عيد الصليب قراءات اليوم الأوّل (١٧ توت )

قراءات عيد الصليب 

  

+ تأتي قراءات عيد الصليب في ثلاثة ايّام (١٧ ، ١٨ ، ١٩من شهر توت) لتُبْرِز لنا تدبير الثالوث في الخلاص  

قراءات اليوم الأوّل من عيد الصليب تُعْلِن قوة الصليب أو قوّة ابن الله التي ظهرت في الصليب (١كو ١: ٢٣- ٢٤) والتي بها محا الصك الذي كان علينا وسحق قوّات الظلمة والشر وحرَّر المسيبين في الجحيم 

وقراءات اليوم الثاني من عيد الصليب تُعْلِن مجد الصليب أو مجد الآب الذي ظهر بصليب الابن الوحيد فالصليب أظهر مجد محبّة الآب للبشرية (يو ٣: ١٦) لنجاتها من الهلاك الأبدي 

وقراءات اليوم الثالث من عيد الصليب تُعْلِن ديناميكيّة الصليب أي عمل الروح القدس في جهادنا اليومي والإماتة الدائمة (رو ٨: ١١) 

+ ظهور الصليب كان في عاشر برمهات ولكن لأن مجيئه دائماً في الصوم الكبير رتبت الكنيسة الاحتفال به ثلاثة أيام في عيد تكريس كنيسة علي اسم الصليب في ١٧ ، ١٨ ، ١٩ من شهر توت 

+ تقرأ فصول عيد الصليب في الثلاثة أيام العيد حتى أيام الآحاد ويعامل عيد الصليب معاملة الأعياد السيدية   

 

قراءات أناجيل باكر عيد الصليب (وأحد الشعانين) 

 

يأتي في هذه الدورة إثني عشر فصلاً من الأناجيل ومثلهم من المزامير 

وبينما يتكلَّم المزمور عن صاحب الأيقونة أو موضوعها فإن الأناجيل تتكلّم عن ملكوت العهد الجديد الذي أُسْتعِلَن بخلاص الرب في موته وقيامته 

لذلك تتكرَّر كلمة ” ملك وملكوت ” تقريباً في كل الأناجيل الإثني عشر 

أنت هو ملك إسرائيل ”                                             أمام الهيكل الكبير 

أنزل الأعزاء عن الكراسي ورفع المتضعين ”             أمام أيقونة والدة الإله 

ويملك علي بيت يعقوب إلي الأبد ”                أمام أيقونة رئيس الملائكة غبريال 

يشبه ملكوت السموات كنزاً مخفياً ”               أمام أيقونة رئيس الملائكة ميخائيل 

قد إقترب منكم ملكوت الله ”                         أمام أيقونة مار مرقس الإنجيلي 

قد إقترب ملكوت السموات ”                          أمام أيقونة الآباء الرسل 

حتي يروا إبن الإنسان آتياً في ملكوته ”               أمام أيقونة أنبا أنطونيوس 

ويتكئون في ملكوت الله ”                                      أمام الباب البحري 

وإذا السموات قد إنفتحت له ”                                  أمام اللقان 

هوذا ملكك يأتيك وديعاً ”                                          أمام باب الكنيسة  

ولكن الأصغر في ملكوت السموات أعظم منه             ” أمام أيقونة يوحنا المعمدان 

 

ويُمْكِن تقسيم الأناجيل الإثني عشر إلى ثلاث مجموعات 

الأربعة الأولي تخص الله الآب والعذراء (التجسّد) ورؤساء الملائكة 

الأربعة التاليين يتكلمون عن القديسين 

الأربعة الأخيرة تخُصّ الكنيسة 

 

وإذا كانت قراءات هذه الدورة تُوجِّه نظرنا إلي الصليب والخلاص فيمكن أن نري: 

في المجموعة الأولي (تدبير وخُدَّام الخلاص) لأن الآب بمحبته هو الذي أرسل ابنه الوحيد لخلاصنا (يو ٣: ١٦) واختار والدة الإله ليأخذ ابن الله منها جسده (لو ١: ٣٠) ببشارة رئيس الملائكة غبريال خادم التجسّد (لو ١: ١١- ٢٦) وأعلن رئيس الملائكة ميخائيل قيامته المُقدَّسة عندما دحرج الحجر عن فم القبر (قسمة القيامة والخمسين يوم المُقدَّسة) 

