يوم الأحد من الأسبوع السابع للخمسين يوم المُقَدَّسَة أحد العنصرة

أحد العنصرة

  • “من آمن بي كما قال الكتاب تجري من بطنه أنهار ماء حي” (يو ٧: ٣٨).
  • ” ولما صلوا تزعزع المكان الذي كانوا مجتمعين فيه وإمتلأ الجميع من الروح القدس وكانوا يتكلمون بكلام الله بمجاهرة” (أع ٤: ٣١).
  • وأرسل إلي أسفل من علوك المقدس ومن مسكنك المستعد…. البارقليط روحك القدّوس …. الناطق في الناموس والأنبياء والرسل…. البسيط في طبيعته الكثير الأنواع في فعله ينبوع النعم الإلهية. (سر حلول الروح القدس – القداس الكيرلسي).
  • لقد فارق الروح القدس الإنسانية لأنه لم يكن قادراً علي أن يحل في الفساد، ولكن الآن ظهر إنسان جديد بين البشر وهو وحده الذي يجعل عودة الروح ممكنة، لأن هذا الإنسان بدون خطيئة. (القديس كيرلس الأسكندري).[1]
  • تأمل ماذا فعل الروح؟.. لقد وجد الأرض مملوءة من الشياطين فجعلها سماء. (القديس يوحنا ذهبي الفم).[2]
  • إن الروح القدس قدوس بالطبيعة، محيي، لا يفنى، لا يتغير، أزلي، بار، حكيم، بسيط، مُدبر، مانح كل الخيرات، هو حاضر في كل مكان، وفي كل كائن، يملأ الأرض، وكذلك يسكن في السماء، يحل في القوات السمائية، يملأ كل المسكونة، يسكن في كل أحد بحسب استحقاقه سكنى كاملة، هو مع المستحقين، ولا ينفصل عن الثالوث القدوس. يفحص أعماق الله بلا إنقطاع، يأخذ على الدوام من الابن ويُرسل، لا ينفصل أو يتجزأ، ويُمجِد، وله كل المجد.[3]

 

شواهد القراءات

عشية: المزمور (مز٥٠: ١٢، ١٤) – الإنجيل (يو ٧: ٣٧- ٤٤).

باكر: المزمور (مز١٠٣: ٢٨، ٢٩) – الإنجيل (يو ١٤:٢٦- ٣١؛ ١٥: ١- ٤).

القداس: البولس (١كو ١٢: ١- ٣١) – الكاثوليكون (١يو ٢: ٢٠- ٣: ١) – الابركسيس (أع ٢: ١- ٢١)
المزمور (مز ٤٦: ٥، ٦)  – الانجيل (يو ١٥: ٢٦- ١٦: ١- ١٥).

 

شرح القراءات

تختم قراءات الخماسين المقدسة بأحد العنصرة الذي يتكلم عن ← ملء الروح القدس للكنيسة ولكل أولاد الله، فإذا كان الأحد الأخير من الصوم الأربعيني المقدس يتكلم عن استنارة الروح القدس بالمعمودية وعضوية الملكوت وصيرورتنا أولاد الله وأعضاء جسد المسيح، فإن أحد العنصرة يتكلم عن الملء.. ملء الكنيسة بالروح واهباً لكل عضو ولكل الكنيسة فيض المواهب لأجل بنيان الكنيسة ولأجل إنتشار الكرازة في العالم كله.

 

المزامير

لذلك توضح المزامير (عشية – باكر – القداس):

  • بداية إرسالية الروح القدس،
  • وهدف الإرسالية،
  • وعمل الروح القدس.
  • فيتكلّم مزمور عشية عن ← أن الروح القدس هو بهجة الخلاص والنجاة من الدينونة “امنحني بهجة خلاصك وبروح رئاسي عضدني. نجني من الدماء يا الله إله خلاصي” (مز٥٠: ١٢، ١٤).
  • ومزمور باكر عن ← إرسالية الروح القدس لأجل تجديد الخليقة مرة أخرى “ترسل روحك فيخلقون وتجدد وجه الأرض دفعة أخرى فليكن مجد الرب إلى الأبد” (مز١٠٣: ٢٨، ٢٩).
  • ومزمور القداس عن ← تجديد الطبيعة البشرية بصعود السيد المسيح له المجد لأجل إمكانية سكنى الروح في البشر مرة أخرى “صعد الله بتهليل والرب بصوت البوق لأن الرب قد ملك على جميع الأمم” (مز٤٦: ٥، ٦).

 

انجيل عشية

في إنجيل عشيَّة عن ← أنه بعد ما تمجدت الطبيعة البشرية في المسيح بموته وقيامته وصعوده، صارت لنا إمكانية الإمتلاء بالروح بإيماننا بالمسيح “من يؤمن بي كما قال الكتاب تجري من بطنه أنهار ماء الحياة، قال هذا عن الروح الذي كان المؤمنون به مزمعين أن يقبلوه لأن الروح لم يكن قد حل بعد لأن يسوع لم يكن قد تمجد بعد” (يو٧: ٣٨، ٣٩).

 

انجيل باكر

وفي إنجيل باكر عن ←  أن عطية الروح القدس هي من الآب في أسم المسيح وتنقل لنا كل ما هو للمسيح “فإذا جاء المعزي الروح القدس الذي سيرسله الآب باسمي فهو يعلمكم كل شئ ويذكركم بكل ما قلته لكم، سلامي أترك لكم، سلامي أنا أعطيكم” (يو١٤: ٢٦، ٢٧).

 

البولس

وفي البولس عن ← الروح القدس والكنيسة:

  • فهو روح الإيمان بالمسيح “وليس أحد يقدر أن يقول يسوع هو الرب إلا بالروح القدس” (١كو١٢: ٣).
  • وهو روح إستعلان فعل الثالوث في الكنيسة “فأنواع مواهب موجودة ولكن الروح واحد وأنواع خدم موجودة ولكن الرب واحد وأنواع أعمالموجودة ولكن الله واحد الذي يفعل ما يشاء الكل في الكل” (١كو١٢: ٤- ٦).
  • وهو روح مواهب “ولكنه لكل واحد يعطي إظهار الروح للمنفعة فإنه لواحد يعطي بالروح كلام حكمة وآخر يعطي كلام العلم …. ولكن هذهالمواهب كلها يعملها الروح الواحد بعينه قاسما ً لكل أحد بمفرده كما يشاء” (١كو١٢: ٧- ١١).
  • وهو روح العضوية في جسد المسيح بالمعمودية “لأننا جميعاً بروح واحد أيضاً اعتمدنا إلى جسد واحد” (١كو١٢: ١٣).

وأيضاً عن ← غنى الروح في الكنيسة بين تمايز الأعضاء بوظائفهم المختلفة ووحدة الأعضاء في شركة الحب والإهتمام الواحد “ولكن لو كانت كلها عضو واحد فأين الجسد فأما الآن فأعضاء كثيرة ولكن جسد واحد لا تستطيع العين أن تقول لليد لا حاجة لي إليك… فإن كان عضوواحد يتألم تألمت جميع الأعضاء معه وإن كان عضو واحد يكرم فجميع الأعضاء تفرح معه” (١كو١٢: ١٩- ٢٦).

 

الكاثوليكون

وفي الكاثوليكون عن ← مسحة الروح القدس (المسحة المقدسة) التي أعطيت للمؤمنين استنارة إدراك أسرار الله: سر التجسد، وسر الثالوث، وأهمية رفض التعاليم الخاطئة التي تنكر تجسد الرب وتنكر الثالوث “وأما أنتم فلكم مسحة من القدوس وتعرفون كل شئ لم أكتب اليكم لأنكم لستم تعرفون الحق بل لأنكم عارفون وأن كل كذب ليس هو من الحق، من هو الكذاب إلا الذي ينكر أن يسوع هو المسيح… كل من ينكر الأبن ليس له الآب أيضاً وأما المعترف بالأبن فله الآب أيضاً” (١يو٢: ٢٠- ٢٣).

 

الابركسيس

وفي الإبركسيس عن ← الكنيسة المصلية بنفس واحدة، والإمتلاء من الروح القدس، وفيض المواهب دون تمييز بين رجل وأمرأة، شاب وشيخ، عبد وحر.

كما يوضح أيضاً أن ← فيض الروح القدس على الكنيسة في العهد الجديد كان حسب النبوات، ولأجل انتشار الكرازة لكل الأمم.

“فلما حضر يوم الخمسين كان الجميع بنفس واحدة… وظهرت لهم ألسنة منقسمة مثل النار واستقرت على كل واحد منهم فامتلأ الجميع من الروح القدس… بل هذا ما قيل بيوئيل النبي يقول الله: يكون في الأيام الأخيرة أني أسكب من روحي على كل بشر فيتنبأ بنوكم وبناتكم ويرى شبانكم رؤى ومشايخكم يحلمون أحلاماً وعلى عبيدي أيضاً وعلى إمائي” (أع٢: ١- ١٨).

 

انجيل القداس

وفي انجيل القداس عن ← أٔن الأبن أرسل الروح القدس للكنيسة من عند الآب بصعوده بالجسد إلى السماء “بل الحق أقول لكم أنه خير لكم أن أنطلق لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي وإن مضيت أرسله إليكم” (يو ١٦: ٧).

وأن الروح القدس يشهد للمسيح ويعطي للمؤمنين كل ما للمسيح ويرشدهم إلى جميع الحق وفي نفس الوقت يبكت العالم على خطية وعلى بر وعلى دينونة “ومتى جاء المعزي الذي سأرسله أنا اليكم من عند أبي روح الحق المنبثق من الآب فهو يشهد لي… ومتى جاء ذاك فهو يبكت العالم من أجل الخطية ومن أجل البر ومن أجل الدينونة… فإذا جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من عنده بل كلما يسمع يتكلم به ويخبركم بما يأتي” (يو١٥: ٢٦ ؛ ١٦: ٨- ١٣).

 

ملخص القراءات

 

ملء الروح القدس

  • تجديد الطبيعة البشرية بصعود المسيح وإرسالية الروح القدس لأجل تجديد الخليقة مرة أخرى ومنح البشرية بهجة الخلاص والنجاة من الدينونة. (مزمور عشية وباكر والقداس).
  • صارت لنا إمكانية الإمتلاء من الروح القدس بإيماننا بالمسيح بعدما تمجدت طبيعتنا في المسيح بموته وقيامته وصعوده. (إنجيل عشية).
  • عطية الروح القدس هي من الآب في اسم المسيح وتنقل لنا كل ما هو للمسيح. (انجيل باكر).
  • الروح القدس والكنيسة: روح الإيمان بالمسيح. روح إستعلان فعل الثالوث. روح المواهب. روح العضوية في جسد المسيح بالمعمودية. روح شركة الحب والإهتمام الواحد لأعضاء الجسد الواحد (البولس).
  • مسحة الروح القدس أعطت للمؤمنين إدراك أسرار الله (التجسد والثالوث) وخطورة مهادنة التعاليم الخاطئة. (الكاثوليكون).
  • فيض الروح القدس على الكنيسة في العهد الجديد كان حسب النبوات ولأجل انتشار الكرازة لكل الأمم.
  • فيض الروح القدس على الكنيسة المصلية بنفس واحدة يعطي المواهب للكل دون تمييز بين رجل وامرأة، بين شاب وشيخ، بين عبد وحر. (الإبركسيس).
  • الابن أرسل الروح القدس للكنيسة من عند الآب بصعوده بالجسد إلى السماء.
  • الروح القدس يشهد للمسيح ويعطي المؤمنين كل ما للمسيح ويرشدهم إلى جميع الحق ويبكت غير المؤمنين على خطية وعلى بر وعلى دينونة. (إنجيل القداس).

 

أفكار مقترحة للعظات للأحد السابع من الخمسين يوم المقدسة

عمل الروح القدس

  • التوبة

“ومتى جاء ذاك يبكت العالم على خطية وعلى بر وعلى دينونة” (يو١٦: ٨).

  • من قبلوا صوت الروح “فلما سمعوا نخسوا في قلوبهم” (أع٢: ٣٧).
  • من رفضوا التوبة ومن جدفوا علي الروح ” يا قساة الرقاب، وغير المختونين بالقلوب والآذان أنتم دائما تقاومون الروح القدس. كما كان آباؤكم كذلك أنتم” (أع٧: ٥١).

التجديف على الروح هو رفض الخلاص، ورفض نداء وتبكيت الروح للتوبة لآخر لحظة في الحياة.

  • التجديد والتطهير والتقديس

“وهكذا كان أناس منكم . لكن اغتسلتم، بل تقدستم، بل تبررتم باسم الرب يسوع وبروح إلهنا” (١كو٦: ١١).

  • الشفاعة والمُؤازرة في الصلاة

“وكذلك الروح أيضا يعين ضعفاتنا، لأننا لسنا نعلم ما نصلي لأجله كما ينبغي. ولكن الروح نفسه يشفع فينا بأنات لا ينطق بها” (رو ٨: ٢٦).

  • وحي النبوَّة

“لأنه لم تأت نبوة قط بمشيئة إنسان، بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس” (٢بط١: ٢١).

  • القيامة من موت الخطية

“وإن كان روح الذي أقام يسوع من الأموات ساكنا فيكم، فالذي أقام المسيح من الأموات سيحيي أجسادكم المائتة أيضاً بروحه الساكن فيكم” (رو٨: ١١).

  • الشهادة للمسيح

“لأن الروح القدس يعلمكم في تلك الساعة ما يجب أن تقولوه” (لو١٢: ١٢).

“لكنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم، وتكونون لي شهودا في أورشليم وفي كل اليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض” (أع١: ٨).

“ولما صلوا تزعزع المكان الذي كانوا مجتمعين فيه، وامتلأ الجميع من الروح القدس، وكانوا يتكلمون بكلام الله بمجاهرة” (أع٤: ٣١).

  • قيادة الكنيسة 

“وبينما هم يخدمون الرب ويصومون، قال الروح القدس: أفرزوا لي برنابا وشاول للعمل الذي دعوتهما إليه” (أع١٣: ٢).

“لأنه قد رأى الروح القدس ونحن، أن لا نضع عليكم ثقلاً أكثر” (أع١٥: ٢٨).

“وبعد ما اجتازوا في فريجية وكورة غلاطية، منعهم الروح القدس أن يتكلموا بالكلمة في أسيا” (أع١٦: ٦).

  • الثمار

“وأما ثمر الروح فهو: محبة، فرح، سلام، طول أناة، لطف، صلاح، إيمان وداعة، تعفف” (غل٥: ٢٢، ٢٣).

  • والمواهب

“فأنواع مواهب موجودة، ولكن الروح واحد” (١كو١٢: ٤).

 

عمل الروح القدس في أسرار الكنيسة

  • المعمودية

“لأننا جميعنا بروح واحد أيضا اعتمدنا إلى جسد واحد” (١كو١٢: ١٣).

“جسد واحد، وروح واحد، كما دعيتم أيضا في رجاء دعوتكم الواحد رب واحد، إيمان واحد، معمودية واحدة” (أف٤: ٤، ٥).

  • مسحة الميرون

“لأنه لم يكن قد حل بعد على أحد منهم، غير أنهم كانوا معتمدين باسم الرب يسوع حينئذ وضعا الأيادي عليهم فقبلوا الروح القدس” (أع ٨: ١٦، ١٧).

“وأما أنتم فلكم مسحة من القدوس وتعلمون كل شيء… وأما أنتم فالمسحة التي أخذتموها منه ثابتة فيكم، ولا حاجة بكم إلى أن يعلمكم أحد، بل كما تعلمكم هذه المسحة عينها عن كل شيء، وهي حق وليست كذبا. كما علمتكم تثبتون فيه” (١يو٢: ٢٠، ٢٧).

  • التوبة والإعتراف

“ومتى جاء ذاك يبكت العالم على خطية وعلى بر وعلى دينونة” (يو١٦: ٨).

“لذلك كما يقول الروح القدس: اليوم إن سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم” (عب٣: ٧، ٨).

“ولما قال هذا نفخ وقال لهم: اقبلوا الروح القدس من غفرتم خطاياه تغفر له، ومن أمسكتم خطاياه أمسكت” (يو٢٠: ٢٢، ٢٣).

  • التناول

“كأس البركة التي نباركها، أليست هي شركة دم المسيح؟ الخبز الذي نكسره، أليس هو شركة جسد المسيح فإننا نحن الكثيرين خبز واحد، جسد واحد، لأننا جميعنا نشترك في الخبز الواحد” (١كو١٠: ١٦، ١٧).

  • مسحة المرضي

“وأخرجوا شياطين كثيرة، ودهنوا بزيت مرضى كثيرين فشفوهم” (مر٦: ١٣).

“ولكن إن كنت أنا بروح الله أخرج الشياطين” (مت١٢: ٢٨).

هنا يتضح أن الرب أعطي مواهب الروح لتلاميذه لإخراج الشياطين وشفاء المرضي

  • الزيجة

“إذا ليسا بعد اثنين بل جسد واحد. فالذي جمعه الله لا يفرقه إنسان” (مت١٩: ٦).

“من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته، ويكون الاثنان جسداً واحداً” (أف٥: ٣١).

“أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم” (١كو ٦: ١٩).

لذلك الروح هو الذي يجعل الإثنين جسد واحد لأن أجسادهم هي هيكله.

  • الكهنوت

“ولما قال هذا نفخ وقال لهم: اقبلوا الروح القدس من غفرتم خطاياه تغفر له، ومن أمسكتم خطاياه أمسكت” (يو٢٠: ٢٢، ٢٣).

“احترزوا إذا لأنفسكم ولجميع الرعية التي أقامكم الروح القدس فيها أساقفة، لترعوا كنيسة الله التي اقتناها بدمه” (أع٢٠: ٢٨).

 

الثمار التلقائية للإمتلاء بالروح

  • الإيمان (أع١١: ٢٤)، (١تس١: ٥).

“لأنه كان رجلاً صالحاً وممتلئاً من الروح القدس والإيمان. فانضم إلى الرب جمع غفير” (أع١١: ٢٤).

“أن إنجيلنا لم يصر لكم بالكلام فقط، بل بالقوة أيضا، وبالروح القدس، وبيقين شديد، كما تعرفون أي رجال كنا بينكم من أجلكم” (١تس١: ٥).

  • المحبّة (رو٥: ٥).

“والرجاء لا يخزى، لأن محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا” (رو٥: ٥).

  • الفرح (أع١٣: ٥٢)، (رو١٤: ١٧)، (١تس١: ٦).

“وأما التلاميذ فكانوا يمتلئون من الفرح والروح القدس” (أع١٣: ٥٢).

“لأن ليس ملكوت الله أكلاً وشرباً، بل هو بر وسلام وفرح في الروح القدس” (رو١٤: ١٧).

الفرح في الضيق “وأنتم صرتم متمثلين بنا وبالرب، إذ قبلتم الكلمة في ضيق كثير، بفرح الروح القدس” (١تس١: ٦).

  • القوة (أع١: ٨-١٠: ٣٨)، (أف٣: ١٦).

“لكنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم، وتكونون لي شهوداً في أورشليم وفي كل اليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض” (أع١: ٨).

“يسوع الذي من الناصرة كيف مسحه الله بالروح القدس والقوة، الذي جال يصنع خيرا ويشفي جميع المتسلط عليهم إبليس، لأن الله كان معه” (أع١٠: ٣٨).

  • الرجاء (رو١٥: ١٣).

“وليملأكم إله الرجاء كل سرور وسلام في الإيمان، لتزدادوا في الرجاء بقوة الروح القدس” (رو١٥: ١٣).

  • الشركة (أع٢: ١)،(أع ١٣: ٢).

“ولما حضر يوم الخمسين كان الجميع معاً بنفس واحدة” (أع٢: ١).

“وبينما هم يخدمون الرب ويصومون، قال الروح القدس: أفرزوا لي برنابا وشاول للعمل الذي دعوتهما إليه” (أع١٣: ٢).

  • السلام (رو١٤: ١٧).

“لأن ليس ملكوت الله أكلاً وشرباً، بل هو بر وسلام وفرح في الروح القدس” (رو١٤: ١٧).

  • الإستنارة (مر١٢: ٣٦)؛ (مر١٣: ١١)؛ (لو٢: ٢٦)؛ (يو١٤: ٢٦)؛ (أع٦: ٣).

“لأن داود نفسه قال بالروح القدس: قال الرب لربي: اجلس عن يميني، حتى أضع أعداءك موطئا لقدميك” (مر١٢: ٣٦).

“وأما المعزي، الروح القدس، الذي سيرسله الآب باسمي، فهو يعلمكم كل شيء، ويذكركم بكل ما قلته لكم” (يو١٤: ٢٦).

“فمتى ساقوكم ليسلموكم، فلا تعتنوا من قبل بما تتكلمون ولا تهتموا، بل مهما أعطيتم في تلك الساعة فبذلك تكلموا. لأن لستم أنتم المتكلمين بل الروح القدس” (مر١٣: ١١).

“وكان قد أوحي إليه بالروح القدس أنه لا يرى الموت قبل أن يرى مسيح الرب” (لو٢: ٢٦).

“فانتخبوا أيها الإخوة سبعة رجال منكم، مشهوداً لهم ومملوين من الروح القدس وحكمة، فنقيمهم على هذه الحاجة” (أع٦: ٣).

  • التعزية «المعزي» (أع٩: ٣١).

“وأما الكنائس في جميع اليهودية والجليل والسامرة فكان لها سلام، وكانت تبنى وتسير في خوف الرب، وبتعزية الروح القدس كانت تتكاثر” (أع٩: ٣١).

 

  • الأرض التي أريك ….

أَرْضٌ لَيْسَ بِالْمَسْكَنَةِ تَأْكُلُ فِيهَا خُبْزًا، وَلاَ يُعْوِزُكَ فِيهَا شَيْءٌ” (تث ٨: ٩).

  1. عندما يأخذ المسيحي قراراً روحياً بإرادة حرَّة بأن يسعى نحو إدراك محبة الله الغنية يأخذه روح الله على الدوام إلي أرض جديدة.
  2. ولكن كما طلب الرب من أبونا إبراهيم أن يترك أرضه وعشيرته ليحيا في أرض الله، هكذا صار هذا هو الطلب الوحيد من الإنسان أن يترك كل ما هو له ليدرك ويختبر كل ما هو لله.
  3. والأرض والعشيرة هنا إشارة إلى كل ما نتعلَّق به ويعوق انطلاقنا إلى أرض الله التي هي إعلانات حبه ومجده وحضوره.
  4. وتصير رحلة حياتنا علي الأرض هي رحلة رؤية إنفتاح أعين القلب على كل ما هو إلهي على الأرض.
  5. ورُبَّما تسير حياتنا مع المسيح في الله بالروح في أربعة أنواع من الأراضي الإلهية
  • أرض الصليب

وهي أرض نبدأ فيها ولا تفترق عنَّا حتى سفرنا للسماء.

