الاحد الثالث من شهر مسري

 

 

 

” فلما رأى يسوع أمه، والتلميذ الذي كان يحبه واقفا، قال لأمه: يا امرأة، هوذا ابنك ثم قال للتلميذ: هوذا أمك. ومن تلك الساعة أخذها التلميذ إلى خاصته (يو ١٩: ٢٦-٢٧)

” افرحي يا مريم العبدة والأم لأنَّ الذي في حجرك الملائكة تُسبِّحُه ”  الأسبسمس الآدام للقداس الباسيلي

لم يقل هذا كمن يجحد أُمُّه، إنما ليُعلن كرامتها التي لا تقوم فقط على حملها للمسيح، وإنما على تمتُّعها بكل فضيلة.

الأب ثيؤفلاكتيوس بطريرك بلغاريا – تفسير إنجيل لوقا الإصحاح الثامن – القمص تادرس يعقوب ملطي.

 

شواهد القراءات

 

(مز ٥: ٧-١١)، (لو ١١: ٢٧-٣٦)، (مز ١٤: ١-٢-٣)، (لو ٢٤ : ١-١٢)، (رو ١٦ : ١٧-٢٠) ، (١بط ٢ : ١٨- ٣ : ١-٧)   (أع ٢١ : ٨-١٤)، (مز ٢٧ : ٢-٨)، (مر ٣ : ٢٢- ٣٥)

 

 

ملاحظات على قراءات اليوم

 

+ قراءة الكاثوليكون اليوم (١بط ٢: ١٨ – ٣: ١ – ٧) تُشبه قراءة الكاثوليكون (١بط ٢: ١١ – ٢٥) الأول أيام عيد الصليب ( ١٧ توت )

جاء في الأحد الثالث من مسري للإشارة إلي عائلة الله (الرجال والنساء في الأسرة) موضوع قراءة اليوم (خاصة من آية ١ إلي آية ٧ في الإصحاح الثالث) ، وهي الآيات الزائدة عما جاء في قراءة يوم ١٧ توت

وجاء في عيدالصليب لأجل الآيات ” الذي رفع خطايانا على الخشبة بجسده … والذي شُفيتم بجراحاته ”

+ قراءة الإبركسيس اليوم (أع ٢١: ٨ – ١٤) تُشبه قراءة الإبركسيس (أع ٢١: ٥ – ١٤) ليوم ٣٠ طوبه (شهادة العذاري القديسات بستيس وهلبيس وأغابي وصوفيا أمهم)

قراءة اليوم تتكلم عن عائلة الله (فيلبس وبناته) موضوع القراءة، بينما قراءة يوم ٣٠ طوبه تتكلَّم عن إستعداد النساء وإشتياقهم لكلمة الله، وموهبة النبوَّة لبنات فيلبس المُبشِّر

+ آية ٧ في المزمور الخامس ” وليفرح جميع المتِّكلين عليك. إلي الأبد يُسرُّون ” جاءت في مزمور عشيَّة اليوم، ومزمور عشيَّة يوم ٣٠ مسري (تذكار ملاخي النبي)

مجيئها اليوم للإشارة إلى والدة الإله

بينما مجيئها يوم ٣٠ مسري فهو للإشارة إلى أنبياء العهد القديم (ملاخي النبي)

+ قراءة إنجيل قدّاس اليوم (مر٣: ٢٢ – ٣٥) تُمثِّل قراءة إنجيل باكر (مر٣: ٢٢ – ٢٧) وقراءة إنجيل القدّاس (مر٣: ٢٨ – ٣٥) ليوم ٢١ توت (شهادة كبريانوس الأسقف)

قراءة اليوم (الأحد الثالث من مسري) تُشير إلى كينونتنا عائلة الله الصانعين إرادته إشارة إلى والدة الإله التي يأتي تذكار صعود جسدها للسماء في هذا الوقت

ولهذا السبب أيضاً (صيرورتنا عائلة الله من خلال تجسُّد الكلمة) جاءت هذه القراءة (مر٣: ٢٨ – ٣٥) أيضاً في إنجيل باكر الأحد الرابع من شهر كيهك

أمَّا مجيئها في قراءة حادي وعشرين توت فهو للإشارة إلي غفران كل خطايا وتجاديف البشر إشارة إلي كبريانوس الساحر وتوبته وإيمانه، وأيضاً للإشارة إلي الأقوي ( المسيح المصلوب ) ، الذي ربط القوي الذي هو الشيطان ( بالصليب ) وانتصر عليه وأخذ غنائمه، أي النفوس التي إستعبدها ، لأن صاحب تذكار ذاك اليوم ( ٢١ توت ) كان ساحراً ثم ربطته صلاة يوستينا الفتاة المسيحية فآمن وصار أسقفاً ثم شهيداً

 

 

شرح القراءات

 

تتكلم قراءات هذا اليوم عن الكنيسة العبدة والام التي تسعي دائما لتحيا وفق ارادة الله وتخضع لمشيئته وتحفظ كلمته وهي في ذات الوقت ام تقود أولادها لهذا الهدف

وضعت الكنيسة قراءات هذا الاحد في الايام التي يأتي فيها عيد تذكار صعود جسد امنا كلنا والدة الاله الي السماء لتعلن الكنيسة ان امنا العذراء هي أفضل مثال للعبدة والام كما نصلي في لحن افرحي يا مريم

تبدأ المزامير بالكنيسة مكان السجود والفرح                             (مزمور عشيّة)

ومكان الحق والبرّ                                                           (مزمور باكر)

ومكان إستعلان الرعاية الإلهية                                            (مزمور القدَّاس )

يبدا مزمور عشية بإعلان فرح المتكلين عليه وتمسكهم بمراحمه الكثيرة للدخول الي بيته والسجود امام هيكله (وانا بكثرة رحمتك ادخل الي بيتك واسجد قدام هيكلك المقدس وليفرح جميع المتكلين عليك الي الابد يسرون)

اما مزمور باكر فيعلن نقاوة الساكنين في بيته والحافظين ارادته في عمل البر وشهادة الحق (يارب من يسكن في مسكنك او من يحل في جبل قدسك الا السالك بلا عيب الذي يعمل البر ويتكلم الحق في قلبه)

بينما مزمور القداس يظهر استجابه الله لهم وعونه ونصرته (الرب هو عوني وناصري مبارك الرب الاله لانه سمع صوت دعائي)

ويعلن رب المجد في انجيل عشية ان تطويب امنا العذراء يرجع بالاكثر الي حفظها لكلام الله (وفيما هو يتكلم بهذا رفعت امراة صوتها من الجمع وقالت له: طوبي للبطن الذي حملك والثديين اللذين رضعتهما اما هو فقال لها بل طوبي للذين يسمعون كلام الله ويحفظونه )

وتتكلّم القراءات عن خطورة قبول التعليم الكاذب والشقاقات                                 (البولس )

وطاعة رب المجد لمشيئة الآب كنموذج ومثال لكل طاعة                                    ( الكاثوليكون )

وخضوع القديس بولس لإرادة الله حتي الموت                                                 ( الأبركسيس )

يُحذِّر القديس في البولس أهل كنيسة رومية من ان تكون طاعتهم بدون حكمة او ان ينخدعوا بالكلمات المعسولة للتعليم الكاذب (واطلب اليكم ايها الاخوة ان تلاحظوا الذين يصنعون الشقاقات والعثرات خلافا للتعليم الذي تعلمتموه وحيدوا عنهم لان مثل هؤلاء لا يخدمون ربنا يسوع المسيح، بل بطونهم وبكلامهم الطيب وتملقهم يخدعون قلوب السلماء لان طاعتكم ذاعت الي الجميع فافرح انا بكم واريد ان تكونوا حكماء في الخير وبسطاء في الشر)

كما يضع الكاثوليكون المثال الاعظم في الطاعة لمشيئة الاب وهو ابنه الوحيد وقت تجسده (لان المسيح هو ايضا تالم عنا تاركا لنا مثالا لكي نتبع خطواته)

كما يدعو الرسول الكل للطاعة خدام مع سادة ونساء مع رجال لتتزين الكنيسة بهم (ابها الخدام كونوا خاضعين لسادتكم بكل هيبة ليس فقط للصالحين المترفقين بل للمعوجين ايضا … كذلكن النساء ايضا فليخضعن لرجالهن حتي وانا كان البعض لايطيعون الكلمة يربحون بسيرة النساء بدون كلمة … لانه هكذا كانت قديما النساء القديسات المتوكلات ايضا علي الله يزين انفسهن خاضعات لرجالهن )

لذلك بينما يدعو الروح القدس في الابركسيس علي لسان اغابوس النبي بالضيق المتوقع للقديس بولس يظهر القديس طاعة كاملة لتدبير الله ويُسَكِّت المؤمنون خضوعا للمشيئة الالهية ( جاء من اليهودية نبي اسمه اغابوس فجاء الينا واخذ منطقة بولس وربط يدي نفسه ورجليه وقال : هذا مايقوله الروح القدس الرجل الذي له هذه المنطقة سيربطه اليهود هكذا في اورشليم ويسلمونه الي ايدي الامم فلما سمعنا هذا طلبنا اليه نحن والاخوة الذين في ذلك المكان ان لايصعد الي اورشليم حينئذ اجاب بولس وقال : ماذا تفعلون تبكون وتحزنون قلبي لاني مستعد ليس ان اربط فقط  بل ان اموت ايضا في اورشليم لاجل اسم الرب يسوع ولما لم يقنع سكتنا قائلين لتكن ارادة الرب )

ويختم انجيل القداس بمدح السيد لمن يحفظ ارادته واستحقاقه ان يكون في عائلة الله اخ واخت وام مثلما صارت والدة الاله ولاجل طاعتها الكاملة اختارها التدبير الالهي (فجاءت امه واخوته ووقفوا خارجا وارسلوا اليه يدعونه وكان الجمع جالسا حوله فقالوا له هوذا امك واخوتك خارجا يطلبونك فاجابهم وقال من هي امي واخوتي ثم نظر الي الجالسين حوله وقال ها امي واخوتي لان من يصنع ارادة الله هو اخي واختي وامي )

 

 

ملخّص القراءات

 

الكنيسة العبدة والام تلتزم بالسلوك بالحق والالتصاق ببيته والاتكال عليه                   (المزامير)

وتدعو الكل للطاعة المملوءة حكمة                                                           (البولس )

والخضوع للرئاسات                                                                          (الكاثوليكون )

رغم الالم والضيق                                                                               (الابركسيس )

وتضع المثال امامنا الطاعة الكاملة لوالدة الالة للتدبير الالهي                            (انجيل عشية والقداس )

 

 

الكنيسة في قراءات اليوم

 

أهمّية كلمة الله والتوبة                                                            إنجيل عشيّة

الصليب أساس الفداء والتبرير                                                   الكاثوليكون

موهبة النبوّة للمرأة                                                                الإبركسيس

التجديف علي الروح القدس                                                    إنجيل القدَّاس

مكانة والدة الإله                                                                   إنجيل القدَّاس

 

 

أفكار مقترحة لعظات

 

(١ ) نموذج الطاعة

١- الطاعة لكلمة الله ولوصاياه   ” طوبي للذين يسمعون كلام الله ويحفظونه ”                    إنجيل عشيّة

٢- الطاعة تحتاج للحكمة والحذر من الكلمات الخادعة   ” وبكلامهم الطيب وتملقهم يخدعون قلوب السلماء لأن طاعتكم ذاعت إلى الجميع ”                                                                                                البولس

٣- طاعة الزوجة بوداعة لزوجها تكون سبب خلاصه وزينة حياتها أمام الله وفِي عائلتها

” حتي وإن كان البعض لا يطيعون الكلمة يُربحون بسيرة النساء بدون كلمة … زينة الروح القدس الهادئ الوديع الذي هو قدّام الله كثير الثمن … يزين أنفسهن خاضعات لرجالهن ”                                             الكاثوليكون

٤- الطاعة تقود لحياة التسليم حتى قبول الموت لأجل الله   ” لأني مستعد ليس أن أربط فقط، بل أن أموت أيضاً في أورشليم لأجل اسم الرب يسوع ولما لم يُقْنَع سكتنا قائلين لتكن إرادة الرب ”                       الإبركسيس

٥- الطاعة الكاملة لإرادة الله تجعلنا أعضاء في عائلته

” لأن من يصنع إرادة الله هو أخي وأختي وأمي ”                                                        إنجيل القدَّاس

(٢) من هي أمي

من هي أمي ومن هم إخوتي … لأن من يصنع مشيئة أبي الذي في السموات هو أخي وأختي وأمي “(مت١٢: ٤٨- ٥٠)

يظن إخوتنا البروتستانت أن هذا الموقف وهذه الآية تكفي لإنكار تكريم والدة الإله ولا يعرفون أن كنيستنا المقدسة بعمق غني الروح فيها إختارت هذا الموقف لتؤكد على كرامة والدة الإله

نعم عند النظرية السطحية السريعة يمكن ان يفهم ذلك لكن دراسة النص الكتابي بعمق ومقارنته بنصوص أخري يُظْهِر بوضوح مجد والدة الإله

فلنتوقف معاً عند الثماني محطات في العهد الجديد التي يعلن فيها الوحي الإلهي من هي والدة الالة

١- المحطّة الأولي

الروح القدس يحل عليك وقوّة العلي تظللك فلذلك أيضا القدّوس المولود منك يدعي ابن الله (لو١ : ٣٥)

هذه أول وأعظم محطّة – إعلان رئيس الملائكة عن تدبير سر التجسد ومن هو المولود – القدّوس – ومن هي أمّه (أم القدّوس ) فمن هي التي اختارتها السماء لتكون مسكن للروح القدس وتظلّلها قوة العلي ويخرج من أحشائها القدّوس الأسد الخارج من سِبْط يهوذا ومخلّص العالم

٢- المحطّة الثانية

فمن أين لي هذا أن تأتي أم ربي إليّ (لو١: ٤٣)

هذه شهادة أليصابات عن شخصية والدة الإله وهذه الشهادة ليست من شخص ولا بإرادته البشرية لأنه ” لم تأت نبوّة قط بمشيئة إنسان، بل تكلّم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس (١بط ١: ٢١)

وهذا واضح في النص الكتابي ” وامتلأت إليصابات من الروح القدس وصرخت بصوت عظيم وقالت … (لو١: ٤١ -٤٢)

أي أن كلام إليصابات وإعلانها وشهادتها هو إعلان وشهادة الروح القدس عن ” أم ربي ”

٣- المحطّة الثالثة

فهوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوبني (لو١: ٤٨)

تأكيدا على غياب المشيئة الإنسانية في إعلان الكتاب المقدس وقيادة الروح لكل حرف وليس فقط كل كلمة يتضح لنا أن ما قالته والدة الإله عن تطويب وتكريم البشرية لها هو إرادة إلهية وتدبير سماوي ووحي الروح القدس وإعلانه

٤- المحطّة الرابعة

ما لي ولَك يا امرأة؟ لم تأت ساعتي بعد (يو٢: ٤)

هذه الآية من يقرأها يتسرّع في الاستنتاج بأن الرب لا يعطي أمّه كرامتها!!

أولا: كلمة يا إمرأة تعني يا سيدة وهي اللقب الطبيعي للمرأة في فلسطين ولبنان وليس كما تُقال وكما تعني في مصر

ثانياً: رغم قول الرب أن ساعته لم تأت بعد لكن لأجل طلب أمّه بدأت الساعة وبدأ طريق الصليب والخلاص

فهل بعد هذا يوجد معترض أو منتقد؟!

فأوّل معجزة عملها السيد كانت نتيجة طلب والدة الإله ليعلن الرب عِظَم مكانتها وعلوّ شأنها

٥- المحطّة الخامسة

” وباركهما سمعان، وقال لمريم أمه: ها إن هذا قد وضع لسقوط وقيام كثيرين في إسرائيل ، ولعلامة تقاوم وأنت أيضا يجوز في نفسك سيف، لتعلن أفكار من قلوب كثيرة “(لو٢: ٣٤ – ٣٥)

هذه شهادة سمعان الشيخ ونبوته عن الخلاص وعن علامة الصليب وعن آلام والدة الإله

٦- المحطّة السادسة

من هي أمي ومن هم إخوتي … لأن من يصنع مشيئة أبي الذي في السموات هو أخي وأختي وأمي (مت١٢: ٤٨- ٥٠)

قال الرب هذه الآية ليعلن سبب كرامة ومكانة أمّه ليس فقط علاقة الجسد لكن حِفْظ كلام الله وَمِمَّا يؤكد هذا شهادة الوحي الإلهي عن والدة الإله ” وأما مريم فكانت تحفظ جميع هذا الكلام متفكرة به في قلبها (لو٢: ١٩)

لذلك اختارت الكنيسة المقدسة هذا النص الكتابي ليكون قراءة إنجيل القداس في أعياد والدة الإله لإظهار عمق معني النص الكتابي وأن كلام الرب لم يكن تقليل من شأنها بل إيضاح سبب وعلّة كرامتها ومكانتها حفظها لكلام الله

٧- المحطّة السابعة

” وكانت واقفات عند صليب يسوع، أمه، وأخت أمه، مريم زوجة كلوبا، ومريم المجدلية

فلما رأى يسوع أمه، والتلميذ الذي كان يحبه واقفا، قال لأمه: يا امرأة، هوذا ابنك

ثم قال للتلميذ: هوذا أمك. ومن تلك الساعة أخذها التلميذ إلى خاصته (يو١٩: ٢٥-٢٧)

هذا الموقف المهيب يكفي في حد ذاته لمن يكون له الحس الإنساني والعمق الروحي أن يعترف بكرامة ومكانة والدة الإله

فعندما يكون الرب في عمق آلامه الجسدية لأجل خلاص العالم وفِي اللحظات الأخيرة لتجسّده وهو عطشان ومتألم جداً وينشغل في قمّة تدبيره الخلاصي بسلامه وأمان أمّه ويسلّمها لتلميذه الحبيب ويقول أي شخص أن والدة الإله دورها الوحيد كان ولادة الرب يسوع وانتهت رسالتها ودورها فهذا يجعلنا نشفق على سطحية إدراكه وإبتعاده عن روح الكتاب ووضوح معانيه

وإذا كانت العلاقة فقط جسدية فلماذا ذكرها الوحي الإلهي وسط الكلام عن الخلاص العظيم وفِي قمّة آلام مخلِّص العالم؟!!

