الرجولة الروحية وأمانة الإنسان في رسالته ( ملكوت الله علي الأرض )
” أسعى نحو الغرض لأجل جعالة دعوة الله العليا في المسيح يسوع ” (في ٣ : ١٤)
” هذا الذي صار لنا ، مُرشِداً وميناء خلاص ، ودعانا بفرح ، إلي الحياة الأبدية .
بخور فضائله ، أعطي الفرح لنفوسنا ، مثل العنبر ، المُزهِر في الفردوس ”
ذكصولوجية للأنبا أنطونيوس أبو الرهبان
” هكذا كان يسدي النصائح إلي ذوي الأمور الصعبة ، ويحذر الذين كانوا يجتمعون به ، لكي ينسوا الإدانة ويطوبوا الذين إعتزلوا العالم. وهكذا حمي المظلومين ، إذ أحس بأنه هو المتألم وليس هم ، فكان قادراً علي إفادة الجميع ، حتي إن عدداً كبيراً من الجنود والأغنياء تركوا أعباء الحياة وصاروا رهباناً. وكأنه الطبيب الذي وهبه الله لمصر.
فمن كان حزيناً ولم يرجعه فرحاً ؟ ومن أتاه باكياً علي أمواته ولم يطرح عنه الكآبة ؟ ومن أتاه غاضباً ولم يحول غضبه إلي محبة ؟ ومن كان فقيراً وبائساً وإلتقي به ولم يزدري بالغني وإعتز بفقره ؟ وأي راهب سقط في الإهمال وأتي إليه ولم يصبح أقوي من ذي قبل ؟ وأي شاب صعد إلي الجبل ورآه ولم ينكر اللذات ولم يحب العفة ؟ ومن ذا الذي جربته الشياطين وأتي إليه ولم يجد راحة ؟ ومن أتي متضايقاً ولم يجد راحة ؟ ومن أتي متضايقاً من أفكار شريرة ولم يهدأ فكره ؟
سيرة حياة القديس أنطونيوس أب الرهبان كما كتبها البابا أثناسيوس (صفحة ١٦٢ ) – إعداد بولين تدري سعد ومراجعة دكتور موريس تواضروس
شواهد القراءات
(مز ٣١: ١٢ ، ٧) ، (مز ٣٢ : ١) ، (مت ٢٥ : ١٤ – ٢٣) ، (مز ٣٢ : ١ ، ١٢) ، (لو ١٩ : ١١ – ١٩) ، (في ٣ : ٢٠ – ٤ : ١ – ٩) ، (يع ٥ : ٩ – ٢٠) ، (أع ١١ : ١٩ – ٢٦) ، (مز ٣٣ : ١٨) ، (مز ٦٧ : ٤) ، (لو ١٢ : ٣٢ – ٤٤)
ملاحظات على قراءة يوم ٢٢ طوبة
+ إنجيل عشيّة اليوم (مت ٢٥: ١٤ – ٢٣) هو نفس إنجيل عشيّة أيام ٢٧ بابه (تذكار أنبا مكاريوس أسقف إدكو) ، ٩ هاتور ( تذكار انعقاد مجمع نيقية ) ، ٢٥ مسري ( أنبا بيصاريون الكبير )
وهو نفس إنجيل باكر يوم ٢ أمشير (الأنبا بولا)
وهو مثل الوزنات والأمانة فيها والمكافاة السماوية للأُمناء، والمُلاحظ أن النص الكتابي ذكر فقط العبيد الأُمناء، وهو يتكلم هنا عن أمانة التعليم ونقاوته (تذكار انعقاد مجمع نيقية ، تذكار أنبا مكاريوس ) ، وأمانة الجهاد والسهر ( أنبا أنطونيوس وأنبا بولا وأنبا بيصاريون الكبير )
+ قراءة إنجيل باكر اليوم (لو ١٩: ١١ – ١٩) ، قراءة إنجيل القداس (لو ١٢: ٣٢ – ٤٤) هما نفس قراءتي إنجيل باكر وإنجيل القداس ليوم ٢٥ مسري ( نياحة أنبا بيصاريون الكبير ) ، وليوم ١٦ بؤونة ( نياحة آبا نوفر السائح ) ، وهما أيضاً من مشاهير الآباء النساك ، وآباء البرية لذلك جاءت قراءاتهما مُشابهة لقراءة تذكار أنبا أنطونيوس
+ قراءة البولس اليوم (في ٣: ٢٠ – ٤ : ١ – ٩) جاءت في ٢٢ طوبة ، ٢٥ مسري
وهي القراءة الخاصة بالمواطنة والسيرة السماوية وطريق الكمال لذلك جاءت في تذكار أنبا أنطونيوس (٢٢ طوبة ) وأنبا بيصاريون الكبير ( ٢٥ مسري )
+ قراءة الكاثوليكون لهذا اليوم (يع ٥ : ٩ – ٢٠) تكرَّرت ثلاث مرات ( ٢ توت ، ، ٢٢ طوبة ، ١٦ بؤونه ) ، بالإضافة إلي مجئ جزء منها في قراءات يوم ٢٥ مسري ( يع ٥ : ٩ – ١٢ ) ، يوم ٦ نسئ (يع ٥ : ١٦ – ٢٠) ، كما أنها تكرَّرت أيضاً في قراءة الأحد الرابع من بؤونه
مجيء القراءة في هذا اليوم وفي يوم ١٦ بؤونه ( أبا نوفر السائح ) للإشارة إلي ” وصلاة البار فيها قوة عظيمة فعالة ”
ومجيئها يوم ( ٢ توت ) ليُشير إلي ” الأنبياء الذين تكلموا باسم الرب ” لأجل تذكار يوحنا المعمدان
ورُبَّما مجيئها في يوم ٢٥ مسري ( أنبا بيصاريون الكبير ) إشارة إلي” خذوا لكم يا إخوتي مثال احتمال المشقات ”
ومجيء جزء منها يوم ٦ نسئ للإشارة إلي رقم ٦ ( ثلاث سنين وستة أشهر ) موضوع قراءات ذلك اليوم والذي يشير إلي نقص البشر وكمالات المسيح ( وهو المشروح بتفصيل في قراءة ذلك اليوم )
ومجيئها في قراءة الأحد الرابع من بؤونه للإشارة إلي الصلاة الدائمة والرحمة بالآخرين
+ قراءة الإبركسيس اليوم (أع ١١: ١٩ – ٢٦) جاءت أيضاً في قراءة الأحد الثاني من شهر توت ، كما أنها تُشبه قراءة الإبركسيس ليوم ٩ هاتور (أع ١١ : ١٥ – ٢٤) ، وهو اليوم الموافق لتذكار انعقاد مجمع نيقيه
مجيء القراءة يوم ٩ هاتور لأجل إعلان إيمان الأمم ، وإرسالية الكنيسة لبرنابا الرسول لهم لضمان سلامة الإيمان ( تذكار مجمع نيقية ) ، ومجيئها يوم ٢٢ طوبه للإشارة إلي ما قيل عن القدّيس برنابا كأنه وصف مُشابه لشخصية أنبا أنطونيوس ( رجلاً صالحاً وممتلئاً من الروح القدس والإيمان )
والإشارة في الأحد الثاني من توت إلي الامتلاء من الروح القدس والإيمان والصلاح، وهي عطايا الآب للبشرية في المسيح ( موضوع قراءة إنجيل ذاك الأحد )
+ إنجيل قدّاس اليوم (لو ١٢: ٣٢ – ٤٤) هو نفس إنجيل قدّاس يوم سادس عشر بؤونة (تذكار أنبا نوفر السائح ) ، وإنجيل قدّاس يوم ٢٥ مسري ( نياحة أنبا بيصاريون الكبير )
القراءات المُحوَّلة علي قراءة ٢٢ طوبة
رابع وعشرين بابة نياحة القديس إيلاريون الكبير
تاسع كيهك نياحة القديس بيمن المعترف الذي ترهب بدير خارج الأشمونين
تاسع برمودة نياحة زوسيما القس
ثالث عشر بشنس نياحة القديس أرسانيوس معلم أولاد الملوك
تاسع عشر بشنس نياحة القديس إسحق قسيس القلالي
خامس بؤونه نياحة القديس يعقوب المشرقي المتعبد بأحد ديارات المشر
سابع عشر بؤونه نياحة القديس لا تصون الراهب ببرية شيهيت