وهي الأرض التي فيها نرى يسوع عندما نموت كحبَّة حنطة (يو١٢: ٢٤)، وكُلَّما اجتزنا الموت الإرادي لنعيش وصيَّته كُلٍّما رأيناه وأشرق نور معرفته في قلوبنا (٢كو٤: ٦)، ويصير هنا معنى الأهل والعشيرة التي يجب أن نتركها هي موقفنا من الجسد والخطية، ويعيش المسيحي ويختبر في هذه الرؤية أرض معرفة الله.

  • أرض القيامة

ثم تزداد شركة المسيحي مع يسوع المصلوب فتظهر في حياته مفاعيل القيامة من غفران وفرح وسلام ورجاء ويقين الإيمان، ويعيش في أرض غنى النعمة التي تقوده إلى النمو في معرفة الله (رو ٥: ٢)، والأهل والعشيرة التي يجب أن يتحرَّر منها ويتركها هي الخوف واليأس والشك.

  • أرض الصعود

هنا يعيش المسيحي على الأرض وفكره ملتصق بالسماء (٢كو٤: ١٨)، مُنتظراً الأرض العتيدة (٢كو ٥: ٢)، ومُتَمَتِّعاً بالمواطنة السماوية (في٣: ٢٠)، وتصير هنا الأهل والعشيرة التي يجب أن يتركها هي طلباته الخاصة، ويعيش في العالم وكأنه لا يستعمل العالم (١كو٧: ٣١).

  • أرض العنصرة

هي أرض الملء ، التي لا تبقى فيها للمسيحي إرادة خاصة، ولا ينتظر فيها رأي أحد فيه حتى نفسه (١كو٤: ٣)، ويصير طعامه أن يعمل مشيئة الذي أرسله (يو٤: ٣٤)، والطلب الوحيد هو مجد الذي أرسله (يو٧: ١٨)، ويصير صديق العريس الذي يفرح عندما يرى كل نفس عروس المسيح (٢كو١١: ٢) حتى لو صار أقل في أعين الجميع (يو٣: ٢٦)، (٢كو١٢: ١٥)، ويصير هنا معنى الأهل والعشيرة هي الإرادة الخاصَّة حتى الروحية منها هي الذبيحة التي يُقدِّمها المسيحي فتنفتح أمامه أرض ملء الروح.

ولكن تأتي حروب الجسد من حين لآخر ليعرف المسيحي ضعفه ولا يتوانى في جهاده (أرض الصليب)، ويهاجمه في أحيان أخرى شئ من الخوف واليأس والحزن ليشتاق إلى غنى النعمة (أرض القيامة)، وينزعج أحياناً لأجل أمور أرضية برغم إختبار غنى نعمته ومحبته (أرض الصعود)، ويقع أحياناً في إغواء مشيئته الخاصة برغم خضوع إرادته لإرادة الله (أرض العنصرة).

لذلك قدر حرص المسيحي على الموت اليومي في جهاده الروحي (رو٨: ٣٦)، ونفض كل خوف وحزن ويأس في شركة المحبَّة الإلهية (٢كو٤: ٨) والأخوية (أع ٢٨: ١٥)، وأن يجعل قلبه علي الدوام عند الرب (كو٣: ١)، والتحرَّر من أي مشيئة خاصة (غل٢: ٢٠)، قدر استقراره في أرض الله، وتَمَتُّع آخرين بأرض الله التي فيه.

 

من وحي قراءات اليوم

“ومتى جاء ذاك فهو يبكت العالم من أجل الخطية ومن أجل البر ومن أجل الدينونة ” (إنجيل القدَّاس).

  • إعرف تبكيته الذي يوقظ فيك التوبة.
  • إحتمل تبكيته فهو يبغي خلاصك.
  • لا تهرب من تبكيته فلربما لا تأتي فرصة أخرى.
  • إفرح بتبكيته لأنه يقودك من مجد لمجد.
  • إسعى إلى تبكيته إذا كنت تبغي الكمال.
  • الحزن الردئ ليس هو تبكيته بل المملوء رجاء.
  • الضمير ليس هو دائماً تبكيته لأنه إنعكاس المجتمع (يو١٦: ٢) وليس صوت الله.
  • رسائل الآخرين ليست هي تبكيته إذا كانت لا تملأك بالرجاء.
  • كلمة الله هي تبكيته فإلتصق بها إلهج فيها إفرح بغناها.
  • بكتني ياروح الله ولا تتوقف لحظة ولا تشفق عليَّ لأجل خلاصي. لك كل المجد والإكرام آمين.

 

عظات آبائية

الروح القدس – القديس أثناسيوس الرسولي[4]

إن كنا نستنير بالروح القدس (أف ١: ١٧-١٨)، فإن المسيح هو الذي ينير فينا، لأن الكتاب يقول: “كان النور الحقيقي الذي يُنير كل إنسان آتياً إلى العالم” (يو ١: ٩) .

وأيضاً كما أن الآب ينبوع، ودعي الابن نهراً، قيل إننا نشرب من الروح القدس، لأنه مكتوب: “وجميعنا سقينا من روح واحد” (1كو ١٢: ١٣)، وإن كنا نشرب من الروح القدس، فإننا نشرب من المسيح، لأنه قيل: “إنهم كانوا يشربون من صخرة روحية تابعتهم، والصخرة كانت المسيح” (١كو ١٠: ٤) .

وأيضاً كما أن المسيح ابن حقيقي، فإننا نصير أبناء عندما نقبل الروح القدس. يقول الكتاب: “إذ لم تأخذوا روح العبودية أيضاً للخوف، بل أخذتم روح التبني” (رو ٨: ١٥)، وإن كنا بالروح القدس قد صرنا أبناء، فواضح أننا في المسيح دعينا أولاد الله. “وأما كل الذين قبلوه، فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله” (يو ١: ١٢) .

إذاً فكما أن الآب هو “الحكيم وحده” حسب تعبير بولس، فالابن هو حكمته، “المسيح قوة الله وحكمة الله” (١كو ١: ٢٤)، وكما أن الابن هو الحكمة، فإننا إذ نقبل روح الحكمة يصبح لنا الابن، وفيه نصير حكماء، لأنه هكذا كُتب في المزمور المائة والخامس والأربعين: “الرب يطلق الأسرى، الرب يحكَّم العمي” (مز ١٤٦: ٧- ٨) .

عندما يعطى لنا الروح القدس، إذ قال المخلص: اقبلوا الروح القدس (يو ٢٠: ٢٢)، يصبح الله فينا، لأنه هكذا كتب يوحنا: “إن أحب بعضنا بعضًا، فالله يثبت فينا، بهذا نعرف أننا نثبت فيه وهو فينا، أنه قد أعطانا من روحه” (١يو ٤: ١٢، ١٣). وعندما يكون الله فينا، يكون الأبن أيضاً فينا، لأن الأبن نفسه قال: “الآب وأنا نأتي، وعنده نصنع منزلاً” (يو ١٤: ٢٣).

وأيضاً كما أن الأبن هو الحياة، لأنه قال: “أنا هو الحياة” (يو ١٤: ٦). فإننا نحيا بالروح القدس، إنه يقول: “الذي أقام المسيح من الأموات، سيحيي أجسادكم المائتة أيضاً بروحه الساكن فيكم” (رو ٨ :١١)، وعندما نحيا بالروح القدس يكون المسيح نفسه حياً فينا، لأنه يقول: “مع المسيح صلبت، فأحيا لا أنا، بل المسيح يحيا فيَّ” (غل٢: ٢٠) .

لقد أعلن الأبن أيضاً أن الآب عمل الأعمال التي عملها هو، لأنه يقول: “الآب الحال فيَّ، هو يعمل أعماله، صدقوني إني في الآب والآب فيَّ، وإلاَّ فصدقوني لسبب أعماله” (يو١٤: ١٠- ١٢) .

كذلك أعلن بولس أن الأعمال التي عملها بقوة الروح القدس كانت هي أعمال المسيح، “لأني لا أجسر أن أتكلم عن شيء مما لم يفعله المسيح بواسطتي، لإطاعة الأمم بالقول والفعل، بقوة آيات وعجائب، بقوة الروح القدس” (رو ١٥: ١٨، ١٩).

المواهب التي يقسمها الروح القدس لكل واحد تُمنح من الآب بالكلمة، لأن كل ما للآب هو للأبن أيضاً، إذاً فتلك التي تُمنح من الأبن في الروح القدس هي مواهب الآب، وعندما يكون الروح القدس فينا، يكون فينا أيضاً الكلمة الذي يمنح الروح القدس، والآب الذي هو في الكلمة، وهذا يتفق مع ما قيل: “إليه نأتي، أنا والآب، وعنده نصنع منزلاً” (يو ١٤: ٢٣). لأنه حيث يوجد النور يوجد أيضاً الشعاع، وحيث يوجد الشعاع يوجد أيضاً نشاطه وتوجد نعمته الخافقة .

هذا ما نادى به أيضاً الرسول عندما كتب إلى أهل كورونثوس في الرسالة الثانية: “نعمة ربنا يسوع المسيح ومحبة الله وشركة الروح القدس مع جميعكم” (٢كو ١٣: ١٣). لأن هذه النعمة والموهبة التي تُمنح، إنما تُمنح في الثالوث من الآب بالابن في الروح القدس .

وكما أن النعمة المعطاة هي من الآب بالابن، هكذا لا يمكننا أن نشترك في الموهبة إلا في الروح القدس، لأننا عندما نشترك فيه، تصبح لنا محبة الآب ونعمة الابن وشركة الروح القدس نفسه .

هذه الحقيقة أيضاً تبين أن عمل الثالوث واحد، فالرسول لا يعني أن ما يُعطى، يُعطى بالتجزئة وعلى حدة

من كل أقنوم، بل أن ما يُعطى، يُعطى في الثالوث، وإن كل ما يُعطى هو من الله الواحد.

 

الروح الناري – القديس العظيم الأنبا أنطونيوس[5]

(رسالة يحث أولاده على الجهاد ويذكرهم بجهاده).

يا أيها الأحباء بالرب انا أكتب اليكم مثل الأبناء الأحباء عند آبائهم لأن الأبناء الجسدانيين اذا ما تأملوا آبائهم ووافقوهم فأن الآباء يحبونهم من كل قلوبهم ويكرمونهم غاية الأكرام أكثر من أبنائهم غير المطيعين لهم. واذا كان لهم شيء حسن أدخروه للأولاد الموافقين لهم والمتشبهين بهم. فأما أنتم يا أحبائي بالرب الذين أنا أحبهم بكل القلب، أشتهي أن أكون عندكم في كل حين وأنظركم وأبارك عليكم. لأن تعهدكم لي وتشبهكم بي ورجوعكم إلى الله. فانى أرى كل ذلك.. وقد حللتم بقلبى من أجل كل هذا، ومن الآن فانا أطلب إلى إلهي بسببكم ليلاً ونهاراً لكيما يعطيكم مواهبه التي أعطانيها بنعمته فقط لا باستحقاق. لأن هذا هو الغنى العظيم الذي أعطانيه ربنا وأنا أسأله أن يعطيه لكم وهذا غاية شهوتي وطلبتي دائماً الليل والنهار، أن تكونوا في الموضع الذى أكون فيه عند انتقالي من هذا الجسد. لأن ربنا دائماً من صغري إلى هذا اليوم يسمع لي وأنا عالم أنه برحمته يجيب لي هذه أيضاً. وقد كتبت اليكم لعظم محبة قلبى فيكم لأنكم بجهادكم للرب تشبهتم بى في كل شيء. واعلموا أن سيدنا المسيح لأجل محبته العظيمة هكذا صنع بتلاميذه، اذ قال اننى لست أدعوكم الآن عبيداً بل أخوة وأحباء وأبناء، ولما صاروا له بنين طلب إلى الآب لأجلهم قائلاً: يا أبت أريد أن يكون هؤلاء حيث أكون أنا لاني أنا فيك وهم فيَّ لكى نكون بأجمعنا كاملين في الوحدانية. فانظروا وأفهموا كيف طلب ربنا يسوع المسيح من أبيه لأجل تلاميذه لكونهم صاروا له بنين وان يكونوا معه حيث يكون هو. وهكذا الآن هي طلبتي يا أحبائي أن نكون جميعاً في المكان الذى ليس فيه حزن ولا مرض ولا ظلمة ولا أرواح خبيثة بل مملوءة من كل السرور والنور والحياة الأبدية والأكاليل التي لا تضمحل وأشياء أخر كائنه هناك لا يستطيع اللسان أن يصفها لأنها دائمة إلى أبد الأبد. فيا أولادي صلوا إلى الرب أن يسهل طريقي اليكم دفعة أخرى وأقيم عندكم زماناً ما، لأنى أعلم أن هذا لبنيانكم وفرحكم بالإيمان. فأنا أيضاً أفرح اذا أتيت اليكم لتفرحوا وتنموا بزيادة في الإيمان. وأعرفكم بأسرار أخر كثيرة لا يمكننى أن أكتب اليكم. وأمكم سارة التي هي الروح تفرح بكم. هذه التي أكملت حملها وولدت روحاً إلهياً فيكم وتشتهى أن تكملكم كما طلبت منها عنكم بذلك الروح النارى العظيم الذى قبلته أنا لتقبلوه أنتم أيضاً. واذا أردتم أن تقبلوه ويسكن فيكم فقدموا أولاً أتعاب الجسد وتواضع القلب وأرفعوا أفكاركم إلى السماء في الليل والنهار وأطلبوا باستقامة قلب هذا الروح الناري وحينئذ يُعطى لكم. لأنه هكذا وصل اليه إيليا واليشع وكافة الأنبياء. ولا تفكروا في قلوبكم وتكونوا ذوي قلبين وتقولوا من يقدر أن يقبل هذا! لا يا أولادى لا تدعوا هذه الأفكار تأتي على قلوبكم. بل أطلبوا باستقامة قلب وأنتم تقبلونه. وأنا أيضاً أبوكم أجتهد معكم وأطلب لأجكم أن تقبلوه، لأنى أنا عارف أنكم كاملين وقادرين على قبوله. لأن كل من يُفلح ذاته بهذه الفلاحة فإن الروح يُعطى له في كل جيل وإلى الأبد. وأعرف أن أناساً قبلوه ولما لم يكملوا هذه الفلاحة لم يثبت الروح فيهم فأما أنتم يا أحبائي الذين أشتهي من كل قلبي أن أنظركم لأجل استقامة عقولكم على الطريق الحق داوموا على الطلبة باجتهاد من كل قلوبكم فإنه يعطى لكم، لأن ذلك الروح يسكن في القلوب المستقيمة واذا قبلتموه فإنه يكشف لكم أسرار علوية وأشياء أخر لا استطيع أن أعبر عنها بالكتابة بالقلم والمداد، ويجعلكم أن تبتعدوا عن خوف البشر والوحوش الضارية وما يشبه ذلك ويكون لكم فرح سماوى ليلاً ونهاراً وتكونون في هذا الجسد كمن هم في ملكوت السموات. ولا تطلبوا عن أنفسكم فقط بل وعن الآخرين، لأن كل من قبل الروح لا ينبغي له أن يطلب عن ذاته فقط، لكن عن الغير أيضاً. كما صنع موسى لما قبل هذا الروح طلب من أجل شعبه قائلاً لله أن كنت تهلك هؤلاء فامحُ اسمي من سفر الحياة الذى كتبت، وهكذا تكون طلبة كل من وصل إلى هذا الحد من القديسين وغيرهم. فإنني لا أقدر أن اصفهم باسمائهم واحداً واحداً. أما أنتم فحكماء وتعرفونهم، وأنا فطلبتي الآن نهارًا وليلًا ليكون فيكم عظمة لذة هذا الروح الذى قد قبله جميع الاطهار. واني يا أولادي الأحباء، بعد أن كتبت هذه الرسالة تحرك في روح الله أن أكتب لكم عن هذا الروح الناري في آخرها وعن المحبة الإلهية. وإذا أتيت اليكم بمعونة الله عرفتكم أشياء أخر كثيرة عن الروح النارى هذا لكى تقتنوا جميعها. وكما بثثتكم السلام في بداية الرسالة كذلك أيضاً ابثكم السلام بمحبة الرب في آخرها بهذا الروح الناري الذى قبلته أنا وأياكم بنعمة الرب. وأطلب اليكم أن تتركوا إرادتكم الحسية وتلزموا الهدوء بكل نوع لكى تسكن فيكم القوات العلوية بمؤازرة هذا الروح القدس وتعينكم على العمل بإرادة الثالوث الأقدس الآب والأبن والروح القدس له السبح دائماً سرمدياً إلى أبد الآبدين آمين.

 

مسحة الروح القدس – القديس مكاريوس الكبير[6]

مسحة المسيحيين الروحانية ومجدهم، وإنه بدون المسيح يستحيل الخلاص وتستحيل الشركة في الحياة الأبدية.

مسحة الروح

  • المسيحيون الكاملون الذين حسبوا أهلاً للوصول إلى مقاييس الكمال والالتصاق جداً بالملك (المسيح)، هؤلاء يكرسون انفسهم دائماً لصليب المسيح، وكما كانت المسحة في أيام الأنبياء هي أثمن من جميع الأشياء – إذ أن المسحة جعلتهم ملوكاً وانبياء، هكذا الأشخاص الروحيون الآن، الذين يُمسَحون بالمسحة السماوية فإنهم يصيرون مسحاء بحسب النعمة، فيكونون هم أيضاً ملوكاً وأنبياء للأسرار السماوية .

هؤلاء هم أبناء وأرباب وآلهة، مأسورون ومستعبدون لنعمة الله، ومستغرقون في العمق، مصلوبون ومكرسون. فإن كانت مسحة الزيت، التي استخرجت من نبات مادي – من شجرة منظورة لها كل هذه القوة، حتى أن أولئك الذين مسحوا بها، نالوا كرامة فوق كل اعتبار – فإنه هكذا كانت القاعدة الثابتة التي بها يعينون ملكاً، فداود مثلاً بعد أن مسح، وقع في الحال في اضطهاد وآلام، ثم بعد سبع سنوات صار ملكاً، فكم بالحري جداً كل الذين يُمسَحون في العقل والإنسان الباطن بدهن البهجة (عب١: ٩) الذي يقدس ويبهج، الدهن السَّماويّ الروحاني، ينالون علامة ذلك الملكوت الذي لا يفنى، والقوة الأبدية، عربون الروح (٢كو ٥: ٥)، أي الروح القدس المعزي، وهو يسمي المعزي لأنه يعزي أولئك الذين في الشدائد.

الدخول منذ الآن ومعاينة النور :

  • فهؤلاء اذ قد مُسحوا من شجرة الحياة – أي يسوع المسيح الغرس السَّماويّ، فإنهم ينالون امتياز المجيء إلى درجات الكمال، درجات الملكوت والتبني، ويكونون مشاركين حقيقيين في أسرار الملك السَّماويّ وخفاياه، اذ يدخلون بحرية إلى القدير، يدخلون في قصره حيث يكون الملائكة وأرواح القديسين، وهم يدخلون منذ الآن بينما هم لا يزالون في هذا العالم، ورغم أنهم لم ينالوا الميراث الكامل المُعد لهم في ذلك الدَّهر، فإنهم متيقنون – عن طريق العربون الذي قد نالوه الآن – كأنهم قد كُلِّلوا وملكوا، واذ هم عتيدون أن يملكوا مع المسيح، فإنهم لا يستغربون وفرة وحرية فيض الروح. لماذا؟.. لأنهم حصلوا – وهم لا يزالون في الجسد – على لذة حلاوته وعلى عمل قوته الفعالة .
  • فحينما يكون انسان ما صديقاً للامبراطور، ويعمل في قصره ويتعرَّف على أسراره وخفاياه، وينظر أرجوانه، فإذا صار ذلك الإنسان هو نفسه امبراطوراً فيما بعد، وتوج فإنه لا يندهش أو يُصدَم «بما في القصر» حيث أنه سبق أن تدرّب طويلاً في أسرار القصر وخفاياه. فلا يستطيع شخص ساذج أو جاهل أو غريب عن خفايا القصر أن يدخل القصر ويملك، بل يستطيع ذلك فقط أولئك الذين لهم خبرة وتدرب، وكذلك المسيحيون الذين سيملكون في الدَّهر الآتي، فإنهم لا يستغربون، إذ أنهم سبق أن تعرَّفوا على أسرار النعمة وخفاياها. فحينما تعدى الإنسان الوصيَّة ألقى الشيطان على النَّفس حجاباً مظلماً. ثم تأتي النعمة فتزيل الحجاب تماماً، حتى أن النَّفس إذ تصير نقية، وتستعيد طبيعتها الأصلية، وتصير صافية بلا عيب، فإنها تنظر دائماً بصفاء – بعينها النقية – مجد النور الحقيقي، وشمس البر الحقيقية ساطعة بأشعتها داخل القلب نفسه .
  • وكما أنه في نهاية العالم تزول السماء (الجلد) ويعيش الأبرار حينئذ في الملكوت والنور والمجد ولا يعاينون شيئاً آخر سوى المسيح وهو في المجد جالس دائماً عن يمين الآب، هؤلاء الناس يختطفون منذ الآن إلى ذلك الدَّهر الآتي ويؤسرون، وهناك يعاينون كل أنواع الجمال والبهاء والعجائب .

فنحن رغم أننا على الأرض فإن “مدينتنا هي في السموات” (في٣: ٢٠) إذ فيما يخص العقل والإنسان الباطن، نصرف وقتنا ونقوم بانشطتنا في ذلك العالم. وكما أن العين الظَّاهرة – عندما تكون صافية – ترى الشمس دائماً بوضوح ، هكذا العقل المُطهَّر تماماً فإنه دائماً ينظر مجد نور المسيح ويكون مع الرب ليلاً ونهاراً، كما أن جسد الرب المتحد باللاهوت هو دائماً مع الروح القدس.

 

قوة الله تستعلن بالروح – القديس كيرلس الأسكندري[7]

إذًا إن كان قد قام من الأموات، وبقوة الروح القدس المحييّة قد فك قيود الموت، وتعيّن المسيح حقًا ابن الله، وهو كذلك، فلا يمكن أن يكون مخلوقًا ذاك الذي بواسطته صار إعلان القوة الإلهية، أي الروح، لكي لا يظهر أن المسيح قد تعين بطريقة ما، بواسطة مخلوق، بل بالأحرى استخدم قوته، تلك التي للروح الواحد في الجوهر. ويقول: “إذ أُخضعت كل الخليقة للبطل. ليس طوعًا بل من أجل الذي أخضعها على الرجاء” (رو ٨: ٢٠). إذًا لو أن الروح القدس مخلوق، فيلزم أن نعترف بالضرورة أن الروح أيضًا خضع للبطل، ويئن مع الخليقة ويتمخض، والآن هو يوجد كما لو كان في حالة عبودية، وسيتحرر لكي يصل إلى حرية مجد أولاد الله (رو ٨: ٢١).

ويقول أيضًا القديس بولس في حالة أخرى: “إذ لم تأخذوا روح العبودية أيضًا للخوف بل أخذتم روح التبني الذي به نصرخ يا أبا الآب” (رو ٨: ١٥). فلو كان الروح القدس عبدًا، كمخلوق، فكيف نصرخ به “يا أبا الآب”؟ لكنه حرر الذين حل فيهم من العبودية، وبالأحرى جعلهم أبناءً أحرارًا، مُظهرًا إياهم شركاءً في طبيعته. فذاك الذي ليس بمخلوق، والذي لا ينتمي لنظام أو طبقة العبيد، هو خاص بالجوهر الإلهي في كل الأحوال.