وفِي المجموعة الثانية ( أيقونات الخلاص ) وهم الذين غلبوا بدم الخروف وبكلمة شهادتهم ولم يحبوا حياتهم حتي الموت (رؤ ١٢ : ١١) لذلك نري في هذه المجموعة مار مرقس الرسول والآباء الرسل وأمير الشهداء مار جرجس وكوكب البرية الأنبا أنطونيوس والكنيسة المُقدَّسة تضعهم دائماً أمام أعيننا لننظر إلي نهاية سيرتهم ونتمثَّل بإيمانهم (عب ١٣ : ٧) ونطرح كل ثقل عندما نعيش في شركة مع سحابة الشهود السمائية (عب ١٢ : ١) وهم خراف قدَّموا حياتهم لأجل الحمل الأعظم فرسموا لنا آثار الغنم وبنوا لنا مساكن الرعاة (نش ١ : ٨) أي طريق الحياة في المسيح 

وفِي المجموعة الثالثة نري الكنيسة المُقدَّسة (وسائط الخلاص) لذلك نري أبواب الكنيسة البحري والقبلي واللقان والمعمودية فالكلام هنا عن مكان الخلاص وأسرار الخلاص ونري المساكن المحبوبة (مزمور القراءة التاسعة) وباب الرب الذي يدخل منه القديسين ( مزمور القراءة الحادية عشر ) وصوت الرب علي المياه – المعمودية – (مزمور القراءة العاشرة ) والتي تُؤهلّنا لنصير مثل شجرة الزيتون المُثمرة في بيت الله ( مزمور القراءة الثانية عشر ) 

 

أي أننا في الصليب – المجموعة الأولي – الذي يُعْلِن محبَّة الآب (يو ٣: ١٦)، ( يو ١٢ : ٣٢) مشدودين إلي فوق 

وفِي الصليب – المجموعة الثانية – الذي يُسْتَعلن في القديسين (رؤ ١٢: ١١)، (عب ١٢: ١) مسنودين بصلواتهم لأجلنا 

وفِي الصليب – المجموعة الثالثة – الذي نأخذ قوته في أسرار الكنيسة (١كو ١١: ٢٦)، (يو ٢٠: ٢٣) مرفوعين إلي فوق إلي السماويات 

(وهكذا في صليب إبن الله نري أنفسنا دائماً تجذبنا وتجتذبنا المحبّة الأبوية، وتسندنا شركة وصلوات القديسين، وترفعنا أسرار الكنيسة المُقدَّسة)  

 

كما تحكي الأناجيل الإثني عشر أوجه وجوانب الصليب والخلاص 

١- الصليب دعوة حب للإنسان لتبعية المسيح (إنجيل القراءة الأولي) 

فوجد فيلبس وقال له يسوع : اتبعني ”  

٢- الصليب خدمة وإحساس بالمسؤولية عن كل مُحتاج للخدمة (إنجيل القراءة الثانية) 

فقامت مريم في تلك الأيام وذهبت بسرعة إلي الجبال إلي مدينة يهوذا 

٣- الصليب بشارة الخلاص والفرح للبشرية كلها (إنجيل القراءة الثالثة) 

ها أنت ستحبلين وتلدين ابنا وتسمينه يسوع ”  

٤- الصليب اكتشاف كنز الحياة في قلوبنا فنبيع كل شيء لأجله ( إنجيل القراءة الرابعة ) 

يشبه ملكوت السموات كنزاً مخفياً في حقل وجده إنسان ومن فرحه مضي وباع كل ما كان له واشتري ذلك الحقل 

٥- الصليب دعوة للملكوت ( إنجيل القراءة الخامسة ) 

وقولوا لهم قد اقترب منكم ملكوت الله 

٦- الصليب قوة وسلطان علي أفعال المُضاد ( إنجيل القراءة السادسة ) 

ثم دعا تلاميذه الاثني عشر وأعطاهم سلطاناً علي الأرواح النجسة ”  

٧- الصليب ألم وضيق ولكن شهادة لا يستطيع العالم أن يُناقضها أو يُقاومها ( إنجيل القراءة السابعة ) 

