الاحد الرابع من شهر مسري

 

 

 

” أطلبوا الرب، يا جميع بائسي الأرض الذين فعلوا حكمه. اطلبوا البر. اطلبوا التواضع. لعلكم تسترون في يوم سخط الرب ” (صف ٣:٢)

” تعالوا إليّ يا مباركي أبي رثوا الحياة الدائمة إلي الأبد. يأتي الشهداء حاملين عذاباتهم ويأتي الصديقون حاملين فضائلهم ”    ختام الثيئوطوكيات الواطس

تتم هذه الأمور لا بانطفاء النور الحالي، إذ نقرأ أن “نور الشمس يكون سبعة أضعاف” (إش ٣٠: ٢٦)، لكن بمقارنته بالنور الحقيقي تبدو كل الأشياء مظلمة ” القديس جيروم (تفسير متي ٢٤ )

 

 

شواهد القراءات

 

(مز ١١٨: ١٣٨-١٣١) ، (لو١٧ : ٢٠-٣٧)، (مز ١:٨٩) ، (يو٢٠ :١-١٨) (١تس٢ : ١٣-٣) (١تس١٢-١٣) (يع ٤ : ٧-٥ : ١-٥) (أع ١١ : ١٩-٣٠) (مز ٨٨ : ٩-١٠) (مر١٣ : ٣-٣٧)

 

 

ملاحظات على قراءات اليوم

 

+ قراءة الكاثوليكون اليوم (يع٤ : ٧-٥ : ١-٥) تُشبه قراءة الكاثوليكون (يع ٤ : ٧ – ١٧) للأحد الثالث من بابة

قراءة اليوم تُشير في الآيات الزائدة إلي ” الأيام الأخيرة ” في(يع ٥: ٣)

بينما قراءة الأحد الثالث من بابه تتكلَّم عن مُعطِّلات النصرة على الشيطان الإدانة والإغتياب والأنين على الإخوة

+ قراءة إنجيل القدَّاس اليوم (مر١٣: ٣ – ٣٧) يأتي جزء منها في قراءة إنجيل باكر (مر١٣ : ٩ – ١٣) ليوم ١٥ هاتور (شهادة مار مينا العجائبي ) ، وإنجيل باكر ليوم ١٣ برمهات ( تذكار الأربعون شهيداً بسبسطية )

والكلام اليوم عن ضيقات المؤمنين في نهاية الأيام (الأحد الرابع من مسري)، والآلام التي يجتازها الشهداء واعترافهم بالمسيح له المجد حسب وعده (أن كل من يعترف به قدّام الناس يعترف هو أيضاً به قدّام ملائكة الله ) في قراءات ١٥ هاتور ، ١٣ برمهات

كما يأتي جزء منها (مر١٣: ٣٢ – ٣٧) في إنجيل باكر للأحد الموافق للنسئ ، وجزء منها (مر١٣ : ٣٣ – ٣٧) في إنجيل باكر يوم ٢٠ بشنس ( نياحة القديس أمونيوس الأنطاكي ) ، وإنجيل باكر يوم ٤ نسئ ( نياحة أنبا بيمين المصري المتوحد )

وهي قراءة خاصّة بالسهر الروحي والصلاة الدائمة لذلك جاءت في الأحد الموافق للنسئ وجاءت يوم ٢٠ بشنس، ٤ نسئ

 

 

شرح القراءات

 

يعلن الاحد الرابع الكنيسة النازلة من السماء المزينة والمهياة كعروس لرجلها

هذا الاحد هو أحد السهر والانتظار والتشوق لمجيء الرب

لذلك تبدا المزامير بالتوبة زينة النفس                    (مزمور عشيّة)

والله ملجأها                                                      (مزمور باكر)

ويده الإلهية عزّتها                                             ( مزمور القدَّاس )

في مزمور عشية نري زينة النفس بالتوبة وباحتياجها للنجاة (فلتدن طلبتي من حضرتك يأرب وكقولك نجني ضللت مثل الخروف الضال فاطلب عبدك فاني لوصاياك لم انس)

ومزمور باكر يعلن الله ملجا النفس الساهرة (يا رب ملجا كنت لنا من جيل الي جيل)

وفي مزمور القداس السلطان الالهي علي الكل (لك هي السموات ولك هي الأرض أيضا انت أسست المسكونة وكمالها انت خلقت الشمال والبحر فلتعتز يدك ولترفع يمينك)

وفي انجيل عشية يعلن السهر الداخلي السهر القلبي يكمن في اعماق الانسان الداخلي وليس في ترقب العلامات في الطبيعة (ولما سأله الفريسيون متي ياتي ملكوت الله اجابهم وقال لا يأتي ملكوت الله بمراقبة ولا يقولون هوذا ههنا او هوذا هناك لان ها ملكوت الله داخلكم … ويقولون لكم هوذا ههنا او هوذا هناك لا تذهبوا ولا تسرعوا)

وتُعْلِن القراءات نموذج لكنيسة ساهرة                                             (البولس)

وفِي المقابل نفوس تائهة وظالمة                                                 (الكاثوليكون )

وكنيسة مستعدّة لعلامات مجيئه بشركة المحبّة                            ( الإبركسيس )

ويمدح في البولس كنيسة تسالونيكي الساهرة لمجيء الرب في ايمانها ومحبتها وطهارتها (لان من هو رجاؤنا وفرحنا واكليل افتخارنا الستم انتم امام ربنا يسوع المسيح في ظهوره لانكم انتم مجدنا وفرحنا …. والرب ينميكم انتم ويزيدكم في المحبة بعضكم لبعض وللجميع كما نحن ايضا لكم لكي يثبت قلوبكم بلا لوم في الطهارة امام الله وابينا عند ظهور يسوع المسيح مع جميع قديسيه امين)

ويحذر الكاثوليكون من الادانة والظلم وتعظم المعيشة والافتخار الكاذب ( واحد هو واضع الناموس والديان القادر ان يخلص ويهلك فمن انت يامن تدين غيرك هلم الان ايها القائلون نذهب اليوم او غدا الي هذه المدينة وهناك نصرف سنة واحدة ونتجر ونربح انتم الذين لاتعرفون امر الغد لانها ماهي حياتكم انها بخار يظهر قليلا ثم يضمحل … هلم الان ايها الاغنياء ابكوا مولولين علي شقاوتكم القادمة عليكم … قد كنزتم في الايام الاخيرة هوذا اجرة الفعلة الذين حصدوا كوركم المظلومة منكم تصرخ واصوات الحصادين قد دخلت الي مسامع رب الصباؤوت )

ويعلن الابركسيس اجتهاد الكنيسة الساهرة في الكرازة للكل وفي شركة احتياج المؤمنين وقت الضيق (فامن جمع كثير ورجعوا الي الرب فبلغ القول عنهم الي اذان الكنيسة التي في اورشليم فارسلوا برنابا الي انطاكية وهذا لما اتي وراي نعمة الله فرح وكان يعزي الجميع ان يثبتوا في الرب برضاء القلب… فانضم الي الرب جمع عظيم …. وقام واحد منهم اسمه اغابوس واشار بالروح القدس ان جوعا عظيما سيصير علي كل المسكونة الذي صار ايضا في ايام كلوديوس فحتم التلاميذ حسبما تيسر لكل منهم ان يرسل كل واحد منهم شيئا خدمة الي الاخوة الساكنين في اليهودية ففعلوا ذلك مرسلين الي المشائخ بيد برنابا وشاول)

كما يكشف عن دور الكنيسة في مواجهة المجاعات والأوبئة (علامات نهاية العالم) في تقديم الاحتياجات اللازمة لمن هم في مجاعة.

ويختم انجيل القداس بالوصية الكبري والعظمي للكنيسة في كل جيل ووقت وهي السهر والصلاة وعدم الانشغال بالمواعيد والازمنة ( واما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا احد يعرفهما ولا الملائكة الذين في السماء ولا الابن الا الاب انظروا اسهروا وصلوا لأنكم لا تعرفون متي يكون الوقت كأنما انسان مسافر ترك بيته واعطي عبيده السلطان ولكل واحد عمله واوصي البواب ان يسهر اسهروا اذا لأنكم لا تعرفون متي يأتي رب البيت امساء ام نصف الليل ام صياح الديك ام صباحا لئلا يأتي بغتة فيجدكم نياما وما اقوله لكم اقوله للجميع اسهروا )

 

 

مُلخّص القراءات

الكنيسة الساهرة تثق في السلطان الالهي ملجاها ونجاتها                     (المزامير )

وتحيا الملكوت داخلها                                                                  (انجيل عشية )

في محبتها وايمانها وطهارتها                                                          (البولس )

وتحذر من الادانة والظلم                                                             ( الكاثوليكون )

وتنشغل قي خدمتها بالكرازة وشركة العطاء                                    ( الابركسيس )

وفي عبادتها بالصلاة والسهر                                                     ( انجيل القداس )

 

 

الكنيسة في قراءات اليوم

 

الاستعداد للمجيء الثاني                                                              البولس والكاثوليكون

قيادة الروح القدس للكارزين + موهبة النبوّة                                          الإبركسيس

المجيء الثاني                                                                             إنجيل عشيّة والقدّاس

 

 

أفكار مُقترحة للعظات

 

(١) سهر الكنيسة في انتظار عريسها

١- سهر الكنيسة لا يراقب علامات خارجية لكن سهر قلبي وملكوتها في حياتها الداخلية

” ولما سأله الفرَّيسيون متي يأتي ملكوت الله أجابهم وقال لا يأتي ملكوت الله بمراقبة ولا يقولون هوذا ههنا أو هوذا هناك لأن ها ملكوت الله داخلكم ”    إنجيل عشيّة

٢- ثبات الكنيسة ونموها في المحبّة والطهارة يحفظها بلا لوم في مجيء الرب

” والرب يُنميكم أنتم ويزيدكم في المحبّة بعضكم لبعض وللجميع كما نحن أيضاً لكم لكي يُثبِّت قلوبكم بلا لوم في الطهارة أمام الله وأبينا عند ظهور يسوع المسيح مع جميع قديسيه ”    البولس

٣- الغني الكاذب وظلم الآخرين يُمْكِن أن يكون عِلَّة دينونة البعض

” قد كنزتم في الأيام الأخيرة هوذا أجرة الفعلة الذين حصدوا كوركم المظلومة منكم تصرخ وأصوات الحصادين قد دخلت إلي مسامع رب الصباؤوت ”   الكاثوليكون

٤- شركة المؤمنين وأحشاء الرحمة هي سند المُتضايقين في نهاية الأيّام

” وأشار بالروح القدس أن جوعاً عظيماً سيصير علي كل المسكونة الذي صار أيضاً في أيام كلوديوس فحتم التلاميذ حسبما تيسر لكل منهم أن يرسل كل واحد منهم شيئاً خدمة إلي الإخوة الساكنين في اليهودية ”   الإبركسيس

٥- التوبة الدائمة هي باب النجاة لكل إنسان وكل كنيسة

” ضللت مثل الخروف الضال فاطلب عبدك ”                                                                      مزمور عشيّة

” من يطلب أن يُخلِّص نفسه يهلكها ومن يهلكها يُحييها ”                                                   إنجيل عشيّة

” قاوموا ابليس فيهرب منكم اقتربوا إلي الله فيقترب إليكم ”                                                  الكاثوليكون

٦- حياة السهر والصلاة الدائمة هي الشغل الشاغل الأوّل للرعاة والخدام

” كأنما إنسان مسافر ترك بيته وأعطي عبيده السلطان ولكل واحد عمله وأوصي البواب أن يسهر ”          إنجيل القدَّاس

(٢) أعداء السهر

١- التأجيل

من الحروب المشهورة لعدو الخير تأجيل كل ما هو روحي بدلاً من محاربته

لذلك يؤكد الكتاب المقدَّس علي اللحظة الحاضرة ” هوذا الآن وقت مقبول هوذا الآن يوم خلاص (٢كو ٦ :٢)

فالله الآن يأمر جميع الناس في كل مكان أن يتوبوا ” (أع ٣٠:١٧)

أقوم وأذهب إلي أبي (لو ١٨:١٥)

إنها الآن ساعة لنستيقظ من النوم (رو ١١:١٣)

وتحذرنا كنيستنا المُقدَّسة من تسويف العمر باطلاً (تحليل نصف الليل) وتدعونا للتوبة والتمسُّك الدائم بمراحم الله ( فالآن أتكل علي غني رأفتك التي لا تفرغ – قطع صلاة الساعة الحادية عشر )

٢- المشغولية ودوَّامة الحياة

أي أن الإنسان لا يجد فرصة للجلوس مع النفس ومراجعة حياته فيوم يجري وراء يوم والإنسان لا يدري ” أكل الغرباء ثروته وهو لا يعرف وقد رُشَّ عليه الشيب وهو لا يعرف (هو٩:٧)

لذلك كان حرص رب المجد مع التلاميذ للجلسات الهادئة بعيداً عن الجموع

تعالوا أنتم منفردين إلي موضع خلاء واستريحوا قليلاً (مر ٣١:٦)

بالرجوع والسكون تخلصون بالهدوء والطمأنينة تكون قوتكم (أش ١٥:٣٠)

٣- الانشغال بالآخرين والاستغراق في فحص كل شيء

كما فعلت المرأة السامرية بانشغالها بالسجود في أورشليم وهي تحيا بعيدة جداً عن الله

وكما كان ينشغل اليهود بمجيء ملكوت الله دون أن يعيشوا الملكوت في حياتهم (لو ٢٠:١٧)

وكما قال سليمان الحكيم فلنسمع ختام الأمر كله اتق الله واحفظ وصاياه لأن هذا هو الإنسان كله (جا ١٣:١٢)

٤- الانغماس في شهوات العالم ومنهج العالم

” كذلك أيضا كما كان في أيام لوط: كانوا يأكلون ويشربون، ويشترون ويبيعون، ويغرسون ويبنون ولكن اليوم الذي فيه خرج لوط من سدوم، أمطر نارا و كبريتا من السماء فأهلك الجميع (لو١٧: ٢٨-٢٩)

لذلك يدعونا القديس يعقوب للسهر الدائم في قداسة الحياة وأحشاء الرحمة للمُحتاجين  الديانة الطاهرة النقية عند الله الآب هي هذه: افتقاد اليتامى والأرامل في ضيقتهم، وحفظ الإنسان نفسه بلا دنس من العالم           (يع ٢٧:١)

(٣ ) ثلاث نهايات

١- نهاية المجد البشري الباطل

كما شرحت قراءات الكاثوليكون عن الناس الذين يكنزون لأنفسهم دون اعتبار لعدم دوام الحياة (تظهر قليلاً ثم تضمحل) ، وعلي حساب حقوق الآخرين ( صراخ الحصادين قد دخل إلي أذني رب الجنود )

٢- نهاية الضيقات (قبولها – احتمالها – شركة المؤمنين)

٣- نهاية الحياة (الاستعداد والسهر)

 

 

عظات ابائية

 

الرب يسوع الكاهن الأعظم والشفيع في مجيئه الأوَّل والثاني في فكر العلامة أوريجانوس

إذا فهمت نتيجة القصة إذا استطعت أن ترى بعينيك “الكاهن الأعظم واقفا بين الأحياء والموتى”، فلنصعد الآن نحو الدروس الجليلة المتضمنة في هذا النص، لنرى كيف أن الكاهن الأعظم الحقيقي يسوع المسيح بعدما أخذ الجسد البشري كمجمرة، بعدما وضع فيها النار من على المذبح، أي نفسه الثمينة التي تجسد بها، بعدما وضع بخورا أي الروح القدس الذي بلا دنس وقف بين الأحياء والموتى وأبطل بالموت ذلك الذي قال عنه الرسول “له سلطان الموت أي ابليس، لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية” (عب٢ : ١٤)، (يو ٣ : ١٦) ، هذا هو السر الذي يرعب الملاك المهلك مقدما، حيث إنه قد عرف الصورة المتضمنة في المجمرة والنار والبخور.

وأنه رأى مقدمًا ما هي الذبيحة التي كان مزمعًا أن يقدمها لله بواسطة الذي يقف بين الأحياء والموتى.

هؤلاء خلصوا برمز النبوة، أما نحن فقد صار لنا “الخلاص حقيقة” فليست حلة الكاهن الأعظم المنسوجة من الأرجوان ومن الصوف ومن البوص هي التي أرجعت الملاك المُهلك لكنه أدرك ما ستكون عليه زينات حلة الكاهن الحقيقي التي يجب أن تخضع لها كل الخلائق وتقهر أمامها.

في المجيء الثاني

هذه الصورة قد تحققت عند المجيء الأول لسيدنا يسوع ومخلصنا وفي رأيي أنها ستكون كذلك بدون أي شك في المجيء الثاني. حيث إن ابن الإنسان سيأتي مرة أخرى، وفي مجيئه سيجد بكل تأكيد موتى وأحياء. هذا ما قد نستطيع أن نفهمه لأول وهلة. فالبعض سيكونون على قيد الحياة، حيث نحن الآن وآخرون كثيرون يكونون قد سبقوهم بالموت. ويمكن أن نفهم ذلك بطريقة أخرى، فنعني بالموتى الأجساد، وبالأحياء النفوس.

والأحياء هم الذين ثبتوا في اعمال الحياة. في هذين المعنيين كاهننا الأعظم ومخلصنا سيقف في يوم المجيء الثاني بين الاحياء والاموات. لكن يجب ان نقول أيضا بأنه سيقف بين الاحياء والاموات عندما سيقيم الخراف عن يمينه والجداء عن يساره. ثم يقول الملك للذين عن يمينه: “تعالوا يا مباركي ابي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم.. ثم للذين على اليسار اذهبوا عني يا ملاعين الي النار الأبدية المعدة لإبليس وملائكته لأني لا اعرفكم” (مت ٢٥: ٣٣ – ٤١). الموتى إذا هم الذين قد ارسلوا الي النار الأبدية والاحياء هم الذين ادخلوا الي الملكوت[1].