٨- المحطّة الثامنة

هؤلاء كلهم كانوا يواظبون بنفس واحدة على الصلاة والطلبة، مع النساء، ومريم أم يسوع، ومع إخوته (أع ١٤:١)

صعد الرب بالجسد للسماء وأخذ يوحنا الرسول والدة الإله إلى منزله فلماذا يهتم الوحي الإلهي بذكر إسمها وحدها ويميّزها عن كل النساء ويربط إسمها بالآباء الرسل؟!!

أليس هذا تأكيداً علي كرامتها ومكانتها في الكنيسة المقدسة؟!

وإذا كان دورها إنتهي بالتجسد فلماذا يحرص الوحي الإلهي على لفت نظرنا لحضورها مع الآباء الرسل الصلوات التي سبقت حلول الروح يوم الخمسين؟

هل يوجد بعد هذا كلام عن لماذا نكرّمها ولماذا نعطيها كرامة ولقب والدة الإله؟!

 

 

 

عظات ابائية

 

والدة الإله في فكر البابا أثناسيوس الرسولي

 

« أيتها العذراء العالية أنت بالحقيقة أعظم من كل عظمة أخرى

من يساويك في العظمة. أنت مسكن الله الكلمة؟

بمن أقارنك في كل المخلوقات أيتها العذراء؟ أنت أعظم من الجميع.

یا تابوت العهد، مكسوة بالنقاوة بدلا من الذهب.

أنت هي التابوت الذي وجد فيه القسط المحتوى على المن الحقيقي الذي هو الجسد المتحد باللاهوت.

هل أشبهك بالأرض الخصبة المثمرة ؟ انك فقتيها جدا لأنه مکتوب “الأرض موطىء قدمی” (أش١:٦٦).

لقد حملت داخلك كل جسد الله بكماله. .

اذا قلت ان السماء ممجدة فهي لا تساويك لأنه مکتوب “السموات هي عرشی” (أش ٦٦: ١٠)

بينما أنت مكان راحته !

إذا قلت إن الملائكة ورؤساء الملائكة عظماء، فأنك أعظم منهم جميعا لأن الملائكة ورؤساء الملائكة يخدمون الذي سكن في أحشائك وهم مرتعدون !

لا يجرأون على التكلم في حضرته وأنت تناجينه بحرية، اذا قلنا إن الشاروبيم عظماء فأنت أعظم منهم جميعا، لأنهم يحملون عرش الله (مز١:٨٠)، (مز ٩٩: ١) بينما أنت تضمينه بيديك في حضنك، إذا قلنا إن السيرافيم عظماء فأنت أعظم منهم جميعا، لأن السيرافيم تغطى وجوهها بأجنحتها (أش٦: ٢) ولا تستطيع أن تنظر إلى مجده الكامل ولكنك ليس فقط تتفرسين فيه بل تطعمينه وتعطيه ثدييك في فمه القدوس.

إن حواء قد صارت أم للأموات “لأنه في آدم يموت الجميع” (کو١٥: ١-٢٢)

لقد أخذت حواء من ثمر الشجرة وأعطت رجلها فأكل معها، أكلوا من الشجرة التي قال الله لها عنها “يوم تأكلان منها موتا تموتا” (تك١٧:٢) لقد أخذت حواء من ثمرتها وأكلت منها وأعطت لرجلها ليأكل فأكل ومات.

وفيك أيتها الحكيمة سكن ابن الله ذاك الذي هو شجرة الحياة. لقد أعطانا جسده بالحقيقة فأكلنا منه ووهبت الحياة للكل. جاء الكل إلى الحياة بنعمة الله، ابنك الحبيب، لأجل ذلك تتهلل روحك بالله مخلصك[1]».

 

 

القديس غريغوريوس النيسي

 

لأن من يصنع مشيئة الله هو أخي وأختي وأمي ” ، وهى عروس الرب لأنها قريبة جدا اليه ومتحدة معه

أختى العروس جنة مغلقة :

هنا يمدح العريس عروسه ويقول لها أختي … ثم يقول لها أيضا العروس هي أختي لأنها تصنع مشيئته ” لأن من يصنع مشيئة الله هو أخي وأختي وأمي ” (مر٣ : ٣٥) وهى عروس الرب لأنها قريبة جدا اليه ومتحدة معه . وهى جنة مزدهرة لأنها تحمل في داخلها كل أنواع الأشجار المثمرة الجميلة، حيث يوجد فيها التين الحلو والزيتون المثمر والنخيل العالي والكرمة المملوءة بالعناقيد ولا يوجد فيها أي أشواك أو أشجار غير مثمرة .

تلك الحديقة التي تحدث عنها أشعياء النبي فقال ” عوضا عن الشوك ينبت سرو وعوضا عن القريس يطلع آس (نبات عطرى له رائحة حلوة) ويكون للرب أسما علامة أبدية لا تنقطع ” (أش٥٥ : ١٣)

قال داود النبى عن تلك الحديقة ” الصديق كالنخلة يزهو كالأرز في لبنان ينمو . مغروسين في بيت الرب في ديار الهنا يزهرون ”

(مز ٩٢ : ١٢-١٣) وقال أيضا داود النبي ” أما أنا فمثل زيتونة خضراء في بيت الله ” (مز٥٢ : ٨) وقال أيضا داود المرنم ” أمرأتك مثل كرمة مثمرة في جوانب بيتك ” (مز ١٢٨ : ٣) وتحدث ميخا النبي عن جنة النفس أيضا فقال ” بل يجلسون كل واحد تحت كرمتة وتحت تينته ولا يكون من يرعب لأن فم رب الجنود قد تكلم ” (ميخا ٤ : ٤). وليس من الضروري أن نشرح المعنى الرمزي لكل من هذه الأشجار ولكن واضحا لكل أحد أن الثمر الحلو الذى لشجرة التين ، فهي في الأول تكون الثمرة مرة وعصيرها لاذع ولا يمكن أن نأكلها ولكنها بعد أن تنضج تصير ثمرة لذيذة ومبهجة لكل حواس الروح . ووفرة محصول الزيتون الذى نجنية من أشجار الزيتون يكون أولا مر ولكن بعد أن يأخذ العناية الوافرة ويتحول الى زيتون حقيقي ويؤخذ زيته للإضاءة وللدهن حتى يخفف الآلم ويعطى الراحة ويستعمل في سر الميرون . أما ثمار النخيل فهي عالية جدا وبعيدة عن الأرض ويصعب على اللصوص أن يسرقوه ولنلاحظ أيضا رائحة الكرم الجذابة ورائحة السرو وحلاوة التين ونستطيع أن نأخذ معنى رمزي من كل هذه الأشجار وهى أن تمتلئ النفس بثمار الفضائل المختلفة وتصير مثل الحديقة المثمرة . أما معنى أن الحديقة مغلقة فهو وجود سور يحيط بها من كل ناحية وذلك السور هو الوصايا الالهية حتى لا يستطيع أى لص أو حيوان أن يتسلل داخلها ويفسد أشجارها . وسياج النفس من كل جانب بالوصايا الالهية يجعلها حديقة قوية في أسوارها ،تلك النفس التي قال عنها العريس ” أختي العروس جنة مغلقة ” (نش ٤ : ١٢)

ولذلك يقول المزمور ” يا اله الجنود أرجعن اطلع من السماء وأنظر وتعهد هذه الكرمة والغرس الذى غرسته يمينك والابن الذى أخترته لنفسك ” (مز٨٠ : ١٤ -١٥).

ندى الليل :

” أفتحى لي يا أختي يا حبيبتي يا حمامتي يا كاملتي لأن رأسي امتلأ من الطل ( الندى ) وقصصي ( شعر رأسي ) من ندى الليل ” (نش ٥ : ٢) لكى نفهم هذا النص علينا أن نرجع الى حياة موسى النبي، لأن رؤية موسى لله قد بدأت بالنور ( خر ٢٠ : ٢١ ) ثم تحدث الله معه بعد ذلك في السحاب (خر٢٠ : ٢١) ولكن حين تقدم موسى بعد ذلك في حياة الكمال رأى الله فى الظلام (خر٢٤ : ١٥ – ١٨).

وما نتعلمه هنا هو أن بداية معرفتنا لله هو تحولنا من الظلمة الى النور ثم بعد ذلك نقترب الى الأشياء المختفية عنا حيث تسير الحواس من العالم النظور الى العالم غير المنظور وهذا الصعود الى أعلى هو السحاب الذى يظللنا وحين تتعود النفس النظر الى الأشياء غير المنظورة فأنها سوف تصنع تقدما وتصعد الى أعلى وتترك كل الطبيعة البشرية خلفها كل ما يمكن أن تعرفه أو تدركه خلال الحواس وتتمسك فقط بغير المنظور وغير المدرك حيث يوجد الله (خر٢٠: ٢١) لأن موسى ذهب الى السحاب المظلم حيث يوجد الله .

والأن نريد أن نربط النص الذي في سفر النشيد بما هو خاص بموسى النبي. العروس سبق أن كانت سوداء (نش١: ٦) وحين كانت مظلمة بالتعاليم الغامضة ولكن أشرقت عليها الشمس وافأت البذور ونما الزرع وزالت التجارب وانتصرت النفس بتلك القوة التى أخذتها ولكنها لم تستطع أن تمسك بالكرمة (نش ٦: ١) لأنها لم تفهم ذاتها لذلك سارت خلف قطيع الماعز بدلا من الخراف . ولكن حين أنفصلت عن الخطية وخلال القبلة الزوجية اقترب فمها من مصدر النور (نش١: ٢) وأصبحت جميلة ومتسمة بالحب والسعادة ومتوهجة بنور الحق وتطهرت من ظلام الجهل.

ثم شبهت بالحصان لسرعة تقدمها (نش ٩: ١) وشبهت بالحمامة لذكاء عقلها . انها مثل الفرس لأنها جرت وتركت كل ادراكات الحواس والعقل ، وعلت وحلقت مثل الحمامة حتى جاءت لكى تستريح تحت ظل شجرة التفاح (نش٢ : ٣) وأصبح يظللها شجر التفاح بدلا من السحاب . ثم تأتى الى ظلام الليل (نش ٣: ١) حيث يقترب اليها عريسها ولكن دون أن يكشف لها ذاته . ولكن كيف يستطيع غير المنظور أن يكشف ذاته فى الظلام ؟

ذلك لأنه سوف يعطى العروس حواسا روحية من عنده بينما هو يخلصها من سلطان الحواس ولكنه يظل مختفيا عنها . ولكن ما هو اختبار تلك النفس في الليل؟ ان العريس الكلمة يلمس الباب (نش ٥: ٢) وعن طريق الباب هنا نستطيع أن نفهم بحث الانسان عن الأمور الروحية المختلفة وخلال معرفته بشوقنا عما نسأله فانه يدخل الينا . لأن الحق يقف خارج باب أنفسنا لأننا مازلنا نعرف بعض المعرفة كما يقول بولس الرسول ” الآن أعرف بعض المعرفة لكن حينئذ سأعرف كما عرفت ” (١كو ١٣: ١٢) ثم يقرع العريس على الباب بسر ورمز ويقول ” أفتحى ” وعن طريق رسالته التي يحثنا فيها فانه يقترح علينا كيف تفتح الباب، أنه يعطينا مفاتيح محددة هي الكلمات الجميلة التي في هذا النص والتي بها نستطيع أن نفتح الباب.

والمفاتيح التي بها تستطيع أن نفتح الأسرار هي تلك الكلمات ، أختي ، حبيبتي  ، كاملتي . واذا فتحت الأبواب التي في أنفسنا عندئذ سوف يدخل الينا ملك المجد (مز ٢٤: ٧) وكأن العريس يقول لها يجب أن تصيري أختي بأن تكملي مشيئتي في نفسك وفقا لنص الانجيل المقدس فان ” من يصنع مشيئة أبى الذى في السموات هو أخي وأختي ” (مت٥٠:١٢) ثم يجب أن تقترب النفس من الحق وتحبه ولا شيء يفصلنا عنه حتى تصير حبيبته ، ثم يجب أن تسلك في الكمال وتصير مثل الحمامة في الطهارة والبراءة ولا تسقط في أي نجاسة . واذا أخذت الروح هذه المفاتيح وصارت أختا وعروسا وحبيبة وحمامة وكاملة فان المكافأة في استقبال العريس ودخوله الى بيتها هو الندى الذى فوق رأسه وقطرات الندى التي فوق شعره .

وهنا الندى رمز للشفاء أما قطرات الندى الساقطة من شعر رأسه فهي ترمز الى البركات التي تأتى الينا من خلال القديسين ، لأن قصص الشعر تشير الى الأنبياء والرسل والانجيليين لأن كل هؤلاء أصبحوا مثل الأنهار فهم يجلبون لنا المياه من الكنوز المخفية خلال التعاليم العميقة وتصير هذه التعاليم كأنها مجرد نقطة من الندى اذا ما قورنت بالحق كله ، بولس الرسول كان مجرد نهر وهو صعد الى الفردوس الى السماء الثالثة الى تلك الأسرار التي لا ينطق بها ولكن كل ما استطاع بولس الرسول أن ينطق به ببراعته وبلاغته هو مجرد نقطة من الندى وكأنه لم ينطق بأي شيء اذا ما قورن بالحق الذى هو المسيح الكلمة ولذلك يقول ” الأن أعرف بعض المعرفة ان كان أحد يظن أنه يعرف شيئا فانه لم يعرف شيئا بعد كما يجب أن يعرف ” (١كو ١٣ : ١٢) (١كو ٨ : ٢) ، والآن اذا كان مجرد الندى والقطرات التي تتساقط من شعره هي أشبه بالأنهار والبحار والفيضانات اذا ما قورنت بقدراتنا فكم وكم يكون تفكيرنا في نبع الماء نفسه لأنه يقول ” ان عطش أحد فليقبل الى ويشرب ” (يو ٣٧ : ٧)

وكل الذين ينصتون يجب أن يتعجبوا بالمقارنة بين قطرات الندى التي تصنع أنهار وما يمكن أن يصنعه ذلك النهر الكبير الذى بلا حدود الذى هو المسيح.[2]

 

 

 

مفهوم التجديف على الروح القدس حسب تعليم القديس أغسطينوس

 

عطيّة الله الأولى في الروح القدس هي “مغفرة الخطايا”؛ هذا ما بدأت به بشارة يوحنا المعمدان السابق للرب… قائلًا “توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السماوات” (مت 3: 1-2)، وهو أيضًا ما بدأ به ربّنا بشارته (مت 4: 17).

ومن الأمور التي تحدّث بها يوحنا إلى الذين جاءوا ليعتمدوا منه قوله: “أنا أعمِّدكم بماء للتوبة ولكن الذي يأتي بعدي هو أقوى منّي، الذي لست أهلًا أن أحمل حذاءه، هو سيعمّدكم بالروح القدس ونار” (مت3: 11). وقال الرب أيضًا: “يوحنا عمّد بالماء وأما أنتم فستعمِّدون بالروح القدس، ليس بعد هذه الأيام بكثير” (أع1: 5)… فالنار بالرغم من إمكان فهمها على أنها الضيقات التي يتحمَّلها المؤمنون من أجل المسيح، لكن من المعقول هنا أن المقصود بها الروح القدس نفسه. لذلك عندما حلّ الروح القدس قيل: “وظهرت لهم ألسنة منقسمة كأنها من نار واستقرّ ت على كل واحد منهم” (أع 2: 3).

وقد قال الرب نفسه: “جئت لأُلقي نارًا على الأرض” (لو 12: 49)، ويقول الرسول: “حارِّين في الروح” (رو 12: 11)، لأن من الروحالقدس (النار) تأتي غيرة (حرارة) الحب، “لأن محبّة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المُعطَى لنا” (رو 5: 5)، وعلى العكس قالالرب: “تبرد محبّة الكثيرين” (مت 24: 12). إذن الحب الكامل هو عطيّة الروح القدس (النار) الكاملة، لكن عطيّته الأولى هي غفران الخطيّةالتي بها أنقذنا من سلطان الظلمة (كو 1: 13)، ومن رئيس هذا العالم (يو 12: 31) الذي يعمل الآن في أبناء المعصية (أف 2: 2)… فالروحالقدس الذي به يجتمع شعب الله في واحد يُطرد الروح الشرّير المنقسم على ذاته

[فالقلب غير التائب ينطق بكلمة ضدّ الروح القدس، ضدّ هذه العطيّة المجّانيّة، وضد النعمة الإلهيّة. عدم التوبة هو التجديف على الروح القدسالذي لن يغفر لا في هذا العالم ولا في الآتي

[عدم التوبة أو القلب غير التائب أمر غير مؤكّد طالما لا يزال الإنسان حيًا في الجسد. فعلينا ألا نيأس قط من إنسان مادامت أناة الله تقودالشرّير إلى التوبة، ومادام الله لم يأخذه سريعًا من هذا العالم: “هل مسرَّةً أُسرُّ بموت الشرّير يقول الرب، إلا برجوعه عن طرقه فيحيا؟!” (حز18: 23). قد يكون الإنسان اليوم وثنيًا لكن من أدراك فقد يصبح مسيحيًا في الغد… ليحثك الرسول أيها الأخ قائلًا: “لا تحكموا في شيءقبل الوقت” (1كو 4: 5)… أكرّر قولي بأن التجديف لا يمكن أن يثبت على إنسان بأي حال من الأحوال مادام على قيد الحياة.

