ۲۱:۱۹). وفي موضع آخر يقول رب المجد أن أي تاجر للنعمة الإلهية، يريد أن يقتني الخلاص الأبدي عليه أن يبيع كل ممتلكاته لكي يشتري اللؤلؤة الكثيرة الثمن التي هي الحياة الأبدية، التي ثمنها دم المسيح إذ يقول: «أيضا يشبه ملكوت السماوات إنسانا تاجرا يطلب لآلى حسنة، فلما وجد لؤلؤة واحدة كثيرة الثمن، مضى وباع كل ما كان له واشتراها» (مت١٣: ٤٥، ٤٦).

يدعوهم

٨- وأخيرا هؤلاء الذين يراهم مهتمين بمساعدة الفقراء أبناء إبراهيم. فعندما قال زكا: «ها أنا يارب أعطى نصف أموالي للمساكين، وإن كنت قد وشيت بأحد أرد أربعة أضعاف» فقال له يسوع: «اليوم حصل خلاص لهذا البيت، إذ هو أيضا ابن إبراهيم» (لو ١٩: ٨ ،٩). فإن كان «إبراهيم قد آمن بالله، وإيمانه هذا حسب له برا» إذا بالتأكيد كل من يتبع تعليم الله ويعطي صدقة يؤمن ايضاً بالله، من له صدق الإيمان يحفظ مخافة الله، وكل من يحفظ مخافة الله في إظهار الرحمة للفقير، وهو يفعل ذلك لأنه يؤمن ويعرف أن الكتاب المقدس لا يمكن أن يكذب، وأن الشجرة غير المثمرة، أي هؤلاء الذين لا ثمر لهم، يقطعون ويلقون في النار، وأما الرحماء فيدعون إلى الملكوت. أيضا رالله، ومن الله، يراعى وفي موضع آخر يدعو الذين يعملون أعمالاً صالحة «مؤمنين»، وعن هؤلاء الذين بلا ثمر أنهم بلا إيمان «فإن لم تكونوا أمناء في مال الظلم، فمن يأتمنكم على الحق؟ وإن لم تكونوا أمناء في ما هو للغير، فمن يعطيكم ما هو لكم؟» (لو ۱۱:١٦و۱۲).

٦- أما تلك المخاوف التي تنتاب البعض من أن يفتقر لو أعطى صدقة بسخاء، فكونوا مطمئنين ولا تنزعجوا من جهة هذا الأمر ، فإن ما ينفق لأجل المسيح، ولأجل تتميم عمل السماء لا يمكن أن يفرغ أبدا، إن هذا الوعد ليس من عندي، بل هو من الله (الأسفار المقدسة). فالروح القدس تكلم على فم سليمان قائلاً: «من يعطى الفقير لا يحتاج، ولمن يحجب عنه عينيه لعنات كثيرة» (أم٢٧:٢٨). موضحا أن الرحماء وفاعلى الخير لن يمكن أبدا أن يكونوا في عوز، لكن على العكس، البخلاء والخائفون على ما لديهم، سوف يجدون أنفسهم فيما بعد في فقر واحتياج.

هكذا يقول الطوباوي بولس الممتلئ نعمة: «والذي يقدم بذارا للزارع وخبزا للأكل، سيقدم ويكثر بذار كم وينمي غلات بركم. مستغنين في كل شيء» (۲کو ٩:١٠، ١١). وأيضا: «لأن افتعال هذه الخدمة ليس يسد إعواز القديسين فقط، بل يزيد بشكر كثير الله» (۲کو ۱۲:۹)، وذلك لأن الفقير يشكر الله كثيرا لأجل عطايانا وأعمالنا الصالحة، فيزداد الغنى لفاعلى الخير كمكافأة لهم من عند الرب، والإنجيل إذ ينظر إلى قلوب هؤلاء الناس يشجب قليلي الإيمان وغير المؤمنين ويقول: «فلا تهتموا قائلين: ماذا نأكل؟ أو ماذا نشرب؟ أو ماذا نلبس فإن هذه كلها تطلبها الأمم. لأن أباكم السماوي يعلم أنكم تحتاجون إلى هذه كلها. لكن اطلبوا أولاً ملكوت الله وبره، وهذه كلها تزاد لكم» (مت٦: ٣١-٣٣).

فكل شيء سوف يعطى ويزاد لمن يطلبون ملكوت الله وبره، فعند مجيء يوم الدينونة، سيتقدم هؤلاء الذين تعبوا في كنيسته وصنعوا أعمالاً صالحة لنوال الملكوت.

١٠- ليتك لا تخشى أن تخسر ميراثك الأرضي لو بدأت تتصدق منه بسخاء، ألا تعلم أيها الإنسان البائس أنك بينما تخشى أن تفقد ثروتك، تخرب حياتك ذاتها وخلاصك. وبينما أنت قلق من أن تتقلص ممتلكاتك، لا تنتبه إلى أنك أنت ذاتك الذي تحب المال أكثر من نفسك، وأنك ضحيت بنفسك لأجل المال، لذلك حسنا يعلن الرسول ويقول: «لأننا لم ندخل العالم بشيء، وواضح أننا لا نقدر أن نخرج منه بشيء: فإن كان لنا قوت وكسوة، فلنكتف بهما. وأما الذين يريدون أن يكونوا أغنياء، فيسقطون في تجربة وفخ وشهوات كثيرة غبية ومضرة، تغرق الناس في العطب والهلاك.

لأن محبة المال أصل لكل الشرور، الذي إذ ابتغاه قوم ضلوا عن الإيمان، وطعنوا أنفسهم بأوجاع كثيرة» (١تى ٦: ٧-١٠).

۱۱- هل تخشى أن تفرغ ثروتك متى بدأت تتصدق بسخاء؟ متى حدث أن احتاج إنسان بار لمعيشته؟ أليس مكتوب: «الرب لا يُجيع نفس الصديق» (أم ١٠: ٣)؟ فإيليا كانت الغربان تطعمه في البرية، ودانيال عندما ألقى في جب الأسود بأمر الملك أعدت له وجبة من السماء (انظر تتمة دا ١٣:١٤-۳۸). وبينما أنت تفعل الصلاح، وتستحق الخير من الرب، تخشى لئلا يعوزك الطعام! إن الرب يشهد في الإنجيل ويوبخ أصحاب الأذهان المتشككة وقليلي الإيمان ويقول: «انظروا إلى طيور السماء: إنها لا تزرع ولا تحصد ولا تجمع إلى مخازن، وأبوكم السماوي يقوتها. ألستم أنتم بالحري أفضل منها؟» (مت ٦ :٢٦).

إن الله يطعم الطيور والعصافير التي لا تدرك تلك الأمور الإلهية، بل وحتى الخليقة التي لا مشاعر لها، فالمأكل أو الشراب لا ينقصها أبدا، هل تعتقد أنك- وأنت مسيحى وخادم لله ومكرس في عمل الخير وعزيز جدا عند الله – أنك سوف تكون في عوز؟

۱۲- هل يمكن أن يفكر الإنسان هكذا، أن يظن من يعطي طعاماً للمسيح ،أن المسيح لن يطعمه؟ وإن أولئك الذين أعطوا أمورا سمائية وإلهية أنهم سوف يعتازون إلى الأشياء الأرضية!! من أين يأتي هذا الفكر الخالي من الإيمان؟ من أين يأتي هذا الفكر الدنس؟ ما الذي يفعله مثل هذا القلب الجاحد، في بيت الإيمان؟ وكيف يدعى مسيحيا من لا يؤمن بالمسيح على الإطلاق؟ إن لقب «فريسي» يليق به بالأكثر !

فالرب حينما تحدث في الإنجيل عن الصدقة سبق وعلمنا لأجل خلاصنا بأنه يجب علينا أن نصنع لأنفسنا أصدقاء بمال الظلم حتى نُقبل في المظال الإبدية، أضاف الكتاب بعد ذلك: «وكان الفريسيون أيضا يسمعون هذا كله وهم محبون للمال فاستهزأوا به» (لو١٤:١٦).