 

 

 

 معني الدينونة للقديس باسيليوس الكبير

” الرب يدين الشعوب” (مز٧ : ٨). الحديث عن الدينونة مُنتشِر في مواضع كثيرة في الكتاب المقدس، بكونه تعليمًا أساسيًا ومقنعًا بالنسبة للديانة الحقيقية لمن يؤمن بالله في المسيح يسوع

وردت كلمة “دينونة” (ومشتقاتها) بمعانٍ كثيرةٍ، مما يُسَبِّب ارتباكًا للذين لا يُمَيِّزون بدقةٍ بين المعاني…

كلمة “يدين” تُستخدَم أحيانًا في الكتاب المقدس بمعنى الاستحسان، كما في العبارة: “احكم لي يا رب إن سرت في براءتي”. إذ يكمل: “جَرِّبني يا رب وامتحننّي”

أيضًا تعني “إصدار حكم”، كما في العبارة: “إن حكمنا على أنفسنا، فلا يُحكَم علينا” راجع (١كو ١١: ٣١). إن امتحنا أنفسنا حسنًا، لا نخضع للدينونة

مرة أخرى قيل إن الرب يدخل في المحاكمة مع كل جسدٍ (إر ٢٥: ٣١) ، أي في فحصه الأعمال في حياة كل أحدٍ يُخضِع نفسه للمحاكمة، ويقارن وصاياه بأعمال الخطأة، مدافعًا عن نفسه ببراهين مؤكدًا أنه يفعل كل شيءٍ من أجل خلاص الذين يُدَانون، حتى يقتنع الخطأة أنهم يستحقُّون ما يحلّ عليهم من عقوبة بسبب خطاياهم، ويدركون العدالة الإلهية، ويقبلون بإرادتهم العقوبة التي تحل بهم

لازال يوجد معنى آخر لكلمة “يدين”، وذلك كقول الرب: “ملكة الجنوب ستقوم في يوم الدين وتدين هذا الجيل” (مت ١٢: ٤٢)  .إنه يقول إن الذين يرفضون التعليم الإلهي، ولا يُحِبُّون النبلاء والصالحين، بل ويهجرون تمامًا التعاليم التي تُعلِّم الحكمة، فبمقارنتهم وتضادهم لمن كانوا في جيلهم أكثر غيرة نحو النبلاء والصالحين، ينالون دينونة أقسى بسبب الأمور التي أهملوها.

أعتقد أن الذين لهم هذا الجسد الترابي لا يُدَانون بطريقة واحدة، بواسطة الديَّان العادل متى كانت لهم عوامل خارجية متباينة تمامًا عن غيرهم، لهذا فإن الحُكْمَ يتفاوت من حالةٍ إلى أخرى

الظروف التي نحن فيها ليست في سلطاننا، بل وُجِدنا فيها بغير إرادتنا، مما يجعل خطايانا قد تكون أكثر خطورة أو أخف في حدّتها

تخيَّل إدانة الزنا، فالإنسان الذي سقط فيه منذ بداية حياته بممارسات شريرة ووُجِد مع والدين فاسقين، ونشأ بعادات شريرة كالسُكْرِ والعربدة وسماع قصص مُخزِية، بينما آخر كان يقوم بتحدٍّ للتمتُّع بأمورٍ سامية للغاية، ونال تعليمًا وكان له مدرسون، واستمع إلى وصايا إلهية أكثر، وتمتَّع بقراءات مفيدة ونصائح من الوالدين، وأنصت إلى قصصٍ تحثّ على الجدّية وضبط النفس وانتهاج أسلوب حياة راقيًا، فإن اندفع الأخير نحو الخطية مثل الأول، فإنه إذ يُقَدِّم حسابًا عن حياته، كيف يمكن لمثل هذا أن يكون غير مستحقٍ لعقوبة أشد بمقارنته بعقوبة الأول؟! يُتَّهَم أحدهما (الأخير) على أساس أنه لم يستخدم الميول المغروسة في أفكاره باستقامة. أما الآخر فيُتَّهم – بالإضافة إلى ذلك – أنه غرَّر بنفسه في وقت قصير بالرغم من نواله عونًا لخلاصه، وعدم ضبط نفسه وعدم حرصه

بنفس الطريقة أيضًا من تدرَّب منذ بداية حياته على التقوى والهروب من كل انحرافٍ عن تعاليم الله، ونشأ في شريعة الله التي تهاجم كل خطية وتدعو إلى عكسها، لا يكون له عذر إن عبد الأصنام مثل من تربَّى على يدي والدين فَضوِليين، أو مثل أناسٍ تعلَّموا منذ البداية عبادة الأوثان[2]

 

 

 

الشعوب الذين أحبوه، واعترفوا باسمه يدخلون إلى خاصته لمار يعقوب السروجي

مخيف هو اليوم الذي تصير فيه الدينونة الأخيرة، وفيه يشرق ابن الله بمجدٍ عظيمٍ (يوئيل٢: ١ – ١١) ،

من يمينه ومن يساره بروق النار…

يستقيم عرش الدينونة ببرٍّ، ويجلس عليه البكر بمجدٍ عظيمٍ ليدين الشعوب،

ويلقي بغضبٍ وُيبعد بحنق الشعب الملعون الذي صرخ في المحكمة: اصلبه، اصلبه (متي ٢٧: ٢٢ – ٢٣)  ،

عليهم المراحم،

ولا يتركونهم ينظرون إلى العلا، لئلا يروا ضياءه وينالوا منه الرجاء،

كل إنسانٍ يستوجب حكم الموت لو رأى وجه الملك لن يموت،

الشعوب الذين أحبوه، واعترفوا باسمه يدخلون إلى خاصته، …

يُهيأ اثنا عشر كرسيًا ويجلس الرسل ليدينوا الشعب الملعون الذين لم يؤمنوا به (لو٢٢: ٢٨ – ٣٠) ،

وإذ رأوا كم أنه أهانه واحتقره وحطه لأنه كفر به بحيث لم يؤهله ليدخل إلى المحكمة مثل الشعوب،

حكمُ البشر قاس على البشر، لذا اسلم حكمهم للبشر، لأنهم يستحقون هكذا (٢صم ٢٤: ١٤)

لما كان ربنا يُعَلِمْ قال: من بيتٍ واحدٍ سيؤخذ واحد، وسيُترك آخر (مت٢٤: ٤٠) ،

لو لم تجرّ الأعمال الإنسان إلى الكرامة، لا يفيده ربوات الأبرار الذين يسكنون معه.

الابن البار لا ينفع أباه الذي أثم، والابن الخاطئ لا يحتمي بالأب البار.

البتول الطاهرة لا تخلص الأم التي زنت، والأخ الكامل لا يفيد أخاه المتراخي

من هذه الأمور التي علمها ربنا تعلم بأن واحدًا يأخذونه والآخر يتركونه بتمييز (مت٢٤ : ٤٠)

الخوف يرعب الأختين في بيت واحد، ولا تقدران أن تستفسرا سوية عن السبب.

العلا يخطف تلك الكاملة لتطير في الهواء، واللجة تسحب الأثيمة لتتعذب فيها

الواحدة تؤخذ للقاء العريس كما قيل، وتُترك الأخرى لتعود إلى الهاوية كما كُتب (مت٢٤ : ٤٠)

الصوت يُرجف البنت وأمها المطمئنتين، فتخافان وترتجفان لما تُفصلان لتنتقلا،

يُفصل الإخوة كالأعضاء من بعضها بعضًا، ويلقي الانقسام في وحدتهم ويبعثرها

يُسقط ويؤخذ الأبناء كالأمعاء، ولا مجال لبطن الأم لكي يحبهم

تُقطع محبة النساء من رجالهن، ولن يعرف الشريك (شريكه) بسبب الخوف

المرأة تُعتبر مثل غريبة من قبل رجلها، وإذ كانت خاصته لم تعد خاصته لأنها فُصلت عنه

المتزوجون لن يعودوا إلى الزواج، والأبوّة لن تحب أحباءها

ومحبة الإخوة لن تثبت كما كانت لأن تلك المساواة تُفصل من الاختلاط

الخوف يقطع الخبر الوارد بين الأختين، ولن تنتهي تلك القصة التي تابعتاها

ولو كانتا مربوطتين سوية في رحى واحد، ستُفصلان من وحدتهما كما هو مكتوب (مت٢٤: ٤١)

ولن تكتمل كلمة المحبة عندهما، لأن الخوف المرعب يبطل كلماتهما

يقطع حديث البنت الحبيبة مع أمها، ويبطل كلام الملافنة (المعلمين) والباحثين

ينكسر القلم في يد المعلم بصورة غير اعتيادية ولن تُسجل به كتابة إلى الأبد،

يترك الصبيان المدرسة المجتمعين فيها، ولن يُقدموا أيضًا في صباح آخر حتى يتعلموا.

تغيب وتزول الحكَم من الحكماء، ولن يعرف أحد سوى الخوف من الانبعاث.

تهجم الحيرة على الفلاسفة في أفكارهم ولن يتذكروا إلا أن يقولوا فقط: الويل لنا.

تنقطع قصة النظريات والاستفسارات ولن يُفسر هناك شيء ماعدا الويل.

تتعثر الكلمة وتسقط من اللسان، ويرعد فقط صوت النحيب من جهنم.

لن يتسلى أحد ولا يُسلى رفيقه لأن كل واحدٍ سيشرب المرارة وهو يتعذب.

الشاب لن يسند الشيخ وهو يتألم، والأب لن يشجع ابنه لئلا يكتئب.

ينفصل كل واحدٍ عن رفيقه بخوف عظيم، ويقع الرعب حتى ينتقل الواحد عن رفيقه.

هوذا ربنا قد تكلم عن الدينونة الأخيرة: يأخذون الواحد ويتركون الآخر كما قلنا (مت٢٤: ٤١)[3]

 

 

 

القديس مقاريوس الكبير

إذ يسمع سليمان أباه داود ينطق بهذه الأمور، ويبني بيتًا عجيبًا، في دهشة يتساءل: هل يسكن الله حقًا على الأرض مع الإنسان؟! (١مل٨: ٢٧) بلى، يجيب داود متنبأ في المزمور المنسوب لسليمان: “ينزل مثل المطر على الجزَّة” (مز٧٢ : ٦).

“مثل المطر” لطبيعته السمائية، و”على الجزَّة” لناسوته. ولأن المطر ينزل على الجزاز بغير ضوضاء. لهذا فإن المجوس وهم لا يدركون سرّ الميلاد يتساءلون: أين هو المولود ملك اليهود؟ وإذ سمع هيرودس ذلك اضطرب، وأراد أن يعرف من هو هذا المولود فسأل: أين يولد المسيح؟!

لسنا نكرز بمجيء واحد للمسيح بل وبمجيء آخر فيه يكون ممجدًا جدًا أعظم من الأول. المجيء الأول أظهر صبره، والثاني فيحضر معه إكليل مملكته الإلهية. لأن تقريبًا كل شيءٍ في ربنا يسوع المسيح يحمل جانبين: فله نسب مزدوج، مولود من الله قبل كل الدهور، ومولود من العذراء في ملء الدهر.

ونزوله مزدوج، واحد يأتي فيه مختفيًا، “مثل المطر على الجزاز” (مز٧٢: ٦)، والآخر مجيء واحد مُنتظر.

في مجيئه الأول كان ملفوفًا بقماطات في المذود، وفي ظهوره الثاني يظهر “اللابس النور كثوبٍ” (مز١٠٤: ٢).

في مجيئه الأول “احتمل الصليب مستهينًا بالخزي” (عب١٢: ٢) ، وفي الثاني تحوطه جيوش الملائكة ممجدًا.

فنحن لا نستند على مجيئه الأول فحسب، وإنما ننتظر مجيئه الثاني أيضًا. وكما قلنا في مجيئه الأول: “مبارك الآتي باسم الرب” (مت ٢١: ٩ -٢٣ : ٣٩). سنردد أيضًا هذا في مجيئه الثاني. فإذ نتقابل مع سيدنا وملائكته، نتعبد له قائلين: “مبارك الآتي باسم الرب سيأتي لا ليُحكم عليه، بل ليدين من حاكموه. ذاك الذي صمت أثناء محاكمته يقول للأشرار الذين فعلوا معه هذه الجسارة: “هذه الأشياء صنعتم وسكت” (مز٥٠: ٢١).

إذن، قد جاء بتدبير إلهي معلمًا الناس بالإقناع، أما هذه المرة بالضرورة يقبلونه ملكًا حتى الذين لا يريدون!

إن الذين يتساقط عليهم ندى روح الحياة “ينزل مثل المطر على الجزاز، ومثل الغيوث الزارفة على الأرض (مز٧٢: ٦) تنجذب قلوبهم بحبٍ إلهيٍ للمسيح يأسرهم ذلك الجمال والمجد إلى اشتهاءٍ دائمٍ نحو المسيح[4].

 

 

 

عظات آباء معاصرين

 

قداسة البابا تواضروس الثاني

شهوة اللقاء بالحبيب:

يتحدث هذا الفصل عن المجيء الأخير وهو يتكرر في نهاية العام القبطي.. فهذا هو الأحد الأخير أو قبل الأخير (في شهر مسرى).

وقد ذكرت علامات المنتهى في (مت ٢٤- مر ۱۳ – رؤيا).

* كان الهيكل هو كل شيء في حياة اليهودي. وليس الهدف معرفة الأزمنة أو كشف المستقبل، بل حث الكنيسة على الجهاد المستمر والترقب الدائم للمجيء الثاني.. وهذا ما نسميه «شهوة الالتقاء به».

* « لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح ذاك أفضل جدا » (في١: ٢١).

الهروب إلى الجبال رمز إلى الصعود إلى الفضيلة. من هم أصدقاء القديسين؟

١- التائبون (القديسة مريم المصرية ـ الأنبا موسى الأسود …..)

٢- المحـبون (الأنبا بيشوى ـ البابا كيرلس السادس ـ الأنبا بولا ….)

٣- السالكون (الأنبا أنطونيوس ـ الأنبا باخوميوس أب الشركة …..)

٤- العـابدون (الأنبا أرسانيوس معلم أولاد الملوك ـ الأنبا برسوم، ……)

٥- الكارزون (بولس الرسول ـ برنابا الرسول ـ مارمرقس، …..)

أفعالنا المقدسة

في ( ع ٣) نجد أسماء التلاميذ الأوائل الذين دعاهم الرب يسوع للخدمة والتلمذة؛ ففي معاني أسمائهم رموز واضحة

بطـرس = صخرة الإيمان

يعقـوب = التعقب / الجهاد

يوحنـا = نعمة الله وحنانه

أندراوس = الرجولة / الجدية / بلا تراخي

وهذه كلها هي الفضائل اللازمة للكنيسة

آدم في اللغة اليونانية أربعة حروف يقول عنها «القديس أغسطينوس»: (الشرق + الغرب + الشمال + الجنوب) وهذه كلها إشارة إلى يقظة القلب الداخلي وهي التي عبر عنها الكتاب المقدس بكلمة (اسهروا)

هناك أربعة أفعال جماعية لازمة لحياة الانتظار

١- انظروا ( ع ٥ ) سيروا بكل حكمة وبصيرة

٢- تعلمـوا ( ع ۲۸) انتهز كل فرصة أمامك

٣- صلـوا ( ع ۱۸) تعود الوقوف أمام الله

٤- اسهروا (ع ۳۷) استعد باشتياق وحرص[5]

 

 

 

المتنيح الأنبا يؤانس أسقف الغربية

 

نهاية العالم ومجيء المسيح الثاني

موضوع يشغل أذهاننا جميعاً ، لأنه لا يوجد من لا يعبأ بنهاية العالم ، ومجيء ربنا يسوع الثاني … فإنه سيأتي بغتة للدينونة … سوف لا يكون الحال كما هو الآن ، فإذا كان الرب قد أطال أناته علينا وأظهر لنا لطفاً ورحمة ، فسوف لا يكون الأمر على هذا النحو في الدينونة .

و يكفى أن نضع أمام عيوننا تلك الصورة المرعبة التي رسمها لنا سفر الرؤيا عما سيحدث في ذلك اليوم الرهيب « ملوك الأرض والعظماء والأغنياء والأمراء والأقوياء وكل عبد وكل حر أخفوا أنفسهم في المغاير وفي صخور الجبال وهم يقولون للجبال والصخور اسقطى علينا واخفينا عن وجه الجالس على العرش وعن غضب الخروف لأنه قد جاء يوم غضبه العظيم ومن يستطيع الوقوف » (رؤيا ٦: ١٥- ١٦).

لنعلم جميعاً أننا الآن في بداية النهاية ، إذا كنا لسنا من ظلمة ، بل جميعنا أبناء نور وأبناء نهار. فلقد أعطانا الرب هذه العلامات حتى لا يفاجئنا ذلك اليوم بغتة . علينا أن ننتبه ونحذر، ونصلح فوراً سلوكنا وأعمالنا وأفكارنا .

وللسيد المسيح له المجد مجيئان . المجيء الأول جاءه في ملء الزمان حينما ولد من الروح القدس ومن العذراء الطاهرة أم النور مريم . هذا الذي ظهر فيه بالجسد للعيان وصنع خلاصاً لجميع العالم حينما علق على الصليب ومات وقام من بين الأموات وصعد إلى السموات … أما مجيئه الثاني وهو الذي نعنيه بموضوعنا هذا فهو مجيء للدينونة.

فالمسيح هو الديان الذي سيدين العالم كله. وكما يقول هو بفمه الإلهي المبارك: «لأن الآب لا يدين أحداً بل قد أعطى كل الدينونة للابن» (يوحنا٢٢:٥) ..