[حقًا إن كل خطيّة وتجديف يُغفر للبشر ليس فقط، ما يقال ضدّ ابن الإنسان. فمادامت لا توجد خطيّة عدم التوبة، هذه التي توجّه ضدّ الروحالقدس الذي به تغفر الكنيسة جميع الخطايا، فإن جميع الخطايا تُغفر… إن قول رب المجد: “من قال كلمة على ابن الإنسان يُغفر له وأما منقال على الروح القدس فلن يُغفر له” لا يعني أن الروح القدس أعظم من الابن، فإنّنا لم نسمع عن هرطقة نادت بهذا. إنّما يُقصد بهذا أن منيقاوم الحق ويجدّف عليه، أي على المسيح بعد إعلانه عن ذاته بين البشر، إذ “صار جسدًا وحلّ بيننا” (يو 1: 14)… ولم يقل كلمة على الروحالقدس أي عاد فتاب عن مقاومته وتجديفه على المسيح فإن خطاياه تغفر له… الروح القدس مساوٍ للآب والابن الوحيد في الجوهر حسبلاهوته

[لقد شرح الرب بوضوح ما رغب أن يعرِّفنا إيّاه: وهو أن من يجدف على الروح القدس -أي يقاوم بعدم توبته- ويقاوم وحدة الكنيسة التيفيها يعطي الروح القدس مغفرة الخطايا، لا يأخذ هذا الروح القدس… ولئلا يظن أحد أن ملكوت المسيح منقسم على ذاته بسبب هؤلاء الذينيجتمعون في جماعات شاذّة خارج الحظيرة تحت اسم المسيح، لذلك أردف قائلًا: “من ليس معي فهو عليّ ومن لا يجمع معي فهو يفرق” (مت 12: 30) … فالذي يجمع بدون المسيح، مهما جمع باسمه لا يكون معه الروح القدس. وبهذا يجبرنا على أن نفهم بأنه لا يتمّالغفران عن أي خطيّة أو تجديف -بأي حال من الأحوال- إلا باتّحادنا معًا في المسيح الذي لا يفرق.[3]

 

 

 

معني التجديف علي الروح القدس عند القديس كيرلس الأسكندري

 

الاعتراف بالمسيح وإنكاره

(لو١٢: ٨ – ١٠) ” وأقول لكم كل من اعترف بي قدام الناس يعترف به قدام الناس يعترف به ابن الإنسان قدام ملائكة الله . ومن أنكرنى قدام الناس ينكر قدام ملائكة الله . وكل من قال كلمة على ابن الإنسان يغفر له وأما من جدف على الروح القدس فلا يغفر له ” .

هنا أيضاً يا من تحبون أن تسمعوا ، املأوا نفوسكم بكلمات القداسة ، اقبلوا في داخلكم معرفة التعاليم المقدسة لكى إذا تتقدمون بنجاح في الإيمان ، فأنكم تحصلون على أكليل المحبة والثبات في المسيح ، لأنه يمنحه ليس لضعاف القلوب التي تهتز بسهولة ، ولكن بالأولى لأولئك الذين يستطيعون أن يقولوا بحق ” لي الحياة هي المسيح والموت هو ربح ” (في١ :٢١) . لأن هؤلاء الذين يعيشون بقداسة، يعيشون للمسيح، أولئك الذين يحتملون الأخطار لأجل التقوى يربحون الحياة غير الفاسدة ، إذ يكللون معه أمام منبر قضائه . هذا هو ما يعلمنا إياه بقوله: ” كل من اعترف بي قدام الناس يعترف به ابن الإنسان أيضاً قدام ملائكة الله ” .

إذن فهو شيء يعلو فوق كل الأشياء الأخرى وهو جدير بانتباهنا، أن نفحص من هو الذى يعترف بالمسيح ، وبأية طريقة يمكن أن يعترف بالمسيح ، بأية طريقة يمكن أن يعترف به بحق وبلا لوم ، لذلك فإن بولس  الحكيم جداً يكتب لنا : ” لا تقل في قلبك من يصعد الى السماء ؟أي ليحدر المسيح ، أو من يهبط إلى الهاوية ؟ أي ليصعد المسيح من الأموات، لكن ماذا يقول الكتاب ؟ الكلمة قريبة منك ، في فمك وفى قلبك، أي كلمة الإيمان التي تكرز بها ، لأنك إن اعترفت بفمك بأن يسوع هو الرب وآمنت بقلبك أن الله أقامه من الأموات فسوف تحيا، ” لأن بالقلب يؤمن الإنسان للبر وبالفم يعترف للخلاص ” (رو١٠ : ٦- ١٠) .

يشرح الرسول بهذه الكلمات سر المسيح بطريقة ممتازة جداً. فأول كل شيء يجب أن نعترف أن الأبن المولود من الله الآب ، هو الابن الوحيد لجوهره ، وأنه هو الله الكلمه  وهو رب الكل ، وليس كمن وهبت له الربوبية من الخارج ، بالانتساب ، بل هو الرب بالطبيعة وبالحق مثل الآب تماماً ، ويجب بعد ذلك أن نؤمن أن ” الله أقامه من الأموات ” أي أنه عندما صار إنسانًا ، فإنه قد تألم من أجلنا بالجسد ، ثم قاممن  الأموات .

فالابن إذن – كما قلت – هو رب، ولكن لا يجب أن يحسب بين أولئك الأرباب الآخرين الذين يعطى لهم وينسب إليهم اسم الربوبيه ، لأنه – كما قلت – هو وحده الرب بالطبيعة ، لكونه الله الكلمة ، الذى يفوق كل شيء مخلوق ، وهذا ما يعلمنا إياه الحكيم بولس بقوله : ” لأنه وإن وجد ما يسمى آلهه في السماء أو على الأرض – كما يوجد آلهه كثيرون وأرباب كثيرون – لكن لنا إله واحد الآب الذى منه جميع الأشياء ونحن منه ، ورب واحد يسوع المسيح الذى به جميع الأشياء ونحن به ” (١كًو ٨ : ٦) .

ولكن رغم أنه يوجد إله واحد الذى اسمه الآب ، ورب واحد الذى هو الابن ، ولكن لا الآب كف عن أن يكون رباً بسبب كونه الله بالطبيعة ، ولا الابن توقف عن أن يكون هو الله بسبب كونه رب بالطبيعة ، لأن الحرية الكاملة هي صفة الجوهر الإلهي الفائق وحده ، وأن يكون بعيداً عن نير العبودية ، أو بالأحرى فإن الخليقة تكون خاضعة تحت قدميه ، لذلك رغم أن كلمة الله الوحيد الجنس صار مثلنا ، وإذ اتخذ قياس الطبيعة البشرية ، فإنه وضع تحت نير العبودية ، لأنه دفع عن قصد – الدرهمين لجباة الضرائب اليهود بحسب ناموس موسى ، إلا أنه لم يخبئ المجد الذى سكن فيه ، لأنه سأل المغبوط بطرس ” ممن يأخذ ملوك الأرض الجباية أو الجزية ، أمن بنبيهم أم من الأجانب ؟ ولما قال من الأجانب، عندئذ أجابه : إذن البنون أحرار ” (مت ١٨ : ٢٥- ٢٦) .

كذلك فالابن في طبيعته الذاتية هو رب لأنه حر، كما يعلمنا الحكيم بولس أيضاً ويكتب :  ” ونحن جميعاً ناظرين مجد الرب بوجه مكشوفكما في مرآه نتغير إلى تلك الصورة  عينها من مجد إلى مجد كما من الرب الروح ” (٢كو ٣ : ١٨) ” وأما الرب فهو الروح ، وحيث روح الرب فهناك حرية ” (٢كو ٣ : ١٧) .

لذلك لاحظ كيف يؤكد أن الروح هو رب. لا كمن يملك البنوة إذ إنه هو الروح وليس الأبن ، بل لكونه واحداً مع الأبن في الجوهر ، الذى هو ربوحر ، وقد تبرهن بهذه مساواة الطبيعة معه أن تلك الحرية التي تليق بالله .

إذن  فمن يعترف بالمسيح أمام الناس أنه إله ورب ، فسوفيعترف به المسيح أمام ملائكة الله ولكن متى ؟ واضح أنه في الوقت الذى سوف ينزل فيه من السماء في مجد أبيه مع الملائكة القديسين عندنهاية هذا العالم  ، وعندئذ سوف يكون يكلل المعترف الحقيقى به ، الذى له إيمان  غير متزعزع وأصيل ، وهكذا يقدم اعترافه ، وهناك أيضاًسوف يضئ جماعة الشهداء القديسين الذين احتملوا الضيقات كل الحياة وحتى الدم ، وكرموا المسيح باحتمالهم وصبرهم ، لأنهم لم ينكرواالمخلص ، ولا كانوا يجهلون مجده ، بل احتفظوا بولائهم له . مثل هؤلاء  سوف يمدحون من الملائكة القديسين الذين أيضاً سوف يمجدونالمسيح مخلص الجميع ، لأنه منح القديسين تلك الكرامات التي تحق لهم بنوع خاص ، وهذا ما يعلنه المرتل أيضاً ، ” وتخبر السماوات بعدله، لأن الله هو الديان ” (مز ٤٩ : ٦) ، وهذا سوف يكون نصيب أولئك الذين يعترفون به .

أما الباقون الذين أنكروه واحتقروه ، فسوف ينكرهم ، عندما يقول لهم الديان ، كما تكلم  أحد الأنبياء القديسين في القديم : ” كما فعلت سيفعل بك ، وعملك يرتد على رأسك ” ( عوبديا ١٥ ) وسوف ينكرهم بهذه الكلمات : ” اذهبوا عنى يا فاعلى الاثم ، إننى لست أعرفكم ” (لو١٣ : ٢٧) . من هم هؤلاء الذين سوف ينكرهم ؟ أولاً : هم أولئك الذين عندما ضغط عليهم الاضطهاد ولا حقتهم  المحن . تركوا الإيمان . إن رجاء مثل هؤلاء سوف يفارقهم تماماً من جذوره ولمثل هؤلاء لا تكفي كلمات بشرية لوصف حالتهم  ، لأن الغضب والدينونة والنار التي لا تطفأ سوف تبتلعهم . وبطريقة مماثلة  ،فإن معلمي الهرطقة وتابعيهم ينكرونه لانهم يجترئون ويقولون إن كلمة الله الوحيد الجنس ليس هو الله بالطبيعة وبالحق ، ويطعنون في ولادته التي لا ينطق بها ، بقولهم إنه ليس من جوهر الآب ، بل وبالأحرى يحسبون من هو خالق الكل ضمن الأشياء المخلوقة . ويصنفون ذلك الذى هو رب الكل مع أولئك  الذين هم  تحت نير العبودية ، رغم أن بولس يؤكد أننا يجب أن نقول إن ” يسوع رب ” ( في ١١ ) .

كما أن تلاميذ ” ثرثرة نسطور يوس الباطلة ” أيضاً ينكرونه بقولهم بابنين ، واحد زائف ، والأخر حقيقى : الحقيقى هوكلمة الآب ، والزائفهو الذى يملك كرامة واسم ابن بالأنتساب فقط . وهو بأسلوبهم هذا فقط هو ابن ، ونبت من نسل المبارك داود بحسب الجسد . إن دينونةهؤلاء أيضاً هي ثقيلة جداً ، لأنهم ” ينكرون الرب الذى اشتراهم ” (٢بط٢ :١) ولم يفهموا سر تدبيره في الجسد ، لأنه يوجد ” رب واحدوإيمان واحد كما هو مكتوب (اف٤ : ٥) .

فنحن لا نؤمن بإنسان  وبإله ، ولكن برب واحد الكلمة الذى هو من الله الآب  ، الذى صار إنساناً واتخذ لنفسه جسدنا . فلذلك فإن هؤلاءأيضاً يحسبون ضمن من ينكرونه .

وقد علمنا الرب أن التجديف هو جريمة عظيمة جداً يرتكبها الناس ، بقوله أيضاً : ” كل من قال كلمة على ابن الإنسان يغفر له ، وأما منجدف على الروح القدس فلا يغفر له ” .

فبأية طريقة يجب أن نفهم هذا أيضاً ، إذا كان المخلص يقصد هذا ، وهو إنه إذ استعملت كلمةاحتقار من أي إنسان منا تجاه إنسان عادى فإنه سوف يحصل على الغفران إذا ما تاب فإن الأمر يكون خالياً من أي صعوبة ، لأن الله إذهو صالح بالطبيعة ، فإنه سوف يبرئ من كل لوم جميع الذين يتوبون . ولكن إن كان التجديف موجه إلى المسيح نفسه ، مخلص الكل فكيف يمكن أن يتبرأ أو ينجو من الدينونة ذلك الذى يتكلم ضده ؟ فما نقوله إذن هو هذا : أي شخص ، لم يتعلم بعد معنى  سر المسيح ، ولم يفهمأنه إذ هو بالطبيعة الله ، وقد وضع نفسه ونزل إلى حالتنا ، وصار إنساناً ، ثم يتكلم هذا الإنسان ، أي شيء ضده ( المسيح ) ، ويجدف لحدما ، ولكن ليس بدرجه الشر التي تفقده الغفران ، فالله سوف يغفر لأولئك الذين أخطأوا عن جهل .

ولكى أوضح ما أعنيه بمثال . فإن المسيح قال في موضع ما : ” أنا هو الخبز الحى النازل من السماء والمعطى الحياة للعالم ” (يو ٦ : ٥١) . لذلك فبسبب أن البعض لم يعرفوا مجده، بل ظنوا أنه إنسان ، فإنهم قالوا ” أليس هو ابن النجار الذى نحن عارفون بأبيه وأمه ، فكيف يقول إنى نزلت من السماء ؟ ” . وفى مرة آخري بينما كان واقفاً يعلم في المجمع حتى تعجب منه الجميع ، لكن البعض  قالوا : ” كيف هذا يعرف الكتب وهو لم يتعلم  ” (يو ٧ : ١٥) ، لأنهم لم يكونوا يعرفون طبعاً أن ”  فيه مذخر كل كنوز الحكمة والعلم ” (كو ٢ : ٣) . مثل هذه الأمور يمكن أن تغفر، إذا قيلت بتهور عن جهل .

أما من جهة  أولئك الذين قد جدفوا على اللاهوت نفسه فإن الدينونة محتمه والعقاب ابدى في هذا العالم وفى الآتى . لأنه يقصد بالروح هنا ليس فقط الروح القدس ولكن كل طبيعة الألوهه، وكما هو معروف إنها هي طبيعة الآب والأبن والروح القدس . والمخلص نفسه يقول في مكان ما : ” الله روح ” (يو٤ : ٢٤) . فالتجديف على الروح هو على كل الجوهر الفائق ، لأنه كما قلت ، إن طبيعة الألوهه كما أعلنت لفهمنا  هي الثالوث القدوس المسجود له الذى هو واحد . ليتنا إذاً كما يقول يشوع ابن سيراخ في حكمته : ” نضع باباً ومزلاجاً للسان ” (يشوع ابن سيراخ ٢٨ : ٢٥) ، ونقترب بالأكثر نحو الله ولنقل : ” ضع يارب حافظاً لفمى وباباً حصيناً لشفتى ”  ، ولا تمل قلبى إلى كلام الشر ” (مز١٤٠ : ٣) . لأن تلك التجاديف هي كلمات رديئه ضد الله . وهكذا إن كنا نخاف الله حقاً فالمسيح سوف يباركنا ، الذى به ومعه لله الآب التسبيح  والسلطان مع الروح  القدس إلى دهر الدهور أمين[4] .

 

 

عظات آباء معاصرين

 

قداسة البابا تواضروس

 

المشيئة الإلهية:

لم يكن للسيد المسيح إخوة من العذراء مريم، بل كان له أولاد خالة من أخت العذراء مريم زوجة كلوبا، وهم الذين دعوا إخوته.

ما هي مشيئة الله؟

١-خلاصنا : الله يريد جميع الناس يخلصون ولمعرفة الحق يقبلون

٢- قداستنا : هذه إرادة الله قداستكم

٣- خيرنا : كل الأشياء تعمل معا للخير للذين يحبون الله (رو۸ : ۲۸)

ما هو واجبنا تجاه مشيئة الله؟

١- التعرف عليها: بالصلاة – بالكتاب – بالمشورة

٢- ألا ننسب إليها أمور لا تتفق معها

٣- تقديمها على مشيئة الناس أو مشيئتنا الخاصة؛ لأنه ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس. ولذا نقول باستمرار: «لتكن مشيئتك»

بركات مشيئة الله:

سعادتنا / رفع مقامنا / تأهيلنا للملكوت / حياة الثبات (۱یو۲: ۱۱).

القريب إلى الله هو من يصنع الخير.

المسيح والكتبة:

يقدم مرقس الإنجيلي هنا رأي الكتبة الرسمي حول يسوع: كانوا لا ينكرون حقيقة العجائب ولكنهم يحاولون أن يفسروها على أنها نتيجة لتعامله مع رئيس الشياطين.. إنهم يحورون الحقيقة لكي يقللوا من حماس الشعب.

* إن الشيطان هو «القوي» الذي يسود على الناس ويقيدهم. أما يسوع وهو ابن الله فهو «الأقوى» لأنه

يحرر الناس من عبودية الشيطان.

* إن تحوير هذه الحقيقة من قبل الكتبة هو خطية ؛ لأنها تشكل تجديفا على الروح القدس حيث لا تعترف

بخلاص المسيح.

