موضوع قراءات البصخة المُقدَّسة

 

تكشف لنا قراءات البصخة المُقدَّسة عن غنى الحب الالهي والتدبير الإلهي للخلاص، ومنهج العبور من الموت إلى الحياة أي أنها تشرح لنا ما فعله الله الثالوث لأجل خلاصنا وكيف نقبل هذا الحب وهذا الخلاص في حياتنا.

1- التدبير الإلهي في الخلاص (التدبير الإلهي):

+ تتكلّم قراءات البصخة المُقدَّسة عن الحب والخلاص العظيم الذي أعلنه الرب بموته وقيامته وعن رئيس خلاصنا (عب ٢: ١٠) ربنا يسوع المسيح له كل المجد.

+ ولا تُقدِّم لنا القراءات حدث حصل في أسبوع بل تُعْلِن لنا الحب والخلاص في:

– تدبيره منذ الأزل ← لذلك تشرح لنا تدبير الله الثالوث في الخلاص – كما في قراءات ليلة الجمعة العظيمة.

– وفِي الإعداد له ← كما في النبوّات والرموز التي جاءت في العهد القديم، وأيضاً الإشارة إليه في البولس والكاثوليكون والابركسيس في قراءات البصخة كلها.

– وفِي حدوثه ← في التجسّد والصليب والقيامة وصعوده وملء الروح في الأناجيل.

– وفِي حياة الكنيسة به ← في البولس والكاثوليكون والابركسيس وأيضاً الإشارة إليه في النبوّات.

– وفِي مجد ميراثه الأبدي ← في الأناجيل وسفر الرؤيا.

+ وكأن الكنيسة المُقدَّسة بقراءاتها الكثيرة تدخل بنا إلى الزمن لنرى ما صنعه الحب الالهي لأجل خلاصنا فنكتشف أننا في خلاصه خرجنا خارج الزمن لنرجع للأزل:

– فنرى التدبير الإلهي للخلاص (أع ١٥: ١٨)؛ (رو ١٦: ٢٥)؛ (٢تي ١: ٩).

– وتسير بنا في العهد القديم ما وراء كلمات الأنبياء لنُعاين خطتَّه الإلهية (عب ١: ١)؛ (٢بط ١: ٢١).

– وتنقلنا إلى وقت تجسّده وآلامه وموته وقيامته فنُدرك كم أحبَّنا حتى المنتهي (إر٣١: ٣)؛ (يو١٣: ١).

– ونحيا خلاصه بروحه القدّوس في كنيسته المُقدَّسة (أف ٣: ١٠).

– وتأخذنا القراءات إلى الأبديّة (سفر الرؤيا) لنرى الميراث المُعدّ لجميع من أحبوا الرب وقبلوا خلاصه.

 

+ أي أن رحلة القراءات هي رحلة إلى الوراء، وإلى الأمام، وإلى السماء، تدخل بنا إلى الزمن وتخرج بنا خارجه، وتقف بنا على الأرض لنعاين الأحداث، وتصعد بنا فوقها لنرى خلاصنا فيها.

+ لذلك رحلة القراءات ليست رحلة معلومات كتابية أو انفعالات نفسية بألحان، بل رحلة مع المسيح وفِي المسيح، لنتيقن أننا فيه نموت ونقوم ونمتلئ بروحه القدّوس، ونُدْرِك حبه وتدبيره الإلهي لأجل خلاصنا، ونأخذ في هذا الأسبوع من قوة آلامه وموته وقيامته ما يجعلنا نرى حضوره في كل شيء في حياتنا في أفراحنا وأحزاننا وأعمالنا البسيطة (١كو١٠: ٣١) بل وفي حيرتنا واكتئابنا المحسوب ضمن طريق خلاصنا (٢كو٤: ٨) فتملأنا البصخة المُقدَّسة بما فيها من قراءات وألحان من غنى ومجد حضوره، فنختبر كيف نحيا به ونتحرك ونوجد (أع ١٧: ٢٨).

