اليوم السادس عشر من توت

 

 

(تذكار تجديد كنيسة القيامة )

لا أدخل خيمة بيتي. لا أصعد على سرير فراشي

لا أعطي وسنا لعيني ، ولا نوما لأجفاني

أو أجد مقاما للرب، مسكنا لعزيز يعقوب ” (مز ١٣٢: ٥،٤،٣)

( نسجد للآب والإبن والروح القدس السلام للكنيسة بيت الملائكة ) ذكصولوجية باكر

” كما أن عناصر هذا الخبز، كانت فيما مضى،

قد بُعثرت مرة في الجبال،

وقد جُمعت معًا وصارت واحدًا،

كذلك ابن كنيستك المقدسة من كل أمة،

ومدينة وبلدة وقرية وبيت،

واجعل منها كنيسة واحدة حيَّة جامعة[1]. ”

” ليبحث كل منا كيف يبني في داخله مسكنًا لله…!

ليحمل في داخل نفسه تابوت العهد حيث لوحا الشريعة، فيلهج في ناموس الرب نهارًا وليلًا .

ليكن فكره ذاته تابوتًا ومكتبة تحفظ الكتب الإلهية، إذ يقول النبي: “طوبى لمن يحفظ في قلبه ناموس الرب ليعمل به”.

ليحمل في قلبة قسط المن، أي الإدراك الصحيح والعذب لكلمة الله.

لتكن له عصا هارون ، أي التعليم الكهنوتي المدقق على الدوام في تقوى[2].. ”

شواهد القراءات

(مز ٨٣ : ٤) ، (لو ٧ : ١ – ١٠) ، (مز ٢٥ : ٥ )، (لو ١٩ : ١ – ١٠)، (عب ٩ : ١ – ١٠) ، (١بط ٢ : ١ – ١٠) ، (أع ٩ : ٣١ – ٤٣)، (مز ٦٤ : ١ ، ٢ )، (مت١٦ : ١٣ – ١٩)

ملاحظات علي قراءات اليوم 16 من شهر توت

+ تأتي قراءة إنجيل عشيَّة اليوم (لو ٧:١-١٠) أيضاً في قراءة إنجيل عشيَّة  في الأحد الرابع من شهر أبيب

ومجيئها اليوم فهو للإشارة إلي قول اليهود للرب أنه يحب أمتنا وبني لنا المجمع لذلك جاءت في تذكار تجديد كنيسة القيامة ، وهو الجزء الذي لم يذكره القديس متي ، لذلك كانت رواية القديس متي هي الأنسب ليوم ١٦ توت

أمَّا مجيئها في الأحد الرابع من شهر أبيب فهو للإشارة إلي شفاء غلام قائد المئة وعظمة إيمان قائد المئة مقارنة بعتاب الرب لمرثا ” ألم أقل لك : إن آمنت ترين مجد الله ”

كما أن موضوع القراءة من القديس متي جاء أيضاً في إنجيل عشيَّة في يوم ٢٥ هاتور ( شهادة أبو سيفين ) ، وجاء أيضاً في إنجيل باكر الأحد الثالث من توت

في يوم ٢٥ هاتور تأتي الإشارة إلي سلطان الرب في الشفاء ومدي إيمان قائد المئة وهو رجل له سلطان أرضي مُقارنة بالقديس أبو سيفين الذي كان ضابطاً في الإمبراطورية ولكن بسلطان روحي يفوق سلاطين الأرض ، وفي إنجيل باكر الأحد الثالث من توت تأتي القصة لتضع قائد المئة مع زكَّا العشار بعظم الاشتياق للمسيح له المجد في زكَّا العشَّار كنموذج للخطاة ، وعظم الإيمان في قائد المئة كنموذج للأمم

+ إنجيل باكر (لو ١٩ : ١ – ١٠) والذي يحكي قصة لقاء الرب مع زَكَّا العشار وهو الذي جاء أيضاً في إنجيل قدّاس الأحد الثالث من شهر توت والأحد الرابع من شهر أمشير ، وأيضاً في إنجيل باكر أحد الشعانين ، وإنجيل الصلاة الثانية من صلوات سر مسحة المرضي

والعجيب مجيئه اليوم مع تذكار تجديد الكنيسة ، وكأن الكنيسة تُشير إلي بيوت أولاد الله ( زكَّا ) تصير كنائس بحضور المسيح له المجد فيها ( ينبغي لي اليوم أن أكون في بيتك ) ، والتلاقي بين الإنجيل ودخول الرب أورشليم كمن يدخل لقلب كل إنسان مثل زكَّا وبيته والمقارنة بين موائد الصيارفة لرجال الهيكل وسخاء العطاء لرئيس العشارين ، ومجيئه في صلاة سر مسحة المرضي للتأكيد علي شفاء الروح كأساس لشفاء النفس والجسد

+ قراءة البولس هذا اليوم (عب ٩ : ١ – ١٠) تشبه قراءة البولس ليوم ١ بشنس (عب ٩ : ١ – ١٢) وهو اليوم الموافق لتذكار والدة الاله

القراءة الأولي تتكلم عن المُقارنة بين كنيسة العهد القديم ( الخيمة والهيكل ) وكنيسة العهد الجديد وهذا يوافق تذكار تجديد كنيسة القيامة ، أمّا الآيتين المُضافتين في القراءة الثانية تُشيرا إلي تجسّد الكلمة ، والمسكن الأعظم والأكمل هو جسده ، وهو غير المصنوع بيد أي بدون زرع بشرٍ وهذا يوافق تذكار والدة الاله

+ قراءة الكاثوليكون اليوم (١بط ٢ : ١ – ١٠) مُكرَّرة في قراءات أيَّام ١ طوبه ( شهادة إستفانوس رئيس الشمامسة ) ، ٣ طوبه ( شهادة أطفال بيت لحم ) ، ٢ بؤونه ( وجود عظام يوحنا المعمدان ) ، مع ملاحظة زيادة آية في بداية هذه القراءات الثلاث وهي ختام الإصحاح الأول (١بط ١ : ٢٥) ، كما جاءت أيضاً في قراءات الأحد الرابع من شهر أبيب

والكلام في قراءة اليوم ( ١٦ توت ) للإشارة إي كنيسة العهد الجديد ، الحجارة الحيّة ، الكهنوت الملوكي ، الجنس المُختار والأُمَّة المُقدّسة

ومجئ هذه القراءة في يوم  ١ طوبه للإشارة إلي مجد ظهور الله للأمم وإيمانهم به ( موضوع قراءة اليوم ) ” الذين قبلاً لم تكونوا شعباً وأمَّا الآن فأتم صرتم شعب الله ”

ومجيئها يوم ٣ طوبه للإشارة إلي أهمِّية التشبه بالأطفال ” مثل أطفال مولودين الآن اشتهوا اللبن العقلي العديم الغش”

ومجيئها يوم ٢ بؤونه للإشارة إلي جوهر كرازة يوحنا وهو الإشارة إلي الحجر الذي صار رأس الزاوية وحمل الله الذي يرفع خطية العالم وعريس البشريّة ، كما أن رأس الزاوية ( المسيح له المجد ) هو الذي ربط بين العهدين القديم والجديد ، كما أن يوحنا هو الذي سعي لكي يُقدِّم للبشرية عريسها الحقيقي ، ورُبما لأجل هذا بدأ الإبركسيس في ذلك اليوم بكلمة ” ولما أكمل يوحنا سعيه ”

ومجيئها في الأحد الرابع من بؤونه للإشارة إلي مجد ابن الله حجر الزاوية الذي أعطي الحياة للعازر الميت بعد أربعة أيَّام في القبر

+ قراءة الإبركسيس اليوم (أع ٩:٣١-٤٣) تُشبه قراءة الإبركسيس للأحد الرابع من شهر توت ، وهنا في قراءة هذا الأحد الإشارة إلي طابيثا ” المرأة ” موضوع قراءة الأحد كُلّه

أمَّا مجيئها اليوم فهو للإشارة إلي آية ٣١ ( وأما الكنيسة في كل اليهودية والجليل والسامرة فكان لهم سلام مبنيين وسائرين بخوف الرب وكانوا يزدادون كثرة بعزاء الروح القدس ) ، وأيضاً آية ٤١ ( القديسين والأرامل ) أي وحدة أعضائها

+ تأتي قراءة إنجيل القداس لهذا اليوم (مت ١٦:١٣-١٩) أيضاً في إنجيل قداس يومي ٩ هاتور ( تذكار إنعقاد مجمع نيقية ) ، ٢٩ هاتور ( تذكار الأنبا بطرس بابا الإسكندرية ) ، وفي إنجيل عشيّة ٣ أبيب ( تذكار القديس كيرلس السكندري )

مع ملاحظة أن هذا الفصل الكتابي يأتي في إنجيل عشيّة وباكر والقدّاس ليوم تسعة وعشرين هاتور في تذكار شهادة أنبا بطرس بابا الإسكندرية لذلك يكون محور وسبب مجيئه إعلان القديس بطرس وشهادته للاهوت المسيح له المجد

بينما مجيئه في إنجيل القدَّاس ليوم سادس عشر توت ( تجديد كنيسة القيامة ) للتركيز علي أساس الكنيسة علي صخرة الإيمان ، ويأتي أيضاً في إنجيل القدَّاس ليوم تاسع هاتور ( تذكار مجمع نيقيه ) لإعلان جوهر الإيمان المسيحي لاهوت إبن الله ، ومجيئها يوم تاسع وعشرين هاتور ، وفي إنجيل عشيّة ليوم ثالث أبيب للإشارة إلي رسالة الرعاة وهي الجهاد لأجل هذا الإيمان المُسلَّمْ مرّة للقديسين ،وأيضاً للإشارة إلي سلطان الرعاة المُعطي لهم من الرب نفسه في الحل والربط

+ القراءات المُحوَّلة علي هذا اليوم

الثامن والعشرون من شهر برمهات                                    ( تذكار نياحة قسطنطين الملك )

التاسع من شهر بشنس                                ( نياحة هيلانة الملكة أم قسطنطين الملك )

وواضح ارتباط تذكارهما بكنيسة القيامة وتكريسها

شرح القراءات

لأن اليوم هو تذكار تجديد كنيسة القيامة لذلك تنطلق بنا قراءات اليوم لنحلّق في الأعالي ونري طول الكنيسة وعمقها وعرضها وإرتفاعها فيُستعلن لنا غني الحضور الإلهي وملء محبّته لكل البشر

فالكلام اليوم عن الكنيسة المبني والمعني ، الحرف والروح ، الحجارة المادية والحجارة الحيّة ،  الرأس والأعضاء ، والجسد الواحد بأعضائه المنظورين وغير المنظورين

لذلك تتكلّم المزامير عن بيت الله الذي يحوي مذبح الملك               ( مزمور باكر )

وموضع مجده وعجائبه                                                            ( مزمور باكر )

وملجأ كل البشر                                                                  ( مزمور القداس )

فيعطي مزمور عشية التطويب لكل السكان في بيته الذين يعبدون ويباركون الملك إله القوات

( مذابحك يارب إله القوات ملكي وإلهي طوبي لكل السكان في بيتك يباركونك إلي الأبد )

ويكشف مزمور باكر عن محبة النفس البشرية لبيته وإشتهاءها أن تري مجده وعجائبه

( يارب أحببتك جمال بيتك وموضع مسكن مجدك لكي أسمع صوت تسبحتك وأنطق بجميع عجائبك )

ويدعو مزمور القداس كل البشر للصلاة والتسبيح

( لك ينبغي التسبيح يا الله في صهيون ولَك توفي النذور في أورشليم استمع يا الله صلواتي لأنه إليك يأتي كل بشر )

ثم نري ظلال الكنيسة ورموزها في العهد القديم                   ( البولس )

ومعناها وجوهرها                                                       ( الكاثوليكون )

وبنيانها ونموها وانتشارها                                               ( الإبركسيس )

لذلك يشرح البولس ظلال العهد القديم عن الكنيسة القبّة الأولي والمنارة والمائدة وخبز التقدمة التي تمثّل كنيسة العهد القديم وكيف يجب أن تتوقف الذبائح والقرابين وكل أشكال العبادة في العهد القديم ليظهر طريق الأقداس وكنيسة العهد الجديد التي تأسست علي الصليب ودم ابن الله

( لأن القبّة الأولي صُنعِت وهي التي كانت فيها المنارة وخبز التقدمة وتدعي القدس … أما القبّة الثانية فيدخلها رئيس الأحبار وحده مرة في كل سنة وليس بغير دم الذي كان يقدمه عن نفسه وعن جهالات الشعب وهذا يظهره الروح القدس أن طريق الأقداس لم يظهر بعد ما دامت القبّة الأولي قائمة )

بينما يوضّح الكاثوليكون معني الكنيسة وأساسها حجر الزاوية ربنا يسوع المسيح له المجد والذين يؤمنون به الحجارة الحيّة والكهنوت الملوكي والأمّة المقدسة التي تُعْلِن هذا من خلال فضائل النور وحياة البرّ

( وكونوا أنتم أيضاً كحجارة حيّة مبنيين بيتاً روحانياً وكهنوتاً مقدساً لتقديم ذبائح روحية مقبولة عند الله علي يد يسوع المسيح … فالحجر الذي رزله البناؤون هذا الذي صار رأساً للزاوية … أما أنتم فإنكم جنس مختار ومملكة وكهنوت وأمة مقدسة وشعب بارُّ لكي تظهروا فضائل ذاك الذي دعاكم من الظلمة إلي نوره العجيب )

ثم نري في الإبركسيس الكنيسة التي تُبني بعمل الروح القدس ومواهب الشفاء التي للآباء الرسل لبنيان الكنيسة ونموها

( وأما الكنيسة في كل اليهودية والجليل والسامرة فكان لهم سلام مبنيين وسائرين بخوف الرب وكانوا يزدادون كثرة بعزاء الروح القدس … فقال له بطرس يا إينياس يشفيك يسوع المسيح قم وافرش لنفسك فللوقت قام ونظروه كل الساكنين في لدّة وسارون الذين رجعوا إلي الرب )

أما الأناجيل فتُبرز الكنيسة التي تضم من كل الأمم والشعوب              ( إنجيل عشيّة )

وتقبل كل الخطاة والعشارين                                                        ( إنجيل باكر )

وإيمانها يأتي من الإعلان السماوي وليس من اللحم والدم                ( إنجيل القداس )

لذلك يتكلم إنجيل عشيّة عن إيمان الأمم الذي يفوق أحياناً إيمان البنين وعن تكريم الله ومكافأته للأمم الذي يساعدون في بناء بيته

( فأما هم فجاؤوا إلي يسوع وطلبوا إليه بإجتهاد قائلين إنه مستحق أن تفعل له هذا لأنه محب لأمتنا وقد بني لنا المجمع … يارب لا تتعب فإني لست مستحقا أن تدخل تحت سقف بيتي لذلك لم أحسب ذاتي مستحقاً أن آتي إليك لكن قل كلمة فيبرأ فتاي … فلما سمع يسوع هذا تعجب منه والتفت فقال للجمع الذي يتبعه الحق أقول لكم إني لم أَجِد في كل إسرائيل إيماناً بهذا المقدار )

ويُعلن إنجيل باكر قبول كنيسة العهد الجديد لكل الخطاة والمنبوذين وإتّساع حظيرة الإيمان لتقبل كل الخراف الضالة والتي ليست من الحظيرة

( فلما رأوا تذمروا أجمعين قائلين إنه دخل إلي بيت رجل خاطئ ليستريح … فقال له يسوع اليوم صار الخلاص لهذا البيت فإنه هو أيضاً ابن ابراهيم لأن ابن البشر جاء ليطلب ويخلص الذي قد هلك )

بينما يختم إنجيل القداس بعمق أساس الكنيسة وسر قوتها ونصرتها علي الجحيم وأعمال الظلمة في إيمانها بالمسيح ابن الله الحي صخرتها وهو الإعلان السماوي الدائم الذي تعيشه الكنيسة وتشهد به للعالم

( فأجاب سمعان بطرس وقال أنت هو المسيح ابن الله الحي فأجاب يسوع وقال له طوبي لك يا سمعان ابن يونا أن لحماً ودماً لم يعلن لك هذا لكن أبي الذي في السموات )

ملحوظة هامّة

يأتي هذا الإعلان اللاهوتي ( في إنجيل القدَّاس ) من الله الآب للقديس بطرس كمركز للأناجيل الثلاثة ، متي ومرقس ولوقا ، ويبدأ الرب يسوع بعده مباشرة (مت ١٦ : ٢١) في إخبار تلاميذه الإثني عشر عن موته وقيامته ، وكأن الصليب هو الطريق الوحيد لمعرفته المعرفة الحقيقية ، وأيضاً معرفته ترتبط بشركة موته وقيامته (في ٣ : ١٠) ، كما أجاب الرب سؤال فيلبس ونثنائيل عن من يريد أن يري يسوع فكلمهم عن حبَّة الحنطة التي إن ماتت تأتي بثمر كثير (يو ١٢ : ٢٤) ، ومن ناحية أخري ، يقودنا الإعلان اللاهوتي دائماً لشركة حمل الصليب بفرح (عب ١٠ : ٣٤) ، ويقودنا إلي الحياة السماوية من خلال قيامته المُقدَّسة (كو ٣ : ١).

الإعلان اللاهوتي في إنجيل متي جاء في (مت ١٦: ١٦)

وإعلان الرب لتلاميذه عن الصليب جاء بعدها في (مت ١٦: ٢١) ، (مت ١٧ : ٩ ، ١٢) ، (مت ١٧ : ٢٢) ، (مت ٢٠ : ١٧ ، ١٨) ، (مت ٢٠ : ٢٨) ، (مت ٢١ : ٣٨ ، ٣٩) ، (مت ٢٦ : ٢)

والإعلان اللاهوتي في إنجيل مرقس جاء في (مر ٨: ٢٩)

وإعلان الرب لتلاميذه عن الصليب جاء بعدها في (مر ٨: ٣١) ، (مر ٩ : ١٢) ، (مر ٩ : ٣١) ، (مر ١٠ : ٣٣) ، (مر ١٠ : ٤٥) ، (مر ١٢ : ٨)

والإعلان اللاهوتي في إنجيل لوقا جاء في (لو ٩: ٢٠)

وإعلان الرب لتلاميذه عن الصليب جاء بعدها في (لو ٩: ٢٢) ، (لو ٩ : ٣١) ، (لو ٩ : ٤٤) ، (لو ١٣ : ٣٢) ، (لو ١٨ : ٣٢) ، (لو ٢٠ : ١٥) ، (لو ٢٢ : ٢٢) ، (لو ٢٢ : ٣٧)

أمَّا إنجيل يوحنا فيمكن أن نعتبره إنجيل الصليب، فهو الإنجيل الذي تكلَّم عن الصليب من بدايته في الإصحاح الأول ، وحتي يوم خميس العهد (يو ١٣)

وفي الغد نظر يوحنا يسوع مقبلا إليه، فقال: «هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم! (يو ١: ٢٩)

أجاب يسوع وقال لهم: «انقضوا هذا الهيكل، وفي ثلاثة أيام أقيمه» (يو ٢: ١٩)

وكما رفع موسى الحية في البرية هكذا ينبغي أن يرفع ابن الإنسان، لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية. (يو ٣: ١٤)

لأننا نحن قد سمعنا ونعلم أن هذا هو بالحقيقة المسيح مخلص العالم (يو ٤: ٤٢)

والخبز الذي أنا أعطي هو جسدي الذي أبذله من أجل حياة العالم (يو ٦: ٥١)

لأن ساعته لم تكن قد جاءت بعد (يو ٧: ٣٠)

متى رفعتم ابن الإنسان، فحينئذ تفهمون أني أنا هو (يو ٨: ٢٨) ، أبوكم إبراهيم تهلل بأن يرى يومي فرأى وفرح (يو ٨ : ٥٦)

أنا هو الراعي الصالح، والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف (يو ١٠: ١١)

بل إذ كان رئيسا للكهنة في تلك السنة، تنبأ أن يسوع مزمع أن يموت عن الأمة، وليس عن الأمة فقط، بل ليجمع أبناء الله المتفرقين إلى واحد. (يو ١١: ٥١ ، ٥٢)

الحق الحق أقول لكم: إن لم تقع حبة الحنطة في الأرض وتمت فهي تبقى وحدها. ولكن إن ماتت تأتي بثمر كثير. (يو ١٢: ٢٤)

ملحوظة أخري

في الأناجيل الثلاثة يأتي سؤال الرب للتلاميذ عن من يقول الناس عنه ، ولكن يأتي الحوار في كل إنجيل مرتبط بشئ قبله أو بعده يُقدِّم مفتاح الجواب ومدخل المعرفة الصحيحة ( الجزء ده ممكن بخط ثقيل )

في إنجيل لوقا يأتي الإعلان الإلهي والاستنارة مرتبط بالألم وحمل الصليب                            ( إنجيل عشية )

وفي إنجيل مرقس يربط الاستنارة بوضع ابن الله يده علي أعيننا                                           ( إنجيل باكر )

أمَّا في إنجيل متي ترتبط الاستنارة واستعلان ابن الله بنصرة الكنيسة علي أبواب الجحيم        ( إنجيل القداس )

في إنجيل لوقا يأتي سؤال الرب والإعلان الإلهي لبطرس الرسول عن من هو إبن الإنسان ( المسيح إبن الله الحي ) وعن ارتباط هذا الإعلان الإلهي بإعلان الصليب والألم والموت والقيامة فهما دائما الارتباط ببعضهما فلا يوجد معرفة لله معرفة حقيقية إلَّا من خلال الصليب والقيامة كما أن استعلان ابن الله واضح في من ينكرون ذواتهم من أجل الله

( فسألهم قائلاً من يقول الناس إني أنا … فأجاب بطرس أنت مسيح الله فإنتهرهم وأوصاهم أن لا يقولوا هذا لأحد قائلاً أنه ينبغي أن إبن البشر يتألم كثيرا .. ويقتل وفِي اليوم الثالث يقوم وكان يقول للجميع إن أراد أحد أن يتبعني فلينكر نفسه ويحمل صليبه كل يوم ويتبعني )