* إن من يفعل ذلك يكون في حالة قساوة قلب ويحرم نفسه من رجاء التوبة، وبالتالي يحرمها من الغفران.

* كل من يعمل مشيئة الله هو أخوه وأخته وأمه: « لا ينكر أقرباءه بحسب الجسد، لكنه يضيف إليهم أقرباءه بحسب الفصيلة»؛ لأن أقرباء المسيح

الحقيقيون هم الذين يعملون مشيئة الله.

*هناك تضاد ظاهر في الروايتين

١- ممثلو الديانة اليهودية (أقرباء بالجسد) يحدون عمل المسيح ولا يفهمون عمله بل ويعتبرونه خرج عن صوابه

٢- الجالسون حوله (أقرباؤه الجدد) يسمعون تعليمه ويندهشون ثم يتحققون في وجدانهم من أن أعماله هى أعمال المسيا.[5]

 

 

 

المتنيح الأنبا أثناسيوس مطران بني سويف والبهنسا

 

(مت ١٢: ٢٢- ٣٧) التجديف على الروح القدس

انه لا فرق في مركز الأقانيم الثلاثة، ولكن الروح هو الذي يبكتنا على خطايانا ، فان خالفنا نداء تبكيته ، أغلقنا أمامنا باب التوبة وحينئذ لا يكون لنا غفران .

قد يقول انسان ان الله لم يخلق العالم ، بل الطبيعة أوجدت نفسها ولكنه قد يستمع بعد ذلك الى صوت الروح في داخله فيتوب عن ذلك الفكر الذي هو تجديف ضد الآب فيغفر له . وقد يقول آخر ، أن المسيح ليس هو الله ، ولكنه يعود فيستمع لصوت الروح فيه فيتوب عن التجديف ضد الابن فيغفر له. أما اذا رفض صوت الروح نهائيا ، ونسبه الى هواجس مختلفة ، فحينئذ تستحيل التوبة ويكون التجديف على الروح القدس بلا غفران . على أنه لو تاب وعاد الى سماع صوت الله ، فان تلك الخطية تغفر .ولذا قال مار اسحق : ” ليست خطية بلا غفران الا التى بلا توبة”.

ولا يجوز أن يقال عن (الآية ۳۲ ) انها تعني وجود فرصة للتطهير في العالم الآخر ، فليس في كنيستنا أن نقيم عقيدة على مجرد تخيل أو تخمين لأن عقائدنا كلها صريحة من الكتاب ، وليس هناك أساس لفكرة المطهر لأن من يصل الى هناك دون أن يقر بخطيته هنا ويتطهر منها ليس أمامه مجال للتوبة.

ولقد نسب الفريسيون قوة الله للشيطان، فقالوا عن رب المجد أنه يخرج الشياطين ببعلزبول ” وهذا غير معقول لأنه لا قوة تقوى على الشياطين ، الا قوة المسيح .وأولئك الذين يدعون أنهم يخرجون الشياطين وهم بعيدون عن روح المسيح الحقيقية ، يبدون وكأنهم يقيمون محالفات مع الشياطين ، يخدعون الناس بها نظير بعض مظاهر من الراحة التي يعطيها الشيطان لهم، مقابل امتلاكه ایاهم . فهم يطيعونه ويلبون ما يطلب ويخضعون له في كل حياتهم ، في الملبس والمأكل ، والمعاشرات ، وكل شيء وهو طبعا لا يطلب أكثر من ذلك

فلا يكن فينا من يلجا لتلك الوسائل مهما كانت صورتها أو حتي ان تظاهر فاعلوها بالصلاة راجع (تث۹:۱۸ – ١٤).

أما نحن فلنسلم قلوبنا لله ليكون الكنز الداخلي صالحا. وهكذا نتكلم بالصالحات، ولنتسلح بقوة الله لغلبة الشيطان[6]

 

 

 

القديس أبونا بيشوي كامل

 

شجره العائلة

 

اكبر اعياد العذراء:_

نحتفل اليوم بعيد نياحه القديسة العذراء مريم . وأحنا احتفلنا بعيد ميلادها في أول بشنس وبعدين عيد دخولها الهيكل في يوم ٣ كيهك.

وبعدين بقي العيد الثالث والعيد الكبير اللي هو يوم ٢١ طوبه تذكار نياحتها زي ما بيعلمنا الوحي الإلهي بيقول ” انظروا إلي  نهاية سيرتهم وتمثلوا بإيمانهم ” فالكنيسة دايما تقدس عيد النياحة علي اساس ان هو العيد اللي فيه بيكون القديس  كمل جهاده . ويدعوه الله أنه يروح عنده في السماء.

علشان كده كل ٢١ في الشهر القبطي بيبقي تذكار لهذا العيد .تذكار لنياحه الست العذراء. ومن المناسبات اللطيفة التي ستعتز  بها هذه الكنيسة ( كنيسه العذراء بكليوباترا) عبر الاجيال كلها إن هي اتصلى فيها أول قداس في عيد نياحة الست العذراء .. لأن العذراء هي صاحبه الكنيسة. فإحنا النهارده نحتفل بأعياد كثيره عيد العذراء وعيد الكنيسة نفسيها.

من هي امي واخوتي:

وبنعمه ربنا نقرا جزء صغير من إنجيل معلمنا مرقس الاصحاح الثاني لما كان المسيح رب المجد قاعد مع الناس. ومان جمع جالسا حوله ” فقالوا له هوذا  امك واخواتك خارجا يطلبونك فأجابهم قائلا من أمي واخوتي ثم نظر حوله للجالسين وقال ها امي واخوتي لأن من يصنع مشيئه الله هو اخي واختي وأمي “.. اللي يصنع مشيئه ربنا هو أخويا وأختي وأمي .

في الواقع الكلام ده كلام العهد الجديد مش ممكن يتقال في العهد القديم .

فالذي يتبادر لذهني إن المسيح رب المجد لما جه للعالم حسب. تعبير معلمنا بولس الرسول يقول في رسالته لكورنثوس الثانية يقول ” خطبتكم لأقدم عذراء عفيفه للمسيح ” . فالله الكلمه غير المحدود غير المرئي المولود قبل كل الدهور أصبح ليه ام واخ واخت . الناس اللي هم ينطقوا  بالأمور ديه ماكانوش هم ينطقوا عن  قصد .. مره .. مره.. يقول لك إنه كان لها أخ  واخت وام يبقي لازم كلام غلط طبعا إن العذراء تزوحت إلي أخره والمسيح كان يقول لهم ابدا ده أنا جاي علشان أعمل لي اخوات كثير في البشرية.. حتي معلمنا بولس الرسول يقول ويكون بكرا بين اخوه كثيرين.

لكن الناس قالوا له إخوتك بره .. أمك واخوتك بره .. حسب الجسد هي امه فعلا .. يعني العذراء حسب الجسد هي امه .. وأولاد اختها او أولاد أقاربها يبقي حسب الوقت اللي كان موجود ده يبقوا برضه إخوته . فهي أمه حسب الجسد.. ومن ناحية ثانيه هي امه لأن هو قال ” اللي يصنع مشيئه ابي هو أخي وأختي وامي ” .

هل فيه إنسان في الوجود صنع مشيئة الله زي العذراء ؟!..

ما حدش صنع مشيئه الله زي العذراء .. فمن الناحيه الثانية اللي اتكلم المسيح عنها النهارده فهي أمه برضه ..أمه بالجسد وامه بالخضوع لمشيئه الله .. خضوع كامل .. هي قالت هوذا انا أمه الرب ليكن لي كقولك .

فهي أم المسيح لكن هي أيضا بنت حنه ويواقيم . وهي نسيبتها اليصايات الكنيسة وقفت تتفرج كده .. لقت العذراء دي عملت عمل كبير جدا .. عملت عيله .. انت عارف لما الواحد يبقي له عيله كبيره خالص خالص العيله دي ما بقتش  فيها يوحنا المعمدان واليصابات والاقارب .. لكن هو المسيح اخذ منها جسد وعن طريق العذراء ايضا لأن التسبحه  بتاعة الكنيسة بتسميها عجينه البشرية أو عجنه البشرية.. وتسمي بطن العذراء المعمل الالهي اللي تم فيه الاتحاد غير المفترق.

فيبقي العذراء هي قدمت للمسيح عجينة بتاعه البشرية كلها علشان كده انتم تلاحظوا إن المسيح بيقول دائمآ انا ابن البشر وقال ابن الانسان.. ناس بيعترضوا من الناحية دي وناس بيعترضوا من ناحيه تانيه يقولوا الا هو الاله ينزل ويعمل له عيله علي الارض ؟ ويبقي يأكل ويشرب ويتعب ويشتغل نجار ويساعد يوسف النجار  ويتألم ويبكي مع الباكين ويفرح في عرس قانا الجليل ويعمل الحاجات دي كلها وفي الأخر يتصلب .. فهم برضه مش قادرين يدركوا ان الاله نزل علشان يعمل له عيله علي الارض ويشيل همها .

إذا كان فيه رب عيله علي الارض تبص تلاقيه ياعيني يروح الشغل الصبح ويجي ويروح بعد الظهر ويكافح ويجاهد وتقول له يا فلان ارحم نفسك ، ارحم صحتك شويه.. يقول علشان أنا ورايا عيله ومسئول عنها ، العيال مش دريانين بالتعب  اللي هو بيتعبه لكن هو عمال يتعب .. أخطاؤهم يشيلها وهمومهم يشيلها . فطبعا اللي مش فاهمين كده يقولوا حاشا  للإله إن هو يتصلب وأن حاشا إن هو يتالم إلي أخره .. يعني لما أجي أكلمك عن الصليب تقول لي هو فيه محبه للمسيح اعظم من هذا إن يتصلب علشاني ده أنا ما اكتشفتش محبة ربنا لي قد ما شفته وأنا بأجرحه وهو بيقول لي معلهش .. الجندي الروماني شتمه وبعدين ضربه بالحربه .. وبعدين آمن .. وبعدين المسيح قبله وبقي قديس .

بولس الرسول ياما عمل حاجات وحشه في المسيح.. في المسحيين.. وقبله يسوع وقال له تعال صعب عليك أن ترفس مناخس فالمسيح جه يشيل هم البشريه كلها .

فالموضوع بتاعنا اللي نفسي نحس به كلنا ببركه العذراء في الليله دي إن العذراء في الواقع عملت عيله .. عملت عيلة كبيرة جدا بقينا إحنا أعضاء فيها . حتي إحنا نيجي نتكلم عن الكنيسه نقول إن إحنا أعضاء في جسده من لحمه ومن عظامه . الكلام ده كله ماتمش إلا عن طريق الست العذراء.

لأن هي العجينه بتاعه البشريه .

شجره العيلة

فزي انت ساعات لما تيجي تتسلي في البيت كده .. وتقول إيه .. تجيب قلم وورقة وتقول ياللا نرسم شجره العيلة. أصل عيلتكم كبيره تقول لي ده احنا من عيله كبيره جدا وبلدنا كبيره وعيلتنا دي ماتعرفش تحصيها  وتمسك بقي القلم والورقة وترسم شجره العيله كده والأب كان ايه والجد كان إيه وجد الجد كان ايه وحاجات تقول يا سلام دي عيلتنا دي كبيرة قوي .

إحنا دلوقتي جايين نرسم شجره العيله بتاعتنا ها تبقي الست العذراء هي أمنا والمسيح هو اخونا البكر ” ليكون بكراً بين إخوه كثيرين ” وابونا السماوي .

اما أفراد العيله بقي فمالهمش  حدود . يوحنا المعمدان ابن نسيبتها ملاك الله اللي جاي يهييء الطريق قدامه . والقديسين بأنواعهم المختلفه والشهداء والابطال اللي حفظوا لنا الايمان ها تطلع عيله كبيره جدا .

العيله دي في السماء ها تبقي هي رأسها المسيح وعلي الأرض لأن رأس الكنيسه هو المسيح. لما إحنا في الصلاه بتاعتنا بنقول للست العذراء إن إنت باب السماء فإحنا نقصد إن هي اللي ابتدأت العيله .. هي الباب .. هي اللي فتحت السكه . يعني لا يمكن أبدا ان كان ممكن فيه إنسان بشري ينتسب إلي الله .. ما تأخذش الموضوع ده ببساطه. مفروض إن الواحد يناسب من طبيعته. يعني أنا حتي مش بس يناسب من طبيعته يناسب من نفس الوسط الاجتماعي كمان .

أما النسب بتاع العذراء ده نسب غير عادي دخلت في نسب الهي لدرجه إن إنت لما تقف تصلي وتقول يا ابانا الذي في السموات يقول لك بتكلم مين ؟ تقول له باكلم آبويا .. طب ابوك ده ايه ؟ تقول له الله نفسه يقول لك ياسلام معقول كده إحنا دخلنا في العيله دي واحنا أولاد لربنا وبعدين هو كمان زي الست العذراء لما حل عليها الروح القدس وصارت هيكل للروح القدس. والروح القدس حل عليها وطهرها وقدسها . كمان إحنا بالروح القـدس صـرنـا هـياكل للـروح وربنا سكن فينا .

والمسيح رب المجد لما كان بيكلم تلاميذه بيقول لهـم” أنـا مـاضـي لأعـد لكم مكانا”. هم افتكروا أنه ها يوضـب مـثلا .. هايبـنـي عمـارة هايوضـب مكـان للسكن هايبني كنيسة ولا بتاع.. هـو رايـح هـايعد مكانـا رايح يوصل وصلة النسب الجديد ده اللى إحنا بيه أولاد ربـنا . والكنيسـة هـي أمـنا والمسيح أخونا البكر والعذراء هي الباب اللي فتحت لنا السكة . علشان نخش منها .

علشـان كـده أول سـكة نخـش مـنها للأسـرة المقدسة دى المعمودية ندفن ونمـوت وتنتهى حياتـنا القديمـة وبعديـن نبقى أولاد المعمودية وولاد الكنيسة كل ده فـي استحقاقات دم المسـيح . دى المعموديـة .. ديـة مليانه ماء . لكن المـية دى القـوة اللـى جـاءت فـيها .. القـوة اللـي جـاءت فيها جاءت في استحقاقات دم المسـيح .

ولـولا التجسـد الإلهـى ما كان المسيح صلب ولا تألم ولا مـات ولا قـام مـن الأمـوات ولا صعد للسماء ولا صنع شئ أبدا . علشان كده إحنا بنقول إن بداية العمل المعمل الإلهي كان في بطن ست العذراء اللـي أنـا عـاوز أقوله لـك إن الليلة دى إحنا ها نسرح ونفكر في شجرة العيلة بتاعتـنا. مـا تقوليش بقـى أنـا بلدنـا الحتة الفلانية قل لي ده أنا بلدنا أورشليم السماوية وتقولهـا بـثقة .. مـرة كـان فـيه ثلاثة من مصر راحوا : أنطاكـية راحـوا استشهدوا هـناك ووقفـوا قدام الوالي طبعا هم غرب مش من الـبلـد مــش عارفيـنـهم فقـالوا لـهـم أنـتـم مـن إيـن قالوا له إحنا من أورشليم السماوية .

مـن أورشـليـم فـراح دعـا العساكر والجنود بتوعه والناس بتوع القصـر قـال لهـم الـبلد دى فيـن قالوا له ما عندناش بلد بالاسم ده هنا .. تعالوا هـنـا أنـتـم مـن أي بلـد قـالوا له من أورشليم .. أنتم بتضحكوا على قالوا له لا بالصـدق إحـنـا عمـرنـا مـا بنكذب إحنا من أورشليم مش من هنا وكانوا ينطقوا هـذا الكـلام بإيمـان.. ومـره ناس وقفوهم للاستشهاد وقالوا له أنت اسمك إيه ؟ قـال لـهـم أنـا ابـن الله ومرة يقول أنا حامل الإله يعني حامل الروح القدس يقـول له اسـمـك إيـه ؟ يقـول له صـدقني هو ده اسمي ماليش اسم آخر ثاني ويصر على هذا الاسم . أنـا بـأقول لـك القصـص دى علشان تتأكد فعلا إن المسيحيين الأوائل كان الشـرف بـتاعهم انتسابهم للمسيح .. إن هم مسيحيين .. مش مهم تكون حياتهم إيـه علـى الأرض أو تنتهـي أي نهايـة لكـن حـالهم إن بلدهـم أورشليم . هم أولاد الله .. أبوهم السماوي اللي هم بيكلموه .. الكنيسة هي أمهم ودى العيلة اللـي احـنـا عملـنا لها الشجرة دى دلوقت .. شجرة العيلة دى وكمـا يقـول أحـد آبائـنا إن أي طفـل يـتولد .. أول حاجـة يعملهـا البيت أو الدكتور يقطـع حـبـل السـرة بتاعـته ويفصـله عن أمه تنتهي العلاقة بينه وبين أمـه .. الحـنان والعطـف والأمومـة الحاجات الحلوة دية “يقول لك دى أم فلان لكـن خـلاص بيـني وبيـنك العلاقة مقطوعة على المستوى المادي .. حتى داود النـبـي قـال أبـي وأمـى قـد تـركاني وأما الرب فإيه ؟ فقبلني . لكن إحنا حبل السـرة بتاعتـنـا فـي المعموديـة مـا يـتقطعش أبدأ علشان كده يطلع الطفل من المعموديـة يقولـوا ده لـــه سـر مخصوص يأكلوه جسد المسيح ودمه ويعطوا له كلمـة ربـنـا اللـي هـو الكـتاب المقدس ويغذوه تغذيه مخصوصة ليه ؟ .. أصله بقـى مخلـوق جديـد مـن عـيلة جديـدة .