وعن الإنجازات أو العطايا التي صارت من مخلصنا لمنفعة الأمم، بواسطة الروح، يفتخر الرسول بولس قائلاً: “فلي افتخار في المسيح يسوع من جهة ما لله. لأني لا أجسر أن أتكلم عن شيء مما لم يفعله المسيح بواسطتي لأجل إطاعة الأمم بالقول والفعل. بقوة وآيات وعجائب بقوة روح الله” (رو١٥: ١٧– ١٩). إذًا طالما أن المسيح يصنع الآيات والعجائب بواسطة بولس، بقوة الروح القدس، كطاقة طبيعية وحية، وكفعل لألوهية الابن، فكيف يكون ذاك الذي هو في الله، وينبثق من الله بطريقة طبيعية، مخلوقًا؟ وكيف يكون مخلوقًا ذاك الذي بقوته يعمل الابن (في القديسين)، الأمر الذي يعد كفرًا بمجرد النطق به؟ يُعلّم القديس بولس عن الكرازة المخلّصة، أنها لا تحتاج إلى الكلمة القاسية أو المفزعة، إذ يكتب في رسالته إلى أهل كورنثوس: “وأنا كنت عندكم في ضعف وخوف ورعدة كثيرة. وكلامي وكرازتي لم يكونا بكلام الحكمة الإنسانية المقنع بل ببرهان الروح والقوة. لكي لا يكون إيمانكم بحكمة الناس بل بقوة الله” (١كو ٢: ٣ – ٥).

ها هو يسمى برهان الروح، أي عمل الروح، قوة الله. لأنه من الله ومع الله، الروح يصنع كل شيء بطريقة طبيعية، كيف إذًا يكون مخلوقًا، ذاك الذي هو واحد في الجوهر مع الله، والذي يُعرف أو يُستعلن لنا على قدر استيعابنا، كما لو كنا ننظر في مرآه في لغز (١كو ١٣: ١٢).

“أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم الذي لكم من الله” (١كو ٦: ١٩). إذًا عندما نصير مسكن وهيكل لله، بسكنى الروح القدس فينا، فكيف لا يكون للروح طبيعة إلهية، وكيف سيُحصى بين المخلوقات، في اللحظة التي يتضح فيها، أنه لا يوجد بين الأشياء المخلوقة، ما يُقال عنه أنه يسكن في هيكل كإله، بل إن هذه الصفة مع صفات أخرى، هي الخاصية التي تُميز الطبيعة الإلهية وحدها؟.

“فبكل سرور افتخر بالحري في ضعفاتي لكي تحل علىّ قوة المسيح” (٢كو١٢: ٩). فإن كان الروح هو الذي يحل ويسكن فينا، ومن خلاله يسكن المسيح فينا، إذًا فالروح القدس هو قوة المسيح. وإن كان الأمر هكذا، فكيف يكون مخلوقًا مَن هو بالطبيعة كائن في الابن؟ ويمكنهم أيضًا أن يقولوا إن الله الكلمة الذي ليس فيه ازدواجية أو ثنائية، هو مُركب من اثنين، أى من طبيعة مولودة ومن طبيعته الذاتية (الإلهية). لكن إن كان كل هذا هو أمر غير لائق، فإن الروح ليس مخلوقًا، لكنه من الجوهر الإلهي غير المُدرك، كقوة له، وبمعنى ما كطاقة طبيعية. والرسول بولس يتكلم عن المسيح مخلّصنا، فيقول: “الذي فيه أيضًا أنتم إذ سمعتم كلمة الحق إنجيل خلاصكم الذي فيه أيضًا إذ آمنتم ختمتم بروح الموعد القدوس. الذي هو عربون ميراثنا لفداء المقتني لمدح مجده” (أف ١: ١٣ – ١٤).

يوزع المواهب الإلهية

فإن كنا قد خُتمنا بالروح القدس، وأُعيد تشكيلنا لله، فكيف يمكن اعتبار الذي بواسطته حُفرت في داخلنا أيقونة الجوهر الإلهي، وبقيت فينا علامات الطبيعة غير المخلوقة، مخلوق؟ لأن الروح بالطبع عندما يكون محددًا للصورة فقط فهو لا يرسم فينا جوهر الله، لو أنه كان مختلفًا عن جوهر الله، ولا بهذه الطريقة يقودنا لنصير على شبه الله. ولكن هذا ما يحدث، فهو لأنه إله وينبثق من الله، لذلك ينطبع في قلوب أولئك الذين قبلوه كختم كما على شمع، وبالشركة معه، والتشبه به، تُستعلن الصورة مرة أخرى، في الطبيعة بحسب جمالها الأول. إذًا كيف يكون مخلوقًا، ذاك الذي بواسطته تتجلى الطبيعة، بأن تصير لها شركة مع لله؟ “تعقلوا واصحوا للصلوات. ولكن قبل كل شيء لتكن محبتكم بعضكم لبعض شديدة لأن المحبة تستر كثرة من الخطايا. كونوا مُضيفين بعضكم لبعض بلا دمدمة. ليكن كل واحد بحسب ما أخذ موهبة يخدم بها بعضكم بعض كوكلاء صالحين على نعمة الله المتنوعة” (١بط ٤: ٧ – ١٠).

لاحظ من فضلك أنه بينما يوزع الروح القدس المواهب الإلهية، ويقسّمها لكل قديس، بسلطان وكما يُريد، فإن القديس بطرس يؤكد بكل ثقة أن أنواع هذه النعمة، والهبات تصير من الله، وأن الروح ليس غريبًا عن الطبيعة الإلهية. إذًا طالما أن القديس بطرس يدعو الروح، إلهًا، فكيف لا يكون كافرًا ومختل العقل من يجعله في عداد المخلوقات، ويتجرأ ويخاطر بأن يناقض بشارة الرسل القديسين؟.

“من هو الذي يغلب العالم إلاّ الذي يؤمن أن يسوع هو ابن الله هذا هو الذي أتى بماء ودم يسوع المسيح. لا بالماء فقط بل بالماء والدم. والروح هو الذي يشهد لأن الروح هو الحق. فإن الذين يشهدون في السماء هم ثلاثة الآب والكلمة والروح القدس وهؤلاء الثلاثة هم واحد. والذين يشهدون في الأرض هم ثلاثة الروح والماء والدم والثلاثة هم واحد. إن كنا نقبل شهادة الناس فشهادة الله أعظم لأن هذه هي شهادة الله التي شهد بها عن ابنه” (1يو5: 5- 9). لاحظ إذًا مرة أخرى، أن الكارز بالحقيقة، يُسمي الروح، إلهًا، ومنبثقًا من الله بالطبيعة. لأنه قال، إن الروح هو الذي يشهد، ويتقدم قليلاً، قائلاً: “شهادة الله أعظم”. إذًا كيف يكون الروح مخلوقًا، وهو منبثق من الله بالطبيعة، ومُتمم للثالوث القدوس؟.

يعيد ولادتنا للخلاص

“أما ولادة يسوع المسيح فكانت هكذا. لما كانت مريم أمه مخطوبة ليوسف قبل أن يجتمعا وجدت حبلى من الروح القدس” (متى ١: ١٨). من حيث إنه يستطيع أن يخلق، فهذا أمر يتعلق بالطبيعة الإلهية وحدها، وهذا الأمر بالإضافة إلى جوانب أخرى، يؤكد على ما للروح القدس من رتب إلهية موقرة، ومتميزة تمامًا، وأن الروح الإلهي يخلق داخل هيكل العذراء، وفقًا للكتب، إذًا من يقول أن الروح مخلوق، ألا يُعد هذا كفرًا وهوسًا؟ لأنه يوجه إتهامًا للجوهر الاسمي من كل شيء، ويتدني به، ويحسبه في عِداد المخلوقات، والتي هى حديثة العهد في وجودها، وليس منذ البدء. لكن الله بالنسبة لنا، ليس حديث العهد، بحسب ما كُتب في المزامير (مز ٨١: ٧). إذًا لم تخلق الطبيعة الإلهية النقية، لكن بالأحرى هي موجودة منذ البدء. فإن كان الأمر هكذا، فكيف يمكن أن يقال إن الروح القدس، الروح الإلهي، قد خُلق، بينما هو موجود في الله الآب؟.

“وأما الذين قبلوه فأعطاهم سلطانًا أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون باسمه. الذين ولدوا ليس من دم ولا من مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل بل من الله” (يو١: ١٢- ١٣). فإن كان الروح هو الذي يُعيد ولادتنا للخلاص بالإيمان بالمسيح، حتى أنه بواسطته نصير مولودين من الله، فكيف يكون ممكنًا ألا يكون الروح إلهًا؟ بل إننا نحن الذين آمنا، قد صرنا مولودين من الروح. وهذا ما أكده المخلص لنيقوديموس قائلاً: “الريح تهب حيث تشاء وتسمع صوتها لكنك لا تعلم من أين تأتي ولا إلى أين تذهب. هكذا كل من ولد من الروح” (يو ٣: ٨).”ومتى جاء المعزي الذي سأرسله أنا إليكم من الآب روح الحق الذي من عند الآب ينبثق فهو يشهد لي” (يوحنا 15: 26). فإن كان الروح القدس ينبثق من الله الآب، وواحد معه في الجوهر، وإن كان الآب غير مولود ولا مخلوق، فكيف يمكن أن يكون الروح الذي ينبثق من الآب، مولودًا؟ وكيف صرنا نحن هيكل الله، بسكنى الروح القدس، إن لم يكن إلهًا؟.

 

ميمر العنصرة أو حلول الروح القدس – للآب المكرم القس بولس البوشي[8]

أيها الروح القدس المنبثق من الآب، الملك السماوي روح الحق، الحاضر في كل مكان، ماليء الكل كنز الصالحات ورازق الحياة، هلم واسكن فينا وطهرنا من كل دنس أيها الصالح وخلص نفوسنا .

يا من منح التلاميذ حكمة فاضلة حتي صاروا معلمين ومرشدين لكل المسكونة، امنح أيها الروح المحيي عبيدك تدبيراً يؤول إلى الحياة الأبدية حتى نحيا بك .

هبني أنا الحقير أن أتكلم بكرامتك أيها الروح الحق المتكلم في النفوس والأنبياء والقديسين إلى الأبد .

أعطني معرفة يا من يعطي كل المواهب الفاضلة لكي أعلن مجدك المتساوي مع الآب والإبن في الجوهر والقدم والأزلية .

إلهمني منطقاً يا من ولدتنا ميلاداً ثانياً لا يبلى لرجاء حياة لا تفنى، وبك نجسر أن ندعو الله أبانا، لكي أنطق بجلال كرامتك وقوة أفعالك الكائنة في كل مكان .

أيها الروح القدس المنبثق من الآب أبدياً والمستقر في الإبن أزلياً سرمدياً بوحدانية الجوهر بلا ابتداء ولا انتهاء .

أنت هو روح الحياة، روح الطهارة، روح العفاف، روح القوة، روح المواهب الفاضلة الكثيرة الأنواع، روح الرسالة، روح النبوة، روح القداسة، روح المعرفة، روح الحكمة، روح الثبات روح الصبر، روح الإيمان الفاعل بكل سلطان وقدرة وجبروت، ليس كالخادم بل كالمتسلط الحاضر مع كل أحد، وكائن في كل مكان، المحتوي على كل شيء ولا شيء يحويه، القوي الذي لا يمانع، والفاعل في الملكوت الذي لا يحد البسيط في طبعه، العظيم في أفعاله، الجبار في اقتداره، معدن العطايا الفاضلة، وينبوع المواهب العالية، المعطي نطقاً للأنبياء، وبشرى للرسل، وتشجيعاً للشهداء، وعفة للبتوليين، ونسكاً للقديسين، الفاعل في رتبة الكهنوت، الوالد المعمدين بنين لله، وبواسطته نكمل الذبيحة من مشارق الشمس إلى مغاربها ومن شمالها إلى جنوبها .

روح البر والحق، البارقليط المعزي، المنبثق من الآب، نسجد له ونمجده، مع الآب والإبن، كما سلمت إلينا الأمانة الأرثوذكسية .

وهكذا نؤمن أن الثالوث الأقدس لاهوت واحد، لأن الله موجود، ناطق حي سرمداً، فإذا قلنا الله فإنما نقول الآب والابن والروح القدس، لأن الخواص لا تزيد عن ذلك ولا تنضم أقل من هذا، ولسنا بهذا نعبد ثلاثة آلهة لئلا نكون كالوثنيين الذين يقولون بكثرة الآلهة، ولا نكون كاليهود الذين يجحدون كلمة الله وروحه، لأن الرديء فيهما متساوي وإن كان قولهم مختلفاً، لأنا نستدل أن الله واحد ذو ثلاثة أقانيم وليس له مثيل في هذا، وقد شبهوا هذا الاتحاد بنار وحرارة متولدة منها ونور منبعث، فالنار واحدة والخواص ثلاثة لجوهر النار الواحد، وحيثما يوجد اللهيب يوجد معه دائماً الحرارة والنور، وإن كان القياس ليس هو كالمقياس به في كل أبحاثه، إنما يراد به وجه واحد لا غير لأنه لو كان القياس لا يخرج عن المقاس بشيء في كل أنحائه كان إذاً هو الشيء نفسه الذي يراد به القياس!! فالثالوث يتعالى عن كل التشبيهات لكمال خواصه .

فلو أن جوهر الله سبحانه كان عدة أفراد لكان هذا نقصاً وحاشا، ولكن لأنه لا مثيل له فقد وجب أن يتعالى في صفة الكمال لا النقص، ولأنه ثلاثة أقانيم جوهر واحد فقد علت صفته عن كل تشبيه ومثال، لأنه لا سبيل أن يوجد في كل البرايا جوهر واحد ذو ثلاثة أقانيم خاصية كاملة بغير تجزيء في كل أنحائه .

فهذه هي صفة الله بالحقيقة بغير زيادة ولا نقص، وقد كملت صفته في أحد الوجهين (أي في الوحدانية والتثليث)، أما في الواحدة فلاتفاقها وملاءمتها في كل الأنحاء موصوفة بها ذواتها أما في الثلاث صفات التي للخواص الذاتية فلأجل كمالها لأن هذه الصفات ليست بعضاً من كل، لأن التبعيد والتجزيء لا يلائم المحتوى على الكل إلا أن يحجزه شيء من غير جوهره بما يفوقه في القدرة ويجل عليه في القوة، ومعاذ الله من ذلك، فإذا كان الأمر هكذا فقد صح أنها صفات ذات كاملة، يظهر كمالها بوحدانيتها، وتظهر خواصها بأقانيمها، وهي لضبطها وانبساطها واحتوائها واحدة في جوهرها (أي مع وجود التثليث والتوحيد فالجوهر واحد)، كاملة في فعالها، لاهوت واحد في صفاتها.

وإن قال قائل لماذا أثبتم أن الله متكلم حي والكلمة والحياة قديمان معه فأوجبتم لكل صفة أقنوماً فهو إذاً سميع عليم بصير، في حال الأزلية والقدم، فأوجبوا لهذه الصفات أقانيم؟! نرد عليه قائلين إنما الكلمة والحياة صفتان ذاتيتان، وأما غيرها فهي أفعال صادرة عن الصفات لأنه لا يكون واضع الناموس إلا متكلم، ولا يأمر وينهي إلا ناطق، ولا سميع عليم إلا حي، فيصدر عنه لهذه الصفات وغيرها لافتعالها منه.

وكذلك يقال إنه خالق بالكلمة ذي الحياة كقول داود النبي “بكلمة الله خلقت السموات وبروح فيه كل جنودها” (مز٣٣: ٦) ومكتوب أيضاً “أنه قال فكانوا وأمر فخلقوا” (مز٣٣: ٩) والكتاب المقدس في سفر الخليقة يقول “وقال الله ليكن نور فكان كذلك” (تك١: ٣) وقال ليكن كذا فكان. فخلقها إذاً بكلمته وأحياها بروحه، فصح إذاً أن الكلمة والروح صفتان ذاتيتان يصدر عنهما كل الأنواع الموصوفة عن الإله .

وداود النبي يقول “أرسل كلمته فشفاهم وأنقذهم من الفساد” (مز١٠٧: ٢٠) وعن الروح يقول “ترسل روحك فيخلقون وتجدد وجه الأرض” (مز١٠٤: ٣٠) .

هذه كلمة وجيزة عن الثالوث الأقدس وعن الكلمة الذي كان رمزاً في كتب الأنبياء، ثم ظهر بالتجسد الإلهي العجيب، ثم نعود إلى موضوعنا وهو شرف هذا العيد المجيد أعني البارقليط المعزي روح القدس المتكلم في الناموس والأنبياء، كما هو مكتوب في بدء سفر الخليقة “في البدء خلق الله ذات السماء وذات الأرض وكانت الأرض خالية خاوية وكانت الظلمة غاشية وجه الغمر وروح الله يرف على وجه المياه .

ومكتوب أيضاً في السفر الأول وكلم الله نوحاً قائلاً “إن روحي لا يحل في هؤلاء القوم” (تك٦: ٣) ومكتوب أيضاً في السفر الأول “إن فرعون قال لعبيده لأجل يوسف بن يعقوب إسرائيل “هل يوجد مثل هذا رجلاً فيه روح الله” (تك٤١: ٣٨) ومكتوب في السفر الثاني: وكلم الرب موسى وقال له أعلم إني انتخبت بصلئيل بن أوري بن حور من سبط يهوذا وأسبغت عليه روح الله، وملأته من الحكمة والعلم في كل عمل ليعمل الصناعات في عمل آنية الذهب والفضة والنحاس وفي نقش الحجارة التي في القبة ونظمها وكمالها ونجارة الخشب ليعمل كل الأعمال التي أمرتك لصنع القبة” (خر٣١: ٢- ٥). ومكتوب في السفر الرابع: وكلم الله موسى وقال له اجمع سبعين شيخاً من شيوخ بني إسرائيل الذين تعرف أنهم رؤساء الشعب فقدمهم إلى قبة الشهادة وهناك أقدمك وأفيض عليهم من الروح الذي عليك يعني روح النبوة لأنه روح واحد فاعل في الكل فيحلمون معك ثقل هذا الشعب..

وجمع موسى سبعين شيخاً من شيوخ بني إسرائيل وأقامهم أمام الله، ونظر الله وكلمه من الغمام ثم أفاض من الروح الذي عليه وجعل على السبعين شيخاً، فلما حل عليهم الروح تنبأوا وتأخر منهم اثنان في المحلة لم يحضرا، اسم أحدهما الداد واسم الآخر ميداد لم يأتيا إلى القبة وتنبآ في المحلة، فجاء الخبر إلى موسى أن الداد وميداد تنبآ في المحلة، فقال يشوع بن نون خادم موسى بنقاوة لموسى يا سيدي اقمعهما فقال له موسى لا تحسدهما ليت الله جعل شعبه كله أنبياء لأن الله قد أفاض روحه عليهما فتنبآ (عدد١١: ٢٩) .

ومكتوب أيضاً في آخر السفر الخامس بعد موت موسى أن يشوع بن نون امتلأ من روح الحكمة من أجل أن موسى جعل عليه اليد فأطاعه بنو إسرائيل وفعل كما أوصى الله موسى (تث ٣٤: ٩) .

ومكتوب أن صموئيل النبي كان عليه روح الله ودبر الشعب جيداً وكان الله معه وحافظاً للشعب كل أيام حياة صموئيل، ولما مسح صموئيل النبي شاول بن قيس ملكاً قال له هذه علامة أن الله يكمل لك ذلك، هوذا تذهب في الطريق فتلقي جماعة أنبياء يتنبأون ويحل عليك الروح وتتنبأ معهم، ولما ذهب وجد كما قال له وحل عليه الروح القدس وتنبأ معهم (١صم١٠: ٦) لأن هذا الروح الواحد الفعَّال في النبوة والمُلك والكهنوت.

وأيضاً مكتوب لما مسح صموئيل داود بن يسى ملكاً ووضع عليه اليد وصلى عليه حل عليه حلَّ عليه الروح القدس فتنبأ وبدأ يقول المزامير من ذلك اليوم (١صم ١٦: ١٣) وأن روح الله أُنتزِعَ من شاول الملك عندما خالف كلمة الله ولم يعمل بها (١صم ١٦: ١٤). ولأجل هذا الروح كان داود يتضرع إلى الله عندما أخطأ أن يجدده فيه بالتوبة لئلا يناله ما أصاب شاول الذي تقدمه، فتاب بقوة ورجع رجعة فاضلة وكان يتضرع قائلاً “قلباً طاهراً أخلق فيّ يا الله وروحاً مستقيماً جدده في أحشائي، لا تطرحني من يديك ولا تنزع عني روح قدسك، أعطني بهجة خلاصك وبروحك القادر ثبتني” (مز٥١: ١٠) وقال “روحك الصالح يهديني إلى سبل الإستقامة” (مز١٤٣: ١٠)، وقال من أجل الروح أيضاً “فتحت فمي واستنشقت روحاً لأني أحببت وصاياك” (مز١١٩: ١٣١) .

وإشعياء يقول “منذ بدأت لم أتكلم في خفية بل أرسلني وروحه” (إش ٤٨: ١٦) وقال: “ويحل عليه روح الرب روح الحكمة والفهم، روح المشورة والقوة، روح المعرفة ومخافة الرب” (إش١١: ٢) وقال “روح الرب عليّ من أجل هذا مسحني وأرسلني” (إش٦١: ١) وقال “هذا عهدي معهم يقول الرب روحي الذي هو عليك وكلامي الذي وضعته في فمك” (إش ٥٩: ٢١)، وقال أيضاً في إشعياء عن اليهود “إنهم أغاظوني وأغضبوا روحي القدوس”.

وحزقيال يقول: “وأخذني الرب بالروح إلى وادي مملوء عظاماً وقال لي تنبأ يا ابن آدم وقل لها أيتها العظام اليابسة اسمعي كلمة الرب” (مز٣٧: ٤). وقال حزقيال أيضاً “فحل عليّ روح الله وقال قل هكذا يقول الرب” وقال أيضاً “وحملني إلى أرض الكلدانيين في السبي في الرؤيا بروح الله” (حز١١: ٢٤)، وقال أيضاً “أنضح عليكم ماء نقياً واجعل لكم قلباً جديداً فأعطيكم روحاً جديداً وأمنحكم روحي” (مز٣٦: ٢٥- ٢٦) .

ويقول الرب في دانيال “مكتوب لأجل سوسنة أن الله نبه روحاً قدوساً في فتى يدعى دانيال” (دا ١٣: ٤٥)، ودانيال النبي يقول لنبوخذ نصر ملك بابل إن حكماء بابل ليس فيهم روح الله، ولذلك لا يعرفون الغيب ولا يقدرون أن يقصوا الرؤيا التي رأيت أيها الملك” (دا ٢: ٢٧- ٢٨) .

