ليلة سبت الفرح

 

 

العبور من الموت إلى الحياة

“اني خرجت من فم العلي بكرًا قبل كل خليقة .. انفذ الى جميع أعماق الأرض وانظر الى جميع الراقدين وأنير لجميع الذين يرجون الرب” (سي ٢٤: ٥، ٤٥).

[أنت هي الممتلئة نعمة يا والدة الإله العذراء. نعظمك لأن من قبل صليب ابنك انهبط الجحيم وبطل الموت. أمواتا كنا فنهضنا، واستحققنا الحياة الأبدية، ونلنا نعيم الفردوس الأول. من أجل هذا نمجد بشكر غيرَ المائت المسيح إلهنا] (قطع الساعة السادسة).

[في السبت الحزين كان ابن الأحرار بين الموتى، وفي الأحد كان يُزيح (يُزف بموكبٍ) من قبل أفواج المستيقظين (السمائيين).

الجمعة بددت مصاف الرسل بالسيف، وهذا اليوم أبهج وجمع التلمذة.

البارحة كان الرسل مختبئين في الكمائن، واليوم خرجوا ليروا الإنبعاث بعجب.

البارحة الهزيمة والتبعثر والاختفاء، واليوم الركض والتجمع والتبشير] (القديس يعقوب السروجي)[1]

[كفن البار جسد المسيح بالطيب ولفه بالطيب! البرّ هو لباس الكنيسة (جسد المسيح) والبراءة هو جمالها. فألبس أنت أيضًا جسد الرب بمجده فتكون بارًا! إن آمنت بموته فكفنه بملء لاهوته، ادهنه بالمُرّ والحنوط رائحة المسيح الذكية (٢كو٢: ١٥).

كفنه يوسف بكفنٍ جديدٍ، ربما كان هو الملاءة الجديدة التي رآها بطرس نازلة من السماء وقد حوت كل حيوانات الأرض ودوابها (أع ١١: ٤٠). فقد تكفنت بها الكنيسة سريًا ووحدت الشعوب المختلفة في شركة إيمانها…

وُضع في قبر جديد، في قبر يوسف إذ لم يكن للمسيح مقبرة خاصة به، لأن القبر يُقام من أجل الذين يتعرضون لقانون الموت، أما غالب الموت فليس له مقبرة ملكًا له.

موت المسيح له طابعه الخاص المختلف عن موت عامة البشر، لذا لا يُدفن مع آخرين، بل يُدفن في القبر وحده. فبتجسد الرب اتحد بكل البشرية لكنه وجد بعض الاختلاف. شابهنا في ميلاده، لكنه اختلف عنا في الحبل به من العذراء…

من هو يوسف هذا الذي وُضع المسيح في قبره؟ بالتأكيد هو ذاك البار الذي سلم للمسيح مقبرته ليجد ابن الإنسان أين يسند رأسه (لو٩: ٥٨) وهناك يستريح..

الحنجرة هي قبر مفتوح (مز٥: ١١)، هذه هي حنجرة الإنسان عديم الإيمان الذي ينطق بكلمات ميتة، لكنه يُوجد قبر في أعماق الإنسان يحفره البار ليدخل كلمة الله في قلوب الأمم بالإيمان..

يُوضع حجر على القبر حتى لا يكون مفتوحًا، لأنه متى كُفّن المسيح جيدًا في نفوسنا يجب حفظه بعناية كي لا نفقده.

كان القبر محفورًا في صخرة أي مؤسسًا على الإيمان بالله الثابت..

لا يستطيع كل أحد أن يكفن المسيح، لذا فالنساء التقيَّات بقين من بعيد، لكنهن كن ينظرن بعناية أين وُضع حتى يأتين إليه بالطيب ويسكبنه. ومع ذلك ففي محبتهن كن آخر من ترك القبر وأول من رجعن إليه] (القديس أمبروسيوس)[2]

 

 

ليلة سبت الفرح

ها هو الجسد ساكنًا بلا حراك ولكن تتحرّك الخليقة السماوية كلها وتُصْعَق كل أجناد الشرّ الروحية في السماويات.

ها هو القبر مُغلقاً بينما إنفتحت أبواب الجحيم لينطلق منها الأبرار مع فاديهم ومحررهم ومخلصهم.

ها هم الأشرار على الأرض مطمئنون لصمت صوت الحق معتقدين بخلاصهم منه.

ها هم الأبرار على الأرض في خيبة أمل في المزمع أن يفدي إسرائيل.

ولكن هذا اليوم وهذه الليلة دخل الرب بإرادته الإلهية الكاملة إلى الموت، وليعبر بالبشرية فيه من الموت إلى الحياة ويحرِّر النفوس من الجحيم والموت والظلمة وسلطان الشيطان إلى الفردوس والحياة والنور ومجد التبنّي وحرِّية أبناء الله..

اليوم هو الطريق الوحيد للعبور من ما خلفته الخطية والعصيان إلى ما أثمره الطاعة والبرّ.

اليوم هو سر الفداء والعبور في المسيح.. لا دخول إلى الأقداس إلَّا به. (عب٤: ١٤).

اليوم تحوَّل كل شئ في العالم وفِي حياتنا اليومية في المسيح.. سيقدم لنا العالم الألم وفِي عبورنا في المسيح سيتحول إلى مجد (رو٨: ١٧، ١٨)، (٢كو٤: ١٧).. سيهيج علينا الشيطان مقاومات لكنّنا سنسحقها في المسيح (رو١٦: ٢٠).. سيغرينا بريحاً كاذبًا لكنّنا سنراه في المسيح نفاية (في٣: ٧).. سيعرض علينا كنوزه الأرضيَّة غير مدرك إنفتاح بصيرتنا على كنزه في داخلنا (٢كو٤: ٧).. أخيراً سيهددنا بموت ليفصلنا عنه فسيصدم أننا عبرنا  إلى مجده (أع٧: ٥٦).

هذه الليلة هي قصة حياتنا في المسيح الذي يحملنا في جسده الخاص يوم إعتمدنا فصار يعيش فينا ونعيش فيه قدر حبنا له أو بالأحرى قدر ما نسمح له بأن يسكب حبه فينا فيتحول الألم والتعب والضيق والحزن إلى مجد وقوَّة وفرح وتسبيح (أع٥: ٤١، ١٦: ٢٦).

رسالة هذه الليلة هي رسالة تغيير وعبور وإنتقال في المسيح ظهرت أقصاها في ذهاب الرب إلى الجحيم وتحريره النفوس، وذهابهم معه وفيه إلى الفردوس، ليُعلن لنا الرب أنه هو الطريق الوحيد لعبور البشرية، من كل ما للجحيم إلى كل ما هو للفردوس، من سلطان الموت إلى مجد الحياة، من مرار الظلام إلى بهاء النور.

قصة هذا اليوم هي قصة العبور العظيم المستمر الذي نعيشه في جهادنا اليومي، فالله الذي قال أن يشرق نور من ظلمة هو الذي دخل ظلمة القبر ليملأ ظلمة الموت بنور الأبديّة، وهو الذي جعل السماء مفتوحة وملائكة الله يصعدون وينزلون على إبن البشر فصار هذا نصيب أولاده ومؤمنيه وخدّامه (يو١: ٥١).

وصارت السحابة من الشهود محيطة بنا (عب١٢: ١) ومواطنتنا في السماوات التي منها ننتظر من سيغير شكل جسد تواضعنا (في٣: ٢١) وصار هو يحيا فينا (غل٢: ٢٠) أو حياتنا مستترة فيه (كو٣: ٣) لذلك نجتهد دائماً أن ندخل تلك الراحة ونتقدم بثقة إلى عرش النعمة (عب٤: ١٦) وإذا كنَّا لا نستحق أن نختطف للسماء الثالثة (٢كو٢: ١٢) فهوببره الإلهي قد باركنا بكل بركة روحية في السماويات في المسيح (أف١: ٣) لكي نكون ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف فنتغير إلى تلك الصورة عينها من مجد إلى مجد (٢كو٣: ١٨).

فمن وضع الهدف أمامه أن ينمو في النعمة وفِي معرفة ربنا يسوع المسيح (٢بط٣: ١٨) سيميت أعضاؤه التي على الأرض ليلبس أحشاء المسيح ويمسك برباط الكمال (كو٣: ١٤) ولا ينسى أنه إستند عليه من البطن “الذي أخرجني من أحشاء أمي ليمتلئ فمي بتسبيحه” اليوم والزمن كله (مز٧١: ٦).

والعبور الذي تضعه أمامنا كنيستنا المُقدَّسة اليوم هو حركة الروح القدس فينا الديناميكية والتي تنقل لنا كل ما هو للمسيح (يو١٦: ١٤) من موت إلى حياة، من حزن إلى فرح، من عار إلى مجد ومن إخضاع الجسد إلى الإمتلاء بالروح.

فاليوم انتقلت كل نفوس الأبرار من الجحيم إلى الفردوس بصليب ابن الله لتصير قوّة صليبه هي سر موتنا عن العالم وحياتنا فيه وسرّ انفطامنا عن الأرض لمعاينة السماويات، فيصير سفر الرؤيا هو رحلة الكنيسة من الأرض إلى السماء وانفتاح السماءعلى الأرض.

وفِي هذه الليلة وهذا العبور المستمر تتقشر رباطات الموت تدريجيا لتنبعث فينا رائحة الحياة فندرك أن من لنا في السماء، وأن ما لم يخطر على قلب بشر أعده الله لنا بروحه في جهادنا اليومي (١كو٢: ٩، ١٠).

 

 

شرح القراءات

تأتي قراءات هذه الليلة لتكشف لنا عن العبور العظيم لكل نفوس أبرار العهد القديم من الجحيم إلى الفردوس في المسيح بعد موته على الصليب وذهابه إلى الجحيم ليأخذ كل النفوس المُنتظرة خلاصه ويُبشِّر الأرواح التي في السجن (الجحيم) كما قال القديس بطرس (١بط٣: ١٩) لذلك ظهر كثير من القديسين الراقدين لكثيرين في أورشليم في هذه الليلة.

فهذه الليلة هي ليلة العبور من الموت إلى الحياة، ومن الظلمة إلى النور، ومن سلطان الشيطان إلى رفقة المسيح، ومن الحزن إلى الفرح، ومن ميراث الخطية والعالم والشيطان والجسد إلى النعمة والحياة والتبني والمجد والفرح.

لذلك إختارت الكنيسة كل التسابيح الكتابية التي تُعبِّر عن الخلاص والعبورليس فقط من الموت إلى الحياة، ولكن أيضاً من كل ما هو يُحزن ويُؤلم ويُميت إلى كل ما هو يُفرح ويُحرِّر ويُحيي.

وهذا ما نراه في جوهر قراءات وتسابيح هذه الليلة السمائيَّة [الخلاص والعبور]:

1- وقطعت رأسه ونزعت العار عن بني إسرائيل ← خلاص من الأعداء.

2- أنظروا أنظروا إني أنا هو وليس إله غيري أنا أميت وأُحيي وأضرب وأشفي ← الرب المُخلِّص (سفر التثنية).

٣- لأني فرحت بخلاصك ← خلاص من العُقم (حنة أم صموئيل).

٤- أما انا فأتهلل بالرب وأفرح بالله مخلصي ← فرح الخلاص في الضيق (حبقوق).

٥-  فلتصعد من الفاسد حياتي أيها الرب إلهي ← خلاص من الموت (يونان).

٦- قلت لست أنظر بعد خلاص الله على الأرض.. هؤلاء يخبرون بعدلك يا رب خلاصي ← خلاص من الموت (حزقيا).

٧- وخلصني بكثرة رحمتك ← خلاص من الهلاك (منسى).

٨- تقوم الأموات ويقوم من في القبور ويفزع الذين على الأرض لأن النداء الذي من قبلك هو شاء لهم ← خلاص من الهاوية (إشعياء).

٩- فلنتهلل ونفرح بخلاصنا لأن الله يعطي خلاصاً على هذا الجبل (إشعياء) [نبوّة عّن زمن الخلاص].

١٠- في ذلك اليوم يسبحون هذا التسبيح في أرض اليهودية قائلين ها المدينة الحصينة وخلاصاً يضع سوراً ومترسة من خارج ← (إشعياء) [نبوّة عّن زمن الخلاص].

١١- أرددنا يارب إليك فنرتد جدد أيامنا كالقديم (إرميا) [الصراخ إلى الله للإحتياج للخلاص].

١٢- الذي أخرج شعبه من أرض مصر بيد قوية بآيات وعجائب وقوّة عظيمة وذراع رفيعة ← (باروخ النبي) [تذكُّر النبي لعمل الله العظيم في عبور شعبه وخلاصهم من عبودية فرعون].

١٣- إستجب لي ليعلم هذا الشعب أنك أنت الرب الإله وأنك أنت حولت قلوبهم ورجعوا ← (إيليا) [الخلاص من عبادة البعل ومعرفة الإله الحقيقي].

١٤- وبيدك القوة والجبروت وبيدك تعظيم وتشديد الجميع ← (داود النبي) [الثقة في إله الخلاص].

١٥- وإسمع أنت في موضع سكناك في السماء وإذا سمعت فإغفر ← (سليمان) [الكنيسة بيت الخلاص والعبور].

١٦- أيها السيد الرب إلهنا الذي أخرجت شعبك من أرض مصر بيد قوية ← (دانيال) [تذكُّر النبي لعمل الله العظيم في عبور شعبه وخلاصهم من عبودية فرعون].

١٧-لأإن إلهنا كائن في السموات الذي نعبده هو قادر على إنقاذنا من آتون النار المتقدة ← (رؤيا دانيال) [الثقة في الله الذي يُخلِّص من الموت].

18-  وأنقذنا كحسب عجائبك ← (صلاة عزاريا) [تسبحة أحد الثلاثة فتية للنجاة من الموت].