الإله اتحد بالناسوت من العذراء .. حاجـة عجيـبة قـوى .. إلـه واتحد بالناسوت .. یعنی مش من الجنس خالص . علشـان كـده إحـنـا لمـا نـتكلم عن المسيح نقول ( مونوجينيس) يعـني الإلـه الوحـيد الجـنس .. يعـني ما فيش جنس زيه أبدأ لكن هو إيه اللي حصـل إنـه دخـل فـي العيلة البشرية دى فبقى يقول عن نفسه أنه ابن البشر أو ابن الإنسان لمـا إحـنـا بقيـنا أولاد ربـنا .. بقينا أولاد ربنا بقيت لنا عيشة مخصوصة ارتباطات مخصوصـة .. وأكـل مخصـوص ماحدش يفهم الأكلة دى غير ولاد ربـنا . والحـبـل بـتاع الصـرة ده عمال يوصل الغذاء ما يتقطعش من الكنيسة. ممكـن تغيـب عـن الكنيسـة شـوية . ممكـن تسافر تشتغل في بلد بعيدة وتبعت کـده جـواب لأهلـك ولأصحابك وتقول لهم ماوحشنيش غير الكنيسة بتاعتي مشتاق للتـنـاول .. الله !! .. إيـه اللـي جـرى ؟ طلعـت مـن العـيلة .. وما أقصـدش الكنيسة المبــني .. يعنى الكنيسة دى أو الكنيسة دى .

لكن أنا حاسس إن فـيه حاجـة خاصـة.. مـش مـن هنا أنا .. وحتى العالم .. العالم نظرته لينا غير نظرته للمسيح .. مـرة المسيح قال لهم لا تتعجبوا . مرة يوحنا قال لا تتعجبوا إن كان العالم يبغضكم مرة ربنا سأل إن كانوا قد أبغضوني فسيبغضونكم .. أنتم أخذتم الملامح بتاعتى . ولمـا التلاميذ أيضـا كـانوا بيشـوفوهم عرفوهم إنهم كانوا معه .. ليه ؟! قـالوا لـهـم لـغـتكم تمـيزكم . قال أيه .. لما بقوا مع المسيح بقت لغتهم تميزهم لكـن الكـلام ده مـش بنـتكلمه على مستوى لغوى أو وعظة مثلا بالإيحاء كده دى حقيقة. لـو كـان المسـيح وعظـنا وقال هاخليكم إخواتي ما هو كلنا إخواته يا أخي في البشرية وخلاص .. لا.. ده المسيح قال تتولدوا من المعمودية. وفـى مـرة مـن المـرات يوحنا المعمـدان جه يعمده فيوحنا قال له لا مش ممكـن أنـت الإلـه وأنـا إنـسـان إيه التوافق بين الاثنين مش ممكن قال له طيب جـه مـوطـي يـبوس رأسـه قـال له أنا نائب البشرية هنا .. إحنا بقينا دلوقت مـش أنـت قـريـبي يـا يوحنا قال له قريبك بالجسد لكن إيه اللي حصل .. وإدى درس لكـل الـنـاس لازم أوطـى .. ينبغـي أن نكمـل كـل بـر لدرجة إن ربنا حسـبـها علـى بـطـرس وقـال له ليس ليك نصيب معايا أن ما كنتش إيه ؟ أغسل رجليك .. فواضـح جـدأ إن ربـنا يسوع المسيح لما كلم العيلة بتاعته حكى لها مبادئ معينة طبعا فوق كل دول الست العذراء

علشـان كـده السـت العـذراء مرة يتكلم عنها يقول إية : ” أعمال مجيدة قيلت عـنـك يـا مـديـنة الله “.. أنـت مدينة بحالها كل الأسرار سكني الفرحين فيك بقى أولاد ربـنا دولـت لمـا يـحـبوا يتعلموا ازاى يعيشوا في الأسرة الجديدة يروحوا لـلأم الكبـيرة . طـب مـاهـى الأم أكـثر واحـدة الواحد يتكلم معها وصحيح .

العذراء هي المدرسة

لمـا أكلمـك عـن التواضع والوداعـة وحياة التسليم لا يمكن ألاقي لك حاجة عـن التسليم أحسـن مـن العذراء ” هوذا أنا أمة الرب ” لما أكلمك عن الإيمان مش ممكـن تعـرف لمـا أقول لك إبراهيم أب الآباء برضه يقول لك إن إبراهيم كـان عـالم إن الله قـادر أن يقـيـم مـن الأمـوات . معلمـنـا بـولـس بـيقول كدة . لكـن العـذراء المـلاك بشرها بشارة غريبة جدا جدا قال لها المولود منك يدعـي ابـن الله . فأنـت دلوقـت أم ربنا قالت له هوذا أنا أمة الرب .. ده إيمانها مش معقـول .. بساطتها .. قداسـتها . صـلاة السـت العـذراء دي لوحديها مدرسة .

فأنا عايز أقول إن الكنيسة دى اللي عملها المسيح اللي هي العيلة بتاعته . العيلة بتاعته حط فيها العذراء المثل بتاع الكنيسة كلـه بحيث أن الأولاد كلهم لما يحبوا يترجموا كلام المسيح لحياتهم العملية يبصوا للعذراء . وصحيح جرب كده في حياتك إن إنت تشوف العذراء تترفق مثلا في مشكلة تقول نفسي أسلم لربنا وما تعرفش

تسلك إزاى أو تختار حاجة تقول مش عارف أختار إزاى .تبص للعذراء دى وتقول يا سلام شوف العذراء لما كانت تقول هوذا أنا أمة الرب.. طلعوها من الهيكل تقول حاضر .. وتتجوز يوسف النجار سنه ٧٠ سنة تقول حاضر .. يقولوا لها هاتروحي البيت بتاعه وتسيبي الهيكل تقول حاضر .. يجئ لها رئيس الملائكة ويقول لها ها تحبلي تقول حاضر من غير راجل .. يقول لها ها تولدی ربنا تقول حاضر متواضعة .. ومحبة وخدومة وكل الصفات الكويسة تلاقيها فيها فهـى الشـجرة بتاعة العـيلة الكبيرة .. البركة بتاعة العيلة اللي حطها ربنا علشـان الـعـيلة تكـون متـباركة .. علشـان كـدة أنا عايز أقول : الناس اللي ها يحذفـوا مـن شـجرة العـيلة السـت العذراء يقول لك ده أناء اتخلصنا منه أخذنا  اللي جوه منه ورميناه . ده طيروا من العيله بتاعتهم احسن حاجه .. ده طيروا البركه كلها من العيله .

أنما العيله بتاعتنا لازم يكون راسها صحيح هو المسيح راس الكنيسه لكن الام الكبيره في العيله هي الست العذراء.

سنين كثير اتكلمنا عن النسب مره ، أو بولس الرسول مره قال خطبتكم لأقدم عذراء عفيفه للمسيح الخطوبه .. الخطوبة دي بتبقي بين واحد وواحده . طبعا الواحد لما يروح يخطب تبقي حاجه كويسه . لكن يروح ينقي حاجه فالصو مايضمنش … أنا مش باتكلم عن العذراء أنا باتكلم  عن الجنس البشري ككل . فالجنس البشري كان في منتهي السقوط والإنحطاط  وعلي رأي القديس يوحنا فم الذهب يقول المسيح راح يتقدم للجنس البشري الجنس البشري كان واقع تحت الخطية ..زي هوشع النبي ربنا قال له روح إتجوز امراه زانيه .. هوشع قال له صعب علي دي تبهدلني .. تجيب لي الكلام وتجيب لي وجع الدماغ . قال له خلاص روح أنت اتجوز المراه الخاطيه ديه .

فالبشريه بتعتبر ان المسيح اخذ جسد صحيح . أخذه بلا خطيه منها . لكن علشان يدخل في عمليه النسب معانا أخذ جسد . الجسد دهً ممكن يتضرب بالقلم علي وشه . مش ممكن تحصل حاشا لله أبدا . لكن إحنا  يعني بطبيعتنا الردية جبنا الكلام الوحش للمسيح. زي واحد انتسب لعيله فالصو أو انتسب لبنت مش كويسه. البنت اللي مش كويسه ديه جابت له وجع الدماغ . وكل واحد يقول ده فلان ده بقت أخلاقه وحشه لأنه ماشي مع فلانه واخلاقها وحشه مثلا يعني المسيح أخذ جسد البشريه بتاعتنا وعمله في الصوره دي فالمسيح إله .. إله لم يره أحد . الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبرً.

تشوف ربنا ؟ ممكن .. قال له تشوفه ازي ؟ قال له ما تقدرش تشوفني وتعيش . ده كل اللي ها اعمله في العهد القديم هاتشوف تابوت العهد وأحل بالمجد بتاعي وانت ادخل في النقره واختبيء وانا امر وانت تشوف المجد بتاعي . فأقصي حاجة هاوريها لك يا موسي في العهد القديم رموز .. هاوريلك العليقه التي بتشتعل وها تقول أميل وانظر هذا المنظر .. ما اعجب هذا المنظر .. أميل .. وانظر وبعدين تيجي تميل مده يقول لك طيب أرجع لوراء شويه .. أخلع الجزمه في رجليك ليه الشجره مولعه ايه اللي جري .. قال له أخلع لأن المكان اللي انت واقف عليه ده مكان مقدس . قال انت عاوز تعمل إيه يا ربي ؟ قال له هاعمل كثير بأدي لك شويه رموز بسيطه جدا لأنك أنت ما تقدرش تأخذ أكثر من كده .

لكن احنا في عهد النعمه علي رأي بولس الرسول إن الله بعد ما كلم الاباء بالأنبياء كلمنا أخيرا في ابنه . وجه الابن وأخذ جسد وصار إنسان مثلنا . فإحنا دلوقت المسيح جه أخذ جسد زيي له لحم ودم . ولما انضرب في جنبه ينزل دم . إذا انضرب بالقلم علي وشه برضه يتألم . إذا إتف علي وشه يتالم. واذا شاف منظر مؤلم مثلا زي لعازر يبكي . وإذا شاف ناس متألمين في عرس قانا الجليل برضه يحط ايده ويعمل لهم حاجه . المسيح نزل وشاركنا في كل الحاجات ديه لكن كمان أحنا  جبنا له ( بيني وبينك ) وجع الدماغ .

علشان كده المسيح لفت نظرنا في منتهي الهدوء قال خلي أعمالك تبع العيله علشان ما تخسروش سمعه العيله .. العيلة المسيحية .. ليري الناس أعمالكم الصالحه ويمجدوا أباكم الذي فين .. مش ها يمجدوكم انتم ما هي كده .. تيجي يقولوا دول من عيله أصلهم كويس فين أبوهم فين ؟ يقولوا له في اورشليم. علشان كده لما يكتبوا في الجرايد الكلام الغلط الكثير ده يقول لك الانحلال واللي مش عارف إيه اللي في الغرب ، والمسيحيه اللي فشلت في اصلاح الانسان ده إلي آخره .

النظم السياسيه والاجتماعيه والمسيحيه بوظتها . شفت بقي آدي المسيحيين جابوا الكلام لأبوهم .. ما الولد الخايب بيجيب الكلام لأبوه فلما المسيحيين بيجيبوا الكلام لابوهم السماوي..لما المسيحيين يبقوا قديسين حتي مهما عملوا في الدنيا ديه .. حتي لو العالم احتقرهم برضه زي ما قال المسيح في مره ” انتم ملح الارض وانتم نور العالم ” . الموضوع مش موضوع بسيط.. العيله دي اللي عملها المسيح قال ديه تكون تملح العالم كله لأن العالم عادب  مافيهوش ملح ياخساره عيله .. عيله محترمه جدا انتسبنا لها .

المسيح تنازل تنازل لا نهائي قالوا له تتجوز البشريه الزانيه دي ..اتجوزها واصلحها .. ها تجيب لك الكلام .. دي مش ثابتة علي حال .. قال لا .. مين يهمه ذاتك ؟ ولا فيه قوه في الوجود تنزل المسيح ويأخذ هذا الجسد جسد العار وينتسب لينا ونجيب له وجع الدماغ في الفتره ديه إلا محبته لينا .. ولا توجد قوه في الوجود تستطيع ان تربط المسيح علي الصليب او تقيده إلا محبته ليً .. ما فيش قوه في الوجود .. ده الاله الخالق اللي بنسميه الضابط الكل . إزاي هو يتربط؟! إزاي يتف علي وجهه ويطعن ؟!.

فإحنا في العيله المقدسه دي علشان كده لما نتكلم عن الكنيسه نقول كنيسه مقدسه جامعه رسوليه . شوف حطها في الأول ايه  كنيسه مقدسه. ولما يتكلم معلمنا بولس في الرساله إلي العبرانيين يتكلم كده ويقول الكلام ده . إن المسيح هو البكر بين الاخوه الكثيرين ” لأن المقدسين جميعهم من واحد ” لأجل هذا السبب لا يستحي أن يدعوهم إخوه وقال أخبر بأسمك إخوتي في وسط الكنيسه.. وفي وسط الكنيسه أسبحك .. وهأنذا والاولاد الذين أعطانيهم الله .

إذ قد تشارك الأولاد في اللحم والدم طبعاً العيله كلها لحم ودم واحد اشترك هو  كذلك فيهما .. نزل واخذ اللحم والدم لكي يبيد بالموت ذلك الذي له سلطان الموت أي ابليس . لقي الناس.. لقي الناس أولاده إبليس مهلهلهم قال لا .. ده العيله بتاعتي دي إبليس مايقربش منهم .. إبيلس قال إنه واخد صك علي كل واحد . هو أنا كنت غصبت ادم و لا ضربته علي أيده . انا قلت له تسمع كلامي وتسيبك من ربنا قال لي أحسن أنا ما ضربتوش علي ايده هو جه بإرادته . قال له واجره الخطيه ايه ؟

موت .. قال له أدفع ثمنها علي الصليب . علشان كده يقول لك ” لكي يبيد بالموت ذلك الذي له سلطان الموت أي ابليس ” .. ويعتق أولئك الذين خوفاً من العبوديه كانوا جميعاً كل حياتهم تحت العبوديه من ثم كان ينبغي ان يشبه إخوته في كل شئ لكي يكون رحيما لأنه فيما هو قد تألم مجربا يقدر ان يعين المجربين مثلنا ” .

فشاركنا وتنازل واحتمل بسببنا حاجات كثير وخطبنا ليه عروس . وعاوز أقول لك مش احتمل المسيح بيتحمل لغاية النهاردة. عايز انبهك ان ميزه العيله بتاعه كل حركه بتعملها منتسبه ليه حتي ولو كانت أوضتك مقفوله وماحدش شايفك. الخطيه موجهه لأبوك مباشره وطعنه في جنب المسيح علشان كده بولس الرسول يقول ” تصلبون لأنفسكم ابن الإنسان مرة ثانيه وتشهرونه ” يعني بيصلبه من نفسه هو مره ثانيه ويشهره . علشان كده أحنا ما بنحسش بالخطيه وربنا بيدينا قوه ونتوب عنها علشان خاطر هي بتجرح المسيح ودي مش من طبيعه العيله بتاعتنا .

طبيعه العيله بتاعتنا القداسة ” لكي يكون المقدس والمقدسين جميعهم من واحد . ” كنيسه واحده مقدسه جامعه رسوليه . تقول لي يعني المسيح عمل العمل سمر وصوره وغير في الحياه بتاعتنا طبعا . انت تفتكر إن المعموديه دي ما خلقتش ناس غير عاديين . خلقت ناس غير  هم القديسين دول ما أخذوش غير المعموديه واخذوا الروح القدس اللي هو العربون . قال إيه .. بقوا قديسين .. بقوا قديسين .. الشياطين تهرب منهم .. يقول لك المناديل والمآزر اللي كان مربوط بيها بطرس وبولس كانت تشفي الأمراض وتخرج الارواح الشريره .. اكبر عدو . علشان بولس نال سر العماد بقي ابن لربنا حتي الخرق اللي ملفوف بيها بقت ترعب الشياطين ..بقت ترعب الشياطين ويقولوا عن أنبا صربامون أبو طرحه بتاع المنوفية ده قديس معاصر كان لما يرش الميه كده وهو طالع من الكنيسه كانت الشياطين تتنطط وتصرخ وتخرج .. وفي مره من المرات بنت محمد علي باشا كان اسمها زهره كان عليها روح نجس وبعت له البابا بطرس الجاولي جواب وقال له تعال الوالي عايزك تصلي لها قال له انا .. قال له معنديش إمكانيه ولا قوه ولا حاجه قال له انا بأقول لك بالأمر تروح تصلي لها .. ولما لقي البطرك شدد عليه قوي قال لهطب هات الصليب بتاعك نصلي لها وأخذه وطلع الشيطان .

أنت عايز تقول بس إن العيله ديه مافيهاش قوه . يقولوا لك المسيحيين فيهم ضعف . يعني ده أحنا اللي ضعفنا نفسينا لأننا أسأنا لنفسنا وبقت الخطيه وحشه . زي الابن الضال لما راح لكوره بعيده أساء لأبوه . وهو كمان بقي ضعيف وبقت العيلة تعبانه خالص بسببه . وبعدين هو ما بقاش فيه قوه لكن الكنيسه لما أتكلم عنها سفر نشيد الانشاد هذه المرهبه كجيش بألويه !!

المعمودية بتغير حياه الانسان كان لينا طبيعه كان الشيطان يتنطط فيها زي ما يعجبه . تعرف المعمودية بتجحد الشيطان  ليه ؟ لأن الشيطان اصل دول أولاده ساكن فيهم . شوف في العهد الجديد يقول لك أيه ؟ انتم هياكل الله وروح الله ساكن فيكم .

علي كل يا احبائي هي دي العيله الجديدة اللي دخلتنا فيها الست العذراء. واحنا هنا أخذنا العربون او زي ما بيسموه المهر او زي ما بيسموه لما تيجي ترتبط بحاجه بتدفع جزء والباقي عند التسليم الكامل .