وأيضاً مكتوب “إن الروح القدس الذي كان علي إيليا تضاعف دفعتين على اليشع تلميذه” (٢مل ٢: ٩)، وكيف يفسر ذلك وإيليا إلى اليوم أكبر من اليشع؟! فاعلم إذا أن الكتاب لم يقل شيئاً باطلاً وإنما تضاعف الروح في فعل الآيات وذلك أن إيليا صنع سبع آيات مشهورة، وصنع اليشع أربع عشرة آية معلومة!! لقد أقام إيليا بصلاته ميتاً واحداً وأقام اليشع اثنين، إلا أن فعل الآيات ليس كما يشاء النبي بل كما يشاء الروح الفاعل فيه.

وقال ميخا النبي “لكنني أنا ملآن قوة روح الرب” (مي٣: ٨) .

وقال حجي النبي من أجل أني معكم يقول الرب ضابط الكل وروحي حال في وسطكم” (حج٢: ٥).

وقال الله في زكريا “اقبلوا كلامي وشرائعي وكل ما أوحيت به عبيدي الأنبياء بروحي” (زك ٧: ١٢).

وقد أردت أن أطنب القول في فعل الروح القدس، كما ورد في الأنبياء لكن خشيت من التطويل، هذا الروح الذي منه تعطى كل المواهب الفاضلة كما يقول بطرس الرسول “لأنه لم تأت نبوة قط بمشيئة إنسان بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس” (٢بط ١: ٢١) .

ولنختصر الآن في ذكر الأنبياء ونتكلم في فعل الروح القدس مع الرسل الأطهار ونبين ما هو التفاضل الذي بينهم وبين الأنبياء لأن أولئك كانوا يتكلمون حين حلول الروح عليهم بما هو مزمع أن يكون، وأما الرسل فكان الروح حالاً فيهم دائماً مستمراً وذلك لأنهم تقلدوا تدبير كل المسكونة بالبشرى الإنجيلية والتعليم والتعمير ووضع يد الرئاسة وفعل الآيات كما شهد لهم الرب بذلك قائلاً: “إني معطيكم البارقليط يثبت معكم إلى الأبد. روح الحق الذي لا يطيق العالم أن يقبله لأنهم لم يروه ولم يعرفوه، وأنتم تعرفونه لأنه مقيم عندكم وهو فيكم” (يو١٤: ١٦) فقد صح أنه ثابت معهم إلى الإنقضاء.

ثم منحهم رئاسة وقوة أفضل من الأنبياء كما شهد بولس الرسول قائلاً: “أما نحن الذين لنا باكورة الروح” (رو٨: ٢٣)، أعني أن الله شرف الرسل فوق كل الرتب كما قال “إن الله ربنا يسوع المسيح الذي سيظهر في وقته، الله المبارك العزيز وحده ملك الملوك ورب الأرباب الذي وحده لا يتغير ساكنا في نور لا يدنى منه، الذي لم يره أحدٍ من الناس ولا يقدر أن يراه، الذي له الكرامة والقدرة إلى أبد الآبدين آمين” (١تي٦: ١٥).

لذلك فإن الروح القدس لا يستطيع أحد أن يراه كما قال الرب “إن الريح تهب حيث تشاء وتسمع صوتها ولا تعلم من أين تأتي ولا إلي أين تذهب” (يو٣: ٨) .

لقد اصطفي الرسل كما هو مكتوب “ولما شاء الله الذي أفرزني من بطن أمي ودعاني بنعمته لكي أبشر به بين الأمم” (غلا١: ١٥) .

وقال الرب لحنانيا عن بولس الرسول “إمض إليه فأنا انتخبته ليكون لي إناءاً مختاراً ليحمل اسمي في الأمم والشعوب وبني إسرائيل” (أع ٩: ١٥).

وجاء في سفر الأعمال “وفيما هم يصومون ويصلون، قال الروح القدس افرزوا لي برنابا وبولس للخدمة التي دعوتهما إليها” (أع ١٣: ٢).

والآب دعا الشعوب كما يقول الرسول “إن الله بحق صادق وبه دعيتم إلى مشاركة ابنه يسوع المسيح ربنا” (٢تس٢: ١٤)، وقال “أنتم أيضاً مدعوو يسوع المسيح ربنا، إلي جميع من برومية أحباء الله مدعوين قديسين” (رو١: ٦).

وقال رب المجد “ليس أحد يعرف الآب إلا الابن ولا الابن إلا الآب، ومن أراد الابن أن يعلن له” (مت ١١: ٢٧).

وقال عن الروح “إذ جاء ذاك فهو يشهد من أجلي ويخبركم من أجل الآب علانية” والرسول يقول “لأن مَنْ من الناس يعرف أمور الإنسان إلا روح الانسان الذي فيه، هكذا أيضاً أمور الله لا يعرفها أحد إلا روح الله” (١كو ٢: ١١) وقال أيضاً “الروح يفحص كل شيء حتى أعماق الله” (١كو ٢: ١٠)، وهو تعالى فاحص القلوب والكلى كما هو مكتوب، وكذلك الابن لا يحتاج إلى أحد يشهد له عن الإنسان لأنه يعرف ما في الإنسان، ويقول الرسول “لأن كلمة الله حية وفعالة وأمضى من كل سيف ذي حدين وخارقة إلى مفرق النَّفس والروح والمفاصل والمخاخ ومميزة أفكار القلب ونياته، وليست خليقة غير ظاهرة قدّامه، بل كل شيء عريان ومكشوف لعيني ذلك الذي معه أمرنا” (عب ٤: ١٢)، والروح القدس فاحص القلوب والكلى كما يقول الرسول “أما نحن فإن الله أظهر لنا ذلك بروحه لأن الروح يفحص كل شيء حتي أعماق الله” (١كو ٢: ١٠) والرب يقول عنه “إنه يأخذ مما لي ويخبركم” (يو ١٦: ١٥)، والرب يقول “كل غرس لم يغرسه أبي السماوي يقلع” (مت ١٥: ٣) وقال أيضاً “لا يقدر أحد أن يقبل إليّ إن لم يجتذبه الآب الذي أرسلني” (يو٦: ٤٤) وقال أيضاً “كل ما يعطيني الآب فإليّ يقبل، ومن يقبل إليّ لا أخرجه خارجاً” (يو٦: ٣٧) وقال “يا أبتاه الذين أعطيتني حفظتهم ولم يهلك منهم أحد إلا ابن الهلاك” (يو١٧: ١٢). وقال لبطرس “إن لحماً ودماً لم يعلن لك، لكن أبي الذي في السموات” (مت١٦: ١٧)، وقال عن ذاته الواحد مع الآب “بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئاً” (يو١٥: ٥)، وقال “أنا هو الطريق والحق والحياة، لا يقدر أحد أن يأتي إلى الآب إلا بي” (يو١٤: ٦)، والرسول يقول “ولكن الآن في المسيح يسوع أنتم الذين كنتم قبلاً بعيدين صرتم قريبين بدم المسيح” (أف٢: ١٣)، وقال “لأنه هو سلامنا الذي جعل الاثنين واحداً ونقض حائط السياج المتوسط” (أف٢: ١٤) .

ولأجل الروح يقول الرب “وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق” (يو١٦: ١٣)، والرسول يقول “ليس أحد يقدر أن يقول يسوع رب إلا بالروح القدس” (١كو ١٢: ٣)، وقال وهذه الأشياء التي يتكلم بها ليست بتعليم كلمة الناس بل هي بتعليم الروح وقال “أنتم لستم للجسد بل للروح”.

وهنا نعلم مساواة الثالوث الأقدس، الآب مولود منه الابن بلا ابتداء، ومنبثق منه الروح أزلياً، وهو باق دائم بلا انتهاء، وهو المتكلم عن الآب، الآخذ مما للابن، المرشد إلى الحق، الناطق في الناموس والأنبياء والرسل والقديسين، جيلاً بعد جيل بلا أنقضاء، واضع ناموس كامل روحاني، معلم الرسل، منير بشرى الإنجيل، الذي يجدد في الأطهار خلقة جديدة، الذي يعطي بسعة واقتدار بغير امتنان، الفاعل في كل مكان وكل زمان، الذي يهب الصلاة للمصلين، والبركة للقديسين، الذي هو فصاحة الرسل الأطهار في النداء بالبشرى حتى بلغ قولهم إلى كل الأرض، وسمع صوتهم في أقطار المسكونة في مدة يسيرة من الزمان، وخضع لهم الملوك الأكاسرة والولاة الجبابرة والحكماء والفلاسفة والبسطاء والأميين بما أعطوه من القوة، وأخذوه من المعونة، كما هو مكتوب إن الله يعطي كلمة للمبشرين بقوة عظيمة، وأيضاً مكتوب إني أنطق بشهاداتك أمام الملوك ولا أخزى، وأيضاً مكتوب بشرت بعدلك في بيعة كبيرة ولم أمنع شفتي، وأيضاً قال عنهم “خرجت أصواتهم في كل الأرض وبلغ كلامهم أقطار المسكونة” (مز ١٩: ٤) .

هؤلاء بحق أنهار الحياة الخارجة من أورشليم الذين أرووا كل الأرض كما تنبأ حزقيال، الجميلون في إنذارهم بالخيرات العتيدة، كما أنبأ إشعياء النبي قائلاً “ما أجمل أقدام المبشرين بالخيرات”. الينابيع الحلوة التي أخبرنا بها موسى أول الأنبياء قائلاً إنهم لما عبروا بحر سوف نزلوا على إثني عشر عين ماء وسبعين نخلة (خر١٥: ٢٧) نبوة عن الاثني عشر رسولاً والسبعين تلميذاً الذين منهم استقى العالم التعاليم الروحية. هم فرسان الرب الإله ومركبته الذين حملوا اسمه القدوس في أقطار الأرض، الجند المحقون للملك السمائي الذين جاهدوا بقوة في مكافحة أعداء سيدهم وهدموا كل علم مضاد للحق، ونقضوا الحصون المنيعة التي أوثقتها الشياطين في نفوس البشر، وسبوا كل رأي كان عابثاً وأقبلوا به إلى معرفة المسيح، رسل الرب الخصيصون الذين أرسلهم ليدعوا المدعوين إلى العرس السمائي.. خدامه الفاضلون الذين خدموا باهتمام في الشعب المسيحي.. أهل بيته المطلعون على سره الخفي، ملح الأرض ونور العالم الذين أناروا ظلمتنا القصوى وأرشدونا إلي نور الهداية، رؤساء أئمة كل المسكونة الذين ولدوا الجميع في بدء البشرى.. الرعاة الذين أؤتمنوا على القطيع الروحاني.. الصخور الثابتة التي عليهم وضع المسيح أساس كنيسته، مهندسو الميناء الوثيق الذي للبيعة كما شهد الرسول قائلاً “أنا وضعت الأساس وآخر يبني عليه، فإنه لا يستطيع أحد أن يضع أساساً آخر غير الذي وضع الذي هو يسوع المسيح” (١كو ٣: ١٠)، نجدهم فلاحين لأنهم نقوا أرض قلوبنا وزرعوا فيها الزرع الإلهي، نجدهم سقاة للمسيح الملك لأنهم سقوا نفوسنا من ماء ينبوع الروح القدس، نجدهم كرامين لأنهم تعبوا وعملوا في كرم نفوسنا، نجدهم خاطبين لأنهم خطبوا نفوسنا نقية للختن السمائي المسيح كما يقول الرسول “إني أغار عليكم غيرة الله لأني خطبتكم لرجل واحد لأقدم عذراء عفيفة للمسيح” (٢كو ١١: ٢)، نجدهم شفعاء عنا عند المسيح كما يقول الرسول “إنا رسل وشفعاء عند المسيح” نجدهم الذين أعطوا الحياة للبشر في بشرى الإيمان وصبغة المعمودية ووضع يد الرئاسة وتناول الأسرار المقدسة، وبالجملة نجدهم كاملين في احتواء الفضائل والمواهب المختلفة .

هم رسل وأنبياء ورؤساء ومعلمو البيعة، وشهداء وقديسون، وكل الفضائل والمواهب المتفرقة في الناس تجدها مجتمعة فيهم حتى لا يفوتهم شيء من الفضائل، ويعلوهم أحد من البشر، لأنه هكذا قد سر الرب الإله أن لا يكون المبشرون باسمه فلاسفة من حكماء هذا العالم، لأنهم لو كانوا كذلك لكانت أقوالهم متناقضة بعضها مع بعض، كما نجد أقوال الفلاسفة الواحد يبطل قول الآخر ويزدري به ويعظم نفسه عليه، وذلك لأن حكمتهم ليست من الله، ولو كان الإيمان بحكمة الناس وتدبيرهم لما كانت له جدوى ولا منفعة، لأن بطرس الرسول يعلمنا في هذا المعنى قائلاً “لأننا لم نتبع خرافات مصنعة إذ عرفناكم بقوة ربنا يسوع المسيح” (٢بط ١: ١٦) .

وبولس الرسول الذي كان حجة في الناموس يكتب قائلاً “وأنا لما أتيت إليكم أيها الأخوة أتيت ليس بسمو الكلام أو الحكمة منادياً لكم بشهادة الله، لأني لم أعزم أن أعرف شيئاً بينكم إلا يسوع المسيح وإياه مصلوباً” (١كو٢: ١، ٢). ثم إن كرازة الرسل أيضاً لو كانت معاضدة بقوة السيف وسطوة الإرهاب حتي يرغموا الناس علي الدخول إلى الإيمان، شاءوا ذلك أو لم يشاءوا، لكان ذلك مشابهاً لعبادة الأوثان التي قامت بالسيف منذ نحو ثلاثة آلاف سنة من بعد الطوفان إلى مجيء ربنا يسوع المسيح، بل نجد الشهداء الأطهار، وقد استشهدوا وضربت أعناقهم وهم صابرين ثابتين على الإيمان بربنا يسوع المسيح.

ولقد اختار الله رسله قومًا أميين ضعفاء، لا بصيرة لهم بشيء مما في هذا الوجود، فقواهم وعضدهم بما منحهم من موهبة الروح القدس، وقهر بهم الفلاسفة، حتي خضعوا لهم، وغلب بهم سطوة الملوك والولاة أصحاب السيف حتي أذعنوا لكرازتهم، ولهذا يقول الرسول “ولكن لنا هذا الكنز في أوان خزفية، أعني في جسم حقير ضعيف، ثم قال لكي تكون عظمة الموهبة من الله لا منا، فبهذا كان الإيمان نعمة صادقة من قبل الروح، وقد سمي روح الآب وروح القدس لأنه واحد في اللاهوت، كما يقول بولس الرسول “إن لم يكن روح الله فيكم وإلا أنتم مرذولين لأنه إن لم يكن في الإنسان روح المسيح فليس هو من الله.

وبطرس يقول “ذلك الخلاص الذي التمسه الأنبياء وجعلوا يفحصون روح المسيح، وقدموا الشهادة على آلام المسيح وعلى مجده” (١بط١: ١٠، ١١)، فهو هذا الروح الواحد المتكلم في الناموس والأنبياء والرسل، وكافة القديسين إلى الأبد.

فلنعيّد لهذا العيد الآن بفرح روحاني كما يلائمه، حتى نستحق موهبة الروح مع الرسل الأطهار، ولنتأمل كيف أن الرسل الأفاضل الكاملين الذين لم يبق عليهم ناموس لأن أعمالهم هي فوق الناموس، ومع هذا كانوا يكرمون الأعياد الإلهية جيداً، لقد كتب بولس الرسول لأهل كورنثوس (١كو ١٦: ٧، ٨) يقول “إني سأبقى في أفسس إلى عيد البنطقستي، أعني هذا العيد الشريف، ولم يرتض أن ينتقل إلى مكان آخر حتى يعيده كما يليق، وكتب القديس لوقا في سفر الأعمال “لما أقبل بولس إلى جزيرة كورس ينادي بالبشارة قال كان الرسول مجتهداً أن يعبر أفسس حتى لا يبطيء في آسيا، لأنه كان يريد أن يعمل يوم عيد البنطقستي في أورشليم” (أع ٢٠: ١٦) .

تأمل أنه مع مشاغل الخدمة في الكرازة ومصاعبها التي كان يتحملها الرسول، كان مع كل هذا مجتهداً في إكرام الأعياد الإلهية الشريفة لعلمه بكرامتها، فكم بالأحرى ينبغي لنا أن نهتم بها بنقاوة القلب لكي نتقدس بتذكارها الصالح، لأن بعض لابسي الروح قالوا “كما أن الملك ينعم بعطاياه في المناسبات الملكية وأيام الأفراح والمراسم على خواصه، كذلك يفيض الله بمواهبه الروحانية على أولاده الصانعين وصاياه في الأعياد الإلهية الشريفة.

فينبغي لنا أن نعيد الآن بنقاوة روحانية، موافقة للروح في عيد حلول الروح المعزي حتي يحل فينا ويطهرنا وينقينا من أوساخنا، لنحفظ الجسد طاهراً، لأنه هيكل الله للروح القدس حتى يحل فينا، لنحفظ النفس وكل الحواس نقية لكي نشارك الروح القدس أرواحنا، ونستحق ميراث البنوة في الملكوت الأبدي.

والرسول يعلمنا بمثل هذه التعاليم قائلاً: “فلنعش الآن بالروح ونوافقه بروح ضميرنا” ونحذر أن نصنع ضد ذلك لئلا يسخط الروح القدس، إذ يقول “لا تسخطوا روح الله الذي به ختمتم ليوم النجاة، بل كل تذمر وفرية فلينزع ذلك منكم مع بقية الشرور .

لنرحم أهل الفاقة لكي نكمل مشورة الروح ونستحق الرحمة لأن الرحمة تفتخر في الدينونة، كما يقول يعقوب الرسول، لنصنع سلاما وصلحاً مع اخوتنا لكي يصنع الروح سلاماً وصلحاً في نفوسنا المقاتلة مع أوجاع أجسادنا، ولنعز المتضايقين والمحبوسين بافتقادنا حتي يعضدنا الروح القدس المعزي ويقوينا في شدائدنا، فقد كتب “اسند صغيري الروح بكلمة تسندك اليمين القوية” ولنغار على السيرة الروحانية التي فيها سلك الآباء الأفاضل لابسي الروح ونتشبه بهم ليكون لنا ميراث ونصيب معهم في المظال الأبدية.

ونحن نسأل ربنا يسوع المسيح الذي افتقدنا بتحنن رحمته من علوه القدوس أن يجدد فينا موهبة الروح ويطهر نفوسنا، ويغفر لنا خطايانا، ويتجاوز عن سيئاتنا ويسامحنا عن هفواتنا، ويمنحنا سيرة روحانية بقية أيام حياتنا، وينيح أنفس أمواتنا من كافة بني المعمودية الذين رقدوا على رجاء الايمان باسمه القدوس. ويجعلنا مستحقين سماع صوته المملوء فرحاً القائل “تعالوا إليّ يا مباركي أبي رثوا الملك المعد لكم من قبل إنشاء العالم، بشفاعة سيدتنا الطاهرة البتول القديسة مريم، وشفاعة الرسل الأطهار وكافة الشهداء والقديسين الأبرار. آمين.

 

الروح القدس – للقديس غريغوريوس النزينزي[9]

يُدعى روح الله وروح المسيح… وهو نفسه الرب.

روح النبوة والحق والحرية،

روح الحكمة والفهم والمشورة والقدرة والمعرفة والصلاح ومخافة الله.

إنه صانع كل هذه الأمور،

يملأ الكل بجوهره ويحوي كل الأشياء،

يملأ العالم في جوهره ومع هذا فلا يمكن للعالم أن يدرك قوته.

صالح ومستقيم، ملوكي بطبيعته وليس بالتبني.

يُقدس ولا يتقدس،

يقيس ولا يُقاس،

يهب شركة ولا يحتاج إلى شركة،

يملأ ولا يُملأ،

يحوى ولا يُحوى،

يورث ويمجد… مع الآب والابن.

هو إصبع الله، نار كالله (الآب)…

الروح الخالق الذي يخلق من جديد بالمعمودية والقيامة.

هو روح العالم بكل شيء، يهب حيث يشاء،

يرشد ويتكلم ويرسل ويفرز ويحزن،

يعلن وينير ويحييّ، أو بالحري هو ذات النور والحياة.

يخلق هياكل ويؤله (يعطي شركة مع الله)،

يهب كمالًا حتى قبل العماد كما في حادث كرنيليوس (أع١٠: ٩)

تطلبه بعد العماد كعطية.. يفعل فينا العمل الإلهي،

ينقسم في ألسنة ناريِّة مُقسِّمًا المواهب،

يقيم الرسل والأنبياء والإنجيليين والرعاة والمعلمين.

يُفهم بطرق متعددة، واضح، وينخس القلوب.

 

عظات آباء وخدّام معاصرين للأحد السابع من الخمسين يوم المقدسة

دور الروح القدس – قداسة البابا تواضروس الثاني[10]

بينما وصف الكتاب المقدس السيد المسيح بأنه “ابن الله” قال السيد المسيح عن الروح القدس أنه: “روح الحق المنبثق من الآب”. وتعبير الانبثاق تعبير فريد لم يُنسب في الكتب المقدسة إلاَّ إلى الروح القدس. لعل أنسب تشبيه يمكن أن يُقرب معنى الانبثاق والولادة والفارق الدقيق بينهما هو الشمس التي “يتولد” منها النور، و”ينبثق” أو تنبعث منها الحرارة. فالشمس هي الأصل ومنها تتولد أشعة النور أو الضوء، ومنها أيضاً تنبثق الحرارة أو الدفء. على أن الولادة أو الانبثاق لا يترتب على أي منهما افتراق أو اختلاف أو تخلف في الزمن، فليس نور الشمس متخلفاً في الرمن عن الشمس مع إنها مصدر النور، لأنه منذ أن كانت الشمس شمساً يصدر منها النور، ولم تأت لحظة في الزمن كانت الشمس ولم يكن لها ضوء يصدر عنها. فالنور كائن معها منذ وجودها، وكذلك الحرارة مع الشمس منذ وجودها، فلم تأتِ لحظة من الزمن كانت الشمس ولم تكن لها حرارة. فالحرارة كائنة معها منذ وجودها.

الروح القدس يُعطى مواهب وقدرات وتعزيات، كما أنه يوجه البشر نحو الفداء،

الروح القدس يوجه البشر نحو الفداء: يوبخ على خطاياهم.. وعلى رفض البار الحقيقى يسوع المسيح.. وعلى تبعيتهم للشيطان.

دور الروح القدس: إنه يقوم بالكرازة للعالم من خلال المؤمنين،

كما أنه يقوم بدور في تبكيت العالم:

التبكيت على الخطية: إنها خطية (وليس على خطايا) إنها الخطية الأم التي تلد كل الخطايا وهى خطية عدم الإيمان بالرب يسوع، وإذ يُبَكِّت ويوبِّخ يقود ويحث الإنسان أن يقبل المسيح فادياً ومخلصاً ومصالحاً لنفسه مع الآب، إن عدم إيمان الإنسان بالمسيح يكشف خطيته، وبالتالي فإن خطيته هي عدم إيمانه.