ثالث وعشرين بؤونه نياحة القديس أبانوب المعترف الراهب بأحد أديرة الصعيد
شرح القراءات
تتكلّم قراءات اليوم عن من هم الذين يتمتَّعون بالظهور الإلهي في حياتهم فيُعطي مثلاً عن العبيد الأمناء ليشير إلي أمانة الرجال في رسالتهم وسهرهم الدائم وجعلت الكنيسة هذه القراءات مع تذكار نياحة كوكب البرّية أنبا أنطونيوس وهو القائم بكل وقار في مجمع القديسين ونموذج للحياة الجادّة والمتِّزنة مع الله والذي عاش الملكوت علي الأرض وصار لنا نموذجاً ومثال لظهور الله في حياة البشر
تبدأ القراءات بالمزامير فتقدِّم لنا طبيعة النفوس الأمينة ( مزمور عشيّة )
وجوهر الأمانة ( مزمور باكر )
ورعايته لها (مزمور القداس )
يبدأ مزمور عشيّة بطبيعة النفوس التي تعيش أمانة الرسالة في حياتهم الصديقون والمستقيمين والأبرار
( افرحوا أيها الصديقون بالرب وتهلّلوا للمستقيمين ينبغي التسبيح من أجل هذا تبتهل إليك كلّ الأبرار في آوان مستقيم )
وفِي مزمور باكر عن جوهر الأمانة أنها ليست مبادئ إنسانية بل هي انتسابنا بالكامل له وإدراك عظمة اختياره لنا
( ابتهجوا أيها الصديقون بالرب للمستقيمين ينبغي التسبيح طوبي للأمة التي الرب إلاها والشعب الذي أختاره ميراثاً له )
وفِي مزمور القداس عن رعايته للأمناء ومدي فرحه المُنْسَكِب فيهم
( كثيرة هي أحزان الصدّيقين ومن جميعها ينجيهم الرب والصديقون يفرحون ويتهللون أمام الله ويتنعمون بالسرور )
وتتكلّم القراءات عن المواطنة والجنسية ( البولس )
والمكافأة والمجازاة ( الكاثوليكون )
وأمانة الرسالة ( الإبركسيس )
يتكلم البولس عن جنسيّتنا الحقيقية ومواطنتنا السماوية وكيف نعيشها ونحياها في كلّ ما هو صالح وكل ما هو حق
( وأما نحن فسيرتنا – فوطنيتنا – في السموات التي منها ننتظر مخلصنا ربنا يسوع المسيح هذا الذي سيُغيِّر جسد تواضعنا ليكون مشاركاً لصورة جسد مجده … ساعدهما هاتين اللتين جاهدتا معي في الإنجيل مع إكليمندس أيضا وباقي العاملين معي الذين أسماءهم مكتوبة في سفر الحياة … وأخيرا يا أخوتي كل ما هو حق كل ما هو جليل كل ما هو عادل كل ما هو طاهر كل شيء بمحبة كل شيء بحسن صيت ما فيه فضيلة أو ما فيه كرامة ففي هذه افتكروا )
وفِي الكاثوليكون عن الديان الواقف علي الباب لعدم أمانة الحياة والرسالة وأيضاً المكافأة وعاقبة الرب لأمانة الرسالة ويُقدِّم الطريق لأمانة الحياة والرسالة الصلاة الدائمة للنفوس والخدام والكنيسة كلها وعِظَم تأثيرها
( لا يئن بعضكم علي بعض يا إخوتي لئلا تدانوا هوذا الديان واقف علي الأبواب … لأنكم سمعتم بصبر أيوب وعاقبة الرب قد رأيتموها … وصلوا علي بعضكم لأجل بعض لكيما تشوفوا وصلوة البار فيها قوة عظيمة فعالة )
وفِي الإبركسيس نري أمانة الرسالة وقوّة الشهادة للمسيح وثمارها في نمو الكنيسة
( هذا لما أتي ورأي نعمة الله فرح وكان يعزي الجميع أن يثبتوا في الرب برضاء القلب لأنه كان رجلاً صالحا وممتلئة من الروح القدس والإيمان فانضم إلي الرب جمع عظيم … ثم خرج إلي طرسوس ليطلب شاول ولما وجده أصعده إلي أنطاكية فحدث أنهما اجتمعا في الكنيسة سنة كاملة وعلما جمعا كثيرا وسُمي التلاميذ الذين في أنطاكية أولا مسيحيين )
وفِي الأناجيل عن ظهور الملكوت للأمناء في مكافأة سماوية (إنجيل عشيّة )
وحياة ملكوتيه علي الأرض ( إنجيل باكر )
وموضوع مسرَّة الآب ( إنجيل القداس )
يبدأ إنجيل عشيّة بالمكافأة السماوية وفرح السيّد الذي ينتظر كل الأمناء
( فأعطي واحداً خمس وزنات وآخر وزنتين وآخر وزنة كل واحد علي قدر طاقته وسافر … فجاء الذي أخذ الخمس وزنات وقدم خمس وزنات أخر قائلاً يا سيد خمس وزنات أعطيتني هوذا خمس وزنات أخر ربحتها فقال له سيده حسناً أيها العبد الصالح والأمين كنت أمينا علي القليل فأقيمك علي الكثير ادخل إلي فرح سيدك )
وفِي إنجيل باكر يوضِّح أنه عندما كان اليهود وحتي التلاميذ ينتظرون ملكوتاً أرضيات يوجه القديس لوقا النظر إلي ملكوته في الخلاص للجميع فالإنسان الشريف الجنس هنا هو الكلمة المُتجسّد كما يقول القديس كيرلس الكبير (تفسير إنجيل لوقا ١٩ ) والكورة البعيدة هي الأمم كما يقول القديس أغسطينوس أو كل البشر في تيهانهم يهود وأمم كما يقول القديس باسيليوس الكبير أي أنه أظهر ملكوته لعبيده الأمناء
( وكانوا يظنون أن ملكوت الله عتيد أن يظهر في الحال كان إنسان شريف الجنس ذهب إلي كورة بعيدة ليأخذ ملكاً لنفسه ويرجع فدعا عشرة عبيد له وأعطاهم عشرة أمناء قائلاً لهم تاجروا في هذه حتي آتي … فجاء الأول قائلاً يا سيدي مناك ربح عشرة أمناء فقال له نعماً أيها العبد الصالح لأنك كنت أمينا في القليل فليكن لك سلطاناً علي عشر مدن )
وفِي إنجيل القداس يُعْلِن أن عطيّة الملكوت هي مسرَّة الآب وأن الله بنفسه يخدم أولاده الساهرين ووكلاءه الأمناء
( لا تخف أيها القطيع الصغير لأن أباكم قد سُرّ أن يعطيكم الملكوت … لتكن أحقاءكم ممنطقة وسرجكم موقدة وأنتم أيضاً تشبهون أناساً ينتظرون سيدهم متي يعود من العرس حتي إذا جاء وقرع يفتحون له في الحال طوبي لأولئك العبيد الذين إذا جاء سيّدهم يجدهم ساهرين الحق أقول لكم أنه يتمنطق ويتكئهم ويقف ويخدمهم … فقال الرب فمن هو يا تُري الوكيل الأمين والحكيم الذي يقيمه سيده علي عبيده ليعطيهم طعامهم في حينه )
ملحوظة
في إنجيل عشيَّة وإنجيل القدَّاس تتوقَّف القراءة عند العبيد الأمناء (إنجيل عشيَّة )
، والوكلاء الأمناء ( إنجيل القدَّاس ) ،
ولم يأت ذكر تكملة قراءة النص الكتابي عند العبيد والوكلاء غير الأمناء.