فنحن نرى الآن مثل هؤلاء في الكنيسة. هؤلاء الذين أغلقوا آذانهم وأعموا قلوبهم، فلم يصغوا إلى التحذيرات الروحية المخلصة، لذا يجب علينا ألا نتعجب إن كانوا يزدروا بالخادم حينما يتكلم عن هذه الأمور، فأمثال هؤلاء قد استهزأوا بالرب ذاته[6].

عظات آباء وخدَّام معاصرين

قداسة البابا تواضروس الثاني

(لو ١٦: ١ – ٩) ما الذى أسمعه عنك ؟

السؤال الذي يقوله السيد والمرمـوز لـه باللـه فـي هـذا المثـل هـو : ” مـا الـذي أسمعه عنك ؟ أعط حساب وكالتك “، وهذا السؤال من الأسئلة الحياتية لشخص الإنسان فـي حياتـه عـلـى الأرض ، وكأن السيد المسيح يسأله لـك فـي كـل حـين ، ويعتبر هذا السؤال وقفة لكي ما يعيد الإنسان النظر في نفسه ويصلح من ذاته .

القصة باختصار في هذا المثل أنه يوجد سيد له وكيل ، وهذا الوكيل هو الذي يقوم بأعماله ، والمفترض فـي الوكيل ان تكون أمانته مئة في المئة ، فالأمانة لا تتجزأ .

هذا الوكيل وصلت أخبار عنه أنه لا يقوم بمسئوليته جيداً ، وكانت النتيجة أن دعاه سيده وطلب منه إنهاء هذه الوكالة ، فبدأ الوكيل يفكر ماذا يفعل بعد أن يترك الوكالـة ولـيـس لـه أي مكـان يعمـل فيـه  بعـد ذلـك ؟! وبـدأ يخطط للمستقبل ، فقـام ودعـا مـديوني سيده وأخـذ يخفـض فـي صك المديونية ، فمـن عليـه مـئـة بـث زيـت يكتبـه خمسين ، ومـن عليـه مـئـة كر قمح يكتبه ثمانين ، لقد فكـر فـي عمـل ذلك بحيث أن هؤلاء المديونين يقبلون بعدما يطرد من الوكالة .

* معنى الوكيل :

الوكيل هو شخص يؤتمن على جزء مـن ثـروة سيده أو ما يملكه سيده ، والمفترض أن يتحلى بالأمانة المطلقة فهو لا يملك لكنه يدير ، ويعرف تماماً مـن أيـن تأتي الثروة ، ولا بد أن يعرف أنه ذات يوم سوف يقدم حساباً عن هذا الوكالة . بهذه الصورة تصير الوكالة مسئولية ، فالشخص الوكيل في أي عمل سوف يقف أمام الله ويسأل ماذا فعلت ؟

وكل البشر الذين خلقهم الله على وجه الأرض أعطى الله لكل واحد فيهم شكل من أشكال الوكالة ، فمن هذه الوكالة تكون المسئولية ، وعن الوكالة تصير الأمانة هي المقياس لحياة البشر.

* صور الوكالة :

١ – في نطاق الأسرة : قد يكون الزوج هو الوكيـل عـن أسرته وهو المسئول عنها ، وبالمثل تكون الزوجة لها مسئولية ودور فـي أسـرتها ، وسوف يسأل عنها الإنسان أمام الله ، ولذلك فـي تـكـويـن الأسـرة أو فـي اختيـار شـريك الحياة لا يجـب أن تكـون هـذه المسئولية خاضعة للعواطف فقط ؛ لأنه سيأتي يوم من الأيام سوف تقف فيه أمام الله وتسأل عن هذا الاختيار .

٢ـ في نطاق الدراسة : الطالب أو الطالبة وكيل على ما يدرسه ، فالدراسة تُوضع فـي إطارنظامي حتى أنهم يقولون ” سنة دراسية أو سنة جامعية “، والطالب وكيل عن هذه الدراسة ومسئول عنها ، ويأتي يوم الامتحان ويتقدم فيه الطالب ويسأل عما تم دراسته طوال العام .

٣ – في نطاق التربية : الأب والأم في البيت لهما وكالة عن أبنائهم ، فعن مسئولية التربية يقول أحد النساك : ” إن إكليل تربية إنسان يساوي إكليل نسك راهب “، فإذا أهمل الأب أوالأم في أية صورة من صور التربية تكون وكالته غير أمينة وبالتالي يسأل أمام الله . في بعض الدول المتقدمة عندما يوجد الأب أو الأم في حالة استهتار من ناحية تربية أولادهم يتم سحب هذه المسئولية منهم ثم تتولى الدولة تربيتهم ورعايتهم فـي بيـوت خاصة بذلك .

٤- في نطاق الخدمة : نجد الشماس والكاهن والأسقف في الكنيسة هو وكيل عن خدمته ، فالشماس مسئول عن شماسيته وهذه مسئولية شخصية ، أما الأب الكاهن وكذلك الأسقف مسئول عن رعايته لأبنائه ومسئول عن كنيسته وعن إيبارشيته وعن خدمته . هذه الوكالة منحها الله للإنسان ويعطي معها إمكانية هذا العمل ، ولكن سيأتي اليـوم الـذي يقـف فـيـه الإنسان ويسمع هذا السؤال : ” مـا هـذا الـذي أسمعـه عنـك ؟ اعطنى حساب وكالتى ” .

٥- في نطاق الاقتصاد : ينطبق هذا الكلام على التجار والعمال والصناع وعلى كل من هم في دوائر العمل ، وتوجد نوعيات من الوكالة ذات نطاق أوسع وأشمل مما سبق ذكره.

* أنماط الوكالة المتعددة :

+ الإنسان وكيل عن وقته ومسئول عن العمر الذي أعطاه له الله ، فكل إنسان فـي كـل صباح يأخذ ٢٤ ساعة جديدة سواء كنت خادماً أو خادمة أو كنت تخـدم فـي دائـرة الكنيسة بأي شكل من أشكال الخدمة أو في التكريس أو في أي عمل ، كيف تستغل وقتك ؟ الوقـت عطيـة لا تعـوض وإن مـرت دقيقـة لا يمكن إعادتهـا مـرة أخـرى ، ولذلك الإنسان الوكيـل عـلـى وقـتـه أو المسئول عـن وقـتـه أو الأمين عـن وقـتـه ، لا بد أن يكـون فـي منتهى التدقيق ومنتهى الالتزام ، فمن علامات تقدم الشعوب الالتزام بالوقـت، اللـه يعطيـك الوقـت ويجعلـك وكيلا عليـه ويعطيك العمر ويجعلك وكيلا عليه .

+ كذلك كل إنسان مسئول عن صحته ، فالصحة عطية سامية ، ولذلك نجد كثير من الدول تبذل جهداً كبيراً وأموالا كثيرة كي تكافح عادات رديئة مثل الإدمان ؛ لأن الإدمان يجعل الإنسان غير أمين على صحته ، وعندما يتعلم الإنسان عادة من العادات الرديئة ويمارسها ، فقـد صـار غير أمين ويستحق أن يسمع السـؤال : ” مـا هـذا الـذي أسمعه عنك ؟ أعطني حساب وكالتك “. ويصبح هذا الإنسان غير فعال في المجتمع ، فالصحة تحتاج لمن يصونها ويحفظها .

كذلك الإنسان وكيل على حواسه ، فأنت وكيل عما تراه وعما تسمعه ، لذلك خلق الله لعيني الإنسان جفون يغلقهما كي لا يرى ما لا يريد رؤيته . كذلك الأذن فقد يمكن أن أسمع شيئا ما لكنه لا يستقر في أعماقي ، لذلك خلق الله الأذنين أمام بعضهما ، فعندما أسمع الشيء يقـوم العقـل بتحليلـه فـإذا كانت مفيدة يختزنها ، أما إذا كانت غير مفيدة فتخرج وتنتهي ، أذنك وسمعك وكالة .