19- الذي أرسل ملاكه وأنقذ عبيده.. فإنه ليس إله آخر يقدر أن ينجي هكذا ← (حديث نبوخذنصر عن خلاص الثلاثة فتية) [خلاص من الموت].

20- وتبتهج روحي بالله مخلصي ← (والدة الإله) [تحقيق الخلاص بتجسّد الكلمة].

21- وأقام لنا خلاصاً.. خلاص من أعدائنا.. لتعطي شعبه معرفة الخلاص بمغفرة خطاياهم ← (صلاة زكريا) [نبوّة عن خلاص إسرائيل المُزْمَع أن يكون].

22- لأن عيني قد أبصرتا خلاصك ← (سمعان الشيخ) [رؤية المُخلِّص].

23- وخلص الدم الزكي في ذلك اليوم ← (قصة سوسنة) [خلاص من الموت].

24- فلتصعد من الفاسد حياتي أيها الرب إلهي ← (يونان) [خلاص من الموت].

25- قلت لست أنظر بعد خلاص الله علي الأرض .. هؤلاء يخبرون بعدلك يارب خلاصي ← (حزقيا) [خلاص من الموت وإضافة خمسة عشر عاماً أخرى].

 

 

قراءات ليلة سبت الفرح

(١) تسبحة موسي النبي (تث٣٢: ١- ٤٣)

يحكي موسي النبي في هذه التسبحة خبرة حياته مع الله وكيف رأى أعمال الله العظيمة وخلاصه لشعبه ليس فقط في عبورهم البحر الأحمر لكن أيضاً في خلاصهم ونجاتهم من كل الأخطار ونصرتهم على جميع الأعداء الذين حاربوهم.

ويُعطي موسي النبي هنا تشبيهاً برؤية نبوية عمَّا فعله الرب عندما نقل شعبه من العبودية إلى أرض الموعد مثلما نقل الأبرارمن الجحيم إلى الفردوس.

“وحفظه كحدقة العين كالنسر الذي يغطي عشه ويحب فراخه بسط جناحيه وإحتضنهم وحملهم علي منكبيه الرب وحده ساقهم ولم يكن معهم إله غريب وأصعدهم على عز الأرض”.

كما يشرح كيف رأى الله عجز البشر عن خلاصهم بذواتهم وأعلن قدرته الإلهية على منح الحياة للمائتين:

“لأن الرب يقضي لشعبه ويتعزى على عبيده لأنه رآهم مشلولين فانيين لما نزل بهم.. أنظروا أنظروا إني أنا هو وليس إله غيري أنا أميت وأحيي وأضرب وأشفي”.

 

(٢) تسبحة حنة أم صموئيل النبي (١مل ٢: ١- ١١)

وهي تسبحة خلاص حنة من العقم وإستجابة الله لها بعد مُعايرة ضُرَّتها المُتكرِّرة وما أجمل كلمتها بروح النبوَّة “الرب يميت ويحيي”.

(٣) صلاة حبقوق النبي (حب ٣: ٢- ١٩)

تشرح هذه النبوَّة كيف أتى الله (التجسّد) وإمتلأت الأرض من فعل قوته (الصليب) وقام من الأموات (القيامة) وذابت أمامه الآكام الدهرية (ذهابه إلى الجحيم) ورفع أبراره على الأعالي (نقلهم إلى الفردوس).

(٤) صلاة يونان النبي (يون٢: ٢- ١٠)

وهي صلاة الضيقة ومواجهة الموت التي إجتازها يونان النبي بعد إلقائه في البحر ودخوله في جوف الحوت وإحساسه أنه نزل إلى أسافل الأرض وتمجيده للرب الذي أصعد من الوهدة (الجحيم) حياته.

(٥) صلاة حزقيا النبي (إش ٣٨: ١٠- ٢٠)

وهنا حزقيا الملك الذي أرسل إليه الرب إشعياء قائلاً له أوص بيتك لأنك تموت ولا تعيش (إش ٣٨: ١) وكيف صرخ إلى الرب ليُنقذه من الموت فأعطاه الله خمسة عشر سنة إضافية إلى عمره.

(٦) صلاة منسَّى الملك

[حُذِفَت هذه الصلاة من الطبعة البيروتية ويوجد إشارة لها في (٢ أي٣٣: ١٣، ١٨)][3]

العجيب أن تأتي هذه الصلاة من منسَّى الملك بعد صلاة أبوه حزقيا الملك و منسَّى الملك (الإبن) جاء في الخمس عشرة التي أعطاها الرب نتيجة إلحاح الأب (حزقيا الملك) وكان منسَّى الملك من أشرّ وأسوأ ملوك يهوذا.

[لو كان أبوه حزقيا الملك قَبِلَ إرادة الله له في توقيت الموت لم يكن هذا الإبن قد جاء وقد صار ملكاً!].

وكان هذا الملك (منسَّى) نتيجة لشروره قد سُبي وقدَّم إنسحاق أمام الله وتاب توبة عميقة لينجيه الرب من السبي والهلاك وكانت نجاته إشارة في هذه الليلة لنجاة النفوس من سبي الجحيم.

(٧) تسبحة إشعياء النبي الأولى (إش ٢٦: ٩- ٢٠)

تشرح هذه التسبحة إشتياق البشرية لنزول الرب للجحيم بعد الصليب ليُحرِّرهم من سبي الشيطان وتُشْبهه بطَلْق المرأة عندما يحين ميعاد ولادتها.[4]

(٨) تسبحة إشعياء النبي الثانية (إش ٢٥: ١- ١٢)

تُعْلِن هذه التسبحة أن الرب إبتلع الموت ونزع الدموع والعار عن أولاده ويُطلق على نفوس أبرار العهد القديم “أرواح البشرالمظلومة” وتُخْتَم بتمجيد خلاص الله وإرجاع العظمة (العبور من الجحيم للفردوس) لأولاده وأبراره.

(٩) تسبحة إشعياء النبي الثالثة (إش ٢٦: ١- ٩)

تتكلّم هذه التسبحة عن الفردوس (المدينة الحصينة) وينادي بفتح أبواب الفردوس “إفتحوا الأبواب ليدخل الشعب الحافظى العدل” وتقول أن الرب هدم المدن الحصينة (سلطان الجحيم) وتُعبِّر بإسلوب جميل عن إشتياقات الأبرار لدخولهم الفردوس “إن ما قد إشتاقت إليه نفسنا إنما هو تسبحة منذ الليل”

(١٠) تسبحة إرميا النبي (مراثي ٥: ١٦- ٢٢)

تُعبِّر هذه التسبحة عن نداء أرواح أبرار العهد القديم قبل الصليب “أرددنا يا رب إليك فنرتد”.

(١١) تسبحة باروخ النبي (با 2: ١١- ١٦)

تتكلّم هذه التسبحة عن سبي الشعب كرمز وإشارة لسبي كل النفوس في الجحيم “إسمع يا رب صلاتنا”.

(١٢) تسبحة إيليا النبي (١مل ١٨: ٣٦- ٣٩)

وتُعطي هذه التسبحة مثالاً لما حدث بالصليب ونزول الرب للجحيم وقيامته في إصعاد إيليا للتقدمة (الصليب) وبسبب قبول الله للتقدمة خَلُصَ الشعب وتركوا عبادة البعل.

(١٣) صلاة داود النبي (1 أخ ٢٩: ١٠- ١٣)

تتكلّم هذه الصلاة عن سلطان وجبروت ومجد الله الذي رفع رأس أبراره على جميع الذين كانوا في الجحيم “…وقد إرتفعت رأسنا على الجميع…”.

(١٤) صلاة الملك سليمان (١مل ٨: ٢٢- ٣٠)

نرى في هذه الصلاة سلطان الله غير المحدود على السموات والأرض، ولذلك لا يقف الجحيم أمام قوته وعظمته “هوذا السموات وسما السموات لا تسعك”.

(١٥) صلاة دانيال النبي (دا ٩: ٤- ١٩)

في صلاة دانيال النبي يتضح لنا حال الشعب في السبي وإحتياجهم لإشراقة وجه الله عليهم كمثال لما حدث في الجحيم وصراخ الأبرار لمجئ الرب إليهم “وأضئ بوجهك على مقدسك الخرب…”.

(١٦) رؤيا دانيال النبي (دا ٢: ١- ١٠)

تشرح هذه الرؤيا نجاة الثلاثة فتية من أتون النار بعد رفضهم السجود لتمثال الذهب، وما أجمل ما قيل في حوارهم مع الملك قبل إلقائهم في الأتون أنهم يؤمنون بقدرة الله على أن يُنجِّيهم وفِي ذات الوقت خاضعين لمشيئته إذا لم تكن إرادته نجاتهم ولكن في جميع الأحوال لن يسجدوا لتمثال الذهب حتى وإن سمح الله بموتهم فما أعظمه تسليم لإرادة الله وإيمان بقدرته في ذات الوقت وكأن حوارهم كان مع الله وليس الملك ليُعلنوا له قبولهم لكل ما سيسمح به لهم.

(١٧) صلاة عزاريا

يبدو أن هذه الصلاة كانت قبل إلقائهم في أتون النار، وتكشف الصلاة عن نزول ملاك الرب وأطفأ أتون النار وجعله مثل الندى البارد.

(١٨) تسبحة الهوس الثالث وكلام نبوخذ نصر

نجاة الثلاثة فتية من أتون النار.

(١٩) تسبحة العذراء مريم والدة الإله ( لو١: ٤٦- ٥٥)

تشرح لنا والدة الإله بركات وقوّة وعظمة الخلاص الذي قدمه إبنها الحبيب للبشرية فهو صنع قوة بذراعه والمعروف أن الذراع هنا تُشير لإبن الله[5] والقوة التي صنعها هي قوة الخلاص من الموت ومن الجحيم لذلك شتت المستكبرين (الشياطين) ورفع المتضعين (الأبرار).

(٢٠) صلاة زكريا الكاهن (لو١: ٦٨- ٧٩)

تشرح هذه الصلاة خلاص الله بالصليب “وأقام لنا خلاصاً… خلاص من أعدائنا..”.

وتحرير النفوس من الخوف من الأعداء ومن الشياطين “أن يعطينا أننا بلا خوف…”.

وإشراقة نوره الإلهي على الأبرار في الجحيم “المشرق من العلاء..”.

(٢١) صلاة سمعان الكاهن (لو٢: 29- 32)

يتنبأ هنا سمعان الشيخ عن الخلاص المزمع أن يكون للبشرية كلها.

(٢٢) قصة سوسنة إبنة حلقيا ورؤيا دانيال النبي بخصوصها (دا ١٣: ١- ٦٤)

تُخْتَم تسبيحات الجزء الأوَّل من هذه الليلة السماوية بقصة سوسنة العفيفة وهي القصة التي تشرح عبور نفس بارة نقية من الموت ظلماً إلى الحياة بسبب دانيال النبي.

 

 

قراءات باكر سبت الفرح

إشعياء النبي (إش ٥٥: ٢)- الخ

تتكلّم هذه القراءة عن العهد الأبدي الذي أظهر الله فيه مراحمه للبشرية كلها في ملء الزمان وكيف غمر سكيب الفرح جميع البشر بخلاص إبن الله.

البولس

ويشرح البولس كيف صار فصح الخلاص الذي قدمه إبن الله هو مصدر الفرح وهو عيدنا الدائم ويدعونا أن نعيش العيد بصورة دائمة من خلال البر والطهارة.

المزامير

يأتي هنا مزمورين:

الأوَّل يتكلَّم عن نفس إبن الله التي ذهبت إلى الجحيم دون أن يقترب إليها الموت “صرت حراً بين الأموات” وعن بشريتنا في أنينها وصراخها للنجاة بموته وقيامته “قم ولا تقصنا عنك…”

بينما المزمور الثاني يُعْلِن الإستجابة وإتمام الخلاص وتعظيم صنيع الرب.

الأنجيل

ويشرح الإنجيل ما حدث في هذه الساعة بذهاب رؤساء الكهنة والفريسيون إلى بيلاطس ليضبط القبر بأختام وحُرَّاس، والعجيب أنهم تذكَّروا كلامه عن القيامة فقط رغم أنه تكلَّم عن موته وقيامته، ولم يدركوا أنهم هم الذين نفذوا كلامه عن الموت وطلبوا وصرخوا لأجل موته، ورغم قيامته أنكروا فأيَّة قساوة وعناد كانت عندهم ليرفضوا كل ما رأوه وشاهدوه أمام أعينهم، والذي جعل الأمم مثل قائد المئة يؤمنون.

 

الساعة الثالثة من سبت الفرح

تتكلّم قراءات هذه الساعة عن:

طريق السماء وكيف نحيا وأمام أعيننا المصير الأبدي (النبوَّة).

وكيف يُعْلِن الرب لأولاده طريق الحياة (المزمور).

الذين أنكروا نفوسهم لأجله (الإنجيل).

النبوَّة – إرميا النبي (إر ١٣: ١٥– ٢٢)

تتكلّم هذه النبوَّة عن تنبيه النفوس لتمجيد الله في حياتها قبل إنقضاء الزمن وقبل أن تأتي ظلمة الموت:

“مجدوا الرب إلهكم قبل أن يصير ظلاماً وقبل أن تعثر أرجلكم على الجبال العتمة فترقبون النور ويكون هناك ظل الموت ”

كما تكشف القراءة عن مصير أورشليم في رفضها الخلاص عندما سيأتي إليها جيش الرومان ويجعلها خراباً:

“إرفعي عينيك يا أورشليم وأنظري إلي المقبلين إليك من الشمال .. أين غنم مجدك ؟ ماذا تقولين عندما يفتقدك ؟ .. أفلا تأخذكالأوجاع كالمرأة التي تلد وإن قلت في قلبك : كيف أصابني هذا ؟ فهو من أجل كثرة ظلمك ”

 

المزمور (مز ١٥: ١٠، ١١)

“لأنك لا تترك نفسي في الجحيم ولا تدع قدوسك يري فساداً قد عرفتني طرق الحياة تملأني فرحاً مع وجهك”.