ملخّص القراءات
الأمناء والصديقين هم مُسْتَقيمي الحياة المُنتسبين لله وهو وحده مصدر فرحهم
مزمور عشيّة وباكر والقدّاس
وهم جنسيتهم (مواطنتهم ) سماوية البولس
ومحبتهم قوية بعضهم لبعض الكاثوليكون
ونعمة الله في خدمتهم غنية الإبركسيس
وملكوت الله هو إبن الله الشريف الجنس إنجيل باكر
وهو عطيّة الآب للبشر إنجيل القدَّاس
ويُدْرِكُه الأُمناء إنجيل عشيّة
أفكار مقترحة للعظات
(١) المواطنة السماوية
١- نهاية رحلة الإنسان المسيحي علي الأرض هي الدخول للفرح الأبدي مع الرب
” ادخل إلي فرح سيِّدك ” إنجيل عشيّة
٢- الملكوت لا ننتظر له علامات خارجية لكن نستعد له بالأمانة القلبية في حياتنا
” وكانوا يظنون أن ملكوت الله عتيد أن يظهر في الحال … فقال له نعماً أيها العبد الصالح لأنك كُنتَ أميناً في القليل ” إنجيل باكر
٣- جنسيتنا ومواطنتنا سماوية وجهادنا الإنجيل يحفظ أسماؤنا في سفر الحياة
” وأما نحن فسيرتنا (فوطنيَّتنا ) في السموات … هاتين اللتين جاهدتا معي في الإنجيل مع إكليمندس أيضاً وباقي العاملين معي الذين أسماؤهم مكتوبة في سفر الحياة ” البولس
٤- توبة كل إنسان وخدمة كل إنسان هدفها النجاة من الهلاك الأبدي
” إذا ضلَّ واحد منكم عن سبيل الحق وردَّه واحد فليعلم أن من يرد الخاطئ عن طريق ضلالته فإنه يُخلِّص نفسه من الموت ” الكاثوليكون
٥- الملكوت هو عطيّة الله المجانية للإنسان والعرس الأبدي والسهر ضرورة لاستحقاق الدخول ونوال المكافأة والاتكاء مع المسيح
” لا تخف أيها القطيع الصغير لأن أباكم قد سُرَّ أن يعطيكم الملكوت … ينتظرون سيدهم متي يعود من العرس … طوبي لأولئك العبيد الذين إذا جاء سيدهم يجدهم ساهرين ” إنجيل القدَّاس
(٢) الأمانة والتدقيق
١- الأمانة في القليل ليست بالشيء القليل
” فقال له سيده حسناً أيها العبد الصالح والأمين كنت أميناً في القليل أقيمك علي الكثير ” إنجيل عشيّة
” فقال له نعماً أيها العبد الصالح لأنك كنت أميناً في القليل فليكن لك سلطاناً علي عشر مدن ” إنجيل باكر
٢- أهمّية التدقيق في الفكر والتصرف والتعامل
” وأخيرا يا إخوتي كل ما هو حق كل ما هو جليل كل ما هو عادلٍ كل ما هو طاهر كل شيء بمحبة كل شيء. بصيتٍ حسن ما فيه فضيلة أو ما فيه كرامة ففي هذه افتكروا ” البولس
٣- التدقيق في الكلام
” وقبل كل شيء يا إخوتي لا تحلفوا لا بالسماء ولا بالأرض ولا بقسم آخر وليكن كلامكم نعم نعم ولا لا ” الكاثوليكون
٤- قدوة الخادم وشهادة الجميع لذلك
” لأنه كان رجلاً صالحاً وممتلئاً من الروح القدس والإيمان ” الإبركسيس
٥- أمانة الرعاة والخُدَّام
” فقال الرب فمن هو يا تُري الوكيل الأمين والحكيم الذي يقيمه سيده علي عبيده ليعطيهم طعامهم في حينه طوبي لذلك العبد الذي إذا جاء سيده يجده يفعل هكذا ” إنجيل القدَّاس
(٣) سلطان أولاد الله
١- السلطان الممنوح من الله
” فأقيمك علي الكثير ” إنجيل عشيّة
” فليكن لك سلطاناً علي عشر مدن ” إنجيل باكر
٢- مصدر السلطان ما أعطاه الابن بصليبه وقيامته
” بحسب عمل استطاعته أن يخضع لنفسه كل شيء ” البولس
٣- سلطان صلاة الأبرار والأتقياء
” وصلاة البار فيها قوَّة عظيمة فعَّالة كان إيليا إنساناً تحت الآلام مثلنا وصلي صلاة كي لا تمطر السماء فلا تمطر علي الأرض ثلاث سنين وستة أشهر ” الكاثوليكون
٤- سلطان خدمة الراعي ومحبته للبعيدين وقوَّة جذب المحبّة لهم
” من يرد الخاطئ عن طريق ضلالته فإنه يُخلِّص نفسه من الموت ” الكاثوليكون
٥- هدف سلطان الكنيسة خدمة الجميع وتسديد احتياجاتهم
” الوكيل الأمين والحكيم الذي يقيمه سيده علي عبيده ليعطيهم طعامهم في حينه
عظات آبائية
القديس اكليمنضس السكندري
تحويل الحياة كلها إلي صلاة
« أرفعك يا إلهي الملك وأبارك اسمك إلى الدهر والأبد . في كل يوم أباركك وأسبح اسمك إلى الدهر والأبد » ( مز١٤٥: ١-٢)
أن نـكـرم ونمجد ذاك الذي نؤمن به كلمة الله ربنا ومـلـكـنـا و بـه نمجد الآب ، فهذا هو واجـبـنـا ، ليس فقط في أيام معينة ومخصصة ، كما يفعل الآخرون ، وإنما بصفة دائمة عبر الحياة كلها وبكل وسيلة .
« سـبـع مـرات في النهـار سـبـحـتـك » (مـز١١٩: ١٦٤) … بهـذا يـصـيـح الـشـعـب المخـتـار، مطيعاً الأوامر التي كانت قد أعطيت له والتي كان يقدسها . وهذا لم يكن في مكان مـا محـدد أو في هيكل مفضل أو في أعياد معينة أو أيام محددة ، ولكن عبر الحياة كلها ، وفي كل مـكـان ، سـواء أكان الإنسان الروحي الحقيقي يـعـيـش وحـده ، أو في وسط جمـاعـة تـشـاركه الإيمان ـ فعليه أن يمجد الله ، أي ينادي بحمده من أجل معرفة الحياة الحقيقية .
إذا كان حضور رجل ذي سيرة صالحة يؤثر على الآخرين بسبب المهابة المحيطة به ، والذي يـقـتـرب مـنـه فإنه يصير إلى حالة أفضل ؛ فكم بالأحرى الإنسان الذي يكون دائماً في حضرة الله ، مـن خـلال مـعـرفـة ( الحكمة)، وطريقة السلوك في الحياة ، وصلاة الحمد ( والتسبيح ) كـيـف لا يصير كل يوم إلى الأفضل في الكلام والأعمال والتصرفات ؟ …
إذن لنحيا كل الحياة كما لو كانت كلها عـيـداً ، في يـقـيـنـيـة أن الله حاضر كلية في كل مـكـان ، أثناء عملنا وكدِّنا نرنم ، وفي أثناء أسفارنا نلهج بالتسابيح ، نسلك على كل حال كـمـواطـنين سمائيين .
الإنسان الروحي يظل دائماً في علاقة صميمية مع الله ، بحيث أنه يبدو في نفس الوقت وقوراً وفرحاً في كل الأحوال : وقوراً بسبب وعيه ( الدائم ) بالله ، وفرحاً بسبب كل الخيرات التي يمنحها الله للبشر… إنه يشكر الله دائماً من أجل التمتع المشروع بكل الخيرات : الطعام والشراب والروائح اللطيفة ؛ إنه يقدم الـبـكـور لـذاك الذي أعـطـاه كل شيء مقدماً الشكر من خلال ذاك الذي هو العطية الكبرى والمنحة العظمى ، كلمة الله … الصلاة هـي ـ أتجاسر وأقـول ـــ مـناجاة داخلية مع الله ، حتى ولو تهامسنا معه بهدوء ، أو تحـدثـنـا معه في صمت ودون أن نحرك الشفاه .
فهذا يعتبر صراخاً داخلياً ، والله دائماً يصغي إلى هـذا الـصـوت الـداخلي … نـعـم إن الإنسان الـروحـي الحـقـيـقي يصلي عبر حياته كلها . لأن الصلاة بالنسبة له هي الجهاد الدائم للاتحاد مع الله ، وهـو يـطـرح عنه كل شيء غير نافع ، لأنه قـد سـبـق فـوصل إلى حد الكمال ــ إذا جاز لنا هذا التعبير الذي يقوم على أساس أن كل شيء يعمل بالمحبة … إن حياته كلها تصبح ليتورجية مقدسة [1] .
البابا أثناسيوس الرسولي
ماذا قال البابا أثناسيوس الرسولي عن القديس أنبا أنطونيوس ؟
اشادتكم بالجهاد الصالح لرهبان مصر، ولتدبير نفوسكم وتفوقكم على هؤلاء السابقين في ممارستكم الفضيلة.
ولكى تبقى معكم (هذه السيرة) في وحدتكم، وليبقى اسمه (القديس انطونيوس) حيا بين الرهبان.
لذلك أتمنى حقا أن تكون هذه السيرة غاية أي أحد يريد أن يقدم العبادة لله باستقامة، وأن يكون الله هو غاية طلباتكم، ولكى لا تتألمون من كلامي عن أتعاب الطوباوي أنطونيوس في كيفية حياته والتداريب التي مارسها بنفسه والتي نشتاق اليها، وماذا احتمل في مواجهة هذه الحياة، وبأي طريقة سكب حياته الى النهاية، وعن حقيقة كلماته التي الهبت نفوسكم بالمحبة؛ كما نكشف لكم عن حماسه الكثير في تنفيذ الوصية.
ومن جهتي فهي منفعة عظيمة ومحبوبة أن يكون أنطونيوس المتوحد محفوظا في الذاكرة. وأعرف أنكم سامعين عن عجائب هذا الإنسان، وأنكم راغبون ومتحمسون لهذه الغاية، لأن حياة أنطونيوس تستحق أن تكون مثالا ونموذجا للرهبان في ممارسة التداريب الروحية. ولأن ما سمعتموه عنه من قصص قليل ولا تصدقونه؛ وتتوقعون أن تسمعوا الكثير عنه، لأن هؤلاء كلهم بجهد يصفونه عن بعد.
وأنا بسبب تشجيعكم لي أنقل لكم بواسطة هذه الرسالة لكي تتذكروه بها، وأنكم من ذلك الحين لن تتوقفوا عن الابحار للسؤال عنه. ولعل كل من تكلم عنه يعرفه بالفعل، من ندرة الكلام عن هذه القصة بصدق.
لذلك أتمنى أن تصل الرسالة اليكم والى كل الرهبان، وخاصة الذين اعتادوا على حياة الرهبنة، كما أكتب اليكم عن التعاليم الكافية حينما كنت محاصرا وجاهزا للرحيل، وكم كنت أسرع في الكتابة بجهد شديد، وبسبب أنى اعرفه بالفعل، (ومرات كثيرة كنت أراه)، وأتقوى بتعاليمه، وأرافقه فترات غير قليلة، وكان يصب على من ماء نعمته بحسب القوة التي فيه.
وبسبب تقواكم اجتهدت للكتابة باهتمام كامل عن الحقيقة، لكي يصدق كل من يسمع، وأيضا لم أقلل من الآلام الضرورية حتى لا يحتقر هذا الرجل أو يزدرى به [2].