مجيء المسیح الثانى حقيقة مؤكدة

ومجيء المسيح الثاني حقيقة مؤكدة لا نزاع فيها أو مجادلة. فهي إحدى حقائق المسيحية الكبرى التي ظفرت باجماع الطوائف والمذاهب المسيحية وتعددها، إنما هو نتيجة الشهادات الواضحة الصريحة التي وردت في الإنجيل المقدس، وفي مقدمتها أقوال السيد المسيح نفسه

يقول السيد المسيح: «وحينئذ تظهر علامة ابن الإنسان في السماء وحينئذ تنوح جميع قبائل الأرض، ويبصرون ابن الإنسان آتياً على سحاب السماء بقوة ومجد كثير» (مت٢٤ :٣٠) … « ومتى جاء ابن الإنسان في مجده وجميع الملائكة القديسين معه فحينئذ يجلس على كرسي مجده » (مت٢٥: ۳۱) … « وحينئذ يبصرون ابن الإنسان آتياً في سحابة ومجد كثير » (لو۲۱: ۲۷)

أما القديس بولس الرسول فيردد هذه الحقيقة مراراً فيقول: «وأنتم متوقعون إستعلان ربنا يسوع المسيح » (كورنثوس الأولى ١ : ۲۷) استعلان معناها ظهور… « إذن لا تحكموا في شيء قبل الوقت حتى يأتي الرب » (كورنثوس الأولى ٤: ٥)… « ولكن كل واحد في رتبته ، المسيح باكورة ثم الذين للمسيح في مجيئه » (كورنثوس الأولى ١٥ : ۲۳) … « فإن سيرتنا نحن هي في السموات التي منها أيضاً ننتظر مخلصا هو الرب يسوع المسيح » (فیلبی۳ : ۲۲) … « متى أظهر المسيح حياتنا فحينئذ تظهرون أنتم أيضا معه في المجد » (کولوسی۳ : ٤) … « وننتظر ابنه من السماء الذي أقامه من الأموات ، يسوع المسيح الذي ينقذنا من الغضب الآتى» (تسالونيكي الأولى١ : ١٠) … «لأن الرب نفسه بهتاف بصوت رئيس ملائكة وبوق الله سوف ينزل من السماء » (تسالونيكي الأولى٤ : ١٦) …

و يوصى بولس الرسول تلميذه تيموثاوس : « أن يحفظ الوصية بلا دنس ولا لوم إلى ظهور ربنا يسوع المسيح » ( تيموثاوس الأولى ٦: ١٤)… كما يوصى تلميذه تيطس قائلاً : « منتظرين الرجاء المبارك وظهور مجد الله العظيم يسوع المسيح (تيطس۲ : ۱۳)… وفي الرسالة إلى العبرانيين يقول : « هكذا المسيح أيضاً بعدما قدم مرة لكي يحمل خطايا كثيرين سيظهر ثانية بلا خطية . للخلاص للذين ينتظرونه » (عب٩ : ۲۸) . أما القديس بطرس الرسول فيقول : «منتظرين وطالبين سرعة مجيء يوم الرب » (بطرس الأولى٣ : ١٢).

كما يؤكد يوحنا الرسول مجيء المسيح الثاني فيقول: « ولكن نعلم أنه إذا أظهر نكون مثله لأننا سنراه كما هو» (يو١  ٣ : ٢).

هذا قليل من كثير من شهادات الانجيل المبارك التي تظهر لنا بوضوح موضوع مجيء المسيح الثاني. وواضح من هذه الشهادات أن المسيح له المجد ـ لا نقول إنه سيأتي فحسب ـ بل إنه سيأتي وينظره الجميع على نحو ما قاله الملاكان للتلاميذ بعد صعوده المبارك : «أيها الرجال الجليليون ما بالكم واقفين تنظرون إلى السماء .

إن يسوع هذا الذي ارتفع عنكم إلى السماء سيأتي هكذا كما رأيتموه منطلقاً إلى السماء » (أعمال الرسل١: ١١). أو كما يقول يوحنا في سفر (الرؤيا١: ٧) وهو يتكلم عن الرب إله المجد  « هوذا يأتي مع السحاب ، وستنظره كل عين والذين طعنوه . و ينوح عليه جميع قبائل الأرض » (رؤ١: ۷).

موعد المجئ الثاني:

رأينا أن هناك إجماعاً على حقيقة مجيء المسيح الثاني . لكن هناك كثيرون وقعوا في خطأ محاولة تحديد وقت هذا المجيء … على أن تحديد وقت معين لمجيء المسيح ليس صحيحاً لأكثر من سبب:

فكان أ ـ لأنه يتعارض مع نصوص الكتاب المقدس . قال السيد المسيح : « أما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا ملائكة السموات إلا أبي وحده … اسهروا إذاً لأنكم لا تعلمون في أية ساعة يأتي ربكم … لذلك كونوا أنتم أيضاً مستعدين لأنه في ساعة لا تظنون يأتي ابن الإنسان » (مت٢٤ : ٣٦-٤٤) .

وحينما كان مجتمعاً مع تلاميذه قبيل صعوده مباشرة سألوه سؤالاً يتصل بهذا الموضوع فكان جوابه : « ليس لكم أن تعرفوا الأزمنة والأوقات التي جعلها الآب في سلطانه » (أع ١: ٧) … كما أن السيد المسيح يوضح أن هذا المجيء سيكون فجائياً ويشبهه بالبرق : « لأنه كما أن البرق يخرج من المشارق و يظهر إلى المغارب هكذا يكون أيضاً مجيء ابن الإنسان » (مت٢٤ : ٢٧) . والبرق سريع وفجائي .

والأمر الفجائي لا يمكن الاعلان عنه مسبقاً وإلا انتفت الفجائية فيه . ومن هنا فإن تحديد موعد لمجيء المسيح الثاني أمر غير سليم لأن هذا مخالف للنصوص الكتابية .

ب ـ تحديد موعد لمجيء المسيح الثاني يتنافى مع قصد الله في إخفاء ذلك اليوم وتلك الساعة . أما قصد الله فهو أن يجعل جميع البشر في حالة استعداد دائم ، ويمكن تشبيه هذا الموقف بموقف المدرس الذي يحاول أن يحث تلاميذه على مداومة استذكار دروسهم عن طريق قوله لهم إنه سيمتحنهم في أي أوقت دون تحديد لتاريخ الامتحان .

وهذا هو نفس قصد المسيح الذي قال ـ بعد أن تكلم عن علامات نهاية العالم وانقضاء هذا الدهر : « انظروا اسهروا وصلوا لأنكم لا تعلمون متى يكون الوقت » (مر۱۳:۳۳) … ولقصد مشابه أخفى عن الإنسان موعد وفاته حتى ما يكون دائماً مستعداً للقاء الرب … إذ لو عرف الإنسان وقت انتقاله من العالم ، وانه ما يزال باقياً من عمره سنوات طويلة ، لكان ذلك دافعاً له على التهاون وتأجيل التوبة إلى آخر وقت وربما افلتت منه الفرصة …

ج ـ تحديد موعد لمجيء المسيح الثاني وزوال هذا العالم يتنافى مع حكمة الله في أن يمضى البشر في سبل حياتهم بنشاط جم ودون تقاعس … إن إحساس المسيحي بزوال العالم ومجيء الرب ، ربما يقوده إلى الكف عن كل أعماله انتظاراً لتلك الساعة . وما يترتب على ذلك من تراخي الناس ووقوف دولاب العمل في كل نواحي الحياة . ولقد وقع بعض المسيحيين في العصر الرسولي في هذا الخطأ ، مما دعا القديس بولس إلى التدخل ليصحح هذا المفهوم الخاطئ .

فكتب إلى أهل تسالونيكي يقول : « نسألكم أيها الاخوة من جهة مجيء ربنا يسوع المسيح واجتماعنا إليه أن لا تتزعزعوا سريعاً عن ذهنكم ولا ترتاعوا لا بروح ولا بكلمة ولا برسالة كأنها منا . أي أن يوم المسيح قد حضر. لا يخدعنكم أحد على طريقة ما … أما تذكرون أني وأنا بعد عندكم كنت أقول لكم هذا » (تسالونيكي الثانية٢: ١- ٥).

لقد تطرفت وتجرأت بعض الطوائف المسيحية المنحرفة وحددت موعداً لمجيء المسيح بالسنة واليوم والساعة ، وطبعاً مر ذلك الوقت دون مجيء المسيح .

وكان الأمر مخجلاً للغاية ، فقد ظهر كذبهم . مثل هذا التصرف خاطئ تماماً بل إن نتيجته تسيء إلى المسيحية إساءة بالغة فضلاً تترتب على هذه التنبؤات من تهاون المسيحيين وسخرية غير المسيحيين .

العلامات التي تسبق المجيء الثاني

في الوقت الذي أغفل الله لحكمة تحديد مجيئه الثاني، فقد أعطى العلامات التي تدل على قرب مجيئه … وقبل أن نخوض في الموضوع نود أن ننتبه إلى أن المواضع التي تناولت موضوع نهاية العالم ومجيء المسيح الثاني في الإنجيل المقدس هي إنجيل متى اصحاح ٢٤ ، وإنجيل مرقس اصحاح ١٣، وإنجيل لوقا اصحاح ۰۲۱

ونلاحظ أنه يوجد تداخل في الكلام عن نهاية العالم مع الكلام عن خراب أورشليم وهيكلها . وما ذلك إلا لأن خراب أورشليم وهيكلها وما يكتنفها من أهوال وضيقات ـ ما هو إلا صورة مصغرة لما سيحدث في نهاية العالم سابقاً لمجيء المسيح الثاني .

فما هي العلامات التي تسبق مجيء المسيح الثاني؟

١-اضطهاد المؤمنين بالمسيح

وهي أولى العلامات التي ذكرها السيد المسيح له المجد : « وقبل هذه كلها يلقون أيديهم عليكم و يطردونكم ، و يسلمونكم إلى مجامع وسجون ، وتساقون أمام ملوك وولاة لأجل اسمى » (لوقا۲۱ : ۱۲) … وتاريخ الكنيسة منذ نشأتها وظهورها على مسرح التاريخ ، شاهد عدل على صدق ذلك وكيف كان المسيحيون يقابلون بكراهية حتى من أقرب الناس إليهم ، مصداقاً لقول السيد المسيح له المجد : « وسوف تسلمون من الوالدين والاخوة والأقرباء والأصدقاء و يقتلون منكم » (لوقا۲۱ : ١٦) … ولكن ينبغي ألا نجزع ونرتاع من هذه العلامة .

فإن كان المسيح قد سبق وأعطانا هذه العلامة إلا أنه أعطانا بجانبها وعوداً ثمينة جداً ، بأن يكون معنا كل الأيام حتى انقضاء الدهر (مت۲۸ : ۲۰) . وأن أبواب الجحيم لن تقوى على الكنيسة . و يصل الأمر بعنايته أن شعرة من رؤوسنا لا تهلك . لكننا في كل هذا نحتاج إلى الصبر (لوقا٢١ : ١٨-١٩)

لقد دفع أسلافنا وأجدادنا ثمناً غالياً لإيمانهم ، هو حياتهم . ونحن الآن لا ندفع مثل هذا الثمن !! والسبب في ذلك أن الله بمحبته الفائقة ، يعلم ضعف إيماننا الآن، ولذلك فهو لا يسمح أن نجرب بما يفوق احتمالنا . ومع ذلك يرتد البعض عن الإيمان وتضعف وتخور عزائمهم ، و يفرطون في إيمانهم بإرادتهم ، لأنهم لا يعرفون قيمة هذا الإيمان !! إنهم كالطفل الذي يفرط بكل سهولة في حلى ذهبية أو قلم ثمين ، مقابل قطعة من الحلوى .

وما ذلك إلا لأنه لا يعرف قيمة ما معه ولا يستفيد منه ، ولا يعرف كيف يستعمله !! ولكن لأن أسلافنا كانوا يعرفون قيمة إيمانهم بالمسيح ، لذلك ثبتوا حتى النهاية ، وفضلوا أن يجودوا بأرواحهم عن أن يتخلوا عن إيمانهم الأقدس . لقد حسبوا عار المسيح غنى أفضل من كنوز العالم ، مثلما قيل عن موسى : « بالإيمان لما كبر أبى أن يدعى ابن ابنة فرعون مفضلاً بالأحرى أن يذل مع شعب الله على أن يكون له تمتع وقتي بالخطية . حاسباً عار المسيح غنى أعظم من خزائن مصر، لأنه كان ينظر إلى المجازاة » (عب١١ : ٢٤ – ٢٦)

٢- ظهور الأنبياء والمسحاء الكذبة

هذه هي العلامة الثانية للمجيء الثاني وقد أوضحها لنا السيد المسيح له المجد حينما قال : « لأنه سيقوم مسحاء كذبة وأنبياء كذبة ، و يعطون آيات وعجائب لكي يضلوا لو أمكن المختارين أيضاً » (مر١٣: ۳۲) … « فإن كثيرين سيأتون بأسمى قائلين إني أنا هو. ويضلون كثيرين » (مر١٣ : ٦).

وقد تمت هذه النبوة فعلاً بصورة جزئية فقد ظهر مسحاء كذبة وأنبياء كذبة كثيرون منذ قيام المسيحية . بعضهم ورد ذكره في العهد الجديد، والبعض سجله التاريخ . من هؤلاء باريشوع الذي التقى به معلمنا بولس الرسول في مدينة بافوس في جزيرة قبرص. وإذ حاول أن يعرقل رسالة الرسول بولس في إيمان والى الجزيرة سرجيوس بولس ضربه الرب بالعمى (أع ١٣: ٦- ١٢). كما نقرأ أيضاً سيمون الساحر الذي أدهش شعب السامرة بسحره فتبعوه من كبيرهم إلى صغيرهم ، وقالوا عنه إنه قوة الله العظيمة . وقد التقى به الرسولان بطرس و يوحنا ، في السامرة .

ولما عاين المعجزات التي كانت تجرى على أيديهما ، طلب منهما أن يعطياه نعمة الكهنوت لكن بطرس قال له : « ليس لك نصيب ولا قرعة في هذا الأمر، لأن قلبك ليس مستقيماً أمام الله . فتب من شرك هذا وأطلب إلى الله أن يغفر لك فكر قلبك . لأنى أراك في مرارة المر ورباط الظلم » (أع ٨ : ۹- ٢٣). وهناك إشارات إلى أنبياء ومسحاء كذبة كثيرين قد أشار إليهم غمالائيل عضو مجلس السنهدريم ـ وهو مجلس اليهود الأعلى ـ كما جاء في (أع ٥ : ٣٦ -٣٧).

أما يوسيفوس المؤرخ اليهودي الكبير الذي عاش في القرن الأول المسيحي والذي عاصر خراب أورشليم وكان حاكماً لمقاطعة الجليل الأعلى، واختير ليكون مترجماً ووسيطاً بين اليهود وبين القوات الرومانية التي حاصرت أورشليم … يوسيفوس هذا ، ألف عدة كتب مازالت موجودة بين أيدينا حتى اليوم ، أشار فيها إلى ظهور أنبياء كذبة ومسحاء كذبة … وغير الذين ذكرهم يوسيفوس ، هناك كثيرون ظهروا على مر العصور . على انه ليس ما يمنع أن يظهر في المستقبل فريق من هؤلاء الأدعياء الكذبة

٣- الحروب والاضطرابات والثورات والقلاقل

وهذه هي العلامة الثالثة . فقد أنبأ السيد المسيح تلاميذه أن المنتهى لن يأتى قبل أن تجتاح العالم سلسلة من الحروب والثورات والقلاقل « فإذا سمعتم بحروب وبأخبار حروب فلا ترتاعوا . لأنها لابد أن  تكون . ولكن ليس المنتهى بعد .

لأنه تقوم أمة على أمة ومملكة على مملكة » (مر١٣ : ۷-۸)… « فإذا سمعتم بحروب وقلاقل فلا تجزعوا لأنه لابد أن يكون هذا أولاً . ولكن لا يكون المنتهى سريعاً . ثم قال لهم تقوم أمة على أمة ومملكة على مملكة » (لو۲۱ : ۹ -۱۰) … وكل هذه نعايشها في عالمنا كل يوم فمنذ إنتهاء الحرب العالمية الثانية سنة ١٩٤٥ وحتى اليوم، واجه العالم العديد من الحروب والثورات والانقلابات في أماكن شتى من العالم . وهكذا يتم كلام المسيح حرفياً .

ولما كان خراب أورشليم ـ كما قلنا ـ هو صورة مصغرة من نهاية العالم ، فقد سجل التاريخ لنا صورة مروعة للحصار الرهيب الذي ضربه الجيش الروماني على أورشليم . وقد وصف هذا الحصار بتفاصيله المؤرخ يوسيفوس اليهودي الذي عاصر هذا الخراب . فقال إنه هلك من اليهود حوالى المليون ومائة ألف ، منهم أحد عشر ألف هلكوا جوعاً ، وأسر منهم سبعة وتسعون ألفاً.

وسطر عبارات تقطر دما مثل قوله إن جميع مآسى وتعاسات الناس إذا جمعت من بدء العالم كله لما كانت مريعة مثل التي أصابت أورشليم يوم خرابها ..!! ولكن الحروب لم تنته بخراب أورشليم . بل ظلت تشتعل من حين إلى آخر حتى اليوم .

وبعد أن كانت الحروب أقليمية، شهد العالم ما عرف باسم الحروب العالمية ، التي شهد منها حربين حتى الآن. والعالم اليوم في خوف وهلع مستمرين من إندلاع الحرب الذرية، التي لا تبقى ولا تذر…  وهكذا يتم كلام المسيح له المجد حرفياً …

٤- ثورات الطبيعة

يقول السيد المسيح له المجد في (لو۲۱: ۱۱) «تكون زلازل عظيمة في أماكن ومجاعات وأوبئة» . وفى (مر١٣: ٨) يقول : « وتكون زلازل في أماكن وتكون مجاعات واضطرابات » . « وتكون مجاعات وأوبئة وزلازل في أماكن» (مت٢٤: ٧). وأظن أننا جميعاً نسمع كل يوم أخبار الكوارث وثورات الطبيعة من فيضانات كاسحة إلى أعاصير مدمرة إلى زلازل رهيبة .

وكل هذه الكوارث تهلك عشرات الألوف في وقت قصير وربما في ثوانی قليلة ، كما يحدث في الزلازل . أما عن المجاعات التي اجتاحت العالم فقد تسببت في موت الملايين من البشر والبهائم . ولعل أحدث مثل ما حدث في أثيوبيا . ولايزال شبح الجوع يخيم على العالم و يهدد البشرية بمجاعات مخيفة. كما نقرأ كثيراً عن أخطار الفيضانات المروعة في الهند وفى الصين وغيرها . وهذا كله يذكرنا بما قاله السيد المسيح في هذا الشأن .