+ أيضاً أنـت وكيـل ومسئول عن فكرك وعقلك ، هل تشبع عقلك بما يفيد ، أحياناً نقول : ” فلان عقله فارغ “، وهناك من هو عقله شبعان ومثقف وقـارئ وعارف ومحاور …

هل تحفظ نقاوة عقلك ؟ هل فكرك معتدل ؟ هل تستفيد من تجارب الآخرين ، ومـن تجارب الشعوب ؟ هل أنت صاحب الفكر الواسع؟ + هناك أيضاً وكالة عن المال ، وهي بيت القصيد فـي هـذا المثل ، وأريدك أن تعرف أن الكتاب المقدس فيه أكثر من ألفين آية تتكلم عن موضوعات مرتبطة بالمال ، وقد اهتم السيد المسيح بهذا الموضوع لأنـه قـد يسقط كثيرين ، فلا يستطيع أحد أن يعبـد سيدين إما الله أو المال ، وصارت دائرة المال تتحكم في حياة الإنسان بكل شكل ممكن .

+ هناك أيضا مسئولية وكالة عن الوطن ، عندما يعيش الإنسان في وطنه يكون مسئولا عنه ، ومن هنا يظهـر حـق المواطن فـي الشعوب وفـي إدارة الدول ، فقد ظهـر مـا يسمى بحق المواطنة ، وصار المواطن في دولة ما له حقوق وعليه واجبات ، لذلك عندما تحدث جرائم خيانة الوطن فهي تستوجب أشد العقوبات ، لأن الشخص المجرم لم يكن أمينا على وطنه .

+ هناك وكالة عن البيئة التي نعيشها والطبيعة التي أوجدها الله ، فلا بد من المحافظة عليها ، فعلى سبيل المثال في مصرنا نتباهى بنهر النيل وبعظمة تاريخه ، ولذلك نحن المصريين نحب أن نعيش حول النيل ، فالنيل شريان الحياة وتكون المأساة عندما يسقط الإنسان في هذه الأمانة ويلوث النهر الذي نرتوي منه وهو سبب الحياة على الأرض ، فهل أنت أيها الإنسان أمين على هذه العطية ” البيئة “، وما نقوله على البيئة يقال على الطبيعة وثرواتها بصفة عامة .

عندما دخل العالم في الثورة الصناعية وبدأ يشيد مصانع كثيرة كانت سبباً في تلوث الهواء وكانت الغازات المحملة بثاني أكسيد الكربون سبباً في التأثير على الغلاف الجوي الذي ترتب عليه ” ثقب الأوزون ” وبدأ يؤثر على حرارة الجو مما ترتب عليه ضعف النباتات والمزروعات .

+ أيضا الإنسان مسئول ووكيـل عـن جمال الطبيعة التي نقول عنها أحياناً ” البيئة النظيفة “، فجمال الطبيعة يعني أنك مسئول عن جمال الشارع وجمال البيت وجمال الكنيسة ، الخليقة الجميلة التي أوجدها الله ، فيجب أن تدرب عينيـك علـى ذلك فأنـت مسئول عنها، يقولون : ” الله خلق الريف ، والإنسـان صـنع المدينة “، اللـه خـلـق الريف بجمالـه حيـث تشعر بالراحة الداخلية وتشعر بالأمان وتنطلـق أفكـارك ، أما البيئة المزدحمة والممتلئة بالضوضاء والتلوث ستشعر وكأنك في سجن كبير مقيد ، فأنت مسئول عن ذلك ، ومن الأمور الجميلة أنه في بعض المدن سـواء خارج مصر أو داخلها نجـدهم يزينون الشرفات بالزرع ليحسـن مـن جمـال الصورة التي يراهـا مـن يعيش أمامه ، أنت وكيل ومسئول .

+ كذلك الأم مسئولة ووكيلة عن البيت فهي باستطاعتها أن تجعل هذا البيت جنة ، كما تكون تربيتها لأبنائها تربية حسنة.

الحديث عن وكالة الإنسان لهو أمر واسع جدا ، ولذلك أعود للسؤال : ما هذا الذي اسمعه عنك ؟

وكيل الظلم

+ خطـايـاه :

۱- مبذر لأموال سيده :

من المفترض أن الوكيل يتحلى بصفة الأمانة ، ولكن نجد أن وكيل هذا المثل مبذر لأموال سيده ، قد يكون الشخص مبذر في المال أو في أي شيء آخر مثل الطاقة أو المياه .

۲- تواطئ مع مديوني سيده :

لقد تواطئ وكيل الظلم مع المزارعين العاملين فـي كـرم سيده ” فدعا كل واحد من مديوني سيده وقال للأول : كم عليك لسيدي ؟ فقال : مئة بث زيت. فقال له : خذ صكك واجلس عاجلاً واكتب خمسين . ثم قال لآخر: وأنـت كـم عليـك ؟ فقال : مئة كر قمح. فقال له : خذ صكك واكثب ثمانين ” (لو ١٦ : ٥ ـ ٧) وهذا يتنافى مع الأمانة ،

٣- خطية التزوير :

لقد وقع في خطية التزوير، فقد بدل المئة إلى خمسين فـي ورق مـا ، وفـي ورق آخـر بدل المئة لثمانين ، وهذه مجرد أمثلة ، هذا الإنسان الوكيـل كـان إنساناً ظالماً مزوراً مبذراً ، وتنطبق عليه عبارة : ” محبة المال أصل لكل الشرور ” (١ تي ٦ : ١٠).

+ لماذا مدحه سيده ؟

ما يثير دهشـتـنـا هـو أن السيد مدحـه وأثنـى عـلـيـه ؛ لأن هـذا الـوكـيـل فـعـل أمـوراً تجعله ينال هذا المديح من المسيح :

ا۔ نظر للمستقبل :

هذا الرجل له نظرة للمستقبل ، فهو كان يفكر بصورة جيدة فقال : ” ماذا أفعل ؟ لأن سيدي يأخذ مني الوكالة . لست أستطيع أن أنقب وأستحي أن أستعطي ” (لو ١٦ : ٣ ) .

٢- تصرفه إدارياً : تصرف هذا الرجل كان بطريقة إدارية ، وإن كان بلا أخلاق ، فالسيد مدحه على تصرفه الإداري ولم يمدحـه مـن الناحية الأخلاقيـة لأنـه لـص ، فعنـدمـا نمـدح شخصاً لشجاعته فنأخذ من الأسد صفة الشجاعة فقط ونقول يا ( فلان ) أنت مثل الأسـد فـي شجاعته فقط على اعتبار أن الأسد فيه صفات أخرى وحشية .

٣- أظهر ذكاءه :

أعجب السيد بذكاء هذا الوكيل بالرغم من استعماله بصورة خاطئة ، لكن لديه نوع من الذكاء .

خلاصة الأمر….

إن سلامة حياة الإنسان تحكمها الاستقامة والعطاء والأمانة ، وعليه يكون الإنسان وكيلا أميناً ، وعندما يأتي السيد المسيح ويقول لك : ” أعطني حساب وكالتك “، تقول له : ” اتفضل يا سيد “، فتسمع إجابة جميلة جدا : ” كنت أميناً في القليل فأقيمك على الكثير ، ادخل إلى فرح سيدك “، وليس هناك مكافأة ولا جائزة أفضل من إنك تسمع هذه الكلمات من المسيح شخصياً ، ما أجملها هذه الدعوة فهـي مـن فـم المسيح لتنال المكافأة الأسمى وهي الدخول إلى الملكوت ، وشعورك الداخلي إنك وجدت فـي هـذا المكان بدعوة السيد نفسه ، فأي فخر وأي راحة وأي فرح وأي سلام …. أمـا الإنسـان الـذي يـهـمـل فـي وكالتـه وينحـرف فهـو يـعـيـش فـي خطايـا الطمع والأنانية والاستهتار .