وأيضاً للبابا أثناسيوس
رسالة إلى الرهبان
في المحبة وضبط النَّفس أو الاعتدال
هذه الرسالة باللهجة القبطية الصعيدية عُثر عليها ضمن مخطوطات الدير الأبيض تحت عنوان (رسالة أبينا الكلي القداسة والاحترام أنبا أثناسيوس رئيس أساقفة الإسكندرية ، في المحبة والاعتدال في سلام ) ، وهي ترجع إلي القرن التاسع ومنقولة عن مخطوط من القرن الرابع ، وقد نشرها فان لانتسشوت في مجلة الموزيون العدد ٤٠ لسنة ١٩٢٧ من صحيفة ٢٦٥ إلي ٢٩٢ تحت عنوان ( خطاب القدِّيس أثناسيوس في موضوع المحبة والاعتدال ) ، وقام بتحقيقها عالم القبطيات L.Th . Lefort .
اعلم أن من يكون متحداً مع أخيه يكون متحدا ً مع الله ، وأن من يكون في شقاق مع أخيه يكون في قطيعة مع الله ، ” إن من لا يحب أخاه الذي أبصره كيف يقدر أن يحب الله الذي لم يبصره ” .
ألم تر أنه لا شيء أعظم من السلام والبساطة إلي حد أن يتمالك كل إنسان نفسه أمام إهانة أخيه له سواء بالقول أو بالفعل ؟ ومع ذلك يقول المزمور “أسلك في كمال قلبي في وسط بيتي ” .
وإذا كان الرب قد أوصانا أن نحب أعداءنا وأن نبارك لاعنينا ، وأن نُحسن إلي مبغضينا ، ففي أي موقف خطير نكون عندما نُبغض إخوتنا الذين هم في نفس الوقت أعضاؤنا المقدَّسة وشركاؤنا في الوراثة ، وأبناء الله وأغصان منتقاة للكرمة الحقيقية ، وخراف ضالة ومشتتة جاء ابن الله الوحيد لأجل أن يفتديهم من العدو وقدم نفسه ذبيحة عنهم هذا هو واقع الحال – أي أن الإنسان ، الذي هو علي صورة الله ، والذي لأجله قد قاسي الكلمة الحي هذه الآلام – أنت تبغضه عن حسد وتعالي أو كبرياء ، هذه أوضاع أحاطك بها العدو لأجل أن يجعلك غريباً عن الله الحي .
فما هو العلاج الذي يشفي مثل هذا المرض؟ إلي من نذهب لأجل أن يعطينا علاجاً سريعاً قبل أن نقف بين يدي الإله الحي؟ بولس الطبيب الأمين يعلمك قائلاً ” أخيراً أيها الأخوة كل ما هو حق كل ما هو جليل كل ما هو طاهر كل ما هو مُسر كل ما سمعتموه ورأيتموه فيّ فهذا افعلوا وإله السلام يكون معكم “. وقال كذلك في موضع آخر ” ليُرفع من بينكم كل مرارة وسخط وغضب وصياح وتجديف مع كل خبث.
وكونوا لطفاء بعضكم نحو بعض شفوقين متسامحين كما سامحكم الله أيضاً في المسيح “. ويقول بطرس الرسول أيضاً ” وأما كلمة الرب فتثبت إلي الأبد، وهذه هي الكلمة التي بشرتم بها “. ويكمل فيقول ” فاطرحوا كل خبث وكل مكر والرياء والحسد وكل مذمة، وكأطفال مولودين الآن اشتهوا اللبن العقلي العديم الغش لكي تنموا به ” .
هذه هي علاجات الحياة التي أعطاها لنا الرسل، علمونا أن ننزع جذور الشر. لقد سمعوا معلمهم يقول ” لا تدينوا فلا تدانوا ، لا تقضوا علي إحد فلا يُقضي عليكم ، أغفروا يُغفر لكم ” فإذا كنت لا تغفر إعلم أنه لا يُغفر لك ، وإذا قضيت يقضي عليك ، وإذا حجزت علي أخيك لأجل دين ، وإذا أجبرته علي الدفع دون رحمة ، وإذا استخلصت لنفسك حقك في هذا العالم ، استعد لتقديم حساباً عن ديونك سواء أكان عن أقوالك أو عن خطاياك ، عندما تنال جزاءك في يوم الدينونة ، أمام جميع سكان الأرض ، وفِي حضور جميع قوات الملائكة ، وكذلك بحضور القديسين ، فيسألونك عن دينك أنت بينما فمك لا ينطق ، إذ أن ” الله يُحضر كل عمل إلي الدينونة علي كل خفي إن كان خيراً أو شراً ” .
علي كم من الخطايا ستحارب أيها الإنسان ؟ نجاسات كثيرة وبأشكال عديدة التي هي بمثابة الفنفرنية والديدان الآكلة لنفوسنا، نظراتنا المليئة بالشهوات الدنسة نُسبَب بها غماً للروح القدس، انحراف في الكلام المملوء بالخطيئة، ولسان متصلف يحرق ويدنس الجسد كله، كذب وتحايل ، مزاج وضحكات معيبة ، الأغتياب والحسد من قلبك المملوء جفوة ، شهوات البطن التي تبغض أخاك بسببها ، شهوات خفية من العار تسميتها ، فساد القلب نحو صورة الله ، غضب ووقاحة ، خلافات باطلة ونظرات متعالية ورياء وسكر . كل هذا هو ما نسأل عنه بسبب الخلافات بين قلبك وقريبك، لأنك لم تحز علي المحبة والوداعة في هذا العالم.
ألم تسمع القول ” الرحمة تفتخر علي الحكم ” وأن ” المحبة تستر كثرة من الخطايا ” وهكذا أبي السَّماويّ يفعل بكم إن لم تتركوا من قلوبكم كل واحد لأخيه زلاته “. فلنجتهد إذن في أن نحصل علي مخافة الله، إذ أن بمحبة الله كل منا يبتعد عن الشر وتفاضلون بكل عناية لأجل الطهارة، وبما أنكم مسكّن للرب ومكان راحة الروح القدس فلا ننجس مسكنه خوفاً من أن يفتقدنا الرب.
لقد لبسنا المسيح حبيب الإنسان الطيب، فلا نخلعه لأجل أشياء قذرة لقد عاهدنا الله علي البتولية، فلا نُفاجأ ونحن في حالة دنس. ولا نكون في مستوي أقل من سائر الناس، لقد قدمنا أنفسنا كتلاميذ المسيح، فلنتقشف تقشفاً تاماً خوفاً من أن نصير عبيداً للخطايا. لقد صرنا نوراً للعالم، فلا نكون عثرة للعالم بسبب تفككنا .
” وأما من يبغض أخاه فهو في الظُّلمة وفِي الظُّلمة يسلك ولا يعلم أين يمضي لأن الظُّلمة أعمت عينيه ” وقال موسي النبي ” لا تبغض أخاك في قلبك ” فلنُسر بالأحرى في التأمل والصمت ، مؤكدين أنكم في الإيمان بالإنجيل أساس كل أفعالكم الطيبة ، ولا تدخلوا في محادثات أو مناقشات مع أية هرطقة ” لئلا يفتري علي أسم الله ” فكثير من النفوس تدين بخلاصنا إلي الصمت والخلو من الفرض ، تاركين الإدانة للقاضي الحقيقي الذي قال ” لي النقمة أنا أجازي ” ، و ” الرب يسترد المطرود ” .
اسهروا إذن علي أنفسكم، لقد قال الله وليس العالم ذلك، أنه يبيد العصاة ، والذي يعلم كل شيء يقول لهم ” إني لا أعرفكم ” سواء أكنتم عذاري أو نساك آخذ الذي لي مع ربا .
أين ثبات أعمالكم الحسنة؟ أين نورك؟ إذا كنت خادمي أين خوفك ؟ وإذا كنت حبيبي أين مجدي ؟ في واقع الأمر أنك لم تراعني في هذا العالم، لقد قذفت في حقي وسخرت مني ، لقد حقرتني، ولذلك لا أعطيك سلامي ، لقد ائتمنتك علي وديعتي فبددتها ، لقد أهنت الفقير ، ولم تراع البائس والوديع ، أي لم تراعني .
هل غيرت لأجلي شيئاً مما أعطيته لك في العالم ؟ ألم أعطك الروح القدس ؟ ألم أعطك جسدي ودمي، لأجد منك أخي وحبيبي ؟ ألم أعطك الوسيلة والقوة لتدوس علي العدو وكل قوته ؟ ألم أعطك جملة علاجات للحياة تخلص نفسك بواسطتها ؟ وتوقف شهوات جسدنا ، فأعطتنا الطهارة والتيقظ اللتين لأجلهما يسكن الرب في الإنسان ، لأن الطهارة هي معبد الرب ، والتيقظ مكان راحته ، وأعطتنا المحبة والسلام ، القوي اللازمة للحرب ، التي تجعلك حبيباً للرب إذ أن الأعداء لا يستطيعون الأقتراب من المكان الذي توجدان فيه ، أعطتنا طول الأناة والروح والتسامح ، إذ حافظنا عليها نرث مجد جميع القديسين .
لقد أعلمتنا أن محاربة حزن العالم بواسطتها يعطينا سروراً ، لأن ” حزن العالم ينشيء موتاً ” . لقد أعلمتنا أن الكرم وحب الخدمة هما ثمرة أيد طاهرة حتي نجد الرحمة بواسطتها . لقد أعطتنا الصلاة وقوة الأحتمال ، وهما اللتان تملآن ضوءا عيون النَّفس ، حتي نشاهد مجد الواحد الغير المنظور ونحترم أبوته الفائقة التعبير .