فتقعد أنت في العالم هناتقضي الايام بتاعتك وتتاجر في الوزنات وتسلك كما يحق لأولاد ربنا وتعمل الأعمال الكويسه وتفرح العيله بتعاتك وليري الناس أعمالك الكويسه ويمجدوا أباك الذي في السموات وتقعد تتعرف علي أقاربك من أول أدم تقول إبراهيم ده أبويا أبونا إبراهيم واسحق ويعقوب وداود النبي والست العذراء دي أمنا فتحت لنا باب السماء .

ولما يكمل جهادنا ماهو أحنا آخذين العربون .. العربون هو الروح القدس اللي ساكن فينا . بعد كده نأخذ كل حاجه .. كل ما هو للآب فهو لي. والروح يأخذ مما لي ويعطيكم آخذكم واصعدكم عن يمين الأب . طب ياربي أنت ناوي تخطب الكنيسه وتكون العيله دي علي الارض ؟ قال لا .. أنا عامل زي اسحق ابن ابراهيم لما ابراهيم قرب يموت جاب العبد وقطع معاه عهد قال له تروح عند لابان وتشوف عروس من هناك من الجنس بتاعنا علشان تئن العيله نظيفه وترجع وتسكن هنا في ارض الغربه اللي اتغربت فيها .

فالمسيح نزل من السماء مخصوص. مش هو عريسنا السماوي علشان يكون العيله. فالاب اطلع من السماء فلم يجد من يشبهها الست العذراء .. أرسل وحيده الابن الوحيد ربنا يسوع المسيح. قال له خذ الجسد ده .

خذ الجسد ده اللي هايجيب لك الكلام علشان تنتسب للعائله ديه وروح شوف عروسه . فخطب الجنس البشري خطبتكم لأقدم عذراء عفيفه . قالوا له تدفع عربون ايه ؟ قال ادفع دمي عربون وآديكم الروح القدس ما تبرحوش   اورشليم حتي تلبسوا قوه من الأعالي . اديكم الروح القدس أيضا عربون ولما تيجوا السماء كل ما للاب ها يكون ليكم هناك . مش هايكون فيه عربون . هايكون فيه ملكيه دائمه ها يكون كل حين مع الله

فإحنا نقدم الشكر للست العذراء اللي هي باب السماء ودخلتنا الأسرة الكبيرة ديه في ليله عيدها نقول لها يا ستي ياعذراء ساعدينا نكون أولادك فعلا وأولاد المسيح ونشرف العيله بتاعتنا بأعمالنا واقوالنا  و بسلوكنا في البيت وفي العمل .. الطفل والشيخ والبنت والولد. كلنا عيله واحده منتسبين للمسيح وللكنيسة وللست العذراء

لألهنا المجد دائما أبديا أمين[7]

 

 

 

المتنيح القمص لوقا سيداروس

 

الأحد الثالث من شهر مسرى

(مر٣: ٢٢ – ٣٥) أختى وأخى وأمى

منذ أيام قليلة إحتفلت الكنيسة بالعذراء القديسة الطاهرة مريم أم الله التي ارتفعت أكثر من الشار وبيم . وصارت مسكناً لله وعرشاً للقدير . أتحدت به كجنين في بطنها وحملته على ذراعيها وغدت كل الأجيال تطوبها وترفعها باستحقاق . وحقا. تقف النفس عاجزة تماماً عن التعرف على أسرار العذراء التي قيل عنها أنها جنة مغلقه ، ” عين مقفلة وينبوع مختوم ” .

+ العذراء القديسة مزيدة في مجدها . لأن ما نالته من الله لا لم ولن يحصل عليه أقدس القديسين . لأن التجسد حدث فريد لا يتكرر . والخلاص وعمل الفداء بالجسد الذى أخذه الرب من العذراء ، صنعه الرب مرة واحدة . إذ قدم نفسه مرة واحدة ذبيحة عن حياة العالم كله

+ إن كان هذا هو مركز العذراء وكرامتها وعلاقتها بالمسيح إبنها وحبيبها . ماذا يكون ياترى مركزنا نحن عنده وصلتنا به ؟

+ المسيح رفض أن تكرم أمه لا من أجل أمومتها له فحسب . بل من أجل حفظها لوصاياه . وسلوكها في حياة القداسة إلى أقصى درجة عرفها إنسان . لذلك نجده يقول : ” من أمى ومن إخوتى الذى يصنع الله هو أخى وأختى وأمى .

+ وحين صرخت امرأة تطوب العذاء القديسة ، دون أن تعرفها على أساس أنها ولدت المسيح الذى كانت تسمع تعاليمه وأقوال النعمة من فمه ، فصرخت لوقتها : ” طوبى للبطن التي حملت والثديين اللذين رضعتهما ” . أجاب الرب قائلاً : ” بل طوبى للذين يسمعون كلام الله ويحفظونه ” . فالعذراء تطوب ليس لأنها ولدت المسيح وأختارها الرب لتتميم عمل التجسد . بل وأيضاً من أجل سماعها كلامه وحفظها وصاياه .

+ الرب يسوع نظر حوله إلى الجالسين وقال : ” ها أمى وإخوتى ” . إذن يسوع ينظر إلينا ونحن حوله ويشير نحونا قائلاً : ” ها أمى وأخوتى ” . فنحن نستحق هذا الميراث الثمين ونتكتع به ، بشرط أن نكون جالسين حوله نسمع كلامه ، ونعمل مشيئة . في هذه الحالة لا يستحق أن يدعونا إخوته. قائلاً: ” أخبر بإسمك إخوتى ، وفى وسط الكنيسة أسبحك ” .

+ نحن في الكنيسة صرنا أعضاء جسد المسيح من لحمه ومن عظامه . فيا لهذا الشرف الذى صار لنا نحن الخطاة، أن ندعى إخوته ، وهو يقول لنا : ” لا أعود أسميكم عبيداً ولكن سميتكم أحباء ” .

+ مطوبة هي العذراء القديسة ، لأنه إتحدت بالمسيح وصارت أمه . ومغبوطة هي النفوس التي تتجمع حول المسيح في الكنيسة ، فتسمع كلامه ، ويطعمها جسده فيثبت فيها ، وهى تثبت فيه .

+ مباركة هي مريم العذراء. ومباركة هي ثمرة بطنها … ومغبوطة هي النفوس التي تشبهت بأم النور . فأخذت جسد الكلمة في أحشائها ، وأثمرت للروح القدس مجد وفرح وسلام وطهارة وطول أناة .

إخوة يسوع الأصاغر

+ يقول الرب للأبرار في ظهوره الثانى : ” ما فعلتموه بأحد إخوتى هؤلاء الأصاغر ، فبى قد فعلتم ” . فالمساكين هم إخوة الرب لقد صار بتجسده شريكاً لمسكننا وشريكاً لفقرنا وذلنا … ” الذين من أجلكم أفتقر وهو غنى لكى تستغنوا أنتم بفقره ” … إذن قد صار الفقر في هذا العالم من أجل المسيح غنى سماوى . وكل الذين صاروا فقراء من أجل يسوع ، وباعوا كل شيء وطرحوه عنهم وقبلوا سلب أموالهم بفرح ، صاروا إخوته … ليس بالرمز والمثال . ولكن بالحق والفعل … ترى أي شرف للنفس البشرية أن تكون في مركز الإخوة من شخص ربنا الحبيب .

قول لإخوتى

+ هكذا قال الرب المجدلية في فجر القيامة عن التلاميذ دعاهم إخوته وقال لهم : ” أنتم الذين تعبتم معى في تجاربى أنا أقدر لكم ملكوتاً ” . فالرسا الأطهار وكل الذين نالوا شرف الخدمة الرسولية في الكنيسة ، في أجيالها ، هم إخوة الرب وأحباؤه ، يطلب من أجلهم هكذا : ” أريد أن هؤلاء الذين أعطيتنى يكونون معى حيث أكون أنا ” . ” أريد أن يكون فيهم الحب الذى أحببتنى قبل كون العالم ” . عندما قام من الأموات أقامنا معه وأجلسنا معه في السماويات . وكما شاركنا في موتنا صرنا متحدين معه بقيامته … وصرنا شركاء في روح القيامة من الأموات ، وصار هو باكورة الراقدين … والبكر من الأموات ورأس كل الخليقة الجديه … طالما نحن متمتعين بقيامته من الأموات ، فهو يدعونا إخوته ، ويرينا ذاته ، ويعلن لنا مجده .

يا يوحنا هذه أمك

ما أعجب هذه العلاقة التي صارت ليوحنا الحبيب عندما نطق الرب بهذه الكلمات على الصليب قائلاً : ” يا يوحنا هذه أمك ” . لقد دخلت علاقة يوحنا مع المسيح مرحلة جديدة من مراحل الحب الإلهى … عندما قبل إليه العذراء الطاهرة وأخذها إلى خاصته وصارت له أماً … لقد قال الرب : ” من يقبل نبياً باسم نبى فأجر نبى يأخذ ، ومن يقبل تلميذاً باسم المسيح فقد قبل المسيح شخصياً ” . فكم وكم يكون الحال عندما نقبل إلينا والدة الإله ، وتدخلنا إلى قلوبنا وبيوتنا ؟ !

إخوته بالبنوة

المسيح المبارك هو إبن الآب بالحق والمحبة ، الإبن الوحيد الكائن في حضن الآب كل حين ، بلا إنفصال في وحدانية أزلية أبدية . المسيح جاء ليعرفنا الآب ، وهو عندنا أخذ جسدنا من العذراء القديسة. أشترك في بشريتنا ليشركنا في بنوته للآب . وولدنا ثانياً لرجاء حى بقيامته . وعلمنا أن نصلى نحو الآب قائلين : ” أبانا الذى … ” وسكب فينا روح البنوة … نحن بالنعمة أولاد الله … مولودين من الروح القدس . ومن بطن الكنيسة ، على شبه ميلاد المسيح من الروح القدس والعذراء القديسة مريم .

+ فإن كنا ندعوا الآب أبانا … فقد صار المسيح أخونا البكر . وصرنا نحن شركاء الدعوة الإلهية ، وشركاء الطبيعة الإلهية ، وشركاء ميراث المسيح مع جميع القديسين ، وأهل بيت الله .

+ ما أجمل قول يوحنا الرسول : ” الآن نحن أولاد الله ..ولم يعلم بعد ماذا سنكون، ولكننا نعلم إننا سنكون مثله لأننا سنراه كما هو

+ إذن ليس باطلاً أن يقول الرب عن المجتمعين ححوله يسمعون كلامه ويعملون مشيئة ” الذى يصنع مشيئة الله هو أخى وأختى وأمى

ترى هل يمكن أن يقول الرب هذه العبارة عنا نحن المجتمعين في الكنيسة حوله في هذا اليوم؟ وهل ننتسب إليه فلا نكون إلا حيث يكون . ولا نعمل بخلاف مشيئته الطوباوية ؟ لأنه إن كانت العذراء القديسة مطوبه لا من أجل أموميتها فقط بل من أجل حفظها وصاياه . فلا نتكل على بنوتنا لله وإننا إخوته ، ونهمل توبتنا وحفظ وصاياه ، لئلا نخيب من النعمة ونشقط من رتبتنا.[8]

 

 

 

الدكتور جميل نجيب سليمان

 

الخطية التي لا تغفر

يبدأ المشهد، الذي يسجله فصل إنجيل قداس الأحد الثالث من شهر مسری، بحسب ما جاء في بشارة القديس مرقس، بالرب ومعه تلاميذه في بيت امتلأ بـالجموع: فقـراء ومرضى وغيرهم. ثم ينزل من أورشليم عدد من الكتبة، وهم من امتلأ قلبهم بالغيرة والحـسـد بـسبب التفاف الناس حول المسيح وانفضاضهم من حولهم. بهذه المشاعر اتجهوا إلى البيـت حـتـى جاءوا إلى الرب كي يواجهوه باتهامهم أنه فيما يجريه من معجزات إخراج الشياطين يستعين ببعلزبول رئيس الشياطين، وبحسب النص الكتـابي: “إن معـه بعلزبـول وأنـه بـرئيس الشياطين يخرج الشياطين” (مر ۲۲:۳) أو أن “هذا لا يخرج الشياطين إلا ببعلزبول رئيس الشياطين” (مت ٢٤:١٢) (لو ١٥:١١)

وقبل أن نتناول رد الرب على هذا الإتهام، يضيف إلينا النص المقابل من بشارة القـديس متی (مت۲۲-۱۲:۳۷) وبشارة القديس لوقا (لو١٤:١١-٢١) أن هناك معجزة بعينها هي التـي أطلقت هذه المواجهة وبالتالي هذا الحكم الإلهي عن الخطية التـي لا تغفـر. وكانـت هـذه المعجزة، التي شاهدها الكتبة (والفريسيون)، وعمدوا بعدها إلى تجريد الرب من قدرته وقوته الذاتية ونسب ما جرى إلى الشيطان، هي شفاء مجنون أعمى وأخرس بعـد أن طـرد مـنـه الروح النجس الذي تلبسه فأفقده عقله وبصره ولسانه. وبكلمة واحدة من الرب عاد إليه رشده وأبصر وتكلم.

ويبدو أن اتهام الكتبة والفريسيين لم يكن علنيا وإنما دار فقط في أذهانهم. ولكن الرب “علم أفكارهم” (مت ٢٥:١٢) (لو ١٧:١١) وأراد أن يكشف مدى خطورة ما فكروا فيـه أو قـالوه لأنه يطعن مباشرة في القدرة الإلهية ويلقي بالشبهات على عمل الـرب المعجـزي وكمـال لاهوته.

من هنا فقد استنفر اتهامهم الرب للدفاع عن مجد الله وتصدى لهم وبدأ في احتجاجه وتقديم دفوعه رفضاً لهذا الاتهام الذي رآه ماسا به ولا يمكن التساهل فيه. فقـال مـستنكراً خطأ تفكيرهم واستحالته وموضحاً شارحاً بمثال منطقي: كيف يقدر شيطان أن يخـرج شيطاناً. وإن انقسمت مملكة على ذاتها لا تقدر تلك المملكة أن تثبت (تخرب)، وإن انقسم بيت علـى ذاته لا يقدر ذلك البيت أن يثبت، وإن قام الشيطان على ذاته وانقسم لا يقدر أن يثبـت بـل يكون له انقضاء” (مر٢٣:٣-٢٦).

وتستكمل بشارتا القديسين متى ولوقا ما قاله الرب “وإن كنت أنا ببعلزبول أخرج الشياطين فأبناؤكم بمن يخرجون؟ لذلك يكونون قضاتكم. ولكن إن كنت أنا بـروح الله (بأصبع الله) أخرج الشياطين (بصورة إعجازية واقتدار لتحرير الإنسان من سلطانهم) فقـد أقبـل علـيكم ملكوت الله (أي اقتربت ساعة الخلاص، فإما أن تؤمنوا فتخلصوا أو أن ترفضوا فيكـون نصيبكم الهلاك مع إبليس وجنوده). أم كيف يستطيع أحد أن يدخل بيت (دار) القوي (يقصد إبليس) وينهب أمتعته (ويستعيد إلى الحرية من كانوا في أسر إبليس) إن لم يربط القوي أولاً (أي يقيد سلطانه بعمل الدم) وحينئذ ينهب بيته (عنوة)” (مت ۲۷:۱۲-۲۹).

والنص المقابـل لهذا الجزء الأخير من بشارة القديس لوقا يقول “حينما يحفظ القـوي داره متسلحاً تكـون أمواله في أمان. ولكن متى جاء من هو أقوى منه (أي الرب) فأنه يغلبه وينـزع سلاحه الكامل الذي اتكل عليه ويوزع غنائمه (محرراً أسراه)” (يو۱۹:۱۱-۲۲)

فالادعاء بتحالف الرب القدوس صانع الخيرات مع الشيطان عدو الخير والبر والحق هـو إذا ضد كل منطق. فكل منهما قطب مضاد للآخر، وأي شركة للنور مع الظلمـة وأي تـلاق للحق مع الضلال راجع (٢کو ١٤:٦-١٦). فالشيطان هو رمز الشر والفساد بينمـا الـرب جاء لإنقاذ الإنسان من سطوة المضل والكذاب، وفي طريقه نحو الصليب هتـف قـائلاً “الآن دينونة هذا العالم. الآن يطرح رئيس هذا العالم خارجاً” (يو٣١:١٢) وأنه بصليبه سيختطف من يد الشيطان سباياه وأنا إن ارتفعت عن الأرض أجذب إلي الجميع” (يو ۳۲:۱۲).

كما أن تدخل رئيس الشياطين لطرد شيطان من جنوده يعني بداية النهاية لمملكته، وهو ما لا يمكـن أن ينزلق إليه لأن فيه انهيار كيانه الشرير وزوال دولته. وأنه إذا كـان مقبـولاً أن المسيح يخرج الشياطين بتعاونه مع الشياطين، فماذا يقول الفريسيون عن أبنائهم الـذيـن هـم أيـضـاً يخرجون الشياطين، فهل هم أيضا يتخذون نهج المسيح الذي يعادونه، ولكـنـهم فـي الحقيقـة يصيرون قضاتهم الذين يحكمون عليهم بانحراف القصد والتجـديـف علـى الـروح القـدس وإهانته.