التبكيت على بر: الروح القدس يبكت العالم على رفضهم برّ المسيح ويحثهم لقبوله:

كان السيد المسيح يشير إلى طقس الشريعة حيث كانت الذبيحة تقدم للتكفير والتبرير، كانت مزدوجة فيقدم عصفوران يًذبَح الواحد ويُطلق الآخر في الفضاء بعد أن يُغمس في دم العصفور الذبيح، أي أنه يحمل دم الفداء ويدخل في جو السماء ويختفى عن الأنظار ولا يرونه بعد (لا ١٤: ٤). ونفس الشئ كان يتم بالنسبة للتيسين يُذبح الواحد ويُطلق الآخر على وجه الصحراء ولا يرونه بعد، إنه تيس عزازيل (لا ١٦: ٩) فالمسيح قدم ذبيحة نفسه ذبيحة كفارية وبعد أن قدم نفسه فدية عنهم، انطلق إلى السماء إلى الآب ليشفع فيهم ولا يرونه أيضاً.. دليل كفاية ذبيحته للتكفير والتبرير إذ تمت فيه الرموز، أما اليهود فقد رفضوا أن ينالوا من البر الذى قدمه المسيح على الصليب.

التبكيت على الدينونة: إنه يُبكت الناس على أتباعهم للشيطان رئيس هذا العالم، مظهراً لهم أنه قد دين وسقط من سُلطانه عندما صُلب ربنا يسوع المسيح إذ سحق رأس الحية القديمة (الشيطان) بصليبه.

دور المؤمن: أن يكون هو نفسه آلة حية ناطقة في يد الروح القدس فيشهد بكلامه، ويسعى كسفير لمملكة السماء، يُعلن الأخبار السارة، ويُقدم المصالحة لكل إنسان ليتصالح مع الرب المحب الحكيم القوى (٢كو ٥: ٢٠).

لقد كان انسجام يوم الخمسين هو المقابل لبلبلة الألسنة في بابل، وهذا الانسجام يُعتبر كتجديد مؤقت للغة الفردوس الأصلى، وقد جاءت عظة بطرس بعد التكلُم بالألسنة: لأن عمل الروح القدس التعليمى يأتي دائماً بعد عمله التقوي داخل نفس الخادم.

عيد العنصرة … أحد الفرح

هو أول حدث افتتاحى في تاريخ الكنيسة الرسولية، كما يرمز بطريقة نموذجية إلى أول حصاد مسيحي أي عيد الحصاد الروحى للفداء من الخطية.

ظواهر عيد العنصرة:

  • هبوب الريح وتعني يحمل أو يسوق كما في رسالة بطرس الرسول: “تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح”.
  • ألسنة منقسمة أي موزعة (نصيب = مرس) أي لسان مستقل لأن لكل مؤمن شخصيته المميزة.
  • امتلأ الجميع من الروح القدس وقد نالوا ثلاثة أسرار كنسية في آن واحد من الروح مباشرة (معمودية – مسحة – سيامة للخدمة) إنها ظواهر مسموعة ومرئية رمزاً للقوة والاستنارة،

ويلاحظ أن المواهب التي نالوها هي:

  • التكلم بألسنة مع الله من خلال صلوات وأناشيد تسبيح .
  • الشهادة النبوية للناس من خلال تعاليم ونصائح كتابية.

 

مواهب الروح القدس – للمتنيح الأنبا إبيفانيوس أسقف ورئيس دير القديس أنبا مقار[11]

صاحب حلول الروح القدس على التلاميذ يوم الخمسين ظهور كثير من المواهب الروحية التي لم تكن موجودة أصلاً، وكان أكثر هذه المواهب الروحية ظهورًا، وأكثرها أيضاً موضعاً للتساؤل؛ موهبة التكلم بألسنة، أي القدرة على التكلم بلغات أخرى جديدة لا يعرفها الشخص الذي يتكلم بها أصلاً، بل ينطق بها الروح القدس على فمه.

ويحوي كتاب العهد الجديد عدة كلمات تُرجمت في اللغة العربية إلى موهبة، وأكثر كلمة شيوعا واستعمالًا هي كلمة (خاريزما)، والتي تعني “عطية مجانية، أو موهبة بلا مقابل”. وهي الكلمة التي استُعمِلَت لتصف الحركة الخاريزماتية التي ظهرت منذ عدة سنوات في الغرب، وعادة ما تستعمل هذه الكلمة لتصف قوة الله الخاصة وغير المادية التي تعمل من خلال الإنسان المؤمن لكي يتكلَّم أو يخدم داخل الكنيسة، وقد وردت هذه الكلمة ۱۷ مرة في العهد الجديد.

هناك كلمة أخرى هامة ترجمت إلى “موهبة روحية” وهي كلمة (بنفماتیکوس)، وهي من كلمة “روح” (بنفما) ومعنى الكلمة: “روحي”، أو “يخص الروح”؛ كما وردت في (1کو۱:۱۲؛ ١٤: 1)، وهي هنا تحمل نفس معنى كملة خاريزما تماماً: “وأما من جهة المواهب الروحية، أيها الإخوة، فلست أريد أن تجهلوا…”.

وبالتأمل في هاتين الكلمتين نرى أن الموهبة هي أولاً: عطية مجانية، ثم هي عطية روحية أي تخص الروح القدس.

ومن أهم المواضع التي تتكلم عن المواهب الروحية الرسالة الأولى لأهل كورنثوس الأصحاحات: (١٢-١٤). ففي هذه الأصحاحات يعالج بولس الرسول موضوع الجهل بالمواهب، وأيضا موضوع استخدام المواهب استخداماً خاطئاً، وذلك لدى أهل كورنثوس. أما فائدة هذه المواهب فيوضحها القديس بولس أنها أولاً لمنفعة المؤمنين: “لِكُلِّ واحدٍ يُعطَى إظهار الروح للمنفعة” (١کو١٢: ١١). ثم أنها لبنيان الكنيسة: “هكذا أنتم أيضاً، إذ إنكم غيورون للمواهب الروحية، اطلبوا لأجل بنيان الكنيسة أن تزدادوا” (١کو ١٤: ١٢). فالقيمة الأساسية للمواهب الروحية هي منفعة المؤمنين بعضهم لبعض، وذلك بخدمتهم بعضهم لبعض: “ليكن كل واحد بحسب ما أخذ موهبة، يخدم بها بعضكم بعضاً، گوگلاء صالحين على نعمة الله المتنوعة” (۱بط ٤: ۱۰)، مما يؤدي إلى “بنيان جسد المسيح” (أف٤: ۱۰)، حتى “يتمجد الله في كل شيء” (1بط ٤: ۱۱) .

إذاً ، فالمواهب الروحية هي لفائدة جماعة المؤمنين، وعندما تُبنى الجماعة، يتمجد الله، وبالتالي يتحد المؤمنون أكثر فأكثر كأعضاء في جسد المسيح الواحد: “لأنه گما أتى الجسد هو واحد وله أعضاء گثيرة وكل أعضاء الجسد الواحد إذا كانت كثيرة هي جسد واحد، كذلك المسيح أيضاً” (1کو ١٢: ١٢). وبسبب التركيز الشديد على وحدة جسد المسيح في هذه الأصحاحات، يصير المرء في شك عندما يسمع عن “مواهب روحية” تؤدي إلى انقسام الكنيسة أو إلى بلبلة وتزعزع أعضاء الكنيسة.

المواهب الروحية وثمار الروح القدس:

يتكلم القديس بولس أيضا عن طبيعة المواهب الروحية، فمواهب الروح تختلف عن ثمار الروح. فقد ذكر في رسالته إلى أهل غلاطية تسع ثمار للروح القدس وهي: “المحبة، فرح، سلام، طول أناة، لطف، صلاح، إيمان، وداعة، تعفف” (غل ٥: ٢٢، ٢٣)، ومن الواضح أن على جميع المسيحيين الذين نالوا عطية الروح القدس أن ينموا في جميع هذه الثمار. وهذه الثمار دائمة وأبدية، أما المواهب الروحية فهي مؤقتة وستنتهي: “المحبة لا تسقط أبداً. أما النبوات فستبطل، والالسنة فستنتهي، والعلم فسيبطل… أما الآن فيثبت: الإيمان والرجاء والمحبة” (١كو۱۳: ٨، ١٣).

ثمار الروح لازمة لكل مسيحي وعليه أن يطلبها لكي ينمو فيها. أما المواهب فهي تختلف عن ذلك، فليس هناك من ينال جميع المواهب الروحية: “ألعل للجميع مواهب شفاء؟ ألعل الجميع يتكلمون بألسنة؟ ألعل الجميع يترجمون؟” (1کو۱۲: ۳۰)، وليس هناك من يحدد نوع الموهبة التي عليه أن يقتنيها. فالروح القدس هو الذي يحدد الموهبة: “قاسماً لكل واحد بمفرده كما يشاء (الروح)” (1کو ١٢: ١١).

كما أنه يمكن أن يحدث تزييف لهذه المواهب إذا دَاخَلَ الإنسان الكبرياء والغرور، واستعان بقدراته الطبيعية، حتى إنه يمكن أيضا أن تساعده الشياطين وتغرر به، وهكذا يفقد أبديته وينطبق عليه قول الرب يسوع: “گثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم: یا رب یا رب، أليس باسمك تنبأنا، وبأسمك أخرجنا شياطين، وبأسمك صنعنا قوات كثيرة؟ فحينئذ أصرح لهم: إني لم أعرفكم؛ اذهبوا عني يا فاعلي الإثم” (مت۷: ٢٢، ٢٣). ولا عجب في ذلك: “لأن الشيطان نفسه يغير شكله إلى شبه ملاك نور” (٢کو١١: ١٤)، “فإنهم أرواح شياطين صانعة آیات، تخرج على ملوك العالم” (رؤ١٦: ١٤).

يتضح من ذلك أن ثمار الروح وليس المواهب الروحية، هي الدليل الأكيد على سكنى الروح القدس في الإنسان وعمله في الخدمة التي يقوم بها.

المواهب الروحية والمواهب الطبيعية:

تختلف مواهب الروح عن المواهب الطبيعية. فالمواهب الطبيعية، هي قدرات غريزية أو خلقية يمنحها الله للإنسان منذ ولادته الجسدية، مثل المواهب الرياضية أو الموسيقية..إلخ. أما مواهب الروح فيمنحها الروح القدس مثلما حدث في يوم الخمسين بصفة خاصة، ويقول القديس بولس: “ولكن هذه گلها يعملها الروح الواحد بعينه، قاسماً لكل واحد بمفرده كما يشاء.. لأننا جميعا بروح واحد أيضا اعتمدنا إلى جسد واحد، يهودا گنا أم يونانيين، عبيداً أم أحراراً، وجميعنا سقينا روحاً واحداً” (۱کو ۱۱:١٢، ۱۳).

ولكن المواهب الروحية لا تتعارض مع المواهب الطبيعية، فمن الممكن أن يتواجد الاثنان معاً، ومن الممكن أن يعمل الروح في المواهب الطبيعية للإنسان لينمو بها ويعطيها إمكانيات لم تكن موجودة قبلاً. كما أن من المواهب الروحية ما يناله الإنسان دون أية إمكانيات سابقة، ومثال ذلك: موهبة التكلم بالألسنة يوم الخمسين (أع٢: ٤)، وموهبة الكرازة باسم المسيح التي نالها القديس بولس بمجرد تحوله إلى الإيمان المسيحي (أع۹: ٢٠-٢٢). وكذلك مواهب إجراء المعجزات وعمل الأشفية التي نالها الرسل كعطايا ومنح فائقة. لذلك يصرح بولس الرسول أن المواهب الروحية الخارقة للطبيعة مثل عمل “الآيات والعجائب والقوات”، هي من العلامات التي تميز الرسل (٢کو١٢: ١٢).

أما المواهب التي تبدو أنها غير خارقة للطبيعة، مثل مواهب الخدمة والوعظ والعطاء والتدبير (رو١٢: ٦-۸)، فمن الممكن أن يهبها الروح للإنسان بإحدى طريقين :

  • إما أن يكون الإنسان خالياً من أي مواهب طبيعية تصلح لبنيان الكنيسة، فيعمل فيه الروح ويمنحه مواهب تمگنه من العمل لأجل بنيان الكنيسة، ولنا مثال في ذلك الآباء الرسل، الذين كانوا في غالبيتهم من عامة الشعب، لكن بعد حلول القدس عليهم، صاروا معلمي المسكونة: “فلما رأوا مجاهرة بطرس ويوحنا، ووجدوا أنهما إنسانان عديما العلم وعامیان تعجبوا، فعرفوهما أنهما كانا مع يسوع” (أع٤: ۱۳).
  • وإما أن يكون للإنسان مواهب وقدرات طبيعية فينميها الروح ويجعلها تعمل لحساب ملكوت الله، وخير مثال على ذلك القديس بولس الرسول، الذي كان متبحراً في العلوم اليهودية غيوراً على تعليم الآباء: “أنا رجل يهودي ولدت في طرسوس كیلیكية، ولكن ربيت في هذه المدينة، مؤدباً عند رجلي غمالائيل على تحقيق الناموس الأبوي، وكنت غيوراً لله كما أنتم جميعكم اليوم” (أع ٢٢: ٣)، فاستخدمه الروح بعد إيمانه لأنه رأى أنه إناء مختار للكرازة بالإنجيل: “فأجاب حنانيا: یا رب قد سمعت من كثيرين عن هذا الرجل كم من الشرور فعل بقديسيك في أورشليم. وههنا له سلطان من رؤساء الكهنة أن يوثق جميع الذين يدعون باسمك. فقال له الرب: اذهب لأن هذا لي إناء مختار ليحمل اسمي أمام أمم وملوك وبني إسرائيل. لأني سأريه كم ينبغي أن يتألم من أجل اسمي” (أع ٩: ١٣-١٦) .

الروح القدس مانح المواهب :

في الرسالة الأولى لأهل كورنثوس (١كو۱۲: ۷-۱۱)، يصرح القديس بولس ست مرات أن الروح القدس هو مانح المواهب الروحية، وأن الروح القدس هو الذي يحدد الموهبة التي يمنحها للإنسان: “ولكن هذه گلها يعملها الروح الواحد بعينه، قاسماً لكل واحد بمفرده گما يشاء” (٢کو١٢: ١١).

والروح القدس لا يمنح مواهبه وهو بمعزل عنا، أو أنه يمنحها من على بُعد، بل يمنحها وهو في حالة حلول أو سُكنى. وما المواهب الروحية إلا نتيجة حلول الروح القدس: “لكنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم، وتكونون لي شهوداً” (أع١: ٨).

الروح القدس يحل في كياننا مانحاً إيانا مواهبه: “وأما أنتم فالمسحة التي أخذتموها منه ثابتة فيكم، ولا حاجة بكم إلى أن يعلمكم أحد، بل گما تعلمكم هذه المسحة عينها عن كل شيء، وهي حق وليست كذباً” (1یو٢: ٢٧).

أي أنه عندما يحل الروح القدس ويسكن في الإنسان يبدأ يعمل أعماله ويمنح قواته: “وإن كان روح الذي أقام يسوع من الأموات ساكناً فيكم، فالذي أقام المسيح من الأموات سيحيي أجسادكم المائتة أيضا بروحه الساكن فيكم” (رو۸ : ۱۱).

أصحاب المواهب:

كم من المسيحيين يملكون مواهب الروح؟ بحسب ما كتبه الرسولان بطرس وبولس، فإن جميع المسيحيين يملكون مواهب الروح القدس، يقول القديس بولس: “لكل واحد يُعطَى إظهار الروح للمنفعة.. ولكن هذه كلها يعملها الروح الواحد بعينه، قاسماً لكل واحد بمفرده كما شاء” (١کو۱۲: ۷، ١١). ويقول القديس بطرس: “ليكن كل واحد بحسب ما أخذ موهبة، يخدم بها بعضكم بعضاً” (1بط٤: ۱۰).

فإن كان قد أُعطِيَ في الكنيسة الأولى لجميع المسيحيين أن ينالوا مواهب الروح، فلماذا نرى أن أصحاب المواهب قليلون بيننا؟ ذلك لأن الموهبة تحتاج إلى إضرام: “لا تهمل الموهبة التي فيك، المعطاة لك بالنبوة مع وضع أيدي المشيخة. اهتم بهذا. كن فيه، لكي يكون تقدمك ظاهراً في كل شيء، لاحظ نفسك والتعليم وداوم على ذلك، لأنك إذا فعلت هذا، تخلص نفسك والذين يسمعونك أيضاً” (١تي٤: ١٤-١٦).

ويكرر القديس بولس الرسول وصيته لتلميذه تيموثاوس مرة أخرى قائلاً: “أذكرك أن تضرم أيضأ موهبة الله التي فيك بوضع يدي، لأن الله لم يعطنا روح الفشل، بل روح القوة والمحبة والنصح” (٢تي١: ٦، ۷).

وهكذا يتضح من رسالتي القديس بولس لتلميذه تيموثاوس، ضرورة الطاعة والخضوع للآباء الروحيين والحاجة إلى مشورتهم وإرشادهم ونصحهم من أجل نمو الموهبة وتسخيرها لبنيان الكنيسة ومجد المسيح. كما أن الذين يطفئون الروح أو يحزنونه بمخالفة وصايا الله أو إتباع أهوائهم لا يمكن أن يعمل فيهم الروح بمواهبه.

أنواع المواهب :

يذكر القديس بولس أن هناك الكثير من المواهب الروحية: “أنواع مواهب موجودة، ولكن الروح واحد” (١کو١٢: ٤)، ولكنه لا يحصر هذه المواهب جميعها. وهو يذكر هذه المواهب في أربعة مواضع متفرقة من رسالته. ففي (1کو١٢: ۸-۱۰) يذكر تسع مواهب: “فإنه لواحد يُعطَى بالروح كلام حكمة، ولآخر كلام علم… ولآخر إيمان، ولآخر مواهب شفاء… ولآخر عمل قوات، ولآخر نبوة، ولآخر تمييز الأرواح، ولآخر أنواع السنة، ولآخر ترجمة السنة”.

وفي (1کو ١٢: ۲۸-۳۰) يذكر ثماني مواهب، منها أربع مواهب جديدة تضاف إلى المواهب السابقة: “فوضع الله أناساً في الكنيسة: أولاً رسلاً، ثانياً أنبياء، ثالثاً معلمين، ثم قوات، وبعد ذلك مواهب شفاء، أعواناً تدابير، وأنواع السنة”.

وفي رسالة رومية (١٢: ٦-٨) يذكر سبع مواهب، منها أربع مواهب جديدة: “ولكن لنا مواهب مختلفة بحسب النعمة المعطاة لنا: أنبوة.. أم خدمة.. أم المعلم ففي التعليم، أم الواعظ ففي الوعظ، المعطي فبسخاء، المدبر فباجتهاد، الراحم فبسرور”.

وأخيراً في رسالة أفسس (٤: ۱۱)، يذكر خمس مواهب منها اثنتان جدیدتان: “هو أعطى البعض أن يكونوا رسلاً، والبعض أنبياء، والبعض مبشرين، والبعض رعاة ومعلمين وبالطبع من الممكن أن يضيف الروح أية مواهب أخرى غير المذكورة .

وعموما تنقسم هذه المواهب إلى مجموعتين: الأولى، مواهب العمل (الخدمة)، والأخرى، مواهب الكلام. ويضع القديس بطرس شرطاً لاستعمال هذه المواهب جميعاً: “إن كان يتكلم أحد فكأقوال الله، وإن كان يخدم أحد فكأنه من قوة يمنحها الله، لكي يتمجد الله في كل شيء بيسوع المسيح” (1بط: ۱۱).

المواهب اليوم:

هل ما زالت هذه المواهب جميعها تمنح للمؤمنين في أيامنا هذه؟ إن الروح القدس الذي كان يعمل في الكنيسة الأولى هو نفسه الروح الذي يعمل الآن في الكنيسة. ولكن في الكنيسة الأولى كان هناك احتياج لمواهب خاصة تظهر بقوة ووضوح، مثل التكلم بألسنة، وذلك لمعونة الرسل والكارزين للبشارة بالكلمة بين الأمم المختلفة، ولتثبيت كرازتهم بعمل الآيات والمعجزات.

نحن نعلم أن هذه المواهب لم تتوقف في الكنيسة بعد ذلك. فكثير من آباء الرهبنة الأولين نالوا موهبة التكلم بلغات أخرى لمنفعة الذين يلتجئون إليهم طلباً لخلاص نفوسهم، مثلما حدث القديسين أنبا مقار وأنبا باخوميوس، وما زالت هذه الموهبة تظهر في الكنيسة بين الحين والآخر .

ولا شك أن الروح القدس مازال قادراً أن يمنح المؤمنين الآن مواهب جديدة تناسب احتياج الكنيسة في هذه الأيام، ولكنه يحتاج أولاً إلى النفوس المخلصة والأواني المعدة لقبوله. ونحن لا نصلي من أجل اقتناء المواهب، لأن الروح القدس هو الذي يمنح المواهب لكل واحد كما يشاء؛ بل نصلي لكي يهبنا الله الروح القدس حسب وعده المبارك: “يعطي الروح القدس للذين يسألونه” (لو۱۱: ۱۳)، ولكي تمتلئ بثمار الروح، ولكي يحفظ الله أصحاب المواهب من الضياع، وأن يستخدم الموهبة لأجل بنیان الكنيسة حتى يتمجد الله بيسوع المسيح ربنا.

يشرح القديس إيرينيئوس في كتابه ضد الهرطقات، كيف أن الموهبة هي عطية من الروح القدس، والموهبة تحتاج إلى الكنيسة لكي تنمو فيها :

[كما أن نفخة الله قد حلت في الجبلة الأولى،

هكذا استؤمنت الكنيسة على عطية الله (أي الروح القدس)،

حتی باشتراك جميع الأعضاء فيه، ينالون منه الحياة.

وفي الكنيسة اذُّخرت الشركة مع المسيح، التي هي الروح القدس عينه،

عربون عدم الفساد وثبات إيماننا، والسلم الصاعد إلى الله..

الأنه حيث تكون الكنيسة، يكون روح الله؛

وحيث يكون روح الله، تكون الكنيسة وكل موهبة.

والروح هو حق، ولذلك فالذين لا يشتركون فيه لا يرضعون ثدي أمهم (الكنيسة) لينالوا الحياة،

ولا يرتشفون من الينبوع الصافي الذي ينبع من جسد المسيح]. (ضد الهرطقات٣: ٢٤: ١)

 

عليه صهيون – للمتنيح القمص إشعياء ميخائيل[12]

القلب الواحد :

” ولما دخلوا (بعد صعود الرب) صعدوا الى العلية التي كانوا يقيمون فيها بطرس ويعقوب ويوحنا واندراوس وفيلبس وتوما وبرثلماوس ومتى ويعقوب بن حلفي وسمعان الغيور ويهوذا أخو يعقوب . هؤلاء كلهم كانوا يواظبون بنفس واحدة على الصلاة والطلبة مع النساء ومريم أم يسوع ومع أخوته” (أع١: ١٣، ١٤).