وتساقون أمام ملوك وولاة لأجل إسمي فيؤول ذلك لكم شهادة … لأني أعطيكم فماً وحكمة لا يقدر جميع مُعانديكم أن يقاوموها أو يُناقضوها ”  

٨- الصليب إنكار يومي للذات والمُكافأة مجد أبدي (إنجيل القراءة الثامنة) 

ومن يهلك نفسه من أجلي يجدها … فإن ابن الإنسان سوف يأتي في مجد أبيه مع ملائكته وحينئذ يجازي كل واحد حسب عمله ”  

٩- الصليب اجتهاد وجهاد وليس افتخار بالشكل (إنجيل القراءة التاسعة) 

فقال لهم: اجتهدوا أن تدخلوا من الباب الضيق … وهوذا آخرون يكونون أولين وأولون يكونون آخرين ”  

١٠- في الصليب استعلنت بنوَّتنا لله الآب في المسيح (إنجيل القراءة العاشرة) 

وصوت من السموات قائلاً: هذا هو إبني الحبيب الذي به سررت ”  

١١- بالصليب يملك إبن الله علي قلوبنا بوداعته (إنجيل القراءة الحادية عشر) 

قولوا لإبنة صهيون هوذا ملكك يأتيك وديعاً راكباً علي آتان وجحش إبن آتان ”  

١٢- الصليب دينونة علي من يرفض الخلاص (إنجيل القراءة الثانية عشر) 

زمرنا لكم فلم ترقصوا نحنا لكم فلم تبكوا ”  

 

ملحوظة: اختلاف قراءات أناجيل باكر عيد الصليب قديماً  

يقول العلَّامة يسي عبد المسيح نقلاً عن أبو البركات في كتابه ” مصباح الظلمة في إيضاح الخدمة ” في الباب الثامن عشر ، في الصوم وترتيبه ، عند كلامه ما يعتمد في أحد الشعانين و ” أما فصول الأناجيل التي يقرؤنها عند تطوافهم بالزيتونة فهي علي رأي أهل كل كنيسة . وعادة كنيسة المعلقة بمصر أن يُقرأ فيها تحت صورة الشعانين إنجيل الصلاة ، فصل زَكَّا العشار من لوقا . وتحت أيقونة مار جرجس فصل من الانقضاء ، وعند هيكل يوحنا المعمدان يُقرأ الفصل المتضمن ذكره ومدحه وكل مكان كما ينسب إليه بعادة كل كنيسة ثم يعودون بالزيتونة إي هيكل الصلاة ، إلخ1 … ”  

ويؤكِّد هذا أيضاً الأب أثناسيوس المقاري 

أما فصول الأناجيل التي يقرؤنها عند تطوافهم بالزيتونة ، فهي علي رأي أهل كل كنيسة . وعادة كنيسة المعلقة بمصر أن يُقرأ فيها تحت صورة الشعانين ، إنجيل الصلاة فصل زَكَّا العشار من لوقا . وتحت أيقونة مار جرجس فصل من الانقضاء ، وعند هيكل يوحنا المعمدان ، يُقرأ الفصل المتضمن ذكره ومدحه . وفِي بيت النسوان ، فصل قائد المئة من لوقا . وفصل البشارة من لوقا تحت صورة السيدة. . وعند هيكل ميخائيل فصل التاجر من متي . وتحت المعمودية يُقرأ فصل من لوقا ، وقامت مريم2 . ”  

 

 

قراءات اليوم الأوّل من عيد الصليب ( ١٧ توت ) 

قوّة الصليب

” وهو مجروح لأجل معاصينا، مسحوق لأجل آثامنا. تأديب سلامنا عليه، وبحبره شفينا ” (أش ٥٣: ٥)

” قبل أن يربط بالحبال ليحلنا من رباطات خطايانا وتواضع ليرفعنا وجاع ليشبعنا وعطش ليروينا وصعد إلى الصليب عريانًا ليكسونا بثوب بره وفتح جنبه بالحربة لكل ندخل إليه ونسكن في عرش نعمته ولكي يسيل الدم من جسده لنغتسل من آثامنا وأخيرًا مات ودفن في القبر ليقيمنا من موت الخطية ويحيينا حياة أبدية ” قسمة للابن سنوي

” هكذا يبدو الصليب موضوع مقاومة، ومع ذلك فهو أعظم من أن يُقاوم، إذ يجتذب (المقاومين)