 

+ وتتحرك قراءات البصخة في ثلاث مراحل:

   1-  المرحلة الأولى : يأتي الجزء الأوَّل من القراءات مُقدِّمةً أو مدخل إلى البصخة المُقدَّسة، سبت لعازر وأحد الشعانين، اللذان يرسمان المدخل إلى الخلاص، فيُعلنان مَنْ هو المُخلِّص المُزْمِع أن يفدي البشرية وكيف اعلن مجد محبته للبشرية في الصليب.

فتتكلّم قراءات السبت عن رئيس الحياة ومصدرها في قيامة لعازر.

ويوم الأحد عن الملك الذي دخل بإرادته أورشليم مع خراف الفصح ليُقدِّم ويُعْلِن ملكوت العهد الجديد.

   2- المرحلة الثانية: ثم يأتي الجزء الثاني من القراءات (الأثنين والثلاثاء والأربعاء) ليشرح تدبير الخلاص، وقصة السقوط، واحتياج البشرية للمُخلِّص بعد فساد الطبيعة البشرية، وعجز الإنسان عن خلاص نفسه، وبطلان كل الوسائل والطرق البشرية في نوال الخلاص، والتحرر من عبودية وسلطان الشيطان:

–  وهذه الأيام الثلاث هي التي كانت تمكث فيها حملان الفصح في أورشليم استعداداً لتقديمها ذبيحة في العيد، ولذلك حرص الرب بعد دخوله أورشليم يوم أحد الشعانين على عدم مفارقته أورشليم والقري الصغيرة التي حولها إلى وقت بذل ذاته ذبيحة فصح.

–  ولذلك يشرح الطقس الكنسي في قراءات الأيَّام الثلاثة تدبير الله منذ البدء لخلاص الإنسان، وكأنَّما تُذَكِّرنا بها ضرورة وجود الحمل في القدَّاس وقت المزامير إلى مجيء موعد تقديمه.

–  وربما يحكي القداس الغريغوري قصة الحب الالهي في الخلق وبعد السقوط وحتى الفداء لنعيش هذه المحبة الالهية في كل قداس نصليه.

–  ويقول المهندس فؤاد نجيب يوسف أن هذه الأيام الثلاثة تُمثِّل عجز الناموس عن الخلاص وإعلان نهاية هيكل العهد القديم ومملكة إسرائيل:

[من خلال آلام المخاض التي تَقبَّلها السيد المسيح جسدياً ونفسياً في هذه المرحلة الخطيرة من تاريخ الخلاص، تُولَد الكنيسة وتقوم على أنقاض الهيكل القديم، وتتشدد مستندة على ضعف المصلوب.

وحتي تقوم كان يلزم أن يُعْلِن المسيح نهاية العهد القديم، ونهاية الدورالخلاصي لإسرائيل. لقد فشلت إسرائيل في أن تحفظ العهد الأبدي الذي قطعه الله مع إبراهيم ونسله، ولتكميل العهد كان يلزم أن تقوم إسرائيل الجديدة في الكنيسة، ليكمل يسوع بها وفيها العهد الأبدي.

لذلك تقدم قراءات الثلاثة أيام عريضة اتهام إسرائيل التي يقوم عليها الحكم بمفارقة الله لهيكله القديم بشكل نهائي. وعلى ذلك أصبح الهيكل بلا جدوى فحق له الخراب “فإذ قال جديداً عتق الأول وأما ما عتق وشاخ فهو قريب من الاضمحلال” (عب ٨ : ١٣)] (المهندس فؤاد نجيب يوسف)[1].

   3- المرحلة الثالثة: ثم يختم الجزء الثالث (الخميس والجمعة والسبت والاحد ) بإعلان وإتمام الخلاص وعبور البشرية من الموت إلى الحياة.

لذلك نجد في قراءات هذه الأيام الأربعة:

الرب يُعْلِن عن ذاته فصح العهد الجديد (الخميس).