  • كان أمر الرب للتلاميذ أن ينتظروا ولا يبرحوا أورشليم. إن الرب كثيراً ما يقول لنا إنتظروا، ولكن نحن نريد أن نعمل، ونريد أن نتحرك، ونريد أن نخدم ونكرز ونصنع أنشطة ومشروعات كثيرة. ولكن الرب يقول لنا انتظروا أولاً لكي لا يكون تحركنا تحركاً ذاتياً من أنفسنا. وثانيًا لكي نأخذ معونة الروح القدس. وثالثاً لكي نتحرك مع الجماعة ( الكنيسة) ولانتحرك بمفردنا.
  • كان عمل التلاميذ في هذه العشرة أيام هو الصلاة والطلبة ولا عمل لهم غير الصلاة والطلبة “فأطلب أول كل شيء ان تقام طلبات وابتهالات وتشكرات لأجل جميع الناس… لكي نقضي حياة مطمئنة هادئة في كل تقوى ووقار. لأن هذا حسن ومقبول لدى مخلصنا الله” (١تي ٢: ٢-٣).. ما أقوى الخدمة التي تسبقها صلاة ويصاحبها صلاة ويعقبها صلاهً.
  • إن النفس الواحدة وسط الجماعة هي سر استعلان الرب وسر قوة العمل حيث لا يقول أحد أنا لبولس وأنا لأبلوس. إن بطرس قد ذاب وسط الجماعة ولم يعد هناك أي وجود فردي أو ذاتي بل أصبح الوجود والعمل والتحرك والخلاص هو خلال الجماعة، وما الجماعة إلا الكنيسة المجتمعة للصلاة والرب مستعلن في وسطها والروح القدس حال عليها.
  • لم يحدد الرب للجماعه مدة الإنتظار ولكنه فقط “أوصاهم أن لا يبرحوا أورشليم بل ينتظروا موعد الآب الذي سمعتموه مني” (أع ١: ٤)، ولما سألوه عن الوقت قال لهم “ليس لكم أن تعرفوا الأزمنة والأوقات” (أع ١: ٧). نحن كثيرا ما نهتم بالأزمنة والأوقات ولكن الرب يريدنا فقط أن ننتظر ونتعلم كيف نشغل وقت انتظارنا بالصلاة.
  • إن العشرة أيام التي انتظرها جماعة التلاميذ والرسل تشير إلى كمال اتمام الناموس وكمال اتمام الوصايا العشر في شخص الرب يسوع، وسوف يأتي العهد الجديد بأسراره ونعمته. إن سر العشرة أيام هو سر العبور من العهد القديم بوصاياه العشر إلى العهد الجديد باسراره السبعة.
  • مع الصلاة كان هناك التأمل، كان كل من التلاميذ والرسل والنساء وأم يسوع وأخوة الرب الكل يتأمل في ذكرياته الخاصة مع الرب، والكل يتذكر كلام الرب وأعمال الرب وأحاديث الرب ووعود الرب. وحيث الصلاة والتأمل في كلمة الله يأتي الهدوء والسكينة “هلم يا شعبي أدخل مخادعك وأغلق أبوابك خلفك اختبيء نحو لحيظة حتى يعبر الغضب” (إش ٢٦: ٢٠).
  • إن الخلوة والإعتزال لفترة من الوقت ضرورية ولازمة جداً حتى مع كثرة المشغولية والألتزام فلا يجب أن ننسى خلاصنا نحن واحتياجنا نحن بل يجب أن تكون للخلوة والاعتزال مكاناً ووقتاً في حياتنا وفي خدمتنا.
  • كانوا يواظبون.. إن العمل الروحي يحتاج إلى المواظبة ولا يكفي أن يمارس مرة أو مرات متقطعة بل تجب المواظبة. وفي المواظبة نظام وقانون ثابت نلتزم به ولا نحيد عنه لذلك يجب أن تكون لنا مواظبة دائمة على كل عمل روحي ولا نهمل أو نتوانى فيه قط مهما كان الأمر. ولا عذر لنا في عدم مواظبتنا على أي عمل روحي.
  • أين بطرس؟.. إنه وسط الجماعة!!! يصلي مع الجماعة! وينتظر موعد الآب مع الجماعة ! أنه يخضع الآن للجماعة!! وما الجماعة إلا الكنيسة التي تحوي جماعة المؤمنين المتحدين بالرب يسوع المسيح!! وهكذا يجب على كل خادم وكل مؤمن ألا يتغيب عن الجماعة بل يخضع وينكر ذاته ويصمت لكي يعمل ويتكلم الرب.
  • لا يوجد فرح أكثر من فرح الوجود مع الجماعة الروحية المنشغلة بالرب ولذلك يقول المزمور “هوذا ما أحسن وما أجمل أن يسكن الأخوة معاً… لأنه هناك أمر الرب بالبركة حياة إلى الأبد” (مز١٣٣: ١-٣) إن هذا الفرح هو فرح المعيّة المقدسة مع جماعة الرب.
  • يجب ألا تكون لنا صداقة ولا معيّة مع الظلمة والشر والأثم خلال أي عشرة أو زمالة مع من لم يستنر بنور الرب “المعاشرات الرديئة تفسد الأخلاق الجيدة” (١كو١٥: ٣٣)، وكذلك “أية خلطة للبر والأثم وأية شركة للنور مع الظلمة” (٢كو٦: ١٤)
  • لقد غاب يهوذا الاسخريوطي عن جماعة الرب لأنه ذهب وشنق نفسه إذ ضاع رجاء منه. أما بطرس فإنه تذكر كلام الرب وبكى بكاءً مراً وعاتبه الرب وقبله إذ لم يًضِع منه الرجاء، وعندئذ دخل في الجماعة وعاش وأخذ البركة والخدمة والرسالة.
  • لقد كانت أم يسوع مع الجماعة وهذا دليل على مدى اتضاعها ومدى انكارها لذاتها إذ لا تستطيع أن تعيش إلا وسط أولادها ووسط خدام الرب يسوع المسيح ابنها. ولذلك فإن الجماعة المجتعمة للصلاة بنفس واحدة لابد أن تباركها العذراء القديسة مريم بوجودها معهم.
  • لقد كان وعد الرب للجماعة “ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم وتكونون لي شهوداً في أورشليم وفي كل اليهودية والسامرة والى اقصى الأرض” (أع١: ٨).

وهكذا فإن القوة والشهادة للرب تحتاج أولاً للصلاة وتحتاج أيضاً للنفس الواحدة، وبدون الصلاة والنفس الواحدة فلا قوة في حياتنا ولا شهادة في كرازتنا. ولذلك يجب أن يقدم كل خادم توبة عن خطية عدم الصلاة وخطية عدم وجود النفس الواحدة في خدمة الرب.

ثانياً: ميلاد الكنيسة “الروح القدس”

“وَلَمَّا حَضَرَ يَوْمُ الْخَمْسِينَ كَانَ الْجَمِيعُ مَعًا بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ، وَصَارَ بَغْتَةً مِنَ السَّمَاءِ صَوْتٌ كَمَا مِنْ هُبُوبِ رِيحٍ عَاصِفَةٍ وَمَلأَ كُلَّ الْبَيْتِ حَيْثُ كَانُوا جَالِسِينَ، وَظَهَرَتْ لَهُمْ أَلْسِنَةٌ مُنْقَسِمَةٌ كَأَنَّهَا مِنْ نَارٍ وَاسْتَقَرَّتْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَامْتَلأَ الْجَمِيعُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، وَابْتَدَأُوا يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ أُخْرَى كَمَا أَعْطَاهُمُ الرُّوحُ أَنْ يَنْطِقُوا وَكَانَ يَهُودٌ رِجَالٌ أَتْقِيَاءُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ تَحْتَ السَّمَاءِ سَاكِنِينَ فِي أُورُشَلِيمَ فَلَمَّا صَارَ هذَا الصَّوْتُ، اجْتَمَعَ الْجُمْهُورُ وَتَحَيَّرُوا، لأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ كَانَ يَسْمَعُهُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِلُغَتِهِ فَبُهِتَ الْجَمِيعُ وَتَعَجَّبُوا قَائِلِينَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ:«أَتُرَى لَيْسَ جَمِيعُ هؤُلاَءِ الْمُتَكَلِّمِينَ جَلِيلِيِّينَ؟ فَكَيْفَ نَسْمَعُ نَحْنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا لُغَتَهُ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا؟ فَرْتِيُّونَ وَمَادِيُّونَ وَعِيلاَمِيُّونَ، وَالسَّاكِنُونَ مَا بَيْنَ النَّهْرَيْنِ، وَالْيَهُودِيَّةَ وَكَبَّدُوكِيَّةَ وَبُنْتُسَ وَأَسِيَّا وَفَرِيجِيَّةَ وَبَمْفِيلِيَّةَ وَمِصْرَ، وَنَوَاحِيَ لِيبِيَّةَ الَّتِي نَحْوَ الْقَيْرَوَانِ، وَالرُّومَانِيُّونَ الْمُسْتَوْطِنُونَ يَهُودٌ وَدُخَلاَءُ” (أع ٢: ١- ١٠).

  • استمرت الجماعة في طاعة الرب وفي المواظبة على الصلاة… وجاء يوم الخمسين وكان جميع الحاضرين بنفس واحدة ولذلك ولدت الكنيسة بصورتها المتكاملة في هذا اليوم. ما أجمل الأستمرار في طاعة الرب والأستمرار في الصلاة والأستمرار في المواظبة بنفس واحدة. إن الرب لا يعمل ولا يستخدمنا في العمل إلا إذًا دخلنا في الجماعة ودخلت الجماعة في الصلاة ويكون الكل في انتظار عمل الرب.
  • هناك ظواهر صاحبت ميلاد الكنيسة كلها تدور حول فكرة واحدة هي أن العمل هو عمل الهي وليس عملاً بشرياً، وأن المولود (الكنيسة) هو مولود الهي بقوة الهية لا يستطيع أي أحد أن ينسب لنفسه أي فضل في ذلك.

وها هي تلك الظواهر التي جعلت الكل يشعر بضعفه ويرفع قلبه الى فوق حيث عمل الله:

  • صار بغته صوت من السماء بعد أن إمتلأ البيت من الريح.
  • هذا الصوت ملأ كل البيت حيث كانوا جالسين «صوتاً قويًا مدوياً يختلف عن أصوات البشر!».
  • ظهرت ألسنه كأنها من نار واستقرت على كل واحد من التلاميذ.
  • ابتدأ التلاميذ والرسل يتكلمون بألسنة أخري «لا يعرفونها» وهذه اللغات كانت هي لغة الحاضرين.
  • ابتدأت كل جماعة «حسب لغتها» تلتف حول من ينادي ويعلم بتلك اللغة وهذا جعل الكل يتعجب “بُهت الجميع وتعجبوا”.
  • كانت أحاديث الرسل والتلاميذ حول عظائم الله… وما هو الحديث عن عظائم الله غير الحديث عن الله الذي يهتم بنا ويرعانا ويقبلنا ويغفر خطايانا وايضا الحديث عن التجسد والصليب والفداء.
  • لم يعد الخلاص أمر محصور في جماعة اليهود فقط، بل تفجرت الدعوة بصفة عامة وشاملة تشمل الجميع “يهود ودخلاء”، وهكذا فإن حلول الروح القدس على التلاميذ والرسل في يوم الخمسين كان بمثابة فتح جميع الأبواب لجميع الشعوب في كل مكان وفي كل زمان بقبول الخلاص الالهي في شخص الرب يسوع المسيح.

“كل من يدعو باسم الرب يخلص” (رو١٠: ١٣).

إن إتساع الكنيسة لتستوعب الجميع هو إعلان حب الرب يسوع المسيح المصلوب عن العالم كله “هكذا أحب الله العالم” (يو٣: ١٦). إن حب الله هو حب دائم وحب شامل وحب جاذب للكل.

  • قد سبق حلول الروح القدس على التلاميذ يوم الخمسين أن الرب قال للتلاميذ “سلام لكم… ولما قال هذا نفخ وقال لهم اقبلوا الروح القدس… من غفرتم خطاياه تغفر له ومن أمسكتم خطاياه أمسكت” (يو٢٠: ٢١- ٢٣).

ولكن حلول الروح القدس علي التلاميذ يوم الخمسين اختلف عن قبولهم الروح القدس من قبل :

  • الحلول هنا يوم الخمسين كان علي مشهد من الجميع بخلاف المرات السابقة التي كانت بين الرب وبينهم فقط .
  • الحلول هنا يوم الخمسين كان له شكل مادي (السنة نارية) بعكس المرات السابقه التي كانت مجرد كلمات من الرب مصحوبة بقوة خاصة “واعطاهم قوة وسلطاناً” (لو٩: ١).
  • الحلول هنا يوم الخمسين كان بعد صعود الرب وافتراقه عنهم بالجسد بينما في المرات السابقة كان الروح القدس عبارة عن قوة تلازمهم في مأمورية خاصة لفترة محددة ثم يرجعون الى الرب ثانية. بينما قد غاب الرب عنهم بالجسد وأصبح الروح القدس هو عزاؤهم ورفيقهم في الخدمة ومعينهم في الكرازة والشاهد للرب يسوع المسيح خلال أشخاصهم.
  • إن بطرس كان واحدأً من الذين حل الروح القدس عليهم وابتدأ يشهد ويكرز بإمكانيات الروح القدس، وهكذا نستطيع أن نقول أن ميلاد الكنيسة يوم الخمسين هو ميلاد أيضاً لشخصيات التلاميذ التي اتحدت بإمكانيات ومواهب الروح القدس وأصبح سر القوة وسر الثمر المتكاثر هو في عمل الروح القدس وليس في أشخاص التلاميذ، ولقد أصبح كل تلميذ اناءً وهيكلًا للروح القدس يجاهد لكي يحتفظ بهذا الملء ويجاهد لكي يسلم نفسه ومشيئته بالتمام لهذا الروح القدس الذي يعمل خلال هياكلهم التي تقدست بالروح القدس.

 

عشية الأحد الأخير من الخمسين يوم المقدسة – للمتنيح القمص بيشوي كامل[13]

بسم الآب والآبن والروح القدس الإله الواحد آمين

عشية الأحد الأخير من الخماسين المقدسة. لأن الأحد الجاي هيكون أحد العنصرة، وإحنا بنعمة الروح القدس المعزي إن يوم الخمسين اللي فات، أو عشية الأربع إن المسيح رب المجد أكمل رسالته بالنسبة لمجيئه العالم وتجسده وصلبة وقيامته، والمرد اللى بنقوله في الكنيسة أو في الأنجيل أو في كل صلواتنا إن المسيح صعد إلى السموات وجلس عن يمين أبيه زي ما كنا بنتكلم مرة.. زي ما يكون واحد عنده مشوار ها يمشى فيه ألف كيلو، ووصل لغاية الكيلو ٩٩٩ يبقى لسه ما وصلش للحتة اللى رايحها.. مشي ٩٩٩ كيلو وفاضل كيلو واحد. طبعاً يبقى ما وصلش.. لكن ساعة المسيح زي ما بتقول الكنيسة أصعد باكورتنا إلى السماء وأخذ جسدنا في شكله المبارك، وأجلسه عن يمين الآب.. خلاص كمل كل شيء.

لأن المسيح جاء إلى العالم، وتجسد لا لكى ينقذنا من الخطية. طب افرض غفر لنا الخطية، وما بعد ذلك، إيه هيكون بعد كدة؟.. ولا علشان يدبر أمورنا ويعولها ويرتبها في كل مرة نطلب ليه. المسيح نزل مخصوص علشان ياخد الكنيسة ويحطها في يمين الآب، وقال لتلاميذه اقعدوا هنا فيه شغلانة مهمة جداً أنا لسة ما عملتهاش ليكم.. قالوا له إنت عملت كل حاجة.. إنت مت على الصليب، وأخذت جسدنا ومت بيه وقمت بيه.. إيه اللى ناقص بعد كدة؟ قال لهم أنا لسة فيه حاجة، لسة ما عملتهاش ليكم. قال لهم أنا رايح أرسل ليكم موعد الآب «الروح القدس».. لأن أنا الهدف النهائي إن أنا أكشف لكم عن حقيقة سرية تحتفظوا بيها أنتم كمسيحين.. لأن أنتم ما إنتوش عبيد.. إنتم أولاد الملك، وإن أنا أروح أبعت لكم الروح.. روح الآب.. بالنص كدة أبعث لكم موعد الآب الذى من عند الآب ينبثق.

لما موعد الآب ده يحل عليكم، ويسكن فيكم.. الروح اللى فيكم هو روح الآب والروح نفسه سيشهد أنكم أولاد الله. في ذلك اليوم لا تسألونى شيئاً لأن الآب نفسه يحبكم وروحه موجود معاكم، فزي ما بتقول إيه.. هو بيوصي التلاميذ وبيقولهم أوعوا تفتكروا إن كل حاجة اتعملت خلصت. قالوا له فاضل إيه؟.. قال لهم لسه ها أبعث لكم روح الآب اللى ها ينبثق من عند الآب. سأرسله لكم ويستقر فيكم بعد كدة ميتخافش عليكم أبداً تبقوا إنتم أولاد ربنا.. وزي ما اتكلمنا المرة اللى فاتت أو مش عارف إمتى.. يعني قبل كدة.. من يوم الخميس قلنا إن الهدف الأصلى للسيد المسيح إنه يدخلنا لأبوة الآب والهدف الأصلى لحلول الروح القدس يوم الخمسين إن روح الآب يسكن فينا حتى نقدر نقول يا أبانا الآب. فكل هذه الأمور معمولة علشان خاطر نبقى نوصل في الآخر إن إحنا نكون أولاد ربنا، وإن كان آدم إنطرد من الجنة وفقد رتبته إنه هو يسمع صوت ربنا.. إنه هو يبقى خليقة ربنا المطيع الكويس.. وإن هو ليه اشتياق في الحياة مع ربنا.. فإحنا في عصر النعمة الجديدة مش ها يخلينا المسيح يرجعنا للفردوس لرتبتنا الأولى، لكن سنكون أولاده وعايزك تكون واعي يعني وقادر تدرك بعمق إن أبوة ربنا مش بالكلام.. مش إنه دعانا كدة.. أو تبنانا وبس لكن سكب روحه فينا.. سكب روحه فينا اللي هو روح الآب.

الواجب اللى إحنا عاوزين نحطه قدامنا في الأسبوع ده الإصحاحات ١٤، ١٥، ١٦، ١٧ من إنجيل معلمنا يوحنا من ١٤ إلى ١٧ .. ١٤، ١٥، ١٦، ١٧.. ابتدأ المسيح  يتكلم مع تلاميذه عن الآب علانيةكلام.. كلام مذهل.. بينى وبينك مش إحنا معانا الروح القدس لغاية دلوقتى ما بنقدرش نستوعب أعماقه ومعرفته لأن ما بنديش الروح القدس القدرة على العمل في حياتنا علشان يكشف فينا عن طبيعة الآب.. لكن قف بكرة من أول الإصحاح ال١٤ تحت كلمة الآب حط تحتها خط هتلاقى إن الأربع أصحاحات بتتكلم عن الآب.. ما كانش قبل كده بيتكلم عن الآب، وحصل في ذهن التلاميذ لخبطة، وسأله توما وقال له “عرفنا الطريق”. قال أعرفك الطريق إزاي؟ الطريق في المسيحية هو كدة: الآب بيحب الابن، الروح القدس هو روح الحب. والآب والإبن  واحد وأنا في الآب والآب فيّ.. طب الطريق للوصول للآب إيه؟.. هو ربنا يسوع بيقول كدة ما تتعبش نفسك طريق الوصول للآب ده كان يعني مش شطارة ولا قدرة عقلية لكن الآب نفسه أرسل أبنه كلمة الآب أخذ الجسد بتاعنا، وأخذ هذا الجسد وإرتفع بيه عن يمين الآب ثم أرسل لنا روح الآب وسكن فينا. هو ده الطريق.. عرفت بقى لما توما يقول له ورينا الطريق، يقوم المسيح يقول له: أنا هو الطريق.. يعني يا توما ما كانش فيه سكة تانية للبشرية دي أن ترجع لحضن الآب مرة تانية وتدرك أبوة الآب، إلا لما أنا أتجسد وآخذ جسدها وألتحم بها وأصعد بجسم بشريتها ليمين الآب وأبعت من عند الآب الروح القدس يسكن فيها. آهو ده الطريق.. فده الطريق ليس في قدرة الإنسان ولا في جهده.

علشان كدة إحنا بقينا أولاد الله يعني مع بُعد الفارق مش الابن ملهوش الفضل على أبوه وأمه ويقول لهم إنتوا اللي جبتوني.. أنا جبت نفسي، هم يقولوا له يا ابني ده إحنا اللي جبناك.

بيقولوا له أرنا الطريق.. أي طريق؟.. علشان إيه؟.. تفتكر الطريق عشان يعني يبقى راجل صالح وتقي ويخاف ربنا ويبقى من الناس بتوع ربنا!.. لا.. الطريق يعني تدخل في تعداد أولاد ربنا.. وتتولد من فوق.. فدي عملية المسيح حسبها حساب دقيق جداً.. الأول الدافع ليها كان الحب لأن مفروض علاقة الآب بأولاده تكون علاقة حب.. دي العلاقة اللى بتربطهم. فقال هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد.. وتكلم ربنا عن الآية دي بالذات في الوقت اللى كان بيتكلم فيه عن كيف نولد من فوق مع نيقوديموس قال له: إزاي أنا أدخل ملكوت ربنا؟.. قال له ما تفتكرش إن ده ها يبقى يعني ملكوت ببوابة كدة.. وها ننقي الناس الكويسين ونحاسبهم.

ملكوت ربنا هو ملكوت ابن محبته، فإزاي أنت يا نيقوديموس هتدخل علشان تكون ابن؟.. قال له آه يبقى لازم أدخل بطن أمي تاني.. وابتدأ يكلمه: الملكوت في المسيحية تتفهم إن هي بمعنى الولادة.. يعني علشان أنا أكون في ملكوت ربنا أكون مولود من ربنا.. قال له طيب أتولد من ربنا إزاي؟.. قال له أنا ها أحطلك الميلاد من الماء والروح من المعمودية.. لكن لابد أن تعرف إن قوة الميلاد من المعمودية وفاعليتها بالمسيح.. لأن أنا بذلت ابنى الوحيد علشان إنتم يتحد بيكم ويموت عنكم.. ويقوم بيكم.. ويوصلكم للسماء، ولا يوجد طريق آخر لمعرفة ربنا..

ما إحنا عرفنا بقى يعني إيه معرفة ربنا.. إن هو إدّاك أبوته.. وإن إحنا نكون ولاده.. ما فيش طريق لإدراك معرفة ربنا إلا هو المسيح.. هيكون فيه طريق تاني إيه؟!.. الطريق اللى كان ممكن يرسمه ربنا هتبقى بنوة مصطنعة..  يعني هتجيب واحد من الشارع كدة تقول له يا ابنى أنا هاسميك ابنى من النهاردة، وأنت تبقى تقول ليّ يا بابا.. هو ربنا عاوز يعمل كدة مع الناس؟ يقول كل الخليقة دي ما هم ولاد ربنا.. لأ.. دى البنوة دى بنوة حقيقية دخلت فيها فعلاً إلى إدراك حب الآب لينا.

