أسبوع آلام . . . أم بصخة ؟!

 

 

تتركَّز قراءات البصخة في شرح عبور البشرية في موت المسيح وقيامته من الموت إلى الحياة، وكيف إكتمل إعلان تدبير الثالوث منذ الخلق والسقوط في إعداد البشرية لهذا الخلاص العظيم.

يُعْلِن طقس كنيستنا المُقدَّسة هذا العبور يوم الجمعة العظيمة في صلاة الساعة الثانية عشر عندما يكتسي المذبح بالستر الأبيض وهكذا سترالهيكل وتمتزج نغمة الألحان بين الحزن والفرح.

 

ويأتي السؤال هنا: لماذا تكتسي الكنيسة بالأبيض ونحن لم ننتهي بعد من صلوات يوم الجمعة العظيمة؟!

أولاً من المهم أن نعرف توقيت الستائر البيضاء يوم الجمعة العظيمة ومدلولها، لذلك أيضاً من الضروري أن نعرف ماذا حدث في الساعات الثلاث المُرتبطة بموت الرب على الصليب «التاسعة والحادية عشر والثانية عشر».

يشرح الأب أثناسيوس المقاري (طبقاً للمخطوطات) أن إيقاد الشموع والمصابيح يأتي بعد قراءة أناجيل الساعة التاسعة[1] وهذا أيضاً ما أكَّده العلَّامة يسى عبد المسيح[2]، وما حدث بعد موت المسيح له المجد مباشرة في الساعة الحادية عشر: إنشق حجاب الهيكل، القبور تفتحت وقام كثير من أجساد القديسين الراقدين، إيمان قائد المئة بلاهوته، أما يسوع فلم يكسروا ساقيه، لأنهم رأوه قد مات.

[وأثناء الساعة الحادية عشر، يكونون قد شالوا الدِّكة من باب الخورس، ويكونون قد كشفوا رؤوسهم، الكهنة والشمامسة، وحملوا الأيقونات التي كانت فوق الدكِّة، والصلبان والشاروبيمات، وصعدوا فوق الأنبل ويبتدئون بصلاة الثانية عشر من يوم الجمعة][3]

[تُقرأ مراثي أرميا قبطياً وعربياً. وفِي ضمن ذلك تُفتح أبواب الخورس والهيكل، ويُكسي المذبح بكسوة بيضاء تلائم سبت الفرح، وتوقد القناديل والشموع، ويجهِّزون أيقونة الصليب الشريف، وبقية القرون (الأيقونات)، وتحملهم الشمامسة] (مخطوط ترتيب البيعة)[4]

 

نستخلص من هذا أن موت المسيح له المجد في الساعة التاسعة، أعقبه ما حدث في الأرض وفِي السماء «عبور أبرار العهد القديم مع المسيح من الجحيم إلى الفردوس» في الساعة الحادية عشر، وأعلنته الكنيسة لمؤمنيها في طقس الثانية عشر في الستائر البيضاء وبداية نغمة الفرح مع نغمة الحزن.

إذاً إن كُنَّا نجعل الكنيسة تكتسي بالسواد حُزناً على خطايانا فكان بالأحرى إستمرار هذا الترتيب إلي نهاية طقس البصخة المُقدَّسة، ولكن أغلب الظن (لعله يكون هذا هو السبب) سبب إكتساء الكنيسة بالسواد (طوال فترة البصخة كلها) حتى الساعة الحادية عشر من يوم جمعة البصخة هو إعلاناً عن حالة البشرية بدون المسيح وبدون الخلاص «سواء في العهد القديم أو في أي وقت لا تعرف فيه خلاص المسيح»، وعلي هذا الأساس نفهم وجود الستورالسوداء طوال فترة البصخة إعلاناً عن حالة البشرية قبل موت المسيح له المجد علي الصليب من الظلام والحزن، ولكن بعد موته بالجسد في نهاية الساعة التاسعة من يوم الجمعة العظيمة وإعلان قائد المئة موته وقيام كثير من أجساد القديسين الراقدين في الساعة الحادية عشر، تكتسي الكنيسة باللون الأبيض في الساعة الثانية عشر إعلاناً عن فتح باب الفردوس، وبشارة النفوس التي في الجحيم، لذلك تبدأ الكنيسة بنغمة الفرح مع نغمة الحزن حتي يُشرق نور القيامة وتتغطَّي بالكامل بفرحة القيامة والحياة الجديدة في المسيح.