يتحدثون عن الصليب كجهالةٍ وضعفٍ. حقيقة الأمر ليس هكذا، بل هذا هو رأي الآخرين. فإنه إذ يعجز الفلاسفة عن أن يدركوه بالطرق العقلانية يبدو لهم ما هو سامٍ للغاية جهالة

أي شيء لم يقدمه الصليب؟ تعليم خلود النفس، وما يخص قيامة الجسد، والازدراء بالزمنيات، والاشتياق إلى الأخرويات. حقًا إنه يجعل من البشر ملائكة، ويمارس الكل في كل موضعٍ بذل الذات، ويظهرون لك أنواع الاحتمال[1]

[2]” إن روحي مكرسة للصليب ، الذي هو عثرة لغير المؤمنين ، لكنه خلاصنا وحياتنا الأبدية ”

شواهد القراءات

(مز ٤: ٧ – ٩) ، (يو ٨ : ٢٨ – ٤٢) ، (مز ٥٩ : ٣ ) ، (يو ١٢ : ٢٦ – ٣٦) ، (١كو ١ : ١٧ – ٣١) ، (١بط ٢ : ١١ – ٢٥) ، (أع ١٠ : ٣٤ – ٤٣) ، (مز ٤٦ : ١ ، ٢) ، (يو ١٠ : ٢٢ – ٣٨)

ملاحظات على قراءات اليوم

+ إنجيل باكر اليوم (يو ١٢: ٢٦ – ٣٦) هو إنجيل باكر يوم ٨ هاتور (تذكار الأربعة الحيوانات غير المُتجسِّدين)

ومجيئها في عيد الصليب لأجل قول الرب الذي أشار فيه إلي صليبه

” وأنا أيضاً إذا ارتفعت من الأرض أجذب إليّ كل واحد ”

ومجيئها في قراءات يوم ٨ هاتور للإشارة إلي الصوت من السماء وإعتقاد الجموع أنه صوت أحد القوّات السمائية

الكاثوليكون اليوم (١بط ٢: ١١ – ٢٥) يأتي جزء منه (١بط ٢ : ١١ – ١٧) في قراءات ٢٢ هاتور ، ٣٠ بؤونه ، ٢٦ مسري ، وأيضاً جزء منه (١بط ٢ : ١٨ – ٣ : ١ – ٧) في قراءات الأحد الثالث من شهر مسري

والجزء الذي لم يأت في القراءات الثلاثة (١بط ٢: ١٨ – ٢٥) هو جزء خاص بالصليب لذلك جاء فقط في عيد الصليب ” الذي رفع خطايانا على الخشبة بجسده … والذي شُفيتم بجراحاته ”

أمَّا الجزء الخاص بالقراءات الثلاثة فهو الذي يتكلم عن السيرة المُقدَّسة وقبول الألم من أجل الله، والشهادة للمسيح ، لذلك جاء في قراءات قبول الألم من أجل الشهادة للمسيح والشهادة للحق في ٢٢ هاتور ( شهادة القديسين قزمان وإخوته وأمهم ) ، ٣٠ بؤونه ( وجود عظام يوحنا المعمدان ) ، ٢٦ مسري ( شهادة القديس موسي وسارة أخته )

والجزء الخاص بالأحد الثالث من شهر مسري يتكلَّم عن عائلة الله (الرجال والنساء في الأسرة) موضوع قراءة ذاك الأحد ( خاصة من آية ١ إلي آية ٧ في الإصحاح الثالث )

+ قراءة الإبركسيس اليوم (أع ١٠: ٣٤ – ٤٣) تُشبه قراءة الإبركسيس (أع ١٠ : ٣٧ – ١١ : ١) للأحد الأوَّل من شهر هاتور ، وفي قراءة ذاك الأحد التركيز علي موهبة الروح القدس التي أعطيت للأمم عند سماع كلمة الله

+ الأيام المُحوَّلة علي يوم ١٧ توت :

يوم العاشر من شهر برمهات (تذكار اكتشاف وظهور الصليب)

يوم ١٢من شهر مسري (تذكار تملك قسطنطين الملك )