أمثلة

١ – يوسف الصديق :

كـان إنسـاناً وكيلاً ناجحـا تعـرض لمتاعـب كـثيرة ، مـن إخوتـه مـرة ، ومـن الإسماعيليين مرة ، وفي بيت فوطيفار مرة ثانية ، وأيضاً في السجن ، لكنه ظل وكيلاً أمينا ، وعندما تعرض للتجربة القاسية من امرأة فوطيفار كانت إجابته رائعة ” كيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطئ إلى الله ؟” (تك ٣٩ : ٩ ). فيوسف كان وكيلاً وأميناً على نفسه وعلى طهارة قلبة ، ففي عبارات قصيدة البابا شنودة الرائعة : ” هوذا الثوب خذيه ، إن قلبي ليس فيه ” فقـد يوجد فيها تعبير أدبي بالغ العذوبة عن هذه الوكالة ، ولذلك نسمع عن يوسف الصديق أنه كان رجلاً ناجحاً لأن الله كان معه ، ويوسف الصديق هو الذي حمل الخير والبركة والعظمة في تاريخ مصر وفي سنوات المجاعة.

٢- يوحنا الحبيب :

السيد المسيح وهو على الصليب أوكل ليوحنا الحبيب السيدة العذراء ” ثم قال للتلميذ : هـوذا أمك . ومن تلك الساعة أخذها التلميذ إلى خاصته ” (يو ۱۹ : ۲۷). وهنـا يوحنا يأخـذ هذه الوكالة بمنتهى الأمانة ، فهـو الـذي حمـل قلبـاً ممتلئاً حناناً ، وقـد أعطاه الله نعمة كتابة ” سفر الرؤيا “؛ ولأنه كان وكيلا أميناً فأعطاه الله أن يرى رؤيا ويسجل ما رآه في الجزيرة التي نُفى إليها .

۳۔ سفر الرؤيا :

نقرأ في بداية الأصحاح الثانى من سفر الرؤيا عن ملائكة الكنائس السبع :

“أفسس – سميرنا ـ برغامس ـ ثياتيرا ـ ساردس ـ فيلادلفيا ـ لاودكية “، ونقرأ عبـارة قالها الله لملاك كنيسة أفسس : ” أنا عارف أعمالك وتعبك وصبرك ،… لكـن عنـدي عليك أنك تركت محبتك الأولى ” (رؤ ٢ : ٢، ٤). فقد بدأت وكيلا أميناً ، وبدأت خدمتك بكل جدية ، وكان أول عملـك ملتهبـا بـالروح ، ولكـن تـركـت محبتك الأولى ! أيـن ذهـبـت حرارتك الروحية ؟ أين نشاطك وجهادك ؟ إلى متى تظل في انحرافك ؟

٤ـ الغني الغبي :

الغني الغبي أعطاه الله أموالاً كثيرة ، ووكله على هذه الأموال ، لكنه سقط فـي خطايا الأنانية والطمع ، وكانت النتيجة أنه يريد أن يهدم ويبني مخازن أعظم منها ، وفي ليلة واحدة…

الخلاصة يا أحبائي إن المال يمكن أن يكون مصدر بركة وحياة للبشر ، وليس المهم فـي المـال كثرته أو قلته ، لكنـه قـد يكـون وسيلة للحياة الناجحة أو يكـون مـصـدر فـخ وهلاك للإنسان .

إحدى مبادئ الحياة الرهبانية ” الفقر الاختياري “، وإن كسر الراهب هذا الشرط انكسرت رهبنته مهما تبرر بأية صورة من الصور ، وقد يكون هذا فـخ تتضح صورته وإن كانت تحت أي مسمى ، لكن المال فـي يـده فـخ يهلكه ويسقطه ويضيع نصيبه الأبدي مهما كان يرتدي أي زي ، ومهما ظهر أمام الناس ، ولذلك يجب على الإنسان أن يتخذ حذره وهو يتعامل مع المال ، وهذا هو القصد من مثل وكيل الظلم فهو لا يقصد كثيراً أو قليلا ، لكنه يقصد مقدار الأمانة الموجودة بصفة عامة .

يقـول الكتاب المقـدس فـي نهايـة المثـل : ” أنـا أقـول لـكـم : اصنعوا لكـم أصـدقاء بمال الظلم ” (لو ١٦ : ٩ ). هذا المال الذي يجـب أن تخـدم بـه ، وأن تفيـد بـه ، وألا تسقط فـي خـطيـة الأنانية أو الطمـع أو الاكتنـاز ، لذلك تُصـلـي فـي الـصـوم الكبير ” طـوبـى للرحما على المساكين “،  فطوبى للإنسان الذي يمتلك القلـب الـرحيم على الإنسان المسكين بكل صور الاحتياج .

تدريب

اقـرأ (لو ١٦)، وضعه أمامك كمقياس ، وفكـر فـي الأشياء التي استودعك الله إياها ، والتي أعطاها ربنا لك مثل المال أو غيره من النعم ، كالأسرة أو العمل أو الخدمة أو الصحة أو العلم أو المسئولية … وضع أمامك هذا السؤال : ” ما الذي أسمعه عنك ؟” وانتبه لطريقك لكي يكون واضحاً أمامك وليس منحرفاً مثل طريق وكيل الظلم.  اجعل هذا السؤال ” ما الذي أسمعه عنك ؟” يتردد دائماً فـي قلبـك وفـي أذنك ، وقبـل مـا تسـمعـه مـن شـخص السيد المسيح ، اسمعـه أنـت مـن نفسك ، وانظـر لعملك أوخدمتك أو مسئوليتك التي أعطاها الله لك وانتبه لها ، وإن كان هناك تقصير أو انحراف بأية صورة من الصور فانتبه إليه لكي ما تصلح ذاتك وتكون إنساناً وكيلاً أميناً ، لتستحق سماع ذلك الصوت القائل : ” كنت أميناً في القليل فأقيمك على الكثير . ادخل إلى فرح سيدك ” (مت ٢٥ : ٢١).

لإلهنا كل مجد وكرامة من الآن وإلى الأبد … آمين[7].

القديس الأرشيدياكون حبيب جرجس

وكيل الظلم (لو ١٦ : ١ – ١٣)

” الأمين في القليل أمين أيضاً في الكثير . والظالم في القليل ظالم أيضاً في الكثير ” (لو١٦ : ١٠)

(اولا ً) الغاية التي قصدها المخلص من هذا المثل هي بيان حكمة الانسان واستعداده لما يحتاج اليه في المستقبل ووجوب اتخاذ الخيرات الدنيوية وسيلة للسعادة الأبدية

(ثانياً) أن الخطيئة الواحدة تقود الى غيرها طبعاً فان ذلك الوكيل الخائن عوضاً عن ان يتوب ويأسف قاده طبعه الشرير الى ازدياده في الخطأ والغش والظلم

(ثالثأ) البث مكيال عبراني للسوائل يساوى نحو اثنتين وعشرين اقة وثلاثة ارباع الاقة . والسكر يساوي ١٤٠ اقة

(رابعاً) ان الوكيل الخائن استعمل عزمه واستنبط الوسائل . لبلوغ غايته وانتهز الفرص في شره واستعمل حكمته العالمية لحفظ مستقبله ، أفلا يجب علينا ان نتصرف بحكمة في الأمور الروحية وندخر لأنفسنا كنوزاً في السماء للحياة الأبدية .

(خامساً) مال الظلم اي المال المعتاد ودعي كذلك بالمقابلة بالمال الباقي ولأنه فان خادع ، واكثره مكتسب بالظلم ، وينفق في الباطل ويقود الى الهلاك وقوله اصنعوا لكم اصدقاء به بواسطة توزيعه على الفقراء والأعمال الخيرية وخدمة المسيح . فان المسيح والفقراء والنفوس التي تخلص كل هؤلاء يكونون اصدقاء لنا (راجع ١ تى ٦ : ۱۸ و ۱۹) .

(سادساً) القانون الأساسي الذي وضعه المسيح وهو الأمين في القليل امين ايضاً في الكثير . والظالم في القليل ظالم ايضاً في الكثير . فيجب أن نكون امناء في كل شيء في الأمور الصغيرة كما في الكبيرة[8].