هذه النبوَّة هي التي إستشهد بها القديس بطرس في عظته عن قيامة الرب والتي أوضح فيها للجموع أن داود النبي كان يُشير إلى موت الرب وقيامته ولم يكن يتكلَّم عن نفسه لأنه دُفِنْ وكان جميع اليهود يعرفون مكان دفنه (أع ٢: ٢٩).

 

الإنجيلانجيل متى (مت ١٦: ٢٤)- الخ

يتكلَّم الإنجيل عن ما هو طريقنا للسماء والخلاص أن نأخذ موقفاً واضحاً من الذات وأن نُنكر أنفسنا لنُخلصها والعجيب أن من يُنكر نفسه ويُهلكها لأجل المسيح (الإنجيل) لن يترك الله نفسه في الجحيم (المزمور) وسيتمتع بالميراث الأبدي (الإنجيل) وكما يقول سفر الحكمة “أما نفوس الصديقين فهي بيد الله فلا يمسها العذاب” (حك ٣: ١).

“حينئذ قال يسوع لتلاميذه: من أراد أن يتبعني فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني.. ومن أهلك نفسه من أجلي يجدها.. فإن إبن الإنسان سوف يأتي في مجد أبيه مع ملائكته الأطهار وحينئذ يجازي كل واحد بحسب أعماله “.

 

الساعة السادسة من يوم سبت الفرح

تكشف قراءات هذه الساعة عن:

ما فعله الرب لخائفيه وأبراره في دخولهم الفردوس وتسبيحهم الدائم. (النبوَّة).

بعد صراخهم إليه زماناً ليُخرجهم من الحبس. (المزمور).

ونوعية النفوس التي إستحقت رؤيته والدخول إلى مجده. (الأنجيل).

 

النبوَّة – إشعياء النبي (إش ٥٠: ١٠- الخ؛ ٥١: ١- ٨)

تتكلّم النبوَّة عن إستماع نفوس الأبرار لصوت إبن الله في تحريره لهم من الجحيم إلي الفردوس،

وتختلف هنا الترجمة القبطية عن البيروتية فنجد في الترجمة القبطية: “من منكم يخشي الرب فليسمع لصوت إبنه” وفي الترجمة البيروتية: “من منكم خائف الرب سامع لصوت عبده”

وتدعو النبوَّة أيضاً من لا تور لهم (في الجحيم) أن ينظروا إلى ابن النور (ابن الله)

“من منكم يخشى الرب فليسمع لصوت إبنه: أيها السالكون في الظلمة ولا نور لهم أنظروا إلى النور”.

كما يكشف عن تعزيات الله لأبراره في تحويل جميع قفارهم إلى فردوس لا يكفون فيه عن التسبيح والفرح:

“وأنت أيضاً يا صهيون فقد عزيتك الآن وزينت جميع مواضعك القفرة وسأجعل جميع قفارك كفردوس الرب ويوجد فيك الفرح والتهليل والإعتراف وصوت التسبيح”.

 

المزمور (مز ١٤١: ٧)

“من الأعماق صرخت إليك يا رب، يا رب إستمع صوتي أخرج من الحبس نفسي لكي أشكر إسمك يا رب”.

وكأن صراخ النفس هنا من الجحيم لكي يُحرِّرها الرب على لسان داود النبي كان قد إستجاب الرب له على لسان إشعياء النبي في نبوته في مجئ النور الإلهي (إبن الله) وحياة نفوس الأبرار في التسبيح والشكر الدائم.

 

الإنجيل (مت ٥: ٣– ١٣)

يكشف الإنجيل عن نوعية النفوس التي تنال الرحمة وتُعاين الله ولهم الملكوت وأجرهم عظيم في السموات :

“طوبى للمساكين بالروح فإن لهم ملكوت السموات.. طوبى للرحماء فإنهم يرحمون، طوبى للأنقياء القلوب فإنهم يعاينون الله.. طوبى للمطرودين من أجل البر فإن لهم ملكوت السموات.. إفرحوا وتهلّلوا فإن أجركم عظيم في السموات”.

 

الساعة التاسعة من يوم سبت الفرح

تتكلّم قراءات هذه الساعة مع قراءات توزيع سبت الفرح أيضاً عن إتمام الخلاص بقيامة رب المجد، وكما بدأت الليلة بإنجيل باكر سبت الفرح والرب في القبر، فإنها تختم القراءات بقيامته المُقدَّسة، وهكذا تحكي هذه الليلة عبورنا في المسيح من الموت إلى القيامة وكما مُتْنا معه سنقوم معه.

لذلك تتكلّم قراءات هذه الساعة عن:

الخلاص الأبدي. (اإشعياء النبي).

والعهد الجديد. (إرميا النبي).

والنصرة على الأعداء. (المزمور).

وكيف نعيش خلاصه وننتقل من الموت إلي الحياة. (الإنجيل).

 

النبوَّات

النبوَّة الأولى: إشعياء النبي (إش ٤٥: ١٥- ٢٠)

يتَّضح في هذه القراءة خلاص العهد الجديد وتجديد البشرية في المسيح، وكأنها تتكلّم بلسان اليهود الذين آمنوا بصليب الرب وقيامته وجمهور كهنة اليهود (أع ٦: ٧) الذي أطاع الإيمان وأدرك حقيقة من صلبوه:

“حقاً أنت هو الله ولم نعلم يا إله إسرائيل المُخلِّص.. تجددي لي أيتها الجزائر لأن إسرائيل يخلص من قبل الرب خلاصاً أبدياً”.

النبوَّة الثانية:ـ إرميا النبي (إر ٣١: ٣١-٣٤)

تتكلّم هذه القراءة عن العهد الجديد عهد الخلاص وهو عهد يختلف عن ما كان مع الشعب سابقاً والذي نُقض بقساوتهم لكنه عهداً لا يُنقض وخلاصاً لا يُمحي صنعه الرب بنفسه، ولذلك إستشهد القديس بولس (عب ٨: ٨) بهذه الآيات ليشرح بركات الخلاص وسمة العهد الجديد الذي عمله الرب معنا بموته وقيامته:

“هوذا ستأتي أيام يقول الرب وأقرر مع بيت إسرائيل وبيت يهوذا عهداً جديداً ليس كالعهد الذي قطعته مع آبائهم.. بل هذاهو العهد الذي أقرره مع بيت إسرائيل وبعد تلك الأيام أجعل شريعتي في أفكارهم وأكتبها على قلوبهم.. لأني أصفح عن ظلمهم ولا أذكر خطيتهم منذ الآن”.

 

المزمور (مز ٤٠: ٩، ٥)

“وأنت يارب إرحمني وأقمني فأجازيهم إن أعدائي تقاولوا عليّ شراً أن متى يموت ويبيد إسمه”.

يتكلَّم المزمور عن قيامة الرب ومُجازاة الأشرار والشياطين.

 

الإنجيل – يوحنا البشير (يو ٥: ٢١– ٣٠)

يتكلَّم الإنجيل عن وحدة إرادة الآب والإبن في إتمام الخلاص وعظمة كلمته وفاعلية الإيمان بخلاص الإبن الذي ينقل من الموت إلى الحياة:

“لأنه كما أن الآب يُقيم الموتى ويحييهم كذلك الإبن أيضاً يحيي من يشاء.. الحق الحق أقول لكم إن من يسمع كلامي ويؤمن بالذي أرسلني فله الحياة الأبديّة ولا يأتي إلى الدينونة بل قد إنتقل من الموت إلى الحياة”.

كما أن كلمة إبن الله “لأنني لست أقدر أن أفعل شيئاً من ذاتي وحدي” لا تعكس عدم قدرة الإبن لكن تُعْلِن أنه لا يعمل شيئاً مُنفصلاً عن الآب.

 

قراءات توزيع سبت الفرح

تتكلّم القراءات عن:

حقيقة قيامته. (البولس).

وقوة قيامته. (الكاثوليكون).

والشهادة لقيامته. (الإبركسيس).

ومجد قيامته في خلاص الأمم. (المزمور).

ووصية الرب بعد القيامة للكنيسة. (الإنجيل)

 

البولس (١كو ١٥: ١- ٢٢)

يتكلَّم البولس عن حقيقة القيامة والتي أكدها الرسول بظهورات الرب بعد قيامته لشهود كثيرين ومنهم هو نفسه رغم إضطهادهلكنيسة الله قبل إفتقاد نعمة الله له.

كما يتكلَّم أيضاً عن أن القيامة أساس الإيمان والكرازة والخدمة والحياة الأبديّة والميراث السماوي وكيف صار الرب بقيامته باكورة المضطجعين وكما أعطي آدم الموت للبشرية كذلك وهبنا الرب الحياة الأبديّة بقيامته.

 

الكاثوليكون (١بط ١: ١- ٩)

يشرح القديس بطرس قوة قيامته في أنها أعطتنا الولادة الثانية والرجاء الحي والميراث الأبدي والمجد والكرامة والفرح الذي لايُنْطَق به ومجيد.

 

الإبركسيس (أع ٣: ١٢- ٢١)

يتكلَّم الإبركسيس عن شهادة القديس بطرس أمام كل اليهود عن قيامة الرب ودعوة الجميع للتوبة ونوال الخلاص وراحة العهدالجديد في المسيح.

والعجيب في كلام القديس بطرس هنا هو توبيخه (مرتين) لليهود لإنكارهم الرب، رغم أنها كانت خطيته هو أيضاً سابقاً، لكنّنا نقف هنا أمام أعلى مثال لقبول الإنسان لغفران الله له،

وأيضاً كيف يغفر الإنسان لنفسه، ولا تكون الخطية في ذاكرته (إلَّا كتذكرة بالضعف) كما أنها ليست في حسابات الله معه في المستقبل، فالذي أنكر ثلاث مرّات يُوبِّخ الذين أنكروا، فما أجمله غفران إلهي وما أفضله مثال القديس بطرس لنا جميعاً في يقين غفران الإنسان لنفسه مع يقينه من غفران الله له.

 

المزامير

تشرح المزامير قيامة الرب وخلاص الشعوب والأمم ودينونة الأشرار.

المزمور الأول (مز ٣: ٢، ٤)

“أنا إضطجعت ونمت ثم إستيقظت لأن الرب نصرتي فأنت يا رب أنت هو ناصري مجدي ورافع رأسي”.

يُعْلِن المزمور قيامة الرب وكيف أظهر الرب مجده بقيامته.

وإذا كُنَّا في ختام صلوات الجمعة العظيمة بعد لحن الدفن “غولغوثا” نصلي المزمور الأول والثاني ونقف في الثالث عند كلمة “أنا إضطجعت ونمت” فإننا الآن نكمل كلام المزمور بإعلان قيامته.

المزمور الثاني (مز ٨١: ٦)

“قم يا الله ودِن الأرض لأنك أنت ترث في جميع الأمم”.

القيامة هنا ميراث ودينونة مجد لمن قَبِلَ قيامته، ودينونة على من رفضها.

المزمور الثالث (مز ٦٧: ١)

“ليقم الله ولتتبدد جميع أعدائه وليهرب من أمام وجهه كل مُبغضيه”.

ما أجمل طقس وترتيب الكنيسة لأن تكون الصلاة بهذا المزمور في كل قدّاس في أوشية الإجتماعات لنحيا فعل قيامته ليس فقط على المستوى الشخصي لكن ككنيسة وشعب نطلب قوة قيامته في النصرة على جميع قوات الظلمة والشر.

 

الأناجيل

إنجيل متى (مت ٢٨: ١)

يشرح الإنجيل ما حدث عند قيامة الرب، وكيف نزل ملاك الرب ليرفع الحجر ليتأكد الجميع أنه قام، لذلك رفع الحجر هنا ليس ليقوم الرب ولكن لإعلان وتأكيد قيامته أنه ليس في القبر، وظهور الملاك للنسوة اللاتي أتين إلى القبر وظهور الرب نفسه لهن، وكيف إستمر الشيوخ والرؤساء في التآمر والكذب والخداع ورشوة الحراس لتكذيب حقيقة قيامته.

كما يتكلَّم أيضاً عن ذهاب التلاميذ إلي الجليل (مكان الدعوة الأولى) وظهور الرب لهم ودعوته لهم بالذهاب لجميع الأمم وتأكيده على أساسيات الإيمان :

السلطان الإلهي في المسيح: “قد أعطيت كل سلطان في السماء وعلى الأرض”.

التلمذة: “فاذهبوا وتلمذوا كل الأمم”.

المعمودية: “وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس”.

التعليم: “وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به”.

الحضور الدائم للمسيح معهم: “وها أنا معكم كل الأيام وإلى انقضاء الدهر”.

 

إنجيل لوقا (لو ٢٤: ١- ١٢)

يتكلَّم الإنجيل أيضاً عن ظهور ملاكين للنسوة وتبشيرهم بقيامة الرب وكيف ذهبوا للتلاميذ وأخبروهم وصعوبة تصديق التلاميذ للقيامة فذهب القديس بطرس للقبر ورأي الأكفان وحدها.