وفِي إنجيل مرقس يأتي الإعلان الإلهي بعد معجزة لمس الرب الأعمي بيده مرتين لينال النظر والرؤية الكاملة ولعل حدوثها علي مرتين إشارة للإحتياج الدائم للمسة يديه علي أعيننا لنراه لذلك لابد أن يُعْلِن الله ذاته بنفسه لنا وهو الوحيد القادر أن يجعلنا نعرفه لكن فقط ينتظر مجيئنا إليه وإيماننا به

( فأخذ بيد الأعمي … ووضع يديه عليه وسأله ماذا تبصر فتطلع وقال أني أبصر الناس كأشجار يمشون ثم وضع يديه أيضاً علي عينيه فأبصر وشفي ونظر كل إنسان جلياً … وفِي الطريق سأل تلاميذه قائلاً لهم من يقول الناس إني أنا … فأجاب بطرس وقال له أنت هو المسيح )

أمَّا إنجيل متي يرتبط فيه الإعلان والإستعلان الإلهي بوعد الرب بالنصرة وأنه هو الصخرة التي ستتحطم أمامها أبواب الجحيم سواء من الإضطهادات أو التعاليم الكاذبة والهرطقات ولذلك يربط هذا بالكنيسة فهي حافظة الإيمان وحارسة التعليم النقي عن المعرفة الحقيقية لله

( سأل تلاميذه قائلاً ماذا يقول الناس في إبن البشر … فأجاب سمعان بطرس وقال أنت هو المسيح إبن الله الحي … وأنا أقول لك أيضاً أنت بطرس وعلي هذه الصخرة أبني بيعتي وأبواب الجحيم لن تقوي عليها وأعطيك مفاتيح ملكوت السموات وما تربطه علي الأرض …. )

مُلخّص القراءات

أي أن كنيسة العهد الجديد هي كنيسة كل الأمم والشعوب وكنيسة الخطأة وتأسست علي الإيمان بابن الله الحي                                                                                                                ( إنجيل عشية وباكر والقدّاس )

وكنيسة العهد القديم هي ظلّها وأعضاؤها حجارة حية مملوئين من الفضائل لذلك تمتلئ بالأعضاء الجدد بعمل وتعزية الروح القدس فيها                                                                            ( البولس والكاثوليكون والإبركسيس )

وهي مكان التسبيح والعبادة أمام مذبح الملك وهي رجاء كل البشر        ( مزمور عشية وباكر والقدّاس )

أفكار مُقترحة لعظات

(١) الكنيسة رموز وظلال ومعني وحياة

١-ظلال الكنيسة ورموزها                            البولس

يشرح القديس بولس كل رموز الكنيسة في العهد القديم في خيمة الإجتماع وكيف أعدت شعب الله في القديم للخلاص في زمان التقويم وكيف أنار الروح القدس وفتح أذهان المؤمنين ليروا كنيسة العهد الجديد مُخْتِبئة في القديم

٢- جوهر الكنيسة ومعناها                        الكاثوليكون

يشرح القديس بطرس معني الكنيسة بيتاً روحياً والمؤمنين حجارة حيَّة وجنس مختار ومملكة وكهنوت وأمة مقدسة وشعب مبرر كما نصلّي في قسمة الآباء الرسل الأطهار

٣- بنيان الكنيسة ونموها                         الإبركسيس

يُعْلِن الإبركسيس معني نمو الكنيسة :

فكان لها سلام ( يُقْصَد به داخلها أي بين المؤمنين وبعضهم البعض )

مبنيين وسائرين بخوف الرب

وكانوا يزدادون كثرة بعزاء الروح القدس

(٢) معني الكنيسة بيت الله

١- بيت الشفاء لمن يشعرون بعدم إستحقاقهم                    إنجيل عشيَّة

وهذا نراه في قائد المئة الأممي الذي رأي نفسه غير مستحق لدخول السيد لبيته فصار بيته بيت الشفاء ووجدوا العبد المريض قد صح نتيجة عِظَمْ إيمانه

٢- بيت الخلاص للخطاة الذين يريدون أن يروا يسوع                    إنجيل باكر

ما أجمل أن ينال زَكَّا العشار الخلاص وتَخْلُص أسرته بسبب إشتياقات قلبه الكبيرة ويتحول بيته إلي بيت الخلاص حسب كلام الرب له

٣- البيت المبني على صخرة الإيمان                                   إنجيل القدَّاس

الصخرة هنا هي رب المجد نفسه (١كو ١٠: ٤) والإيمان الحي به يجعل الكنيسة قادرة على إختراق أبواب الجحيم

(٣) أحببت جمال بيتك (الشهوة المُقدَّسة لبيت الله)

١- شهوة الدخول والوجود الدائم في بيته                         مزمور عشيَّة

طوبي لكل السكان في بيتك

ولعل هذا هو المقصود بكلام المزمور ” إرجعي يا نفسي إلي موضع راحتك ” فالكنيسة دائماً هي موضع راحتنا التي نرجع إليها بعد كل ما نجتازه في العالم ومن العالم

٢- شهوة الإستماع لصوت التسبيح                               مزمور باكر

” يارب أحببت جمال بيتك … لكي أسمع صوت تسبحتك ”

التسبيح هو غذاء النفس ودوام التسبيح يعطي هدوء وراحة للنفس في الله

٣- شهوة بيته هي شهوة الكل علي إختلاف إحتياجاتهم وإشتياقات قلوبهم    مزمور القدَّاس

” استمع يا الله صلواتي لأنه إليك يأتي كل بشر ”

ما أجمل أن تُعْطي العبادة الكنسية لكل إنسان إحتياجه وتروي عطشه

(٤ ) العظة الثالثة في العظات المُقترحة ليوم تاسع هاتور والخاصة بإنجيل القدَّاس (مت ١٦:١٣-١٩)

عظات آبائية

القديسان إكليمندس وهيبوليتس

معني ومغزي تشبيه الكنيسة بالسفينة عند القديسان إكليمندس وهيبوليتس

البحر هو العالم ،نزلت اليه الكنيسه حتي العمق لكنها لم تهلك لان قبطانها المسيح ماهر.

اذ تحمل صليب الرب تحمل الغلبه علي الموت في داخلها……

البحاره هما العهدان ( القديم والجديد)

والحبال المحيطه بها هي محبه المسيح التي تربط الكنيسه.

الشبكه التي معها هي جرن الميلاد الجديد الذي يجدد المؤمنين.

الروح القدس حال فيها كبحار ماهر يختم به المؤمنون…..

لها مراسي من حديد تحتفظ بها. هي وصايا المسيح نفسه، قويه كالحديد!

بها نوتيه علي اليمين واليسار. خدام كالملائكة القديسين يديرون الكنيسه ويحفظونها.

السلم الذي نصعد به الي ظهر السفينه هو تذكار الام المسيح ، به ترتفع قلوب المومنين الي السماء.

القلاع المرتفعه فوق السفينه هي شركه الانبياء والشهداء والرسل الذين يدخلون راحتهم…..

الأب هيبوليتس

جسم الكنيسه ككل يشبه السفينه.

يحمل اناسا من اجناس متنوعه ،

وسط عاصفه عنيفهً……..

الله ( الاب) هو صاحب السفينه.

والمسيح قبطانها.

الاسقف يشبه الملاحظ،

والكهنة هم البحاره،

والشمامسة هم المجذفون

ومعلموا الموعوظين هم المضيفون[3].

القديس أمبروسيوس

ترفقوا بالخطاة

ترفقوا … حتي بمنكريّ الإيمان

في رفضهم عصيان لوصايا الله

يقولون إنه يجب ألا نقبل منكري الإيمان في الجماعة مرة أخري ، إذ دنسوا المقدسات ، الأمر الذي يستثنيهم من نوالالغفران . وبالتالي يجب أن نقسو عليهم .

إنهم بهذا الزعم ينقضون الوحي الإلهي ، متمسكين بتعاليم خاصة ، لأن الرب إذ غفر الخطايا لم يستثنِ منها شيئاً .

لقد حسبوا بعلمهم هذا أنهم يعطون الرب مهابة عظيمة … لكن الحقيقة أنه لن يوجد من يسيء إلي الله مثلهم ، إذأساءوا إلي وصاياه ، وازدروا بوظيفتهم (ككهنة الله ) . لأنه إذ قال الرب يسوع نفسه في الإنجيل :” اقبلوا الروح القدس.من غفرتم خطاياه تغفر له .ومن أمسكتم خطاياه أمسكت(لو٢٠: ٢٢، ٢٣) ،لذلك فمن يكرم الرب يطيع هذه الوصيَّة ولايعصاها.

عمل الكنيسة أن تحل

تستند الكنيسة في طاعتها لهذه الوصيَّة علي كلا جانبيها ، الربط والحل .أما هرطقة نوفاتيوس فهي من جهة قاسيةعلي الخطاة ، ومن جانب أخر غير مطيعة لهذه الوصيَّة . إذ تريد أن تربط ولا تحل ما تربطه . وهي بهذا تحكم علينفسها بنفسها ، لأن الرب يريد تساوي السلطانين وتقديسهما بطريقة متشابهة ، فمن ليس له سلطان للحل ، يكون بلاسلطان للربط أيضاً . أما من يكون له سلطان الربط ، فيكون له سلطان الحل أيضاً كقول الرب . بهذا حكموا علي فسادتعليمهم ، إذ بإنكارهم سلطان الحل أنكروا سلطانهم للربط أيضاً … ماذا أقول أيضاً عن عجرفتهم المتزايدة ؟! فإنإرادتهم تناقض روح الرب الذي يميل إلي الرحمة لا إلي القسوة … إنهم يفعلون ما لا يريده لأنه وهو الديان ومن حقه أنيعاقب ، نجده برحمته يعفو … !

الكنيسة تحل جميع الخطايا

يقولون أنه باستثناء الخطايا الكبيرة ، تعطي حلاً عن الخطايا الصغيرة…

الله لم يصنع مثل هذا التمييز ، بل وعد بمراحمه للجميع ، واهباً كهنته سلطاناً أن يحلوا جميع الخطايا بلا استثناء… فأي ضلال هذا ، أن تدعوا لأنفسكم ما يمكن أن تحلوه من الخطايا ، ناسبين إلي الرب الخطايا التي لا تُحل . بهذاتنسبون لأنفسكم الرحمة وللرب القسوة …!

إنه يجب أن نعرف أن الله إله رحمة ، يميل إلي العفو لا إلي القسوة .لذلك قيل :” أريد رحمة لا ذبيحة ” (هو٦:٦) فكيفيقبل الله تقدماتكم يا من تنكرون الرحمة ، وقد قيل عن الله إنه لا يشاء موت الخاطيء مثل أن يرجع (حز١٨: ٣٢)؟!

وتفسيراً لهذه الحقيقة يقول الرسول :” فالله إذ أرسل ابنه في شبه جسد الخطية ولأجل الخطية دان الخطية في الجسد، لكي يتم حكم الناموس فينا”(رو٨: ٣، ٤) …

يسوع يفتح أبواب الرجاء

إن كان حديثنا السابق يكشف عن ميل الرب يسوع إلي الرحمة فلنتركه الآن يحدثنا بنفسه … فإنه عندما قال :” فكلمن يعترف بي قدام الناس أعترف أنا أيضاً به قدام أبي الذي في السموات”(مت ١٠:٣٢،٣٣) .

عندما تكلم عن المعترفين به قال ” كل من ” أما عند حديثه عن حالة الإنكار فلم يذكر كلمة “كل ” … ففي حالة الجزاءالمفيد وعد به جميع المعترفين به ، أما عند العقاب فلم يهدد الكل …

هذا لم يكتبه إنجيل ربنا يسوع المسيح الذي لم يسجله “متي ” فقط ، بل وسجله “لوقا ” أيضاً (لوقا ١٢:٨،٩) حتي نتأكدأن ما كُتب لم يكن بمحض الصدفة …

لنتأمل الآن معني قوله ” كل من يعترف بي قدام الناس ” . إنه يقصد من يعترف به أياً كان عمره ، وأياً كان حاله ، دونأي استثناء . أما في الإنكار فلم تذكر عبارة مشابهة …

يقول داود النبي :” هل إلي الدهور يرفض الرب ؟!… هل انتهت إلي الأبد رحمته ؟!… هل نسي الله رأفته أو نزع برجزهمراحمه؟!” (مز ٧٧:٧- ٩) . هذا هو ما يعلنه لنا النبي بينما يصر أولئك عن إنكار مراحم الله !

ضمّدوا جراحاته

أتغلقون الباب في وجوه هؤلاء الخطاة؟!… لأنه ماذا يعني رفضكم لقبول توبتهم سوي إغلاق الباب في وجوههم ؟!

لم يعبّر السامري الصَّالح تاركًا الإنسان الذي ألقاه اللصوص بين حي وميت ، بل ضمد جراحاته بزيت وخمر ، صبعليه أولاً زيتاً لتلطيف آلامه . وأنكأه علي صدره ، أي احتمل كل خطاياه . هكذا لم يحتقر يسوع الراعي خروفه الضال .

لكنك تقول إن هذا الإنسان الخاطيء ليس لي علاقة به .

يا من تريد أن تبرر نفسك قائلاً بأنه ليس بقريبك .إنك بهذا صرت متكبراً أكثر من الفريسي الذي أراد أن يجرب السيدالمسيح قائلاً :” من هو قريبي؟”

سأل الفريسي من هو قريبه ، وأما أنت فتنكر قرابته لك ، عابراً بالمجروح بلا مبالاة ، مثلك في هذا مثل الكاهن واللاويمع أنه كان يلزمك ألا تتركه ، بل تأخذه وتتعطف عليه ، وتودعه الفندق (الكنيسة ) حيث يدفع السيد المسيح الدينارين عنه، هذا قد ألزمك به السيد المسيح قريبه … لقد جعلت من نفسك إنساناً غريباً عنه بكبريائك . انتفخت عليه باطلاً ، منقبل ذهنك الجسدي وعدم تمسكك بالمسيح الرأس(كو ٢:١٨،١٩) . لأنك لو كنت قد تمسكت بالرأس ، لما كنت تترك ذاكالذي مات المسيح عنه لو كنت قد تمسكت بالرأس لأهتممت بالجسد كله ، وأهتممت بالارتباط بين الأعضاء بدون انقسام، متمتعاً بالنمو من الله (كو ٢:١٩) برباط المحبة وإنقاذ الخطاة .

إنك عندما ترفض قبول التوبة ، إنما بذلك تقول :” لن يدخل في فندقنا مجروح ، ولا يُشفي أحد في كنيستنا ، إننا لانهتم بالمرضي . فنحن كلنا أصحاء ، ولسنا في حاجة إلي طبيب ، لأنه هو نفسه قال ولا يحتاج الأصحاء إلي طبيب بلالمرضي “!

لا تثقلوا النير

تعال أيها الرب يسوع إلي كنيستك ، فإن هؤلاء (أتباع نوفاتيوس) يصنعون تمييزاً . فيقول كل واحدٍ منهم بأنه قد أحضرلغيره نير ثور ، بدلاً من أن يضع عليه نير السيد المسيح الهين . إنه يلقي عليهم بالنير الثقيل ، الذي هو نفسه لا يحتمله . وبذلك يتباعد بشره عن خدامك الحقيقيين ، معاملاً الغير بازدراء ، بل ويقتلهم . إذن فلترسل يارب إلي شوارع المدينةولتجمع الصَّالح والطالح ، مدخلاً إلي كنيستك الضعفاء والعمي والعرج (لو ١٤:٢١) .

مُرّ يارب أن يمتليء بيتك ، محضراً إياهم (الخطاة) إلي وليمتك ، لأنك أنت تخلق (روحياً) من يتبعك عندما تدعوه…

يارب ، إن كنيستك لم تعتذر عن الحضور إلي وليمتك ، لكن هؤلاء الخدام (أتباع نوفاتيوس) هم الذين يميزون بين منيدخل ومن لا يدخل .

إن عائلتك لم تقل :” إنني من الأصحاء وغير محتاجة إلي طبيب ” بل تقول :” اشفني يا رب فأشفي ، خلصني فأخلص” (إر ١٧:١٤) . إن شبيهة كنيستك هي تلك المرأة التي جاءت من ورائك ولمست هدب ثوبك ، قائلة في نفسها :” إنمسست ثوبه فقط شفيت “(مت ٩:٢١) .

هكذا تعترف الكنيسة بجراحاتها لكنها ترغب في الشِفّاء .

وأنت حقاً أيها الرب تريد أن الكل يشفون ، وإن لم يرد الكل الشِفّاء .

إن أتباع نوفاتيوس لا يريدون هذا ، إذ يحسبون أنفسهم أصحاء .

إنك أيها الرب تعلن بأنك مريض (في أولادك) ، إذ تشعر بمرض أقل شخص فيهم قائلاً :” كنت مريضاً فزرتموني”(مت٢٥: ٣٦) . أما هم فيرفضون زيارتك ، عندما يرفضون زيارة أشر الخطاة . لي قلت لبطرس عندما أراد أن يستثني نفسه من غسل قدميه :” إن كنت لا أغسلك فليس لك معي نصيب “(يو١٣: ٨) …

إنهم في شرهم ينكرون إمكانية الحل من الخطية حتي في داخل الكنيسة ، مع أنك قلت لبطرس :” أعطيك مفاتيح ملكوت السماوات. فكل ما تربطه علي الأرض يكون مربوطاً في السماوات . وكل ما تحله علي الأرض يكون محلولاً فيالسماوات “(مت ١٦:٩) . وإناء الله المختار نفسه يقول :” والذي تسامحونه بشيء فأنا أيضاً . لأني أنا سامحت به ، إنكنت قد سامحت بشيء ، فمن أجلكم بحضرة المسيح “(٢كو ٢:١٠) .

فلماذا يقرأون كتابات الرسول بولس ، إن كانوا يحسبونه في هذا قد ضل مدعياً لنفسه حقاً هو لربه ؟! لكنه نسب لنفسهما قد أعطي له . إنه لم يغتصب سلطاناً لم يُعط له .

أضرموا موهبة الحل

إرادة الرب أن يكون للتلاميذ سلطان . إرادته أن يصنعوا باسمه ما كان يفعله وهو علي الأرض (بالجسد) ، إذ قال إنهميعملون ما يصنعه وأعظم منها(يو ١٤:٢)، (مت ١٠:٨) …

قصاري القول ، إنه أعطاهم كل المواهب (مر ١٦:١٧-١٨)… فتعمل فيهم النعمة الإلهية ما تعجز عنه القدرة البشرية… فهل تدعون لأنفسكم سلطان الحل بواسطة النعمة الإلهية حين تشاءون ، وتزدرون بهذا السلطان حينما تشاءون؟! ياله من تجاسر وقح ، وليس هو خوفاً مقدساً ، إذ تزدرون بمن يريدون التوبة ؟!

أنكم بالتأكيد لا تقدرون علي احتمال دموع الباكين ، أو النظر إلي مسوحهم، لكن بأعينكم المتكبرة وقلوبكم المنتفخة تقولون بألسنة لاذعة :” لا تلمسني ، فإنني طاهر ” . حقاً لقد قال الرب لمريم المجدلية: ” لا تلمسيني “(يو ٢٠:١٧) ،لكنه لم يقل لها :” لا تلمسيني لأني طاهر ” مع أنه قدوس ! فهل تتجاسر أنت مدعياً الطهارة لنفسك ، مع أنك حتي إنكنت طاهراً بأعمالك ، فبرفضك توبة الخطاة تكون غير طاهر ؟!

يقول إشعياء النبي :” ويل لي إني هلكت ، لأني إنسان نجس الشفتين ، وأنا ساكن بين شعب نجس الشفتين “(إش٦: ٥) . فهل تدعي لنفسك الطهارة؟!

وداود النبي يقول:” أغسلني كثيراً من إثمي”(مز٥٠: ٢) . ذلك الذي من أجل حنان قلبه كثيراً ما غسلته النعمة الإلهية ،فهل أنت طاهر يا من ليس فيك حنو ، إذ تري القذي الذي في عين أخيك ولا تهتم بالخشبة التي في عينك؟!

عند الله ، لن يكون إنسان ظالم طاهراً ، وأي ظلم أكثر من أن ترغب في غفران خطاياك ، بينما تحسب أخاك الذي يتوسل إليك غير مستحق لنوال الغفران ؟! أي ظلم أكثر من أن تبرر ذاتك فيما تدين فيه غيرك ، بل وترتكب معاصٍ أكثرمنه ؟!

من يقدر أن يحتملك يا من تدعي أنك غير محتاج إلي الغسل بالتوبة، لأنك اغتسلت بالنعمة ، كما لو كان يستحيل عليك الآن أن تخطيء؟!

صَلَّ لأجله

قد تقول :”مكتوب : إن أخطأ إنسان إلي الرب ، فمن يصلي من أجله ؟!(١صم٢: ٢٥) . أية صعوبة يثيرها هذا التساؤل:” من يصلي من أجله ؟” طالما لم يقل :” لا يصلي أحد من أجله” ،بل قال :” من يصلي من أجله ؟” بمعني أنه لم ينفي الصلاة، لكنه يتساءل عمن عنده الاستعداد للصلاة من أجله .

هذا يشبه ما جاء في المزمور الخامس عشر : ” يارب من ينزل في مسكنك ، من يسكن في جبل قدسك ” (مز١٥: ١) فهو لا يقصد انعدام من ينزل في مسكّن الرب أو السكني في جبل قدسه ، لكنه يتساءل عمن يستحق هذا … أو منيُختار لهذا …

بنفس الطريقة يجب أن نفهم العبارة ” فمن يصلي من أجله ؟!” أي أنه ينبغي أن يوجد أُناس في سمو روحي يصلونلأجل المسيئين في حق الرب . وبمقدار جسامة الخطية بمقدار احتياجهم إلي الصلوات .

فعندما أخطأ الشعب عابداً العجل … لم يصلِ عنهم أي شخص من أفراد الجماعة بل موسي نفسه ، فهل كان موسيمخطئاً ؟! بالتأكيد لم يخطيء بصلاته من أجلهم ، إذ استحق أن يطلب ونال ما طلبه ، فأي حب كهذا … حتي قدمنفسه لأجل الشعب قائلاً :” والأن إن غفرت خطيتهم ، وإلاّ فامحني من كتابك الذي كتبت ” (خر٣٢: ٣٢) .