٥- الارتداد الديني

هذه العلامة ذكرها السيد المسيح وهو يتكلم عن الضيقات التي تصحب نهاية العالم : « وحينئذ يعثر كثيرون » (مت٢٤: ١٠) و يفسر لنا هذا الكلام القديس بولس الرسول في كلمات صريحة واضحة : «لأنه لا يأتي المسيح إن لم يأت الارتداد أولاً »

(تسالونيكي الثانية٢: ٤). فقبل مجيء المسيح الثاني يحدث ارتداد. فما هو المقصود بالارتداد ؟ …

الارتداد نوعان: النوع الأول هو الارتداد الديني بأكمله. أي أن يترك الإنسان المسيحية و يتحول إلى ديانة أخرى، وذلك تحت ضغوط الاضطهادات أو المضايقات أو الاغراءات العالمية أو إغراءات الخطية.

أو اعتناق بعض المذاهب الفكرية المعاصرة كالشيوعية أو الوجودية . والنوع الثاني من الارتداد يكون بمعنى ترك الحياة الروحية مع الله كلية بحيث لا يحمل المسيحي من المسيحية إلا اسمها فقط … وللأسف نحن نجد لهذين النوعين من الارتداد ملايين الضحايا في عصرنا الحاضر. فالشيوعية مثلاً تحارب الدين وتدعو إلى الإلحاد وهو ارتداد ديني خطير… وقد قوضت الشيوعية دعائم المسيحية في روسيا بعد أن كانت من أكبر الدول المسيحية الأرثوذكسية في العالم. فتحولت كنائسها إلى مجرد متاحف، وتحول معظم الشعب الروسي إلى ملحدين . وكثير من شباب الغرب اليوم لا دينيين

أما عن المرتدين عن الحياة الروحية، فما أكثرهم إن هؤلاء ينتسبون إلى المسيحية بالاسم فقط !! هؤلاء لا يعرفون شيئاً عن المسيحية  وهم الذين عناهم المسيح له المجد بقوله ، في حديثه عن نهاية العالم « ولكثرة الإثم تبرد محبة الكثيرين » (متى ٢٤ : ١٥)

٦- وصول رسالة الإنجيل إلى العالم أجمع

هذه هی العلامة السادسة لمجيء المسيح الثاني، يقول السيد المسيح له المجد : « ويكرز ببشارة الملكوت هذه في كل المسكونة شهادة لجميع الأمم، ثم يأتي المنتهى » (مت٢٤: ١٤). فما معنى هذا الكلام؟ في تفسير هذه الآية ينقسم علماء اللاهوت وعلماء الكتاب المقدس إلى فريقين .

فريق يفهم كلام المسيح هذا على أن الإنجيل سينتشر في كل العالم وسيتحقق بذلك عصر ذهبي للمبادئ المسيحية في العالم، وتصبح الأرض كلها للرب ولمسيحه. بينما يرى فريق آخر أن هذا الانتشار سيكون انتشاراً ظاهرياً للدينونة ـ في حالة عدم قبول رسالة الإنجيل ، بدليل قول المسيح : « ومتى . جاء ابن الإنسان العله يجد الإيمان على الأرض» (لو١٨ : ٨) . وأنا شخصياً أميل للأخذ بالرأي الثاني .

٧-علامات تظهر في الشمس والكواكب 

وهذه هي العلامة الأخيرة التي ذكرها رب المجد سابقة لمجيئه الثاني. فيقول له المجد : « وتكون علامات في الشمس والقمر والنجوم وعلى الأرض كرب أمم بحيرة . البحر والأمواج تضج ، والناس يغشى عليهم من خوف وانتظار ما يأتي على المسكونة ، لأن قوات السموات تتزعزع » » (لو٢١: ٢٥-٢٦). وها نحن نسمع عن هذه العلامات الآن .

فالبقع الشمسية تنتشر على سطح الشمس والأقمار الصناعية وسفن الفضاء أخذت ترتاد الفضاء ، وقد هبط العديد من البشر على القمر وامتد نشاط الإنسان إلى كشف كواكب المجموعة الشمسية ، فوصلت المشترى وهكذا نجد أن كلام المسيح ـ لا أقول إنه يتم ـ ولكن حرفاً واحداً منه لم يسقط حتى الآن مصداقاً لوعده الإلهي « السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول »    (مت٢٤ : ٣٥).

الاستعداد لمجيء المسيح الثاني:

بعد أن تأكدنا تماماً أن مجيء المسيح الثاني أمر لا جدال فيه ، وأنه حقيقة مؤكدة سوف تتحقق، أردنا أم لم نرد، قبلنا أم لم نقبل ، استعددنا له أم لم نستعد ، فدعونا نفكر ونتأمل سوياً في وضعنا إزاء هذا الحدث العظيم الخطير!! كيف نستعد لهذا المجيء ؟

وتأتينا الإجابة على هذا السؤال من فم المسيح له المجد نفسه . فبعد أن حذرنا وأبان لنا بوضوح علامات نهاية العالم ومجيئه الثاني قال : « انظروا ، اسهروا وصلوا لأنكم لا تعلمون متى يكون الوقت » (مر۱۳: ۳۳). ومن كلام السيد المسيح تبرز لنا حقيقتان نحن مطالبون بهما ، هما السهر والصلاة.

ونجد الإشارة إليهما في كلام المسيح له المجد في (لو١٢: ٤٠)، وهو الإنجيل الذي يتلى في الخدمة الثالثة من صلاة نصف الليل. يقول : « وأنتم أيضاً تشبهون أناساً ينتظرون سيدهم متى يرجع من العرس . حتى إذا جاء وقرع يفتحون له للوقت. طوبى لأولئك العبيد الذين إذا جاء سيدهم يجدهم ساهرين . الحق أقول لكم إنه يتمنطق ويتكئهم ويتقدم ويخدمهم . وإذا جاء في الهزيع الثاني أو جاء في الهزيع الثالث .. ووجدهم يصنعون هكذا فطوبى لأولئك العبيد » .

فمن يريد الاستعداد لمجيء المسيح الثاني عليه بالسهر والصلاة والسهر نوعان : سهر الجسد وسهر النفس . سهر الجسد معروف ، أما سهر النفس فالمقصود به اليقظة الروحية . فيجب على الإنسان أن يسهر على خلاص نفسه ، ولا يغفل عن هذا الهدف لحظة واحدة . وقد حذرنا السيد المسيح له المجد في مثل الزوان والحنطة من النوم . فقد زرع عدو زواناً وسط الحنطة فيما كان الناس نياماً (مت۱۳: ٢٤- ۲۸) فحينما ينام الإنسان عن خلاص نفسه يأتي العدو و يزرع في فكره وفي قلبه ما يشاء له أن يزرع من زراعات فاسدة ومفسدة …

هناك قصة رائعة لشهيدين – زوج وعروسه الصغيرة ـ احتفظا بالسهر وهما يعانقان الموت ـ كان الزوج هو الشماس تيموثاوس في إحدى قرى صعيد مصر وعروسه الصغيرة مورا التي كانت قد بلغت السادسة عشر من عمرها . وبعد أن تزوجا بأيام قليلة أمر الوالى اريانوس بالقبض على هذا الشماس الذي كان يحتفظ بكتب الكنيسة المقدسة أخذ الوالي يعذب هذا الشماس لكى يسلمه كتب الكنيسة ليحرقها بناء على الأمر الصادر من الطاغية دقلديانوس سنة ٣٠٣م، ولكنه أبي ورفض فأخبره بعض أفراد حاشيته ، أن هذا الشماس قد تزوج فتاة صغيرة منذ أيام قليلة .

ولا شك أنه سيرضخ للوالي إذا أحضر الزوجة لتغريه فتضعف صلابته ويخضع . فأحضر الوالى الزوجة مورا وأمرها أن تلبس أجمل ثيابها وتتعطر وتتزين حتى تحاول أن تستميل قلب زوجها فيرجع عن عناده ولما جاءت مورا أخذ الزوج يحذرها من الانصياع لحيل الوالى ، وأن التألم في سبيل المسيح هو هدف كل مسيحي.

وما كادت مورا تسمع هذا الكلام حتى تفتح قلبها واشتهت أن تتألم على اسم المسيح . فأعلنت إيمانها منضمة إلى زوجها ، وتحملت معه صنوف العذاب دون أن تضعف. وأخيراً حكم الوالى عليهما بالموت صلباً ففرحا جداً. وبينما هما في طريقهما إلى الصلب اتفقا مع بعضهما على ألا يناما على الصليب لئلا يأتي المسيح ويجدهما نياماً !! تصوروا يا أحبائي مقدار يقظة المسيحيين الأوائل !! حتى وهم يعانقون الموت ، راعوا السهر !!

لقد عاش المؤمنون المسيحيون في أجيال المسيحية الأولى في سهر مستمر توقعاً لمجيء الرب . وكانت التحية الرائعة التي يحيون بها بعضهم بعضاً هي « ماران أثا » (كورنثوس الأولى١٦ : ٢٢). وهي عبارة آرامية ومعناها «تعال أيها الرب » . وتتطابق هذه العبارة مع ما قاله يوحنا في ختام سفر الرؤيا الذي هو ختام الكتاب المقدس كله: « تعال أيها الرب يسوع » (رؤيا ۲۲ :۲۰)[6].

 

 

المتنيح الأنبا بيمن أسقف ملوي وأنصنا والأشمونين

 

الديان العادل

” وجلس عن يمين أبيه وأيضا يأتي في مجده لیدین الأحياء والأموات” إن مجيء المسيح للدينونة عقيدة هامة من عقائد الكنيسة الواحدة المقدسة الجامعة الرسولية وقد سجل في قانونها الإيماني هذه العبادة ” وأيضا يأتي في مجده لیدین الأحياء والأموات.

وفي الليتورجيات سواء التي استعملت في القرون الأولى أو التي وصلت إلينا بعد المجامع المسكونية نجد صلوات تؤكد حقيقة المجيء الثاني المخوف المملوء مجدا.

ففي تسابيح الكنيسة الأولى نقرأ” أفرحوا بالرجاء المجيد، سيأتي يسوع الديان ، ويأخذ خدامه عاليا إلى منزلهم الأبدي . وسنسمع فی الحال صوت رئيس الملائكة وسيبوق بوق الله قائلا أفرحوا “.

وفي القداس الباسيلي المستعمل في الكنيسة الشرقية يقول الكاهن ” وقام من الأموات وصعد إلى السموات وجلس عن يمينك أيها الآب ورسم يوما للمجازاة هذا الذي يظهر فيه ليدين المسكونة بعدل ويعطي كل واحد كنحو أعماله ”

ويقول الكاهن أيضا ساعة حلول الروح القدس على القرابين : “ففيما نحن أيضا نصنع ذكرى آلام المقدسة وقيامته من الأموات وصعوده إلى السموات وجلوسه عن يمينك أيها الآب وظهوره الثاني الآتي من السموات المخوف المملوء مجدا نقرب لك قرابينك من الذي لك على كل حال ومن أجل كل حال وفي كل حال.

وفي قداس القديس أغريغوريوس يقول الكاهن ” أظهرت لي إعلان مجيئك الذي تأتي فيه لتدين الأحياء والأموات وتعطي كل واحد كأعماله “.

وكان الرسل يشهدون للرب في كرازتهم أنه هو المعين من الآب ديانا للأحياء والأموات وبولس الرسول يقول لتلميذه تيموثاوس ” أنا أناشدك أمام الله والرب يسوع المسيح العتيد أن يدين الأحياء والأموات عند ظهوره وملكوته ” (۲تی ٤: ١).

وفي موضع آخر يقول ” أخيرا وضع لى إكليل البر الذي يهبه لی فی ذلك اليوم الرب الديان العادل وليس لي فقط، بل لجميع الذين يحبون ظهوره أيضا ” (۲تي ٤: ٨).

كما يقول رسول الأمم في الرسالة الثانية لأهل كورنثوس ” لأنه لابد أننا جميعا نظهر أمام كرسي المسيح لينال كل واحد ما كان بالجسد بحسب ما صنع خيرا كان أم شرا” (۲کو ه: ۱۰).

ومعلمنا بطرس الرسول يعزى المؤمنين الذين في الشتات بقوله ” إن الذين يضطهدونكم سوف يعطون حسابا للذي هو علي إستعداد أن يدين الأحياء والأموات ” (ابط ٤: ه)

بينما يعقوب الرسول يزيدهم تعزية بقوله “هوذا الديان واقف قدام الباب (يع ٥: ۹).

منذ القديم

ومنذ القديم وإسرائيل يعرف جيدا أن الله ديان عادل. فقد طلب جدعون من الله أن يقضي بينه وبين العمونيين ” فأنا لم أخطئ إليك ، وأما أنت فأنك تفعل بی شرا بمحاربتي ، ليقضى الرب القاضي اليوم بين بني إسرائيل وبنی عمون (قض۱۱: ۲۷).

وحين خاصمت سارة إبراهيم وهاجر قالت ” يقضى الرب بيني وبينك (تك ١٦: ٥). وقال داود لشاول ” يقضى الرب بيني وبينك وينتقم لي الرب منك ولكن يدي لا تكون عليك ” (1صم ٢٤: ۱۲).

أمثال السيد المسيح عن الدينونة

لقد جاء المسيح يسوع إلى البشرية فاديا ومخلصا، رقيقا وحنونا ، مشجعا غافرا ، داعيا الجميع إلى التوبة والخلاص . ولكنه نبه البشرية إلى أنه في مجيئه الثاني سيأتي قاضيا ديانا عادلا.

وقد أورد الرب في تعاليمه أمثالا تتحدث عن الدينونة المزمع حدوثها عند مجيئه المخوف الآتي :

مثل الحنطة والزوان (مت۱۳: ٢٤ – ۳۰) ” إنسان عدو زرع زوانا طلب العبيد من رب البيت أن يقلعوه، رفض قائلا في وقت الحصاد أقول للحصادين اجمعوا أولا الزوان احزموه حزما ليحرق وأما الحنطة اجمعوها إلى مخزني “.

ومثل الغني الغبي الذي أضاع حياته في جمع الأموال والرغبة في توسيع المخازن وفي لحظة أخذت روحه وقيل له أيها الغبي هذه التي أعددتها لمن تكون (لو۱۳:۱۲-٢١)

مثل الشبكة المطروحة في البحر. وهذه التي امتلأت فجمعوا الجياد فی أوعية وأما الأردياء فطرحوها خارجا. هكذا يكون في انقضاء العالم يخرج الملائكة ويفرزون الأشرار من بين الأبرار ويطرحونهم في أتون النار هناك يكون البكاء وصرير الأسنان (مت۱۳: ٤٧ – ٥٠).

وفي مثل العذاري الحكيمات والجاهلات (مت ٢٥: ۱- ۱۳) لما جاء العريس المستعدات دخلن معه إلى العرس وأغلق الباب وأخيرا جاءت بقية العذارى أيضا قائلات يا سيد يا سيد أفتح لنا فأجاب الحق أقول لكم أني ما أعرفكن ويقول معلمنا متى أيضا ومتى جاء أبن الإنسان في مجده وجميع الملائكة القديسين معه فحينئذ يجلس على كرسي مجده ويجمع أمامه جميع الشعوب فيميز بعضهم عن بعض كما يميز الراعي الخراف عن الجداء . ويقول للذين عن يمينه “تعالوا يا مبارکی أبی رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم ” ويقول للذين عن اليسار ” أذهبوا عني يا ملاعين إلى النار الأبدية المعدة لإبليس وملائكته ” .

راجع (لو١٤: ١٥ – ٢٤) (لو ۱١:۱٩ – ۲۸) (لو ۱۷: ۲۰ – ۲۷) .

الدينونة آنية ومستقبلية معا

عندما تحدث الرب عن الدينونة أعطاها بعديها المميزين في المسيحية البعد الزمني ، والبعد الإسكاتولوجى ( الآخروی ) .

لقد أوضح أنه الآن ساعة الإنتفاضة من موت الخطية وعبودية الجسد والآن إلى حرية مجد أولاد الله إذ يقول ” تأتي ساعة وهي الآن حين يسمع الأموات صوت أبن الله والسامعون يحيون ” (يو ٥: ٢٥).

فالمسيح بتجسده المبارك أدان البشرية الساقطة واللاهية وكسر شوكة الخطية وحطم قوة العدو . لقد أدان كبرياء الإنسان بإتضاعه ، وأدان الحقد والكراهية والبغضاء بالحب الباذل حتى الصليب

ويقول القديس أغسطينوس في شرحه لكلمة الله الحية ذات الحدين . إن لها حد التشجيع للتوبة والخلاص ، ولها حد الإدانة إذ تحتفظ الكلمة بفاعليتها حتی المجيء الثاني لكي يستد كل فم وفي هذا يقول الرب “الكلام الذي أكلمكم به هو الذي يدينكم” .

وفي اليوم العظيم في ملئ الأزمنة عند انقضاء الدهر سيأتي الرب علی السحاب متوشحا بجسده ومحتفظا بآثار جراح الجلجثة. هذه ستكون نبعا للحب والفرح الذي لا ينضب لجماعة المفديين إذ سيدخلون معه الى عرش عشاء الخروف

وأما الهالكون واللاهون والمجدفون واللذين إحتقروا صليب الرب فسوف يقولون للجبال أسقطی علينا وللأكام غطينا من وجه الجالس على العرش. هذه هي الدينونة الرهيبة. لقد وعد أنه آت سريعا ومن له أذنان للسمع فليسمع[7].

 

 

المتنيح القمص لوقا سيداروس

 

الأحد الرابع من شهر مسرى

(مر١٣ : ٣ – ٣٧) كنيستنا المقدسة

+ الكنيسة المقدسة أعضاء جسد المسيح لا سلطان للزمن عليها . بل هي فوق هذا الزمان الحاضر، لأنها باتحادها بالمسيح له المجد اتحدت بالأبدية . من أجل ذلك تعلمنا الكنيسة أن نحول هذا الزمن الحاضر بكل حوادثه إلى مدلولات أبدية . لأن سيرتنا نحن في السماويات ، كما يقول الرسول : ” فكلما جئنا إلى نهاية العام ، تحول الكنيسة فكرنا إلى انقضاء الدهر ، ومجيء ربنا يسوع ، ودخولنا إلى المجد الأبدي .