ملحوظة هامَّة وتساؤل: لماذا جاء إنجيل القيامة في توزيع قداس سبت الفرح قبل قداس عيد القيامة؟

يورد الأرشيدياكون بانوب عبده إجابة العلَّامة يسَّي عبد المسيح على هذا السؤال قائلاً:

[ويتساءل بعضهم عن حكمة اختيار الانجيل الذي يتكلم عن قيامة المخلص ليتلي اليوم مع أن السيد في القبر، ويرد علي ذلك بأن قداس السبت الكبير ينتهي قبل الغروب وبعد التاسعة، وهو يسمى “صلاة مساء السبت الكبير” أو “برمون العيد” في بعض الكنائس التقليدية، أو “صلاة عشية أحد القيامة” في بعضها الآخر. فاذا اعتبرناه برمونا فالعادة أن تكون قراءات البرامون متفقة مع قراءات العيد الذي يليه مباشرة، كما هو الحال في برامون الميلاد والغطاس، واذا اعتبرناه “عشية عيدالقيامة”، وهو عيد ليس له “عشية”، فقراءات العشية دائماً تتبع قراءات اليوم الذي يليها. وعلى هذين الاعتبارين يكون اختيار إنجيل القيامة في محله تماماً، هذا إلى أنه يتلى بعينه في هذا اليوم في جميع الكنائس التقليدية أسوة بانجيل باكرلهذا اليوم][6]

  

 

عظات آبائية ليلة ســـبت الفــــــــرح

سبت الفرحللقديس إبيفانيوس أسقف قبرص[7]

يتحـدث فيهـا عـن دفـن جسـد ربنـا وإلهنـا ومخلصـنـا يسـوع المسـيـح وعن يوسف الرامي، وعن نزول الرب إلى الجحيم بعد آلامه الخلاصية .

ما هذا الصمتُ الشـديد الذي يخيم على الأرض في هذا اليوم. صـمت شديد وهـدوء قاتل، الصـمـت شـديد لأن الملك نائم، الأرض خشـعـت وهـدأت لأن الإلـه المتجسد رقد بالجسد، وأقام الذين رقدوا منذ بداية الدهـر. مـات الإلـه- بالجسد – فارتعد الجحيم، رقد الإله قليلاً فأنهض الذين في الجحيم .

أيها المخالفون، أين الاضطرابات والأصوات والضجة التي أثيرت ضد المسيح؟

أين الجماهير والثوار والجنود والفرق والأسلحة؟

أين الملوك والكهنة والقضاة المدانون؟

أين المشاعل الموقدة والسيوف والصرخات المدوية؟

أين الجماهير المزمجرة والحراس غير المحتشمين؟

لقـد ثَبُتَ -في الواقع وبالحقيقـة- أن كل ما دبروه كان باطلاً ولا نتيجة له. لقد ارتطموا بحجر الزاوية- المسيح- فتحطموا. ضربوا الصخرة الصلبة، لكنهم تلاشوا كتلاشـي الأمواج عندما ترتطم بالصـخور. دقوا على السندان الصُّلب فتشتتوا إلى أجزاء متفرقة. رفعوا حجر الحياة على خشـبة، فتدحرج عليهم وقتلهم. قيدوا الإله العظيم، فكانوا كمن يريدون تقييد شمشون الجبار، ففك المسيح الرباطات الأزلية، وعتق الغرباء والمخالفين، وُضِـعَ المسيح في باطن الأرض فكان كالشمس التي تغيب، وبالتالي نزل على اليهود ظلام حالك .

اليوم تم الخلاص من ناحيتين؛ للذين هم على الأرض وللذين هم- منذ الدهر تحت الأرض .

اليوم خلاص العالم بأسره ؛ المنظور وغير المنظور .

اليوم حضور السيد في ناحيتين .

اليوم صار التدبير لجهتين .

اليوم تم نِزولٌ وتنازلٌ ثنائيٌ .

اليوم تضاعفت محبة الله للبشر .

اليوم صار الافتقاد مزدوجاً .

نـزل الإله من السـماء إلى الأرض، ومن الأرض إلى ما تحتهـا. أبواب الجحيم تُفتَـحُ، فتهللـوا أيها الراقـدون منذ الدهر، أيها الجالسـون في الظلمة وظلال الموت استقبلوا النور البهي بفرح.

فالسيد يأتي بين عبيده، والإله بين الأموات، والحياة بين المائتين، والبريء بين المذنبين، والنور الذي لا يغيب بين الجالسين في الظلمة، المُحَرِّر بين الأسرى، والذي هو أعلى من السموات يأتي تحت الأرض. ونحن نؤمن أن المسيح بيننا على الأرض. وأنه كان بين الأموات،

إذن فلننزل معه ونتعلم مما نَعلَم عن ما هناك من أسرار. ولنعرف العجائب الخفية، غير المنظورة، التي تحت الأرض، ولنتعلم كيف كُرِزَ للذين هم أيضاً في الجحيم.

ولكن، ماذا سيحدث عندما ينزل المسيح إلى الجحيم؟ أبنزول الإله إلى الجحيم يَخلُصُ الجميع بدون استثناء؟.. لا، لأنه كما على الأرض، هكذا أيضـا هناك يُخلِّص الذين آمنوا به .

فبالأمس (يعني الجمعة العظيمة) رأينا ما لتدبيره، واليوم نرى ما لسلطانه .

بالأمس رأينا آلامه واليوم نشهد لسيادته المطلقة .

بالأمس تبينت ما لطبيعته البشرية، واليوم ما للإلهية .

بالأمس لطموه، واليوم- ببرق لاهوته- يشق الجحيم المظلم .

بالأمس قيدوه، واليوم هو الذي يقيد الطاغية (الشيطان بقيود لا تنحل) .

بالأمس حكموا عليه، واليوم يُنعِمُ بالحرية على المحكوم عليهم (من قبل الخطية) .

بالأمس إستَهزَأَ بـه كل من في حاشية بيلاطس، واليوم رأوه بوابو الجحيم فارتعدوا .

أيها الإنسـان! تطلع إذن إلى آلام المسيح التي تعجز الكلمات عن وصفها، تطلع إليها وسبح، تطلع وسبح، تطلع ومجد، تطلع وتحدث بعجائب الله العظيمة؛

انظر كيف أن الناموس يمضي وأن النعمة تُزهر؟!

كيف تتراجع الرموز وتغيب الظلال وتعم الشمس كل المسكونة؟!

كيف يَبلَى القديم وتتأكد صحة الجديد؟!

كيف تمضي الأمور القديمة وتزهر الجديدة؟!

لقد كان هناك. في زمن آلام المسيح، في صـهيون، شـعبان معاً، الشعب اليهودي والشعب الأممي.

كما كان هناك مَلِكَان: بيلاطس وهيرودس، ورئيسا كهنة: حنَّان وقيافا .

هكذا يتم الفصحان معاً؛ ينتهى الفصح اليهودي، ليبدأ فصح المسيح .

في تلك الليلة قُدمت ذبيحتان، تم فيهما خلاصـان: خلاصـاً للأحياء وخلاصـاً للأمـوات. فمن ناحية، قبض اليهود علـى حمل الذبيحة ليذبحوه، ومن جهة أخرى، قبض بعض من الأمميين على الله المتخذ جسـداً، وبينما بقـى اليهود في الظلال سعت الأمم إلى رحمة الله .

اليهود يقيدونه ويطردونه خارجاً، والأمم تقبله بكل فرح !

اليهود يقدمون ذبيحة حيوانية، والأمم يفرحون بذبيحة الإله المتخذ طبيعة بشرية.

اليهود يقدمون ذبيحة الفصح تذكارا لخروجهم من أرض مصر، والأمم- باحتفال القيامة- يعلنون خلاصـهم من الضـلال. وأين يحدث هذا؟ يحدث في صهيون مدينة الملك العظيم، حيث تم الخلاص في وسـط الأرض، بيسـوع ابن الله، المولود من الآب الحي ومن الروح القدس المحيي. الله هو الحياة من الحياة، وهو معطي الحياة بطبيعته، هو الذي ولد في مذود بين حيوانين (الثور والحمار) وبين الملائكة والبشـر، هو الذي جعل شعبين يجتمعان فيه كحجر الزاوية، وهو الذي كُرز به في الناموس والأنبياء،

هو الذي ظهر على جبل (تابور) بين موسى وإيليا،

هو الذي بينما كان معلقاً بين اللصين اعترف به اللص اليمين إلهاً.

هو الذي يجلس على كرسـيه كديان أبدي ليس في وسـط هذه الحياة الحاضرة فقط، بل وفي وسط الحياة الآخرة،

هو الذي (بوجوده) بين الأحياء والأموات يمنح الحياة والخلاص معاً، وهو يمنح أيضاً حياة ثانية، وولادة ثانية، وتجديداً.

إذن، تطلَّـع إلى مـا يحدث وكرِّم ولادة المسيح – المزدوجة والعجائبية- من الآب ومن العذراء بالروح القدس .

ملاك يبشـر مريم والدة الإله بميلاد المسيح، وملاك آخر يبشر مريم المجدلية (بقيامة المسيح) من القبر .

فى الليـل يولـد المسيح في بيت لحم، وفي الليل أيضـا يولد مـن جديد (من بين الأموات) في صهيون .

يلف بالأقمطة عند ولادته، ويلف بالأكفان عند موته .

فى ميلاده يتقبل الأطياب (اللبان والمر من المجـوس)، وعنـد القبر تُوضع الأطياب على جسده.

هناك يوسف خطيب مريم يخدمه، وهنا يوسف الرامي يتطوع لدفنه وهو حياة الكل؟

كان مكان ميلاده مذود في بيت لحم، وكان القبر له كمذود ولد فيه من جديد. أول من بُشـر بميلاد المسيح كانوا الرعاة، وأول من بشروا بولادته الجديدة من بين الأموات هم تلاميذ المسيح الذين هم رعاة أيضاً .

هناك هتف الملاك قائلاً للعذراء: “افرحي”، وهنا هتف المسيح، ملاك المشورة العظمى قائلاً للنسوة: “افرحن”.

بعـد أربعين يوما من ميلاده دخل المسـيـح أورشـليم الأرضية، أي إلى الهيكل، ولأنه البكر قدم لله زوج حمام، وأيضـاً بعد أربعين يوماً من قيامته دخل المسـيح إلى أورشليم السمائية -التي لم يفارقها- إلى قدس الأقداس ولأنه البكر بين الراقدين قدم لله الآب زوج حمام بلا عيب، أي النفس والجسد البشريين .

هناك في السـماء تقبلـه قديم الأيام، الله الآب في حضـنـه الأبـدي، بطريقة لا تُوصـف ولا يعـبر عنها، كمـا في هذا الهيكل علـى الأرض حين تقبلـه على ذراعيه سمعان الشيخ في وقار وخشوع .

وإن لم تؤمـن بهذا فإن الأختام المحفوظة تدينك. الأختام الموضـوعة على القبر السيدى الذي منه خرجت الحياة الجديدة.

وكما ولد المسيح من العذراء وأختام البتولية محفوظة، هكذا أيضـاً قام المسيح ثانية من القبر وأختام القبر لم تفك .

كيف، متى، ومن دفن المسيح الذي هو الحياة؟ لنسمع ماذا تقول الكتب المقدسة: “لما كان المساء جاء رجل غنى من الرامة اسمه يوسف، وكان هو أيضا تلميذاً ليسوع، فهذا تقدم (تجرأ) إلى بيلاطس وطلب جسد يسوع” (مت27: 27؛ مر15: 43).

دخل المائتُ (أي يوسف الرامي) إلى المائت (أي بيلاطس البنطي) ليطلب أن يأخذ الإله معطي الحياة !

جبلة تطلب من جبلة أن تأخذ جابل الكل !

عشب يطلب من عشب أن يأخذ النار السماوية !

وكأن قطرة ماء تطلب من قطرة أخرى أن تعطيها المحيط كله !

من رأى؟ ومن سمع هذا الذي لم يُسمَع به من قبل؟

إنسان (مخلوق) يهب خالق الكل لإنسان (مخلوق) مثله!

إنسان بلا ناموس يعد بأن يهب واضع الأحكام والنواميس !

وقاضى بلا قضاء حكم بأن يوضع قاضي القضاة في القبر !

ويقول الكتاب: “لما كان المساء جاء رجل غنى اسمه يوسف”.

إنه بالفعل غني؛ إذ أنه أخذ شخص الرب بكامله،

بالحقيقة غني؛ لأنه أخذ طبيعتى المسيح (متحدتين في شخصه) من بيلاطس .

غني؛ لأنه استحق أن يأخذ اللؤلؤة الثمينة .

غني؛ لأنه أخذ بين يديه خزينة تحوي بكاملها الذخيرة الإلهية .

كيف لا يكون غنياً وهو الذي حصل على المسيح حياة وخلاص العالم .

كيف لا يكون يوسف غنياً بعد أن تقبَّل- كهدية- ذاك الذي يطعم ويدبر كل الخليقة !

 

لما كان المساء

لقد غاب شمس البر في الجحيم. لذلك جاء رجل غني اسمه يوسف الرامي

-وقد كان مختبئا خوفا من اليهود- وجاء معه نيقوديموس الذي كان قد جاء هو قبل ذلك أيضا إلى يسوع ليلاً .

إنه سر الأسرار الخفية: يأتي تلميذان في الخفاء ليُخفيا يسوع في القبر. وبنفس طريقة الخفاء هذه يعلمان السر الخفي في الجحيم، سر الله الذي توارى في الجسد .الواحد ينافس الآخر في رغبة خدمة المسـيح؛ نيقوديموس يحضـر الطيب والدهن بـل سـرور، ويوسـف الذي يستحق كل مدح -إذ نزع من نفسـه كـل خـوف- تقدم بجرأة وشـجاعة وطلب جسـد يسـوع من بيلاطس، ولكي يصـل إلى هدفه المنشود استخدم كل حكمة وحذق في الكلام. لذلك لم يكن حديثه مع بيلاطس (عن يسوع)، حديثا مليئًا بعبارات الإعجاب بأعمال المسيح المعجزية، لئلا يغضـبه ويفشل هو في تحقيق غايته، ولا قال له: “أعطني جسد يسوع الذي منذ قليل جعل الشمس تظلم والصـخور تتشقق والأرض تتزلزل، والقبور تتفتح، وحجاب الهيكل ينشق. لم يقل شيئا من هذا لبيلاطس؛ لكن ماذا قال له؟..