ها نحن نراه لا يفكر في ذاته ، كإنسان ملأته الأوهام والشكوك ، كمن يقدم علي ارتكاب معصية … إنما بالأحري كانيفكر في الكل ناسياً نفسه ، غير خائف من أن يكون بذلك عاصياً ، إنما يطلب إنقاذ الشعب من خطر العصيان .

إذن بحق قيل :” فمن يصلي من أجله ؟! بمعني أنه يلزم وجود من هو كموسي يقدم نفسه لأجل الخطاة ، أو مثل إرمياالنبي ، الذي بالرغم من قول الرب له :” وأنت فلا تصلَّ لأجل هذا الشعب “(إر٧: ١٦) . إلا أنه صلي من أجلهم ، وناللأجلهم الغفران ، ففي وساطة نبي كهذا وصلاته تحرك الرب وقال لأورشليم التي ندمت علي خطاياها قائلة :” قدصرخت إليك النَّفس في المضايق والروح في الكروب ، فاسمع يا رب وارحم ، فإنك إله رحيم ، ارحم فإننا قد أخطأنا إليك”(باروخ ٣: ٢١) . فأمرهم الرب أن ينزعوا ثياب النوح والتنهدات قائلاً : ” اخلعي يا أورشليم حلة النوح والمذلة ، والبسيبهاء المجد من عند الله إلي الأبد ” (با٥: ١) .

لا تيأس من خلاصه

قبول بلا استثناء

” هكذا أحب الله العالم حتي بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به ، بل تكون له الحياة الأبدية ” (يو٣: ١٦) . فإنأردت إصلاح أي خاطيء أتعرّض عليه أولاً أن يؤمن أو لا يؤمن ؟ إنه بلا شك يؤمن ، وله بحسب مواعيد الله الحياة الأبدية. فكيف تكف عن الصلاة من أجل من تكون له الحياة الأبدية ؟!

ليته لا يخاف أحد من الهلاك ، مهما كانت حالته ، ومهما كان سقوطه ، فسيمر عليه السامري الصَّالح الذي للإنجيل ،ويجده نازلاً من أورشليم إلي أريحا ، أي هارباً من آلام الاستشهاد إلي التمتع بملذات العالم ، مجروحاً بواسطةاللصوص أي المضطهدين مطروحاً بين حي وميت .

هذا السامري الصَّالح الذي هو رمز للسيد المسيح ، الذي هو حارس للأرواح ، لن يتركك إنما يتحنن عليك ويشفيك[4] .

وأيضاً للقديس أمبروسيوس

يمكننا اعتبار شهادة الجموع له بلا نفع، فقد ظنه البعض إيليا قد قام مؤمنون بمجيئه، وآخرون آمنوا بقيامة يوحنا عالمين أن رأسه قد قطعت، وآخرون أنه واحد من الأنبياء القدامى.

البحث في ذلك (أي في شخص المسيح) أمر يفوق قدرتنا، لكنه يتناسب مع فكر شخص كبولس وحكمته، هذا الذي يكفيه أن يعرف المسيح وإياه مصلوبًا (١كو ٢:٢) ، لأنه أية معرفة يشتاق إليها أكثر من أنه المسيح؟ ففي هذا الاسم “المسيح” يتجلى اللاهوت ويُعلن التجسد وأيضًا الآلام.

لقد عرفه بقية التلاميذ، لكن بطرس وحده قال: “مسيح الله” (لو ٩ : ٢٠) ، إذ يشمل هذا الاسم كل شيء، ويعّبر عن طبيعته، ويحوي كل الفضائل.

هل نثير تساؤلات حول كيفية ميلاد الرب بينما يقول بولس أنه لا يعرف شيئًا إلا المسيح وإياه مصلوبًا، ويعترف بطرس أنه مسيح الله! نحن بعيون الضعف البشري نبحث هكذا: متى وكيف وما هي عظمته، أما بولس فيرى في هذه التساؤلات هدمًا لا بناء، لذا لا يريد أن يعرف إلا يسوع المسيح.

عرف بطرس أن في “ابن الله” يكمن كل شيء، فقد دفع الآب كل شيء في يده (يو ٣ : ٣٥)… لذا فيه الأزلية والعظمة التي للآب.

إني قبلت الإيمان بأنه المسيح ابن الله (مت ١٦: ١٦) فلا يجوز لي أن أعرف كيف وُلد، لكن لا يجوز لي أيضًا أن أجهل حقيقة ميلاده.

لتؤمن إذن كما آمن بطرس، فتطوّب أنت أيضًا وتتأهل لسماع الكلمات: “إن لحمًا ودمًا لم يعلن لك لكن أبي الذي في السماوات” (مت ١٦: ١٧). فاللحم والدم لا يقبلان إلا الأرضيات، أما من ينطق بأسرار الروح فلا يعتمد على تعاليم اللحم والدم، بل على الإعلان الإلهي

ليتك لا تعتمد على اللحم والدم لتأخذ منهما أوامرك، فتصير أنت نفسك لحمًا ودمًا، وإنما من يلتصق بالرب يكون معه روحًا واحدًا (١كو ٦: ١٧). يقول الله: لا يدين روحي في الجسد بعد لأن كل تصورات قلبه شريرة (تك ٦ : ٣).

ليسمح الرب ألا يكون السامعون لحمًا ودمًا، بل يكونوا متغربين عن شهوة اللحم والدم، فيردد كل واحد منهم: “لا أخاف، ماذا يصنعهبي الإنسان (أي اللحم والدم)؟” (مز ٥٦: ٥).

من يغلب الجسد يصير من أعمدة الكنيسة؛ إن لم يستطع أن يبلغ إلى بطرس فإنه يتمثل به ويتمتع بعطايا الله إذ هي كثيرة، يرد لنامالا تركناه بل ما هو له.

يحق لنا أن نتساءل: لماذا لم يرَ فيه الجموع إلا إيليا أو إرميا أو يوحنا المعمدان؟

ربما رأيت فيه إيليا لأنه أُختطف إلى السماء؛ لكن المسيح ليس كإيليا إذ لم يُختطف إليها بل جاء منها. الأول أُختطف إلى السماء، أماالثاني فلا يحسب خلسة أن يكون معادلًا لله (في ٢: ٦). الأول انتقم بالنار التي طلبها (١مل ١٨: ٣٨) والثاني أحب خلاص المسيئين إليه لا هلاكهم.

لماذا اعتقدوا أنه إرميا؟ ربما لأنه تقدس من الرحم (إر ١: ٤) ، لكن المسيح ليس كإرميا. الأول تقدس، أما الثاني فهو يقّدس، الأول بدأ بميلاده أما الثاني فهو قدوس القديسين.

لماذا ظنه الشعب يوحنا؟ ربما لأن يوحنا عرف الرب وهو في بطن أمه، لكن المسيح ليس كيوحنا. يوحنا سجد وهو بعد في الرحم، والثاني هو المسجود له. الأول عمّد بالماء، وأما المسيح فبالروح. الأول نادى بالتوبة والثاني غفر الخطايا.[5]

 القديس كبريانوس الأسقف والشهيد

هل تظن أنه يمكنك أن تثبت وتحيا إن كنت ترتدّ عن الكنيسة، مُشيِّدًا لنفسك بيوتًا أخرى، ومسكنًا مختلفًا، بينما قيل لراحاب التيسبق وأخذت صورة الكنيسة: “ويكون أن كل من يخرج من أبواب بيتك إلى خارج، فدمه على رأسه” (يش ٢ : ١٩). وأيضًا نجد أنسرّ خروف الفصح لا يحوي شيئًا آخر في سفر الخروج مثلما أن الحمل الذي يُذبح يجب أن يؤكل في بيتٍ واحدٍ، وهو يمثلالكنيسة. فيقول الكتاب: “في بيت واحد يؤكل. لا يخرج اللحم من البيت إلى خارج” (خر ١٢ : ٤٦). إن جسد المسيح ومقدَّسات الربلا يمكن أن تخرج إلى خارج، ولا يمكن أن يكون هناك بيت آخر للمؤمنين إلاَّ الكنيسة الواحدة. ويشير الروح القدس إلى هذا البيت،وإلى العائلة المتحدة، ويعنيها، عندما يقول في المزمور: “الله مُسكِّن المتوحدين في بيت” (مز ٦٨ : ٦). ففي بيت الله في كنيسةالمسيح، يسكن المؤمنون بنفسٍ واحدة، ويستمرون كذلك في وئام وبساطة.

في بيت الله، في كنيسة المسيح، يسكن البشر بفكرٍ واحدٍ، ويستمرون في انسجامٍ وبساطةٍ.

إنهم يواظبون معًا في الصلاة، معلنين بإلحاح وباتفاق صلواتهم أن الله يُسكن من هم بفكرٍ واحدٍ في بيت، يُدخل فقط الذين لهماتفاق في صلواتهم إلى البيت الإلهي.

أوصانا الله أن نكون صانعي سلام وفي وحدة وبفكرٍ واحدٍ في بيته… ويريدنا إذا وُلدنا ثانية أن نستمر هكذا. إذ صرنا أولادالله نظل في سلام الله، وإذ صار لنا الروح الواحد يكون لنا أيضًا القلب الواحد والفكر الواحد.

الله لا يقبل ذبيحة المخاصم، بل يوصيه أن يترك المذبح ويتصالح أولًا مع أخيه، حيث يُسر الله بصلوات صانع السلام[6].

العلَّامة أوريجانوس

ضعفات القديسين

إن كان حقًا القدِّيس لا يمكن أن يخطئ أبدًا، وأنه يجب أن نعتبره كأنه معصوم من الخطأ… ما كان قد كتب “تحملون ذنب المقدس”… لو كان القدِّيسين معصومين من الخطيئة لم قال الرسول لأهل رومية “لا تنقض لأجل الطعام عمل الله” (رو ١٤: ٢٠)،  هؤلاء الذين كتب إليهم في أول رسالته “إلى جميع الموجودين في رومية أحباء الله مدعوين قديسين” (رو ١ :٧)…

يقول الرسول نفسه في رسالته إلى أهل كورنثوس “إلى كنيسة الله التي في كورنثوس المقدَّسين في المسيح يسوع المدعوين قديسين” (١كو ١: ٢). انظر بأي خطايا يوبخهم، إذ يكتب بعد ذلك: “فإنه إذ فيكم حسد وخصام وانشقاق ألستم جسديّين وتسلكون بحسب البشر؟” (١كو ٣: ٣). كما يقول إنكم قد استغنيتم، ملكتم بدوننا، وليتكم ملكتم لنملك نحن أيضًا معكم” (١كو ٤: ٨). وأيضًا: “فانتفخ قوم كأني لست آتيًا إليكم” (١كو ٤: ١٨). بعد قليل يقول: “يسمع مطلقًا أن بينكم زنى، وزنى هكذا لا يسمى بين الأمم” (١كو ٥: ٢). إنه لم يستثنِ أحدًا، فيتهم أحدهم بالزنى والآخرين بالكبرياء. بعد هذا يعاتبهم لأنهم يحاكمون بعضهم البعض: “والآنفيكم عيب مطلقًا لأن عندكم محاكمات بعضكم مع بعض” (١كو ٦: ٧). إنه يتهم الذين دعاهم قدِّيسين أنهم يأكلون ما ذُبح للأوثانويحكم عليهم: “وهكذا إذ تخطئون إلى الإخوة وتجرحون ضميرهم الضعيف تخطئون إلى المسيح” (١كو ٨: ١٢). إنه ليس فقطيتهمهم بأكل ما ذُبح للأوثان بل وشرب كأس الشيطان: “لا تقدرون أن تشربوا كأس الرب وكأس شياطين. لا تقدرون أن تشتركوا فيمائدة الرب وفي مائدة الشياطين” (١كو ١٠: ٢١). إنه يقول لهم: “لأني أولًا حين تجتمعون في الكنيسة أيسمع أن بينكم انشقاقات” (١كو ١١: ١٨)، كما يقول: “لأنه كل واحد يسبق فيأخذ عشاء نفسه في الأكل فالواحد يجوع والآخر يسكر” (١كو ١١: ٢١). وبسببهذه الأخطاء يقول: “من أجل هذا فيكم كثيرون ضعفاء ومرضى كثيرون يرقدون، لأننا لو حكمنا على أنفسنا لما حُكم علينا” (١كو ١١: ٣٠ – ٣١) … علاوة على هذا لم تقف الخطايا عند حد السلوك بل وأخطاء ضد الإيمان إذ يتهمهم هكذا: “كيف يقول قوم بينكم أنليس قيامة أموات؟” (١كو ١٥ : ١٦) ، كما يقول: “وإن لم يكن المسيح قد قام فباطل إيمانكم، أنتم بعد في خطاياكم” (١كو ١٥ : ١٧). ويطول الحديث جدًا الأمر الذي يناسب هذا المقام أن نورد جميع الشواهد بأن الذين دُعوا قديسين لا يجب أن نعتبرهم بسبب هذهالتسمية معصومين من الخطأ، الأمر الذي يعتقد به من يقرأ الكتاب المقدس بطريقة سطحيّة وهو متغافل[7].

القديس يوحنا ذهبي الفم

عن عنوان سفر اعمال الرسل ،

وأن الحياه الفاضله هي اكثر فائده من العجائب والمعجزات، وكيف يختلف أسلوب الحياة المستقيمة عن المعجزات ؟

ثبات وحصانه الكنيسه

١- بعد فتره زمنية كبيره رجعنا ثانيه إلي أمنا ، الي الكنيسه المحبوبة لجميعنا ، إلي امنا وام كل الكنائس.هي ام ، ليس لأنها فقط الأعظم والأكبر في العمر ، بل لأنها أسست أيضًا بايد رسوليه . ليست بأيد رسوليه فقط ، لأن رب الرسل سبق له أن حصنها بقرار منه. لذلك ، فبالرغم من انها هدمت من اجل اسم المسيح مرات عديده، فقد أعيد بنائها بقوه المسيح ، بطريقه جديده وغريبه . فهو لم يبجداراً ، واضعاً خشباً وحجارهً، ولا أمنها من الخارج صانعاً خندقاً وساتراً من الركام علي الارض، ولا أبراجاً عاليه ً، بل قال كلمتينفقط. هاتان الكلمتان ، وإن كانتا في غايه البساطه ، إلا أنهما كانتا لذلك بلدلا من الجدران والأبراج والخنادق ، أو أيه وسائل أمان أخري .

ما هي هذه الكلمات التي علي هذا القدر الفائق من تلك القوه العظيمه ؟

” وعلي هذه الصخره ابني كنيستي وابوب الجحيم لن تقوي عليها ” ( مت ١٦ : ١٨) . هذا هو الحائط ، هذا هو الجدار المحيط ، هذاهو الأمان ، وهذا هو الميناء والملجأ . لكن عليك أن تنتبه ، من فضلك . لأنه لم يقل فقط بأنه لن تقوي عليها تهديدات البشر ، بل ولا آلاتالجحيم ذاتها ، من هنا تماسك ولحام الجدران. لم يقل ” لن يهينوها ” ، بل ” لن تقوي عليها ” ، لأنهم سوف يهينونها بالتأكيد ، لكن لنينتصروا عليها . لكن ماذا بتعبير ” أبوب الجحيم ” ؟ لأن التعبير ربما يكون غامضًا. دعونا نعرف ما هي أبوب المدينه ، وعندئد سوفنعرف ماذا يعني بأبوب الجحيم . بوابه المدينه عي المدخل الذي يقود إلي المدينه، بالتالي أيضًا بوابه الجحيم هي الخطر الذي يقودإلي الجحيم . إذن يكون معني العباره: أنه مهما ضربتنا مثل هذه الأخطار وأهانتنا ، حتي لو قادتنا إلي الجحيم ذاته ، فسوف تظلالكنيسه ثابته وغير متزعزعه .

وبالرغم من أنه يمكنه ألا يسمح بأن تختبر الكنيسه المتاعب ، إلا أنه يسمح بذلك ، فما هو السبب؟ لأنه أن يمنع التجارب لهو أعظم جدًامن أن يتركها لتأتي دون أن يسمح للكنيسة بأن تعاني اي شر نتيجة هجوم هذه التجارب عليها. ولكنه يسمح بأن تهجم عليها كل التجارب ، حتي يجعلها أكثر ثباتاً ، ” بل تفتخر أيضا في ضيقت عالمين أن الضيق ينشيء صبرًا ، والصبر تزكيه ، والتزكيه رجاء ” ( رو ٥ :٤-٥).ولكي يظهر عظمه قوته يخطفها من أبوب الموت ذاتها . لأجل هذا ترك العاصفه . ولكنه حفظ السفينه من أن تغوص وتغرق. هكذا نحن أيضا نعجب بقائد السفينه ، ليس عندما ينقذها مبحراً بريح مناسبة ، ولا عندما يهب الهواء من ناحية مؤخرتها ، لكنعندما يضطرب البحر وتتوحش الأمواج وتندلع كارثه طبيعه ، ثم تأتي خبرته الفنية لتقف أمام اندفاع ( ثور) الرياح وتختطف السفينهمن وسط العاصفه . مكذا فعل المسيح. لقد سمح للكنيسة أن تاتي الي المسكونه كأنها سفينه في بحر ، لم يوقف العاصفه ، بلاختطفها من العاصفه . لم يهدي البحر، لكنه جعل السفينة في امان . وبينما ثارت الشعوب ضدها في كل مكانً، كأنها أموج وحشيه، وبينما تضربها الارواح الشريره، كأنها رياح مرعبه ، ومن كل جانب تثورعليها عاصفه بأمطار ، يمنح هدوءا عظيماً للكنيسة. والاكثرعجبا ، ليس فقط أن العاصفه الممطره لم تدمر السفينه ، بل السفينه هي التي ذابت واختفت بواسطه الكنيسه. كيف ، وبأيه طريقه ،ومن اين ؟ من ذلك القرار الذي يقول: ” ابوب الجحيم لن تقوي عليها ” . كم فعل عابدو الاوثان لكي يمحوا هذا القول ، كم صنعوا لكييلغوا هذا القرار ؟ ولكنهم لم يتمكنوا من إبطاله، لأن القرار كان قرار الله .

مثل برج مصنوع من احجار الماس ، ومربوط بدقه بواسطه الحديد ، حتي لو ضربه الاعداء من كل جانب ، فلا البناء يميل ، ولا ينحلرباطه، بل يرحل هؤلاء الأعداء دون ان يصيبوا البرج بأي ضرر ، ودون أن يسببوا له أي شر ، حتي أن قوتهم في هذه الحاله تبدووكأنها بدون فائده . هكذا بالضبط أيضا هذا القول، فهو كمثل برج عال محصن بأمان في المسكونه ، يضربه عابدو الأوثان من كلجانب ، يظهرون متانته بينما تبدو قوتهم بلا فائده ، وهكذا يموتون .

ما الذي لم يتآمروا عليه ضد هذا القرار ؟

قوات متأهبه ،أسلحهً تتحرك ، ممالك تتسلح ،شعوب تثور ، مدن تحرض ، قضاه يغضبون ، لقد ابتكروا كافه أنواع العقاب . لم يتغافلواعن أي أسلوب للعقاب . نيران وحديد

، وأسنان وحوش وتجريدات واختناقات، ودفن للاحياء ، ضرب وصلب واتون مشتعل ، كل العذابات التي لم تكن قد ظهرت حتيوقتذاك ، دخلت حيز التطبيق. كم التهديدات لا يوصف الوعود بكرامات لا تحد ، حتي بالطريقه الأولي يرعبونهم ، وبالثانيه يحررونهمبالإغراء .

إذا ،لن يتغافلوا عن كافه أنواع الضلال والقهر والعنف . لأن آباء بالفعل سلًموا أولادهم ، وأولاد لم يعرفوا آبائهم ، أمهات نسوا آلامالولاده ، ونواميس الطبيعه انقلبت . لكن أساسات الكنيسه لم تتزعزع إطلاقاً . الحرب نشبت بين الأقارب، ولكن جدرانها لم تمس بسببذلك القول : ” ابواب الجحيم لن تقوي عليها ” . إذا ، لا تطن أنه كان مجرد قول ، بل كان قولا صدر من الله . لأن الله قد ثبت السماءأيضا بكلمه انطر( مز ٣٣ : ٦). والارض بكلمه أسس فوقها المياه (انظر (مز ١٠٤ :٥)، جاعلا هذه الطبيعه الكثيفة والثقيلة تحملفوقها تلك الطبيعه الخامله والمائعه . والبحر الهادر في قوته ، ذلك البحر ذو الأمواج الكثيره ، بكلمه ، أحاطه من كل جانب بحائطضعيف ، اقصد الرمل . إذا ، ذاك الذي بكلمه ثبت السماء ، أسس الأرض ، سيج البحر ، لماذا تتشكك إذا في انه أحاط الكنيسه ،التي هي أثمن حدًا من السماء والارض والبحر ، أيضا بهذا القول ؟

اساسات الكنيسه

٢- ولأن البناء غير متزعزع أبدا ، والحائط ثابت جدا ، دعونا نري كيف وضع الرسل الاساسات ، إلي أي عمق حفروا حتي صارالبناء غير متزعزع؟ لم يحفروا بعمق ، لم يحتاجو لتعب ومجهود كبير ، لماذا ؟ ،لقد وجدوا الاساس القديم والاول ، أساس الانبياء . إذا، كمثل إنسان قصد أنيبني عندما وجد أساسا قديماً وقوياً وثابتاً لم يستغن عنه ، ولم يحرك الأحجار ، بل تركه ليظل غير متزعزع ،وهكذا وضع فوقه البناء الجديد والحديث . هكذا أيضًا الرسل الذين قصدوا أن يبنوا هذا البناء العظيم ، الكنيسه التي أسسوها فيكل مكان علي الارض ، لم يحفروا بعمق ، بل وجدوا الأساس القديم ، أساس الأنبياء ، فلم يستغنوا عنه ، ولم يحركوا المبني والتعليم ،بل تركوه ليظل ثابتا ً، وهكذا أضافوا فوقه تعليمهم ، أي إيمان الكنيسه الجديد[8] .