+ والكنيسة بهذا لا تكف عن تحويل وقتنا الزمنى . فبداية النهار صار بقيامة المسيح موعد أبدى . والساعة الثالثة ( ٩ صباحاً ) بحلول الروح القدس في مثل هذا الوقت صارت ساعة أبدية ، لا تنطوي مثل باقي الزمن ، ولا تدور الساعة لتأتى عليها . والساعة السادسة ( ١٢ ظهراً ) دخلت إلى الزمن الأبدي عندما علق الرب على الصليب . وباختصار فإن الحياة في الكنيسة يخرجنا من دائرة الفناء مع الزمن ، ويدخلنا إلى الحياة لا تزول ولا تتغير ولا تضمحل ، هي حياة المسيح فينا ، الذى هو أمس واليوم وإلى الأبد . وليس عنده تغير ولا شبه دوران .

قل لنا متى يكون هذا ؟ وما هي علامة مجيئك ؟

هكذا سأل الرسل الأطهار في معرض الحديث وكان ما يشغل بالهم هو متى ؟ وما هي العلامات لمجئ الرب ؟

+ هنا السيد المسيح يصحح مسار التلاميذ ويحول فكرهم من الزمنيات إلى الأبديات . ويبنيهم إلى الأمور الخطيرة التي يجب أن تشغل ذهنهم … أنظروا إلى نفوسكم اسهروا … أثبتوا في الإيمان لأنه سيخرج مضلون كثيرون ، وأنبياء كذبة ومعلمون كذابون باسم المسيح . ويضلون كثيرين ، ولو أمكن المختارون أيضاً ، وستبرر محبة الكثيرين . وابن الإنسان متى جاء العله يجد الإيمان على الأرض .

+ هذا ما يجب أن ننتبه إليه بكل ذهننا الروحي ، لنحظى بالحياة الأبدية ونصيب الأبرار والحق … يقال أن كنيستنا المقدسة بأبائها ونساكها وقديسيها عاشت ملتزمة بهذا الفكر الإنجيلي فلم ننشغل قط على مر تاريخها كله بحساب الأزمنة والأوقات التي جعلها الآب في سلطانه . ولم نهتم مطلقاً بمراقبة علامات وهروب ومجاعات و أوبئة… لم نوثبك بهذه الأمور لأنها منشغلة بالأكثر بتزيين نفسها لملاقاة العريس ، فهي تسهر لتمتلئ أنيناً بالروح فتستحق أن تدخل إلى الخدر السماوي .

+ في الوقت الذى انشغل فيه كثيرون بحساب الأزمنة والأوقات ووقفوا في ضلالات كثيرة وتاهوا عن الحق ، إذ لم يحفظوا وصية ربنا وكلامه الذى لا يزول .

تحذير من الضلالات

منذ الأيام الأولى قال القديس يوحنا الإنجيلى : ” خرج إلى العالم مضلون كثيرون ” . من هو المضل إلا الذى لا يعثر بيسوع المسيح آتياً في الجسد .

هدف الضلالات

إذن هو إنكار المسيح ابن الله الكلمة وعدم الاعتراف به الاعتراف الحسن

+ ما أكثر البدع والهرطقات ما مضى منها . وما هو حاضر وما يستجد . والضمان الوحيد هو الكنيسة التي هي عمود الحق وقاعدته التي حفظت الإيمان بدم شهدائها وعرق نساكها وسهر قديسيها . وسلمت إلينا الإيمان كلبن عقلي عديم الغش . أمين[8] .

 

المجئ الثاني للمتنيح القمص لوقا سيداروس 

زوال العالم حق 

السَّمَاءُ والأَرْضَ تَزُولان ولكن كلامي لا يزول (لو ۲۱: ٣٣)

 المجيء الثاني لربنا يسوع المسيح على سحاب السماء في مجده ومعه جميع الملائكة والقديسين، ليدين المسكونة بالعدل ويجازي كل واحد حسبما يكون عمله، ليس حقيقة مؤكدة فحسب، بل هو الحق الإلهي ذاته. فالمسيح له المجد يقول: “السماء والأرْض تَزُولان ولكن كلامي لا يزول”هذا حق يجب على الإنسان أن يأخذه مأخذ الجد باعتبار أنه لابد أن يكون. لذلك فإن المسيح له المجد حين تكلم مع القديس يوحنا الحبيب في سفر الرؤيا قال له: “اكْتُبْ ما لا بُدَّ أنْ يَكُونَ” ، أي الحقيقة الدامغة التي لابد أن تحدث. 

في القرن الرسولي الأول، بداية الحياة المسيحية والإيمان بالمسيح، كان هناك شعوراً طاغياً وإحساساً قلبيا متوهجاً بين جميع المؤمنين من ناحية مجيء المسيح الثاني. فقد قبلوا الإيمان بالمسيح قبولاً كاملاً بإخلاص شديد وكانت قلوبهم متقدة ناراً في حالة انتظار وتوقع على أحر من الجمر. كانت العلامات واضحة جداً.

وكان زوال العالم أمراً محققاً في كل نفس، لذلك فرطوا في العالم بحركة تلقائية، وباعوا الأملاك والبيوت والحقول دون أن يطلب منهم أحد هذا التصرف كان ترجمة عملية لحرارة الإيمان في القلب ومحبة المسيح وانشغالهم بخلاص أنفسهم من العالم.

لذلك رفضوا التعلق بالعالم واقتناء الممتلكات تعبيراً عن الحرية من العالم بعد أن تيقنوا أن الملكية عبودية فقرروا ألا يعيشوا عبيداً وقد حررهم المسيح! 

أما الأوضاع الاجتماعية آنذاك فقد أصبحت شكلاً خارجياً. فكثيرون ممن قبلوا الإيمان كانوا عبيداً يُشترون بالمال. فلما قبلوا المسيح، كلمهم القديس بولس الرسول وقال لهم: “مَنْ دُعِيَ فِي الرَّبِّ وَهُوَ عَبْدٌ فَهُوَ عَتِيقُ الرَّبِّ”.

أنت حر من داخل نفسك وفي قلبك وإرادتك. الحرية ليست وضعاً إجتماعياً. الحرية  عمل روحي .

أنت حر لأن المسيح حررك. فإن فرض عليك وضعك الاجتماعي أن تعمل خادماً، فاعمل ولكن لا بِخِدْمَةِ الْعَيْنِ كَمَنْ يُرْضِي النَّاسَ، بَلْ كَعَبِيدِ الْمَسيح، عَامِلِينَ مَشِيئَةَ اللهِ مِنَ الْقَلْب.

وللسيد صاحب الأموال يقول : “كَذلِك أيضاً الحُرّ المَدْعُو هو عبد المسيح”. تذكر أنك لما قبلت المسيح، صرت عبد يسوع المسيح. وأصبحت السيادة والسلطان والتصرف في حياة البشر أمور من الماضي.

لذلك باع المسيحيين الأوائل الأملاك والمتعلقات، وأصبحوا بكل المقاييس أحراراً من كل ما يستعبد الإنسان ويشغله أو يضغط على إرادته. لذلك فإن وضعي الاجتماعي يمثل القشرة الخارجية فقط أما : وضعی الحقيقي ومركزي المضبوط هو من داخل. 

مجيء الرب قريب بالنسبة لأولاد الله

 هَا أَنَا آتِي سَرِيعا وأجرتي مَعِي لِأُجَازِيَ كُلِّ وَاحِدٍ كَمَا يَكُونُ عَمَلُهُ. (رؤ ۲۲ :١٢)

 وهكذا سادت موجة في أيام الرسل الأطهار وما بعدهم، أن مجيء المسيح سريع قادم على الأبواب. في نهاية سفر الرؤيا يقول الرب، “ها أنا أتي سريعاً “. فشعر الناس أن كلمة “سريعاً” قد تعني اليوم، أو قل إنهم اختزلوا الزمن أو أسقطوه من حسابهم، ليكون مجيء المسيح قريباً جداً يُمسك باليد.والعكس تماما يحدث عندما يضع الإنسان همه في العالم وممتلكات الأرض وفي الدنيا والمسرات الباطلة.

لأن الإنسان يتعلق بالأرض ويحب الأرضيات والجسدانيات، ويكون مجيء المسيح بالنسبة له أمراً بعيداً عن السمع والبصر والفكر. ويتعلل بمرور آلاف السنوات دون مجيئه.

لذلك يقول بطرس الرسول: أنَّهُ سَيَأْتي في آخر الأَيَّامِ قَوْمٌ مُسْتَهْزِئُونَ، سَالِكينَ بِحَسَب شَهَوَاتِ أَنْفُسِهِمْ، وَقَائِلِينَ: “أَيْنَ هُوَ مَوْعِدُ مجيئه؟ لَأَنَّهُ مِنْ جين رَقَدَ الآبَاءُ كُلُّ شَيْءٍ بَاقٍ هَكَذَا مِنْ بَدْءِ الْخَلِيقَةِ”.

كلما تقدم الإنسان في الإيمان وفي محبة المسيح وفي الحياة الروحية الحقيقية، كلما شعر بدنو يوم مجيء المسيح. وكلما تلاهي الإنسان في مسرات العالم ولذات الجسد وتراب الأرض، يشعر أن مجيء المسيح أبعد ما يكون عن الفكر والقلب والواقع، ويعتقد أن المكتوب لن يتم قبل مليون عاماً أخرى، فيعيش اليوم بيومه، لأن مجيء المسيح بالنسبة له يبدو ضرباً من خيال. لكن كما قلت لك في البداية أن المسيح قال: “السَّمَاءُ وَالْأَرْضَ تَزُولان وَلَكِنّ كلامي لا يَزُولُ”. فنهاية الأرض وزوال العالم محتومة.

أين أنت من مجيء المسيح 

الْقَادِرُ أَنْ يَحْفَظَكُمْ غَيْرَ عَاثِرِينَ، وَيُوقِفَكُمْ أمَامَ مَجْدِهِ بِلا عَيْبٍ في الابتهاج (يه١: ٢٤)

 بما أن أمر مجيء المسيح حقيقة مؤكدة ، فما هو موقفي من مجيء المسيح؟ بعبارة أوقع هب أن المسيح له المجد جاء الآن، فما هو مركزي ؟ القديس يهوذا الرسول سمى يوم مجيء المسيح “الابتهاج” فقال: “يُوقفكُمْ أَمَامَ مَجدِهِ بِلا عَيْب في الابتهاج”. لأن هذا هو اليوم الذي يُتوج فيه الإنسان بإكليل من المسيح.

وهل يوجد أجمل من هذا اليوم؟ هل يوجد مجد وفرح أعظم من هذا ؟ التلميذ يذاكر ويجتهد ويتعب ويسهر الليالي، وهو يتوق إلى هذا اليوم الذي فيه يوضع على رأسه الإكليل يحلم بيوم تخرجه ووقوفه مرفوع الرأس أمام الناس، ومن أجله تهون أيام التعب وسنين الجهاد. 

بالنسبة لأولاد الله المستعدين لملاقاة المسيح والمنتظرين مجيئه، يوم مجيء المسيح هو اليوم الذي يفرح فيه قلب الإنسان بتعبه، يوم الابتهاج والفرح والإكليل ونهاية الآلام والأتعاب والحروب والمعاناة والجهادات الكثيرة. وعلى النقيض سيكون يوماً تعيساً لمن لم يقبلوا المسيح. يقول يوحنا الرسول في سفر الرؤيا: “ستَنْظُرُهُ كُلَّ عَيْنٍ، وَالَّذِينَ طَعَنُوهُ، وَيَنُوحُ عَلَيْهِ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأرْض”. ستنظره كل عين في مجيئه، لأن مجيئه لكل المسكونة.

وينوح عليه جميع قبائل الأرض والذين طعنوه. “الذين طعنوه” مكتوبة في سفر زكريا قبل مجيء المسيح بمئات السنين. فهل المقصود الإنسان الذي طعن المسيح بالحربة أم كثيرين؟ سينوح عليه الذين طعنوه بإنكارهم له وبخطاياهم، لأنهم سيدركون خسارتهم الأبدية وانتهاء فرصة نجاتهم.

جهادنا على الأرض ساعة، والفرح السماوي إلى أبد الأبد.

 فَإِنِّي أحْسِبُ أَنَّ آلَأمَ الزَّمَانِ الْحَاضِرِ لا تُقَاسُ بِالْمَجْدِ الْعَتِيدِ أنْ يُسْتَعْلَنَ فِينَا (رو۸: ١٨)

 المسيح له المجد قال: “الْمَرْأةُ وَهِيَ تَلِدُ تَحْزَنُ لأنّ سَاعَتَهَا قَدْ جَاءَتْ وَلكِن مَتَى وَلَدَتِ الطفل لا تَعُودُ تَذَكَّرُ الشدة لِسَبَبِ الْفَرَح لأنَّه قَدْ وُلِدَ إنْسَانُ فِي الْعَالَمِ”. ساعة الولادة ساعة وجع وآلام ومخاض، تنتهي بمجرد خروج الطفل إلى العالم والأطباء بمجرد ولادة الطفل، يضعونه على بطن أمه، فيتوقف الصراخ والتعب والألم الشديد تماماً في ثوان معدودة. بمجرد أن تنظر الأم للمولود، تتبخر الآلام ولا تعود الأم تذكر الشدة أيضا. 

هكذا يكون لنا فلا تستصعب الجهاد، لأنها ساعة كما وصفها المسيح في المثل قال إن المرأة وهي تلد تحزن لأن ساعتها قد جاءت ساعة الآلام بالنسبة لي هي الساعة التي فيها أجاهد لأحفظ نفسي، أجاهد لأقمع جسدي، أجاهد لأضع نفسي واتضع، أجاهد لأقدس نفسي وفكري، أجاهد ضد محبة العالم وشهوات العالم وغروره كل هذا الجهاد ساعة في حساب المسيح، ولكن الفرح إلى أبد الأبد. أحزاننا وجهادنا في الحياة المسيحية محسوب على أنه ساعة، أما الفرح الأبدي فهو غير زمني. يقول إشعياء النبي: “مَفْديو الرَّبِّ يَرْجِعُونَ وَيَأْتُونَ إِلى صِهْيَوْنَ بِتَرَتُم وَفَرَحْ أَبَدِي عَلَى رُؤوسهم. ابْتِهَاج وَفَرَحٌ يُدْرِكَائِهِمْ”. 

يخسر من يبيع الفرح الأبدي بسبب عدم احتماله ساعة ألم المسيح له المجد يقول: “إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِي وَرَائِي فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ كُلَّ يَوْمٍ وَيَتْبَعْنِي”. وأيضا يقول: “اجْتَهِدُوا أَنْ تَدْخُلُوا مِنَ الْبَابِ الضَّيِّق”. “مَا أَضَيَقَ الْبَابَ وَأكْرَبَ الطَّريقَ الَّذِي يُؤَذِي إِلَى الْحَيَاةِ”.

لذلك لا تتذمر وتقول لماذا الذل والإهانة ولماذا أتخلى عن حقي؟ لماذا أضع نفسي وأحمل الصليب، بينما باقي الناس سعداء يمشون في الأرض طولاً وعرضاً؟ يا أخي إنها ساعة عندما انحصر التلاميذ في آلام المسيح، وهم لم يحملوا أي من آلامه، بل هو الذي تألم، قال لهم: “ألم تقدروا أن تسهروا معي ساعة واحدة” زمن الجهاد محسوب ساعة، لأنه بجوار الأبدية لا يتعدى ساعة وهذا هو كلام المسيح. فإنّي أحْسِبُ أَنْ آلام الزَّمَانِ الْحَاضِرِ لا تُقَاسُ بِالْمَجْدِ الْعَتِيدِ أنْ يُسْتَعْلَنَ فِينَا”. 

آلام الجهاد تنقضى بمجرد الدخول إلى المجد الأبدي 

لأَنَّ خِفَّةَ ضِيقَتِنَا الْوَقْتِيَّة تُنْشِئُ لَنَا أكثر فأكثرَ ثِقَلَ مَجْدٍ أَبَدِياً. (٢کو ١٧:٤) 

لا تستصعب الآلام لأنها مؤقتة. يقول بولس الرسول: “لأنّ خِفْةَ ضيفتِنَا الْوَقْتِيَّة تُنْشِئُ لَنَا أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ ثِقَلَ مَجْدٍ أبَدِيًا.”. فالمسيح آت لا محالة، وسيقف أمامه جميع شعوب الأرض ليجازي كل واحد حسبما يكون عمله المسيح له المجد يقول: “حِينَئِذٍ يُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ آتِياً فِي سَحَابَةٍ بِقُوَّةٍ وَمَجْدٍ كَثِيرٍ. وَمَتَى ابْتَدَأَتْ هَذِهِ تَكُونُ، فَانْتَصِبُوا وَارْفَعُوا رُؤُوسَكُمْ لأَنَّ نَجَاتَكُمْ تَقْتَربُ”. لا تستصعب ولا تستثقل حمل الصليب.

قل له يا رب ها أنا أحمل صليبي واتبعك حيثما تذهب. وصاياك على عيني ورأسي لا أستطيع أن أكسرها. بهذا نُظهر أننا نحبه، لأنه يقول الذي يحبني يحفظ وصاياي. متى جاء في مجده وجميع قديسيه وجميع الملائكة، ألوف ألوف وربوات ربوات،يمجد أولاده إلى الأبد، يرفع المتضعين ويقيم الساقطين. 

ما أبهى وأجمل هذا المنظر ! المجد الذي يحصل عليه الإنسان يوم التخرج يُنسى الإنسان كل ما مر به من أتعاب بدخول الإنسان إلى الفرح الأبدي تنقضي آلام ومعاناة الجهاد في أصوام وصلوات وصدقات وإحسانات واتضاع وقداسة، ويُنسى كل التعب في لحظة. يقول الرب “ادخل الى فرح سيدك”. حينئذ يُغلق الباب ولا يخرج الذين دخلوا إلى خارج حينئذ يكون فرح 

أبدى على رؤوسهم، ونصيب صالح للذين أحبوا الرب وعاشوا له كل الأيام. ولربنا المجد الدائم إلى الأبد أمين.