لقد أعطتنا الخشية والبساطة اللتين توقفان الخبث وتنزعان حقد قوات الظلام الشِرّيّرة . وأعطتنا كتابة أن نلازم الصمت ، وألا نحاكم بعضنا بعضاً حتي نقهر الكذب ، تلك الرذيلة الخسيسة بين الشر ، وحتي نتأكد أن لا نتعرض للتوبيخ يوم القيامة . كما أعطتنا الصبر أمام الآلام والإهانات ، حتي لا يُخمد الكسل نشاطنا ، وما نشعر به من راحة في لحظة لا تغمرنا بالخجل ، إذ أن راحة الجسد وشبع الجسم هما مكان الراحة للدنس ، وطريق النجاسة ، لقد أمضي آباؤنا حياتهم في الحزن ، وفِي ضنك وكرب عظيم ، وفِي جوع وعطش ، وصاروا أحباب الطهارة .
وقد تجنبوا علي الأخص عادة تعاطي الخمر المليئة بالضرر ، إذ أن كل سجس وخلل في الأعضاء ينتج من سوء استعمال الخمر ، فهن شهوة مليئة بالخطايا ، وجدب يطيح بالثمار . إن اللذة الشرهة تجعل قوة التفكير مختلة وتجعلك سفيها ، وهي تحل لجام اللسان إلي حد اللامبالاة ، إن لذة الخمر تحزن روح الله القدوس ، فلنمتنع إذن عن سوء استعمال الخمر حتي لا ننغمس في اللذة .
يقول أشعياء النبي ” الكاهن والنبي ترنحا بالمسكر ” . ويقول موسي النبي ” إذا أرادت نفس أن تنذر نفسها للرب فيجب عليها – حتي الكاهن – ألا يشرب الخمر طوال أيام نذره ، ولا يأكل شيئاً يأتي من الكرمة ” ، لأنه كان يعلم ما كان ينجم عن الخمر من فساد ، ومن ” يترنح بها فليس بحكيم ” ولن يحافظ علي بتوليته الخالية من الدنس ” .
وأنه من الحسن ومن الخير الجزيل لكل من اعتزم أن يصير تلميذاً ليسوع أن يمتنع عن سوء استعمال الخمر . ولذلك فإن أباءنا قد علموا بما يسببه الخمر من متاعب وبؤس ، قد امتنعوا عنه ، ولم يشربوا إلا القليل بحساب ، فإذا كان قد سُمح لذلك القنوع الكبير تيموثاوس بالقليل منه فلأنه كان يشكو من علل كثيرة ، ولكن أقول لذلك المملوء قوة جسدية ، وفِي زهرة شبابه ، الذي تتكاثر عليه أمواج الدنس الصاخبة دون أن يستطيع الإفلات منها ؟ إني أخشي أن أقول له ألا يشرب إطلاقاً خوفاً من أن يتملل ، ومن أن يسيء القول من كانت شهوته للخمر كبيرة ، ويكره من يهديه ، إن هذه النصيحة ، في الواقع ، تكدر الكثيرين . إلا أن اليقظة ممدوحة والتقشف مقدس ، وإذا حافظ عليهما إنسان أنقذ سفينته ، وقادها دون مشقة إلي ميناء مدينة القديسين .
وأخيراً لقد أعطتنا التواضع ، وهو الحارس والمحافظ لجميع أثمارنا، إن التواضع هو القوة العظمي المقدَّسة التي ارتداها الإله عندما جاءنا ، وهو سياج كل فضيلة ، ودرع كل عمل طيب ، وإليها يشير القدِّيس بولس عندما قال ” حاملين فوق الكل ترس الإيمان الذي بواسطته ” تقدرون أن تطفئوا جميع سهام الشرير الملتهبة ” .
إن التواضع هو القوة الخلاصية ، والوسيلة لشفاء كل الجراح ، ويساعدك بحكمته في الحرب لأن تهدم الأسوار السميكة التي يحوطه بها الطاغية .
وعندما صنع ستار الخيمة ، في العهد القديم ، من اسمنجوني وارجوان وذهب فقط أحيط بحبل ، أي الوداعة ، لتسنده إن الوداعة شيء صغير في نظر العالم ، ولكنه ثمين وعظيم التقدير عند الرب . فإذا حصلنا في قلوبنا وعلي ألسنتنا علي تلك الوسيلة القوية نطأطئ بأقدامنا قوات العدو ، ويطفيء كل خبث .
لنجاهد ، أيها الأحباء ، من الآن فصاعداً ، إذ أن أيامنا قصيرة ، لقد كف الحزن بين الناس ، ولكن لنترك الماضي ، إن جهاداً كبيراً ينتظرك ، جهاد لا يذبل إكليله ولا تفسد جواهره ، وستجلس علي عرش أبدي عن يمين مجد الرب . فإذا انتصرنا سننال الحياة الأبدية ، ولكن إذا انهزمنا سنأسف عندما نقع في آلام قاسية ، يقول الرب ” قد جعلت قدامك الحياة والموت ، البركة واللعنة فاختر الحياة لكي تحيا ” .
فلنجاهد أنفسنا ، يا أحبائي إلي أقصي ما تسمح لنا به التوبة ” لأن كل من يجاهد يضبط نفسه ، في كل شيء ” كما يقول بولس ،” قد جاهدت الجهاد الحسن ، أكملت السعي ، حفظت الإيمان ، وأخيراً قد وُضع لي إكليل البر ” لَيْسَ فقط لنفسه ، ولكن لنا أيضاً إذا تحملنا بوداعة قمع الأهواء ، قمع الشهوات التي تثير الجسد ، وعاملنا بوداعة القريب الذي هو صورة الله ” .
لقد عاهدنا الله علي البتولية ، لا تكون بتولية في الجسد فقط ، ولكن بتولية خالية من الخطايا ، إذ أن هناك في الإنجيل عذاري طُردن لأجل كسلهن بينما اللاتي سهرن وكن مستعدات دخلن إلي العرس .
إله النعمة يجعلكم كاملين في يقظة تامة حتي ، بعد أن تنتصروا ، تصيرون وارثين مع جميع القديسين ، وتتمتعون في ثقة في مدينة سيدنا يسوع المسيح الذي له المجد والقوة والإكرام ، آمين [3] .
مديح لأنبا انطونيوس من وضع يوحنا أسقف أشمون ( في زمن البابا داميانوس ٥٧١ – ٦٠٥ )
مقدمة : اليوم نقدم وليمة لمدح أنطونيوس لأن مدح أنطونيوس يثير الغيرة في تلاميذه . وينبغي أن ننصت ونعجب لمدح أنطونيوس بواسطة أثناسيوس . فماذا نقدم نحن ؟ إن المضيف الحكيم لا يدعو ضيوفه إلى مائدة فخمة ، بينما مائدته الخاصة حقيرة . وينبغي أن تقدم أجود الخمر في آخر الوليمة .
لذلك جاء يسوع في آخر الأيام ، فإنه هو الكرمة الحقيقية ،والخمر التي تفرح قلب الإنسان ، والخبز الحقيقي النازل من السماء .وإذا قورن بأثناسيوس فإن يوحنا-كاتب المديح- ضعيف على الرغم من نيته الحسنة .
ولكن ضعفه سیزید تقديركم لأثناسيوس . والأفضل أن يقدم الإنسان ما في إمكانه عن ألا يفعل شيئا . وكلماته ستكون مثل البلح والمكسرات التي تقدم في آخر الوليمة ، وسيستشهد بكلمات أثناسيوس لئلا يحتقره أحد ، كما أن حامل راية الملك لا يجسر احد ان يحتقره.
مدح مصر : ينبغي أن نمدح أنطونيوس لأنه مصري . فلا يجب أن نتمادى في مدح قديسين غرباء وممل الذين من وطننا .
ومع أن الخطية كثرت في مصر ، لكن النعمة ازدادت جدا . فإن معظم القديسين نشأوا في مصر ، وفي مصر يرقدون . إن مصر خصبة السكانها ، وأما للغرباء فهي مكان يلجأون إليه .
وقد استقبلت إبراهيم ويعقوب ويوسف وموسى وإرميا ، بل واستقبلت الطفل يسوع ، ورفات يوحنا المعمدان في زمن يوليانوس الكافر . وفي مصر عاش آباء الرهبنة العظام . فكما أن مصر أرض خصبة بالخيرات الزائلة ، هكذا أيضا هي غنية بالقديسين الذين قدموا ثماراً روحية لله .
أنطونيوس الشاب : نتاج مصري صميم ، كمثل شجر البردي الذي لا ينمو في غير مصر . كان أبواه غنيين ، ولكن أنطونيوس احتقر العالم حتى قبل أن يصير راهبا . لقد سمع في الكنيسة كلمة يسوع للشاب الغني فأطاع بفرح وباع كل ما يملك . كما أن . طبيعة الطفل أن يأكل ويشرب وينام ، هكذا كانت الفضيلة طبيعة عند أنطونيوس ، فكان يذهب دائما للكنيسة ليسمع أقوال الله ، ويحفظها . كان أبواه مسيحيين، فكان کزيتونة خصبة نشأت من زيتونة خصبة. ويمكن أن نستشف عظمة أنطونيوس من صبوته كما يمكن أن نستشف عظمة المارد من أخمص قدمه.