علشان كدة ممكن من الكلمات اللى تتكرر كثير جداً وإنت بتقرأ الإصحاحات من ١٤ إلى ١٧ كعلامة لبنوة الله هي المحبة.. وبيتكلم “بهذا يعرف الجميع إنكم أولادى إن كان لكم حب بعضكم لبعض”.. وها تكونوا تلاميذى وبعدين يقولوا له طيب نكون ولادك إزاي؟ ونكون مخلصين؟ قال إثبتوا في محبتي.. ويرجع في ختام الحديث في الأربع إصحاحات دول يقول أيها الآب أريد أن هؤلاء يكون فيهم الحب الذي احببتي به وأكون أنا فيهم. فأنا تديني من الحب ده.. تديهم من الحب اللى إنت بتحبني بيه.

بس أنا عايز أوضح نقطة صغيرة بنعمة المسيح وتقدر تكون يعني واضحة  بمعونته في ذهننا إزاي؟ أنا آخذ الحاجات بتاعة المسيح. ويتكلم عن الروح القدس يأخذ مما لي ويعطيكم. طب الآب يحب الابن لأنه حب وحدانية لأن الآب والابن واحد.. الآب والابن واحد..

يقول له أنا كمان عاوزهم يكونوا واحد فيّ كما أنا واحد فيك، عاوز الحب اللي فيّ. اللي بتحبني بيه يكون فيهم وأكون أنا فيهم.. إزاي ده إحنا هنأخذ.. هنشارك ربنا في الحاجات دية؟.. دي حاجة الهية..

قال ما هي دي البنوة.. البنوة أنت ما بنعلِّمش الأب تقول له إديهم من الحب اللى إنت أخذته من باباك مثلاً.. لأ.. مجرد إنه هو بقى ابن من اللحم والدم خلاص. وتبص تلاقى فيه عاطفة حب كدة.. أحياناً ساعات الواحد يستغرب.. وتحبه على إيه؟ ده هو عمل حاجة وحشة.. يقول له معلش.. أنا بحبه لأن هو ابني.. الحاجات اللى إحنا أخذناها من الآب أخذناها بطريق المسيح.. لأن اتحاد المسيح بطبيعتنا بجسدنا خلانا ناخد من الحاجات بتاعته، وده اللى خلى معلمنا بولس الرسول يقول في رسالته لكولوسي “لأنكم قد متم وحياتكم مستترة مع المسيح في الله”، يعني احتياجاتنا مستترة مع المسيح الله.. وبعدين يرجع يتكلم عن المجد. طب أنا هآخد المجد إزاي؟.. السماء في الديانات التانية مثلاً أو الحاجات دي، أو عند قدماء المصريين أوعند أي حاجة.. اللى يعمل خير معين ولو قد ذرة واحدة هياخد جزاء.. واللى يعمل شر هياخد جزاء.. هتبقى فيه محاكمة.. ده صحيح.. فيه دينونة للعالم كله.. لكن أنا باتكلم عن المجد.. قال لأ.. المجد ده حقنا كأولاد لأن مادام  إحنا في المسيح يبقى المجد اللى للمسيح إحنا هانعيش فيه.. مش لأنه هو أصلاً من حقنا، ولكن لأننا في المسيح أصبحنا نتمتع بيه. فالحاجات اللي أخذناها من ربنا كلها بالروح القدس أخذناها من أجل اتحادنا بالمسيح فصرنا واحد فيه .

دلوقت أنا عاوز أركز الكلام النهاردة على الحاجة اللي إحنا بنتقبلها: روح الآب. قال من غير روح الآب ما يحل فيكم مش ها تكونوا أولاد. أول آيه قالها في الأربع اصحاحات دول ١٤، ١٥، ١٦، ١٧، أول آيه قال “لا تضطرب قلوبكم” واتكررت كثير في النص.. لما أنا قلت لكم إن أنا ماضي للآب ملأ الحزن قلبهم. لا تضطرب قلوبكم يعني إيه؟ قال دي علامة  من علامة إنسان فيه روح  بنا.. إذاً كنت أنا فعلاً.. إذ كنت أنا هيكل لروح ربنا وهوساكن فيّ وده روح الآب. طب أنا أخاف ليه؟ ده إذا كان روح ربنا فيّ المفروض أنا مخافش لأن هو مسئول عني. مين اللي ها يحرسني تاني؟.. أنا اللي هيحرسني روح ربنا اللي فيَّ ولا روح الآب هو اللي هيحرسني؟!.. أنا اللى هادافع عن نفسي.. ولا هو هيدافع عني؟..

الآيه دي بتعزي الواحد جداً وخصوصاً في الأيام اللي بيبقى فيها مشاكل أو اضطهادات في الكنيسة، أو أحياناً الشيطان يصورلنا كدة صور إن فيه حاجات معتمة في الطريق.. وبعدين نقول ده روح الآب ساكن فينا.. وأول كلمة قالها لا تضطرب قلوبكم، طيب يا ربي يسوع ما نضطربش ليه؟.. قال: لأن المنازل في بيت أبي كثيرة وأنا ماضي لأعد لكم مكان.. حتى إذا أعدت لكم مكاناً آتى وأخذكم حتى حيثما أكون أنا تكونون أنتم.. بس علشان كدة ما نضطربش؟!.. قال آه وأنا مش وصيتكم زمان وقلت لا تخافوا من الذىن يقتلون الجسد.. ما هو أنا البنوة بتاعتي أنا واخدكم علشان تكونوا أبناء ليَّ إلى الأبد في السماء.

ما تضطربوش ولا تخافوا أبداً لأن مش ممكن بنوتكم حد يقدر يتعدى عليها.. وده اللي خللى بولس يقول وهو في السجن مين يقدر أن يفصلني عن محبة المسيح يسوع حتى لو في السجن.. ده أنا هأقول لك أكثر من كدة.. هل ممكن إنسان.. أنا مثلاً وأنا  بعمل خطية وحشة.. روح الأبوة .. روح الآب اللى ساكن فيَّ يفارقني؟.. قال أبداً.. ما يفارقنيش.. ده لو واحد أنكر المسيح وعمل مش مسيحي وساب المسيحية ورجع تاني وقال عمدني بقى من جديد تاني علشان عاوز أبقى ابن لربنا. أقول له مش ممكن هو أصل روح ربنا ما فارقكش.. ما فارقكش علشان أعمدك تاني.. الله.. أمال كان فين روح ربنا؟.. قال كان حزين علشان كدة الكتاب المقدس قال: لا تحزنوا روح الله الساكن فيكم. فالروح القدس حتى بالنسبة للإنسان الخاطي لا يفارقه. تعرف لوكان الروح بيفارق الإنسان الخاطى بيفارقني أو يفارقك في فترات ضعفنا ماكناش نقدر نتوب مرة تاني.. لأن متى جاء ذاك فهو يبكت على خطية وهو.. هو اللى بيتوبنا وهو اللى بيحرك ضميرنا.. وهو اللي بيرجعنا تاني لحضن أبينا.. وهو اللي خللى الإبن الضال يقول أقوم وأرجع لأبي..

أنا عاوز أوري البنوة دي.. يعني مش بنوة بسيطة، ما عندوش استعداد الآب إنه يفرط في ولاده فعشان كدة بيقول “لا تضطرب قلوبكم”. خلاص خللي عندكم ثقة إن إنتم في رعايتي مادياً وحتى لو قتلوا جسدكم فأنا مضيت وأعددت لكم مكاناً.. يمكن أنا عاوز أدخلكم في مجد أعظم، وإيه اللي ها أعمله لكم حيث أنا أكون تكونون أنتم.. والروح.. روح الأبوة.. لو أنت سألت أب، قلت له تبقى مبسوط ليه؟.. بيقول لك لما ابني يبقى في حضني.. ولوسألت الابن أكثر حاجة تبسطك يقول لك لما أبقى مع بابا.. صحيح الأب مسئول عن ابنه في حاجاته المادية.. والابن بيفرح بالعطايا بتاعة أبوه المادية.. لكن الفرحة الكبيرة إن الأتنين يكونوا في حضن بعض ويكونوا مع بعض.. دي الحتة اللي هي هدف الروح القدس في حياتنا.. لكن ما بيتتحققش أبداً علشان إحنا ولاد ساعات ما بنبقاش كويسين.. لكن نلاحظ في كلام المسيح الوداعي هذا ١٤، ١٥، ١٦، ١٧ يقول كدة الأول حيثما أكون أنا تكونون أنتم.. وآخر آيه يقول أيها الآب أريد أن يكون فيهم الحب الذى أحببتني به وأكون أنا فيهم، أيها الآب أريد أن هؤلاء يكونون معي حيثما أكون أنا ليروا مجدي. فإن كلنا إحنا من دلوقتي روح ربنا اللي فينا بنقعد معاه شوية ونبعد عنه شوية وننشغل في هموم العالم تاني شوية، ونتكلم في الغلا شوية  وفى السياسية ونجيب في سيرة الناس شوية، وفى مشاكل العالم والظروف والأحداث…الخ.. لكن نرجع تاني ونقول لنفسنا نقعد مع ربنا، أوقات فيه فترات في حياتنا كدة قليلاً نقعد فيها مع ربنا.. الروح القدس لن يستريح إلا لما يكون الأبن في حضن أبيه على طول. كان القديسين بيمارسوا هذا الأختبار لكن حتى لو لم نمارس بالفعل في حياتنا على الأرض لكن ها نمارسه مع ربنا في حياتنا لما ها نكون في حضنه للأبد.

فأول نقطة بينبه ليها ويقول إوعى واحد من ولاد ربنا يضطرب ولا يخاف “لا تضطرب قلوبكم ولا تجزع”. أوعوا تخافوا أبداً. يا ربى إحنا بشر عاديين بس أنا المسئول عنكم. أنا ما أنساش أب كاهن تقي أبونا ميخائيل أبراهيم لما كان الواحد يقعد معاه ويقول له يا ابنى طيب هو مين اللى بينظف البيت.. اللي ساكن جوه؟ ولا البيت اللى بينظف الجدران بتاعته؟.. أقول له اللى ساكن جوه البيت.. يقول له طب ما هو الروح القدس اللى ساكن جوه البيت ده روح الآب.. مين اللى يعملك إنت إبن لربنا؟.. أنت اللي بتعمل نفسك ابن لربنا ولا روح الآب اللي جواك؟.. مين اللي بينظف من الخطية؟.. مين اللى يحافظ عليك؟.. مين اللي يهيأك؟ هو روح الآب اللي ساكن جواك. فدي نقطة تقدر تلقطها بسرعة كبيرة.. إنه ساعة ما بيتكلم عن الآب.. الأول عايز أقول لك حاجات إنه في الأصحاحات الأربعة دول علشان طبعاً وقتنا مش ها يسمح. لكن بأفتح لك باب تقعد تلقط حاجات حلوة في الأربع اصحاحات دول. كل ما هيتكلم عن الآب تلاقى كلام مزدوج.. كلام عن الروح القدس وعن الآب.. عن الروح القدس وعن الآب.. لأن الروح القدس هو الآب. فأول نقطة قولنا إن إحنا ما بنخفش وقلت له برضه مرة إن إحنا بنقول إنه ها ينبثق من الآب لأنه روح الآب.

صحيح أن المسيح اللى ها يرسله، وفيه فرق بين الإرسال، وفيه فرق بين الإنبثاق. يعني لما أرسل حاجة آخد حاجة وأبعتها.. لكن الإنبثاق عملية طبيعية.. زى الضوء ده ما هو منبثق من اللمبة.. ده منبثق كدة.. اللمبة ما بتخلصش والضوء طالع منها.. يعني إذا كانت اللمبة  ما بتخلصش، لكن الله روح الله الآب.. روحه ينبثق منه.. ينبثق منه.. ولأن روحه غير محدود، فينبثق من الآب في الابن. ولأن الأبن أخد الجسد بتاعنا فإحنا نلنا نصيب من الروح القدس المنبثق من الآب.. فالآب غير محدود والروح القدس غير محدود فهو منبثق إنبثاق غير محدود ليحل حلول غير محدود في الابن غير المحدود.. يعني مش ممكن ينبثق من الآب في بنى آدم بشري زيي وزيك.. لكن لأننا إحنا.. المسيح أخذ جسدنا وصرنا أعضاء في جسمه، فانبثاق الروح القدس من الآب في الابن، هو ده يبقى إحنا نصيبنا في المسيح يسوع، علشان كدة كانت كنيستنا واعية دايماً لما بنقول الروح القدس المنبثق من الآب.. الكنائس الغربية كلها بطوائفها المختلفة ما أخدتش بالها وقالت طيب ما الروح القدس ما يصحش ما هو روح الآب وهو روح  الابن. بتقول لازم لما نقول قانون الإيمان تزوده حتة “المنبثق من الآب والابن”.. إنما إحنا نقول “لا”: المنبثق من الآب في الابن أو ما بنقولش في الابن لأنها مفهومه طبيعية لأن إذا كان روح الله غيرمحدود إزاى أكون منبثق من الآب والابن عشان يستقر في إيه؟ في إنسان محدود؟!.. هو روح غير محدود منبثق من آب غير محدود علشان يحل في الابن غير المحدود.

وإحنا نصيبنا من الروح القدس نصيب اتحادنا في المسيح اللى إحنا أخذناه بتجسده.. بيقول لا تضطرب قلوبكم، متخافوش لأن أنا أعددت لكم مكاناً. تعال نفسر حتة حتة كدة علشان أوريلك إزاي أنت ممكن تمشي في الإصحاحات دي. أنا ماض لأعد لكم مكاناً، أنا كنت أعرف مثلاً في بيت أبي منازل كثيرة.. إيه المكان اللي إنت رايح يا يسوع تعده فوق في السماء. ها تبني عمارات؟ هاتبني لنا شقق مساكن؟ قال لا.. المكان هو يمين الآب.. وإعدادي للمكان.. طب ها تعد المكان إزاي؟ قال ها أعد المكان بأن آخذ جسد المسيح، آخد جسدي اللي هو الكنيسة واحطها عن يمين الآب.. يبقى أعددت للكنيسة كلها مكان.. يبقى أنا مكاني فين؟.. ودلوقتى انا عرفت مكان الأوضة اللى قاعد فيها.. قال آه أنا أعرفتها فين.. أنا عضو في جسم المسيح والمسيح صعد للسموات وجلس عن يمين الآب.. أنا عرفت مكاني أنا الأوضه بتاعتي اللي قاعد فيها عن يمين الآب واخد بالك إزاي؟ لا تضطرب قلوبكم أنا ماض أعد لكم مكاناً.. أيه المكان اللي هتعده لينا فوق؟.. مكان بالمعنى المادي.. قال: لأ.. مكان اللي أنتم ها تبقوا في يمين الآب.

طب أنا عاوز أعرف أنا آخد مكاني استلمته كتبت الكونتراتو بتاع الشقة اللي هاقعد فيها دي ولا لسه؟ أقول لك أنا أعرفت مكاني فين.. عرفت نمرة الشقة فين.. وعرفت كل حاجة.. تقول لي منين عرفت كله ده؟.. أقول لك لأنى أنا ابنه.. ما هو أنا ابنه وعارف بقى يعني إيه رايح يعد لنا مكان.. رايح يعمله أولاد لربنا. أدي معنى كلمة أنا ماض لأعد لكم مكاناً.. أصل إحنا ماكانش لنا مكان في أبوة ربنا.. فهو لما إحنا اتحدنا بجسده وهو اتحد بجسدنا وصعد بهذا الجسد عن يمين الآب فأعد لنا مكان عن يمين الآب. وحل روح الآب فينا (موعد الآب) وبالطريقة دي أصبحنا إحنا لنا مكان. عرفت دلوقتي المكان وتأكدت منه؟.. آه مكاني دلوقتي أنا ابن لربنا.

وشوف بقى لو نعيش في المفهوم ده بعمق كده يبقى لا يفترق أبداً وجودك على الأرض أو في السماء.. أو وجودك هنا أو وجودك في جنوب افريقيا.. أو وجودك هنا..أو في بيت تاني أو في كنيسة تانية.. لأن في الواقع في الحالة دي أنت أصبحت عضو في جسم المسيح. وإن مكانك حُدِّد واتعرف وخلاص إن هو عن يمين الآب وإن الروح الآب هو اللى ساكن فيك.

أنا ماض لأعد لكم مكان يقوم بسرعة ييجى يقول له يا رب كيف نعرف الطريق.. شرحت لك أنا بقى أنا بأخذها لك آية آية بيقول له نعرف الطريق؟.. فرد يسوع قال له أنا الطريق طبعاً لأن الطريق إيه.. هو علشان يكون لنا مكان. المكان هو أبوة الآب لينا، وحلول روحه فينا. طب الطريق إزاي؟..

الطريق إن المسيح أخذ جسدنا واتحد بيه وصعد بهذا الجسد عن يمين الآب وأخذنا موعد الآب. يبقى فعلاً هو المسيح.. هو الطريق “أنا هو الطريق”.

وبعدين ابتدأ يكلمهم عن الآب أنا هو الطريق ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي.. إيه  يا ربي؟ يعني إنت تقعد تنقي ناس ناس كدة؟.. قال: لأ.. مش مسألة ناس ناس لأن محدش ها يقدر يصعد عن يمين الآب إلا الأبن. فاللي اتحد بالابن هو اللي ليه مكان هناك.. واللي ما اتحدش بالابن مالوش مكان.. ليس هذا تعسف من المسيح لكن لا يقدر أحد أن يأتي للآب إلا بي.

لوكنتم عرفتموني لعرفتم أبي أيضاً.. دي آية تانية..

إنت ها تمسكهم كدة آية آية.. يعرفوا إزاي ربنا.. بيقولوا ربنا يعرفوه بالعقل.. عقل إيه ده اللي يفهم ربنا، ولا يفهم ولا حاجة.. ده العقل ده ما بيفهمش حتى مصلحة نفسه..  قال أمال إيه؟! قال لو عرفتموني لعرفتم أبي.. أصلي أنا ابن الآب.. لو اتحدتم بيّ فالمعرفة هنا معرفة الاتحاد بالمسيح.. لو عرفتم المسيح فهتعرفوا الآب لأن  هو أبوه.. لو أنتم في جسم المسيح يبقى أنتم عن يمين الآب يبقى عرفتوه.

عرفت يعنى إيه لو عرفتمونى لعرفتم الآب؟.. علشان كدة لما يتكلم عن المعرفة بيتَّك كتير جداً على الروح القدس إنه هو المسئول عن المعرفة.. يُعلِّم ويُرشِد ويُذكِّر ويُعرِّفنا عن الآب ويأخذ مما للمسيح ويعطينا.

وهنا بقى المعرفة أخذت اتجاه عكسي.. بدل مالمعرفة ما بقت معرفة إنسان لله حسب قدرة الإنسان وعقله.. أصبحت المعرفة هي انسكاب الروح القدس في الإنسان حسب اتساع.. حسب غنى ربنا وغنى الروح بتاعه وحسب ما تفتح القلب بتاعك فيعطيك روح المعرفة.

فتعرف ربنا إزاي.. ممكن إنسان يكون بسيط جداً ومعرفته قليلة وما يعرفش يقرأ ولا يفك الخط ولا حاجة لكن معرفته للآب كبيرة جداً لأنه ثابت في المسيح.. وسالك فيه سلوك. لأن المسيح قال بعد كدة هتلاقيها.

الموضوع أصله متشابك قال اللي يحبني يحبه أبي وإليه نأتي وعنده نصنع منزلاً. في نفس الأصحاح. فإذا كان الحب ده علامة معرفة ربنا فمحبة ربنا ها تنسكب في قلوبنا بالروح القدس هيبقى دلوقتي هنخش في المعرفة،  كيف نعرف الله؟..

نعرف الله بالصلاة.. بالإنسكاب.. بالإتضاع.. بالمحبة.. حاجات تانية مش في ذهن الناس اللي بيعرفوا بيها ربنا.. ربنا يقولولك يعرفوه تقرأ الكتاب.. تقرأ الكتب وتشغل العقل بتاعك وتتأمل في الطبيعة.. والسموات تحدث بمجد ربنا وممكن تعرف.. والعقل.. والعقل والعقل..الخ.

وبعدين إحنا نرجع ونقول لما نتضع ونحب ونتحد بالمسيح ومعرفة ربنا تنسكب في قلوبنا. تقول لي يا أبونا وأنا بنقرأ الإنجيل دلوقت بأفهم حاجات ما كنتش بأفهمها خالص، جات لي من أين دي؟ أقول لك بقدر ما إنت تكون متضع أمام الله وبتحبه وبتحب كلمته هو ما بيبخلش. يسكب من روحه فيملأ قلبك حب ليه. فتبتدي تحب ربنا فتعرفه أكثر أكثر فتبقى فرحان ومبسوط.. دي المعرفة.

ومن الآن تعرفونه وقد رأيتموه. قال له فيلبس أرنا الآب وكفانا. بيقول قد رأيتموه لأن إنتم فيَّ. وأنا دلوقت صاعد بيكم للسماء يبقى رأيتم الآب لأن أنتم فيَّ. فرد فيلبس وقال له أرنا الآب وكفانا. قال له يا فيلبس أنا معك كل هذا الزمان.. طب ما هو أنا ربنا يا فيلبس بس أنا أخليت ذاتي وأخذت الجسد علشان أعرفك بيَّ.. وأنت لما تثبت فيَّ هتلاقي كلمة “إثبتوا فيَّ” هتتكرر كتيير كتيير.. كتير خالص وخصوصاً في الإصحاح 15.

يقول أنا هو الكرمة وأنتم الأغصان، إثبتوا فيَّ.. وفى الإصحاح ده ١٦ يقول إثبتوا في محبتي.. فيلبس يقول له أرنا الآب وكفانا.. قال له أسكت بقى يا فيلبس لأن أنا والآب واحد، من رآني فقد رأى الآب. أنت بتتكلم عن رؤية ربنا ازاي.. إزاي يعني تشوف ربنا ما هو أنا السكة.. أنا الطريق.. دي كمالة الموضوع.

لست أتكلم من نفسي بل الآب الحال فيَّ، صدقوني إني في الآب والآب فيَّ.. دي كلها آيات بتؤكد الوحدانية.

الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فالأعمال التي أعملها يعملها هو أيضاً ويعمل أعظم منها. لا ما تقفش عند الكلمة دي.. ما تقفش عند كلمة “يعمل” دي نقطة عايز أقولها لك. فيه آيات كتير خالص من اللي هتقرأها في الأربع  أصحاحات دي بيفسرها على طول. يعني مثلاً إيه.. يقول لها: “لا تلمسيني لأني صاعد إلى أبي”.. خلاص تبقى اتفسرت.. لأن أنا لسه ما أخدتكيش وطلعت فوق عند الآب.. لأن أنتِ مش بنت الآب لسه.. لأن عايز يقول لها إنت غريبة، أنا دلوقتي أبى وأبيكم ما إحنا إتنين فيه إزدواج لسه لما أصعد وآخدكم فوق.