نهاية العالم والمجئ الثاني

الإنسان المسيحي لا يخاف الزمن. 

الْعِزُّ وَالْبَهَاءُ لِبَاسُهَا وَتَضْحَكُ عَلَى الزَّمَنِ الآتي (أم ۳۱: ٢٥)

 تتركز فصول القراءات هذا الصباح أيها الأحباء حول نهاية العالم ومجيء المسيح الثاني. هذا الأمر بالنسبة لأولاد الله أمر توقع وانتظار شديد والآية الأخيرة في الكتاب المقدس في سفر الرؤيا تقول “آمين. تَعَالَ أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوعُ.” والرب يقول: “هَا أنَا آتِي سَرِيعاً وَأَجْرَتِي مَعِي” ترد الكنيسة: “أمِينَ. تَعَالَ”.

فالكنيسة في حالة انتظار وتوقع استعلان المسيح ومجيئه الثاني لأن هذا هو رجاؤنا أيها الأحباء. بالنسبة للعالم الذي نعيش فيه وزواله، فهو أمر محقق لا يحتاج إلى إثبات وكلام كثير. لأن أجسادنا وكل ما حولنا موقوت بزمن. وقيل في سفر الجامعة “للولادة وَقت وَالْمَوْتِ وقت.لِلْغَرْسِ وَقَتْ وَلِقَلْعِ الْمَغْرُوسِ وقت”.

أما الحياة الأبدية التي ننتظرها ونترجاها ونعيش على رجائها كل العمر، فليس لها وقت ولا زمن الحياة الأبدية خارج حدود الزمن. وكل ما يقع تحت الزمن ويرتبط بالزمن ويضبط بالزمن، محكوم عليه بالنهاية.

لذلك فإن صراع الإنسان الأول هو صراع مع الزمن اليوم يولد طفلاً، بعد قليل يصبح كهلاً. لا تمر السنون دون أن تترك آثار خطاها على جسد الإنسان، حتى إذا ما تخطى الثمانين من العمر، لا تبقي فيه قوة. وبالرغم من أن الزمن مخيف بالنسبة للإنسان، إلا أن المسيحي المرتبط بالمسيح الأبدي الأزلي اللازمني برباط حقيقي، لا يخاف الزمن. 

في آخر إصحاح في سفر الأمثال يقول سليمان الحكيم: “اِمْرَأَةٌ فَاضِلَةً مَنْ يَجِدُها؟ لأن ثمنها يفوق اللالى. في الواقع هو لا يتحدث بخصوص المرأة، بل يتكلم عن الكنيسة والنفس الإنسانية.

فيقول “العز وَالْبَهَاءُ لباسها وتضحك على الزَّمَنِ الآتِي”. تضحك على الزمن الآتي، أي لا تخشى المستقبل ولا تخاف من الغد. لأن الغد في يد الأب السماوي، وهي لا تخشى المستقبل لأنها ارتبطت بالأبدي. المسيح يقول: “لأ تَهْتَمُوا للغدِ لأن الغد يهتم بما لنفسه. يَكْفِي اليَوْمَ شره” .

الإنسان الذي يحيا من أجل العالم وشهوات الجسد كلما ينقص يوماً من عمره، يزداد خوفه تمر أيام العمر يوماً بعد يوم، مثلما تتساقط أوراق الرزنامة “النتيجة” وتتناقص كل يوم. فيقع الإنسان في الخوف، وينحصر في صغر النفس، ويخاف من الزمن ومن المستقبل جداً، لأن المستقبل بالنسبة له مجهول. أما إذا كان الإنسان مرتبطاً بالله، متحدأ بالمسيح يتناول المسيح مولود من فوق، مولود من الروح، لا يخشى الزمن. 

الزمن في المسيح يتحول إلى خلود 

تطأ الأفعي ومُلِكَ الحَيَّات وتَسْحَقَ الأَسَد والتنين(مز ٩١: ١٣)

الزمن في الكنيسة ممجد جداً. لذلك يُقرأ السنكسار كل يوم في الكنيسة، وهو تاريخ حي لقديسين أحياء. منهم على سبيل المثال الأنبا برسوم العريان الذي كان أبواه من الأثرياء كان الأب يدعي الوجيه المفضل، لأن شجرة الدر الحاكمة في ذلك الزمان اتخذته كاتماً لأسرارها. فلما مات أبواه، طمع خاله في الميراث.

فلم ينازعه أنبا برسوم، ولم يدخل معه في خصومة. لكنه بدأ حياة نسك عجيبة، وباع العالم وداس على كل ملذاته. ضحك على الزمن وعاش في زهد شديد بتولاً وفقيراً جداً بإرادته، حتى وصل لدرجة السياحة الروحية. أثر الأنبا برسوم أن يعيش في العالم، ولم يكن يخشى شيئاً البتة، حتى أنه ذهب للحياة في مغارة كان يسكنها ثعبان متوحش فلما دخلها قال: “تطأ الأفعى وملك الحَيَّات وتسحق الأسد والتنين”. ثم رشم الثعبان بعلامة الصليب، وقال له: “لينزع الرب عنك طبعك الوحشي”. وبالفعل أصبح الثعبان مستأنساً وعاش معه في المغارة. 

الزمن في الكنيسة وبالنسبة لأولاد الله يتحول إلى خلود في المسيح الزمن خالد بالنسبة لنا، لأننا ننتصر على الزمن لا تخف من الزمن،الزمن ينقضي، والسماء والأرض تزولان، وكل مسرات هذا العالم التافه تنتهي. لذلك حين يقول المسيح: “ها أنا أتي سريعاً وَأُجْرَتِي مَعِي”، نقول له: “أمين تعال أيها الرب يسوع”. أمين تعال بكل الفرح وكل الشوق وكل الانتظار والتوقع. إن كانت حياة الإنسان صلاة، فإن زمانه يكون زمن الحياة الأبدية. افرض أن شخصا ما خصص أحد الأيام للصلاة، فهل تعتقد أن هذا اليوم يُعد في عداد الأيام؟ اليوم بحسب الزمن مدته أربع وعشرين ساعة. لكن هذا الإنسان حول الساعات إلى خلود، لأنه في الصلاة اتحد بالله، وتواجد في حضرة القدير، فخرج من دائرة الزمن. 

أما أهل العالم الذين يعيشون في الزمن، حالهم مُحزن جداً لأنهم مربوطون بالزمن اليوم لا تجد ذكراً لمن كان بالأمس ذائع الشهرة أو كان من نجوم المجتمع. بالأمس كان يجول مختالاً في عز العافية والشباب، واليوم عليلاً لا يجد من يسأل عنه.

فأين الصحبة والأصدقاء وعشرة الملذات؟ الجميع انفضوا من حوله، لأنه أصبح بلا فائدة لهم. الزمن يحطم الحياة الجسدية ومن يعيش تحت قوانين الزمن يفقد الرجاء ويعيش في ضعف الجسد، وفي أواخر أيامه يكون بائساً حزيناً تملكه الكآبة. لذلك نحن لا نخضع لهذا الزمن. نحن نعيش في العالم، لكن حياتنا مستترة في المسيح. 

 القديسون حولوا الموت إلى حياة والغفلة إلى يقظة. 

اسْهَرُوا وَصَلُّوا مَا أَقُولَهُ لَكُمْ أقُولَهُ لِلجميع اسهروا (مر١٣: ٣٧)

 طبعاً الأمر يحتاج إلى صحوة ويقظة روحية لأن الغفلان مثل النائم يضيع منه الوقت دون أن يشعر بمروره. فإذا خلدت للنوم في الثامنة مساء، تصحو في السابعة صباحا، ويمر الوقت دون أن تدري كذلك الغفلان لا يشعر بالزمن. وحين يتعاطى البعض المخدرات أو يتناولون مسكرا يغيبون عن وعيهم ولا يشعرون بالزمن.

وحين يفيقون يصطدمون بالواقع المر. الإنسان المسيحي مطالب بالصحو والوعي واليقظة والسهر حتى لا يتسرب الزمن من بين يديه دون أن يدري. فنحن لن نستطيع أن نوقف الزمن لكن يمكن أن نحول دورته حتى لا يمر الزمن ويدخل في مجاهل النسيان. 

كل دقيقة وكل ساعة لها ثمن. اسأل النساك والعباد الذين كتبوا التاريخ الحي في الكنيسة بحياتهم. كيف كان الوقت هام بالنسبة لهم، رغم أنهم سكنوا الجبال وتفرغوا للعبادة والصلاة؟ لم يكن لهم أعمال ولا مشغوليات ولا أسر ولا أطفال ولا مدارس ولا اهتمامات عالمية ولا شيء على الإطلاق.

المفروض أن تمر ساعات اليوم في رتابة بطيئة ومملة جداً. فكيف كانوا يقضون اليوم من الصباح الباكر إلى المساء؟ أتعجب جداً أن ساعات النهار لم تكن تكفي لإتمام صلواتهم، رغم أنهم كانوا بلا عمل. كانوا يسيرون ويقطعون من ساعات النوم وراحة الجسد الزمن بالنسبة لهم كان غالياً جداً وضروري للتحصيل والامتداد والنمو في الحياة الروحية. كانوا يسهرون في التسبيح ويستيقظون في نصف الليل للصلوات. فحولوا هدوء الليل المقرون بالموت إلى حياة، والغفلة إلى يقظة. هذه هي الحياة المسيحية.

 الإنسان حين يمر منه الزمن، ويجري منه الوقت سنة تلو الأخرى يكون تحصيل حاصل الأيام وحصاد السنين التي عاشها ضعيفاً جداً، لأنه لا يوجد حياة روحية. لذلك المسيح له المجد ينبهنا ويقول: “اسهرُوا وصلوا ما أقوله لكُم أقوله للجميع: اسْهَرُوا” هذا نداء إلهي لكل واحد منا. اسهر ولا تدع الزمن يفلت من بين يديك. أخطر شيء هو الوقت في هذه الأيام، وبخاصة في هذا البلد الذي نعيش فيه الوقت يطير لأن إيقاع الحياة سريع للغاية. 

الوقت هو أغلى ما تقدمه للمسيح 

فَانْظُرُوا كَيْفَ نَسْلُكُونَ بِالتَّدْقِيق، لا كَجُهَلاءَ بَلْ كَحُكَمَاءَ، مُقْتَدِينَ الْوَقْتَ لأَنَّ الأَيَّامَ شريرة(أف٥: ١٥-١٦)

ها هي الأيام مرت سريعاً والسنة القبطية على وشك الانتهاء، بينما أشعر أن عيد النيروز الماضي لم يمض عليه سوى أسابيع قليلة. خلص العام سريعا، ونحن لم نخلص. ينبغي أن اراجع هذه السنة لأرى ما بها من حصاد وأقيس حصاد العام بدقة مستخدماً مقياس الروح. كم حصدت وكم حصلت، وكم امتد بي ملكوت الله؟ ما مقدار نمو الروح في معرفة المسيح وما مقدار أعمال البر والخير التي قمت بها؟ هل ادخرت لنفسي خزيناً حقيقياً؟ من المؤسف أن يكون الحصاد الجيد ضعيف جداً. “فانظروا كيف تسلكون بالتدقيق، لا كجهلاء، بل كحُكماء، مفتدين الوقت لأن الأيَّامَ شريرة”. التحذير الإلهي موجه لكل واحد منا من ناحية افتقاد الوقت افتدي الوقت أي اشتري الوقت بكل غال ونفيس. قد تسمع من يقول لك أنه مستعد لعمل أي شيء من أجل الله، إلا أن يقدم الوقت يستطيع أن يقدم أمولاً أو عطايا حسبما يشاء، لكن ليس لديه من الوقت ما يقدمه في الصلاة هذه خدعة وكأنما هذا الإنسان يقول لله: “لأن مشغولياتي واهتماماتي كثيرة، والمطلوب مني كثير ، لا أدري ماذا أفعل وأنا متعب ومرهق ومرتبك ومشغول على الدوام، فدعك من أمر الوقت، أعطيك أي شيء إلا الوقت.” 

أتمنى أن أهرب من الوقت الذي أعطيه لله، وأريد أن أضمه لحساب حاجاتي واهتماماتي أريد أن أسلب وقت الله، لأن ساعات اليوم الأربع والعشرين التي أصرفها لحسابي لا تكفيني. العكس يجب أن يكون صحيحاً يجب أن أحول كل دقيقة في متناول يدي إلى الزمن الأبدي.. أعيش كل ثانية وأحولها لوقت حي. الوقت الذي أعيشه جسدي مربوط فيه بالزمن. وبما أن جسدي مائت، فإن الوقت يكون ميتاً نظيره. كل ما هو مربوط بالزمن محكوم عليه بالموت. 

لكن كلما أدخل في علاقة مع المسيح في الصلاة، واشترك في أعمال الله، أعطي الزمن الميت نسمة حياة عندما أتعب تعباً مقدساً من أجل المسيح وأسعى خلف خروف ضال أعزي نفساً مريضة أو إنساناً في ضيقة أو شدة، أتعب من أجل محتاج أبذل وأقضي وقتاً لحساب المسيح، فأنا أحول الزمن من زمن ميت إلى زمن حي. أحوله من رصيد محلى يُستهلك في العالم، إلى رصيد حي. فإن كانت لي ثروة أو رصيد يُقدر بالملايين، فهذا جيد ولكن في اللحظة التي أترك فيها العالم، وتخرج نفسي من جسدي، يصبح هذا الرصيد بالنسبة لي ميت يا لها من خسارة فادحة! الخزين الذي يجتهد الإنسان ليُخزنه على الأرض، يصبح بلا  قيمة ولا منفعة حين يفارق الجسد لن يستطيع أن يستخدمه أو يُحركه ولن يكون في احتياج إليه. 

 

تحويل الزمن من الموت إلى الحياة فن يحتاج صبراً كثيراً

 لأَنَّ مَنْ يَزْرَعُ لِجَسَدِهِ فَمِنَ الْجَسَدِ يَحْصُدُ فَساداً، وَمَنْ يَزْرَعُ لِلرُّوحِ فَمِنَ الرُّوحِ يَحْصُدُ حَيَاةٌ أبدية. (غل٦: ٨)

 مَنْ يَزْرَعُ لِجَسَدِهِ فَمِنَ الْجَسَدِ يَحْصُدُ فَساداً، وَمَنْ يَزْرَعُ لِلرُّوحِ فَمِنَ الرُّوحِ يَحْصُدُ حَيَاةً أَبَدِيَّةً. الإنسان الواعي الحكيم يحول وقته دائماً إلى حياة أبدية في خدمة دؤوبة وعمل مستديم وصلوات وتضرعات.

قلبه وذهنه مرفوعان كل حين إلى السماء. كل هذا رصيد حي، أما كل الأرصدة الموضوعة لحساب العالم والجسد والتراب والمستقبل الأرضي، تصبح أرصدة ميتة ليست لها قيمة بمجرد خروج الإنسان من العالم. ثروات الأرض كلها لا تساوي شيء. فكل ما يخص الجسد ومسرات الجسد، تنتهي بموت الجسد. 

الإنسان المسيحي الحقيقي يكون إنساناً واعياً وتاجراً حكيماً يعرف كيف يقايض ويبادل الموت بالحياة حتى يكون له رصيد حي في السماء، مثل شخص يعيش في مصر، لكنه يحول أمواله إلى دولارات لأنه يعلم أن الدولار عملة قوية ويمكن استعماله متى سافر إلى أمريكا بعكس النقود المصرية التي تنخفض قيمتها مع الوقت، ولن يستطيع أن يستعملها في أمريكا. نفس الشئ بالنسبة للممتلكات والبيوت والمقتنيات لن يكون لها قيمة في السماء. 

تحويل الزمن من الموت إلى الحياة فن كل ما يصل لي من أشياء تخص الأرض والزمن، يجب أن أحوله إلى لازمني أبدي. المسيح يقول: “اصْنَعُوا لَكُمْ أصدقاءَ بِمَالِ الظُّلم حَتَّى إِذَا فَنِيتُمْ يَقْبَلُونَكُمْ فِي الْمَظَالِ الأَبَدِيَّةِ”.

وكذلك يقول: “اكنزوا لَكُمْ كُنُوزاً فِي السَّمَاءِ حَيْثُ لا يُفْسِدُ سُوسَ وَلا صَدَا وَحَيْثُ لا يَنْقُبُ سَارِقُونَ وَلا يَسْرِقُونَ” طبعاً السماء مكان مضمون مئة بالمئة، ورصيدك هناك رصيد حياة مضمون مليون بالمئة. يحتاج الأمر إلى سهر، يحتاج إلى صلاة وصبر كثير. “بِصَبْركُمُ تقتنون أَنْفُسَكُمْ”. لأن المعاناة تشبه إنساناً ينسلخ من الزمن فيخرج خارج الزمن ويحوله من موت إلى حياة، ويتاجر ضد الرغبات والشهوات ليحول رصيده إلى المكان الذي فيه رجاؤه. الأمر يحتاج إلى إنسان صبور طويل البال لا يمل ولا يقلق.

 خراب أورشليم 

الْحَقِّ أَقُولُ لَكُمْ: لا يَمْضِي هَذَا الْجِيلُ حَتَّى يَكُونَ هَذَا كُلَّهُ (مت ٣٤:٢٤)

المسيح يقول عن خراب أورشليم: “الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ لا يَمْضِي هَذا الجيل حَتَّى يَكُونَ هَذَا كُلُّهُ”. المسيح تحدث عن خراب أورشليم عام ٣٣ ميلادية. وخراب أورشليم تم سنة ۷۰ ميلادية، بحسب كلام المسيح له المجد. وكان أن حاصر القائد الروماني تيطس أورشليم حصاراً شديداً جداً عام ٧٠ ميلادية، وكان ينوي في بادئ الأمر أن يُبقي على الهيكل كعمل معماري يحفظ ذكرى انتصاره. لكن اليهود أبدوا مقاومة عنيدة، ومن الجوع أكلوا الميتة.