شرح القراءات

تبدأ القراءات بالمزامير التي تُعْلِن ماهو صليب ابن الله وكيف صار في حياتنا؟

(١) هو نور وجه الابن الذي يفيض علينا بالسرور القلبي ورجاء الحياة

” قد ارتسم علينا نور وجهك يارب أعطيت سروراً لقلبي لأنك أنت وحدك يارب اسكنتني علي الرجاء ”

(٢) هو علامة النجاة والخلاص

” أعطيت الذين يتقونك علامة ليهربوا من وجه القوس لكي ما ينجو أحباؤك خلصني بيمينك ”

(٣) مصدر التسبيح والقوّة الجاذبة لكل البشر

” لك ينبغي التسبيح يا الله في صهيون ولَك توفي النذور في أورشليم استمع يا الله صلاتي لأنه إليك يأتي كل بشر ”

بينما تُبْرِز القراءات الثلاث البولس والكاثوليكون والإبركسيس قوّة الصليب في الكنيسة المقدسة

 

فقوّة الصليب في البولس لا يفهمها أقوياء البشر والعالم بل يعتبرها ضعفاً والحكمة التي تُسْتٓعلن بالصليب لا يصل إلي عمقها حكماء وفهماء العالم لأنها فوق إدراكهم المحدود لذلك يعتبرونها جهالة وتظهر قوّة الصليب في الذين اختارهم الرب من بسطاء وجهلاء وضعفاء وأدنياء العالم لكي لا يفتخر أي بشر أمامه

” لأن جهالة الله أحكم من الناس وضعف الله أقوي من الناس … بل اختار الله جهّال العالم ليُخزي الحكماء واختار الله ضعفاء العالم ليُخْزي بهم الأقوياء واختار الله أدنياء العالم والمرذولين والذين ليسوا موجودين ليُبْطل بهم الموجودين”

 

أمّا قوّة الصليب في الكاثوليكون هي قوّة فداء وقوّة موت وقوّة حياة بالبرّ وقوّة شفاء بجراحاته

” الذي رفع خطايانا علي الخشبة بجسده لكي ما إذا مُتْنا بالخطايا فنحيا بالبرّ والذي شُفيتم بجراحاته ”

بينما تظهر قوّة الصليب في الإبركسيس في الشهادة والكرازة

” يسوع الذي من الناصرة كمثل ما مسحه الله بالروح القدس والقوة … ويشفي كلّ الذين قُهِروا من الشيطان … ونحن شهود لكل شيء … وأمرنا أن نكرز للشعب ونشهد بأن هذا هو المعيّن من الله دياناً للأحياء والأموات وهذا الذي شهد له جميع الأنبياء أن كلّ من يؤمن به ينال باسمه غفران الخطايا ”

أمّا الأناجيل فتتكلّم عن قوة الصليب في حياة البشر

لذلك يوضّح إنجيل عشيّة أن قوّة الصليب قوّة مُغيّرة ومُحرّرة من الخطيّة

” إن أنتم ثبتّم في كلامي فبالحقيقة أنتم تلاميذي وتعرفون الحق ويجعلكم الحق أحراراً … إن كل من يصنع الخطيئة فهو عبد للخطيئة … فإن حررَّكم الإبن فحقاً تصيرون أحراراً ”

ويُعْلِن إنجيل باكر أن قوّة الصليب قوّة دينونة للعالم الشرير وقوّة سحق للشيطان وفي ذات الوقت قوّة جذب لأولاده

” الآن دينونة هذا العالم الآن رئيس هذا العالم يطرح خارجاً وأنا أيضاً إذا ارتفعت من الأرض أجذب إليّ كل واحد ”

وفي إنجيل القداس نري القوة الحافظة من الهلاك

” لأن خرافي تسمع صوتي وأنا أعرفها فتتبعني وأنا أعطيها حياة أبدية ولن تهلك إلي الأبد ولا يخطفها أحد من يدي … ولا يقدر أحد أن يخطف من يد أبي ”

 

ملحوظة: تصليب النيل

يقول العلامة يسي عبد المسيح أنه من بداية هذا اليوم يكفُّ النيل عن الزيادة حسب اعتقاد العامّة قديماً :