المتنيح العلَّامة الأنبا لوكاس

وكيل الظلم

+ تفسير أصحاح ١٦ من بشارة لوقا

+ معني ” فمدح السيد وكيل الظلم ”

+ معني ” أصنعوا لكم أصدقاء بمال الظلم “!

+ هذا المثل الذي ورد في بشارة معلمنا لوقا (ص١٦) يهدف إلي الإقتداء بوكيل الظلم في حكمة التصرف في الحاضر لضمان المستقبل والإقتداء بحكمته يشبه الإقتداء بحكمة (الحية) ” كونوا حكماء كالحيات “(مت ١٠: ١٦) مع لؤم وخسة ودناءة سجايا كل من هما – أما وكيل الظلم فلأن تصرفه مشوب بالخيانة لسيده لتآمره مع المديونين ضد سيده لإختلاس حقوقه ” كذلك الحية فإن الخبث من سجاياها حتي صارت كناية عن الأشرار أيها الحيات أولاد الأفاعي …” (مت ٣٣: ٢٢) .

إلا أن وجهة الإقتداء بحكمتها تنصب علي الحكمة في التخلص من التورط في إيجاد المنفذ للنجاة من الخطر وفي انتهاز الفرصة السائحة والحرص علي عدم ضياعها لئلا يندم الإنسان حيث لا ينفع الندم ، هذا من ناحية الإقتداء بوكيل الظلم ، أمًا الحية فلأنها ساعة الخطر تفدي رأسها بجسمها الملتف ستراً لها ووقاية لها لأن مقتلها في رأسها بتهشيمه وسحقه ” هو يسحق رأسك “(تك ٣: ١٥) وأي إبطاء منها في هذا الألتفاف حول رأسها يضيع عليها فرصة قد لا تعود إليها : إذ قد يبادرها عدوها بضربة قاضية علي أم رأسها ، وقد تندم ولكن تأت ساعة مندم ؟

+ كذلك وكيل الظلم فإنه قد تحكم في إنتهاز الفرصة السائحة قبل طرده وقبل ضياع إمكانيات تصرفه لضمان مستقبله ، فبادر إلي إكتساب ثقة مديوني سيده قائلاً لكل منهم …” خذ صكك وأجلس عاجلاً وأكتب …”(لو ١٦: ٦) خشية مبادرة سيده إلي تضييق الخناق عليه للحيلولة دون أي تصرف يؤدي إلي ضياع ثروته وحينئذ تضيع علي وكيله الفرص السانحة .

+ المثل ليس فيه أي مدح لخيانة وكيل الظلم لسيده المسيح ،كما أن السيد المسيح لم يمدح خبث الحية ، بل إنما ينحصر الحض عليها الإقتداء بهما في مجرَّد الحكمة وإنتهاز الفرصة لضمان المستقبل .

+ كما أن في المثل توبيخاً لاذعاً لأبناء النور الذين قد يشوب تصرفاتهم الروحية الفتور والإبطاء والتلكؤ والشكوك في مستقبل أبديتهم . كما أن فيه الفاتاً لنظرهم إلي ثبات عزم الأشرار وتركيز حواسهم وتسخير جميع إمكانياتهم في أرتكاب شرورهم ، مع الفرق الكبير بين قيمتي أهداف الطرفين . فأهداف أبناءً النور هي حقائق السعادة الخالدة في الحياة الأبدية . أما الأشرار فأباطيل أهوائهم الحمقاء ودناءة ملذاتهم الفانية .

+ من العار علي أبناءً النور أن يشكوا في حقائق الخلود كما لو كانوا هازلين غير جادين فيتباطأون في جهادهم ” كفاكم قعود في هذا الجيل …” (تث ١: ٦) في حين يتوطد يقين الأشرار في أباطيل الفناء جادين غير هازلين ؟

+ كما أنه من العار علي أبناءً النور أن يتغافلوا عن إمكانية قوتهم الروحية الموهوبة لهم من الله (أف ٦: ١- ١٧) فيستسلمون للفتور ، في حين بطلان إمكانيات الأشرار التي يعتز بها هؤلاء الأشرار ” لأن ليس كصخرنا صخرهم “(تث ٣٢: ٣١) .وفي نطاق المعاني آنفة الذكر يقول الرسول ” إذا اعتقتم من الخطية صرتم عبيداً للبر ، أتكلم إنسانياً من أجل ضعف جسدكم ، لأنه كما قدمتم أعضاءكم عبيداً للنجاسة والإثم هكذا الآن قوموا أعضاءكم عبيداً للبر للقداسة “(رو ٦: ١٩)

+ وكان أحد القديسين في صلاته يقول ” يارب أعطني قوة علي محبتك كما أحببت الخطية ؟” يشير بهذا إلي أنصباب الخاطيء علي شرب الخطية كالماء وملازمتها بكل الفكر والقلب لدرجة التضحية بكل مرتخص وغال في سبيل الخطية ؟ ولكن عند عمل الفضيلة يكفهر أمامه الجو فيكون الفتور والتواني والعرج علي الجنبين … وما ذلك إلا لأن الروح في نشاطها يعرقلها الجسد في ضعفه وتثاقله ” فأسهروا وصلوا … أما الروح فنشيط وأما الجسد فضعيف “(مت ٢٦: ٤١) فمن العار أن تستسلم الروح النشيطة لضعفات الجسد فيفلت الزمام من يدها وتمسي القيادة لأهواء الجسد ” وإذا كان الغراب دليل قوم يمر بهم علي جيف الكلاب ؟”

+ ولتطبيق المثل بوجه عام ، نفهم من قول السيد المسيح ” أصنعوا لكم أصدقاء بمال الظلم ” إن مال الظلم كناية عن كل ماتقتنيه في الحياة الدنيا من مال وعقار ومقتنيات ، وأن أدعاءنا ملكية هذه المقتنيات – والحال أنها ملك للخالق أنعم بها علينا – هو الذي شابها بسمة الظلم ،لأنه إدعاء باطل ظالم ضمن أباطيل الإنسان وأكاذيبه علي الحق ، وما مثل عقود الملكية المزعومة إلا مثل بطاقات التموين ، لتنظيم مقتنيات الحياة الدنيا ولتحديدها مافوض به لكل إنسان للتصرف فيه طبقاً لإرادة الله في نطاق نواميسه الكونية وكافة شرائعه الإلهية .

+ أما الإنسان فإنه لم يكتف بهذا الإدعاء الظالم الذي نطاقه أساء التصرف في هذه المقتنيات بل تمادي في ادعاءاته فزعم أحقيته في العشور الإلهية فسلب لنفسه هذه العشور ، وتوالت بذلك مظالمة وأكاذيبه واعتدائه علي حقوق الله والقريب “… فقلتم بم سلبناك ، في العشور والتقدمة لقد لعنتم لعناً وأياي أنتم سالبون هاتوا جميع العشور إلي الخزنة ليكون في بيتي طعام وجربوني بهذا قال رب الجنود إن كنت لا أفتح لكم كوي السموات وأفيض عليكم بركة حتي لا توسع “(ملا ٣: ٨- ١٠) وهكذا تكدس الظلم علي الظلم وتغلغلت المظالم في صميم أموال العالم فصارت بحق “مال الظلم ” .

+ وفي نطاق المعني آنف الذكر يقول المرنم ” أنا قلت في حيرتي كل إنسان كاذب ماذا أرد للرب من أجل حسناته لي . كأس الخلاص أتناول وباسم الرب أدعو ، أوفي نذوري للرب مقابل كل شعبه “(مز ١١٦: ١١-١٤) وكأنه في انذهاله وتحيره من أكاذيب الإنسان وأباطيله ، يصف العلاج لتنكر الإنسان الجاحد لصنيع الله معه وهو ” بماذا أجاري الرب عن كل حسناته لي… وباسم الرب أدعو ” أي أنه هو الإقرار بأن للرب الأرض بكمالها وأن الأرض أعطاها الله لبني البشر وأن الله هو المالك لكل مقتنيات الإنسان وما علي الإنسان إلا الإقرار بحسنات الرب بأن يتصرف فيها لمجد الرب .