ويُقدِّم ذاته لأجل خلاص العالم (الجمعة).

ويصير للكنيسة في المسيح حق دخول الفردوس والعبور من الموت إلى الحياة (ليلة السبت).

وتتهلل بمجد قيامته بين قوسين ليلة الاحد.

 

2- منهج العبور من الموت إلى الحياة (الدور البشري):

+ قراءات هذه البصخة ترسم لنا أيضاً طريق ومنهج العبور من الموت إلى الحياة، وكيف نموت كل يوم وكل لحظة عن العالم، وكيف نأخذ ونعيش ونقتني الحياة الجديدة عندما يستعلن لنا غني الحب الالهي.

+ فالذي تقدمه الكنيسة في قراءاتها في البصخة المُقدَّسة هو منهج الحياة في المسيح، والعبور اليومي والدائم من الموت إلى الحياة، وكيف ينتهي موت العالم الكائن في الخطية والشهوة والصراعات والذات والجحود والكراهية، وكيف نأخذ مجاناً حياة المسيح الكائنة في محبّته وبرّه الإلهي وفرحه وسلامه وعطائه ورجائه ونصرته على الموت والشيطان والخطيّة.

+ وكيف تسير حياتنا على الأرض كل يوم من رائحة موت تضمحل من أعضائنا وكياننا الداخلي، إلى إشراقة حياة تُنير أرواحنا وأنفسنا وأجسادنا حتى انتهاء كل ما في العالم من داخلنا “رئيس هذا العالم يأتي وليس له فيّ شيء” (يو١٤: ٣٠)، وامتلاء كل كياننا الداخلي من حياة الله “وتمتلئوا إلى كل ملء الله” (أف٣: ١٩).

 

وكما يقول القديس اكليمنضس السكندري:

[إذ ينتزع الإنسان من الهلاك يرفعه إلى السماويات غارساً المائت في الخلود ومحولاً الأرض سماء][2]

لذلك اخترنا أن نموت بإرادتنا عن العالم وما فيه، وعن الذات “مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا (لتملأ كياننا حياة المسيح وإشراقة نوره فينا) بل المسيح يحيا فيّ” (غل ٢: ٢٠).

+ وهدف قراءات هذه البصخة المُقدَّسة هو رسم الطريق والمنهج لا لنعيش القراءات والطقس أسبوعاً في السنة، لكن ليتجدد فينا فعل الإماتة عن العالم والحياة في المسيح فيصير فينا منهج حياة وسلوك يومي وجهاد لا ينقطع لكي نبلغ الجعالة (1كو٩: ٢٤) (كو٢: ١٨).

+ لذلك نرى في قراءات البصخة المُقدَّسة السبع جسور للعبور من الموت إلى الحياة.

+ ولكن قبل أن نبدأ العبور من الموت إلى الحياة في المسيح تقف بنا الكنيسة في قراءاتها لحظة لنعرف أولاً مًنْ هو رئيس خلاصنا، ومًنْ هو حمل الله المزمع أن يرفع خطيّة العالم (سبت لعازر).

– فهو رئيس الحياة، وبيده وحده سلطان الهاوية والموت، وهو القادر أن يعيد خلقة الإنسان وإعادته للحياة بعد موته، حتى ولو بعد أربعة أيّام، وحتى إن كان قد أنتن.

– فاليوم يُقيم الرب لعازر بسلطان وقوّة وأمر واضح مباشر “لعازر هلم خارجاً”، ويرفض كلام مرثا ومريم “لو كنت ههنا لم يمت أخي”، فليس مع السيد تعبير ( لو) لأنه فوق الزمان والمكان، لذلك يُعْلِن بمنتهي الوضوح لاهوته “أنا هو القيامة والحياة” فهو قادر أن يُحضر يوم الدينونة أو اليوم الأخير فهو مرتبط بشخصه وحضوره وإرادته، وليس بزمن ومكان وحالة معينة.