القديس غريغوريوس النيسي

خيمة الاجتماع السمائية والأرضية

خيمة الاجتماع السمائية :

ثم نأتى الى خيمة الأجتماع غير المصنوعة بأيدى بشرية ، والذى يتتبع موسى النبي الذى تقدم فى الحق ورفع عقله الى فوق وانتقل من علو الى علو فهو ترك أولا سفح الجبل وانفصل عن كل أولئك الذين كانوا غير قادرين على الصعود ، ثم ارتفع وصعد الى أعلى وسمع صوت البوق (خر١٩: ١٦-١٩) ثم دخل ليعاين الأسرار الخفية ، رأى القدس غير المرئى الذى هو معرفة الله ، ولم يبق هناك ولكن هنزل لكى يصنع خيمة الاجتماع على مثال تلك التي راها غير المصنوعة بأيدى بشرية . وهذ رمز الى هدف الروح الحقيقي حينما ترتفع بهذا النوع من الصعود . ويمكن تفسير البوق السمائى بالمرشد الذى يقودنا فى الحياة الروحية . ونستطيع أن ندرك تناسق هذا الكون الذى يشير الى حكمة الله التي تتلألأ على العالم وتعلن عظمة الله ومجده اللذين يسطعان على الأشياء المرئية ، لهذا يقول المزمور ” السموات تحدث بمجد الله ” (مز ١٩: ١) والبوق الذى له الصوت العالى يعلن الرسالة الروحية في وضوح ويدق رنينه ليقود الآخرين في الطريق الروحي . وحينما يسمع الانسان ذلك الصوت بعد أن يكون قد تنقى القلب يأتي الى التأمل في الكون الذى نستمد منه معرفتنا بالله كلى القدرة ، وعن طريق هذا يقودنا الروح الى الشركة مع الله . وهذا هو المقصود بكلمة غير المرئى وغير المدرك ، أنه في وسط الظلام رأى موسى خيمة الاجتماع غير المصنوعة بأيدي البشر حتى يصنع مثلها تماما على الأرض .فما هو اذن المعنى الروحي لخيمة الاجتماع التي راها موسى النبي على الجبل كنموذج آصلي يصنع مثله تماما ، أن الله قال له اي بنى هذا النموذج الذى أراه اياه ، فنحن نرى في خيمة الاجتماع أعمدة من الذهب قائمة على قواعد من الفضة ومزينة بزينة من الفضة ، ثم أعمدة من الفضة على قواعد رئيسية من البرونز ، وكلا الأعمدة مثبت على أساس من الخشب الذى لا يسوس ،وكل المواد تلمع وتشرق على ما حولها وكان يوجد أيضا تابوت العهد المصنوع من خشب السنط ومغطى بالذهب غير الفاسد . وكان يوجد أيضا شمعدانات مثبت كل منها على قاعدة خاصة ومن أعلى يصير كل منها سبعة فروع تحمل سبع لمبات والشمعدان مصنوع كله من الذهب الخالص . وعلاوة على ذلك كان يوجد شكل طائر مصنوع ببراعة ومزين بألوان كثيرة تتموج فتعطى جمالا عجيبا . وكانت خيمة الاجتماع هذه تنقسم الى قسمين أحدهما مرئى ويمكن أن يدخلة الخدام المعينون لذلك ، أما الجزء الآخر فكان غير مصرح بدخوله ومتعذر بلوغه وكان يطلق على الجزء المفتوح القدس والجزء المخبأ يطلق علية قدس الأقداس ،وعلاوة على ذلك توجد المغسلة النحاس وأيضا الفناء الخارجى وكانت الخيمة من الخارج مصنوعة من جاود الحيوانات الميتة .  كيف نفهم الأن معانى هذه الأشياء؟ وما هى رموز كل منها ؟ ولماذا صنعت الخيمة من هذه المواد التى رأها موسى النبى . وحتى نصل الى المعنى الحقيقى لكل هذه الاشياء . يجب أن نترك التفسير لأولئك الذين لديهم القوة الروحية أن يصلوا الى عمق الأشياء الالهية كما يقول بولس الرسول ” فأعلنه الله لنا نحن بروحه . لان الروح يفحص كل شىء حتى أعماق الله ” (١كو ٢:١٠) لأنه من منا يستطيع أن يتحدث كما يقول بولس الرسول ” بالروح يتكلم بأسرار “(١كو ١٤:٢) وما سوف أقوله فهو مجرد تأملات خاصة فى معنى تلك الأشياء الخفية ، وسوف أترك هذا لحكم القارىء أن يقبل أو يرفض ما أقدمه من تأملات حسب ما يراه صوابا . ونحن نأخذ مفتاح التفسير من الرسول بولس الذى كشف هذا السر جزئيا  . لأن خيمة الاجتماع هى رمز للرب يسوع المسيح الذى يحوى فيه كل العالم . وهذا هو المسيح قوة الله وحكمته الذى ولد بدون زرع بشر وحل بيننا مثل خيمة الاجتماع التى لم توجد منذ لحظة بنائها بل كانت موجودة من قبل فى السماء ، فهكذا السيد المسيح قبل أن يولد من العذراء القديسة مريم هو موجود قبل الدهور وسوف يبقى الى الدهر . فهو موجود قبل كل الآزمنة ، ولكنه من أجلنا قبل أن يولد من العذراء لكى يحل فى وسطنا ، ونحن الذين فقدنا وجودنا بسبب سوء استعمالنا للحرية، فهو جاء وحل بيننا لكى يعيدنا الى الوجود بعد أن بعدنا عن ذلك . انه هو الله الأبن الوحيد الذى يحتوى فى نفسه الكون بأكمله أوجد خيمة تجسده فى وسطنا .  وفى شرحنا لمعانى خيمة الاجتماع لا نريد أن نقلل من عظمة الله . لأن جميع الأسماء التى نقولها لا تستحقه هو حتى لو كان معنى هذه الأسماء عظيما ورائعا ، فان أى كلمة  نقولها  لتعبر عن قوة الله تظل ناقصة وغير كاملة . وعلى سبيل المثال اذا قلنا عن المسيح له المجد أنه طبيب أوراع أو بطل أو خبز الحياة أو الكرمة أو الطريق أو الباب أو القصر أو الماء أو الصخرة أو النبع ، فكلها أسماء يمكن أن نطلقها عليه وكذلك ممكن أن نقول أن الخيمة ترمز الى المسيح ” فانه فيه يحل كل ملء اللاهوت جسديا ” (كو ٢:٩)  فالمسيح هو القوة الذى فيه يحوى كل الخليقة ويسود على كل الأشياء . وهكذا نستطيع أن نفسر تفصيل خيمة الاجتماع بانطباع  معين عن المسيح له المجد. فالحجاب السفلى لخيمة الاجتماع يرمز الى جسد المسيح له المجد ” فاذ لنا أيها الاخوة ثقة بالدخول الى الاقداس بدم يسوع . طريقاكرسه لنا حديثا حيا بالحجاب أى جسده ” (عب ١٠:١٩-٢٠) وكان هذا الحجاب مصنوعا من أربعة مواد فسرها بولس الرسول حينقال ” فيه خلق الكل مافى السموات وما على الأرض مايرى وما لا يرى سواء كان عروشا أم سيادات أم رياسات أم سلاطين ” (كو ١:١٦) فالأعمدة الذهب المتلألئة بالفضة والأجراس والشاروبيم الذين يغطون التابوت بأجنحتهم وكل التفصيلات الأخرى الموجودة فىخيمة الاجتماع تشير الى القوة العالية التى تعين المسكونة وفقا لمشيئة الله . هذه هى المعونة الحقيقية التى تحدث عنها بولس الرسول” أليس جميعهم أرواحا خادمه مرسلة للخدمة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص ” (عب ١:١٤) والاجراس التى تدق تشير الى يقظةالنفس لتنظر الى ما هو فوق الى الفضيلة ونحن بعد في الجسد على الأرض . والنص المقدس فى وصفه للشاروبيم الذى يظللبأجنحته الأشياء المخابأة فى التابوت يشير الى القوات التى تحيط الله فى الرؤيا التى رأها كل من أشعياء وحزقيال . ولا يجب أن نندهش لحقيقة تغطية التابوت بأجنحة الشاروبيم ، لأننا نجد رمز هذه الأجنحة فى نبوة أشعياء النبى حيث نرى وجه الرب فقط هو المغطى وهو الذى يرمز له هنا بتابوت العهد ” السيرافيم واقفون فوقه لكل واحد سته أجنحة بأثنين يغطى وجهه وباثنين يغطى رجليه وباثنين يطير “(أش ٦:٢). ثم بعد ذلك يتحدث النص عن الشمعدانات التى تبدأ من قاعدة واحدة ثم تنقسم الى عدة فروع لكى توزعنورها الغزير فى كل الاتجاهات ونفهم معنى هذا فى توزيع الأشعة المضيئة الذى هو الروح القدس الذى يشرق على خيمة حياتنا وهذا هو ما رآه أشعياء النبى ” السيد الرب جالسا على كرسى عال ومرتفع وأذياله تملأ الهيكل ” (أش ٦:١) . أما الذبائح التى كان تتقدم فى خيمة الاجتماع فهى رمز الى ذبيحة الصليب التى تحدث عنها بولس الرسول ” متبررين مجانا بنعمته بالفداء الذى بيسوع المسيح الذى قدمه الله كفارة بالايمان بدمه لاظهار بره من أجل الصفح عن الخطايا السالفة ” (رو٣: ٢٤-٢٥).  وعن طريق مذبح البخور نستطيع أن نفهم العبادة الأبدية التى تقدمها القوات السمائية التى هى الملائكة والتى يرمز لها بالخدمة الدائمة فى خيمة الاجتماع ، لأنه يقول ” لكى تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن فى السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض ” (فى ٢:١٠) فهو يفيد بأن كل من فى السماء أيضا يقدمون خدمة التسبيح للرب يسوع المسيح الذى هو بدء كل الأشياء وهذه هى الذبائح المقبولة من الله التى هى ثمرة شفاهنا كما يخبرنا الرسول بولس حين يقول ” فلنقدم به فى كل حين لله ذبيحة التسبيح أى ثمر شفاه معترفة بأسمه” (عب ١٣:١٥) والتسبيح هنا عبر الصلوات المرفوعة .  وحين نرى فى خيمة الاجتماع جلود الحيوانات المذبوحة ذات اللون الأحمر وشعر معزى (خر ٢٥:٤-٥) فهى تشير الى آلام الرب يسوع المسيح والشعر يشير الى الموت ، لأن الشعر على الجسد يمنع الاحساس لذلك فهو رمز مناسب للموت .

خيمة الاجتماع التى على الأرض :

ان موسى النبى صنع على الأرض صورة للخيمة التي رآها على الجبل. وكل شيء رآه موسى كأن رمز وعمل فالأعمدة فى خيمة الاجتماع هم خدام الكنيسة ” يعقوب وصفا ويوحنا المعتبرون أنهم أعمدة ” (غل ٢:٩) . وأعمدة الكنيسة ليسوا هم التلاميذ والرسل ويوحنا المعمدان الذى شهد للنور الحقيقي الذى هو الرب يسوع ، بل هم كل الخدام الذين يخدمون فى الكنيسة وأخذوا على عاتقهم مسئولية الخدمة وأصبحوا نورا بأعمالهم كما قال عنهم الرب يسوع المسيح ” أنتم نور العالم ” (مت ٥:١٤) وبولس الرسول يأمر كل الخدام ويوصيهم أن يصيروا أعمدة حين يقول ” كونوا راسخين غير متزعزعين ” (١كو ١٥: ٥٨) وقد وصف بولس الرسول كنيسة الله الحى أنها ” عمود الحق وقاعدته ” (١تي ٣:١٥) . فى هذه الخيمة نحن نرى الذبائح التى تشير الى ذبائح المجد ، ومذبح البخور الذى يرفع عليه الصلوات المستمرة الصباحية والمسائية ويفسر لنا داود النبى ذلك حين يعبر عن الصلوات المقبولة لدى الله بأنها ذبائح مسائية ” لتستقم صلاتى كالبخور قدامك ليكن رفع يدى كذبيحة مسائية ” (مز ١٤١:٢) وحينما نرى المغسلة نحن نرى أولئك الذين أغتسلوا من دنس خطاياهم فى سر المعمودية المقدس ، حيث كان يوحنا المعمدان يغسل الشعب فى مياه الأردن بمعمودية التوبة، ثم جاء بطرس الرسول حيث قاد فى نفس الوقت ثلاثة آلاف نفس معا الى ماء المعمودية(أع ٢:٤١) وكان فيلبس أيضا يمارس سر المعمودية مع الخصى وزير كنداكة . كان كل هؤلاء عبارة عن قنوات للنعمة لأولئك الذين اشتركوا فى العطية الالهية التى هى سر المعمودية المقدس .  ثم يأتى الفناء المحيط بالخيمة وهو يشير الى الترابط والتناسق بين المؤمنين فى السلام والمحبة ” وكان لجمهور الذين آمنوا قلب واحد ونفس واحدة ” (أع ٤:٣٢) وفسرها داود النبى حين قال ” الذى يجعل تخومك ( حدودك) سلاما ) (مز ١٤٧:١٤) أما جلود الحيوانات المصبوغة باللون الأحمر وغطاء الشعر الموضوع للزينة فهما يرمزان الى قمع الجسد وشهواته والسلوك فى حياة التقشف القاسية لأن هذه الثمار الحلوة لخيمة الاجتماع التى هى الكنيسة ، لأن الجلد ليس فيه حياة فى ذاته ولكن تظهر علية علامة الحياة بسبب الصبغة الحمراء التى يكتسبها ، وهكذا فان النعمة التى تكسو الروح لا تعمل فى الانسان ما لم يمت عن الخطية واللون الأحمر يرمز الى المحبة البازلة التى تجلت فى الصليب ، أما الشعر الذى يكسو الجلد ويجعل الاحساس واللمس صعبا فهو يشير الى حياة النسك التى تبدد الشهوات. وفى كل التفاصيل الموجودة فى خيمة الاجتماع نحن نرى حياة البتولية التى تهزم شهوات الجسد لمن يحيون فيها .  أما قدس الاقداس الذى فى داخل الخيمة ، والذى يحرم على الشعب أن يدخلوه فهو يكمل المعنى الروحى للنص ،لأن الوصول الى الحق من الخليقة كلها هو الشىء المقدس الذى يرمز اليه بالقدس. أما قدس الأقداس فهو يرمز الى جوهر الله الذى يفوق ادراكنا فهو يرمز الى جوهر الله الذى يفوق كل ادراك وهو الجزء المخفى فى خيمة الاجتماع ، وعندئذ عدم الدخول يرمز الى عدم البحث فى المعرفة التى تفوق ادراكنا وأن نكتفى أن نؤمن بأن ما نطلبه هو موجود فعلا حتى ولو كان غير مرئى من الكل ولكنه مخفى فى سر أعماق الروح[9].

من أقوال الآباء الأقباط

عظة للقديس أنبا مكاريوس أسقف إتكو

عن الكنيسة وآداب حضور القداس

القديس أنبا مكاريوس هو أحد المقارات الثلاثة (مع القديس مكاريوس المصري (الكبير) والقديس مكاريوس الإسكندري). كان أسقفًا لمدينة إتكو (حاليًّا قاو الكبير) بصعيد مصر. شارك مع القديس كيرلس الكبير في مجمع أفسس المسكوني عام 431م ومع القديس ديسقورس في مجمع خلقدونية عام 451م. نال إكليل الشهادة في الإسكندرية عندما رفض التوقيع على قرارات مجمع خلقدونية حيث رفسه أحد الجنود بين رجليه، فوقع صريعًا في الحال لكبر سنه.

هذا النص الذي نقدمه اليوم هو جزء من العظة الوحيدة التي وصلتنا لهذا القديس، وهي باللغة القبطية الصعيدية. وقد ألقى القديس مكاريوس هذه العظة في عيد رئيس الملائكة ميخائيل، وتحدث فيها عن كرامات رئيس الملائكة، وعن آداب حضور القداس، وعن فضيلة العفة.

العظة

عظة لأبينا القديس المكرم الأنبا مكاريوس أسقف مدينة إتكو، كان قد ألقاها في تذكار رئيس الملائكة الجليل ميخائيل رئيس جند السموات في كنيسته المقدسة في الثاني عشر من شهر هاتور بحلول جمع غفير أتي إليها ليتبارك منه، كما أنه تحدث أيضًا عن خلاص النفس، بسلام الله. آمين.

يليق بأولئك الذين يتسربلون بالثوب اللامع أن يستروا النفس والجسد؛ لأن كثيرين من المجتمعين اليوم في هذا المكان ذوو هندام حسن، في حين أن نفوسهم عريانة من رداء الفضيلة، والملائكة تنظر الخطايا التي تكتنفهم. هل تعتقدون أنكم ستستطيعون أن تختبئوا من أمام أولئك (الملائكة) الواقفين على المذبح فلا تجعلوهم يرون خطاياكم؟

لا تتجهوا بأنظاركم نحو النساء في الكنيسة في شهوة رديئة. وإن كان لا يوجد إنسان يعرف (ما في) قلوبكم، فالله يعلم كل شيء. وهناك ملائكة متقدة نارًا وأجناد عقلية واقفة تراقبكم. فضلاً عن ذلك، فرئيس الملائكة القديس ميخائيل ينظر لأعمالكم، لأنها ليست تلك التي تمجده في عيده، ولكنها تغضبه بأعمال شريرة. لأن الكنيسة تُدْعَى “بيت الطهارة”، فكيف تذهب، أيها الإنسان الزاني، (إلى هناك) بلا مخافة وتقف وكلك قذارة في تعدي الخطية، في حين أن ألوفًا ألوفًا وربوات ربوات من الملائكة واقفون حول ملكهم. أمَّا أنت فواقف وليس فيك إدراك حي سوى أفكار شريرة، وعليك ثياب متسخة في وسط العرس. ولولا رحمة الله وتوسلات رئيس الملائكة القديس ميخائيل لكانوا مزقوك في وسطهم، ولكانوا أوثقوا رجليك ويديك إلى خلفك، وألقوك إلى الظلمة الأبدية، حسب قول الإنجيل (مت 22: 11–13).

هل علمتم الآن، يا أبنائي الأحباء، أية مخافة تكون في الكنيسة كل حين، ولا سيما في وقت الاجتماع للسرائر المقدسة؟ من أجل ذلك، لا تَدَعُوا أحدًا يأتي للكنيسة في هيئة منحلة؛ لأن ملك الكل جالس في وسطها، وهو يعلم خفايا القلب.

فأنصتوا الآن وأنا أخبركم عن ماهية بيت الله كيف هو. إنه يشبه أحد ملوك هذا العالم الذي بنى لنفسه بيتًا ملوكيًّا خارج بلاطه، وجعل اسمه عليه: “بيت الملك”، وعيَّن عليه مدبرًا يحرسه ويهتم به نهارًا وليلاً؛ لأن الملك سيأتي إليه في أي وقت ويدير أعماله في بيته.

والآن، افهموا تفسير المثل. ملك الكل هو الله، وبلاطه هو السماء. أما البيت الذي بناه خارج البلاط فهو الكنيسة، مسكنه المقدس. والمدبر الذي عينه هو رئيس الملائكة ميخائيل الذي يحرسه ويبارك الآتين إليه في الرب. والطريقة التي يأتي بها الملك من بلاطه ليفتقد بيته هي أن يرسل أمامه في الطريق سفارة حتى يعدوا له مكان جلوسه. وإذا أتى فهو يُحْضِر حاشيته التي تتبعه. وبالرغم من أنه ملك أرضي، وهو بشر يموت، فكل الذي يجتمع به يخشى جانبه هكذا. وقياسًا على ذلك كل صفوف المسيحيين حين يذهبون إلى الكنيسة، بيت الله

فإذا اجتمع الكهنة والشمامسة والمرتلين وكل الشعب، كبيرهم وصغيرهم، فتحوا أفواههم، وسبحوا الله بمزامير وتراتيل روحية، وبعد ذلك يكملون في الليل وهم يلهجون. هذه هي الأطعمة، وهذه هي الثياب التي سيحضرونها حتى يعدوا أنفسهم بكل استعداد لتلك الساعة أمام ملكنا وإلهنا قبل أن يأتي من بلاطه الذي في السماء. ومثلما يمتلئ نهر مصر رويدًا رويدًا حتى يغطي الأرض، وتملأ البهجة كل أحد، هكذا أيضًا بيت الله؛ لأنه إذا قُرِئ في كتاب الرسول (رسائل بولس الرسول) في الكنيسة الأرضية فهذا هو البوق الأول الذي يبوق أمام الملك المسيح، وينتشر البخور قليلاً قليلاً وهم يرتلون من المزامير. فإذا اكتمل ذلك، يأتي ملك الحياة، وألوف ألوف وربوات ربوات الملائكة يرتلون حوله وهو داخل إلى بيته، الذي هو الكنيسة المقدسة، ويجعل بخور ألوهيته (لاهوته) يتقدم (قراءة) إنجيله المقدس وكلمته الحية التي تغمر كل الشعب. وهكذا يعطي ملك الدهور كل واحد من جسده المقدس ودمه الكريم حسب أعماله. لأن ملك هذا العالم لا يعرف ما في قلوب الملتئمين عنده إن كان خطية أو صلاحًا، أما من يجتمع في بيت الله، ملك الكل، فهو يعرف كل أعمالهم، الصالح (منها) والرديء. وكل الذين يقفون أمامه بطهارة ومعرفة، ويرددون كلامه الحي من بداية (القداس) إلى النهاية، فهؤلاء هم الذين سيمنحهم البركة الكاملة

ويل إذًا لمن سيهرول نحو الشارع، ويجلس (بعيدًا)، ويترك ملك الكل واقفًا مع من يخدمونه. الويل لمثل هؤلاء؛ لأنهم قد حرموا أنفسهم من حياتهم بأيديهم. قل لي، يا من تجلس خارج باب الكنيسة، أية بركة تنتظر؟ فسلام المسيح لا يحل عليك وأنت جالس خارج باب الكنيسة. أخبرني. إذا صرخ الشماس مصليًّا من أجل خلاص الشعب المجتمع، قائلاً: “امضوا بسلام”، فأين سوف يجدونك في وسطهم لترد: “آمين”؟ فالحاضرون يردون فقط من أجل خلاص أنفسهم وأهل بيتهم. أما أنت، فإن كنت غنيًّا فيما للعالم فقد صرت فقيرًا ومعتازًا لخيرات الله الساكن في ملكوته. وبسبب إهمالك حرمت نفسك من فرح الملائكة الذي تمتع به الحاضرون (الصلاة). قل لي، أيها الجاهل عديم الحكمة، لماذا لم تستمر في وقوفك في الكنيسة حتى تُغْسَل خطاياك؟ لماذا لم تصبر حتى يُمَزَّق صك خطاياك؟ قد ملأ الكاهن الكنيسة من سلام المسيح وهو يقول: “السلام لجميعكم”، وحمل الشعب إكليل السلام. أما أنت فلم توجد في وسطهم، وقد صرتَ غريبًا عن كل نعمة روحية سمائية، ومضيت إلى بيتك عريانًا من كل الوصايا الرسولية، ولم تلتحف بوصية واحدة، ولم تتسربل بالسلام في أي يوم، وليس هناك ملاك يحرسك.