 

وهذا ما يوضِّحه نيافة الأنبا بنيامين مطران المنوفية :

[توضع الستائر علي الحوائط والعمدان والمنجليات وستور الهيكل (في الكنيسة عمومًا) إشارة إلى سيطرة الخطية قبل الفداء، “هذه ساعتكم وسلطان الظلمة”[5].

إذاً، لا تكتسي الكنيسة بالسواد في البصخة المُقدَّسة حُزناً علي آلام المسيح، ولا أيضاً حُزناً علي خطايانا، لكن بالأحرى تُعْلِن لنا الكنيسة شكل ومصير حياتنا بدون خلاص ربنا يسوع المسيح، وماذا يحدث عند عبورنا فيه (وبموته وقيامته) إلى الفرح السمائي ونور العهد الجديد.

لذلك من الخطأ تسميته “أسبوع الآلام”، والأدق أن ندعوه “أسبوع البصخة”، والعبور في المسيح بموته وقيامته من الموت إلى الحياة ومن الهلاك إلى الفردوس.

كما أن كتب البصخة الطقسية تحوي قراءات عيد القيامة، أي أننا نعيش هذه الفترة تذكار موت المسيح وقيامته المقدسة، وليس أسبوع آلام، وهذا هو معنى كلمة بصخة “عبور” من الموت إلى الحياة في المسيح.

 

ويؤكِّد هذا المعنى ما جاء في مقدمة شرح البصخة[6]:

[جاء معنى كلمة بصخة في التقليد المسيحي بطريقتين:

الأولي: هي التي جاءت في الطقس اللاتيني المُبكِّر والتي تُشير إلي آلام وصلب المسيح (Passion) وصاحب هذا الرأي ميليتو أسقف ساردس (١٧٧ م).

والمعنى هنا يرتكز على آلام الصليب التي إحتملها الرب لأجلنا.

الكلمة الثانية هي[Passage of Passing through]  بدلاً من كلمة [Passion] وهي الكلمة التي إستخدمها الكاتب اليهودي فيلو وأيضاً آباء كنيسة الإسكندرية أوريجانوس وكليمندس والبابا كيرلس الأوَّل].

والمعنى هنا يرتكز على العبور من الموت إلى الحياة.

لذلك يتركَّز تعليم الكنيسة الأرثوذكسية على مجد ونصرة القيامة أكثر منه على المُعاناة والألم (التعليم الغربي).

ولأجل هذا يُفضَّل دائماً إستخدام تعبير البصخة المُقدَّسة «أي العبور من الموت إلى الحياة بموت الرب وقيامته المُقدَّسة» وليس إسبوع الآلام.

 

 

 

المراجع

 

[1]  مخطوط دلا للندن

[2]  رسالة مارمينا الحادية عشر ص ٥٢

[3]  حسب مخطوطات كتاب الجوهرة النفيسة في علوم الكنيسة

[4]  الأب أثناسيوس المقاري – كتاب البصخة المُقدَّسة الجزء الثاني – صفحات ٣٢٤ ، ٣٢٥ ، ٣٢٧ ، ٣٥٤ ، ٣٥٥ ، ٣٥٩ ، ٣٦٠ .

[5]  محاضرات في علم اللاهوت الطقسي القبطي – موقع سانت تكلا – الإسكندرية .

[6]  إصدار إيبارشية لوس إنجيلوس – بعد ترجمته من الإنجليزية للعربية.