” تحتفل الكنيسة في اليوم السابع عشر من توت بتذكار ظهور الصليب المجيد وهذا اليوم يعرف عند العامة بتصليب النيل بمعني أن النيل يكف عن الزيادة ويبتدئ في النزول وفيه إنه إذا زاد النيل بعد عيد الصليب فإن البلاد تغرق من الفيضان (قبل بناء السد العالي ) وهذا ما يؤيد ما قلناه سابقاً أن للأعياد المسيحية ارتباطا وثيقاً بعادات قدماء المصريين[3]

مُلخّص القراءات

الصليب هو نور وجه الابن وعلامة النجاة والخلاص وموضوع التسبيح لكل البشر           (مزمور عشية وباكر والقدّاس)

وقوّة الصليب وحكمته لا يفهمها أقوياء وشرفاء وحكماء العالم لسموّها علي تفكيرهم              (البولس )

وهي قوّة حياة بالبر وشفاء للجراحات                                                                        (الكاثوليكون )

وموضوع كرازة وشهادة الكنيسة                                                                                (الإبركسيس )

وهي قوّة مغيرة ومحررة للإنسان من الداخل                                                              (إنجيل عشيّة )

وقوّة ساحقة للشيطان وجاذبة لأولاده                                                                        (إنجيل باكر)

وقوّة حارسة وحافظة من الشرير ومن الهلاك                                                           ( إنجيل القداس )

 

أفكار مُقترحة للعظات

(١) قوَّة الصليب في حياتي اليومية

١- قوَّة مُغيَّرة ومُحرِّرة للإنسان من الداخل                      إنجيل عشيَّة

” فإن حرَّركم الابن فحقاً تصيرون أحراراً ”

الحرِّية هنا داخلية حرِّية القلب من كل ما هو للإنسان العتيق من حقد وكبرياء وشهوة وخوف

٢- قوَّة ساحقة للشيطان وجاذبة لأولاد الله                     إنجيل باكر

” الآن دينونة هذا العالم ، الآن رئيس هذا العالم يُطرح خارجاً ، وأنا أيضاً إذا ارتفعت من الأرض أجذب إليَّ كل واحد ”

الصليب يسحق الشيطان ويجتذب بالحب الخطاة والبعيدين والعطشى للخلاص

٣- قوَّة حارسة وحافظة من الشرير ومن الهلاك               إنجيل القدَّاس

” وأنا أعطيها حياة أبدية ولن تهلك إلي الأبد ولا يخطفها أحد من يدي ”

الحياة مع المسيح المصلوب تجعلنا دائماً في يده الإلهية المثقوبة لأجلنا والتي ترتعب منها كل قوات الظلمة فلا تقدر أي قوَّة أن تخطفنا من يده

(٢) قوَّة الصليب في الخدمة والكرازة

١-قوَّة وحكمة الصليب عند المُخلَّصين                        البولس

” لأن كلمة الصليب عند الهالكين جهالة وأما عندنا نحن المخلصين فهو قوَّة الله ”

قوَّة العالم أمام الصليب ضعف وحكمة وفلسفات العالم أمام الصليب جهالة وليس معني هذا أن الصليب ضد حكمة العالم لكنه فوقه وأعلي من إمكانياته المحدودة لذلك يقول أن جهالة الله أحكم من الناس وضعف الله أقوي من الناس

أي أن قوَّة الصليب وحكمته لا يفهمها أقوياء وشرفاء وحكماء العالم لسموّها علي تفكيرهم

٢- قوَّة شفاء وبرّ                                        الكاثوليكون

” لكي ما إذا مُتْنا بالخطايا فنحيا بالبرّ والذي شُفيتُم بجراحاته ”

أعظم وسيلة لشفائنا ولشفاء من نخدمهم هو المحبّة المُعلنة في الصليب والقبول المجاني لكل إنسان كما قبلنا الله مجانا ببره الإلهي ( مثال : وليمة الحب مع العشَّارين والخطاة ومع لاوي ومع زَكَّا )

٣- قوَّة المسحة والشهادة                                 الإبركسيس

” يسوع الذي من الناصرة كمثل ما مسحه الله بالروح القدس والقوة هذا الذي جاء يصنع الخير ويشفي كلَّ الذين قُهِروا من الشيطان لأن الله كان معه ونحن شهود لكل شئ صنع في كورة اليهودية … ”

المسيحي شاهد بحياته وبالخير الذي يقدمه ولمسات المحبّة التي تشفي كل المجروحين من قساوة وجحود العالم والبشر