تقدم أنطونيوس و نموه: لقد عاش بجوار النهر كما عبر الإسرائيليون البحر الأحمر، ثم انطلق إلى البرية كما ساروا هم في البرية . ومكث فيها أكثر من أربعين عاما. لقد عاش ١٠٥ سنة، منها ٨٥ سنة في البرية.
وكان لباسه من الخارج، ووبره من الداخل تشبها بلباس آدم وبآلام السيد المسيح . ومع ذلك لم يتضرر جسده لأن أجساد القديسين أخف وأكثر نورا من أجساد الخطاة، كما أن الإناء الخزفي المطبوخ بالنار يكون أخف من إناء الطين الرطب الطري . فرطوبة الشهوات قد جفت في أجساد القديسين .
وفي القيامة ستصير أجسادا روحانية تعكس نور الله. لا يمكن تشبيه أنطونيوس بأي شئ مادي . فكما أن الإنسان يعتبر عالم مصغرة ، هكذا كان أنطونيوس سماء مصغرة .
تشبيه أنطونيوس بالطغمات السمائية: أنطونيوس مثل ملاك ، بل رئيس ملائكة ، لأنه خادم الروح القدس، کامل في روحياته ، ومرشد للناس الآخرين .
مدح أنطونيوس: لا يمكن أن نتكلم عن أنطونيوس كما يستحق . إنه يمكن تشبيهه بالذهب من جهة إيمانه ، وبالفضة من جهة نقاوة تعليمه وبالحجارة الكريمة من جهة فضائله ، وبالنحاس من جهة كلامه الرصين ، وبالحديد من جهة ثباته . فالجميع تكلموا عن أنطونيوس؛ المؤرخون والكتاب والآباء العظام مثل أثناسيوس وباسيليوس وغريغوريوس ويوحنا (ذهبي الفم ) و کیرلس وساويرس وشنوده .
أنطونيوس مدحه البابا داميانوس وريث أثناسيوس على كرسيه، ووريث غيرته على أنطونيوس . وقد كرمه أيضا الأسقف نيقولاوس الذي کرس هذا الموضع على اسم أنطونيوس .
ختام العظة : يجب أن نختم أقوالنا حتي يعود المؤمنون إلى بيوتهم بعد ليلة كاملة قضوها في السهر أمام الكنيسة . أنطونيوس أب محب لأبنائه ، محب للأساقفة ، محب لمصر وشعبها .
ينبغي أن نطلب من أنطونيوس أن يبقى معنا في هذا الموضع ، وأن تحفظ أخته العذراء مجمع العذاری .
أنطونيوس وأخته يفتقدان معا الرهبان والعذاری ، لأن الجسد الروحاني ليس فيه فرق بين ذكر وأنثى . يجب أن نطلب من أنطونيوس أن يحفظ المؤمنين من عار الخطية ، ومن أعدائهم . لیكن أنطونيوس سور نار لهذه المدينة ، ويحفظ السكان فيها من الخطية [4].
رسالة للقديس الأنبا أنطونيوس يحث أولادة على الجهاد ويذكرهم بجهادة
يا أيها الأحباء بالرب انا أكتب اليكم مثل الأبناء الأحباء عند آبائهم لأن الأبناء الجسدانيين اذا ما تأملوا آبائهم و وافقوهم فأن الآباء يحبونهم من كل قلوبهم ويكرمونهم غاية الأكرام أكثر من أبنائهم غير المطيعين لهم .واذا كان لهم شيء حسن أدخروه للأولاد الموافقين لهم والمتشبهين بهم.
فاما أنتم يا أحبائي بالرب الذين أنا أحبهم بكل القلب أشتهى أن أكون عندكم في كل حين وأنظركم وأبارك عليكم . لأن تعهدكم لى وتشبهكم بى ورجوعكم إلى الله . فانى أرى كل ذلك متقسيما وقد حللتم بقلبى من أجل كل هذا ، ومن الآن فانا أطلب إلى إلهى بسببكم ليلاً ونهار لكيما يعطيكم مواهبه التي أعطانيها بنعمته فقط لا باستحقاق .
لأن هذا هو الغنى العظيم الذى اعطانيه ربنا وأنا أسأله أن يعطيه لكم وهذا غاية شهوتي وطلبتي دائماً الليل والنهار ، أن تكونوا في الموضع الذى أكون فيه عند انتقالى من هذا الجسد . لأن ربنا دائماً من صغرى إلى هذا اليوم يسمع لى وأنا عالم أنه برحمته يجيب لى هذه أيضاً .
وقد كتبت اليكم لعظم محبة قلبى فيكم لأنكم بجهادكم للرب تشبهتم بى في كل شيء . واعلموا أن سيدنا المسيح لأجل محبته العظيمة هكذا صنع بالتلاميذه . اذ قال اننى لست أدعوكم الآن عبيداً بل أخوة وأحباء وأبناء ولما صاروا له بنين طلب إلى الآب لأجلهم قائلاً : يا أبت أريد أن يكون هؤلاء حيث أكون أنا لانى أنا فيك وهم في لكى نكون أجمعنا كاملين في الوحدانية. فانظروا وأفهموا كيف طلب ربنا يسوع المسيح من أبيه لأجل تلاميذه لكونهم صاروا له بنين وان يكونوا معه حيث يكون هو .
وهكذا الآن هي طلبتى يا أحبائى أن نكون جميعاً في المكان الذى ليس فيه حزن ولا مرض ولا ظلمة ولا أرواح خبيثة بل مملوءة من كل السرور والنور والحياة الأبدية والأكاليل التي لا تضمحل وأشياء أخر كائنه هناك لا يستطيع اللسان أن يصفها لأنها دائمة إلى أبد الأبد فيا أولادى صلوا إلى الرب أن يسهل طريقى اليكم دفعة أخرى وأقيم عندكم زماناً ما .
لأنى أعلم أن هذا لبنيانكم وفرحكم بالإيمان . فأنا أيضاً أفرح اذا أتيت اليكم لتفرحوا وتنموا بزيادة في الإيمان . وأعرفكم بأسرار أخر كثيرة لا يمكننى أن أكتب اليكم . وأمكم سارة التي هي الروح تفرح بكم . هذه التي أكملت حملها وولدت روحاً إلهياً فيكم وتشتهى أن تكملكم كما طلبت منها عنكم بذلك الروح النارى العظيم الذى قبلته أنا لتقبلوه أنتم أيضا .
واذا أردتم أن تقبلوه ويسكن فيكم فقدموا أولاً أتعاب الجسد وتواضع القلب وأرفعوا أفكاركم إلى السماء في الليل والنهار وأطلبوا باستقامة قلب هذا الروح النارى وحينئذ يعطى لكم . لأنه هكذا وصل اليه إيليا واليشع وكافة الأنبياء .
ولا تفكروا في قلوبكم وتكونوا ذوى قلبين وتقولوا من يقدر أن يقبل هذا ! لا يا أولادى لا تدعوا هذه الأفكار تأتى على قلوبكم . بل أطلبوا باستقامة قلب وأنتم تقبلونه . وأنا أيضاً أبوكم أجتهد معكم وأطلب لأجكم أن تقبلوه لأنى أنا عارف انكم كاملين وقادرين على قبوله . لأن كل من يفلح ذاته بهذه الفلاحة فان الروح يعطى له في كل جيل وإلى الأبد .
وأعرف أن أناساً قبلوه ولما لم يكملوا هذه الفلاحة لم يثبت الروح فيهم فأما أنتم يا أحبائى الذين أشتهى من كل قلبي أن أنظر كم لأجل استقامة عقولكم على الطريق الحق داوموا على الطلبة باجتهاد من كل قلوبكم فانه يعطى لكم .
لأن ذلك الروح يسكن في القلوب المستقيمة واذا قبلتموه فانه يكشف لكم أسرار علوية وأشياء أخر لا استطيع أن أعبر عنها بالكتابة بالقلم والمداد ، ويجعلكم أن تبتعدوا عن خوف البشر والوحوش الضارية وما يشبه ويكون لكم فرح سماوى ليلاً ونهاراً وتكونون في هذا الجسد كمن هم في ملكوت السموات .
ولا تطلبوا عن أنفسكم فقط بل وعن الآخرين لأن كل من قبل الروح لا ينبغي له أن يطلب عن ذاته لكن عن الغير أيضاً . كما صنع موسى لما قبل هذا الروح طلب من أجل شعبه قائلاً لله أن كنت تهلك هؤلاء فامحى اسمى من سفر الحياة الذى كتبت وهكذا تكون طلبة كل من وصل إلى هذا الحد من القديسين وغيرهم . فاننى لا أقدر أن اصفهم باسمائهم واحداً واحداً . أما أنتم فحكماء وتعرفونهم وأنا فطلبتى الآن نهارًا وليلًا ليكون فيكم عظمة لذة هذا الروح الذى قد قبله جميع الاطهار .
وانى يا أولادى الحباء ، بعد أن كتبت هذه الرسالة تحرك في روح الله أن أكتب لكم عن هذا الروح النارى في آخرها وعن المحبة الإلهية. وإذا أتيت اليكم بمعونة الله عرفتكم أشياء أخر كثيرة عن الروح النارى هذا لكى تقتنوا جميعاً.