إذا أتى إلى مدينتك أرخن عظيم من عند الملك الأرضي فلن تقدر أن تتجرأ فتجلس أمامه، ولكنك (ستظل) واقفًا له حتى ينصرف. وإن كان الطقس حارًّا أو باردًا فلن تتجرأ أن تجلس في حضرته أو أن تتكلم. وبالرغم من كونه بشر مثلك فها أنت قد جزعت منه أكثر من الله الذي خلقك، وبجلت إنسانًا يموت، ووقفت له أطول مما أمام الرب الذي روحك بيديه. هل أخطأ الكهنة والشمامسة وكل الشعب أكثر منك حيث أنهم واقفون للصلاة، أما أنت فجالس تتحدث إلى جرح نفسك الشقية؟ لعلك قد جزعت قبلاً من الحر أو القيظ فلم تتمكن من الذهاب للصلاة أو حتى لا تصيبك البرودة أو الصقيع؟ ولكن ليس هذا ما كان يدور بخلدك.

ولكن بدلاً من الحياة اخترت لنفسك الموت، وبدلاً من أن تصير حُرًّا صيرت نفسك عبدًا للخطية، وبدلاً من النظر الروحاني للمذبح فارقته، وفي شهوة رديئة صرت تحدق في جمال النساء الجاهلات في الخارج. الكلمة التي قالها مخلصنا: “من نظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه” (مت 5: 28)، هذه (الكلمة) التي لم تعرها اهتمامًا، بل وقاومتها بكل قلبك، ونظرت في شهوة حتى صار النور الذي فيك ظلامًا دامسًا، وصدقت عليك الآية المكتوبة في الإنجيل: “إذا كان النور الذي فيك ظلامًا فالظلام كم يكون” (مت 6: 23). فإن كان النور الذي فيك قد صار لك ظلامًا حتى في هذا المكان (أي الكنيسة)، فكم ستكون قتامة الظلام الذي سيلفك في الجحيم حيث يكون العُصَاة الذين نظروا نحو النساء منذ البدء والذين ينظرون الآن أيضًا[10].

عظات آباء وخدام معاصرين

المتنيح الأنبا صموئيل أسقف الخدمات العامة والإجتماعية

ماذا تقدم الكنيسة للشعب من خدمات

من المعلوم أن الكنيسة هي جماعة المؤمنين ، أعضاء كثيرون في جسم واحد. ورسالة الكنيسة نمو أعضائها تتلخص في إشعارهم بالآتى : –

١- الشعور بالامتلاك : إن واجب الكنيسة أن تشعر المؤمنين أنهم هم الكنيسة ورجال الإكليروس هم خدامهم الذين عهد إلهم الآب السماوي تقديم الطعام الروحي في الوقت المناسب لأولاده الذين بذل ذاته ليفدهم . فأنت تشعر بهذا حقا في الكنيسة القبطية ،فالأسرة بأكملها ، الوالدين والبالغين والأطفال يذهبون إلى الكنيسة حيث الخدمة الواحدة المشتركة ويظن بعض الناس أن ذهابالأطفال الكنيسة خطأ من الوجهة الإدارية لأن وجودهم قد يسبب شوشرة على العبادة ، لكن الحقيقة أن وجودهم في الكنيسة يكسبهم تدريجياً دراية بالطقوس الدينية من صغرهم إلى أن تكمل شخصيتهم الدينية ومعرفتهم بالكنيسة . وفي أثناء الصلوات يشترك الشعب في ترديد المردات بقيادة مرتل الكنيسة أو الشماس . والكاهن لا يمكنه تأدية الصلوات العامة وحده مالم يشترك معه شماس على الأقل. وهناك روابط كثيرة بين الكنيسة والشعب منذ نشأتها وهي الصلوات وممارسة الأسرار ، وزيارة الكاهن لأفراد الشعب أمر رعوىواجب . ودخوله البيت بملابس الكهنوت وأداؤه بعض الصلوات كصلاة القنديل مع ما يلازم ذلك من شعائر دينية وأدوات الخدمة كالبخور والزيت والماء والصليب ، كل ذلك يوثق الروابط الدينية ويحمل في طياته بركات للبيت . وذهاب الشعب للكنيسة في جماعات لحضور الرياضات الروحية التي تقدمها الكنيسة في شكل ميامر و مدائح و ترانيم وصلوات دائمة طيلة الليل بفرح قلبى مقدس فيبعض المناسبات تذكرنا بالقديسين الذين قدموا حياتهم لعبادة الله .

٢- الشعور بالمسئولية : ( فقال الرب لقايين اين ها بيل أخوك فقال لا أعرف أحارس أنا لأخي) (تك ٤:٩)
العضو في المجتمع يجب أن يفكر في المجموع ولا يهتم بنفسه فقط ، وتقاليد الكنيسة القبطية وضعت لتزود المجتمع بروح المسئولية . فقد وضعت الكنيسة نظام الإشبين الذي فوضته الكنيسة ليتعاون مع الأسرة في رعاية و تعليم أطفالها و تنشأتهم النشأة الصالحة حتى يشبوا مرتبطين بالكنيسة رباطاً وثيقا وفي وقت الحاجة يلجا الإشبين إلى معونة وإرشاد رجال الإكليروس . ويستمر الإشبين في تأدية واجبه نحو الطفل حتى يكبر ويتزوج . ويلحق بكل كنيسة في الأرياف مكان يقال له مضيفه يجتمع فيه الشعب مع الأب الكاهن بعد الخدمة الكنسية وبتناقشون معاً فى الأمور التي تهم المجتمع. ويقدم لهم في العادة موائد محبة تمدها بعض الأسر . ومما لاجدال فيه أن اشتراك الشعب في انتخاب رجال الإكليروس من الشماس إلى البطريرك لهو اشتراك فعلى في تحمل كامل المسئولية كذلك تحض الكنيسة أعضاءها على الشهادة لنور الله وحقه ومحبته وهذه الشهادة تكون بتصرف العضو تصرفاً مسيحياً بحياته المثلى وأخلاقه الفاضلة في هذا العالم المادي . وقد رأينا أن المسيحى المخلص لعقيدته ينجح نجاحاً باهراً في اكتساب ثقة السلطات الحاكمة من غير المسيحيين ولقد بنى مهندس معماری مسیحی مسجد ابن طولون . . ومن هذا يتضح أن الكنيسة تعلم الشعب الدور الذي يجب أن يقوم به نحو المجتمع لبناء الأمة وللسلام العالمي .

٣- الشعور – بواجب المساهمة : يجب أن يقاسم المسيحى الحقيقى إخوته ( إخوته في الانسانية عامة وإخوته في الرب خاصة ) في الهبات والعطايا التي منحها إياه الآب السماوي سواء كانت هذه الهبات مادية أو روحية . والمساهمة بالخدمة الروحية تتضمن التعليم المسيحي وتدريس أبناء مدارس الأحد ورعاية الشباب والإستفادة من خبرات البالغين و تجاربهم و بعثات الطلبة في الداخل والخارج . ومما يجدر ملاحظته أن الذي قام بتبشير الأثيوبيين بالمسيحية هو تاجر مصري امه فرمنتيوس وهناك تجار أتقياء صاروا بطاركة كماأن النساء أيضاً لهن خدمات ملحوظه في هذا الصدد وفي كل كنيسة تقدم عطايا الشعب في حجرة بالمدخل ويقوم بالأعمالالاجتماعية شما مسه منتخبين أو بعض الشعب كما أن بعض الاتقياء يوقفون أملاكهم على الكنيسة وعمل الخير وجدير بالذكر انباالقاهرة وحدها ١٣٥ جمعية ومؤسسة خيرية كالمستشفيات والجمعيات النسائية والملاجي. كما أن الكنيسة تحاول أن تواجهالتطورات الجديدة في المجتمع الصناعي الجديد ، وهناك مجهودات تبذل لإنشاء فصول لتعليم العمال الصناعيين وفوق ذلك قد أنشأتالكنيسة اسقفيتين جديدتين احدهما للتعليم والأخرى للخدمات وذلك بقصد رفع المستوى العلمي والديني و تنظيم العمل الإجتماعىونحن في حاجة إلى صلوات حارة لكي نحصل على النجاح المطلوب في هذه الميادين[11].

المتنيح الأنبا أثناسيوس مطران بني سويف والبهنسا

(مت ١٦: ١٣-٢٠ )

حوار حول شخص يسوع

المسيح ابن الله (مت ۱۳:١٦ – ۲۰ )

ان لفظ Petra باليونانية معناه صخرة ، وهذا معنى اسم بطرس ولقد رد الرسول بطرس الرد الأمين المطلوب ” انت هو المسيح ابن اللهالحي ” . وليس للكنيسة ايمان غير هذا ، وهي لا تقوم الا عليه ، ولذلك قال الرب : « على هذه الصخرة – أي هذا الايمان بی-ابنىكنيستي ، ولقد مدح السيد هذا الايمان لأنه جاء في اعتراف واضح ، وكان قد سبق ومدحه كلما أعلنه انسان مثلما مع المراة الكنعانية( مت ١٥ : ۲۸ ) ومثلما مع قائد المئة ( مت ۸ : ۱۰ ) ولقد سبق التلاميذ واعلنوا ذلك ( مت ١٤: ٣٣ ) واعلنه كثيرون في نداءاتهم يا « ابن داود ، (مت ۹ : ۲۷ )و ١٢ : ٢٣، ١٥: ٢٢ ۰ فطوبى لسمعان بن يونا هنا لأن الرب أعلن له هذه الحقيقة فنطق بها ، وطوبى لكل منينطق بها . وطوبى لكل البسطاء الذين أعلنت لهم.. أحمدك ايها الآب رب السماء والأرض، لأنك أخفيت هذه عن الحكماء والفهماءواعلنتها للاطفال ..ولا احد يعرف الآب الا الابن ومن اراد الابن أن يعلن له » (مت ۱۱ : ۲۰ – ٢٧ ) وليس أحد يقدر أن يقول يسوع ربالا بالروح القدس “( اکو۳:۱۲ )

(مت ١٦: ۱۸ ) ان فم الذهب ، وكيرلس فهموا بالبطرا الايمان الذي أقر به بطرس ، كما ان اغسطينوس قال ان الصخرة يريد بهاالمسيح نفسه لأنه هو الصخرة كما ورد في( اكو١٠: ٤ ).

ولعلنا نتساءل ان كان الايمان هكذا هبة فما ذنب غير المؤمن يقول الرب و هانذا واقف على الباب واقرع، ان سمع أحد صوتي، وفتح الباب، ادخل اليه ، وأتعشى معه وهو معی (رؤ ٣: ٢٠ )ومعنى ذلك أن النعمة تطرق باب القلب فان تجاوب معها ازدادت ، وهكذا يزدادالتفاعل بينهما . فالفضل اساسا للنعمة ولكنها لا تقتحم القلب اقتحاما فالرب يعطي والانسان يقبل.

ابن الله :

ان تعبير ابن الله تعبير روحي عقلي، وليس جسديا فالأفكار تتولد من بعضها في العقل. والعقل هو مجموعة هذه الأفكار وليست بنوية الابن للأب انفصالية، بل هي ولادة ذاتية كتولد الفكر من العقل، وليس من كيان للعقل دون الفكر ، ولسنا ندرك العقل الا عنطريق صورته وهي الأفكار.

كان لأرسطو نظرية عن المادة ( الهيولا ) والصورة . فالخشب مادة له صفات: أنه صلب ، ويحترق ، وهو أصلا نبات ، ويمكن تشكيلهالى غير ذلك . والخشب كمادة وصفات وجد في لحظة واحدة ، ولا يمكن فصل الصفات عن مادة الخشب ، ولذا نجد لكل مادة صورذاتية ، هي مجموع مميزات هذه المادة . فلا قيام للصورة بعيدا عن المادة ولا للمادة دون الصورة ، واذا أزلنا الصورة زالت المادة ، واذازالت المادة فنيت الصورة . على أن الصورة هي ما ندركه من المادة . ولقد قال الرسول بولس عن ابن الله « الذي هو بهاء مجده ، ورسم جوهره وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته »(عب ١ : ٣)وقال عنه أيضا ” صورة الله غير المنظور(کو۱ : ١٥ ) أول كل خليقة ، أي أنه هوأساس كل تصوير آخر في الكون ، وكل وجود ” كل شيء به كان ، وبغيره لم يكن شيء مما كان ”

(یو ۱: ۳).

هل يمكن أن يقوم الجوهر دون الرسم والمظهر (الصورة الذاتية) ؟ نحن نعرف أن الله روح مالیء كل مكان منزه عن المادة أزلى أبدي . هذه كلها صفات الله أي صورته كما نراه، أن نحن لا نعرفه في ذاته فالآب هو المصدر والابن هو الصورة، أما الجوهر فلا وصول لنا اليه : وابن الله ، ابن ذاتی کامن في ذات الله ، ولا انفصال بينهما ( ” ألا والآب واحد من رآني فقد رای الآب. أنا معكم كل هذا الزمان ولم تعرفني يا فيلبس؟ (یو ١٤:٩)

والتجسد ليس غريبا ، فالله موجود في كل مكان ، ولو أراد أن يظهر بصورة ما لانسان فانه يقدر . واذا أراد أن يظهر في لحظة معينة لعدة أناس في أماكن مختلفة فهو يفعل، كأن يظهر الانسان في طائرة في الفضاء ، والآخر في غواصة في البحر في نفس اللحظة ،ولغيرهما كثيرين في ذات الوقت . وهو هو لم يتجزأ، فالتجسد ظهور الرب على الأرض في طبيعة بشرية ، وليس معنى ذلك أنها نسحب باللاهوت من الكون كله وتركز في هذا الحيز ، بل أنه ظهر في حيز محدود وهو في ذات الوقت غير محدود بالروح ، مادة بالبشرية ، منزه عن المادة باللاهوت ، منظور في الجسد ، وهو الروح غير المنظور ” وليس أحد صعد الي السماء الا الذي نزل من السماء ابن الانسان الذي هو في السماء “(يو ٣:١٣). وقد فهم اليهود تعبير ابن الله على هذا الوضع أنه حين قال : أنا , والآب واحد تناول بعضهم حجارة ليرجموه أجابهم يسوع ” أعمالا كثيرة حسنة أريتكم من عند أبي . بسبب أي عمل منها ترجمونني؟ أجابه اليهود قائلين : لسنا نرجمك لأجل عمل حسن، بل لأجل تجديف . فأنك وأنت انسان تجعل نفسك الها “(يو ١٠:٣٠-٣٦).

وكما قال الرب لبطرس: ” أعطيك مفاتيح ملكوت السموات فكل ما تحله على الأرض يكون محلولا في السموات (مت ١٦ :١٩) لأنه نطق بهذا الايمان هنا قالها أيضا لسائر التلاميذ . الحق أقول لكم كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطا في السموات ، وكل ما تحلونه على الأرض يكون محلولا في السموات ” (مت ۱۸ : ١٨)[12]

المتنيح الأنبا كيرلس مطران ميلانو

الكنيسة . . أم الحيـاة

الكنيسة هي بيت الله التي اقتناها بدمه ، هو عريسها ، وهي العروس التي تقوم كمرضعة ومربية ، ترعى النفوس وتشبعها من المراعيالخضر وترويها من مياه الراحة التي للينبوع الحي .

على حجرها وبين ذراعيها تفتح أبوابها كمدرسة واحدة للتعليم الروحي عنوانها ” ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب ” (مز ٣٤: ٨) . تعاليمها ” اسمعي يا ابنتي وانظري وأميلي سمعك لأن الرب اشتهى حسنك ” (مز ٤٠: ١٠) .

وغايتها ” معك لا أريد شيئا على الأرض ” (مز ٧٣: ٢٤) .

الأم المرضعة :

مدارس الأحد هي الثدي الذي يرضع منه الطفل .

فيحب لبن أمه الكنيسة وعندما تغذيه تعرفه على أبيه السيد المسيح مصدر هذا الخبز وهذا الحب .

وعندما يرضع اللبن عديم الغش يدرك الأمومة كلها في الكنيسة والأبوة الحقيقية في شخص السيد المسيح .

الأم المربية :

النعمة تعمل في الطفل ، فيحب الكنيسة التي تحتضنه ، ويحب المسيح الذي يرعاه . وإذا كان فاقداً والديه في الجسد ، تعوضه عنهذا الحرمان فلا يشعر أنه يتيم ، بعكس الطفل الذي يحيا بعيدا عن الكنيسة الأم وعن السيد المسيح أبيه السماوي ، فهو يتيم حتىولو كان والداه على قيد الحياة . ويقول القديس يوحنا ذهبي الفم للزوجة في سر الزيجة :

” لا تحبي الرجل أكثر من الله ، فلا تترملي إلى الأبد ” وبالمثل أولادها لا يتيتمون. امنا هي الكنيسة ، ورحمها المعمودية ، وأبونا هوالآب .

فيها كل الشبع :

في أحضانها لا يكون هناك جوع ولا عطش للعالم ، لأن النفس تشبع عندما تمتلك المسيح ، وترى العالم بغناه الخداع وإغراءاتهالجذابة فقيرا جدا جنبا لأصغر ابن يحيا في هذا الشبع داخل الكنيسة ، مثل الشهيد الطفل قرياقوص والشهيد الطفل أبانوبوغيرهما .

لهذا لم يسلموا حياتهم للعالم بل قالوا مع السيد المسيح ” ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه ” (مت ١٦: ٢٦) . وقالوامعه أيضا ” مملكتي ليست هذا العالم ” (يو ١٨: ٣٦) . في أحضانها لم يعوزهم شيء في الأرض، كما قال داود النبي ” ومعك لاأريد شيئا على الأرض ” وصاروا خرافا ناطقا لراع واحد، وقالوا ” الرب راعي فلا يعوزني شيء ” (مز ۲۳: ۱) . واستراحوا عندما سكنوا فيه وهتفوا ” الساكن في عون العلي يستريح ” (مز ۹۱: ١) . وعرفوا ” أن الجلوس علي عتبة بيت الرب . خير من السكنى فيمساكن الأشرار ” (مز ٨٤: ۱۰) . ولهذا نظر معلمنا بولس الرسول للعالم كنفاية لكي يربح المسيح (في ٣) .

النفس تشبع وتسعد بحنان الأم ، وبمحبة الآب ، كما يقول القد أوغسطينوس ” ما أسعد من يعرفك أيها الرب الإله ، وإن كان يجهلكل شيء ..وما اشقى من يعلم كل شيء ، ولا يعرفك أيها الرب الإله ” .

صخرة وكل آلة صورت ضدها لم تنجح :

كل أولادها من شهداء وأبرار ونساك وعباد ومجاهدين التي حملتهم في داخلها، هم أيضا حملوها داخلهم ، ومعهم في كل مكان … في السجون ، والعذابات..في الجبال ، والمغاير ، وفي شقوق الأرض .

أمهم لم تنفصل عنهم وهم لم ينفصلوا عنها .

لم يخافوا شيئا لأن كل آلة صورت ضدها لن تنجح (أش ٥٤: ١٧) . وكما علمهم السيد المسيح ” لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد ،ولكن النفس لا يقدرون أن يقتلوها ، بل خافوا بالحري من الذي يقدر أن يهلك النفس والجسد كليهما في جهنم ” (مت ۱۰ : ۲۸) . ولذاقال أحد أبنائها :

لا يخشى فقد المال ، من لا يمتلك شيئا .

ولا يهاب النفى ، من يحسب السماء موطنه .

ولا يخاف الموت ، من يرى أنه الطريق المؤدي للحياة الأبدية .

زينتها :

ترى فيها الزينة الغالية النفيسة التي زينت نفسها بها ، كما قال عنها سفر الرؤيا أنها ” هيأت نفسها ” (رؤ ۱۹ : ٧) . أولادها الشهداء هم زينتها النفيسة ، لأجل محبتهم لأبيهم السماوي وتمسكهم بأمهم . وزينتها مضيئة ، لأن أولادها مضيئون كالشمس ،نورها من شمس البر ، ورائحتها ذكية من السيد المسيح الطيب المسكوب على صدرها . رائحتها ذكية وزينتها جميلة، كما قال سفر النشيد : ” ها أنت جميلة يا حبيبتي ، ها أنت جميلة عيناك حمامتان ” (نش ١ : ١٦) .

أسرارها :

في أحضانها يعرف عمل أبيه السماوي ، وما قدمه من أسرار . يعرف عندما دفن في المعمودية ، كيف خلع الإنسان العتيق ، ولبس الجديد الفاخر ، كما قال معلمنا بولس الرسول ” مدفونين معه في المعمودية ، التي فيها أقمتم أيضا معه ، بإيمان عمل الله الذي أقامه من الأموات ” (كو ۲ : ۱۲) .

ويعرف أنه تثبت بالميرون ، ويدرك هذا الحب الأبوي الرعوي ، كما قال حزقيال النبي ” فمررت بك ورأيتك مدوسة بدمك ، فقلت لك : بدمك عيشي ،… فحممتك بالماء ، وغسلت عنك دماءك ، ومسحتك بالزيت ” (حز ١٦ : ٦-٩) .

واتحد به في الافخارستيا، كما قال السيد المسيح : ” من يأكل جسدي ويشرب دمي . يثبت في وأنا فيه ” (يو ٦:٥٦) .

ثم يعرف كيف يجاهد ويقوم بالتوبة ، ولا يكتم خطاياه بل يقربها ، ويعترف أمام الله في حضرة الأب الكاهن ، فتغفر خطيئته . ” من يكتم خطاياه لا ينجح.. ومن يقربها ويتركها يرحم “(أم ٣٨ : ١٣) .