ثم أعلن الرب حكمه على ما ادعاه الكتبة والفريسيون كخطيئة كبرى تختلف تمامـاً غيرها ولا يمكن التسامح فيها أو غفرانها بأي حال فقال: “الحق أقول لكم: إن جميع الخطايـا تغفر لبني البشر والتجاديف التي يجدفونها” ولكن “من جدف على الروح القدس فلـيـس لـه مغفرة إلى الأبد، بل هو مستوجب دينونة أبديـة، لأنهـم قـالوا إن معـه روحـا نجـسـاً (مر ۲۸:۳-۳۰). والنص المقابل في بشارتي متى ولوقا هو كذلك أقول لكـم: كـل خطيـة وتجديف يغفر للناس وأما التجديف على الروح فلن يغفر للناس. ومن قال كلمـة (سـب أو إهانة أو تجاوز) على ابن الإنسان (وليس باعتباره ابن الله) يغفر له، وأما من قال (جدف) على الروح القدس فلن يغفر له لا في هذا العـالم ولا فـي الآتـي” (مـت ۳۱:۱٢- ۳۲) (لو ۱۰:۱۲)

لماذا لا تغفر خطية التجديف على الروح القدس؟

لماذا هذا التشتد الصريح من جانب غافر الخطايا ومعلم التسامح والغفران لمـن يـسيئون إلينا؟ وما هي خطورة هذه الخطية حتى أن الرب يجعلها وحدها عصية على الغفران، رغم ما يعلنه الإنجيل – البشارة السارة – أنـه “حيـث كثـرت الخطيـة ازدادت النعمـة جـداً (رو٥: ٢٠) ورغم وعد الله القديم “إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيض كالثلج وإن كانت حمراء كالدودي تصير كالصوف النقي” (إش١٨:١) ورغم الوعد الجديد أن “دم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية” (١يو ۷:۱)؛ “إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفـر لنـا خطايانا ويطهرنا من كل إثم” (١يو ٩:١).

وكيف يتفق هذا الحرمان الأبدي من الغفران مع وصايا الرب لمن يتبعونه بـألا يقـاوموا الشر، وأن يصلوا لأجل الذين يسيئون إليهم ويطردونهم (مت ٣٩:٥- ٤٤) (لو ۲۷:٦- ۲۸)، بل إن الرب جعل غفراننا لمن يخطئون إلينا شـرطـا لكـي نــال نـحـن الغفـران الإلهـي (مت١٢:٦-١٥) (مر٢٥:١١- ٢٦) (لو ٣٧:٦)؛

فماذا جرى حتى يدهشنا الرب بألا يتسامح هذه المرة مع ادعاءات الكتبة والفريسيين بـأن إخراجهم للروح النجس من المجنون الأعمى الأخرس كان بالاتفاق مـع رئـيـس الـشياطين، ورفض اتهامهم بحزم ولم يتساهل إزاءه؟

مع هذا، فنحن نلاحظ أن الرب أكد في البداية على مبدأ غفران الخطايا، كما أكـد علـى تسامحه المعهود إزاء أي إساءات أو إهانات توجه إليه شخصيا كابن الإنسان (مـت ۳۱:۱۲-۳۲). فالتهجم هنا موجه لظاهره الإنساني ومنبعه الجهل وعدم إدراك حقيقته كالله الظاهر في الجسد. والرب تعرض بالفعل خلال حياته على الأرض لألوان من الإهانات والشتائم حتى أن أقاربه قالوا إنه مختل (مر ٢١:٣)، وهاجمه اليهود قائلين: “السنا نقول حسناً إنك سـامري وبك شيطان” وزادوا بأنهم رفعوا حجارة ليرجموه (يو ٤٨:٨، ٥٢، ٥٩، ٣١:١٠). بـل إن رؤساء الكهنة حكموا عليه أنه مستوجب الموت بتهمة التجديف هذه (مر٦٤:١٤) (يو ٧:١٩) ولكنه لم يتوقف أمام هذا كله، وحتى وهو معلق على الصليب وهو يسكب سكيبا تعالى علـى آلامه الساحقة وعبر عن إشفاقه على صالبيه وطلب من أجل مغفرتهم “لأنهم لا يعلمون مـاذا يفعلون” (لو ٣٤:٢٣).

فخطية الجاهل مهما بلغت لا تستعصي على الغفران طالمـا اقترنـت بالتوبة والعودة بالندم (أع ١٧:٣).

أما أن توجه الإساءة إليه كإله عن معرفة وقصد وتعمد، فهذا تجاسر وتبجح غير مقبول، وتعد مشين على الذات الإلهية. وفي إعلان الرب الصارم أن هذا غير مسموح بـه تحـذير وإنقاذ للإنسان من نفسه وحفظه من التهور وتجاوز الحدود إلى مناطق الهلاك.

وعندما ينسب العمل الإلهي إلى قوة الشيطان فهذا يفترض عملياً شراكة الـروح القدس (كلي القداسة) مع إبليس (الكذاب ملك الظلمة وروح الشر). فما أبشعه من تجديف على أقنوم الروح القدس الموحى بكل ما هو مقدس وجليل وخير وبناء ومسر، وعلى الثالوث الأقدس بالتالي.

وكيف نجمع الذي يودع في قلب المؤمن ثماره الفضلي من محبة وفرح وسلام وطول أناة ولطف وصلاح وإيمان ووداعة وتعفف (غل ٢٢:٥-۲۳) والذي يحفز على كراهيـة الخطية والنأي عنها ويحث على التوقف عن السير في طريق الموت، مع من لا يوصي بغير الشر والإثم.

وبحسب هذا التفكير الذي نادى به الفريسيون فإن الله قد تعاون مع الشيطان وتواطأ معـه وصنع اتفاقاً كي يقبل إخراج واحد من أتباعه كي تكتمل المعجزة وينـال الله الكرامـة أمـام الناس ويتمجد. أي أن الله يتصارع أمام إبليس الذي يبدو كريما متنازلا كي يبقـي علـى مـا يتوهمه الناس من قدرة الله على غير الحقيقة! فأي إهانة يتعرض لها الروح القدس بهذا الفكر القاصر أن الرب يخرج الشياطين ببعلزبول رئيس الشياطين.

ولقد استحق الكتبة والفريسيون إنذار الرب لهم على ارتكابهم هذه الخطية الموجهة مباشرة إلى صميم اللاهوت لأنهم لم يكونوا من عامة الناس البسطاء أو من المنحرفين الأشرار وإنما على العكس كانوا الخبراء في الكتاب والمتخصصين في الأمور الدينية. فهي خطية مقصودة عن سبق إصرار وتعمد ولا يمكن التسامح فيها.

عن الذين سقطوا في خطية التجديف على الروح القدس

+ كان إبليس وجنوده هم أول من سقطوا في هذه الخطية منذ أن تجاسـروا واستكبروا على الله، وبعد كرامة خدمة العلي سقطوا من نعمته وتحولوا إلى التعدي عن عمد وإصرار ضد الله وصاروا أعداء كل بر وهم وإن كانوا يؤمنون ويقشعرون رعبا (يع ١٩:٢) ولكـنهم عاجزون عن التوبة ومحرومون من الغفران وأسرى مصيرهم المظلم في بحيرة النار المتقدة، ويسجل عنهم الكتاب “كيف سقطت من السماء يا زهرة بنت الصبح كيف قطعت إلـى الأرض يا قاهر الأمم. وأنت قلت في قلبك أصعد إلى السموات. أرفع كرسي فوق كواكب الله وأجلس على جبل الاجتماع في أقاصي الشمال.

أصعد فوق مرتفعات السحاب. أصير مثـل العلـي. لكنك انحدرت إلى الهاوية إلى أسافل الجب” (إش ١٢:١٤-١٥) “أنت خـاتم الكمـال مـلان حكمة وكامل الجمال كنت في عدن جنة الله “أنت الكروب المنبسط” على جبـل الله المقـدس كنت.. أنت كامل في طرقك من يوم خلقت حتى وجد فيك إثم.. فأطرحك من جبل الله وأبيدك أيها الكروب المظلل بين حجارة النار.. سأطرحك إلى الأرض.. ولا توجد بعـد إلـى الأبـد” (حز ۱۲:۲۸-۱۹) “الله لم يشفق على ملائكة قد أخطأوا بل في سلاسل الظلام طرحهم فـي جهنم وسلمهم محروسين للقضاء” (۲بط ٤:٢) “والملائكة الذين لم يحفظـوا رياسـتـهم بـل تركوا مسكنهم حفظهم (الرب) إلى دينونة اليوم العظيم بقيود أبدية تحت الظلام… ومـضت وراء جسد آخر جعلت عبرة مكابدة عقاب نار أبدية” (يه ٦- ٧).

+ ويظل قايين، أسير الكراهية والحسد والتجاسر على قتل أخيه الوحيد، والوقـوف بكـل استهتار وتبجح أمام استجواب الله له، واحدا من هؤلاء. بل صار “طريق قـايين” (يه ۱۱) نهجاً للسالكين بحسب شهوات فجورهم وأطماع أجسادهم في كل زمان، وبينهم سدوم وعمورة التي لما انزلقتا إلى أحط الشهوات حكم الله عليهما بالانقلاب واضعا عبرة للعتيدين أن يفجروا (تك ٢٤:١٩، ٢٥، ٢بط ٦:٢).

+ ويبرز في العهد القديم أيضاً عيسو المستهتر المستبيح الذي “لأجل أكلـة واحـدة بـاع بكوريته (التي احتقرها)” وبعد ذلك “لما أراد أن يرث البركة رفض” رغم الدموع ولم تسعفه التوبة بعد أن فقد كل شيء (تك ٣٠:٢٥-٣٤، ٣٤:٢٧-٤٠)،        (عب١٦:١٢-۱۷).

+ وكان شاول أول ملك لبني إسرائيل (۱صم ١:١٠) وبدأ حسناً، ولكنه شيئاً فشيئاً تراجـع عن الطاعة وتجاسر على العصيان ولم يبال بالأمر الإلهي فكان نصيبه الرفض. وفي تخبطه في الظلام وحيداً اتجه إلى الجان يطلب المعونة، ولكنه عاد خالي الوفاض وقد تأكد له بـؤس حاله. وكانت نهايته الأليمة أن سقط على سيفه ليموت منتحراً (١صم٤:٣١).

+ وعندنا في العهد الجديد مثال يهوذا الذي كان ضمن الاثني عشر وصار له نصيب فـي الخدمة لأكثر من ثلاث سنوات يرى ويسمع ويتعلم. ولكن أطماعه الـصغيرة أسقطته فـي التجربة وهكذا انسحب من دائرة النعمة إلى دائرة الهلاك، وباع سيده كعبد بثلاثين من الفضة وسلمه إلى جلاديه بقلب بارد يرتجف، ولكنه فقد الرجاء وأوصله الندم إلى خنـق نـفـسه “وإذ سقط على وجهه انشق من الوسط وانسكبت أحشاؤه كلها” (أع ١٨:١) فكانت نهايته التعسة.

+ أما هيرودس المتعاظم المنتفخ فمكتوب عنه أنه “في يوم لبس الحلة الملوكيـة وجلـس على كرسي الملك وجعل يخاطبهم. فصرخ الشعب: هذا صوت إله لا صوت إنـسـان. ففـي الحال ضربه ملاك الرب لأنه لم يعط المجد الله. فصار يأكله الدود ومات” (أع ۲۱-۱۲:۲۳).

عن خطية التجديف على الروح القدس

بناء على ما سبق ذكره، فإن خطية التجديف على الروح القدس هي

(١) إما التجاوز المباشر والتعرض لله وإهانته عن عمد والانقلاب عليه واستصغار شـأنه والتعالي عليه ورفضه كلية (كما فعل الشيطان)؛ أو استبعاده كأنه غير موجود (كمـا يفعـل الملحدون)؛

(٢) أو إنكار عمل روح الله ونفيه ونسبته إلى قوة الشيطان (كما ادعى الكتبة والفريسيون على الرب)؛

(٣) أو كل خطية تتم عن عمد وبإصرار واقتناع ورفض صوت الضمير والقانون حتـى النهاية، بما يشي بمفارقة الروح الفاعل في التوبة (كما جرى مع الملك شاول الـذي فارقـه روح الرب وبغته روح رديء – (١صم١٤:١٦) وهي حالة معظم المنتحرين)؛

(٤) أو الارتداد عن الإيمان بصورة نهائية والانسحاب من المسيح (وهو الخطـر الـذي يتهدد الكثيرين من مسيحيي اليوم).

على أنه ينبغي التأكيد أن خطية التجديف على الروح القدس ليست موقفاً طارئاً أو خطيـة مؤقتة أو فعلا عشوائيا يأتي عفو الخاطر، وإنما هي موقف صريح ثابت بوعي كامل للعقـل والقلب حتى الساعة الأخيرة، ودون خوف أو تردد أو تحفظ، بل بعناد وتصميم أكيـد يغلـق منافذ النفس من أن يصلها نور الحق الإلهي. ولأنها إساءة إلـى ذات الله والتجاسـر علـى عداوته ورفض تبعيته والاستقلال عنه، فلا مجال إذا لأي دور للروح القدس الذي انطفأ بغير رجعة (١تس ١٩:٥) ومعه يغيب الرجاء وتستحيل التوبة والندم والاعتراف بالخطأ والتطلع للرجوع للأحضان الإلهية، ومن ثم يستحيل أيضا الغفران المتاح لكل النفوس التي تخطـيء ولم تفقد شركة الروح، وظلت قادرة على التراجع والتأسـف والتوبـة، إذا جاءتهـا دعـوة الخلاص [كما جرى للمرأة الخاطئة (لو ٧)، وتلك التي أمسكت في زني (يو ٨)، أو زكـا (لو١٩)، وغيرهم. هكذا صار التجديف على الروح القدس خطية غير مغفورة على الأرض أو في السماء، فهو حكم نهائي بدينونة أبدية بغير نقض أو تراجع.

بالتالي، طالما أن هناك شعوراً بالندم بعد الخطأ مهما كانت شناعته، فلا يمكن أن نكـون هنا إزاء الخطية التي لا تغفر، ولا مجال هنا للتخوف من احتمال السقوط فيها. فهذا الوجـل والمبادرة بالتوبة هو بينة قاطعة أن هذه الخطية لم تقـع وأن الخاطئ لا يزال متمتعـاً بشركة الروح القدس الذي يلهم التوبة.

بين بطرس ويهوذا

تبع بطرس سيده من بعيد إلى دار رئيس الكهنة حيث كان يحاكم. واندس يصطلي بين الخدم خارج الدار يتابع ما يجري بقلب واجف لينظر النهاية، وفوجئ بجارية تواجهه أنه كان مع يسوع. ولما خرج إلى الدهليز إذا بأخرى تشهر به أنه يتبع السيد. ولأنه لم يكـن قد تهيأ مسبقاً لما جرى، ففي الحالين أنكر على الفور بل وأقسم نافيا معرفته به. وعندما جاء نفس الاتهام من آخرين لأنه جليلي ولغته تظهره وأنه كان معه في البستان اضطر أن يندفع أكثر فيلعن ويحلف وهو ينكر علاقته بيسوع للتخلص من هذا المأزق.

وقد كان الإنكار صريحاً ومؤكداً باللعن والحلف (رغم التحذير المسبق له من الـرب) ولكنه بالتأكيد لم يكن موقفاً مبيتاً وإنما كان تصرفاً عفويـاً بالمفاجأة باعثـه الـضعف البشري. مع هذا، ولأن المحبة التي دفعته أن يهرول وراء سيده في ساعته الصعبة ليقف إلى جانبه كانت أصيلة وعميقة في القلب، فسرعان ما أعادته نظرة السيد من بعيد إلـى وعيه ومعها صياح الديك “فتذكر بطرس كلام يسوع الذي قال له إنك قبل أن يصيح الديك (مرتين) تنكرني ثلاث مرات. فخرج إلى خارج وبكى بكـاء مـرا (مـت ٧٥:٢٦) (مـر٧٣:١٤) (لو٦١:٢٢- ٦٢).

فهنا رغم الإنكار المثلث والتجديف، فإن التوبة الدامعة كشفت أن الروح لـم يـفـارق والرب كان يعرف أن ما جرى – رغم هوله – زلة عارضة، ومن هنا فقد محـا ذنبـه الكبير، وعاد بطرس من جديد إلى مكانه القديم ومكانته الأولى. فليست كل سقطة، مهما كانت، تجديفاً على الروح. فتوفر التوبة والرجوع إلى الله شاهد على دوام الروح ونفي للسقوط في هذه الجريرة. وهو لما جاءت ساعته الأخيرة سلم بطرس حياته راضيا مـن أجل سيده، بل ولم يقبل أن يموت مثله لأنه لا يستحق، وهكذا صلب منكس الرأس.

ولكن موقف يهوذا يختلف. فهو بكل إرادته ووعيه تنكر للسيد الذي أحبه واختاره لـه تلميذاً، وارتضى وقد دخله الشيطان (يو۲:۱۳-۲۷)، (لو ٢٢:٢٢) أن يخون سيده ويسلمه بقلب بارد إلى الموت، في مقابل ثلاثين من الفضة. ولما عاد إلى نفسه ورأى هـول مـا فعل، ندم، ولكنه الندم الساحق بغير رجاء ولا قدرة على التوبة، وإنما هو طريق مسدود نهايته الهلاك. وهكذا مضى وقتل نفسه. ولأن الرب بعلمه السابق كان يعرف أن يهـوذا سیخونه بغير تراجع ويسلمه لأعدائه وستكون نهايته مأساوية، فقد سماه “ابـن الـهـلاك” (یو ۱۲:۱۷) وقال عنه “كان خيرا لذلك الرجل لو لم يولد” (مت٢٤:٢٦) (مر٢١:١٤).