وكما بثثتكم السلام في بداية الرسالة كذلك أيضاً ابثكم السلام بمحبة الرب في آخرها بهذا الروح النارى الذى قبلته أنا وأياكم بنعمة الرب . وأطلب اليكم تتركوا ارادتكم الحسية وتلزموا الهدوء بكل نوع لكى تسكن فيكم القوات العلوية بمؤازرة هذا الروح القدس وتعينكم على العمل بإرادة الثالوث الاقدس الآب والأبن والروح القدس له السبح دائماً سرمدياً إلى أبد الأبدين آمين. [5]
أنبا أنطونيوس والحرية الحقيقية
الرسالة الرابعة لأولاده الرهبان يعلمهم أن العبودية بناموس الفضيلة ليست عبودية بل بنوة الحرية
أنطونيوس يكتب لأحبائه بالرب السلام أني لست أَمل من أذكاركم يا نصيبي الكنيسة وأَريد أن تعلموا أن محبتي فيكم ليست جسدانية بل محبة روحانية لأن شركة الجسد غير ثابتة ولا باقية لأنَها متحركة مع الرياح الغريبة .
فكل من يخاف الله ويحفظ وصاياه فإن هذا يكون عبداً للإله وهذه العبودية التي نحن ليست عبودية بل هي براً تؤدَي لطريق البنوة
فمن أجل هذا اختار ربنا الأنبياء والرسل وائتمنهم علي البشري الرسولية وصاروا مأسورين بيسوع المسيح .
لأن الرسول بولس يقول أني أسير يسوع المسيح وكتاب الناموس جعل لنا عبودية صالحة لكي نستطيع أن نتسلط علي جميع الآلام ونكمل الخدمة الصالحة التي للفضيلة المقولة من جهة الرسول .
فإذا اقتربنا من النعمة عند ذلك يقول لنا ربنا يسوع كما قال لتلاميذه لست أدعوكم من الآن عبيداً بل أحبائي وإخوتي لأني كل ما سمعته من أبي أعلمتكم به ، أن الذين اقتربوا من النعمة علموا بالروح القدس وعرفوا جوهرهم العقلي . فلما علموا وعرفوا ذاتهم صرخوا قائلين : إنَّا لم نقبل روح العبودية فنخاف بل روح البنوة الذي به نصرخ أَيها الآب يا أَبانا .
فإنا نعلم بالذي أَنعم به الله علينا إذ جعلنا بنين وإذ صرنا بنين فنحن ورثة الله وشركاء ميراث القديسين .
فيا أيها الإخوة الأحباء الوارثين مع القديسين ليست الفضائل بأَجمعها بعيدة عنكم بل هي لكم وفيكم ، وأنتم فلستم مختفين في هذا العالم الوقتي بل ظاهرين لله ، وروح الله لا يسكن في نفس أو جسد خاطيء لأنه قدوس وبعيد من كل غش .
وأنا بالحقيقة يا أحبائي أكتب إليكم كأُناس ناطقين وقد استطاعوا أن يعرفوا ذاتَهم لأن الذي عرف ذاته فقد عرف الله ، فلأّجل هذا ينبغي لنا أن نسجد له كما يجب .
والآن يا أحبائي بالرب اعرفوا ذواتكم لأن الذين عرفوا ذواتهم عرفوا الزمان ، والذين عرفوا الزمان استطاعوا القيام بلا اضطراب من اللغات المتغيرة .
لأن أريوس قام بالإسكندرية وذكر كلاماً غريباً عن الوحيد الجنس الذي إذ ليس له ابتداء قد جعل له ابتداء ، والذي ليس بمضطرب مضطرباً ، ونحن نعلم أنه إذا أخطأ إنسان لإنسان يُطلب من أجله للإله ، والذي يخطيء للإله فلمن يُطلب من أجله[6]
الأب صفرونيوس
٩-لا يقوّ الشيطان على حياتنا، فهو يجهل أفكارنا ومشاعرنا حسب تعليم الشيوخ الذى سلّمه إلينا معلمنا القديس أنطونيوس الكبير بالشيطان يراقب من الخارج ،ومن تصرفاتنا يعرف – ليس عن يقين-ما يحدث فى داخلنا ،بل يتوقع من طول خبرته مع البشر ،أن يعرف من حركات الجسد ومن الكلمات ما يحدث فى داخل القلب ،وهو لا يقو على أن يدخل قلب إنسان ألا إذا كان فى القلب خيانة وارتداد عن الإيمان ،وتسليم الإرادة المطلق، وسماح رحمة الله بأن تحدث هذه الكارثة الحقيقية لإنسان.
١٠-بالشيطان لا يملك أن يسود على إنسان، إلا إذا سمح الله له بذلك ،وهو لا يقو ولا يتسلط علينا إلا إذا أردنا نحن ذلك مغلوبين من شهواتنا ونجاسة دوافعنا دوافعنا. لنقل مع رسول المسيح “نحن لا نجهل أفكاره “(٢كو٢: ١١) ولما مع الطوباوى انطونيوس العظيم”هؤلاء بمركبات وهؤلاء بالخيول أما نحن فبإسم الرب إلهنا نتعظم”(مز ١٩: ٧) ومع موسى النبي”قم أيها الرب الإله وليتفرق جميع أعدائك وليهرب من أمام وجهك كل مبغضي إسمك القدوس”. ويقول معلمنا القديس أنطونيوس “المسيح أتى حقاً،وجعلك ضعيفاً،وبإنتصاره عليك عراك .طالما سمع اسم المخلص لم يحتمل النار التي فى إسم المسيح تتلاشى إذ صار غير مرئي”
١١-لنحرص على هدوء القلب وثبات الإرادة بوسيلة واحدة وحيدة وهى محبتنا لله حسب قول الرسول “أما غاية الوصية فى المحبة “(١تي١: ٥) لنسعى لهذه الغاية بقوة من مات عنا العلامة الصليب لكي تنمو فينا هبة الإيمان ،وتصبح مثل شجرة عظيمة لا تقوى عليها رياح الشكوك وكذب الأرواح الشريرة.
١٢-يقول أبونا العظيم انطونيوس إن هجوم الأرواح الشريرة يرافقه ويسبق أحيانا الرعب واضطراب النفس وتشويش الفكر والحزن والخوف من الموت ولذلك علينا أن نطلب المدافع عنا والمحامى عن حياتنا، الراعى الصالح ربنا يسوع المسيح الذى ارسل الروح القدس المعنى لكى يحمي حياتنا ويعرض فينا السلام. لا يمكن أن نقتلع الخوف من الناس من قلوبنا مرة واحدة:
١٣-إن ما عرضته الأيام والناس فينا طوال أيام غربتنا ،هو مثل شبكة الصيادين،لا يمكن القضاء عليها مرة واحدة، بل يقطع الروح القدس هذه الشبكة فى موضع معين لكي تتحرر ونقوم بواسطة الاتحاد بالروح القدس بالقضاء على باقى الشبكة، لذلك علينا أن نلاحظ إن ما نقضى عليهةبقوه الإرادة قد يظل فى الذاكرة، وهذا لا يجب أن يُضعف رجاءنا ،وما نطرده من الذاكرة قد يكون له أصل فى رغبات اعتبرناها غالية وهامة .وما نطارده من رغبات القلب قد يكون بمثابة أحد المبادئ التي نخرص عليها،ولذلك لا يحب أن نفشل أو نحزن إذا وجدنا بعض حِبال الشبكة غير مقطوع ،بل نثابر على أن نحيا صليب ربنا يسوع المسيح ،وهو الذى سوف يكشف لنا عن كل الضعفات الداخلية التي تجمعت وصارت شبكة واحدة متصلة الحلقات .
١٤-لقد وهبنا الرب هذا العمر وأيام الحياة لكي متفرغ بنقاوة وطهارة نفوسنا. اليأس خطية تعادل كل الخطايا:
١٥- يقول الرسول “لا يجب أن نيأس لأن خفة الضيق فى الزمان الحاضر تنشئ لنا ثقل مجد أبدي” وهكذا ليكن لنا حذر من أسهل وأفظع أسلحة الشيطان -وهو اليأس- لانه يُحاربنا قائلا لنا إن الله قد تركنا وإن المسيح غاضب علينا لكى نقع فى لُجة وبحر اليأس ونهلك مثل يهوذا …هذا تحذير أكتبه بدموع، لأنني رأيت الذين ساروا لازم فى أول الطريق، ثم فقدوا الرجاء بسبب عنف ضربات سلاح اليأس التى ضربهم بها الشيطان، لأن اليأس خطية تعادل كل الخطايا،أي أنها تجعل كل الخطايا مثل خطية اليأس،لأن اليأس يقود إلى الموت. الخوف من كسر الوصية:
١٦- على الذين يسلكون طريق الحياة أن يدركوا إن محبة الله لا تُقاس، ولا يمكن مقارنتها لا بمحبة الآباء والأمهات، ولا بمحبة الآباء الروحانيين. محبة الله أعظم، لذلك لا يجب أن نجعل كسر الوصية أو الخوف من كسر الوصية حائلا بيننا وبين الله، بل ليكن لنا ثقة فى روح المحبة-أب الروح القدس-لكى ننال منه المعونة حتى وإن كنا فى بئر الخطايا ،لأن الخروف الضال خلص بواسطة محبة الراعي هو الذى طلب الخروف.