ويري الآب السماوي في سر الزيجة كيف يصير الاثنان واحدا ، ” فالذي جمعه الله لا يفرقه انسان ” (مت ١٩:٦) . وبهم ينتشر الملكوت .

وإذ مرض أحد أبنائها ” يدعو قسوس الكنيسة ، ليدهنوه بزيت ، وصلاة الإيمان تشفي المريض ، وإن كان قد فعل خطية تغفر له ” (يع ٥:١٤) .

وبهذا يعلم أن كل أسرارها يتممها كاهن شرعي ، وكله الله على الأسرار ، وأعطاه السلطان قائلا : ” اقبلوا الروح القدس ، من غفرتم خطاياه تغفر له، ومن أمسكتم خطاياه أمسكت ” (يو ۲۰:۲۳) .

ولأنها سماء علي الأرض ، ” تفرح بالخاطئ الواحد الذي يتوب ، أكثر من تسعة وتسعين باراً لا يحتاجون إلى توبة ” (لو ١٥ : ٧) . وتبكي على أولادها الخارجين بعيدا عنها وتنادي كل أحد تعال واقترب مني لكي تتبرر من خطاياك[13] .

المتنيح الأنبا بيمن أسقف ملوي

ملامح الروحانية الشرقية

في التقليد المليء بالمحسوسات والأمور الخارجية البرانية : أيقونات ، ملابس ، شموع ، بخور ، مواکب ، ترانيم ، سجود. بالإضافة إلى الأنشطة الجسمية من النظر والشم والصوت والذوق واللمس

والحركة . نعجب حقا من أن نجد مثل هذا التعليم عن  “التصور” في الحياة الروحية عامة وفي الصلاة خاصة. فما معنى هذا ؟إن هذا التعليم يكشف أولا شخصية الروحانية الشرقية التي تتشكك كثيرا في الخداع الذاتي . ففي التقليد الشرقي نجد توكيداً للتعقل والصحو في كل الميادين التي يمكن أن يكون إتجاهاً باطلا أو افتنانا أعمى ناتجا عن الارادة الذاتية في تآمرها مع الوحي الشرير. فمثلا يقول مار اسحق السرياني : «إن ذاك الذي يرى نفسه على حقيقتها أعظم من الذي يقيم الميت فإن كانت هذه هي وجهة النظر نحو معرفة النفس ، ليدخل فيها ضمناً أن الانجذاب نحو الخداع الذاتي يكون لا مفر منه. فكم بالحري تعظم إمكانية الخداع فيما يتعلق بمعرفة العالم الروحي، وكم بالحرى تتضاعف الحاجة إلى السير والتعقل في صلة معرفة الله . إذن فالتصور المرئي في العبادة الخارجية في الكنيسة ليس خطرا من هذه الوجهة إذ أنه صريح فيما يرمز إليه  وبالتالى لا يخدع . و لكن تصور العقل والحالات الباطنية قد تكون نتيجة لانفعالاتنا الخاصة ، بل قد يكون اثر الوازع إليها القوي الشيطانية بأسلوب قد يضللنا و يخدعنا إلى الزعم بوحدة باطلة مع ذاك الذي ليس هو الله ، والشيطان مخادع بطبعه وقد دعاه

المسيح بقوله أنه “الكذاب منذ البدء” (يوحنا ٨: ٤٤) وشبهه بالذئاب التي تأتي في ثياب الحملان ، ويسميه الكتاب المسيح الدجال كما يخبرنا أن الشياطين قد تظهر على هيئة ملائكة النور . إذن فالاعتبار الأول في التحفظ التقليدي فيما يتعلق باستعمال المخيلة لإبراز صور حسية عن الله أو حتى عن المسيح الإنسان هو هذا التخوف الشديد من إمكانية الانخداع ، ومن الثقة في السراب و اعتباره حقيقة. ومحور هذا التخوف هو الوعى التام بالقوي اللاشعورية والشيطانيه. وثمة اعتبار ثان في هذا التعليم وهو اعتبار لا مرئي مؤداه أن الإنسان يستطيع أن يكون في وحدة مع الله بالروح، وهو في هذه الوحدة ليس

في حاجة إلى أي نوع من التأمل المفتعل ، فلا ضرورة لأية رؤيا مفتعلة وفوق هذا فرؤيا الله التي توصف بأنها ممكنة – والتي توهب معرفتها في الحياة الروحية – توهب في وحدة بعيدة عن المفاهيم والتصورات لان الله لا يمكن تفهمه ولا نتصوره بشكل مادي او عقلي . فمعرفة الله في الحياة الروحية هي معرفة الله،وليست “معرفة عن الله” أنها معرفة لإختبار وجودی وليست معرفة لتفكير عقلي أو نقاش منطقي. والله روح لا مرئي ، ولامادي لا يمكن تخيله ، وليس هناك مفہوم يمكن أن يحيط به ولكن في الصلاة الحقيقية إمكانية لمعرفة لا خيالية ، ولوحدة مع الحضرة الإلهية ،لاصلة لها بالمعرفة الذهنية والمفاهيم العقلية الموصوفة في تحاليل علم النفس والفلسفة. ويبدو أن التقليد الشرقي الخاص بوسائل المعرفة عامة مناهض للحاجة إلى المفاهيم “التصورية ” حتى فيما يتعلق بعالم الواقع الذي نعيش فيه

الإنسان لديه القدرة على المعرفة وعلى تبادل المعرفة من غير الرجوع المستمر الى تخيل موضوعات المعرفة بمعنى تكوين صورة ذهنية. ويقول لنا الآباء أن هذا صحيح من طبيعة الإنسان بذاتها لأنه هو – دون سائر المخلوقات – لديه إمكانية الإدراك الباطني للحقيقة وإمكانية اللمحة الوامضة لما يسمو على المعرفة اللاهوتية الغائصة في التسلسل الأبوى إذ هي متأصلة في الروح القدس ، روح المسيح الذي ياتي بحضرته القرية “بغير مراقبة” (لو ۲۰:۱۷)  “ليرشد إلى كل الحق” (يو ١٦: ١٣) الروح القدس الذي لا يستطيع العالم أن يقبله لأنه لا يراه ولا يعرفه ولكنه معروف من أولئك الذين في المسيح كما قال الرب نفسه لتلاميذه”أما أنتم فتعرفونه لانه ماكث فيكم ويكون معكم ” (يو ١٤:١٧) . هذاهو الروح القدس عينه الذي اعتبره القديس ايريناوس ضمن العناصر الضرورية في الانسان بوصفه إنسان والذي وصفه أشعياء بقوله : “روح الحكمة والفهم ، روح المشورة والقوة ، روح المعرفة وخوف الله” (إش ۲:١۱) لأن الانسان بوصفه “هيكل للروح القدس” يستطيع أن يستمتع بنوع من المعرفة مباشر وباطنی وكاشف للحقيقة بلا وسيط وبقوة داخلية “لأن يری” بشكل لايحتاج إلى صور، وباحتضان وجودی لیس في حاجة إلى المرور خلال درجات الفكر التحليلي.

وهذه المسألة عينها الخاصة بالتشكك في سوء استعمال الصور الذهنية في الصلاة وفي الحياة الروحية يواجهها التقليد الشرقي من زاوية عملية أيضا. ولتبسيطها إلى حد بعيد أستطيع أن أقول أن التقليد الشرقي يقف ضد أي رأي ينادي بأن الإنسان يحتاج علي أي حال إلى معاودة خلق المسيح كانسان في نوع من التصور المقدس له ولحياته الأرضية لكي يعرفه في الحاضر .فالرب الآن في ملكوته خلال قيامته وصعوده و تمجده ، وهو بذلك معروف “ليس حسب الجسد” ولكن وبالروح، ، ليس من وجهة النظر الإنسانية ، كما عرف قديما و لكن في “الخليقة الجديدة” (٢کو ٥:٦) وما دام هذا هو الواقع فالشركة الوثيقة مع الله خلال المسيح بالحضرة الحية للروح القدس في الكنيسة متاحة للناس في كل جيل. فهناك وسيلة جديدة لمعرفة الله وخلال الله لكل الحقيقة لا تتطلب أي تدريب سيكولوجي لتصور وتخيل للمسيح الذي في التاريخ . وأبسط مثل أسوقه هو السر المقدس في القداس الإلهى، ففي شعائر

التناول لا نطالب بأن “نوهم أنفسنا” بأننا حاضرون العشاء الرباني في العلية وأن الخديم هو المسيح ونحن جالسون معه .. الخ أو لزيادة التوضيح عن الموضوع نفسه نحن لا نطالب بالزعم أن يسوع على المذبح ، أو حين نتناول العناصر المقدسة، لسنا مضطرين إلى اقحام خيالنا على أن ما نأكل هو في الواقع لحم،إن الكنيسة لا تضطرنا إلى القيام بأعمال بهلوانية ذهنية لتجعل نشاطنا “الليتورجي” واقعيا بل على العكس من ذلك أنها تحذرنا من مثل هذه الأعمال: فالقداس الالهي حقيقة في ذاته ومن ذاته، وحقيقته الوحيدة في كيانه فقط ، والذبيحة الدموية سر في داخله وشكله ومضمونه الروحي يتحقق ويتم بالروح القدس ،وهي كافية في حد ذاتها بأن تمنحنا التشارك الاختياري لله .

إن الاباء ينصحوننا بأن تبدأ الصلاة بكلمات قليلة نكررها مراراً وتكراراً كلا تذكرنا و حينما كنا . وهذا النوع من الصلاة القصيرة المكررة يؤيده التقليد الشرقي للمبتدئین وللعارفين أيضا بل حتي”للكاملين” بوصفه نوع من الصلاة الفعالة . “فصلاة يسوع”  مثلا تستعمل هذه الطريقة كصلاة بسيطة للمبتدئين وكصلاة مستديمة للعارفين ، فهي تستمر من ذاتها كأنها وسيلة بيولوجية(للصلاة بلا انقطاع) في ( خبرة الاباء ) وبما أن ممارسة “صلاة يسوع” متأصلة في أعماق الروحانية الشرقية باكملها ، وبما أنها متاحة للجميع، وبما أنها مجهولة تماما في التقليد الروحي الغربي يجدر أن نلقي عليها شيئا من الضوء هنا . و”صلاة يسوع” إن أسيء فهمها أو استعمالها قد تكون تدريبا خطرا . لذلك وجب توضيح مبدأين أساسيين قبل شرح كيفية استعمالها الصحيحة ، وأولها هو أن ‘صلاة يسوع’ لا يمكن أن يرددها إلا المسيحيون المتأصلون في الحياة الإنجيلية اللاهوتية السرائرية القداسية التي للكنيسة فهي ليست مجرد شيء يمكن تجربته للتسلية ولرؤية ماذا سيحدث بعيدا عن الإيمان المسيحي والحياة المسيحية.

وثانيهما أن كل التداريب ( الخارجية ) الموجودة في الكتب النسكية للصلاة من اوضاع جسمية و تمرینات تنفسية وتركيز للعين و مواقف ذهنية كلها ثانوية محضة، وليست ضرورية للصلاة لأن المقصود منها هو قصرها على النساك المدربين بإرشاد قادة اكثر خبرة وكإمكانية لا كقاعدة عامة .

و(صلاة يسوع ) لها أشكال كلامية متنوعة أكثرها شيوعاً هی : ( ياربى يسوع المسيح ابن الله ارحمني أنا الخاطيء). وبهذا الشكل يعلمنا التقليد أن هذه الصلاة تتضمن كل عناصر الإيمان المسيحي (ياربي یسوع) – ليس أحد يستطيع أن يقول (يسوع هو رب) إلا بالروح القدس (١كو ۳:۱۲)، فالقول بهذا تبعا للرب نفسه لا يعلنه ( لحم ولا دم بل أبي الذي في السموات) (متی ١٦ :١٨) . ( ارحمني )- مغفرة الله المعلنة في يسوع. ( أنا الخاطئ ) – لانه لم يأت للأبرار بل للخطاة الذين يدخلون ملكوت الله ليفرحوا الملائكة أكثر مما يفرحهم الأبرار إن كانت روحهم كروح العشار وحياتهم حياة التحول المستمر بالتوبة . فبإسم يسوع توهب كل الأشياء ، لأن الاسم ذاته استعلان وحضرة وقوة لذاك الذي يتضرع به . إلى الآن لم تطلبوا شیئا بإسمي . إسألوا تعطوا لكي يكون فرحكم كاملا ( يوحنا ١٦: ٢٤). وفي استعمالها الأول تحوي (صلاة يسوع) ضراعة تقال في أي وقت وأي مكان وتحت أى ظروف كوسيلة لمحاربة التجارب الشريرة . (اضرب عدوك باسم يسوع) هذا مايقوله كلیماکوس (فليس هناك سلاحاً أمضي منه على الأرض وفي السماوات وهو قطعا أقوى من الإرادة الانسانية ، فبقوة الارادة لن يخلص إنسان ، وقداسة الله ليست وليدة القوة والرغبة الانسانية ، وقهر الشيطان ليس تحت سلطة انسان . فالاندفاع الجارف إلى المعركة ضد ( قوى الظلمة) والانسان متسلح بحسن الرغبة والحماس الملتهب  فقط حماقة ووبال ولن يسفر إلا عن الفشل والأنحدار إن لم يؤدي إلي الإنهيار الوجداني والاضطراب العقلي أيضا. ( ورئيس هذا العالم ) اقوى من الانسان الساقط ، ولن يخرج إلا بالقدوس ابن الله .

وفي عقيدة القديسين تكون الصلاة وحدها باسم يسوع هي السلاح الوحيد القوى إلى حد ضمان الانتصار من غير جروح ،وهذا ما يعلمه مار اسحق السرياني ، معبرا عنه بكلمات عتيقة ،ولكن بمعنى وقيمة عصريتين ‘لا تقاوم الأفكار التي يغرسها العدو فيك بل بالحرى اقطع كل حديث معها بالصلاة لله . فليس لدينا دائماً القوة الكافية لمقاومة الأفكار العدائية إلى حد إيقافها ، بل بالعكس فإن مثل هذه المحاولات تصيبنا بجراح يطول شفاؤها . وعلى الرغم من كل نواياك الصالحة فالأعداء سینجحون في إيذائك. ولكن حتى إن قهرتهم فقذارة مثل هذه الأفكار ستلطخ عقلك وستلصق بك رائحتها الكريهة بأنفاسك، ولكن ان استعملت الوسيلة الأولى ( وسيلة الصلاة) ستتحرر من هذا كله ومن الخوف لأنه ليس هناك عون غير الله ‘ وبهذه الطريقة تستعمل”صلاة يسوع ” كسيف روحي ليقطع كل قوه الشر ويحول نشاط الخطية التي تولدها الى قوة مطهرة قدسية. وهذا هو الأستعمال الطبيعي لها ، وعند دخول أول علامة من الشهوة إلى العقل : الكراهية ، الغضب ، الرغبة الرخيصة ، التسرع في الإدانة ..تكرر الصلاة فورا بقصد تحويل قوة الشر التي تعبر عن نفسها عادة بالرغبة الشريرة . تكرر الصلاة نحو الله باسم يسوع وبذلك تأتي بقوة الروح القدس بثمارها بدلا من الشهوات: المحبة بدلا من الكراهية، الصبر بدلا من الغضب ، الطهارة بدلا من الشهوة،الرحمة بدلا من الإدانة ، وبهذه الطريقة – تبعا للآباء – يتركز(عقل) الانسان في القلب وينشأ بذلك نوع من أجهزة الإنذار يرن عند أول ظهور التجارب الشهوانية وفي لحظة تتجاوب الأصداء بصلاة يسوع، وبهذه الطريقة تمر موجة التجربة بدافعها الشرير خلال القلب الممتليء بالله في اسم يسوع النابع بفاعلية حضرة الروح القدس فيتراجع شرها أمام ثمار الروح . وهذه الوسيلة التي هي نداء اسم يسوع كسلاح روحی يمكن أن تنساب في ضراعة مستمرة باسم يسوع كتذكار لله أو (وقوف في حضرة الله) أو (صلاة بلا انقطاع ) وهذه على حد تعبير الآباء (انتباه العقل) و (حراسة القلب) أو ( تنقية القلب الذي خلاله وحده يستطيع الإنسان أن يرى الله ) . إذن فالتكرار المستمر لاسم الرب ان تم في تعقل وانتباه وإخلاص وإيمان، وليس مجرد طلسم أو تعويذة، يمكن أن يؤدي إلى الصلاة المستمرة في أسمي درجاتها : الاتحاد في الله دون کلام أو وعي والممتلئ بالسلام والفرح والذي يعبر عن نفسه في توبة متواضعة ومحبة شاملة لكل الخليقة. أو بعبارة أخرى فإنه بالمداومة على الصلاة باسم يسوع على قدر طاقتنا وقوتنا يتجاوب الله معنا بختم الروح القدس على قلوبنا .

ويخجلني أنني حصرت حديثي في الحياه الروحية الفردية فلم أتحدث عن ابعاد الروحانية المسيحية اجتماعيا وتاريخيا وگونیا…. وهذه يجب التمعن فيها في أية مناقشة كاملة للمسألة الروحية، ومما لاشك فيه أنه لايزال أمام اللاهوت الأرثوذكسي مواجهة مسائل الحياة الروحية على المستويات التاريخية والإجتماعية وعلى الأخص داخل الإطار الحديث المتسم بالنظرة الغربية .

وقد قلت مرارا بأن الاعتراف الجوهري في التقليد الشرقي الأرثوذكسي هو أن الله نفسه جاء ليعيش في الناس خلال الابن والروح القدس ، ليقاتل الشر والخطية و ليقضى عليهما وليبرز الإنسان في كمال وقداسة و يصل به إلى حياة لا نهائية من الألوهية . وتأليه الإنسان هو عطية خالصة من الله معطاة في الخبرة السرائرية القداسية للكنيسة إذ يصبح المسيح ملكا لنا بالروح القدس الذي يخبيء نفسه كذات شخصية الانسان وبوصفه صورته ، واقتباسا من القديس غريغوريوس النزينزي ليستعلن في الشخص ‘ كما أن الإبن هو الصورة الكاشفة للآب وكما ان الروح هو الصورة الكاشفة  للإبن –  هكذا الإنسان القديس هو الصورة الكاشفة للروح، واستمرارا مع تفكير النزينزي إلى النهاية نسمعه يقول بأن هذا هو الدليل الوحيد علي وجود الله ومعناه وقيمته : القداسة الالهية للانسان و خلاله لكل الخليقة.

و عصر الكنيسة كعصر للروح في الإنسانية – المدعوة للتأله يتطلب وعيا جديدا للعلوم الأنثروبولوجية والاجتماعية و التاريخية والكونية على حد تعبير بردایيف أنه وقت ‘الله – الإنسانية’ – الشرط الخلاق الجديد للحرية والنعمة في الروح القدس والحق ،الشرط الذي يمتد إلى ما بعد السلطة والقانون . هذا الوقت الخاص بالروح الخلاق الحر يجد منتهي تعبيره في الكمال الشخصي الروحي وفي القداسة الخلاقة وبلوغه ينساب فيفيض علي حدود الشخص إلى مؤثرات عالمية : أنه الخليقة الجديدة للناس الجدد في السماء والأرض الجديدتين ، ولكي يضطرم روح الله في الإنسان يستلزم أقصى الجهاد الإنساني واجماع الآباء كلهم هو أن عمل النعمة شامل ، ولكن النعمة تأتي لتعطي النصرة على الخطية والموت والتحرر من كل قانون خارجی وسلطة خارجية لا يتحقق إلا حيث ملء الجهاد الإنساني الحر الخلاق : الجهاد الارادي العنيف الاندفاعی الذي هو في حد ذاته في سر الحياة الروحية الصفة الالهية الإنسانية وسمتها والذي يتحدي كل تحلل لما هو من الله وما هو من الإنسان . هي ظاهرة الألوهية – الإنسانية و التي ليست من هذا العالم ، وهي لذلك غير خاضعة للفحص البشري. إذن ‘فالوعي الجديد’ يتطلب ‘خلقيات جديدة ‘ عن ‘الله . الإنسانية’ حيث يتم التغلب على الفرقة بين الإلهي والانساني ، لان فيه بحل كل ملء اللاهوت جسديا وأنتم مملؤون فيه … لانكم قد متم وحياتكم مستترة مع المسيح في الله ،( کولوسی ۹:۲- ٣: ٣). وكل مجال في الحياة الروحية ينطوي تحت فاعلية هذا الامتلاء مع المسيح في الله ، فكل مثابرة علي الإحتمال وكل جهد بلا كلل يجب أن يملأ جميع الفكر والكلام والعمل إلى أن يتحقق فينا هذا كحضرة مقيمة ولقد قال لنا القديس سيرافيم بأن هناك وسائل عديدة لهذه الغاية التي سماها

‘حيازة الروح القدس’ وأن كل انسان يجب أن يتاجر خاصة في تلك الأنشطة التي تعود عليه بأكبر ربح، ومع ذلك فمن الواضح من كل الكتابات الروحية أن كل انسان يجب أن يتاجر إلى حدما فيها كلها. . ويجب رفض الاذعان رفضا باتا للزعم بأن مايسمونه ‘وسائل النعمة ‘ او ‘الأعمال المسيحية’ يمكن تجزئتها إلي أعمال منفردة وبالتالي يمكن التغاضي عن بعضها في سبيل البعض الآخر أو إستبدال بعضها ببعض. والتقليد الشرقي يعتبر هذا الزعم تجربة كبرى فمثلا يعتبر الآباء من الخطر ممارسة”صلاة يسوع” مع تناسی حاجات القريب ، أو إهمال الصلاة والصوم بسبب الانشغال بالخدمة الاجتماعية . فالحياة الروحية هي ملء وهي تشييد وهی انسجام لعناصر عديدة وبالطبع تختلف هذه العناصر في قوتها وتفاعلها من شخص إلى آخر مما يؤدي إلى خلق فريد . وبهذا المعنى يكون هناك روحانيات بعدد الناس المستعدين لأن يصبحوا هياكل للروح القدس . ومع ذلك فالمحاولة الواعية لاختبار نواحی معینة وأنشطة خاصة من الحياة الجديدة مع اقصاء كل النواحي والأنشطة الأخرى هو تشويه للحياة الروحية بوصفها الحياة ذاتها – هذه العناصر لها قيمة في حد ذاتها بمدى فاعليتها في الشخص وفي العالم وباثرها بأن تحدث شيئا في الوجود ذاته هو قيمة باقية أبدية .وهذا طبعا هو بنیان جسد المسيح إلى أن تنتهي إلى …. إنسان كامل إلى قياس قامة ملء المسيح (أف ٤:١٢-۱۳).