فهنا يقول الأعمال التي أنا اعملها يعملها اللي يعرف الآب ويعمل أعظم منها.. الذي يؤمن بي فالأعمال التي أعملها هو أيضاً يعمل أعظم منها.. وإزاي بقى ده؟!.. لأني ماض إلى أبي.. شوف بقى لما تحط كلمة لأني ماض إلى أبي تبقى اتفسرت في الآية.. فأنا أعمل الأعمال وأعظم منها لأن المسيح ماض إلى الآب لأن أنا بقيت في يمين الآب فبقيت أعمل أعمال عظيمة جداً. لكن لما صعد فوق عن يمين الآب تتفتح عينينا فتبص تلاقي الأعمال أصبحت أعمال الهية خاصة بالسماويات.. والحاضر والمستقبل والماضي.. كله اتقطعت الفواصل اللي بينه. فالأعمال اللي فوق.. أعمال أعظم من أعمال الأرض. فإحنا هنعمل الأعمال اللي أعظم.

آه يبقى فهمنا دلوقت لأنه كمِّل الآية وبيقول لأني ماض إلى أبي. إنما متاخدش نص الآية وتقول الأعمال التي أعملها تعملون أعظم منها.. تيجي إزاي إن أنا أعمل الأعمال أعظم من الأعمال اللي يعملها المسيح.. لكن لما يقول لأني أنا ماض إلى الآب وأنتم ها تبقوا هناك يعني هتبقى الأعمال بتاعتكم أعظم من الأعمال الأرضية مش أنتم في الأرض لكن سيرتكم فين؟.. في السماويات وحُبُّكم للإلهيات وأسرار اللاهوت أعطيت ليكم أنتم الناس البشر البساط. وإبتديتوا تعملوا أعمال عظيمة جداً والدوافع بقت دوافع إلهية جبارة وتبص تلاقى الأعمال التي أعملها تعملونها وأعظم منها ليه؟.. لأني ماض إلى أبي. شوف تفسرها بقى.. بقى واضح على طول لأني ماض إلى أبي.

مهما سألتم باسمي فذلك أفعله ليتمجد الآب بالأبن كل حاجة تسألوها ها تتعمل ليتمجد الآب بالأبن.. يتمجد الآب بالابن قال آه.. مش مرة قال كدة: ليرى الناس أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السموات. طب إزاي يتمجد الآب بالإبن؟ هيقول له كدة: هأنذا والأولاد الذين أعطيتني لم يهلك أحد منهم. صعد إلى السموات ورفع قديسيه معه وأعطاهم قرباناً لأبيه. فالآب تمجد.. بص هأقولك إزاي.. واحد داخل الثانوية العامة وقعد يذاكر.. يذاكر.. يذاكر طول السنة.. آخر السنة نجح، ونجح بمجموع كبير جداً، يبقى تمجد.. يبقى العمل بتاعه اتمجد.. واتمجد في المدرسين اللى بيدرسوه كمان لأن المدرسين اللى درسوه هم اللي أدوه العلم ده..

فالمسيح نزل العالم وأخذ البشرية. ما إحنا طلعنا وثبتنا فيه ووصلنا فوق فتمجد الآب بالأبن.. تمجد الآب بالابن لأنه أصعدنا فوق في السماء.. يعني معناها أن رسالة المسيح نجحت ١٠٠٪ ولم يهلك إلا ابن الهلاك.

وهكذا يا عزيزي تستطيع إنك تمشي آية آية في الأربع اصحاحات دول علشان تعرف إيه اللي حصل في صعود المسيح وجلوسه عن يمين الآب.

إذا كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي. أنا أطلب من الآب فيعطيكم معزي يمكث معكم إلى الأبد.. وإلى الأبد يعني.. مش وإلى الأبد في العالم ده.. إلى الأبد..

ومع الحق الذي.. الذي إيه؟.. إيه صفاته روح الحق ده الذى لا يستطيع العالم أن يقبله لأنه لا يعرفه.. لأنه فعلاً المسيح قال كدة “روح الآب الذى لا يقدر العالم أن يقبله.. ما يقبلهوش ولا يعرفهوش، ولما يتكلم عليه هيتكلم عليه بجهل لأنه مش عارفه. يقول لك الآب  إيه والإبن إيه وجواز إيه وخلفوا إيه وعملوا إيه.. دي قضية.. شوف قد إيه إحنا قاعدين نتكلم ونسرح في الإلهيات والأمور الإلهية الجميلة، قاعدين فرحانين والموضوع مش هيخلص وبعدين تبقى تلاقي إيه.. بيجى واحد يقول لك والآب ده له ابن واتخذ له صديقة ومش صديقة وبتاع.. تشرح من فين ولا تجيب له من فين.. صعب خالص…

واجب لطيف خالص ممكن.. شوف بعد كدة يقول إيه لا أترككم يتامى طبعاً ما هو ولو فيه عيال مالهاش أب يبقوا إيه؟ ما هم يبقوا يتامى.. لو مكانش المسيح أخد الكنيسة وقعدها عن يمين الآب وقال له أيها الآب دي كنيستك والآب أداها الروح بتاعه.. روح الآب.. وبقت الكنيسة دي عايشة بروح الآب.. والروح الذى فيها يشهد أننا أبناء الله.. تبقى الكنيسة يتيمة واللي ما أخدش الروح القدس في هذا العالم فهو إنسان يتيم لأنه مالوش أب.. مالوش أب.. فلن أترككم يتامى.. دي ليها معنى كبير خالص.. معناها أن أبوة الله هتغطى كل يُتم بالنسبة للإنسان بحيث إنه هيعيش طول حياته في حضن الآب إلى أبد الأبدين. مش هي دى صلاة المسيح لنا إذا صليتم فقولوا أبانا الذي…

فأنت تمشي آية آية كدة.. وتقعد تكتشف فيها أبوة الآب ليك.. على ما تخلص الأربع اصحاحات دول تبقى فهمت وعشت تمام معنى الصعود اللي إحنا احتفلنا بيه يوم الخميس.

لإلهنا المجد دائما آمين .

 

الأحد السابع من الخماسين المقدسة – للمتنيح القمص تادرس البراموسي[14]

تأتى ساعة يظن من يقتلكم أنه قدم خدمة لله 

عيد حاول الروح القدس (يو١٥: ٢٦، ١٦: 7- ١٥)

إن الرب يسوع له المجد يعطي الرجاء مرة أخرى. الروح القدس يعطي القوة لتحمل الضيقات والأحزان. في العالم الذى يتحمله الكثيرون لأجل السيد المسيح. وأن هذا الأمر معزي بصفة خاصة لكل من يواجه الاضطهاد. وعد الرب بحلول الروح القدس لكي يعطينا قوة وصبر ودفعة للأمام مستهينين بكل ما يصادفنا في الحياة من الألام والضيقات يستخدم الرب يسوع هنا أسمين للروح القدس: المعزي، وروح الحق، وعمل كلمة المعزي في حياتنا، عمل التشجيع والقوة، أما روح الحق فيشير إلى عمل الكرازة، حينما قال يمكث معكم ويعزيكم ويقودكم إلى طريق الحق. لذلك نقول الروح القدس يعزينا ويعلمنا.

ينبه الرب على تلاميذه أنهم سيقابلهم الكثير من الاضطهادات والضيقات لذلك يؤكد لهم أنه لن يتركهم وحدهم بل سيرسل لهم الروح القدس الذى يمكث معهم ويعزيهم.

وقد تم هذا الكلام كله عندما طرد القديس استفانوس من المجمع ورجم بالحجارة حتى مات وكان أول شهيد مسيحي وشاول الطرسوسي الذى كان يضطهد الكنيسة الذى صار فيما بعد بولس الرسول، الذى كان يأخذ توصيات من رئيس الكهنة ويضطهد المسيحيين ويقتلهم،

حين التلاميذ سألوا الرب يسوع عن موته. فغالباً ما كانوا يهتمون بأنفسهم.. فإن مات يسوع فماذا يحدث لهم.. فإن لم يمت يسوع فمن كان يهتم بخلاصنا ومن الذى يمحو خطايانا الجدية التي ورثناها عن أبينا آدم، وأن لم يمت فما كان قام وقهر الموت، ولو لم يرجع إلى الآب ما كان أرسل لنا الروح القدس.

لقد كان وجود الرب يسوع على الأرض محدوداً بمكان واحد أما بعد صعوده إلى السماء فمعناه أنه موجود في كل مكان في السماء وعلى الأرض وفى كل العالم.

يوجد ثلاث أعمال للروح القدس هامة جداً قد تممها:

أولاً تقديم البرهان للعالم عن الخطية وإعلانه بالتوبة.

ثانياً إظهار إمكانيات الحصول على بر الله لكل من يؤمن به.

ثالثاً إظهار دينونة السيد المسيح لرئيس هذا العالم.

إن موت الرب يسوع على الصليب قد صالحنا مع الله، وجعل لنا شركة معه. قال الرب يسوع لتلاميذه: إن الروح القدس سيخبركم بكل شيء بالمستقبل أي بطبيعة عملكم كمرسلين، وبالمواجهة التي تواجهونها من الشعب ومن الرؤساء، ولم يفهم التلاميذ تماماً هذه الوعود إلى أن جاء موعد الروح القدس في يوم الخمسين حينما قال الرب يسوع لا تبرحوا أورشليم حتى تنالوا قوة من الأعالي. وهكذا تم هذا الوعد وحل الروح القدس على التلاميذ وكان حلقة اتصال بين الرب يسوع وتلاميذه وخلفائهم إلى هذا اليوم.

 

العظة الأولى 

أ – وعد الرب بحلول الروح القدس

ب – تأكيد انبثاق الروح القدس من الآب

ج – شهادة التلاميذ للرب يسوع

د – الآلام والصيقات واحتمال المشقات

ه – إعلان الرب بصعوده وأتمام وعده

و – حزن التلاميذ واحتياجهم للتعزيز

ذ – حلول الروح القدس وانطلاق الرب

ح – الروح القدس هو القوة والسلطان والمعرفة

ط – هو اللسان الناطق والأساس العامل

ى – هو الضياء وقوة العطاء

 

العظة الثانية 

أ – رسالة الحياة وعمل الفداء

ب – شهادة الحق وقوة اللقاء

ج – خدمة وشقاء وتزمت الأعداء

د – عدم المعرفة وكثرة الجفاء

ه – انطلاق وقوة وفائدة مرجوة

و – معين وأمين ووقت ثمين

ذ – عجز عن الأحتمال وصبر الرجال

ح – مجد وسعادة وقوة وريادة

ط – ضيق وأحزان وقوة الأيمان

ى – قتل وتشريد وعهد جديد

ك – انتشار وانتصار وقوة اعتبار

ل – حماية ورعاية وحكمة وسعاية

 

العظة الثالثة 

أ – الروح القدس قوة

ب – الروح القدس سلطان

ج -الروح القدس مواهب

د – الروح القدس انتصار

ه – الروح القدس غلبة

و -الروح القدس موعد

ذ – الروح القدس أسرار

ح – الروح القدس حياة

ط – الروح القدس شركة مع الله

ى – الروح القدس شجاعة

 

العظة الرابعة 

أ – الروح القدس موعد الآب

ب – الروح القدس وعد الأبن

ج – الروح القدس شاهد للحق

د – الروح القدس قوة للمؤمنين

ه – الروح القدس لسان للكارزين

و – الروح القدس تبكيت للخطاة

ذ – الروح القدس مرشد للتأبين

ح – الروح القدس سلام واطمئنان

ط – الروح القدس مبشر ومنذر وحافظ

ي- أنا هو معكم كل الأيام وإلى أنقضاء الدهر.

 

عمل الروح القدس في المؤمنين – للمتنيح الأرشيدياكون بانوب عبده[15]

أولاً: التبني لله:

فبالولادة الروحية والإيمان بالمسيح يصير المؤمنون أولاداً لله، لا من جهة كونه قد خلقهم بل وفداهم أيضاً، وبذا يصيرون ورثة الله ووراثين مع المسيح. وفي ذلك يقول بولس “لأن كل الذين ينقادون بروح الله فأولئك هم أبناء الله… الروح نفسه يشهد لأروحنا أننا أولاد الله” (رو ٨: ١٤- ١٦)، وقال أيضاً “بما أنكم أبناء أرسل الله روح ابنه إلى قلوبكم صارخاً يا أبّا الآب” (غل٤: ٦).

ثانياً: الإرشاد إلى الحق:

إن الإنسان باعتباره من الجنس الساقط هو ضال شارد عن الله وميت روحياً، وتتوقف هدايته إلى الحق ونيله الحياة الجديدة على الروح القدس (يو٣: ٨). فالروح القدس يدخل في أعماقه ويتسلط على عواطفه، ويرافقه على الدوام ويرشده ويحرك قلبه للإذعان للحق، وينبه ضميره الغافل ويحقق له خطأه فيشعر به، ويوقفه عن ضلالته، ويهبه الأيمان، وينعم عليه بالاتحاد. فكأنه جثة ميتة يضع فيها نسمة حياة روحية فتعرف الحق الذي هو ابن الله وتعترف به. وفي ذلك يقول الرسول “ليس أحد يقدر أن يقول يسوع رب إلا بالروح القدس” (١كو١٢: ٣).

ثالثاً: التجديد والتقديس والتبرير:

فالروح القدس يجدد الخاطيء ويقدسه بأن يغير طباعه وأخلاقه وميوله، فيتوق الى الصلاح والقداسة والمعرفة والحق بدلاً من الشر والجهل والبُطل. ثم يبرره أي يصيره غير مستحق للعقاب الأبدي لأنه ليس عليه شيء للناموس، ومن ثم يُدعى خليقة جديدة طبقاً لقول بولس “إذاً إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة. الأشياء العتيقة قد مضت هوذا الكل قد صار جديداً” (٢كو٥: ١٧). ويقول الرسول أيضاً “هكذا كان أناس منكم لكن اغتسلتم بل تقدستم بل تبررتم باسم الرب يسوع وبروح إلهنا” (١كو٦: ١١). فكما أن النار تنقي الحديد وترفع عنه البرودة وتصيره ليِّناً، كذلك الروح القدس ينقي القلب الدنس وينتزع عنه برودة الخطية ويضرمه بحرارة العبادة ويصيره ليِّناً لإنطباعات الألهامات الألهية.

وعمل الروح القدس يكون على كيفية لا تدركها العقول، فالخاطيء بينما يكون غارقاً في شروره لا يلبث أن يجد نفسه قد تحول من حال سيئة الى حال حميدة، فكره الخطية وأحب القداسة، وما هي إلا فترة حتى يجد نفسه قد انتقل من حياة جسدية فاسدة مائتة الى حياة روحية جديدة مقدسة. وقد أيد ذلك مخلصنا بمثل الريح الذي ضربه لنا وفيه يقول “الريح تهب حيث تشاء وتسمع صوتها ولكنك لا تعلم من أين تأتي ولا إلى أين تذهب هكذا كل من ولد من الروح” (يو٣: ٨). فهكذا وجود الروح القدس وعمله في القلب، فإننا لا نقدر أن نراه ولكننا نستدل عليه من تأثيره في إصلاح سيرتنا.

على أن عمل الروح القدس في عقول البشر لا ينفي المسؤلية الملقاة على عاتقهم، فهم ملزمون أن يؤمنوا إيماناً صحيحًا ويعيشوا عيشة مقدسة ويتمموا واجباتهم التي يحتاجون معها لمساعده الروح القدس، علمًا بأن هذه الأمور لا يمكن تعليلها لأنها من الأسرار التي وضعها الله تحت سلطانه، وعلينا أن نسلم بصحتها وعدالتها.

رابعاً: التقوية والتنشيط والمعونة في الصلاة:

والروح القدس يعين ضعفات المؤمنين ويشفع فيهم أي يقدم صلوتهم في محضر الثالوث المقدس، لأنهم لا يعلمون ماينفعهم طلبه. فقد يطلبون أموراً يظنونها مفيدة بينما تكون ضارة سيئة. ولهذا يقول بولس “وكذلك الروح أيضاً يعين ضعفاتنا لأننا لسنا نعلم ما نصلي لأجله كما ينبغي. ولكن الروح نفسه يشفع فينا بأنات لا ينطق بها. ولكن الذي يفحص القلوب يعلم ما هو اهتمام الروح لأنه بحسب مشيئة الله يشفع في القديسين” (رو٨: ٢٦). أي أن الروح القدس يعلمنا كيف نرغب في رضوان الله، وكيف يكون الله وحده موضوع سرورنا وغاية أشواقنا في سائر طلباتنا التي لا تخرج عن هذه الأمور الثلاثة وهي خيرات الروح وخيرات الجسد والحياة الدائمة في العالم الآتي.

خامساً: مؤازره رجال الله الملهمين:

والروح القدس هو الذي يؤازر الكتبة الملهمين إذ يمدهم بإرشاده، ويقودهم بحكمته لمعرفة مقاصد الله السامية في وضع الكتب الالهية للبشر، ثم هو يعصمهم بقوته فيكتبوا ما يمليه عليهم بالدقة دون أن يتركوا منه شيئاً، ومن ثم قال بطرس “لأنه لم تأت نبوة قط بمشيئة إنسان بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس” (٢بط ١: ٢٠).

سادساً: منح بعض الناس قوة خاصة:

يضاف إلى ما تقدم أن الروح القدس يمنح بعض الناس قوة خاصة كما فعل مع أخي كالب الأصغر ” فكان عليه روح الرب وقضى لإسرائيل وخرج للحرب فدفع الرب ليده كوشان” (قض٣: ١٠). وهو يمنح البعض الآخر مهارة عجيبة ومعرفة فائقة الطبيعة، كما قال الله لموسى عن بصلئيل “وملأته من روح الله بالحكم والفهم والمعرفة وكل صنعة لاختراع مخترعات ليعمل في الذهب والفضة والنحاس ونقش حجارة للترصيع ونجارة الخشب ليعمل في كل صنعة” (خر٣١: ٣-٥). كذلك يمنح آخرين الإنباء بما في المستقبل والقدرة على بيانه كما قال داود “روح الرب تكلم بي وكلمته على لساني” (٢صم ٢٣: ٢). وهو يكشف لهم غوامض حكمة الله وأسرار الإيمان طبقاً لقول المخلص لتلاميذه “وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم الى جميع الحق” (يو١٦: ١٢).

سابعاً: إعطاء الصبر في الضيقات:

وأخيراً فالروح القدس يعطي المؤمنين الصبر والجلد في المصائب والتعزية في الأحزان حتى لا يعتريهم الوهن، لأن تجارب المؤمنين في هذه الحياة قد تكون قاسية الى حد لو عدم من نزلت به تعزيات الروح لمات حزناً أو حاد عن جادة الإيمان كما قال مخلصنا لبطرس “هوذا الشيطان طلبكم لكي يغربلكم كالحنطة ولكني طلبت من أجلك لكي لا يفنى إيمانك” (لو٢٢: ٣١، ٣٢). ورغم أنه يوجد معزون كثيرون من البشر إلا أن تعزياتهم لا تجدي بل ربما كانت ضارة كما قال أيوب “سمعت كثيرًا مثل هذا. مُعَزون متعبون كلكم” (أي١٦: ١).

أما التعزية الحقة فهي من عمل الروح القدس وحده الذي فوق معرفته بأحوال الإنسان المجرب قادر أن يرثي لضعفاته ويعينه على الدوام، وهذا يعلل قول رب المجد لتلاميذه “وأنا أطلب من الآب فيعطيكم معزياً آخر ليمكث معكم الى الأبد، روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقبله لأنه لا يراه ولا يعرفه” (يو١٤: 16، ١٧). يؤيد ذلك قول سفر الأعمال “وأما الكنائس في جميع اليهودية والجليل والسامرة فكان لها سلام وكانت تُبني وتسير في خوف الرب وبتعزية الروح القدس كانت تتكاثر” (أع ٩: ٣١).

وأعمال الروح القدس في حياة المؤمنين وسلوكهم، وفي أصوامهم وصلواتهم وفي شهادتهم وأمانتهم أكثر من أن تُعد، وهو وحده الذي توفرت له كل صفات العظمة والمجد والحياة والخلود، والعلم والمعرفة والإرشاد، والتعزية والتجديد والتحرير، وتمجيد عمل المسيح ومؤازرة الكرازة بالأنجيل، وليس غيره هو الذي يقوم بها ويؤديها للعالم. فلنجِّد في طلبه ولندعه يتملك على حياتنا، ولا نحيا بكيفيه تحزنه فيفارقنا.

 

 

 

المراجع

 

[1]  الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر – ص ١٧ – القمص تادرس يعقوب ملطي.

[2]  تفسير سفر هوشع – ص ٣٥ – القمص تادرس يعقوب ملطي.

[3]  الروح المُحيي للقديس غريغوريوس النيسي – ترجمة دكتور سعيد حكيم يعقوب.

[4]  كتاب الحب الإلهي صفحة ٩٩٣ – القمص تادرس يعقوب ملطي.

[5]  كتاب من مقالات الأنبا أنطونيوس – صفحة ٥٨ – القمص بيشوي كامل – كنيسة مار جرجس سبورتنج.

[6]  كتاب عظات القديس مقاريوس الكبير – العظة السابعة عشر صفحة ١٠٩ – ترجمة دكتور نصحي عبد الشهيد – بيت التكريس لخدمة الكرازة.

[7]  كتاب ألوهية الروح القدس – للقديس كيرلس الأسكندري – صفحة ٣٣ – ترجمة دكتور سعيد حكيم يعقوب ومراجعة دكتور نصحي عبد الشهيد – مؤسسة القديس أنطونيوس – المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية.

[8]  مقالات الأنبا بولس البوشي أسقف مصر وأعمالها (القرن ١٣) – القس منقريوس عوض الله.

[9]  تفسير سفر إشعياء الإصحاح الحادي عشر – القمص تادرس يعقوب ملطي.

[10]  كتاب المنجلية القبطية الأرثوذكسية – صفحة 417-  قداسة البابا تواضروس الثاني .

[11]  كتاب مفاهيم إنجيلية – صفحة ٢٢٠ – الأنبا إبيفانيوس أسقف ورئيس دير القديس أنبا مقار.

[12]  كتاب صياد الجليل بطرس الرسول صفحة ١٣٥ – القمص إشعياء ميخائيل – كنيسة رئيس الملائكة ميخائيل بالظاهر.

[13]  كتاب عظات مضيئة معاشة – صفحة ٤١٤ – إصدار مطرانية ملوي وأنصنا والأشمونين.

[14]  كتاب: تأملات وعناصر روحية في أحاد وأيام السنة التوتية – القمص تادرس البراموسي..

[15]  كتاب كنوز النعمة لمعونة خدام الكلمة – الجزء السادس صفحة ٤٦٦ – الأرشيدياكون بانوب عبده.