ثم بدأوا من شدة الضيق الذي كانوا فيه أن يُلقوا حجارة من سور أورشليم العالي علي عساكر الرومان فقتلوا بعضهم. هاج الجنود الرومان، وكسروا أبواب أورشليم وأحرقوها. ولم يكن في الإمكان إيقافهم عن أعمال التخريب التي طالت الهيكل، حتى لم يبق منه حجر على حجر كقول الرب. 

المسيح يقول: “السَّمَاء وَالأرْض تَزُولانِ، وَلَكِن كلامي لا يَزُولُ” السماء والأرض تزولان، ولكن كلام المسيح لا يزول. افهم هذا الأمر جيداً ولا تدعه يبرح ذهنك لتكن هذه الآية المنظار الذي ترى من خلاله كل أمر السماء والأرض تزولان ولا تسقط كلمة من كلام المسيح له المجد مواعيد المسيح وكلامه عن الأبدية وعن مجيئه وعن الدينونة وعن نعيم الأبرار وعقاب الأشرار الأبدي، لا يزول. 

ولربنا المجد الدائم إلى أبد الآبدين أمين.[9]

 

المتنيح القمص تادرس البراموسي

الأحد الرابع من شهر مسرى المبارك

انظروا . أسهروا . صلوا (مر١٣:٣ – ٣١)

أراد التلاميذ أن يعرفوا متى سينقض الهيكل فأعطاهم الرب يسوع صورة نبوية لذلك الوقت مع بعض الاحداث التي تسبقه. وتكلم أيضاً عن أحداث مستقبلية أخرى ستكون علامة على مجيئه الثاني .

لقد تكلم الرب يسوع له المجد عن الأحداث القريبة والبعيدة ولم يعينها في ترتيبها الزمنى وقد عاش بعض التلاميذ حتى رأوا لما نقض الهيكل في سنة ٧٠ سبعين ميلادية وقد أكدت لهم هذه الحادثة أن كل ما قاله الرب يسوع هو حقيقة ولابد له أن يتم لقد حزرهم الرب من المستقبل ليستطيعوا أن يعيشوا في الحاضر الكثير من النبوات التي ذكرها الرب يسوع لم يتم بعد حتى الأن وهو لم يذكرها لكى نعرف زمن حدوثها بل ليساعدنا أن نظل على الدوام مستعدين ويقظين روحياً في جميع الأوقات وفى انتظار مجيئه طلب التلاميذ من الرب يسوع قائلين ما هي نهاية الزمان وعلامة مجيئك لقد كان هناك أناس في كل جيل منذ قيامة السيد المسيح يدعون أنهم يعرفون بالتدقيق حتى مجيء الرب يسوع. لكن لم يصدق قصتهم أحد حتى الآن .

لأن الرب يسوع سيأتي حسب توقيت الآب وليس توقيت الناس . وقد قال الرب يسوع بعلمه السابق أن كثير من المؤمنين سيضلون قبل مجيء الرب يسوع ومن المعلمين الكتبة الذين يدعون أن لديهم إعلانات من الله في الكتاب المقدس العلامة الوحيدة بمجيء السيد المسيح أن العالم كله سيراه أتياً على سحاب المجد (مر ١٣ – ٢٦) .

ولا داعى للحيرة عما إذا كانت هذه الأزمنة الأخيرة لأنه عندما يأتي الرب يسوع سنعرفه بدون شك فأحزر يا أخى من الجماعات التي تدعى المعرفة والنبوة الخاصة بالمجيء الثاني لأنه لا أحد يعلم متى سيأتي الوقت ولا الساعة

لما بدأت الكنيسة الأولى في النمو عانا المؤمنين من الاضطهاد الذى حدثهم عنه الرب يسوع ومنذ ذلك الوقت ظل المسيحيين يعانون من الاضطهاد وحتى الآن يواجهون في كل مكان صعاباً واضطهادات كثيرة .

لكى يشهدوا للرب يسوع كما قال لتلاميذه ستكونون لى شهود في أورشليم والسامرة وكل أقاصي الأرض. الأيمان بالرب يسوع يلزم المثابرة لأن إيماننا سيعرض للتحدي والمقاومة . وهذه الأمور ستغربل المؤمنين وتظهر الجيد من الرديء .

هل ممكن أن ينخدع المسيحي . نعم فتكون حجج وبراهين يفعلها المخادعين في نهاية الزمان . من القوة لدرجة يصعب معها المقاومة لكن أن كنا مستعدين كما قال السيد المسيح نستطيع أن نظل أمناء إلى النفس الأخير . عندما قال الرب يسوع أنه هو نفسه لا يعرف وقت المج الثاني كان يؤكد لتلاميذه طبيعة البشرية.

فلا شك أنه أبن الله وهو والآب واحد ولم يكن من الحكمة أن يعلن الرب يسوع عن مواعيد المجيء الثاني . حتى للتلاميذ أنفسهم . لأنه يحدث بذلك التراخي والكسل إلى أن يقترب المجيء فيعلن اللقاء بدون استعداد ونأخذ مما لا نتعب ولا نستحقه . فما أراده الرب هو أن المطلوب هو الاستعداد وليس الحساب

 

العظة الأولى

أ – خلوة وانفراد وسؤال مغلوط

ب – نصيحة وتحذير وبعد عن التقدير

ج – علامات المجئ وساعة اللقاء

د – تحصين النفوس ولقاء العروس

هـ – أعطاء الروح وتضميد الجروح

و – فقدان المحبة وتمرد الأحباء

ذ – بداية الضيقات وأظهار العلامات

ح – حنان الرب ونقاوة القلب

ط – الاحتراس من الشائعات لننجو إلى الممات

ى – مسحاء كذبة وعلامتهم مميزة

ك – صنع الآيات وأغراء النيات

ل – مجيء المصلوب ومحو الذنوب

م – سنلاقيه على السحاب ويهلك الذئاب

ن – ملائكة للحصاد وفرز العباد

س – شجرة التين وقرب الأنين

ع – عدم المعرف والعلاقات المخيفة

ف – سهر على الدوام والانتظار إلى التمام

 

العظة الثانية

أ – المجيء الثاني يهلك الجانى

ب – الاحتراس من المغررين والهروب من الأنين

ج – النبوة عن الحروب وسيتم المكتوب

د – أظهار ما سنراه وحتماً سنلقاه

هـ – برودة المحبة والانقسامات العائلية

و – الهروب من الشرور لنلاقيه بالسرور

ذ – الصبر في الضيقات وننسى ما فات

ح – حنان الرب والرجوع من القلب

ط – تحفظ اللسان لتعيش في أمان

ى – أنبياء كذبة ومضللين ومختارين

ك – العلامة الأخيرة وطوق النجاة

ل – رؤية المسيح مكفوله لنستريح

م – إرسال الملائكة لأن القضية شائكة

ن – شجرة التين وقوة اليقين

س – صدق الكلام وننسى الانتقام

ع – هذا اليوم مخفى ولقاء المسيح المعزى

 

العظة الثالثة

أ – يسوع وتلاميذه والخلوة

ب – أسأله ومعرفة واستفادة

ج – تعليم وأنزار وعطية

د – علامات ومجاعات وحروب وزلازل

هـ – ضيقات وكوارث واحتمال وتضحية

و – فقدان الانتماء الأسرى وتربع الشر

ذ – انتشار البغضة وتسلط الانتقام

ح – أهمية الصلاة لكى ننجو من الهلاك

ط – حنان وأبوة ورفع المعاناة

ى – عمل المعجزات وانتشار الويلات

ك – قرب المجيء وازدياد الجفاء

ل – إرسالية وملائكة وفصل القوات

م – شجرة وثمرة وعلامة

ن – كلام مصدق وإعلان محقق

س – انتظار وسهر ولقاء

ع – كذبة أنه سيملك ألف سنة على الأرض[10]

 

المتنيح الدكتور وليم سليمان علامات الأزمنة الأخيرة

المجيء الثاني للمسيح 

وأخيراً، تأتى الدينونة العامة الأخيرة. وعندها سوف يقف كـل واحـد أمـام كرسي الدينونة الإلهية، وسينال مجازاة عن أعمالـه  خيرا كانت أم شـرا. وللمجاهدين الحقيقيين سيكون الحكـم مـدعـاة للفـرح العظيم والمعاندين والمستهترين سينقلب فرحهـم الكاذب بشرهم إلى حزن وألم وغصة لا تنتهـي بسبب حكـم المـوت الأبـدي: “استيقظوا، ترنموا يا سكان التراب… لأن هوذا الرب يخرج من مكانه ليعاقب إثـم سكان الأرض” (إش٢٦: ۱۹و۲۰).

يصف القديس مار أفرام السرياني هـذا المشهد المخوف:

[تنفتح القبور، وفي طرفة عين تنهض القبائل كلها وتتطلع إلى العظمة القدسية للعريس. جموع غفيرة من الملائكة ورؤساء  الملائكة وقوات لا تحصى، سـوفتفرح الفرح العظيم؛ القديسون والأبـرار وكل الذين لم يقبلوا علامة الوحش الشرير سوف يفرحون… كل الذين اختبأوا فـي شقوق الأرض هربا من الوحـش والضـد للمسيح سـوف يفرحون معا ومع العريس السماوي فـي المسـاكن الأبديـة مـع كـل القديسين وإلى دهر الدهور].

 إن دينونة الله سوف تكـون عادلـة وبـلا محاباة، وبـلا نـظـر إلـى الوجـوه أو إلـى الأسماء والألقاب والوظائف التي كان يعمل فيها  الإنسان وهو في العالم أو في الكنيسة.

بل ستقوم على أسـاس مـا كـان يفكر فيـه الإنسـان ويعمـل ويقـول، بمعرفة وبغـير معرفة، منذ ولادتـه وإلـى يـوم الممات : “ورأيت الأموات صغارا وكبارا واقفين أمام الله. وانفتحت أسفار وانفتح سفر آخر هو سفر الحياة ودين الأموات ممـا هـو مكتوب  بحسب أعمالهم” (رؤ۲۰: ١٢). وسـوف يدين الله أيضا الذين ظلوا أحياء عند المجيء الثاني، كما يقول قانون الإيمان: “وسيأتي ثانية في مجده ليدين الأحياء والأموات”.

ويشرح القديس أغسطينوس الدينونة هكذا:

[إنها قوة إلهية تلك التي ستظهر في ذلك الوقت حتى يسترجع كل واحد لذاكرتـه كل أعماله، خيرا كانت أم شرا، وسـوف تعبر  امام عقلة بسرعة مدهشة، ما سيدينه أو ما سيبرئ ضميره، وهكذا سوف يـدان الكل، وكل واحد على حدة، وفـي وقـت واحد. وليس كأن الله غير عالم بمكنونات نفس كل إنسان حتى يقرأهـا فـي كـتـاب ليعرفهـا، بـل إن شـمول معرفـة اللـه المعصومة من الخطأ هـي ذلك الكتـاب المسمى “سفر الحياة” الذي سجل فيه هذه الأعمال – القديس أغسطينوس – كتـاب “مدينة الله”.

ويتساءل القديس يوحنا ذهبـي الفـم:

[بأي عيـن سـوف نبصر المسيح؟ لأنه إن كان أي واحد لا يقدر ولا يحتمل أن يتطلع إلى أبيه الجسدي وهو يعي في نفسه بأنه  أخطأ ضده، فالله الذي يفوق بلا حدود الأب الجسدي كيف نجرؤ نحن على أن ننظر وجهـه وكيف نحتمل ذلك؟ وهكذا سوف نقف جميعا أمام كرسـي دينونة المسـيح وسوف يسألنا الله عن كل شيء ]القديس يوحنا ذهبي الفم (العظة ٧٦ على إنجيل متی).

ويكتب القديس مار أفرام السرياني:

[وفي الدينونة سوف تتجسم أمام الله كل ما اختاره الإنسان في حياته، ما يوافق وما يضاد مشيئة الله. كل البشرية سوف تجـد  نفسها منحصرة بين الملكوت والدينونة، بينالحياة والموت، بين الفرح والحزن. وكل واحـد سـوف يقـف أمـام كرسـي الدينونة مرخيـا ناظريه غير متجاسـر علـى أن يرفعهما إلى وجـه الـجـالس على العرش.

وسوف يسأل كل واحـد ويمتحـن بشـدة، وعلى الأخص الذين عاشوا حياة الاستهتار والتهـاون. وإذ يواجهـون بـهـذا فسـوف يتفكرون فيما عملوه فـي حيـاتهم علـى الأرض، وكل واحـد سـوف يرى أعمالـه خيراكانت أو شرا. أما كل الذين حرصوا على أن تكون  أعمالهم متوافقة مع مشيئة الله ومتفقة مع وصاياه فسوف يقتربون بفرح من كرسي الدينونة برجاء أن يحصلوا على الإكليل بمقتضى رحمة الله عليهم.

أمـا إن كان أحـد قـد تـثــقل ضميره بخطايـا جسيمة وغادر هذه الحياة بدون توبة فسوف يجزع إذ يرى خطاياه ماثلة أمام عينيه تدينه وتحكم عليه، وسوف يقول لنفسـه فـي هـذه الساعة: “لماذا لم أجاهد، أنـا الشـقي،ضد هذه الخطايا، بل أضعت العمر في اللهـو حتى صرت أنا الآن ملهاة؟ لماذا لم اتـب أمام اللـه الـذي يغفر خطايـا العـالم، بل صرفت السنين في الباطل؟ فماذا على أن أفعل؟ وها زمان التوبة قد ولى وانتهـي] – القديس مار أفرام السرياني (عظة على الصليب المكرم وعلى المجـئ الثـانـي للمسيح).

إبادة الموت ونهايته 

عند المجئ الثاني للمسيح لن يكون موت بعد: “وبعد ذلك النهاية متى سلم (المسيح) الملك لله الآب، متى أبطل كل رياسة وكل سلطان وكل قوة، لأنه يجب أن يملك حتى  يضع جميع أعدائه تحت قدميه، أخـر عـدويبطل هو الموت” (١كو١٥: ٢٤-٢٦).

وحينئذ، فإن أب البشرية المحب سوف يشفي كل جراحات وأحزان أبنائه، وأكثرها ألما الموت: “وسيمسح الله كل دمعة من عيونهم، والموت لا يكون فيما بعد، ولا يكون حزن ولا صراخ ولا وجـع فـي مـا بعد، لأن الأمور الأولى  قد مضت (رؤيا٢١: ٤).

 وفي النهاية، الموت نفسه سوف يباد هو والأشرار الذين أتوا بالموت على البشرية إذ يقول سفر الرؤيا: “وطرح الموت والهاوية في بحيرة النار” (رؤيا ٢٠: ١٤).

والله ليس إله أموات بل إله الأحياء، والحياة الأبدية ليست مجرد جزاء بل هي الواقع والحقيقة، والدينونة ليست تحديد ما إذا كان  الإنسان يحيـا أو يموت، بل ما إذا كان الإنسان يحيا الحياة الأبدية، إما في السماء أو في الجحيم. تأتي ساعة فيها يسمع جميع الذين في القبور صوته، فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيمة الحيـاة والذين عملوا السيئات الي قيامة الدينونة”(يو٥: ٢٨، ٢٩).

من الذى يدين؟

إذا شئنا الدقة والمعنى الحقيقي للدينونة، فكل شخص هو أولا ديان نفسه، لأن الحياة التي يسلكها الإنسان هي التي  ستقوده اما نحو المسيح أو تلقيه بعيداً عنه، أن النور الإلهي للرب القدوس سوف يكون في اليوم الأخير:

للبعـض نـارا محرقة، وللبعـض وهجاً لطيفاً. فالذين خضعوا للضد للمسيح ورضـوا أن تعمل فيهـم علامـة الوحـش فلهؤلاء ستكون الدينونة امتحاناً مرعباً، فيه يبيد ويفني كل ما كـان لـهـم (ماعدا نفوسهم التي ستحفظ للعـذاب الأبدي): “فهوذا يأتي اليوم المتقد كالنور، وكل المستكبرين وكل فاعلي الشر يكونون قشـا ويحرقهم اليـوم الاتي – قال رب الجنود – فلا يبقى لهـم أصلا ولا فرعا، ولكـم أيها المتقون اسمي تشرق شمس البر والشفاء فـي أجنحتهـا (ملاخی٤: ١، ٢ ).

وعند الدينونة لن ينفـع خـداع المظاهر والألقاب والأسماء ومديح النـاس وتصفيقهم وتهليلهم، ولن تفيد مخادعة الناس لا مـن ذات نفس الإنسان ولا مـن الآخرين، ولا مكابرة ولا ملا ججة، ولا محاولة تطويـع آيات الوحي الإلهي لتبرير الأخطاء أمام الضمير وأمام الناس.

والبعض يظنون أنه مع الموت تموت الخطية وأعمال الإنسان. لكن الواقع هو أن كل انحياز من الجسد نحو الخطيـة إنما تشترك  النفس فيه، وكل تلذذ بالخطية لا تتوب النفس عنها ولم تحرر نفسها منه والجسد معها، سوف يطـل برأسـه يـوم الدينونة. وسوف تتحول كل لذة إلى لسعة، وكل ضحكة إلى صرير أسنان.

 الخراف والجداء 

 دينونة الله سوف تفصل القديسين عن الأشرار فصلاً كاملاً ودائماً كما يذكر ذلك القديس مار أفرام السرياني: 

[بعد أن يـدان كل إنسان أمـام كـل البشر، وبعد أن تبطـل كل رياسة وكل سلطان وكل قوة، وحينما يخضع كل أعـداء اللـه تحت قدميه، حينئذ وأخيرا – كمـا يقـول رب المجد نفسـه – “فيميز بعضهم من بعض كما يميز الراعي الخراف من الجـداء، فيقيـم الخــراف عـن يمينـه والجـداء عـن اليسار” (متـى ٢٥: ٣٢،٣٣).

حينئذ سوف ينفصل أبـاء عـن أبنائهم، وأمهـات عـن بنـاتهن، وأصدقـاء وأقارب عـن بعضهم البعـض – حينئـذ ينفصل أزواج عن زوجاتهم الذين واللواتي لم يحفظوا ولم يحفظـن طـهـارة المخـدع. وسوف أعبرسريعا في صمت عن تكملة الوصف، لأن الخوف يمنعني عن سرد كل شئ – القديس أفرام السرياني (عظـة على الصليب المكـرم المحيـى والمجـيء الثاني).