وفي هذا الجهاد يجب أن نلحظ أن اختبار  “موت الله ” و الاحساس بعدم وجود النعمة و القنوط والجفاف هو عنصر أيضا وفيالواقع يتكرر في لحظات بطريقة خفية في الحياة الروحية . وهو يحدث لكل الناس حتى وللكاملين إلى آخر الحياة . والتقليد قد اجتهد لتفسير سببه :

اما من الشر نتيجة للخطية، وإما من الله کدرس للتواضع، أو من طبيعة الحياة ذاتها في تطلبها الحرية أو من المحبة للاشتراك معصرخة المسيح على الصليب “الهى الهى لماذا تركتني ” والتقليد عينه اجتهد أيضا لتقديم النصح بتفهم التجربة واحتمالها والتغلب عليها . ولكن النتيجة هي في النهاية : أن الاختبار لابد منه والجميع يؤكدونه بلا استثناء كما يؤكدون بأن الحرية الكاملة شرطه الوحيد والمحبة الشاملة هدفه الوحيد .

ففي أوقات الجفاف حين نحس بأننا وحيدون في الكون، يقول لنا الآباء بأن عزاءنا الأول أن مثل هذه الأوقات لابد أن تأتي ، وأنها ضرورية تماما ، وانها بطريقتها الملتوية تشهد للكرامة العظمى التي للانسان كما تشهد للنداء الإلهي فيه . لذلك فحينما تحل هذهالأوقات يجب أن نثبت فنؤدی كل حركات الحياة الروحية وعلى الأخص الصلاة حتى صلاة المراثي والشكوى والتساؤل والالحاح الشديد على الله طلبا للنور والفهم. ويجب أن نستمر في كل عمل صالح حتى أن كنا لانشعر بالرغبه فيه غاصبين أنفسنا على أننعمل ما نعمله عادة بفرح وبهجة متيقنين بان “الصبر إلى المنتهي” هو وحده الذي يأتينا بالخلاص والخلاص هو بالضبط اختيارشركة الحضرة الإلهية المؤدي إلى توبة صادقة وإيمان حار ورجاء معزى في هذه الحياة وإلى محبة شاملة في هذه اللحظة والى الابد.

والمحبة الشاملة هي الهدف النهائي من كل الصراع الروحي. إنها غاية الحياة الروحية. الغاية التي لا نهاية لها. والصراع هو سعى للتشبه بالله والتأله في حياة النعمة الأبدية في تحول مستمر و تغير “من مجد إلى مجد” إلى كمال لانهائي. ومضمون هذه الحركة الشاملة للعالم وبدايتها ومنتصفها وآخرها – هو المحبة . الله محبة. محبة في ذاته ولذات المحبة لا بالنسبة لنا فقط . وهذا هو المعنى الديني الاساسي لايماننا بالثالوث الأقدس : الله هو إله حي إله محبة ، وحياته الباطنية هي المحبة. وروح الله هو روح المحبة. وهذا الحب قد كشف عن ذاته، وهذا الحب يريدنا أن تبادله بالحب وهذه المحبة لابد أن تنتصر ، إذن فالبداية محبة والنهاية محبة ،وفي المحور يقف الله المستعلن بنفسه في محبة واتضاع : “صلیب ابن الله” . و حياتنا الجديدة هي محبة. محبة فقط ، القوة الشاملة المطلقة التي للمحبة ، وهدف هذه الحياة  الجديدة هو “ان نعرف محبة المسيح التي تفوق كل عقل” .. هذا هو التوازن الجديد للحياة والقانون الجديد للحياة .. ومن المحال صوغ هذه الحقيقة في قوانين محددة ، فهي قوة جديدة قاهرة ، وحياة جديدة وقانون جديد للحياة ، ووحي جديد .. أنها أكثر من تعليم خلقی . آنها قوة جديدة … تبدأ من هنا مؤسسة على استعلان محبته المتنازلة والممتدة إلى الإمام ، وفوق هذا كله فهي القانون الاسمى للحياة الأبدية وهذا ما يقوله القديسون بالضبط ” أن حياتنا الجديدة هي المحبة والمحبه فقط ، القوة الشاملة للجميع التي هي المحبة” وحتى مار اسحق السرياني المعتبر اشد النساك تزمتا يختم تعليماته بارق حنان عن المحبة الكونية : “ماهو القلب المحب ؟ انه قلب ملتهب بالمحبة لكل الخليفة : للناس وللطيور و للبهائم ولكل الخلائق. أن ذاك الذي له مثل هذا القلب لا يستطيع أن يبصر أو يتذکر مخلوقا من غير أن تغرورق عيناه بالدموع بسبب الحنان الهائل الذي يتملك قلبه ، قلبا رقت مشاعره إلى حد أنه لايحتمل ان يرى أو يعلم من الآخرين عن أي ألم حتى أقله يقع على مخلوق. وهذا هو السبب في أن مثل هذا الرجل لا يفتر عن الصلاة من اجل الحيوانات ، ومن أجل أعداء الحق، ومن أجل الذين يؤذونه لکی يحفظوا ويتطهروا . أنه يصلي حتىمن اجل الثعابين . مهتزا بالاشفاق اللانهائي الذي يملك على أولئك الصائرين قلوبا متحدة مع الله . والمحبة الصادقة لاتتخير محبوبها. انها عامة شاملة . أنها إلهية . انها ترغب في أن الجميع يعيشون و أن لاشيء يضيع ، أنها محبة لانهائية ( محبة أولئك الصائرین متحدين مع الله) إنها وحدة المحبة بالمحبة . وهی ممنوحة للناس بحلول روح المسيح ” لأن محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا” (رومية ه:ه) هذا الروح هو الذي يتغنى به القديس سمعان اللاهوتي الجديد بإسم المحبة بالذات .

وأختتم حديثي عن الاختبار الحي للحياة الروحية بترنيمة هذا القديس (أيها المحبة القدوس – أن ذاك الذي لا يعرفك لم يذق قط حلاوة مراحمك التي لا يعطينا إياها إلا الاختبار الحي . أما ذاك الذي عرفك أو بالحرى الذي عرف منك فلن يداخله بعد ذلك أدني شك . لأنك أنت كمال الناموس : أنت يامن يملأ قلبى ويشعله ويلهبه و يطوقه بحب لا يقدر . أنت هو معلم الأنبياء وفخر الرسل إكليل الشهداء وإلهام الآباء والعلماء وتهليل الصديقين. وأنت أيها المحبة هو المهييء حتى لي انا للخدمة الحقيقية لله)[14].

القديس القمص بيشوي كامل

أين تبني الكنيسة

ما هو المكان الذى نختاره لبناء الكنيسة ؟

يذكر لنا التلمود ان سليمان الحكيم بني الهيكل في مكان حددته هذه القصة . أن أخوان كان لهما حقل ، وعندما جمعا المحصولقسماه نصفين . وفي منتصف الليل قام الاخ الاكبر وقال في نفسه ان اخي صغير ومحتاج لبناء مستقبله أن يأخذ اكثر ، فلآخذ مننصيبي وأضع على كومه . وفي نفس الوقت قال الصغير ان أخي يحتاج أكثر لاجل كثرة أولاده ، فلأخذ من نصيبي واضع على كومه. وفي الصباح وجد كل واحد كومه كما هو ـ لم ينقص ولم يزد – وتكرر هذا العمل عدة أيام ، وفي أحد الليالي تقابل الاخوان وكلمنهما حامـلا جزءا من محصوله ليضعه على نصيب أخيه .. عندئذ تعانق الاخوان في حب – عظيم .

ولما كان سليمان يبحث عن أنسب مكان لبناء الهيكل وسمع بهذه القصة قال ليس هناك مكان على الارض يليق ببناء هيكل لله أكثر منهذا المكان !

فكنيستنا ايها الاحباء لا يمكن ان تبنى الا حيث تتلاقى قلوب ابنائها وتذوب في الله المحبة الذي قدم ذاته ذبيحة حب لاجلنا .

+ يذكر التاريخ ان شيطانا ظهر مرة لانبا اسحق القس مطلا من طاقة حجرته قائلا له لقد صرت من اتباعنا ، فلما فحص نفسه بتذلل أمام الله تذكر انه ذهب للكنيسة واشترك في جسد الرب ودمه ثلاث مرات وهو متخاصم مع أحد الاخوة . وللحال ذهب الى هذا الاخ وطلب منه الصفح ببكاء وتذلل.

+ لذلك تقول الكنيسة في مقدمة القداس : « قبلوا بعضكم بعضا بقبلة مقدسة » .. أي ان أي انسان لا يقف بقلب صاف تماما فليخرج من الكنيسة ! ! ! المحبـة = الله . لان الله محبة :

كثيرون بجهل لا يدركون قيمة المحبة – الجوهرة الثمينة ـ هؤلاء يهملونها وبسهولة يفقدونها . الانسان الجاهل المسكين يفقد المحبـة ( الله) من اجل سبب تافه ، من أجل فلان لانه أخطأ في حقه ـ أو فلان لانه قال عنه كذا وكذا ـ أو فلان لانه أهمل في الواجب نحوه ..

ربى يسوع : أعاهدك يا الهي ان أحب كل انسان ولا أكره أحـدا ابدا مهما كان السبب لاني لا أريد ان افقدك . آمين .

المحبة لا تسقط أبـدا : المحبة لا تغلب ( بضم التاء ) أبدا مهما كانت الظروف لان المحبة التي فينا ( الله ) اقوى من الشر الذي فيالعالم (١يو ٤:٤) المحبة تحتمل كل شيء .. كل شيء ، انها لا تغلب ( بضم التاء ) ابدا .

المحبة الساترة :

+ قيل عن راهب قديس انه ادان أخاه وفحص عيوبه فظهر له السيد المسيح تاركا كرسيه قائلا : « اجلس مكاني لانك أقمت ذاتك ديانا للناس » . فبكى الراهب ، ولكنه أحس انه تعرى من ثوب نعمة الله وظل يبكي نادما سبع سنين حتى أعاد الله له ثوبه. هل تذكر يا أخى ان كل مرة تمسك فيها سيرة أخيك تتعرى من الله !!!

+ أما القديس أبو مقار فرأى بعينيه راهبين يسقطان في الخطية ، قدم يتكلم أو يفكر بل سقط على وجهه في الحال وصلى لاجلهم افسمع الاباء صوتا يقول : « طوباك يا أنبا مقار لانك صرت مثل الله ترى عيوب الناس وتستر عليهم » .

+ ان خطية الادانة هي أكبر خطر يهدد بناء كنيستنا – لذت فلنحذر النقد الكثير فالانسان الذي به روح الله لا يمكن ابدا ان ينقد أمه الكنيسة ) بل على العكس يستر على عيوبها . ولا يمكن لعضو في الكنيسة به روح المسيح ان ينقد عضوا آخر في جسمه . ان السيد المسيح مجروح بخطية الخاطيء ، فعندما أدين الخاطيء فاني اوسع هـذا الجرح في جسم السيد المسيح بدلا من ان أضمده .

الانسان الذي يدين الآخرين قد نسي خطاياه وبدأ يبحث في خطايا الأخرين +

ربى يسوع : اعط كل نفس في الكنيسة ان تفحص عيوبها فقط وتستر على غيرها

المحبـة الكارزة :

+ قيل عن الانبا باخوم عندما كان ضابطا وثنيا انه ذهب في كتيبة الى مدينة اسنا ليحاربها ، وهناك انتشر المرض في الجيش فخرج المسيحيون ليخدموا مرضاه فتعجب من هذا العمل – انها محبة المسيحيين للاعداء !!!

ان اللص اليمين أمن بالسيد المسيح عندما سمعه يقول: «يا أبتاه أغفر لهم لانهم لا يعلمون ماذا يفعلون . والرب يسوع خدم العالمليس بالكلام ، بل بحبه وموته على الصليب من أجل الخطاة

+ اذن يا أخوتي لنحب بكل القوة، والحب يعني التأني والترفق وعـدم الذم، وعـدم الظن بالسوء ، وعدم التفاخر وعدم الغضب والمحبةتعني الاحتمال والصبر ( ١کو ۱۳ : ۱ – ۸)۰

لنهجم على العالم بالحب، مهمـا كان الجنس أو الدين ولا نذم انسانا +

+ لنبنی کنیستنا وبيوتنا على الحب أي على الله + أخيرا لنحذر وندقق لئلا نفقد الحب … أي الله ، بكلمـة بسيطة أو بأمر تافه ، أومجرد ظن سخيف .

والرب معكم آمـين ؟[15]

المتنيح القمص يوسف أسعد

كنيستى جسد المسيح

١-ربنا يسوع هو رأس الكنيسة (أف ٥: ٢٣ ) هو و رأسا فوق كل شيء للكنيسة الى هى جسده ، (اف ۱ : ۲۲ ، ۲۴) . لقد أكمل كل شيء وصعد بجسد حقيقى لكنه ممجد يحتفظ بسمات الآلام في يديه ورجليه وجنبه راجع (لو ٢٤: ٣٩ ٤٢) ، (يو ۲۰ : ٢۰ ، ٢٦ ،٢٧) لقد صار راسنا الآن ، ممجداً .

لكنه رأس مرتبط بالجسد، لذلك فآثار المسامير وإكليل الشرك لا تزال إلى يومنا هذا يحمله جسده على الأرض أي كنيسته .. التي تعتبر القربانة المستديرة عن إتساعها في كل الأرض، والخمس الخروم المحيطة بصليب السيد الأوسط تعبر عن دوام حملها لآلامالمسيح في أتعاب وأثقال لا تنتهى يحملها رأس المسيح المنظور على الأرض أى قداسة البابا والأب الأسقف والأب الكاهن . فالبابارأس الكنيسة المجاهدة كلها ، والأسقف رأس الإيبارشية ، والكاهن رأس للموضع الذي يحمل نير رعايته … ولهذا فإن الذي لا يجمعمع المسيح فهو يفرق ، والذي لا يعمل مع باباه وأسقفه وكاهنه لا يعمل مع المسيح . ها بولس العظيم يعبر عن آلامه كرأس فيقول : والذي الآن أفرح في آلامي لأجلكم وا کمل نقائص شدائد المسيح في جسمى لأجل جسده الذي هو الكنيسة التي انا خادما لا حسبتدبير الله المعطى لى لأجلكم لتتميم كلمة الله (١کو ١ : ٢٤) . هكذا يا عزيزى رأس الجسد دائما كثيرة الأوجاع .

٢- کنیستی لها رأس واحد ، وأعضاء كثيرة … فيها العين ، وفيها اليد ، وفيها الرجل ، وفيها القدم … لكل عضو فيها عمل هام ولكنهمحدد عظيم لكنه مخصص . فمثلا البصيره للعين أي الشمامسة الممتلئين من الروح والحكمة الذين يكونوا عينا واذنا للأسقف والكاهن.. وهكذا نجد هناك رسلاً ، وأنبياء ،

ومعلمين ، وقوات … (راجع ١کو ۱۲ : ۲۸- ۲۹) .

وهكذا قالت الدسقولية , ليكن الأسقف كراع ، والكاهن كمعلم ، والشماس كخادم .. أي أن كنيسة المسيح وجسده تقوم على مبدأ هاموهو التخصص في العمل . . والتخصص لا يعني الإستقلالية والتقوقع ، إنما التخصص المترابط الذي يعمل بروح الفريق الذي يعمللحساب الكل لا لحساب الفرد . وستظل الكنيسة في نهضتها محتاجة لتخصص أعضاء مترابطين بالمحبة والكرامة والتقدير كل للآخر.

لعلك تفهم قصدى يا عزيزي إبن المسيح وعضو الكنيسة .. لكى اوضح أكثر : ليكن النجار في النجارة ، والسباك في السباكة ،والمدرس في دروس القوية ، والمقتدر في العطاء السخي بالمال والإمكانيات ، والذي ليس له بجهده وعرقه ، ليكن كل عضو في تخصصعمله ومواهبه عاملا في كنيسة المسيح عملا واضعا لروح الجماعة ورأسها بالحب والإحترام . هذا التنوع ، والتخصص ، والترابطبالحب ، هو الذي يجعل جسد المسيح رغم جراحه وأشواكه في كل جبل ملاناً بصوت الطرب والفرح ، والتعزية لا ينقطع من أفواهأعضائه جميعهم .

وهذا التنوع، والتخصص ، والترابط بالحب يستنكر كل اسلوب يسیی. به عضو الى اخر ، وجماعة الى اخرى ، وهيئة لأخرى ، وكنيسةلأخرى ، ودير لآخر . نعم يستنكر هذا بشدة .. لأن حزن المسيح لا ينقطع بسبب قيام الأعضاء بعضهم على بعض تارة بالادانة وتارةبالتشهير وتارة بالتعويق وتارة بعدم التقدير والاستخفاف بالجهد والتعب …

يا يسوع : أعط الكنيسة أن تعاون كل عضو کی يتخصص فى موهبته لكي لا تهدر جهود في النكرار أو في التشتت ولكىبهذا التنوع المتعمق يبرز جمال عروسك أمي وتزداد فعاليتها في خدمة النفوس وللشهادة للعالم بإسمك العظيم المبارك … وسامحنى يا يسوع وسامح كل عضو يسيء إلى الآخر ، ويمهن عمله ، ويشهر اسلوبه . . سامحنى يا رب، وسامح الكل[16]

المتنيح القمص لوقا سيداروس

الإيمان بكنيسة واحدة

نؤمن بكنيسة واحدة

هذا ما نردده في قانون الايمان ؟ الذي هو دستور المسيحيين في العالم كله وقد تسلمناه من الآباء القديسين ال ٣١٨ الذين اجتمعوافي نيقية سنة ٢٤٥ ميلادية . فالكنيسة واحدة لأنها جسد المسيح ونحن أعضاؤه افرادا كما ان الكنيسة هي فوق الزمان وفوق المكانفهي وان كانت متغربة علي الأرض فهي أيضاً مستوطنة عند الرب في السماء . والكنيسة واحدة لأن الروح الذي يسري فيها هو روحواحد يعمل فيها عملاً واحداً وفكراً واحداً ويوحد ويؤلف بانسجام بين جميع الأعضاء بالإيمان الواحد “أف ٤: ٣-٥”

وحدانية الروح ١-

أن كانت وحدانية الروح بالنسبة للأعضاء المتغربة علي الأرض تعني الوحدانية الحقيقية ففي المسيح يسوع لا رجل ولا امرأة ليس عبدوحر ، ليس بربري وسكيثي …

فلا تفريق في الكنيسة علي أساس اللون أو الجنس بل لا تفريق علي أساس الغني والثروة ولا الجاه والمراكز والألقاب والأنساب … انها كنيسة واحدة .

فاعضاء الجسد الواحد في الكنيسة يتحدون باتحادهم واشتراكهم في الخبز الواحد .

٢- شركة في المجد

كما ان الأعضاء في جسد المسيح لها شركة في الاسرار والخبز والكأس فلا يعقل أن تشترك جميع الأعضاء في الروح والحياة ثم في الآلام ، ولا تقتسم المجد ، لأننا نؤمن انه ” إن كنا نتألم معه لكي نتمجد أيضاً معه “. وإن آلامنا في المسيح ستؤول حتما الي مجد لاينطبق به وكما يقول الرسول ” إن خفة ضيقتنا الوقتية تنشيء لنا أكثر فاكثر ثقل مجد أبدي ” . من أجل ذلك إن كنا ونحن هنا عليالأرض يعمل فينا الروح لحمل أثقال الآخرين لنتمم ناموس المسيح فينقل الينا الروح أوجاع الآخرين ويثقل قلبنا بأتعابهم فيجعلنانبكي بكاءً مع المتألمين فان ذات الروح ينقل الينا أفراح القديسين المكملين في السماء ويشركنا في بهاء نورهم ومجدهم ” شاكرين اللهالآب الذي اهلنا لشركة ميراث القديسين في النور “(كو ١: ١٢)

فكما وضع لنا ان نتألم مع المتألمين ، هكذا صار ميراثنا ان نتمتع بشركة مجد القديسين في السموات .

فالكنيسة واحدة لها رب واحد وسيد واحد وإله واحد ومعمودية واحدة وتختبر الكنيسة المتغربة علي الأرض هذه الوحدانية علي مستويشركة الآلام واقتسام كأس واحد وهي دم المسيح وتواجه تحديات العالم وضيقاته.

الاحساس الواحد

ان كانت الشركة مافي الروح … ان كانت احشاء ورأفة هكذا جاءت الوصية احملوا بعضكم اثقال بعض وهكذا تمموا ناموس المسيح (غل ٦: ٢)، فأن تألم عضو في الجسد تألمت سائر الأعضاء (١كو ١٢: ٢٦) ، وها أعمق مثال تركه القديس بولس الرسول متألماً ومتوجعاً مع الآخرين ” من يضعف وانا لا اضعف من يعثر وأنا لا التهب “(٢كو ١١: ٢٩) .

شركة واتحاد واحد

١-شركة أسرار : فليس اقتسام الآلم فحسب وكلها شركة دائماً في سر الله ” لأن سر الرب لخائفيه ، فمعمودية واحدة ، وروح واحد ،وخبز واحد ، وكما يقول معلمنا بولس الرسول ” الخُبز الذي نكسره أليس هو شركة جسد المسيح “… الكأس التي نشربها أليست هيشركة دم المسيح (١كو ١٠: ١٥- ١٦) .

فاعضاء الجسد الواحد في الكنيسة يتحدون باتحادهم واشتراكهم في الخبز الواحد .

نجم يفضل عن نجم في المجد

لاشك أن جميع الذين استحقوا الملكوت وكتبت اسماؤهم في سفر حيوة الخروف يتمتعون ويتنعمون بالسرور والفرح الأبدي ، بلا نقصولا إحساس بالنقص فالكل في حالة مليء وكفاية ومصدر الفرح هو الوجود الدائم في حضن القدير إذ لا يخرجوا الي خارج بعدمايكون الباب قد اغلق ولا عودة الي تعب أو جهاد ولا تذكار لشر أو اشرار ولا مقاوم ولا حروب لأن ابليس المشتكي علي جنسنا يكون قدطرح الي الأبد .