+ وبهذا العلاج الذي وصفه المرنم تعود الأمور إلي نصابها فيقر الإنسان بأن كل ما يزعم ملكيته إن هو إلا ملك لله أعطاه إياه الله الذي يعطي الجميع بسخاء ولا يعير (يع ١: ٥) وأن يشكره علي نعمه وإحساناته ، والشكر علي النعم يزيدها .

ولفيض كرم الرب وإحساناته لم يطلب منا إلا العشور فقط ، أما تسعة الأعشار فتركها لنا ؟ أما نحن فلفرط جشعنا وتنكرنا لجميله فقد سلبنا عشوره وتصرفنا في هذه وتلك بما يتنافي وكرامة الله ” الابن يكرم أباه والعبد يكرم سيده، فإن كنت أباً فأين كرامتي وإن كنت سيداً فأين هيبتي “(ملا ١: ٦) .

+ بعد ما تحدد في ذهننا عن معني (مال الظلم) بحسب الإيضاح السابق نستطيع أن نفهم كيف نصنع لنا ” أصدقاء بمال الظلم ” وذلك بأن نحرص علي إعطاء كل ذي حق مفروض له من الله حقه في هذا المال ، فلا نعتدي علي حقوق بيت الرب ولا علي حقوق الفقراء ولا علي حقوقنا نحن بالذات المعطاة والمقررة لنا من الله فلا نشوهها بمظالمنا وبتلويثها وتسميمها بالمحرمات التي نمزجها بها ” قد أخطأ إسرائيل بل تعدوا عهدي الذي أمرتهم به بل أخذوا من الحرام بل أنكروا بل وضعوا في أمتعتهم ، فلم يتمكن بنو إسرائيل للثبوت أمام أعدائهم ، لأنهم محرومون ولا أعود أكون معكم إن لم تبيدوا الحرام من وسطكم … لأنه هكذا قال الرب حرام في وسطك يا إسرائيل “( يش ٧: ١١- ١٣) لأنها ما دامت ملوثة بالمحرمات التي نمزجها بها فكل تصرفاتنا فيها مرفوضة من الله. وغير مقبولة أمامه .

+ فإذا استقامت أوضاع تصرفاتنا في خيرات الله الموهوبة لنا بالوصف آنف الذكر ، رحبت بنا الملائكة في السماء(لو ١٥: ١٠) تقديراً لحرصنا علي حقوق خالقهم والفقراء تقديراً لعواطفنا من نحوهم وعلي رأس هؤلاء المرحبين بنا يرحب بنا الرب نفسه ” تعالوا إليَّ يا مباركي أبي رثوا الملك المعد لكم …”(مت ٢٥: ٣٤) .

+ ومن قوله له المجد ” فإن لم تكونوا أمناء في مال الظلم فمن يأتمنكم علي الحق ” نفهم أن النفس البشرية التي أستجابت لمظالم الحياة الدنيا فاستعذبت الظلم والإعتداء . أمسي الحق في فمها أمر من الحنطل فكيف نستطيع أن تتلذذ به في حياة الأبد ؟

+ ومن قوله له المجد ” أن لم تكونوا أمناء فيما هو للغير فمن يعطيكم ماهو لكم ” نفهم أن عطاياه الزمنية لنا ليس لها خلود وذلك لفنائنا نحن بالذات وعدم خلودنا في الحياة الزمنية . فهي عطايا مؤقتة ليس لبقائها معنا ضمان علي الإطلاق … وكثيرًا ما تصنع لها أجنحة وتطير فننظر يميناً ويساراً لنبحث عنها فلا نجدها (أم ٣٣: ٥) من هنا قيل عن مقتنيات العالم الزمنية إنها (مال الغير) لأننا لا نضمن بقاءها معنا بالرغم من أدعائنا ملكيتها ! فإن لم نكن أمناء في خيرات العالم الزمنية وهي الثروة المتنقلة التي إنما قد أعطيت لنا لنتدرب في نطاقها الزمني علي الحصول علي أمانة القلب وما إليها من سجايا كريمة وكافة كمالات حياة الأبد . فقد خسرنا نهائياً خيرات الحياة الأبدية التي أعدها الله لنا منذ تأسيس العالم (مت ٢٥: ٣٤) والتي لا يفوز بها إلا الأمناء .” نعماً أيها العبد الصالح والأمين كنت أميناً في القليل فأقيمك علي الكثير أدخل علي فرح سيدك “(مت ٢٥: ٢١) .

وعلي ضوء ما تقدم ما تحقق أعماق مكنونات الحكمة السيدية في المثل ” الأمين في القليل .( أي في خيرات الدنيا الفانية) أمين أيضاً في الكثير (أي خيرات الحياة الأبدية ) والظالم في القليل ظالم أيضاً في الكثير[9] ” .

المتنيح الأنبا غريغوريوس أسقف البحث العلمي

مدح وكيل الظلم

سؤال: عندما تحدث الرب يسوع فى مثله عن السيد الغنى الذى أراد أن يعاقب وكيله الذى بَذّر أمواله بطرده ، ذكر أن هذا الوكيل تنازل لمديونى سيده عن بعض دينهم ، حتى اذا عُزلَ من الوكالة يقبلونه فى بيوتهم ، ومدح السيد الغنى وكيل الظلم اذ بحكمة فعل ، فكيف يكون المديح لعمل يتسم بعدم الأمانة من هذا الوكيل ؟ وما المفهوم الحقيقى لقول الرب يسوع : اصنعوا لكم أصدقاء بمال الظلم حتى اذا فنيتم يقبلونكم فى المظال الآبدية ؟

الجواب :

هذا السؤال يوجه الينا كثيراً ، يقول الكتاب المقدس : فمدح السيد وكيل الظلم لأنه بحكمة صنع ؟ فأكيد أن هذا المدح ليس موجه الى العمل الشرير الذى عمله هذا الوكيل ، المدح موجه الى حكمة الرجل باهتمامه بالحياة الأخرى ، وقد عرف الرجل أن سيده سيطرده من الوكالة ، فكر فيما بعد هذه الحالة وأهتم بالاستعداد لها ، لم يقنع بأن يصدر عليه هذا الحكم وأن يقبع فى داره وأن يموت ، انما فكر فى كيف يتغلب على الصعوبة التى ستعترض حياته ، وكيف يحول هذا الشر الى خير بالنسبة له ، وكيف ينتصر على الموقف بما يؤول لصالحه  فالمدح هنا ليس موجه الى عمل السرقة ولكن الى مهارة الرجل والى حسن تصرفه ، من حيث أنه اهتم بمستقبل الأيام ، وهذا المنهج فى أن يوجه المدح الى بعض تصرفات الانسان الشرير منهج معهود ، ففى بعض الأحيان قد يُعجب الانسان أو قد يُعجب المجتمع بلص ، ويتحدث الناس عن هذا اللص حديث الاعجاب ، لا لأنه قد سرق ولكن للمهارة التى أظهرها فى عملية السرقة اذن المدح أو اعجاب الناس ليس موجه الى فعل السرقة فى ذاته ، ففعل السرقة دائماً مذموم ومكروه ، وانما موجه الى المهارة لأنه فى بعض الأحيان بعض اللصوص يستخدموا أنواعاً من الذكاء والمهارة والحيلة فى كيفية السرقة ، بحيث أنهم أنتزعوا اعجاب الناس ، والناس يظلوا مبهورين ومعجبين بمهارة هؤلاء اللصوص وبالطريقة التى ابتكروها.الواقع أن الاعجاب غير موجه الى الجرائم أو الأخطاء التي ارتكبت ، ولكن موجه الى المهارة والى الذكاء الذى أظهر فى هذه التصرفات ، وهذا يحدث فى الحياة كلها ، لدرجة أنه معروف في الألواح الاثنى عشر للقانون الروماني ، وهو يُعد من أقدم ما فى التراث الانسانى من قوانين.