عن الانتحار والمنتحرين

الانتحار، أي أن يقتل الإنسان نفسه، هو أحد نتائج مفارقة الروح القدس للنفس. والمنتحـر في أكثر الحالات يكون قد جدف حتى ولو لم ينتحر، ولكن انتحاره يعبر عن حالة اليأس التي يمر بها من يفارقه روح الله (١صم ١٤:١٦)، وحرمانه من الرجاء يجعله يهرب إلى المـوت من الواقع الأليم الذي يجثم عليه. فهو محكوم عليه بما هو فيه ويسير إلى حتفه بغير عودة لا لأن الله يقسره على هذا المصير – فحاشا الله “الذي يريد أن جميع الناس يخلصون” أن يحدر أحداً إلى القتل – وإنما لأنه فقد حريته بإرادته. وبمفارقة روح الله يتسلمه الشيطان فتـستحيل توبته، وفي ندمه المدمر يعمد إلى قتل نفسه.

ومع هذا، يمكن القول إن ليس كل من ينتحر يكون مجدفاً بالقطع، فبعضهم قـد يـكـون مريضاً عقلياً، وبعضهم لا يكون واعياً أو في كامل وعيه عند انتحاره، أو قد يكون مضطرباً نفسياً وغير مسئول – حتى قانوناً – عن أفعاله. وحتى في غير ذلك من الحـالات، فنحن لا نعرف تماما ما دار وقتها في عقل المنتحر ودفعه للتخلص من حياتـه بـلا رجعـة؛ كيـف استحكمت الحلقات حوله من ظروف وملابسات ولم تترك له مخرجاً حتى أنه لم يستطع منها فكاكاً؛

نعم.. نحن يصعب علينا الحكم على المنتحر مهما عرفنا من أسباب، ولكن الله يعرف كـل شيء. فلندع له الحكم والمصير. نحن فقط نصلي ونتوسل ونطلب الرحمة ولا نملك أكثر.

قبل السقوط

في تعليقه على انحراف الكتبة والفريسيين إلى التجديف على الروح القدس، أوضح الـرب أن هذا هو المتوقع منهم، فالشجرة تعرف من ثمرها وأن من فضلة القلب يتكلم الفـم، وأن الإنسان الشرير من الكنز الشرير في القلب يخرج الشرور (مت٣٣:۱۲-٣٥).  فحالة التجديف لا تأتي فجأة، ولكنها تبدأ بالتباعد عما هو إلهـي وروحـي والتحـول تدريجياً إلى كل ما هو عالمي وجسدي. وبالإغراق في الشر واستعذاب الخطية والتعـود على الفساد مع تجاهل صوت الضمير يحزن الروح القدس (أف ٣٠:٤) ويتحجر القلـب. وباستمرار مجافاة الله وإيهام النفس كذبا أن شيئا لم يتغير بالتمسح بقشور الدين والتسويف أمام دعاوي التوبة والتهرب من مواجهة الروح، يخمد صوت الضمير. وكلمـا غـرق الشخص أكثر في بحار الشهوة كلما صعب عليه الرجوع. وشيئاً فشيئاً يجد نفسه أسـيراً في أحضان الشيطان، وهكذا ينحدر إلى الصدام مع الروح، وفقدان مخافة الله. وبانطفـاء شعلة الروح (١تس١٩:٥)، يفقد الإنسان المعونة الإلهية وتتعذر التوبة، ويدخل في حالـة فجور وانحدار إلى الهلاك باستهتار وبغير ندم. هكذا يبلغ إلى إحدى حالات التجديف على في الله.

+ وعن الارتداد عن الإيمان،

وهو إحدى حالات التجديف الأخـرى، كتـب معملنـا القديس بولس في رسالته إلى العبرانيين محذراً من آمنوا من اليهود من بؤس المـصير إن هم ارتدوا عن المسيح بعد اختبار الخلاص والتراجع والانسحاب إلى الأعمال الميتـة والحياة القديمة الناموسية، مستثيراً وعيهم إلى الخطر المحدق بهم “لأن الذين استنيروا مرة وذاقوا الموهبة السماوية وصاروا شركاء الروح القدس وذاقوا كلمة الله الصالحة وقوات الدهر الآتي وسقطوا لا يمكن تجديدهم أيضاً للتوبة إذ هم يصلبون لأنفسهم ابـن الله ثانية ويشهرونه” (عب٤:٦-٦).

فنصيب المرتدين الذين ينسلخون من الروح القـدس دون أسف أو ندم هو الرفض الأبدي من الرحمة الإلهية “بل قبول دينونة مخيف وغيـرة نار عتيدة أن تأكل المضادين” (عب ٢٧:١٠) لأنهم بتوجههم المحزن الذي اختاروه بكامل إرادتهم هم كمن “داس ابن الله وحسب دم العهد الذي قدس به دنساً وازدری (احتقـر) بروح النعمة” (عب٢٩:١٠) وما أشد هولها من خطية؟! هكذا يعرض معلمنا بولس بشاعة هذا الانحراف وكيف يطعن الله في الصميم ومن هنا كان التحذير أنه “مخيف هو الوقوع في يدي الله الحي” (عب۳۱:۱۰).

وفي نفس الصدد يكتب معلمنا القديس بطرس عن المرتدين عن الإيمان إلـى حيـاة الخطية “لأنه إذا كانوا بعدما هربوا من نجاسات العالم بمعرفة الرب والمخلص يسوع المسيح يرتبكون أيضا فيها فينغلبون، فقد صارت لهم الأواخر أشر من الأوائل، لأنه كان خيرا لهم لو لم يعرفوا طريق البر من أنهم بعد ما عرفوا يرتدون عن الوصية المقدسة المسلمة لهم، قد أصابهم ما في المثل الصادق: كلب قد عاد إلى قيئه وخنزيرة مغتسلة (عادت) إلى مراغة الحمأة (التمرغ في الطين)” (۲بط ۲۰:۲-۲۲).

على أنه ينبغي التأكيد أن كل من ترك الإيمان مخدوعاً لأسباب مادية أو جسدية أو حتى عقيدية، أو بسبب الخوف والاضطهادات ثم عاد تائبا مستغفرا فسيغفر له حتمـاً. والكنيسة لا تعيد عماد الذين ينكرون الإيمان فترة ثم يرجعون نادمين، وقد توقع عليهم عقوبة كنسية بهدف ردعهم وتأكيد عودتهم.

وقبل سنوات (٢٠٠٥) تركت الشابة الأردنية ربي قعوار (وهي ابنـة قـس إنجيلـي) الإيمان بالمسيح إلى دين آخر، بل وتزوجت مغربيا ورافقته إلى الولايات المتحدة. وهناك أخذت تدعو الكثيرات إلى دينها الجديد لخمس سنوات، إلى أن اكتشفت خطأهـا الكبيـر. فانفصلت عن زوجها وعادت تائبة (۲۰۱۰/۷/۷) وشاهد الملايين اعترافها علـى “قنـاة الحياة” المسيحية واجتهدت في استعادة من ضللتهم من قبل إلى الإيمان المسيحي مـن جديد.

لقد ظلت خطية التجديف على الروح القدس مصدراً لقلق الكثيرين ظلوا نهباً للوساوس وبلغ اليأس ببعضهم كل مبلغ خشية أن يكونوا قد ارتكبوا هذه الخطية وحق عليهم الهلاك الأبدي: ربما يوم أن فقدوا أعصابهم في ضيقتهم واتهموا الله بإهمالهم، أو سـاءلوه عـن عدله الغائب أو مساندته للأشرار أو غيره من سقطات الضعف البشري، أو حتى عنـدما انخدعوا وتركوا الإيمان ثم عادوا نادمين.

فالندم والقلق والضيق بعد الزلل يعني أن الروح القدس حتى وإن أحزنه السقوط لا يزال في القلب يبكت ويدين ويستثير التوبة التي هي باب العودة إلى الله المكتوب عنـه أنه “غافر الاثم وصافح عن الذنب .. لا يحفظ إلى الأبد غضبه فإنـه يـسر بالرأفـة” (مي١٨:٧) وأن من يقبل إليه لا يخرجه خارجا (يو٣٧:٦). فلتسترح من ثم النفوس التي يعذبها الشك أنها قد تكون قد سقطت في هذه الخطية فاضطرابهم وشكوكهم هـو دليـل براءتهم. وليحذروا من الخوف المبالغ فيه الذي يسلب المرء سـلامه فهـذا مـن عمـل الشيطان الذي يسعى لإسقاطه في اليأس وفقدان الرجاء وهكذا يضمن هلاكه.

وعلى العكس، فالمجدفون يتقسى قلبهم جـداً، ويفقدون القـدرة علـى التوبـة، ولا يتراجعون عن عنادهم وصلفهم ولو بلغوا ساعة الاحتضار. وهناك من القصص عن أمثال هؤلاء الذين لا يطيقون حتى وهم يعانون سكرات الموت رؤية أب الكنيسة الذي قد يـأتي به ذو وهم، الذين ينفطر قلبهم حزنا عليهم، لمساعدتهم وهدايتهم في ساعتهم الأخيرة، دون أن يستجيبوا لتوسلاتهم. فهؤلاء قد فارقهم روح الله وبغتهم روح رديء معاد لخلاصـهم ويقودهم قسرا إلى الموت الأبدي والذين هم للمسيح لا يمكن أن يجدفوا عليه، والذين لا يريدون أن يتخلوا عن الله لا يمكن أن يتخلى عنهم الله “فإن كنا أولاداً فإننا ورثة أيضاً، ورثـة الله ووارثـون مـع المسيح” (رو۱۷:۸). [9]

 

 

المتنيح القمص تادرس البراموسي

 

الأحد الثالث من شهر مسرى المبارك

لأن من يصنع أرادة الله فهو أخي وأختي وأمي (مر٣ : ٢٢ – ٣٤)

لم يستطع الفريسيين إنكار معجزات الرب يسوع وقوته الخارقة للطبيعة وأبوا أن يؤمنوا بأن قوته هي من الله والا فكانوا قبلوه على انه المسيح المخلص الذين كانوا ينتظرونه وقد منعتهم كبرياؤهم وخوفهم على المناصب من ذلك وفى ذلك محاولة منهم للقضاء على شعبيته وأنفضاض الشعب من حوله . اتهموه إنه يستمد قوته من الشيطان فقال لهم يسوع كيف يقدر شيطان أن يطرد شيطان فإذا انقسمت مملكة على ذاتها لا تثبت وأن أنقسم بيت على ذاته يخرب . أن حجة قادة اليهود كانت بلا معنى مع أن الله تبارك أسمه يسمح للشيطان في بعض الأحيان بتجربة الإنسان . ألا أن هذا يكون بسماح من الله .

لكن هذا لا يمنع أن الله هو صاحب السلطان وهو المهيمن على كل الخليقة بأسرها يتسأل المسيحيين كثيراً عن خطية التجديف على الروح القدس . وهو أن الإنسان لا يسمع لصوت الضمير ولم يقبل إلى التوبة لأن الروح القدس في داخل الإنسان يبكته عندما يقدم على الخطية حسب قول الكتاب لا تحزنوا روح الله الذى داخلكم وهكذا يستمر الإنسان بدون توبة إلى أن ينتقل من هذا العالم وبعد انتقاله من هذا العالم ليست له توبة. بعد الموت . أذن ليس له مغفرة لأنه ليس خطية بلا مغفرة ألا التي بلا توبة فتب أذاً قبل فوات الأوان

أما العذراء مريم التي كانت سبب خلاص البشر فهي أم الله بالجسد أما عن أخوة يسوع الذين هم يوسى ويعقوب. وسمعان ويهوذا التي ولدتهم مريم أخت السيدة العذراء من كلوبا وأبناء خالته يعتبروا أخوته حسب الوضع اليهودي. وكثيراً ما كان أبن العم أو ابن الخال أو أبن العمة أو أبن الخالة يقال عنهم أخوته وما يثبت لنا أن السيدة العذراء مريم هي أم الله بالحقيقة حسب قول الملاك جبرائيل لما أتاها بالبشارة والمولود منك يدعى أبن الله.

وقول أليصابات أم القديس يوحنا المعمدان عند زيارة السيدة العذراء لها . من أين لي أن تأتى أم ربى إلى فقد صارت السيدة العذراء أم الله بالجسد لم تكن عائلة الرب يسوع قد أمنوا به وقد علمنا الرب يسوع أن صلتنا بعائلتنا الروحية هي أوثق وأهم من صلتنا بعائلتنا الجسدية. مع أن الرب يسوع كان يهتم بأمه وأقاربه. وأنه كان يهتم بكل من أحبوه وأمنوا به . بل كان يقدم لكل إنسان كيف يشفى من مرضه . ويحضهم على التوبة والغفران بأيمان ثابت .

كما أوضح لنا كيف نقيم علاقتنا بالمؤمنين الآخرين بالمحبة في هذا العالم . الذى يزداد أنانية في كل يوم وحب الذات وبينما يريد الرب يسوع أن الأسرة الواحدة مترابطة متحابة بعلاقاتها الدافئة بين الجميع . تستطيع الكنيسة أن تقدم العناية المميزة بالمحبة والرحمة والتضحية التي لا يجدها الكثيرون في أي مكان.

 

العظة الأولى

أ – البعد عن الله والجفاف الروحي

ب – أعداء الكنيسة ووضع العثرات

ج – الثبات على المبدأ ومقاومة الشر

د – الانقسامات وويلاتها على العالم والكنيسة

هـ – برود المحبة وتفتيت المجتمع

و – استمداد القوة والثبات على المبدأ

ذ – الحفظ على المبدأ والسيرة الصالحة

ح – الحفاظ على الأسرة وأرضاء الله

ط – كيف نعيش في أمان ولا نفقد سلامنا

ى – الطريق المثلى في أتمام الوصية

 

العظة الثانية

أ – حكيم ماهر وشعب معاند

ب – شيطان ومملكة وانقسامات

ج – قوى وأمتعة ولصوص

د – عالم وتجاديف ودينونة

هـ – حب وتوبة ومغفرة

و – أم وأخوة ومبادئ وقيم

ذ – دعوة ومكر وحكمة وحب

ح – استعداد واستبداد وناموس

ط – قادة عميان ومعلم مستنير

ى – الأسرة التقية والتربية السليمة

 

العظة الثالثة

أ – المقارنة بين الله والناس

ب – الاحتراس والإحساس وعمل الفضيلة

ج – أخذ القوة من الله للغلبة على الشر

د – حب الذات شر يؤدى إلى الانقسامات

هـ – كن ساهراً لئلا يؤخذ ثوبك منك

و – تقديم التوبة قبل فوات الأوان

ذ – أتقى الله وأرتبط بأسرتك تنحج طريقك

ح – أكرام الوالدين . وبركة دعواتهم

ى – عطية من الله ودعاء من الوالدين[10]

 

 

 من وحي قراءات اليوم

 

” من هم أمي وإخوتي ”

من منكم مثل أمي العذراء؟

التي لم تخطف أبصارها وقلبها بشارة رئيس الملائكة عن أن تسرع لخدمة امرأة مسنة ثلاثة أشهر (لو ١: ٣٩)

التي صمتت صمت الهادئين الكاملين أمام نظرات الشك ليوسف البار (مت١: ٩)

التي لم تندهش من ولادة ابنها الوحيد في مكان للحيوانات (لو ٢: ٧)

التي قبلت مشقة السفر الملآنة أخطار لمصر وعدم الاستقرار هربا من جنود هيرودس (مت ٢: ١٤)

التي حفظت في قلبها كل ما رأته وسمعته من المجوس والرعاة رغم عظم المجد فيه (لو٢: ١٩)

التي عاشت فقيرة بلا إمكانيات لدرجة معايرة الناس لابنها بأمه (مت١٣: ٥٥) (مر٦: ٣)

التي لم تطلب لنفسها مكانة أو تقدير لوضعها كأم المخلص (مر٣: ٣٢)

التي كانت طلبتها الوحيدة من ابنها تسديد احتياجات الناس في عرسهم (يو ٢: ٣)

التي قبلت أن يجوز في نفسها سيف لأجل خلاص العالم (لو ٢: ٣٥)

التي لم تنطق في عمق مجدها التي نالته (لو ٢: ١٩)، أو في عمق ألمها التي إجتازته (يو ١٩ : ٢٥)

من منكم مثل أمي؟!

 

 

 

 

المراجع:

 

١- والدة الإله مريم العذراء في فكر الآباء ( صفحة ٩٣ ) – القمص بنيامين مرجان باسيلي

٢- المرجع : كتاب من مجد إلي مجد للقديس غريغوريوس النيسي ( فصل ٣٤ ، ٤٦ ) – ترجمة القمص إشعياء ميخائيل – كنيسة رئيس الملائكة ميخائيل بالظاهر

٣- المرجع : تفسير إنجيل متي ( الإصحاح الثاني عشر ) – القمص تادرس يعقوب ملطي

٤- المرجع : كتاب تفسير إنجيل لوقا للقديس كيرلس الأسكندري صفحة ٤١٩ – ترجمة دكتور نصحي عبد الشهيد

٥-  المرجع : كتاب المنجلية القبطية الأرثوذكسية ( صفحة ٢٧١ ) – قداسة البابا تواضروس الثاني

٦- المرجع : دراسات في الكتاب المقدس – إنجيل متي – الإصحاح الثاني عشر (ص١٧٥، ١٧٦) – إصدار لجنة التحرير والنشر بمطرانية بني سويف

٧-  المرجع : كتاب عظات مضيئة معاشة ( صفحة ٦٣٠ ) – إصدار مطرانية ملوي

٨- المرجع : كتاب تأملات روحية في قراءات أناجيل آحاد السنة القبطية ( صفحة ٥٠٨ ) – كنيسة مار جرجس سبورتنج

٩- المرجع : مجلة مدارس الأحد عدد أغسطس لسنة ٢٠١٢

١٠- المرجع : كتاب تأملات وعناصر روحية في أحاد وأيام السنة التوتية ( الجزء الأول صفحة ٢٤٣ ) – إعداد القمص تادرس البراموسي