” لي طلب عندك. طلب صـغير يا سيدي أطلب إليك تحقيقه؛ وهو طلب بسيط جداً.. وهو أن تعطني أن أدفن جسـد ذلك المائت الذي حكمت عليه بالموت، جسـد يسـوع الناصري، يسـوع الفقير الذي لا بيت له، يسوع (المصلوب) معلقاً، وعرياناً، يسوع المُزدَّرَى، يسوع ابن الإنسان، يسوع المربوط (على الصليب)، يسوع المصلوب فى العراء، والغريب المجهول بين الغرباء، والمرزول بالأكثر بين المعلقين (على الخشبة).

أعطني هذا الغريب؛ ففيما يفيدك جسد هذا الغريب؟

أعطني هذا الغريب؛ الذي جاء من كورة بعيدة ليخلص الإنسان المتغرب .

أعطني هذا الغريب؛ الذي نزل إلى الظلام ليرفع الإنسان الغريب .

أعطني هذا الغريب؛ لأنه هو غريب بالفعل .

أعطني هذا الغريب؛ لأننا- نحن الغرباء- لا نعرف بلده .

أعطني هذا الغريب؛ لأننا- نحن الغرباء- لا نعرف أباه .

أعطني هذا الغريب؛ لأننا- نحن الغرباء- لا نعرف مكان وطريقة ولادته .

أعطني هذا الغريب؛ الذي عاش حياة الغريب بين الغرباء .

أعطني هذا الغريب؛ الناصري ، الذي ليس له أين يسند رأسه .

أعطني هذا الغريب؛ الغريب الذي لا بيت له بين الغرباء، المولود في المزود .

أعطني هذا الغريب؛ الذي تغرب حتى عن هذا المذود لكي يهرب من هيرودس .

أعطني هذا الغريب؛ الذي وهو مازال في الأقمطة تغرب في أرض مصـر فـصـار بلا قرية، بلا منزل، بلا مأوى، غريبا في بلد أجنبي .

أعطني، سيدي، ذلك المصلوب على الخشبة عرياناً، لأستر من ستر عري طبيعتي .

أعطني هذا المائت، الذي هو بالحقيقة إله، لأنه هو الذي ستر تعدياتنا .

أعطني يا سيدى هذا المائت، الذي دفن خطيئتي في نهر الأردن .

أتوسل إليك من أجل مائت ظلمة الجميع، تركه الصـديق، سلمه التلميذ، طرده الأخوة، وضربه العبد .

أتوسـل إليـك من أجل مائت متروك من تلاميذه، محـروم حتى من أمه محكوم عليه ممن حررهم من العبودية، (وأيضاً) ممن شفاهم .

أتوسـل إليك يا سيدى من أجل مائت معلق على خشبة: بلا مأوى، لا أحد يقف بجانبه، لا أب على الأرض (حسب الجسد) ولا صـديق، ولا تلميذ، ولا قريب بالجسـد، ولا حتى إنسـان مهتم بالدفن. وهو أيضـا وحده إذ هو الابن الوحيد، الإله الذي لا إله سـواه في هذا العالم .

وبمثـل هـذا الكلام كان يتحدث يوسـف مع بيلاطس الذي أمر بـأن يعطى له جسـد يسوع الكلي القداسة. ثم جاء يوسـف إلى الجلجثة وأنزل الإله المتجسد عن الصـليب، وبسـط الإله المتجسـد على الأرض وهـو عرياناً، الإله المتجسـد (وليس الإنسان المتعالي) .

الـذي جذب الجميع إلى فوق يُرَى الآن ممددا تحت، هنا على الأرض ، الذي هو نفس وحياة الكل يبقى لفترة بدون نفس.

الذى خلق “الشاروبيم” المملوئين أعيناً، ويُرى وقد أغمض العينين،

الذي هو قيامة الكل يرقد على ظهره، على الأرض !

مات الإله بالجسد وهو الذي أقام الأموات. يصمت لفترة هدير كلمة الله (بالجسد) .

الذي يمسك الأرض كلها بقبضته، ترفعه الأيادي (البشرية) .

أتعرف بالحقيقة؛ أتعرف يا يوسف، بعد أن طلبت وأخذت، أتعرف من تسلمت؟ وبعد أن اقتربت من الصـليب وأنزلت يسـوع، هل تعرف بالحقيقة من كنت تمسـكه بيديـك؟ إن كنت قد عرفت فعلاً فإنك تكون قد أصـبحت غنيـاً، وإلا كيف أتممت عملية الدفن الرهيبة هذه، أعني دفن يسوع الإله المتجسد؟

إن رغبتك (لإتمام هذا العمل) لهي أمر جدير بكل مديح، لكن اسـتعداد نفسـك للقيام بهذا الأمر لهو الأجدر بالمديح .

ألم ترتعد عندما حملت على يديك هذا الذي يرتعد منه الشاروبيم؟

وأي خوف اعتراك وأنت تُعري الجسد الإلهي من الثوب الذي كان يستره؟

وكيف كان خشوعك وأنت تُغلق عينيه؟

ألم ترتعد وأنت تحدق في الطبيعة الجسدية للإله الفائق الطبيعة؟

قل لي بالحقيقة يا يوسف، هل دفنت “يسوع” المائت “ووجهه” ناحية الشرق وهو أصل كل شروق؟

هـل أغلقـت عينيه بأصـابعك كما يليق بـكل الأموات وهو الذي فتح بإصبعه المقدس- عيني الأعمى؟

هل أغلقت فم ذاك الذي فتح فم الأصم الأبكم؟

هل قيدت حركة يدي ذاك الذي حرك اليدين اليابستين؟

أم أنك ربطت رجلي يسوع وهو ميت، مع أنه هو الذي حرك القدمين اليابستين؟

ربمـا حملت على السرير ذاك الذي يحمـل الأموات والذي أمـر المخلع قائلاً: “احمل سريرك وامش”!

ربما سكبت طيباً على ذلك الذي هو الطبيب السماوي عندما أخلى ذاته ليقدس العالم كله؟ هل يا تُرى تجرأت ومسـحت جنب يسـوع الدامي، وهو الإله الذي شفى نازفـة الدم الحزينة؟ هل غسلت جسـد الإلـه بالماء، وهو الذي غسـل خطايا الكل ووهب التطهير للجميع؟

أى سراج أشعلت أمام النور الحقيقي الذي ينير كل إنسان؟!

أي لحن جنائزي أنشدت لذاك الذي ترنم له كل القوات الملائكية بلا فتور؟

هـل بكيت على يسـوع كميـت، وهو الذي دمع وبكى وأقام لعـازر بعد أن ظل فى القبر أربعة أيام؟

هل نوحت على ذلك الذي منح الفرح للكل وأبطل حزن حواء؟

طوبـي ليديك يا يوسـف على كل حال ؛ لأنهما لامسـتا اليدين الإلهيتين وقدمي يسوع النازفتين دما .

طوبى ليديك اللتين مستا جنب الإله الدامي قبل أن تمسه يدا توما في فضوله الممدوح .

طوبى لفمك الذي شبع ممن لا يشبع منه واتحد بفم يسوع، فامتلأ منه بالروح القدس .

طوبي لعينيك اللتين قابلتا عيني يسوع، وأخذتا منهما النور الحقيقي.

طوبي لوجهك الذي واجه وجه الرب الإله .

طوبى لكفيك اللذين حملا ذلك الذي حمل الجميع .

طوبى لرأسك الذي اقترب من يسوع رأس الجميع .

طوبي ليديك اللتين أمسكتا ذاك الذي يمسك الكل بيديه .

طوبى لكما يا يوسـف ونيقوديموس لأنكما أصبحتُما شـاروبيما مثل الشاروبيم عندما حملتُما الإله ورفعتماه،

“وطوبي لكما أيضـاً” لأنكما صـرتما مثل السيرافيم ذي السـتة أجنحة عندما أكرمتُما الإله وخدمتماه، وسترتماه؛ لا بالأجنحة بل بالأكفان .

والذي يرتعد منه الشاروبيم يحمله يوسف ونيقوديموس على أكتافهما وينقلانه مع كل الأجناد السماوية !

جاء يوسف ونيقوديموس ومعهما كل جوقة الملائكة،

الشاروبيم يقبلون والسيرافيم يسرعون، “المسيح” تحمله العروش، يستره الملائكة ذوو الستة أجنحة، يرتعد معها “الملائكة” الكثيرو الأعين عندما يرون أن عينى يسوع “الجسديتين” لا ترى .

القـوات الملائكية تلتف حوله والرؤسـاء ترنم له والطغمـات تقف مرتعدة والكل في دهشـة وانخطاف كبير وهم يتسـاءلون: ما هو هذا الأمر الرهيب، الأمر المخيف الأمر المرعب، كيف يحدث هذا؟

ما هو هذا المشهد العظيم المتناقض وغير المدرك؟

فالإله الذي لا نتجاسـر نحن العديمو الأجسـاد أن ننظر إليه في السماء بسبب رعدتنا، يظهر هنا على الأرض كإنسان عريان مائت !

والذي يقف أمامه الشاروبيم بكل خشوع يدفنه يوسف ونيقوديموس بكل حماس .

متى نزل على الأرض هذا الذي لم يغب عن السماء؟

وكيف خرج خارجا وهو الكائن في الداخل؟

كيف خرج خارجا وهو الذي لم يزل داخلاً؟

وكيف جاء إلى الأرض وهو الذي يملأ الكل؟

وكيف تعرى وهو الذي يستر عري الجميع؟

الإله الذي هو مع أبيه دائما في السماء، هو الآن كإنسان حقيقي مع أمه دائماً على الأرض، والذي لم يكن يراه أحد من البشر، كيف صار بشراً، مظهراً محبته للبشر؟

كيف صار غير المرئي مرئياً؟

كيف اتخذ غير الهيولي جسداً؟ كيف تألم غير المتألم؟

كيف يدان وهو الديان؟

كيف ذاق الموت وهو الحياة؟

كيف يحويه القبر وهو غير المحوى؟

كيف يسكن في القبر من لم يزل في حضن الآب؟

كيف يفتح أبواب الفردوس من جاء وأبواب البتولية مغلقة؟

كيـف حـطـم أبواب الجحيـم من لم يفتح أبـواب العلية بل دخـل حيث كان توما هناك فرآه؟

كيف فتح للبشر أبواب الملكوت مع أنه لم يفتح أبواب القبر وأختامه (عندما قام)؟

كيف أحصي في عداد الأموات من هو حرٌ فيما بين الأموات؟

كيف يأتي (صار) النور الذي لا يغيب إلى الظلمة وظلال الموت؟

أيـن يذهـب؟ أيـن ينزل من لا يستطيع الموت أن يدركه؟ ما هو السبب؟ ما هو السبيل؟ ما هو هدف نزوله إلى جحيم؟

ربما ينزل ليرفع آدم المحكوم عليه وشريكنا في العبودية؟

إن هدفه بالفعل أن يبحث عن أول من خلق، عن آدم، فهو خروف ضال، كما أنه يريد أن يفتقد كل الجالسين في الظلمة وظلال الموت .

إن هدفه بالفعل هو تحرير آدم وحواء المأسورين معاً (بالموت)، فهو الإله الحقيقي وفي نفس الوقت من قد جاء من نسل (المرأة) حواء .

إذن لننزل ونتهلل ونسرع معه، لنرى البشر وقد تصالحوا مع الله، والمحكوم عليهم وقد حررهم السيد (الرب) بسبب صلاحه. لأن الذي هو محب البشر بطبيعته، فك قيود المقيدين منذ القديم في شجاعة وقوة عظيمة. هؤلاء القابعين في القبور الذين ابتلعهم الموت، ذلك الطاغية المر الذي لا يهدأ، بعد أن أخضـعهم لسـلطانه ونشـلهم كاللص من أحضان الله، لقد صار الجميع أحراراً .

هناك نجد آدم المقيد الذي جبل أولاً، وكان أول من مات، وموضعه أعمق من كل سائر المحكوم عليهم .

هناك هابيل أول راعى وأول ذبيحة بريئة مثال الذبح الظالم للمسيح الراعي .

هنـاك نوح مثال المسيح وفلكه العظيم الذي أنشـأ كنيسـة الله التي بواسـطة حمامة الروح القدس خلصـت الأمم البربرية من طوفان عدم الإيمان وطردت منها الغراب الأسود الشيطان المظلم.

وهناك إبراهيم جد المسيح، ذابح “ابنه” والذي قدم لله بكل سرور الذبيحة التي بالسيف وبدون سيف، بموت وبدون موت في نفس الوقت، هناك اسحق مقيداً، وهو الذي قُيِّدَ المسيح على مثاله عندما قَيِّدَه إبراهيم سابقاً .

هناك يوجد يعقوب حزيناً في الجحيم أسفل، كما كان حزيناً على الأرض عندما فقد يوسف،

هناك يوسف مقيداً كما كان مقيداً فى سجن مصر مثال المسيح الذي قُيِّدَ وهـو السيد .

هناك موسى في الظلمات السفلية، كما كان مرة على الأرض داخل السلة المظلمة (وهو صغير) .

هناك النبي دانيال في الجحيم السفلي، كما كان في جب الأسود وهو على الأرض .

هناك إرميا النبي في جب الجحيم وفساد الموت كما كان في جب الهلاك حيث رماه أبناء جنسه .

هناك أيضا يونان في فم الجحيم الذي يبتلع العالم .

وهناك داود جد الإله الذي جاء من نسله؛ المسيح بالجسد .