أن المجرم اذا استطاع أن يخفى جريمته يُعفى من العقوبة ، ومعنى هذا الاعفاء مكافأة ، لكن هذه المكافأة في واقع الأمر للذين يدرسون علم الاجتماع ليس لأن هذا الرجل أخطأ أو لأنه سرق ، ولكن لأنه ظهرت فيه موهبة .وجد الرومان أنه من الخسارة أن يُحكم عليها بالإعدام  فهذا الاعفاء وهذه البراءة ليست موجهة الى الجريمة ولكن موجهة الى اكتشاف موهبة فى هذا الانسان ، أو صفة ظهرت في هذا الانسان وأبرزت موهبة معينة ، ومثل هذه الموهبة تستحق أن يٌعجب الانسان بها  فهكذا نقدر أن نقول على نفس الفكر أن المدح الذى وجه الى الرجل وكيل الظلم ، غير موجه اليه لأنه ظالم أو أنه سرق أو أنه غير أمين ، وطبعاً يكفى أن الكتاب سماه وكيل الظلم ، وهذا معناه أن الرجل منظور اليه على أنه انسان ظالم ، وفى المثل نفسه أن سيده طرده ، هذا الطرد نفسه عقوبة ودليل على عدم ارتياح للعمل الذى عمله ، انما نفس السيد الذى طرده هو السيد الذى مدحه ، طرده لأنه غير أمين ، لكن مع هذا مدحه لأنه رأى فيه فضيلة أخرى أو صفة أخرى من الصفات التى يمدحه من أجلها ، وهو أن الرجل أهتم بمستقبل حياته ، فهو لم يقنع بمصيره ولكنه أراد أن يتغلب على هذا المصير ، بأنه يبتكر طريقة يعيش بها ، ويعرف كيف تمتد حياته دون أن يستعطى أو يشحذ والسيد المسيح له المجد قال هذا المثل على أساس أن الناس اذا كانوا غير أمناء فيما يتصل بمسئولياتهم الحاضرة فى الحياة الحاضرة ، انما ممكن أن يوجهوا اهتمامهم للحياة الأخرى والمصير الأبدى ، وكلمة أصنعوا لكم أصدقاء بمال الظلم ، وأصل الكلمة باليونانية معناه ” المال غير الحق ” أو الذى لا يحق لكم  فمثلاً على سبيل المثال العشور عند الانسان ليس ماله لأن هذه العشور هى حق الله  فما دام أصبحت حق الله فكونى أحتفظ بها لنفسى كأنى أظلم أو أسرق.

كما قال الله فى سفر ملاخى : ” أيسلب الانسان منكم الله ، قلتم بما سلبناك ، قلت فى العشور وفى التقدمة ، لذلك لُعنت لعناً هذه الأمة كلها ، هاتوا العشور الى الخزنة ليكون فى بيتى طعام ، هاتوا العشور وجربونى بهذا ، ان كنت لا أفتح لكم كوى السماء حتى لا توسع “فكون الانسان لا يعطى العشور لله من دخوله فهذه سرقة ، على الرغم من أنه يبدو له أن المال ماله ، وأنه لم يعتدِ على مال انسان آخر ، لكن فى نظر الله كونه لا يعطى العشور لله وهى حق الله عليه ، فهنا سرقه ، وهنا تعد ، وهنا سلب ، وهنا مال لا يحق لك ، مال ليس من حقك أنت ، فأنت فى هذه الحالة تعد بمثابة وكيل الظلم ، أنت وكيل على هذا المال ، لكنك أغتصبت ما لا يحل لك ، ففى هذه الحالة أنت مثل وكيل الظلم تماماً ولكن أصنعوا لكم أصدقاء بهذا المال الذى لا يحق لكم ، الذى ليس من حقكم ، بمعنى أصرفوه من أجل الله ، أنفقوه على الغير ، أو على القريب ، أو على المحتاجين ، أو على الشئون العامة أو على الصالح العام ، أنفقوه فانه متى انتهت حياتكم على الأرض تقبلون فى المظال الآبدية ، لأن هذا العمل وهذا المال أو هذا العطاء الذى أعطى من أجل الله ، يسبقكم الى هناك وحينئذ يكون زاداً لكم وكنزاً لكم هناك ، تجدونه حينما تذهبون الى العالم الآخر. ليس المقصود بمال الظلم أنك تسرق من واحد وتعطى لله ، لا طبعاً ، مستحيل هذا ، وحتى فى قوانين الكنيسة هذا مرفوض تماماً ، انما المقصود هنا المال الذى لا يحق لك ومن ضمنه العشور ،

وأيضاً ليس معنى السرقة أنك تقتحم شقة أو بيت وتغتصب وتسرق ، بل هناك طرق أخرى يعملها الانسان من دون أن يسلب الآخرين بطريقة القفز على البيوت ويأخذ المال الذى لا يحق له ، فأنت رب بيت ومرتبك من حق زوجتك وأولادك أن يشاركوك فيه ، فكونك تأخذ المرتب وتنفقه على التدخين وعلى الخمر أو على شهواتك الخاصة ، وتُهمل زوجتك وأولادك فهذا اغتصاب حقوق الآخرين .أنا أعتبر أن هذا الرجل هو السارق ، وهو المغتصب ، لأنه يأخذ حق زوجته وحق أولاده ويصرفه على الخمر ويصرفه على التدخين ويصرفه على شهواته الخاصة ويترك زوجته تتضور جوعاً أو تتلوى من الألم ومن العذاب فلو كنت أنت أب من هذا القبيل تعد أنت سارق ومغتصب ، وطبعاً بالمثل يقال على المرأة التي تصنع ذلك ، ولو أنه نادر جداً لو عملت المرأة ذلك لكن يوجد بعض النساء تعمل هذا . أيضاً عندما تكون رئيس عمل وتظلم العمال ولا تعطى للعامل حقه كما قال الرسول يعقوب : ” هوذا أجرة الفعلة الذين حصدوا حقولكم المبخوسة منكم تصرخ ، وصراخ الحصادين صعد الى أذنى رب الجنود ” فهنا ظلم يقع من رئيس العمل على العمال والفعلة ، سواء كان فى الحقل أو فى مصنع ، مثل هذا الرئيس المحترم فى المجتمع يُعد أمام الله سارق لأنه يغتصب حق العمال وحق الموظفين . فعموماً النقود التي في جيبك قد يكون فيها مال ظلم ، هي حقوق آخرين أو أنت أخذت حق غيرك ، بمعنى فيها مال لا يحق لك ، أى نوع من المال ليس من حقك يكون في جيبك هو مال ظلم ،

فلو أنت مثلاً استغليت مركزك في عملك ، كما يحدث في بعض الأحيان انسان يستغل الأدوات الخاصة بالوظيفة ، ان كان ورق أو كان حبر أو أي امتيازات تأخذها لنفسك هي لا تعطى لك بحق الوظيفة ولكن أنت تنتزعها لنفسك ، ومعتمد على أنك رئيس العمل ففي هذه الحالة يكون الذى فى جيبك ليس لك ، أنت مغتصب سواء تغتصب حق الحكومة أو تغتصب حق الآخرين أو تغتصب حق الوظيفة ، هناك أكثر من سبيل وأكثر من طريقة ممكن للإنسان أن يعتبر المال الذى يتحصل عليه ليس ماله أو مختلط به مال آخرين أو مال لا يحق له  الله يريدنا أولاً أن نهتم بالحياة الأخرى ويكون عندنا نظرة الى الأبدية ، وأيضاً نستفيد من وجودنا فى الزمن الحاضر بما يكفل لنا أو يساعدنا على أننا نربح الحياة الأخرى ، وأن يكون لنا فيها مكان

الأمر الثانى : أننا نستفيد أو نورد من الحياة الدنيا ما يكون لنا زاداً فى الحياة الأخرى ،

والأمر الثالث : كل مال لا يحق لنا لابد فوراً أن نبعده عنا ونعطيه لله سواء أكان بالطريق المباشر أو بالطريق غير المباشر ، نعطية للكنيسة أو نعطيه للفقراء وأيضاً أصحاب الحق ، كما قال زكا : ” ها أنا أعطى نصف أموالى للمساكين وان كنت اغتصبت أحداً أرد له أربعة أضعاف ” ما لله يعطى لله  ولكن ما للغير يعطى للغير ، لأن هذا الغير مظلوم ومضطهد ومغبون فلابد أن يرد له الشىء المسروق والشيء المغبون به  ” ان كنت قد غبنت أحداً ” ان كنت قد ظلمت أحد ، أرد له ، لا أرد لله ، لا أعطيه هو لأنى أنا ظلمته.