ولا يمكن بحال من الأحوال أن يوصف مجد السماء بالفاظ بشرية ولكن المختارون حصلوا علي عربون الفرح السماوي وهم بعد فيالجسد فقالوا انه فرح لا ينطق به ومجيد وأن ما رأوه لا يسوغ لأنسان أن يتحدث عنه لأنهم رأوا ما لا يري وما لم تره العين (انظر ١كو٣: ٩) .

علي أنه إن كان الكمال هو الجو السائد في السماء فهذا لا يعني عدم التمايز بين الأبرار ،فالمجازاة في السماء تكون بحسب الجهادعلي الأرض ” نعطي كل واحد بحسب أعماله ” فالشهداء مثلاً الذين ضحوا بدمائهم من أجل الملك المسيح الذين بلغ الحب أقصيدرجاته حتي الدم ، الذين شهدوا للرَّب شهادة الصدق والحق وصمدوا ضد اهواء العالم واغراءاته وواجهوا من العذاب مالا يمكنوصفه أو شرحه حتي آخر نسمة وقصص الأبرار الشهداء لا تقع تحت حصر إذ قد بلغت اعدادهم الملايين … تنبض بالحب للصليبوالتضحية من أجل شهادة يسوع المسيح والسؤال هل يستوي هؤلاء الشهداء بغيرهم من المؤمنين في السماء ؟

والجواب مسجل في سفر الرؤيا بغاية الوضوح ” رأيت نفوس الذين قتلوا من أجل شهادة المسيح تحت المذبح ” (رؤ ٦: ٩) .

لم يحظ أحد بهذا النصيب الفاخر سوي الشهداء لأنهم مستحقون إذ ان الله عادل لانه لا ينسي تعب المحبة حتي كأس الماء البارد لايضيع أجره ، أنه يمجد شهداءه الذين ذبحوا من أجله ان يخصهم بان تتمتع نفوسهم بالوجود تحت المذبح الناطق السمائي عوض ماقدموا دماءهم حباً في الذي صلب من أجلهم .

فان قيل عن رب المجد أنه قائم في وسط العرش كخروف قائم كأنه مذبوح كتعبير عن فخر الصلب ومجد القيامة ليس علي الأرض بلفي السماء كركيزة للمجد الدائم في السماء الي ابد الآبدين فيكون قيام نفوس الشهداء تحت المذبح تعبيراً عن تكريم شهادتهم التياكملوها من اجل يسوع الي ابد الدهور.

فان كانت شهادة الشهداء لم تستغرق علي الأرض لحظات معدودة إلا أنها قائمة في السماء مكرمة من الله الي جيل الأجيال .

لذلك فان الكنيسة المتغربة علي الأرض تعيش كأنها في السماء تكرم الشهداء وتكرم اجسادهم ومنذ القرون الأولي والمذابح تقام عليأجساد الشهداء وبذلك تكون الكنيسة قد نقلت الينا ونحن علي الأرض عربون المنظر الروحاني في السماء حيث تستقر أرواحالشهداء تحت المذبح السماوي بطريقة لا يعبر عنها ولا يسوغ لانسان ان يتكلم عنها[17]

 المتنيح القمص تادرس البراموسي

اليوم السادس عشر من شهر توت المبارك

وأنتم من تقولون إنى أنا ابن الإنسان (مت ١٦: ١٢ – ١٩)

مضى الرب يسوع مع تلاميذه إلى مدينة قيصرية التي اشتهرت بأنها موطن فيليبس وأندراوس الرسولان . وفي الطريق سألهم الرب قائلا من يقول الناس عنى أني أنا ابن الإنسان (مت ١٦: ١٣) ذكر البشير متى إسم الذي عمر المدينة وذهب البعض الأخـر أن فيليبس هذا كان قاطنا في تلك المدينة فذكرها بإسمه تمييزاً لمدينة أخرى تسمى بهذا الإسم كانت تدعى أولاً أسطراطوس وبعد سبع سنوات من حكم طيباريوس قيصر عمرها ثم وسع نطاقهـا فيلـبس القيصر سماها القيصرية قد بني هيرودس أخـوه مدينـة وسـماها قيصرية كبادوكيا وعن قيصرية التي في أرمنيا . ثم أن الرب يسوع لم يسأل تلاميذه في مكان قريب يعتريهم فيه الخوف والوجـل فـيمكان بعيد حتى تتنبه فيهم دالتهم عليه يكشفون ما في ضمائرهم بلا حذر ولم يسألهم عن أفكارهم الخاصة مباشرة وعن أفكار غيـرهم حتى إذا ذكروها أعطوا الجواب عن أنفسهم. سمى هنا بإبن الإنسان وإبن البشر لأن إسم إبن البشر يطلق على من كان كسائر الناس ويقصد بهذا اللقب أن يبين أنه ليس له أب بشرى بناسـوته كسائر الناس لكنه إبن البشر أي أبن الإنسان الأول آدمويؤخذ مـن ذلـك أن يكون تدابير منوطة بإبن البشر ومراده هنا لاهوته كقوله فأصعد إلى السماء كما قال ومتي رأيتم ابن البشر صاعداً حيث كان لأنه ما صعد أحد إلى السماء إلا أبن البشر .

لأجل الإتحاد الحقيقي قالوا له تلاميذه أن قوم يقولـون أنـه يوحنـا المعمدان وأخرون أنه إيليا وأخرون أنه أرميا أو واحد من الانبياء ذكروا هؤلاء الأنبياء الثلاثة لأنهم كانوا بتوليين وقد شاهدوا المسيح علي هذه الصفة يذكروا يوحنا المعمدان بسبب ما حدث في الحبل بهو ميلاده وإيليا لشهرته في إقامة إبن الأرملة صرفة صيدا وآرميا أنه قيل عنه قبل أن تخرج من الرحم قدستك ونبياً للأمم وهبتك (إر ١ : ٥) ثم لأن اليهود كانوا يقولون أن أرميا حتى وقته جاثى على ركبتيه بالطين والتراب وأنه كان ينوح ويبكي علـى خراب أورشليم ذلكظنوا أنه قد ظهر وأن يسوع المسيح هو أرميا وظـن البعض أن المسيح هو موسى بل ظنوه النبي الذي قال عنه موسى سيقيم لكم الرب نبياً مثلى من أخوتكم مع أن ذلك كان المقصود بـه يسوع بن نون والأنبياء الذين جاؤا بعده فموسى نطق بالنبوة ظنوها على المسيح[18].

المتنيح الدكتور راغب عبد النور

لأسكن في وسطهم

هذا هو السبب الوحيد لإقامة خيمة الاجتماع . . . . لأسكن في وسطهم ، ، فقد أقيمت الخيمة ليجتمع الرب بشعبه ، فالرب يحبالانسان والاجتماع بالانسان ، و الاندماج فيه و الاتحاد معه إن لذته في بني البشر . وهكذا الانسان يشتاق الى الرب ، ويسعى اليهلأنه منه أخذ ، فلن يجد شبعه إلا معه وفيه ، إنها حاجة ملحة ، يعلنها الانسان مرة في سؤاله المتجبر ، وأخرى في تردده وعجزه . إنهنقص يبدو جلياً كلما حاول أن يستقل بذاته ، و كلما خيل إليه أنه يستطيع السعادة بما يقوم به من عمل …

“لأسكن في وسطهم “: لأن الرب يريد ، ولأن الانسان يحتاج . فهي إذن ارادة الرب و مسرته ، وحاجة الانسان أن يختبر السلاموالمسرة ، ولئن كان لم يستطع ذلك بالتمام وقتذاك إلا انها بداية الطريق ، أو اعلان جميل للطريق وكون الرب يحل في هذه الخيمةويسكن ، فهذا يعني أنها :

مثال السماء :

إنها مكان حلول الله بمجده العظيم: فهوذا عمود السحاب أو عمود الغمام ينحى بهامته حتى يمسها وهي رابضة على الأرض ، بينما يظل جسمه معلقاً في السماء . أكانت تلك الانحناءة منه خضوعاً وسجوداً ، أم كانت خدمة للخيمة والساكن فيها فنشر عليها وحولها نوره تاجاً لها وغطاء ؟ حتى أن الناظر اليها في ذلك البهاء ، لم يكن يخالجه أدنى شك في حلول الله أما والرب ساكن السماء . فقد أصبحت الخيمة اذن وهي في الأرض مثالا للسماء . انها مجيدة وبهية ، ولو قورنت خيام اسرائيل بها فأين الثرى من الثريا ، لأنها مسكن الرب و تجهيزها و بناؤها كان في رسمه وتكاليفه يفوق جدا خيام اسرائيل . ومع ذلك كله ، فأين هذه الخيمة في كمالها وجمالها ، من مجد عرش السماء في كماله وجماله . فالخيمة مسكن الرب حسب تقتضيه حاجة الناس ومحبة الرب لهم ، أما السماء وعرشها فهى مسكن الله حسبما توحيه هيبة الله بجلاله وجبروته مع ضآلة هذه الخيمة ـ إذا قورنت بالسماء ـ إلا أن الرب لم يتأخر عنا لحلول فيها من أجل الانسان . إن محبته للانسان جعلته ينظر دائماً بعين المحبة إلى كل ما يحمله من أجله ، فيعلو أيضاً قدر كل شيء من أجله . وهكذا لم يصعب عليه أن يسكن خيمة الاجتماع ، وهو الذي لم يكن ليصعب عليه أن يضطجع في مزود . . . في كل لحظة وفي كل خطوة ، ما أجمل أن نغنى ونرنم بمحبة الرب وأن نشبع .

هناك أمر آخر : وهو أن الخيمة تبين في جلاء مركز الرب يسوع بعد أن قدم نفسه كفارة عن الناس . وهذا الذي أعلنه الشهيد اسطفانوس إذ قال إنه رأى الرب يسوع عن يمين العظمة في الأعالي بعد أن اجتاز الصليب والقبر ، هو نفسه الذي تخبرنا عنه خيمة الاجتماع في صمت بليغ . فهذا رئيس الكهنة في يوم الكفارة يجتاز طريقه فيها مبتدئاً من مذبح النحاس ، أو مذبح الفداء و التطهير ،الى أن تطويه الستائر التي تفصل بين القدس وقدس الأقداس حيث يجتمع بإله اسرائيل ، في هذا المجد الذي لم يسمح الله لأحد أنيراه متمتعاً متفرساً غير رئيس الكهنة هـذا . . . وإذا علمنا أن مجد الرب كان إذا ما حل على الخيمة تركز في قدس الأقداس فيتابوت العهد ، علمنا مبلغ الصدق في تشبيه رئيس الكهنة هذا بالرب يسوع وهو يجتاز المعصرة منفرداً ، الى أن يجد نفسه قائماً هنا كفي المجد ، في السماء و عند ما يطول بنا المطاف في دراسة الخيمة سوف نعلم أنها مكونة من مساكن وأجزاء . لكل اختصاصه وخدمته وطقوسه ، ولكل مركزه وقداسته . فالفناء الخارجي غير القدس ؛ والقدس غير قدس الأقداس . الفناء يسمح بدخوله للجميع ،والقدس للكهنة والخدام فقط ، أما قدس الأقداس فلرئيس الكهنة وحده . ولما نرفع أعيننا إلى فوق لنتأمل السماء كما يصورها الكتاب ،نرى أنها تحتوى على الكثير من المنازل ، فهي كثرة في العدد وفي النوع أيضاً . وهناك يمتاز نجم عن نجم في المجد ، لكن المجد والبهاء هما طابع كل ما في السماء كما كان المجد والبهاء هما أيضاً طابع كل ما في الخيمة في البرية . . الخيمة في البرية ، ما أن”نصبت ” وحل عليها مجد الرب حلولا جميلا و مباركا ، حتى خشعت قلوب المؤمنين وتعبدت ، وأقبل الكهنة واللاويون ، كل في رتبته ،يقوم بمسؤولياته وخدمته ، شغوفاً بها ، مندفعا إليها ، إذ لم تكن هذه الأمجاد تدور في حسبان أحد . وهكذا اندفع خدام الرب فينشاط القلب وسرور النفس . ولا عجب في ذلك ، فقد كانت الخيمة مسكن الله وسط الناس ونحن أيضاً ماذا ترانا صانعين ، وأية خدمة سنتطوع لها . هناك ، في مسكن الله مع الناس ، في أورشليم السماوية . . هناك لما نرى ما لم تر عين . ولما نسمع ما لم تسمع به أذن. ولما نتمتع بما لم يخطر على قلب بشر . . ؟ نستطيع أن ندرك شيئاً من هذا ، لو أننا تصورنا الفرق العظيم بين مجد الله في خيمةالاجتماع ، ومجد الرب إلهنا في أورشليم السماوية ، وقد هيأها صانعها العظيم كعروس تزف الى عريسها ، لا بد أن الكهنة في ذلكالحين كانوا مأخوذين بعمل الله العظيم ، وتواضعه العجيب ، وحبه الفائق ، ولكن ماهو هذا الاعلان عن عمل الله وحبه و تواضعه بالنسبة لما سيعلنه الرب لنا عن ذاته هناك ، فنخدمه ونخدمه ونخدمه أيضا دون أن نحس مللا ، ولاشبعاً ، بل بالأكثر نندفع ، وبالأكثر نتشجع . . . هناك في أورشليم سنراه وجها لوجه . سنبصره ، و نتمتع بجماله وأمجاده ، سيأسرنا حبه وعطفه وهناك فقط ندرك عظم الفرق بين هذه الأرضية وتلك السمائية . وإذا نظرنا نظرة عابرة الى وصف أورشليم السماوية كما جاء في سفر الرؤيا ، سوف نعلم ماهو الإعداد العظيم الذي أعده الرب لنا لكى نتمتع هناك.

ناحية أخيرة وهي : إلى أي حد كان الاسرائيليون منشغلة قلوبهم بتكاليف الأثاث والبناء للخيمة أكثر من مشغوليتهم بيهوه إلههم ومخلصهم ! لو كانوا كذلك فما كان أغباهم . . ونحن الى أي حد تنشغل قلوبنا الآن بما في السماء من إعداد جميل أكثر ما ننشغل بالباني و الفادى لنفوسنا ! ! إذن فما أغبانا نحن أيضاً . إن الخيمة قد استمدت كل جمالها وروعتها من حلول الرب نفسه فيها ،وأيضاً السماء قد استمدت كل جمالها وروعتها من حلول الرب بنفسه فيها لكي يسكن مع شعبه الى الأبد . قد أقام الرب الخيمة فيالبرية ، لأنه أراد أن يجعل السماء تحل في البرية ، فيرتفع سكانها إلى سعادة السماء وأمجادها . فهل كانت الخيمة على مثال السماء ؟ أجل ، إنها صورة مصغرة للسماء[19]

المتنيح الدكتور موريس تواضروس

معني إسم المسيح الذي جاء في إنجيل قدَّاس اليوم

كلمة ( Christos ) تعنى الممسوح ، وكانت تطلق على الكهنة الذين كانوا يمسحون بالزيت (لا ٤:٣،٥،١٦) . وكان يطلق على الأنبياء ” مسحاء ” الرب (مز ١٠٥:١٥) وعلى ملك إسرائيل ” مسيح الرب (١صم ٢:١٠) (٢ صم ١:١٤) (مز ٢:٢-١٨ ٥٠ )،(حب ٣:١٣). واستعمل اللقب حتى عن كورش ” مسيحه “(اش ٤٥:١)

وفى العهد الجديد، استعملت الكلمة مسبوقة بأداة تعريف عن الرب يسوع ، ويعتبر استعمالها كأسم وليس كلقب (مت ٢ : ٤ )،( أع ٢: ٣١ ) ، بدون أداة تعريف ( لو ٢ : ١١ ، ٢٣ : ٢ ، يو ١ : ٤١ ) . وفى مرات ثلاث، كان اللقب يُقبل من الرب يسوع نفسه ( (مت ١٦ : ١٧ )، (مر ١٤ : ٦١ -٦٢ )، (يو ٤ : ٢٦ ) . وأضيف الأسم ” المسيح) على الأسم ” يسوع ” ( يو ١٧ : ٣ ) وانظر : (أع ٩ : ٣٤ )،(١كو ٣:١١)، (١ يو ٥:٦). لقد استعملت الكلمة كاسم، سواء مع أداة تعريف (مت ١: ١٧- ١١: ٢)، (رو ٧ : ٤ ، ٩ : ٥ ، ١٥ : ١٩)( ١ كو ١: ٦ ) أو بدون أداة تعريف (مر ٩ : ٤١ )، (رو ٦ : ٤ ، ٨ : ٩ ، ١٧) ،( ١كو ١ : ١٢)، (غلا ٢ : ١٦ ) ويستعمل الأسم أحياناً بدون أداة تعريف ليشير إلى المسيح الذى بروحه القدوس وقوته يسكن في المؤمنين ويشكل حياتهم بما يتفق معه ” وإن كان المسيح فيكم فالجسد ميت بسبب الخطية وأما الروح فحياة بسبب البر . وإن كان روح الذى أقام يسوع من الأموات ساكناً فيكم، فالذى اقام المسيح من الأموات سيحيى أجسادكم المائته ايضاً بروحه الساكن فيكم ” ” (رو ٨ : ١٠ – ١١) ” مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيافىّ ” (غلا ٢ : ٢٠ )” يا أولادى الذين أتمخض بكم أيضاً إلى أن يتصور المسيح فيكم ” غلا ٤ : ١٩ ، ” ليحل المسيح بالإيمان فيقلوبكم ” (أف ٣:١٧). وبالنسبة لاستعمال أداة التعريف مع الأسم، فعندما يستعمل الأسم فيكون الحديث عن يسوع الذى هو ” المسيح ” أما اللقب بدون أداة التعريف فيكون التشديد على صفات المسيح وخصائصه وعلى علاقته مع المؤمنيين[20] .

من وحي قراءات اليوم

” وأما الكنيسة في كل اليهودية والجليل والسامرة فكان لهم سلام ”   الإبركسيس

الكنيسة التي يخشاها ويرتعد منها الشيطان

+ يرتعب ابليس من كنيسه الصلاه بالروح والفكر الواحد (أع ٤: ٢٤)

+ ولا يقترب من كنيسه الشركة المُقدَّسة والمحبه النقيه المجانيه (أع ٢: ٤٢)

+ ويحترق من كنيسه غسل الاقدام (يو ١٣: ١٤)

+ ولا يجد له مكان في كنيسه الشهاده للحق (٣يو ١: ٣، ٤)

+ ويبتعد عن كنيسه فخرها وكنزها اسم المسيح الغالي (في ٢: ١٠)

+ ويقف عاجزاً أمام كنيسة أسلحة محاربتها ليست جسدية (٢كو ١٠: ٤)

+ رفعوا صلاه بنفس واحده (أع ٤: ٢٤) … مااقواها كنيسه

+ وامنح عبيدك ان يتكلموا بكلامك بكل مجاهره…مااعظمها طلبه

ولما صلوا تزعزع المكان…ماارهبها قوه+

+ وامتلا الجميع من الروح القدس…ما أغناه فيض

المراجع :

١- ليتورچيا الأسقف سرابيون – تفسير أفسس ٤ – القمص تادرس يعقوب ملطي

٢- العلامة أوريجانوس –      تفسير مزمور ١ – القمص تادرس يعقوب ملطي

٣- العظات المنسوبة لاكليمندس

كتاب الكنيسة بيت الله ( صفحة ٨٨ ) – القمص تادرس يعقوب ملطي

٤- كتاب ترفقوا بالخطاة (صفحة ١٤ ) – القمص تادرس يعقوب ملطي

٥- المرجع : تفسير إنجيل مرقس ( الإصحاح الثامن ) – القمص تادرس يعقوب ملطي

٦- المرجع : تفسير مزمور ٦٨ – القمص تادرس يعقوب ملطي

٧- المرجع : تفسير سفر العدد ( إصحاح ١٨ ) – القمص تادرس يعقوب ملطي

٨- المرجع : كتاب عظات علي سفر أعمال الرسل ( صفحة ٣٣ ) – ترجمة دكتور جورج عوض إبراهيم

٩- المرجع : كتاب من مجد الي مجد للقديس غريغوريوس النيسي ( صفحة ٦٩ ) – ترجمة القمص إشعياء ميخائيل

١٠- ترجمها عن اللغة القبطية د. صموئيل القس قزمان معوض

قسم الدراسات القبطية – جامعة مونستر بألمانيا

١١- المرجع : مجلة مدارس الأحد – عدد شهر أغسطس لسنة ١٩٦٣

١٢- المرجع : كتاب دراسات في الكتاب المقدس – إنجيل متي صفحة ١٩٤ – الأنبا أثناسيوس – مطران كرسي بني سويف والبهنسا

١٣- المرجع : كتاب شفتاك يا عروس تقطران شهداً ( الجزء الثاني صفحة ٩ ) – إصدار دير الأنبا شنوده العامر بإيبارشية ميلانو

١٤- المرجع : كتاب مقالتان في الروحانية الأرثوذكسية للأنبا بيمن أسقف ملوي ( والأب توماس هوبكو ) – مشروع الكنوز القبطية

١٥- المرجع : مجلة مدارس الأحد – عدد شهر مارس لسنة ١٩٨٨

١٦-   المرجع :  مجلة مدارس الأحد – عدد شهر أكتوبر لسنة ١٩٨٢ ( مرجع داخلي : كتاب كنيستي للقس يوسف أسعد)

١٧- المرجع : كتاب محفل الملائكة وسحابة الشهود ( صفحة ٣ ) – القمص لوقا سيداروس

١٨- المرجع : كتاب تأملات وعناصر روحية في آحاد وأيام السنة التوتية ( الجزء الثاني  صفحة ٦٣ ) – إعداد القمص تادرس البراموسي

١٩- المرجع : مجلة مدارس الأحد عدد شهر أبريل لسنة ١٩٥٢

٢٠- المرجع : كتاب دراسات لاهوتية ولغوية في كتاب العهد الجديد ( الجزء الثاني صفحة ٧٢ ) – دكتور موريس تاوضروس أستاذ العهد الجديد بالكلية الاكليريكية