ولماذا أذكر داود ویونان وسليمان فقط ؟

هناك أيضا ذلك الفائق يوحنا، الأعظم من كل الأنبياء جالسا في ظلمة الجحيم كما لو كان في رحم أمه المظلم (قبل ولادته) يكرز بالمسـيح لكل الذين في الجحيم، وهو السـابق والكارز للأحياء والأموات معاً. وعندما قُطع رأسـه، أرسـل من سجن هيرودس إلى سجن الجحيم، إلى الأبرار والمظلومين الراقدين منذ الدهور .

أمـا الأنبيـاء والأبرار فقد كانـوا يبتهلون إلى الله بطلبات حـارة وبدون انقطاع طالبين الخلاص من الليل القاتم المظلم الذي لا نهاية له والذي يسيطر عليه العدو.

فكان الواحد منهم يقول لله: “من جوف الجحيم صرخت فسمعت صـوتي” (يو2: 3).  بينما الآخر يصرخ قائلاً: “من الأعماق صـرختُ إليك يا رب، يا رب استمع إلى صـلاتي” (مز129: 1، 2). وآخـر يبتهل: “أظهـر وجهك علينا فنخلص”. وآخر يتوسـل: “أنت الجالس فوقاً على عرش الشـاروبيم إطلِّـع علينا”. وواحد آخر يتضـرع: “يا رب شـددني بسـلاح قوتك الذي لا يقهر وتعالى إليَّ وخلصـني”. وآخر: “يا رب إرث لحالنا ولتُدركنا رأفتك”. وآخر يصرخ: “خلص نفسي من أعماق الجحيم”. وآخر: “يا رب أخرج نفسـي من الجحيم”. وأيضـاً: “يا رب لا تترك نفسي في الجحيم”. وكذلك “لترتفع حياتي من الهلاك إليك يا رب أيها الرب إلهنا” (يو 2: 7)

لقد سمع المسيح الرب الجزيل التحنن تضرعات كل هؤلاء. وهو لم يقدم محبته للبشـر للذيـن كانوا يعيشـون علـى الأرض فقط، لكـن رأفته شـملت حتى كل المقيدين في الجحيم السفلي. هؤلاء الذين كانوا ينتظرون وهم جالسـون في الظلمة وظلال الموت. وهكذا افتقد الله الكلمة بتجسـده كل البشـر الأحياء بالجسـد على الأرض. أما النفوس التي ذهبت إلى الجحيم تاركة أجسادها، فقد افتقدها بنفسه الإلهية بدون جسد ولكن ليس بدون ألوهيته .

ولنسرع إذا ونتوجه بالفكر نحو الجحیم کي نرى هناك كيف يتغلب بقوة، وبقدرة عظيمة على الطاغية المتسلط على النفوس المقيدة. كيف يأسر – بدون آيادٍ – بل بلمعانه وكانه يستخدم جيشاً عظيماً بأسلحة لامعة – كل قوات الشياطين غير المائتة.

لنرى كيف يرفع المسيح من الوسط، عن طريق خشبة الصليب، أبوابا مصمته ويسحق الأقفال الدهرية وبيديه الإلهيتين المربوطتين يذيب كالشمع السلاسل العسرة الحـل، وبالحـربـة التي طعنت جنبه الإلهي، يطعن ذلك الطاغية الذي بلا جسـد في قلبه، يسحق القوات الضاربة بالأقواس في الوقت الذي يبسط يديه الإلهيتين بمثابة قوس على الصليب. لأنه إن تتبعت بهدوء، ما فعله المسيح سترى الآن :

أين ربط الطاغية وأين علق رأسه .

كيف فتش سجن الجحيم وحرر المقيدين .

كيف داس الحية، وأين علق رأسها .

كيف حرر آدماً وكيف أقام حواءا .ً

كيف نقض الحائط المتوسط .

كيف حكم على التنين الخبيث .

وكيف حول الهزائم إلى انتصارات .

وأين أمات الموت .

كيف أفسد الفساد .

وكيف أعاد الإنسان إلى مرتبته الأولى .

فذاك الذي ـ بسـبب التدبير الإلهي. ظهر بالأمس وكأنه متروك بلا مسـاعدة ربـوات الملائكـة عندما قال لبطرس “أتظن أني لا أستطيع الآن أن أطلب إلى أبي فيقـدم لي أكثر من اثني عشـر جيشـاً من الملائكة”، نراه ينـزل الآن عند موته إلى الجحيم، وإلى الموت وضـد الشيطان الطاغية كما يليق بالله وبالرب، على رأس جيوش عديمة الأجسـاد (والموت)، وطغمات غير منظورة، ومعه لا اثنى عشر جيشاً فقط، بل ربوات ربوات، آلاف آلاف من الملائكة، من رؤسـاء الملائكة، من سـلطات من العروش ذوو سـتة الأجنحـة، من المملوءين أعيناً من الطغمات السماوية. هذه كلها تتقدم أمام المسيح في موكبه كملك وسيد لها وتكرمه، وليس كحليف يحتاج إلى مؤازرتها، لا أبداً.. إذ كيف يحتاج المسيح إلى حليف ليحارب معه وهو الكلي القدرة؟ إنهـا تتقدمـه في موكب لأنها تحتـاج إلى أن تكون دائماً بجانبه وتتشـوق للوجود في حضرته. هذه القوات الملائكية تركض كجنود مسلحة بسيوف كأنها صواعق بارقة. كعسـاكر مسلحة من قبل ملكها بصـواعق إلهية كلية القدرة، فتبـادر بتلبية مجرد الإشـارة الإلهية بحماس شـديد يتفوق فيه أحدها على الآخـر لتنفيذ الأمر الإلهي وهو في هذا يكلل دائما بإكليل النصرة على صفوف الأعداء الطغاة .

لذلك فهي تنزل إلى ما تحت التراب في عمق أعماق الأرض في قلب الجحيم إلى سجون الأموات منذ الدهور لتخرج في شجاعة كل المقيدين بالسلاسل منذ الدهور .

ما أن تراءى الرب بحضوره الإلهي المنير أمام أبواب الجحيم المغلقة، أمام السجون المظلمة في مغاير الجحيم، حتى تقدمه جبرائيل رئيس الجنود، إذ أنه اعتاد أن يحمل للبشر بشارة الفرح. وهتف بصوت قوى يليق به كرئيس ملائكة وقائد جند، بصوت عظيم كصـوت الأسـد نحو القوات المعادية قائلاً: “ارفعوا أيها الرؤساء أبوابكم”. وصـرخ معه ميخائيل: “لتسـقط الأبـواب الدهـرية” ثم تتابعـت القـوات الملائكية تقدمها هاتفة: “تراجعوا أيها الحراس الأثمة”. وأخذت السلطات تأمر في حزم: “حطموا السلاسـل عسرة الحل” وآخرون هتفوا: “لكـم الخزى أيها الأعداء ارتعبوا أيها الطغاة المخالفون”.

حينئذ صـار الوضـع الذي يحدث في جيش ملوكي رهيـب لا يقهر كلي القدرة، حيث يسـود القائد غير المقهـور على أعدائه فيتملكهم الرعب والفزع والخوف الشـديد، فما أن حضـر المسـيح إلى أسـافل الجحيم بهذه الطريقـة العجيبة ببرق قوي من فوق، يُعمى وجوه قوات الجحيم المعادية، في الوقت الذي كانت تُسـمع فيه هتافات الجيوش “الملائكية” قائلة: “ارفعوا الأبواب” أي لا مجرد أن تفتحوها فقط بل اقتلعوها من أساساتها، انقلوها كلية من أماكنها حتى لا توجد فيما بعد.

كانت جيوش الملائكة تهتف: “ارفعوا أيها الرؤسـاء أبوابكم”، لا كأن الرب لا يقدر أن يفتحها أو أن يدخل إليها وهي مغلقة، بل كان صـراخهم هكذا لأن هـذا الأمـر هو لهم كعبيد فارين أمامـه كي يرفعوا الأبـواب الدهرية وينقلوها من هنا، وهو لا يأمر شـعبكم بل يأمركم أنتم الرؤسـاء قائلاً: “ارفعوا أيها الرؤساء أبوابكم”، وهذا معناه أنكم من الآن فصاعداً لن تكونوا رؤساءاً متسلطين على أحد، مع أنكم حتى الآن كنتم تسودون باطلاً على الراقدين.

لن تسودوا بعد الآن عليهم ولا على غيرهم ولا حتى على أنفسكم، وذلك كله لأن المسيح أتى وهو باب السماء .

افتحـوا الطريـق أمامه فقد داس بقدمه قيود الجحيم. اسـمه “رب” والرب له «القدرة» أن يخترق أبواب الموت، أما هو فقد صـار مصـدر الحياة، لهذا ارفعوا الأبـواب بسـرعة، ارفعوهـا ولا تتأخروا، ارفعـوا ولا تؤجلوا.

وإن ظننتم إنه سـوف ينتظر حتى ترفعوها فقد خاب ظنكم لأنه سوف يأمر بأن ترتفع الأبواب من نفسها بدون أياد آمراً إياها “إرتفعي أيتها الأبواب الدهرية”.

وبمجرد أن علا هتاف القوات الملائكية حتى انفتحت الأبواب، وتحطمت الأقفال، وتفككت السلاسـل وسقطت المفاتيح وتزعزعت أساسات السجن، وأسرعت القواتُ المعادية إلى الهرب الواحد أثر الآخر حاثين بعضهم بعضاً على الفرار بسرعة.

فلقد ارتعدت، وتزعزعت وتفككت واضـطربت، وخافت وتحيرت وارتجفت فبقى الواحد منها فاغرًا فاه، والثاني سـتر وجهه بين ركبتيه، والثالث سـقط على الأرض جامداً مـن الخـوف، وآخر وقف بلا حـراك كأنه ميـت.

الواحد يجمد في مكانـه، والآخر يركض طالبا النجاة بعيداً .

وهنـاك إذن في تلك السـاعة قطع المسيح رؤوس الطغاة وهـم مذهولون مما يحدث، وهناك ألجمتهم المفاجأة، وأخذوا يتساءلون: من هو هذا ملك المجد؟

من هو هذا الذي جاء إلى هنـا وفعل هذه الأفعال الغريبـة؟ من هو هذا ملك المجد الذي يفعل الآن في الجحيم ما لم يُفعَل فيه قبلاً على الإطلاق؟.

من هو هذا ملك المجد الذي يخرج من هنا المقيدين منذ الدهر؟

مـن هـو هذا الذي قهر كل سـلطتنا وجسـارتـنـا غـيـر المقهـورتـيـن حتـى الآن، وقضـى عليهما؟

وكانت قوات الرب تجيبها بصـوت عالى قائلـة: “أتريدون أيتها القوات الظالمة والطاغيـة معـرفـة من هـو هـذا ملك المجد؟.. إنه الرب العزيـز القوى الرب القوي في القتـال” الكلـى القدرة وغير المنهـزم.

وهو الذي طردكم من الأخبية السماوية ورماكم خارجاً أنتم الطغاة الأثمة والأشقياء. هو الذي سحق رؤوس تنانينكم في مياه الأردن.

هو الذي جعلكم شـهوداً للجميع على قوة صـليبه وشهَّر بكم، ونزع عنكم كل قوة، هو الذي قيدكم ورماكم في الظلمة والهوة، هو الذي سيقضـى عليكم نهائيا في النار الأبدية وجهنم.

فلا تتباطئوا ولا تنتظروا بل اسـرعوا واخرجوا المكبلين الذين ابتلعتوهم إلى الآن بغير وجه حق، فمن الآن فصاعداً سوف تنحل قدرتكم، ستزول سلطتكم الطاغية. سيتحطم كبرياؤكم بصورة تثير الشفقة. ستُمحى قوتكم وستزول.

كانت قوات الرب المسيطرة تصـرخ في وجه القوات المعادية بهذه الأقوال، وهي تعمل في نفس الوقت بغير توقف، فمنها من كان يهدم أساسـات السـجن، وآخرون كانـوا يـطـردون الأعداء الهاربين إلى الأماكن العميقة، وآخرون يركضـون مفتشـين أركان المغاير والمعاقل. ومن كل الجهات كانوا يأتون بالمقيدين ليوقفونهم أمام الرب.

منهم من كان يقيد الشيطان الطاغية وغيرهم من كان يحرر المقيدين منذ الدهر.

منهم من كان يتقدم الرب السـائر إلى أعمـاق الجحيم وآخرون كانوا يتبعونه إذ هو الملـك والإله المنتصـر. وفي الوقت الذي كانت هـذه الأحداث تجرى في الجحيم وكل شئ فيه يهتز.

كان الرب يقترب من عمق الأعماق البعيدة حيث كان آدم بكر الخليقة وأول المجبولين وبكر المائتين والذي كان في موضـع أعمق من الجميع ومقيداً بقيود مشددة.

حيث سـمع وقع أقدام الرب وهو يتقدم فيما بين المسجونين، وقد عرف صـوته في الحال وهو يمشـى في السجن. فالتفت حينئذ إلى المسجونين معه منذ الدهر وهتف مثلهم قائلاً: “إني أسمع وقع أقدام شخص يقترب منا.

إن استحققنا فعلاً أن يأتي إلى ههنا سوف نطلق أحراراً. إن شاهدناه هنا بيننا أُنقذنا من الجحيم”.

وفي الوقـت الـذي كان فيه آدم يتكلم إلى المحكـوم عليهم معه بهذا الكلام، دخل الرب وهو ماسـك بسـلاح الظفر وهو الصليب، وما أن رأه آدم قرع صدره من الفرح وهـتـف لجميـع الراقدين: “ليكن ربي معكم جميعاً” فأجابه المسيح: “ومع روحك أيضاً” ومن ثم أمسكه بيده ورفعه إلى فوق قائلاً: “استيقظ أيها النائم وقم من بين الأموات فيضـئ لك المسـيح” (أف5: 14) أنا هو إلهك الذي صرت ابناً لك من أجلك ومـن أجل أبناء جنسـك.