هذه هي المعاني التي من المفروض أن يستفاد بها من هذا المثال الذى قاله سيدنا له المجد[10].

المتنيح القمص تادرس البراموسي

أعطى حساب وكالتك لأنك لا تقدر أن تكون وكيلاً فيما بعد (لو ١٦ : ١- ١٢)

إن السيد المسيح له المجد بعد أن وبخ الفريسيين والكتبة لتـذمرهم عليه لقبوله الخطاة التائبين بثلاثة أمثلة أورد هنا مثلاً آخر يوبخ بـه الأغنياء الذين يقتنون المقتنيات ويدبرونها تدبيراً ردياً أي يـسيئون استعمالها حاثا إياهم أن يعودوا إلى طريق الاستقامة والرحمة علـى المساكين .

ولم يذكر هذا المثل إلا في إنجيل القديس لوقا والغاية منه أنه يجب على الإنسان أن يتخذ من الخيرات الأرضية وسـيلـة إلـى السعادة الأبدية أي الحث على السخاء في العطاء والتوزيـع علـى الفقراء والمعوزين .

ولا يقصد بكلامه التلاميـذ فقـط بـل جميـع المؤمنين وكان كلامه على مسمع ومرأى من الفريـسيين . يقـصد الرب يسوع بالإنسان الغني كناية عن الله لأنه تبارك أسمه مالك كل الخلائق وهو رب كل شئ وهو رب العطايا التي لا تنفز .

والوكيـل إشارة لكل إنسان أعطاه الله أموالاً ومواهب مجانية وطبيعية وهـو يعلمنا أننا لسنا أرباباً لما نناله من تلك الخيرات بل أننا وكلاء علـى هذه الخيرات التي أعطاها لنا الله تعتبرنا الناس اننا نمتلك كـل مـا لدينا لكن الحقيقة أن الله هو الرازق والمعطى وهو رب كـل شيء ونحن وكلاء على كل ما نملك . ويأتي الوقت الذي يقول لنـا فيـه أعطى حساب وكالتك فيلزمنا إذا أن نتصرف في ذلك حـسب إرادة الله لا بحسب إرادتنا لأننا سوف نقدم حساب عنها وكانت نسبة هـذا الوكيل كنسبة لعازر الدمشقي وإبراهيم وكنسبة يوسف وفوطيفـار أي كان له مطلق الحرية فيما يفعل إذ أن كل أمـوال سـيده تحـت قبضة يده وهو حر التصرف فيها فوشى به أحد الناس أنه يبزر مال سيده ولم تكن الشكوى كيدية بدون أساس لأنه مصرف فعلاً في تبديد أموال سيده وثبت أنه غير أمين وأنه حقاً قد أنفق أموال سـيده على نفسه على لذاته وشهواته وعلى الأعمال الباطلة بـدلاً مـن أن يحفظها لسيده أن قول سيده ما هذا الذي أسمعه عنك . ليس الغرض منه استفهام عن حقيقة الوشاية بل تعجباً توبيخاً من أمر الواقع كأنه يقول له ما هذا الذي أسمعه عنك .

سيرتك القبيحة وتبذيرك لأموالي في الأكل والشرب والتبرج في الملذات وما شبه ذلك من المحرمات بعد أن اتكلت عليك وأمنتك بكل الثقة على أمـوالي . والآن أعطـى حساب وكالتك لأنك لا تقدر أن تكون وكيلاً فيما بعد بما أنـك قـد أظهرت أنك خائن فلا أقبل أن يكون وكيلي بهذا الشكل المهين وأمر و بطرده من الوكالة بعد أن يقدم حساب بما يفعل وهنا سيقول الرب يسوع لكل إنسان في يوم الدينونة أعطى حساب وكالتك . عن حياتك وما فعلته وأنت بالجسد أن كان خيراً أم شراً وعن المواهـب التـى منحتها لك لإستعمالها في تمجيد إسمى ونفع الجميع ونفـع نفست والسهر على أبديتك[11].

من وحي قراءات اليوم

” ما هذا الذي أسمعه عنك أعطني حساب الوكالة ”                                              إنجيل القدَّاس

الوشاية

تنتشر هذه العادة وهذا الطبع الردئ في عالم البشر والظلم ولكن ما أصعب وما أخطر أن تكون في المجتمع الكنسي

هل الوشاية هي تقابل إستفادة الواشي مع إحتياج الموشي إليه ؟!

دفع القديس يوحنا ذهبي الفم ثمناً غالياً لوشاية البعض عنه أمام الملكة

كثيرون يقومون بالوشاية لأغراض مختلفة لكن تكمن الخطورة في قبولها لدي القادة اَلْحَاكِمُ الْمُصْغِي إِلَى كَلاَمِ كذب كل خدامه أشرار ”  أم ١٢:٢٩

آية تعلن خطورة الاصغاء ( اي اعطاء الاهتمام ) الي كلام الكذب

وما أخطر منه أن يكون للقائد نفسه عيون في كل مكان ينقلون اليه الاخبار

ماذا فعل رب المجد مع شخص أخطأ في حقه الشخصي أمام الناس ثلاث مرات ؟

قدم له مزيد من الحب ولم تنقص مكانته ولا كرامته أمامه وامام الناس

القائد الذي لا يخشي نقد الناس ولا هجومهم أمامه أو في ظهره بل يقبله بإتضاع يسحق كل خفافيش الظلام وتكون خدمته في النور

وما أجمل أن يسعي القائد بين حين وآخر لمعرفة ما في داخل قلوب من يخدمهم في لقاءات مفتوحة فيقفل أحاديث الغرف المغلقة

 

 

المراجع

 

٣٧- الشهيد يوستين – تفسير سفر الحكمة ١٥ – القمص تادرس يعقوب ملطي

٣٨- كتاب كنوز النعمة – جزء ثاني ص ٤٧ – الأرشيدياكون بانوب عبده

٣٩- المرجع : كتاب نظرة شاملة في علم الباترولوجي في الستة قرون الأولي صفحة ٤٢٨ – القمص تادرس يعقوب ملطي

٤٠- المرجع : كتاب المدلولات اللاهوتية والروحية في الكتاب المقدس بحسب إنجيل متي صفحة ١٧٨ – دكتور موريس تاوضروس – أستاذ العهد الجديد بالكلية الإكليريكية

٤١- تفسير إنجيل لوقا للقديس كيرلس الإسكندري ( صفحة ٥٣٠ ) – ترجمة د. نصحي عبد الشهيد

٤٢- المرجع : كتاب مقالات القديس كبريانوس أسقف قرطاجنة الشهيد ( المقالة الرابعة – ترجمة الراهب القمص مرقوريوس الأنبا بيشوي

٤٣- المرجع : كتاب إختبرني يا الله ( يوم الإثنين من الإسبوع الرابع ) – قداسة البابا تواضروس الثاني

٤٤- المرجع : كتاب الكنز الأنفس للارشيدياكون حبيب جرجس الجزء الثالث ( الفصل السابع عشر ) – مشروع الكنوز القبطية

٤٥- المرجع : كتاب التحفة اللوكاسية في حل المشاكل اللاهوتية ( الكتاب الأول صفحة ٣١ ) – إصدار أبناء الأنبا لوكاس

٤٦- المرجع : كتاب موسوعة الأنبا غريغوريوس ( الجزء الخامس ) – إعداد الإكليريكي منير عطية

٤٧- كتاب تأملات وعناصر روحية في آحاد وأيام السنة التوتية ( الجزء الثاني  صفحة ١٣٧ ) – إعداد القمص تادرس البراموسي