(٣) ثمار الصليب

١-معرفة واستنارة                                                مزمور عشيَّة

” قد ارتسم علينا نور وجهك يارب ”

الصليب هو الطريقة الوحيدة لكي نري يسوع كل يوم عندما نموت مثل حبَّة الحنطة فنأتي بثمر كثير (نريد أن نري يسوع … ان لم تقع حبة الحنطة في الأرض وتمت فهي تبقي وحدها ولكن إن ماتت تأتي بثمر كثير – (يو١٢: ٢١-٢٤)

٢- نصرة                                                             مزمور باكر

” أعطيت الذين يتَّقونك علامة : ليهربوا من وجه القوس لكي ما ينجو أحباؤك ”

ما أجمل ما نُسبِّح به في إبصالية الجمعة ( ربنا يسوع المسيح قد أعطي علامة لعبيده لكي يسدوا أفواه الأسود .. يطفئوا قوَّة النار .. لكي يخرجوا الشياطين .. لكي يتسلطوا علي أعدائهم .. أن يشفوا كل مرض …. )

٣- تسبيح                                                           مزمور القدَّاس

” لكي ينبغي التسبيح يا الله في صهيون ”

التسبيح هو لغة الحب والشكر والفرح بما قدمه رب المجد لنا في صليبه وموته وقيامته

( ٤ ) الصليب هو طريق معرفتنا الحقيقية لله ، ومجدنا فيه ، وجاذبية الحب للآخرين

١-طريق معرفتنا الحقيقية لله

عندما جاء اليونانيين لفيلبس الرسول يسألونه ” يا سيِّد، نريد أن نري يسوع ” وجاء فيلبس إلي أنداوس ، وأندراوس إلي المسيح له المجد ، كانت الإجابة في هذا الوقت غريبة وغير مفهومة :

” وأما يسوع فأجابهما قائلا: «قد أتت الساعة ليتمجد ابن الإنسان. الحق الحق أقول لكم: إن لم تقع حبة الحنطة في الأرض وتمت فهي تبقى وحدها. ولكن إن ماتت تأتي بثمر كثير.”(يو ١٢: ٢٣ – ٢٤)

وهذا معناه أن الطريق الوحيد لرؤية الله ومعرفته بالحقيقة هو الصليب والموت عن العالم

٢- الصليب هو مجدنا فيه

إن كنا نتألم معه لكي نتمجد أيضا معه ” (رو ٨: ١٧)

الألم في حد ذاته مُحطِّم للإنسان، لكن حضور المسيح فيه يُحوَّله إلي مجد ، بل ويأتي منه بثمر كثير ” وكان في الموضع الذي صلب فيه بستان “( يو ١٩ : ٤١ )

والأكثر من ذلك أن يصير الألم فخر وموضع سرور الإنسان وتعزيته

لذلك أسر بالضعفات والشتائم والضرورات والاضطهادات والضيقات لأجل المسيح. لأني حينما أنا ضعيف فحينئذ أنا قوي.”(٢كو ١٢:  ١٠)

٣- الصليب هو جاذبية الحب للآخرين

وأنا إن ارتفعت عن الأرض أجذب إلي الجميع ” (يو ١٢: ٣٢)

ارتفاع الأنبا أنطونيوس عن الأرضيات جذب كثيرين للرهبنة، وارتفاع يوستينا عن الشهوات جذب كبريانوس الساحر للإيمان، وارتفاع مار جرجس ومار مينا ، ومار بقطر ، وأبوسيفين عن مجد العالم جذب كثيرين جدَّا للإيمان

 

 

المراجع

 

١كتاب السنة الكنسية القبطية – يسي عبد المسيح – إصدار الأغنسطس نبيل فاروق فايز

٢– البصخة المُقدَّسة الجزء الأوَّل ص ١٦٥ – الأب أثناسيوس المقاري

٣- القديس يوحنا ذهبي الفم (تفسير رسالة كورنثوس الإصحاح الاول – القمص تادرس يعقوب ملطي )

٤- أغناطيوس الشهيد – الكنيسة المسيحية في عصر الرسل صفحة ٢٦٧ – المتنيح أنبا يؤانس أسقف الغربية

٥- كتاب السنة الكنسية القبطية ص ١٨ – يسي عبد المسيح – إصدار الأغنسطس نبيل فاروق فايز