من الآن أخرج مـن القبور كل المأسـورين. أقول للمقيدين اخرجوا وللذين في الظلام استضيئوا وللذين على الأرض انهضوا .

انهض يا آدم من نومك الدهري لأني لم أجبلك لكي تبقى هكذا مكبلا في الجحيم. قم من بين الأموات فأنا هو حياة الراقدين.

قم يا من أخذ شكلي، يا من خلقته على صورتي، انهض لترحل من هاهنا، لأنك أنت في وأنا فيك ومتحدين في شخص غير منقسم .

لأنه لأجلك صار إلهك ابناً لك. لأجلك اتخذ الرب شكل العبد .

لأجلك نزل من هو أرفع من السموات إلى الأرض وإلى ما تحت الأرض .

لأجلك “حسـبتُ مثل المنحدرين إلى الجب. صـرت كرجل بلا قوة. بين الأموات فراشـي “(مز88: 5).

من أجلك يا من خرجت من بسـتان الفردوس، في بستان سلمت إلى اليهود وفي بستان صلبت (يو19: 41)

أنظـر البصـاق في وجهي، لقد قبلته من أجلك، لكـى أعيدك إلى مجدك الأول الذي وهبته لك بنسمة من عندي .

انظـر اللطمـات على خدي لقد قبلتها من أجل أن أُصـلـح شـكلك الذي تشـوه وأعيده إلى الشكل الذي على صورتي .

انظر أثر الجلد على ظهري، لقد قبلته كي أبدد حمل خطاياك الذي تحمله على ظهرك .

انظـر يـدي فهما ممدودتان على الصـليب من أجل فعل حسـن ألا وهو غفران خطاياك أنت يا من بسطت يدك لتمتد إلى عود المعصية .

أنظر إلى قدمي، أنهما قد ثُقبتا وسُمرتا على الصليب کي تطهرا قدميك اللتين قامتا بفعل رديء وأسرعتا الخطى نحو عود المعصية .

لقـد عصـيت في اليوم السـادس، ولهذا فإني أجبلك من جديـد وأفتح لك باب الفردوس في اليوم السادس أيضاً .

لقد ذقت المُرّ من أجل أن اشفيك من اللذة المُرَّة التى ذقتهـا عندما أكلت من الثمرة الحلوة.

ذقت الخل كي أقضـى على الموت، ذلك الكأس المُرّ الذي شربته طبيعتك. لقد قبلت الإسفنجة (التي قدموها لي) كي أمحو عنك خطاياك (كما بالإسفنجة) .

يا من بسطتك راقدا في الفردوس وأخرجتُ حواء من جنبك. والحربة التي وجهت إلى جنبي رفعت السيف الموجه عليك (تك3: 24).

انهض إذن لنرحل من هنا .

قبـلاً نفيتك من الفردوس الأرضـي، والآن أعيـدك لا إلى فردوس كهذا بل إلى عرشٍ في السماء .

آنذاك منعت عنك عود الحياة، ولكنى الآن، أتحد بك تماماً أنا الحياة ذاتها .

قبلاً أمرت الشاروبيم أن تحرسك كعبد، والآن اجعل الشاروبيم تسجد لك كابن الله .

لقد أخفيت نفسـك من أمام الله لأنك كنت عرياناً، والآن أنت تُخفي في داخلك الله نفسه عرياناً .

حينـذاك كنـت تلبس الأقمصـة الجلدية، والآن يلبس الله نفسـه جسـدك المخضب بالدماء .

لذلك انهض لنرحل من هنا،

من الموت إلى الحياة،

من الفساد إلى عدم الفساد،

من الظلمة إلى النور الأبدي .

انهض لنرحل من هنا من الألم إلى الفرح،

من العبودية إلى الحرية،

من سجن الجحيم إلى أورشليم السماوية،

من القيود إلى الراحة،

من العبودية إلى نعيم الفردوس، من الأرض إلى السماء .

فلأجل هذا مات المسيح وقام کي یصیر رب الأحياء والأموات  (رو14: 9).

انهض لنرحل من هنا.

إن أبي السماوي ينتظر بشوق الخروف الضال .

الملائكة التسـعة والتسعون ينتظرون شـريكهم آدم متى يقوم، متى ينهض ويعود إلى الله .

العرش الشاروبيمي جاهز. الذين سوف يرفعونك يتسـارعون وهم على أتم استعداد .

خدر العرش مهيأ ومائدة العيد مفروشة (رؤ19: 9؛ لو14: 16) .

قد فتحت خزائن الخيرات الأبدية، وحضـر ملكوت السموات الذي منذ إنشاء العالم (مت25: 34). خيرات لم ترها عين ولا سمعت بها أذن تنتظر الإنسان (1كو2: 9) .

هذا وما شابهه قاله الرب،

وللحال نهض آدم المتحد به وحواء معهما، “وقام أيضاً معهم عدد كبير من أجساد الصديقين الذين رقدوا منذ الدهر” (مت27: 52) كارزين بقيامة المسيح في اليوم الثالث .

فلنقبل ونعانق، نحن المؤمنين بقيامته، بعضنا بعض بكل فرح معيدين وراقصين مع الملائكة ورؤسـاء الملائكة ممجدين السيد المسيح الذي أقامناً من الفساد والذي أعطانا الحياة .

لأنه يليق به المجد والقوة مع الآب الذي لا يموتُ والروح القدس المسـاوي له في الجوهر، الصالح ومعطي الحياة إلى دهر الداهرين آمين.

 

عظات لآباء وخدام معاصرين ليلة ســـبت الفــــــــرح

ليلة سبت الفرحللعلَّامة يسى عبد المسيح[8]

ليلة ســـبت الفـــرح

نحنا الآن في نهاية يوم الجمعة العظيمة. لقد تبعنا السيد خطوة خطوة منذ أن بدأ أسبوع الآلام بعد قداس أحد الشعانين ـ قدمنا له عواطفنا، مقدرين عمله، معطين إياه القوة والمجد والبركة والعزة في كل ساعة من ساعات اليوم.

وها نحن نتابع سهرنا معه، بجوار قبره الممجد حتى نعاين فرح قيامته.

ويسمى هذا السبت، بالسبت الكبير، كما يوصف كل يوم من أيام هذا الأسبوع بهذا الوصف أيضاً. فيقال الأثنين الكبير والخميس الكبير أيضا. وهو يسمى أيضا بسبت الفرح لأنه بموت المسيح ودفنه خلصنا من الخطية الجدية وصار الفرح لجميع الذين ماتوا قبل المسيح على الرجاء.

ولقد تقرر أن يكون السبت الكبير آخر أسبوع الآلام منذ مجمع نيقية المسكوني. والواقع أن تقرير قاعدة الصوم الكبير، وجعله متصلا بجمعة الآلام ـ وهو ما تتبعه الكنيسة القبطية والكنائس الشرقية، قد قام بترتيبه الأنبا ديمتريوس البطريرك الثاني عشر (۱۸۸ – ۲۳۰) ووافق عليه مجمع نيقية (ويسمى هذا الترتيب بالحساب الأبقطي). فكانت جمعة الآلام منذ العصر الرسولي قبل هذا البطريرك منفصلة عن الصوم الكبير، لأن الرسل ومن أتى بعدهم من المؤمنين كانوا يصومون الأربعين المقدسة ثاني يوم الغطاس مباشرة على مثال السيد له المجد، وهو اليوم الثاني عشر من طوبه. ويعيدون الفصح في اليوم الثاني عشر من أمشير. وبعد ذلك بمدة يعملون جمعة الآلام (خلال أسبوع الفصح عند اليهود) ويختمونها «بالسبت الكبير» وعيد القيامة على حدة، واستمروا على هذه الحال إلى زمن البطريرك الأنبا ديمتريوس الذي وضع الترتيب المشار إليه.

وجــوب الصــوم فيـــه

وسبت الفرح هو السبت الوحيد في الكنائس الشرقية، الذي لا بد من الصوم فيه. وعلى هذا نصت القوانين الكنسية.

فقد جاء في الدسقولية، وعنها نقل أبو البركات، والمجموع الصفوي:

[وأما يوما الجمعة والسبت فصوموهما معاً لمن يقدر أن لا يذوق شيئاً إلى وقت صياح الديك بالليل. وإذا لم يقدر الإنسان أن يصوم اليومين معاً فليحفظ يوم السبت. يقول الرب في موضع آخر عن نفسه: إذا أخذ الختن منهم فحينئذ يصومون في تلك الأيام. ففي هذه الأيام المذكورة أخذه اليهود منا].

وقد جاء في المجموع الصفوي: [وليس أنه يجب أن يصام يوم السبت دائماً ـ لأن الرب استراح فيه من جميع أعماله بل يجب أن يصام في ذلك السبت وحده لأن صانع البرية كان فيه مقبوراً.

يـــــــــوم جليــــــــــل

ويعتبر هذا اليوم بين الكنائس التقليدية من أجل الأيام. جاء في كتاب صلوات الكنيسة اليونانية:

[إن أجل جميع الأيام هي الصيامات المقدسة، وأجل الصيامات هو هذا الصوم العظيم المقدس. وأجل هذا الصيام هي السُبة العظيمة. وأجل السُبة العظيمة هو هذا السبت العظيم.  فيقال لها السُبة العظيمة، ليس لأن أيامها أو ساعاتها هي أعظم من باقي الأيام والساعات، لكن لأجل أن فيها اجترحت أعمال مخلصنا وآياته العجيبة الباهرة. وعلى الأخص في هذا اليوم بحيث كما أن في أول ابداع العالم أتقن الله كل عمل وجعل الإنسان في اليوم السادس الذي هو الأمر الأهم والأخير، ثم استراح في اليوم السابع من جميع أعماله وقدسه وسماه سبتاً أعني راحة ـ هكذا وفي عمل العالم العقلي قد أتقن أولاً كل شيء حسناً، وأعاد في اليوم السادس ابداع الإنسان الذي فسد وجوده بالصليب الحامل الحياة والموت، ثم ارتاح في هذا اليوم السابع راحة كاملة عن كل الأعمال، ورقد الرقاد المحيي الخلاصي، فنزل كلمة الله مع الجسد إلى القبر، وانحدر أيضا نفسه الطاهرة الإلهية إلى الجحيم بعد أن انفصلت عن الجسد بالموت، التي قد استودعها في يدي الآب الذي قدم له دمه فداءاً عنا].

 

ترتـيب ليلـة ســبت الفـــرح

المزمور ١٥١: بعد إتمام قراءة المزامير المائة والخمسين يقف الكاهن والشعب أمام الهيكل ويرتل “الليلويا- المجد لإلهنا” بلحنها المعروف. وهي مقدمة المزمور ١٥١ الذي يرتل بعد هذا اللحن. وعنوان هذا المزمور باليونانية: [هذا المزمور كتبه داود نفسه عندما كان محارب جليات، وهو خارج عن عدد ١٥٠ مزموراً] وهذا المزمور خاص بالطقس القبطي دون الكنائس الأخرى. وهذا نصه:

“أنا صغيراً كنت في إخوتي، وحدثاً في بيت أبي راعياً غنم أبي ـ يداي صنعتا الأرغن، وأصابعي ألفت المزمار ـ الليلويا. من هو الذي يخبر سيدي ـ هو الرب الذي يستجيب للذين يصرخون إليه، هو أرسل ملاكه وأخذني من غنم أبي ومسحني بدهن مسحته. إخوتى حسان وهم أكبر مني، والرب لم يسر بهم. خرجت للقاء الفلسطيني فلعنني بأوثانه. لكن أنا سللت سيفه الذي كان بيده وقطعت رأسه و نزعت العار عن بني إسرائيل. الليلويا”

 

تسابيح العهديــن القديـــم والجديــــد

وفي أثناء قراءة المزمور، يلف الكاهن كتاب المزمور بستر حرير أبيض ويحمله على رأسه. وبعد الانتهاء يدور الكهنة وهم مرتدون البرانس، والشمامسة، والشعب حتى يصلوا إلى مكان التسابيح والشموع بأيديهم موقدة كضياء النور الإلهي، ويرتلون لبش  الهوس الثاني [فلنشكر المسيح إلهنا مع المرتل داود] بلحن الفرح.

السبت الكبير. والسبب في جلوسهم أثناء تلاوة هذه التسابيح أنها طويلة، ولأن الشعب في آخر هذا الأسبوع يكون قد وصل إلى درجة كبيرة من الإعياء من مقاومة أعمال العبادة والنسك ـ ولذلك رؤى من الحكمة السماح لهم بتلاوة التسابيح وهم جلوس. (ويسمى هذا الطقس، تجليس القسس).

والتسابيح التي تتلى هي كل الصلوات والتسابيح الموجودة في العهدين القديم والجديد، بما في ذلك سفر المزامير الذي سبق تلاوته قبلاً. ومن بين هذه التسابيح قصة تمثال الذهب الذي نصبه نبوخذ نصر الملك ولم يسجد له الثلاثة فتية ـ وأمر بإلقائهم في أتون النار ثم تسبيحتهم وهم في الأتون. والقصة والتسبحة مأخوذتان من سفر دانيال (دا ٣: ١- ١٠٠)، وتتلى القصة. وترتل التسبحة في كل الكنائس التقليدية.

وكيفية ترتيل هذه التسبحة هي أن يقولها أحد الشمامسة، ويرد الشعب عليه بالمرد (القرار) في آخر كل ربع (مثاني).

أول التسبحة: مبارك أنت أيها الرب إله آبائنا ـ فيرد الشعب: ومتزايد بركة ومتزايد علواً إلى الأبد.