– لذلك يأتي سبت لعازر و”الإيمان” كشرط لعبور جسور الإيمان الذي يجعلنا نرى مجد الله، والإيمان الذي يتجاوز ما هو فوق حسابات البشر ومنطقهم وتفكيرهم، الإيمان الذي يقودنا في كل خطوات العبور من الموت إلى الحياة.

– لذلك يمكن أن نعتبر قراءات يوم السبت هي المدخل الوحيد لإدراك وانفتاح الأعين على سر الصليب، فالكنيسة اليوم تسأل كل واحد فينا على لسان ابن الله في كلامه مع مرثا “ألم أقل لك إن آمنت ترين مجد الله”.

+ وتسير بنا قراءات الأحد والأثنين والثلاثاء والأربعاء في اتجاه تطهير النفس وتنقيتها وإعدادها للاتحاد بالعريس في قراءات الخميس والجمعة والسبت:

  • فنرى في قراءات الأحد تطهير هيكل الله من كل أصناف التجارة والزيف، إشارة الي تطهير هيكل النفس من روح العالم وزيفه وريائه خاصة لمن يخدمون اسمه القدّوس.
  • وتأتي قراءات يوم الأثنين لتُعلن دينونة التقوى الشكلية دون الثمر، واحتياج الرب الدائم من حياتنا وخدمتنا ووجودنا “جاء إليها لعله يجد فيها ثمراً” وهذا هو طلبه الدائم من الكنائس والرعاة (مت٢١: ٣٤).
  • ويحتاج التطهير للسهر والحرص والمراجعة الدائمة للنفس دون إشفاق او تهاون، وهذا هو ما نراه في قراءات يوم الثلاثاء.
  • ويُحذِّر من ثعالب الخيانة، محبة الفضة والرئاسة مع يهوذا، ويُظهر مجد محبة الإنسان مع المرأة ساكبة الطيب، في قراءات يوم الأربعاء.
  • ويتحد بنا على مذبحه في قراءات الخميس.
  • ويملك معنا على صليبه عندما نُسلِّم مشيئتنا بالكامل له في قراءات الجمعة.
  • ويعبر بنا إلى فردوسه، وإلى ما لا يُري في قراءات ليلة السبت.
  • فنختبر فرح وقوة قيامته في قراءات ليلة الاحد.

 

أي أننا لكي نعبر في المسيح من الموت إلى الحياة نحتاج أن:

 

ولنحذر من:

 

بأسلوب آخر العبور من الموت إلى الحياة يحتاج دائماً أن:

 

كما تُعْلِن القراءات لنا مَنْ هو مسيح الخلاص:

  • يوم الأحــــد: الملك ← يملك على كل شيء. {بين التطهير والشفاء والتسبيح، وبين ضياع الهدف من العبادة}.
  • يوم الأثنين: القدّوس ← ينقي دائماً. {بين ثمارنا وأوراقنا – بين تغييرنا وشكلنا}.
  • يوم الثلاثــاء: الديان ← سيأتي مجازياً. {بين السهر والمفاجأة}.
  • يوم الأربعاء: العريس ← سكيب الحب. {بين سُلَّم الحب وهاوية الخيانة}.
  • يوم الخميس: الخادم ← غسل الأقدام وصلاة الدم. {بين غسل أقدام الناس، ولمس أعتاب السماء، وبين الكبرياء والكسل}.
  • يوم الجمـعة: الحمل الصامت ← الذبيح وكمال تسليم المشيئة. {بين كمال تسليم المشيئة، واستعلان كمال الحب، وبين الهروب من الصليب}.
  • يوم الســبت: العابر ← ما لا يُرى {بين تخطّي ما يُرى لإدراك ما لا يُرى}.
  • يوم الاحد القائم والغالب ← بين عظم الخوف وشدة الفرح.

 

 

 

المراجع

 

[1] دراسة منهجية للقراءات الليتورجية للكنيسة القبطية – صفحة ١٩٩

[2]  كتاب بولس الرسول – ص ٤١ – ابونا تادرس يعقوب ملطي.