ويتحـول الانفصال بيـن البشـر إلـى انفصال الأشرار عن الله وتجردهـم مـن جميع عطايا الله. أما الأبرار فعلى العكس، فإن المجازاة الحسنة ستكون في انتظارهم. فسوف يقادون إلى أكمل وأجمل موضع، ما يسميه الكتاب المقدس “الفردوس” (لوقا٢٣: ٤٣)، و”السـماء” (متى٦: ٩)، و”ملكـوت السموات” (مت٥: ٣). ولكن ما هو أهم من الموضع هو الحالة التي سيكونون عليها حيث سيتمتعون بالرؤية المباشرة لله، إذ يرونه”وجها  لوجه” (اکو۱۳: ١٢).

وهذا یعني أن مجد الله وجلاله الأسميين سـوف يكونان علـى مـرأى مـن الأبرار، حيـث سينالون اكتفاء وكفاية لنفوسهم ولإرادتهم وقلوبهم، ومصـدر فرح لا ينتهـي ولا ينضب، فرح وسرور أبدييـن سيكونان ميراثا أبديا لهما.

وسيقول الله لـهـؤلاء الذيـن وجـدوا مستحقين لهذه الحياة المبررة فـي السـماء ويصفهـم المسيح بـأنهم الذيـن صنعـوا الرحمة مع إخوتهم المرضـى والـجـائعين والعطاشـى والمحبوسين: “تعـالوا يـا مبـاركـي أبـي رثـوا الملكوت المعـد لـكـم منذ تأسيس العـالم” (مت٢٥: ٣٤). أما لأولئك الذيـن لـم يـوجـدوا مستحقين للملكوت، وهؤلاء يصفهـم المـسـيـح بـأنهم الذين تقسـت قلوبهـم عـن الرحمــة علـى إخوتهـم مـن بنـى البشـر فـلـم يفعلوهـا، فلهـؤلاء يقـول الـرب: “اذهبوا عنـي يـا ملاعيـن إلـى النـار الأبدية المعـدة لإبليـس وملائكته” (مـت٧: ۲۳)] القديـس مـار أفرام السرياني.

 مصير مثلث الشر

 بعد أن يكون الضـد للمسيح قـد خـرب كل شئ في هذا العالم، يتجه إلى الكنيسة، حيث سيملك ثلاث سنين و٦ أشهر ويجلس في أقدس موضع في كنيسة الله (المكنى عنها في الإنجيـل بـ “هيكـل الله) حيـثيتصرف ويتسلط ويتكلـم كإله ويدعـي لنفسه صلاحيات وسلطان الله (۲تس٢: ٤)، ثم بعد ذلك يأتي الرب من السماء على السحاب في مجد أبيه ليلقي بهذا المغتصب مجد الله، أي الضد للمسيح، وكـل مـن يتبعوهإلى بحيرة النار (۲تس٢: ٥).

ويقـول القديــس مـار أفــرآم السرياني: [وهـذا الطـاغـي مـع كـل الشياطين والذين ختمـوا جباههم بعلامة الوحش، وكل الأشرار سوف يربطـون ويرسلون للدينونة،  وسيصدر الملـك العظيم الحكم بالدينونة الأبديةوالنــار التي لا تطفأ].

لقـد ســق اللـه وأصدر حكمـا أبديـاً علـى الضـد للمسـيح وبطانتـه بـالعذاب الأبـدي في بحيرة النـار: “فقبض علـى الوحـش والنبـي الكـذاب معـه الصـانع قدامـه الآيات التي بها أضل الذين قبلـوا سمة الوحشوالذين سجدوا لصورته. وطرح الاثنـان حييـن إلـى بـحـيرة النـار المتقدة بـالكبريت” (رؤيا ۱۹: ٢٠).

أما ثالثهما وهو الشيطان فسوف يلحـق بخدامه إلى الجحيم. أما “الزمن اليسير” الذي سبق أن ترك له ليعذب أتقيـاء اللـه فقـد  انتهي، و “ابن الهلاك” سوف يظل يتعذب بما رفضه من محبة الله التي رفضها عمدا: “وإبليس الذي كان يضلهم طرح في بحيرة النار والكبريت حيث الوحش والنبـي الكذاب، وسيعذبون نهارا وليلا إلى أبد الأبدين” (رویا ۲۰: ١٠)

من الذى يشفع؟

أصحاب الساعة الحادية عشرة: 

اذهب اعمل في كرمي

قد يبدو للمؤمن المسيحي ، التقى والمجاهد لإرضاء الله، أنه بهذه الصورة لا يمكن أن يعبر إلى الحياة الأبديـة بسبب أعماله غير الكاملـة وجهـاده الضعيـف وبسبب – كمـا يشكو الكثيرون – انهم يضعفون أمام الشيطان فيلقون السلاح!

 ولابد أن نضع أمام أذهان كل مسيحي تقي مجاهد مـن أجـل الـبـر هـذه الحقائق الإنجيلية من أجل بث الرجاء في قلوبهم:

 ١-إن الشيطان لا يملك نفوس الناس يل هي ملك الله، والشيطان ليـس فـي قدرته التغلب عليهم.

لقد وعد الرب منـذ القديـم: “ها كل النفوس هي لي” (حزقيال ١٨: ٤)، هكذا يعلن الله الأب السماوي في العهد القديم. والله غيور لا يقبل أبدأ بأن يسلبه أحـد نفوس أي من أبنائه لأنه أحب البشر وأرسل ابنه الوحيد ليبذل نفسـه مـن أجل خلاصهم ونجاتهم. صحيح أن الشيطان الحسود يريد أن يسلب نفوس البشر من الأب السماوي ليهلكهم، لكن المسيح – في العهد الجديـد وعد وتعهد: “خرافي تسمع صوتي وأنـا أعرفها فتتبعنـي وأنـا أعطيها حياة أبدية ولن تهلك إلى الأبد ولا يخطفها أحـد مـن يدي… أبي الذي أعطاني إياها هو أعظم من الكل. لا يقدر أحـد أن يخطفهـا مـن يـد أبي” (يوحنا ١٠: ۲۷، ٢٨). فالآب والمسيح يحفظـان نفوس المؤمنين الذين يسمعون صوتهما ويتبعون ويطيعون المسيح، ولن يستطيع الشيطان أن يخطفهم من يديهما.

٢- كل ما يطلبه الله من المؤمنين ألا تجزع قلوبهم ويخوروا أمام الشيطان أو أمام أي من إغراءات الشهوة أو غرور غنى هذا العـالم أو حسد ابليس. وعلـى الإنسان أن يختار دائمـا طـريـق البر والطهارة والأمانة والعفة بقلب راسـخ فـي الإيمان بقوة الله بالروح القدس الساكن فيه:”أنتم الذين بقوة الله محروسون بإيمـان لخلاص مستعد أن يعلن في الزمان الأخير” (بطرس الأولى ١: ٥).

يقول كتاب “الحرب اللامنظورة”: [لذلك يجب ألا تخاف أبدا. إن تضايقت من سيل الأفكار بأن العدو هو قوي جدا ضدك أو أن هجومه عليـك لـن ينتهـي، أو أن  الحـرب ضدك ستظل قائمة طيلة حياتك، وأنك لن تستطيع تفادي السقوط من كل نوع؛ فاعلم أن أعداءنا غير المنظورين بكـل حيلهـم وخداعهم إنمـا هـم أيضـاً فـي يـد وتـحـت سلطان رئيس إيماننا ربنا يسوع المسيح، الذي أنت تجـاهد وتحارب من أجل مجده وكرامته. لأن الرب نفسه يقودك في جهادك فهو بالتأكيد لن يترك أعـداءك يتجـبرون عليك ويغلبونك، ولكن بشرط ألا تنحاز إلى صفهم بإرادتك، فهو بنفسه سوف يحارب عنك وسوف يخلصك من أيدي أعدائك حينما يريد وكيفما يريد، كما هو مكتوب: “لأن الرب إلهك سائر في وسط محلتكم لكي ينقذك ويدفع أعداءك أمامك فلتكن محلتك مقدسة لئلا يري فيك أي قذر فيرجع عنك” (تثنية ٢٣: ١٤)].

 لذلك، فسر نجاة المسيحي في وسط أيـام الضيق وأزمنة الشر وساعات التجربة هو في شجاعة القلب والتصميم على اتخاذ  جانب البر دون رعبة أو خوف من شيء وحينئذ سيرى الإنسان كيف تقف قوة الله حارسة لك أو منجية أو مخلصة في لحظة الشدة، ولكن بشرط أن يظل الرب في وسط نفسك وبيتك وأسرتك وعملك وفـي كـل حياتك، وأن لا تترك أي قذر شهوة أو خطية فيها لئلا يرجع الرب عن معونتك!

٣- وحينئذ ستدخل ضمن من سماهم المسيح عمال الساعة الحادية عشـرة الذين تحدث عنهم في المثل المذكور في الإنجيل:  “… ثم نحو الساعة الحادية عشرة (الساعة الخامسـة مسـاء أي قرب نهايـة ساعات العمل) خـرج رب الكـرم ووجـد عمالا بطالين. آخرين قياما، فقال لهم: لمـاذا وقفتم ههنا كل النهار بطالين. قالوا له: لأنه لـم يستأجرنا أحد. قال لهم: اذهبوا أنتم أيضـا إلـى الكرم فتأخذوا ما يحق لكم” (متى٢٠: ٦،٧ ).

ويقـول المثـل إن رب الكـرم أعطـى لهؤلاء العمال الذين لم يعملوا سوى ساعة واحدة نفس الأجر الذي اتفق عليـه مـع العمـال  الذين عملوا طول النهار. ومعظم المؤمنين المسيحيين يشبهون هؤلاء العمال الذين أطاعوا السيد وذهبوا ليعملوا ساعة واحدة فقـط مـن اليـوم، فنالوا الأجر نفسه الذي نالـه مـن عمـل طـول النهار بسبب طاعتهم ورحمة مـن صاحب الكـرم. وهذه الساعة الواحدة هي كل ما استطاعوا أن يعملوه في حياتهم من جهاد وطاعة لوصايـا المسيح علـى قـدر طـاقتهم، فسـينالون مـا سيناله الذين عملوا الأعمال العظيمة الباهرة من جزاء الحياة الأبدية. وهذه المعاملة تعبر عن أن رحمة الله ستغطى وتتغلب علـى ضعف طبيعتنا وعدم كفاية جهادنا وأعمالنا الصالحة لنوال الحيـاة الأبديـة، وستكون رحمة الله متأهبة دائماً لمعونـة مـن يعمـل عمل الله على قدر طاقته بإخلاص وبطاعة للمسيح، المهم أن يعمل المؤمـن ولـو إلى ساعة واحدة.

كرحمتك يا رب ولا كخطايانا”: 

لذلك ففي كل مرة نسمع صوت المسيح منذراً بالدينونة الأخيرة التي ستكون بحسب الأعمال: “فإن ابن الإنسان سوف يأتي في مجد أبيه مع ملائكته، وحينئذ يجازي كـل واحد حسب عمله” (مت١٦: ٢٧)، فإننا لا نملك سوى أن نصرخ إلى الله مـن عمـق القلـب وبانسحاق: كرحمتـك يـا رب ولا خطايانا” (مرد الشعب في القداس الإلهي)، ونصلي ونقول: “بعين متحننة يا رب انظر إلى ضعفي فعما قليل تفنى حياتي وبأعمـال يليس لي خلاص، فلهذا أسأل بعين رحيمة يا رب انظر الى ضعفي و ذلى و مسكنتى و غربتي ونجنى “(صلاة نصف الليل ) .

فرحمة الله هى رجاؤنا في يوم الدينونة، ولهذا السبب صارت محور طلبات الكنيسة هى طلب الرحمة لتعوض عدم كفاية أعمالنا و جهادنا للخلاص ، حتي ان القديس يعقوب الرسول يقول ” الرحمة تفتخر علىالحكم” (يعقوب ۲: ١٣).

 ولهذا أيضا وضعـت الكنيسـة طـقـس الصـلاة علـى الراقديـن مـن أجـل طـلـب الرحمـة لـهـم وهـي تشيعهم لمكان انتظـار  يوم الدينونة ولم تستثن أحـدا مـن هـذه الصلاة مهما كانت خطاياه وآثامه: “لأنه ليس أحدطاهراً من دنس ولو كانت حياته يوما واحدا على الأرض” (أوشية الراقدين).

كمـا أصبحـت أعمـال الرحمـة مـع المحتاجين (مثل الصدقة وولائم الأغـابي وافتقاد الأرامل واليتــامي والمحبوسين وإشباع  الجوعي وكسو العرايا… الخ) هي السبيل لخلاص الراحمين.

ويا لشقاء من يتقسى قلبه ويمتنع عن عمل الرحمة، أو يمنع غـيـره مـن طـلـب الرحمة للأحياء أو للراقدين، إذ سيجوز عليه  ما قاله القديس يعقوب الرسول: “لأن الحكم هو بلا رحمـة لمن لا يعمـل رحمـة” (یعقوب ۲: ١٣).

 أما معاملة الله لنا في يوم الحكم فسيكون مبدؤها:

“الرحمـة تفتخـر على الحكم”(يعقوب ۲: ۱۳)، و “من سيشتكى علـى مختاري الله؟ اللـه هـو الـذي يـبرر. مـن هو الذي يدين؟ المسيح هـو الـذي مـات بـل  بـالحرى قـام أيضـا الـذي هو أيضاً عن يميـن اللـه الـذي أيضـا يشـفـع فينـا” (روميـة٨: ٣٣، ٣٤).

صلاة وتوسل من أجل مسيحيي الأيام الأخيرة

 ليـت الرب يمنح سلامه لمسيحيي الأيام الأخيرة وهـم فـي ميدان الجهاد الروحـي الـذي وضعه الله لهم ووضعهم فيه، ليكللـوا  بـإكليل الغلبة والانتصار.

ليتهم يكونون شاكرين على كل فرصة تتاح لهم لكي يتحدوا مع الرب في آلامه لأنه وعد: “إن كانوا قد اضطهدوني فسيضطهدونكم أنتم أيضا” (يوحنا١٥: ٢٠). وبحسب اختبار القديس بولس الرسول: “إن كنانتألم معه لكي نتمجد أيضاً معه” (رومية ٨: ١٧).

ليتهم يستعدون دائمـا مـن أجـل مزيد من التجـارب الأقسـى، ويتوقون بشدة لأن يشهدوا لإيمانهم الحقيقـي فـي كـل تجربة من هذه التجارب مهما قست.

ليتهم ينتظرون برجاء شديد ويتوقون لسرعة مجيء المسيح، عالمين أن “ألام الزمان الحاضر لا تقاس بالمجد العتيد أن يستعلن  فينا” (رومية ٨: ۱۸).

ليتهم يحبون الله، ويحبون كل من يحب الله. ويرحمون بعضهم بعضاً لتحل عليهم رحمة الله يوم الحكم، ليت تسود بينهم الرحمة  بدل القساوة، والمغفرة بدل الإدانة.

يا رب اجعلهم مستحقين لميراث ملكوت السموات برحمتك، ولا تحسب عليهم خطاياهم.

لأنـك يـا ربنا قدوس، ولـك نرسـل المجـد أيهـا الآب والابـن والروح القدس الآن وإلى دهر الدهور أمين.

آمین، تعال أيها الرب يسوع، تعال سريعاً[11]

 

 

من وحي قراءات اليوم

اسهروا

+ السهر قلبي أكثر منه جسدي

+ التوبة اليومية أهم علامة للسهر

+ الإفراط في أي شيء حتي الروحيات هو طريق الغفلة

+ وضع الحدود يحمي سهرنا

+ السهر لا يعني ترقب مجيئه بل الاستعداد له

+ السؤال الدائم لأنفسنا عن هدف ما نقوم به يصون سهرنا

+ الحزم الشديد مع النفس تجاه أمور تبدو بسيطة وضد ثعالب صغيرة يحفظ نقاوة سهرنا

+ المشغولية الدائمة حتي في الخدمة دون وقفة مع النفس إحدى أهداف عدو الخير

+ مراجعة أنفسنا بعد نقد الآخرين يصون سهرنا

+ مدي اهتمام كل كنيسة بالصلاة وكلمة الله والتسبيح وحفظ نقاوة المحبّة يعلن عن مدي سهرها

 

 

المراجع:

[1]. العلامة أوريجانوس – عظات علي سفر العدد صفحة ١٠٥ – ١٠٧ ترجمة المتنيح القس برسوم عوض – مراجعة دكتور نصحي عبد الشهيد

[2]  تفسير يشوع بن سيراخ الإصحاح السادس عشر – القمص تادرس يعقوب ملطي

[3]  تفسير سفر الحكمة الإصحاح الخامس – القمص تادرس يعقوب ملطي

[4]  تفسير مزمور ٧٢ – القمص تادرس يعقوب ملطي

[5] كتاب المنجلية القبطية الأرثوذكسية ( صفحة ٢٧٣ ) – قداسة البابا تواضروس الثاني

[6] كتاب السماء ( صفحة ١٩٢ ) – الأنبا يؤانس أسقف الغربية – مشروع الكنوز القبطية

[7]كتاب ألقاب المسيح ووظائفه ( صفحة ١٣٦ ) – الأنبا بيمن أسقف ملوي – مشروع الكنوز القبطية

[8] المرجع : كتاب تأملات روحية في قراءات أناجيل آحاد السنة القبطية ( صفحة ٥١٩) – القمص لوقا سيداروس – كنيسة مار جرجس سبورتنج

[9] كتاب الينبوع القمص لوقا سيداروس (ص١٧٣-١٧٥)،(ص١٨٠-١٨٤)

[10] كتاب تأملات وعناصر روحية في أحاد وأيام السنة التوتية ( الجزء الأول صفحة ٢٤٦ ) – إعداد القمص تادرس البراموسي

[11] مجلة مدارس الاحد شهر ديسمبر لسنة ١٩٩٩