ثم باركي الرب يا جميع أعمال الرب. فيرد الشعب: سبحيه مجديه، زيديه علواً إلى الأبد. وكل ثلاثة أرباع يرد باليونانية: باركي الرب ياجميع أعمال الرب، سبحيه، ومجديه، وزيديه علواً إلى الأبد. وبعد الإنتهاء من قراءتها بالقبطية تترجم إلى العربية كمثال القبطية. فيقول الشماس الربع، ويرد عليه الشعب سبحوه، مجدوه، زيدوه علواً، إلى الأبد رحمته..

وتنتهى تسابيح ليلة السبت بقصة سوسنة، والدرس منها أن الديانة الطاهرة عند الله هي حفظ الإنسان نفسه من دنس العالم، وأن التعدي مصيره الهلاك.

 

صــــــلاة بــــــــاکر

وبعد التسبحة يقوم الشعب ويعود إلى الخورس الأول أمام الهيكل، والكل يرتلون بلحن سنوي: “نتبعك بكل قلوبنا”.

ثم يصلون صلاة باكر ولها ترتيب خاص بديع، فتتلى في هذا اليوم أواشي المرضى والأموات والقرابين وبعد أوشيتي المرضى والأموات تقال الأبصالية الخاصة لهذا اليوم مع ثاؤطوكية السبت.

وهذه هي الأبصالية: [الرب أكثر الصنيع معنا فصرنا فرحين. فلنقل بغير سكوت. قدوس الذي لا يموت ارحمنا. صرت مثلنا إنساناً ياوحيد الإله، بغير إستحالة ولا تغيير، قدوس الذي لا يموت ارحمنا…] واعتقد أن هذه الأبصالية رتبت بعد عصر أبي البركات ابن كبر، الذي عاش في القرن الرابع عشر الميلادي. لأنه ذكر في الكلام عن ترتيب سبت الفرح الأبصالية المعتادة وهي: أعطى فرحاً لنفوسنا تذكار اسمك القدوس، يا ربي يسوع المسيح مخلصنا الصالح . كل أحد يباركك، السمائيون والأرضيون – يا ربي يسوع المسيح مخلصي الصالح….

وبعد أوشية القرابين وتسبحة الملائكة، تقال الذكصولوجيات، ومن بينها ذكصولوجية قديمة جداً وجدت بالصعيدية، وتاريخها القرن التاسع للميلاد، ووجدت أيضاً بالبحيرية. وهذا هو النص العربي، مترجماً عن البحيرية التي لا تزال مستعملة في الكنيسة إلى الآن: [الذي عال إسرائيل أربعين سنة في البرية، وأعطاهم المن – أعطوه خلاً مراً. وبدل الخيرات، جعلوا إكليل شوك على رأسه. كُفِنَ ووضع في القبر الذي خارج المدينة، وقالوا بجهلهم إن هذا لا يستطيع أن يقوم. باكر أحد السبوت، المسيح قام من الأموات، ورد أعداءه إلى خلف، وأعطاهم عاراً أبدياً. من أجل هذا نمدح مع المرتل قائلين: قد قام الله مثل النائم. هلليلويا، هلليلويا، هلليلويا، هلليلويا – يسوع المسيح ملك المجد قام من الأموات].

وبعد ηζηδη δτ يدورون الدورة ويعودون ثانية إلى الخورس. وهذه الدورة تدل على أن المائت الحي بُشر باسمه في العالم كله ومُنح العالم الخلاص بموته. وتقرأ النبوة من إشعيا، وعظة لأنبا أثناسيوس الرسولي. وكان لها لحن بالقبطية غير معروف الآن. ثم البولس (١کو٥: ۷۔ الخ) نصفه بلحن الحزن، والآخر بلحن الفرح، فالحزن لأجل الذي تألم ومات عنا ودفن. والفرح لأجل أنه بآلامه خلصنا من يد العدو وأعادنا إلى الفردوس. وبعد ذلك الثلاثة تقديسات بلحن الحزن، والمزمور والانجيل (مت۲۷: ٦٢- ٦٦) بلحن الحزن أيضاً وبلحن الفرح.

ويقال الطرح ومقدمته بلحن الفرح. وهو: [صلبوا مخلصنا على خشبة الصليب وصلبوا معه لصين…]، وهذا الطرح هو المتداول الآن في الكنيسة، وذكره أبو البركات، ونشره الدكتور برمستر عن نسخة بالمتحف البريطاني مؤرخة ٩٩٠ ش (۱۲۷۳م) وعلى ما يظن، فهي أقدم نسخة في العالم. وهي التي وضعها الأنبا غبريال بن تريك البطريرك السبعون (۱۱۳۱- ١١٤٦م) قبل أن يزيد عليها الأنبا بطرس أسقف البهنسا الزيادة الباقية إلى الآن.

ولكن عثر أخيراً على طرح يوافق الانجيل، وجد بنسخة قبطية في كنيسة أبو سرجة بمصر القديمة مؤرخة في القرن السادس عشر، وفي نسخة بروما، وفي نسخة عربية في كنيسة قزمان ودميان بمنيل شيحة. وبما أنها توافق الأنجيل فإننا نورد ترجمة النص القبطي نقلاً عن مخطوطة قزمان ودميان.

 

طـرح باكـر يـوم سـبت الفــرح

[بطل عيد الفطير وإهراق الدم هدأ، لأن رئيس الكهنة في الناموس الأول كان يصنع الفصح مرة في كل سنة بدم الحملان والجداء ـ يقرب عن نفسه وعن الشعب. فأما يسوع مخلصنا فقرب نفسه مرة واحدة بدمه إلى كمال الدهور، فصير ذاته خطية من أجل آثامنا. والخطايا التي لنا هو رفعها.

وإن الكفرة اليهود الأنجاس عملوا مؤامرة باكر يوم السبت، وبكر الأشرار إلى بيلاطس وتكلموا معه قائلين: إن هذا الضال قال للجمع إذ كان حياً قبل أن يكون هذا، إنه سيقوم، فأعطنا حراساً لكي يحفظوا القبر لئلا يأتي تلاميذه ويسرقوه، ويقولوا في الشعب إنه قام من الأموات، وتكون الضلالة الأخيرة أشر من الأولى عندما يذاع هذا الخبر. فقال بيلاطس لغير المؤمنين: عندكم الحراس، امضوا واغلقوا القبر كما ينبغي لكم، وضعوا الحراس. وهكذا مضوا وأغلقوا القبر وختموه. والمخالفون سلموا القبر لحراس.

فليفتضح اليوم أيضاً ويخزى معاندوك أيها المسيح إلهنا، لأنهم صنعوا مشورة رديئة على مخلص أنفسهم. ففاض عليهم بالأكثر الخزي، والعار غطى وجوههم.

فليقم الله وتتفرق سائر أعدائه، وسائر مبغضيه. فلنسبحه ونرفع اسمه، لأنه صنع معنا رحمة كعظيم رحمته. المسيح مخلصنا، جاء و تألم، لكى بآلامه المحيية يخلصنا].

 

صلاة الساعة الثالثة والساعة السادسة

وبعد باكر تصلى الساعة الثالثة، ثم المزامير من الأجبية بدون أناجيل وطلبات والنبوات ثم يطرح المزمور والانجيل بلحن الحزن. وهذا هو المعمول به في الصعيد، لأن الساعات الثالثة والسادسة والتاسعة، كساعات البسخة، يكون فيها الشعب صائماً. ولهذا يجب أن تكون مزامير وأناجيل هذه الساعات بلحن الحزن. ولكن بعض الكنائس بالقاهرة تلحنها النصف بلحن الحزن والآخر بلحن الفرح. هذا في الكنائس التي لا تزال تقيم صلوات سبت الفرح. وأما الكنائس التي تصلى فيها الصلوات صباحاً، فتقرأ الفصول جميعاً بالعربية.

 

سفــر الرؤيـــــا

وبعد الساعة السادسة يجتمع الشعب لقراءة سفر الرؤيا (أبوغالمسيس). يبتدىء الكاهن بلحن البركة: [نسجد لأبي النور] ثم البركة. ويقرأ سفر الرؤيا قبطياً ويفسر عربياً. وعند وصول القارىء إلى الجملة: [من له أذنان للسمع فليسمع ما يقوله الروح للكنائس] يرد الشعب بالقبطية هذه العبارة بلحن سمائي، وعندما يصل القاري إلى الليلويا، تلحن بلحن الليلويا السابقة. وعند ذكر الأحجار يرد بمرد لحنه مثل: [من له أذنان …]، وعند ذكر القسوس والبخور، يبخر الكاهن هذه هي الألحان التي وصلت إلينا. ولكن توجد ألحان كثيرة جداً لسفر الرؤيا غير معروفة لنا الآن.

 

القـــــــداس

ثم تصلى الساعة التاسعة كالثالثة والسادسة. ويبتدئ القداس، فيقرأ البولس والمزمور والانجيل بلحن الحزن ولحن الفرح كما سبق. ويكمل القداس كالعادة ما عدا الصلح ويقال الترحيم.

وقد أجمع أبو البركات وكتب دلال وترتيب جمعة الآلام وأبو السباع على وجوب الترحيم في هذا اليوم إستناداً إلى ما دون في قوانين الأنبا اخرستودلو البطريرك السادس والستين (١٠٤٦– ۱۰۹۲ م): [وفى السبت (الكبير) يقال الترحيم والتحليل والبخور بغير تقبيل ولا يجوز تجنيز في يوم الأحد ولا بكاء].

وقد رأينا أن الشعب يتهافت في هذه الليلة على ذكر المتوفين من أهله. و لكن في القاهرة استبدلوا بدلاً من هذا اليوم، يوم الجمعة. وهذا غير جائز قطعاً ولم يرد عنه شيء في كتب الكنيسة.

وفي التوزيع ترتل قطع من سفر المزامير، كلها نبوات عن آلام سيدنا أولها “إلهي إلهى التفت إلي لماذا تركتني” (مز۲۱).

 

هـذا مجمـل لترتيـب ليلـة سبـت الفــــرح

وإننا نلاحظ في كتب الترتيب أن الكنيسة لما كانت في أوج مجدها كانت تهتم بهذه الليلة المباركة، وتصلي هذه الصلوات في سحر السبت (أي في الفجر) وتستمر الصلوات إلى ما بعد الظهر – بدليل ما جاء بكتاب دلال وترتيب أسبوع الآلام المشار إليه، إذ يقول: [ويحترز غاية الاحتراز أن يكون التناول (في قداس السبت) قبل الغروب لئلا يتناولوا مرتين في ليلة واحدة ومعاذ الله من ذلك].

ومعنى ذلك أنه إذا انتهى قداس يوم السبت الساعة الثانية بعد الظهر، فيتحتم أن ينتهى قداس عيد القيامة الساعة الثانية صباح الأحد، وإذا انتهى الثالثة فيكون قداس القيامة الساعة الثالثة صباحاً «يكون الفرق بين القداسين على الأقل تسع ساعات».

ولكن الذي شاهدناه ورأيناه ورآه أجدادنا وأخبرونا به، أن الصلوات تقام ما بين الساعة التاسعة والعاشرة ليلة السبت، وينتهى القداس عند شروق الشمس. وأعتقد أن هذه الطريقة صحيحة.

وكان القبط فيما سبق يولون هذه الليلة اهتماماً أكثر من ليلة العيد.

فقد كان الشعب القبطي وخصوصاً في الصعيد يبادر إلى الكنيسة للمبيت بها ساهراً فرحاً. ولم يكن أحد من القسوس يجسر أن يتخلف عن الكنيسة مهما كانت الأسباب. وكانوا القسوس يرتدون البرانس ويجلسون لقراءة التسابيح كما سبق القول.

وكان الاعتقاد أن من لا يحضر قداس السبت الكبير، كانه لم يحضر الجمعة ولا العيد، وإنى أعتقد أن الصعيد لا يزال يحافظ على تأدية صلوات هذا اليوم. أما في القاهرة فقد كادت أن تهمل. ولا يتمم هذا اليوم إلا في كنائس قليلة. وفي بعض الكنائس يهمل هذا اليوم. ومنها من يعمل جزءاً من الصلوات في المساء ويتمم القداس صباحاً. بل بلغ بالبعض أن يقيم قداسين أحدهما الأصلي، والثاني قداساً خاصاً بناء على طلب أحد أفراد الشعب، مع أنه من المعروف أن الصوم الكبير جعل كله للقداديس العامة والخاصة – فيجوز أن يقام في كل يوم من أيامه أكثر من قداس بعدد المذابح الموجودة في الكنيسة. أما هذا اليوم فله ترتیب خاص ولا يجوز إقامة قداس فيه إلا على المذبح الذي فوقه الدفنة، كما أن هذا القداس ما هو الحلقة الثانية من صلوات أسبوع الآلام ـ التي تؤدي إلى الحلقة الثالثة التي هي قداس القيامة.

نسأل الله أن يساعدنا جميعاً في إعادة طقوس كنيستنا إلى سابق مجدها والمحافظة عليها.

 

 

 

المراجع

 

[1]   تفسير سفر نحميا – ص 9 – القمص تادرس يعقوب ملطي.

[2]  تفسير انجيل مرقس – ص15 – القمص تادرس يعقوب ملطي.

[3] كنوز النعمة – البصخة المُقدَّسة – صفحة ٦٠.

[4]  تفسير سفر إشعياء – الاصحاح 26 – للقمص تادرس يعقوب ملطي.

[5]  تفسير مزمور 77 – القمص تادرس يعقوب ملطي.

[6]  كتاب كنوز النعمة – البصخة المقدسة – صفحة ٦٨ – الأرشيدياكون بانوب عبده.

[7]  كتاب نزل الي الجحيم من قبل الصليب – صفحة 20 – ترجمة الدكتور جوزيف موريس فلتس.

[8]  مجلــــة مــــــــدارس الأحــــــــــــــــــد – عـــــدد مــــــــــايو 1956.