١٧- لا يقتني أحد فى قلبه رعب من الله،لأن تجسد ربنا يسوع المسيح جعل رأس الإنسانية الجديد-أى يسوع المسيح- نفسه فى الآب وفى الروح القدس ،وبذلك أباد رعب القديسين وخوف الابرار من الله ،فهو الوسيط الواحد والوحيد الذى حمل معه إلى قدس الأقداس ،الطبيعة البشرية وأجلسها على كرسى وعرش اللاهوت إلى الأبد عن يمين الآب ،حيث يترأس ويرفع فيما “مؤكداً لنا أنه لا دينونة الآن على الذين هم فى المسيح يسوع(رو٨:١)[7].
القديس كيرلس الأسكندري
الوكيل الأمين الحكيم للقديس كيرلس الاسكندري
(لو ١٢: ٤١ – ٤٨)
إنه أمر صالح ويؤدي إلى خلاصنا أن نوجه نظرة سريعة نفاذة من عقلنا إلى كلام الله، لأنه مكتوب عن الكلمات التي يقولها الله: ” من هو حكيم حتى يفهم هذه الأمور، أو فهيم حتى يعرف معناها ” (هو١٤: ٩س)، لأن مجرد السماع وقبول الكلمة المنطوقـة في الأذن، هو أمر مشترك بين الناس: للحكماء ولغير الحكماء، لكن عادة النفاذ العميق إلى الأفكار النافعة يوجد فقط لدى من هم بالحق حكماء.
لذلك فلنطلب هذا الأمر مـن المسيح، لنقتدى بالطوباوي بطرس ذلك التلميذ المختار، ذلك الوكيل الأمين، والمؤمن الحقيقي، الذي عندما سمع المسيح يقول كلاما له منفعة عظيمة لهم، طلب أن يشرح له (الرب) ما قاله، ولم يدع الأمر يعبر بدون فهم، لأنه لم يكن قد أدرك معناه بوضـوح بعد، لأنه قال: “يا رب ألنا تقول هذا المثل أم للجميع أيضا؟” (لو ١٢: ١٤).
إنه يـسأل: هل هذا قانون عام يسري على الكل بالتساوي، أم هو يناسب فقط أولئك الـذين هـم أعلى من الباقين؟ فما الذي أزعج التلميذ الحكيم، أو ما الذي جعله يرغـب أن يتعلم أمورا كهذه من المسيح؟ لذلك فسوف نناقش هذه النقطة أولا.
إذن توجد بعض وصايا تناسب فقط أولئك الـذين قـد وصـلوا إلـى الكرامـات، الرسولية، أولئك الذين امتلكوا معرفة أكثر من المعتاد وامتلكوا فضائل روحية أعظم، بينما هناك وصايا أخرى تخص من هم في حالة أدنى، ويمكننا أن نرى ممـا كتبـه المغبوط بولس إلى بعض تلاميذه أن هذا الكلام الصحيح ـ بحسب ما قلته: “سقيتكم لبنا لا طعاما لأنكم لم تكونوا بعد تستطيعون، بل والآن أيضا لا تستطيعون، أمـا الطعام القوي فللبالغين الذين بسبب التمرن قد صارت لهم الحواس مدربة على التمييز بين الخير والشر ” (كو٣: ۲)، (عب٥: ١٤). فمثلاً كما أن الأحمال الثقيلة جـداً يمكـن أن يحملها أشخاص لهم بنية قوية جدا، وهذا ما لا يقدر عليه ذوو البنية الضعيفة، هكـذا يمكننا أن نتوقع بصواب من أصحاب الذهن القـوي أن يتممـوا الوصـايـا البـسيطة والسهلة جدا والخالية من كل صعوبة، فإنها تناسب أولئك الذين لم يصلوا بعد إلى هذه القوة الروحية.
لذلك فإن الطوباوي بطرس إذ فكر في نفسه في قوة الكلام الذي قالـه المسيح، سأل بصواب، هل يشير كلام الرب إلى كل المؤمنين، أم هم وحدهم أي الذين دعوا، وخاصة أولئك الذين شرفوا بعطية السلطات الرسولية؟
وماذا كان جواب ربنا؟ إنه استخدم مثالا واضحا صريحا جدا، ليظهر أن الوصية موجهة بنوع خاص إلى أولئك الذين يشغلون مركزا أكثر كرامة، وقد قبلوا في رتبـة المعلمين. لأنه يقول: “فمن هو الوكيل الأمين الحكيم الذي يقيمه سيده علـى خـدمـه ليعطيهم طعامهم في حينه” (لو ١٢: ٤٢). إنه يقول: ” لنفترض رب بيت كان مزمعـا أن يسافر في رحلة، أوكل لواحد من عبيده الأمناء مهمة تدبير كل بيته، لكي يعطي أهل البيت (أي خدمه)، الطعام المستحق لهم في حينه.
ويقول، لذلك عندما يعود إلى بيته، إن وجده يفعل هكذا كما أمره، سيكون ذلك العبد مغبوطا جدا ويقول إنه سوف يقيمـه على جميع أمواله. ولكن إن كان مهملاً وكسولاً ويسر بضرب العبيد رفاقـه ويأكـل ويشرب مستسلما لأهوائه وشهواته، فحينما يأتي سيد ذلك العبد في يـوم لا ينتظـره، وفي ساعة لا يعرفها فإنه سيشقه من وسطه، أي أنه سيعاقبه بأشر عقوبة”.
هذا هو المعنى البسيط والواضح للفقرة، والآن إن ثبتنا ذهننا بدقـة فـي الـنص، سنرى ما هو المقصود به، وكيف أنه نافع لأولئك الذين دعوا إلى الرسولية، أي إلـى وظيفة المعلم.
لقد أقامهم المخلص كوكلاء على خدمه ـ أي على أولئك الـذين تـم ربحهم بواسطة الإيمان لكي يعرفوا مجده – أناس أمناء ولهم فهم عظـيم ومتعلمـين جيدا في التعاليم المقدسة، وقد أقامهم وأمرهم أن يعطوا العبيد رفقاءهم ما يحق لهم من الطعام، وذلك ليس اعتباطا وبدون تمييز، بل بالأحرى في الوقت المناسب وأقصد به الطعام الروحي كما يكفي لكل فرد ويناسبه.
لأنه لا يليق أن نقدم تعليما عن كل النقاط لكل الذين قد آمنوا بالمسيح، لأنه مكتوب: “معرفة اعرف نفوس قطيعـك” (أم٢٧: ٢٣). لأن الطريقة التي بها نثبت في طريق الحق من قد بدأ الآن أن يصير تلميذا هي مختلفـة تماماً إذ أننا نستعمل فيها تعليما بسيطا لا يكون فيه شيء عميق أو صـعب الفهـم، ناصحين إياه أن يهرب من ضلال تعدد الآلهة، وبطريقة مناسـبة نقنعـه أن يعـرف بواسطة جمال الأشياء المخلوقة، الصانع والخالق العام الذي هو واحد بالطبيعة، وهو الله بالحقيقة. وتلك الطريقة تختلف عن الطريقة التي: نعلم بها أولئك الذين هم أكثر ثباتا في الذهن، ويقدرون أن يفهموا ما هو العلو والعمق والطول والعرض، وأن يـدركوا تعريفات اللاهوت الفائق. لأنه كما سبق وقلنا: ” وأما الطعام القوي فللبالغين”.
لذلك فمن يقسم لرفقائه في العبودية بحكمة، في الوقت المناسب نـصيبهم بحـسب احتياجهم أي طعامهم، فإنه يكون مغبوطا جدا بحسب كلمة المخلص، لأنه سيحسب مستحقا لأمور أعظم، وسوف ينال مكافأة مناسبة لأمانته. إنه يقول “لأنه يقيمه علـى جميع أمواله”. وهذا قد علمنا إياه المخلص في موضع آخر، حيث يمتدح العبد الأمين والنشيط بقوله: “نعما أيها العبد الصالح والأمين، كنت أمينا في القليل فأقيمك علـى الكثير، ادخل إلى فرح سيدك” (مت٢٥: ٢١).
ويقول الرب إنه لو أهمل واجبه في أن يكون مجتهدا وأمينا، وازدرى بالسهر في هذه الأمور كأن السهر ليس مهما، وجعل ذهنه يسكر بالاهتمامات الدنيوية، وسقط في سلوك غير لائق، فيتسلط بالقوة، ويظلم أولئك الخاضعين له، ولا يعطـيهـم نـصيبهم، فإنه سيكون في قمة التعاسة.
لأني أظن أن هذا هو المقصود بأنـه يقطـع. ويقـول ويجعل نصيبه مع الخائنين”. لأن كل من أساء إلى مجـد المـسيح، أو تجاسـر أن يستخف بالقطيع المؤتمن على رعايته، فإنه لا يختلف من أي ناحية عن أولئك الذين لم يعرفوا الرب أبدا، ومثل هؤلاء الأشخاص سيحسبون بحق ضمن أولئـك الـذين لـم يعرفوا الرب أبدا، ومثل هؤلاء الأشخاص سيحسبون بحق ضمن أولئك الذين ليس لهم محبة نحو الرب، لأن المسيح أيضا قال ذات مرة للمغبوط بطرس: “يا سمعان بن يونا، أتحبني! ارع خرافي، وارع غنمي” (يو٢١: ١٦، ١٧).
لذلك إن كان من يرعـى خرافـی يحبها، هكذا بالطبع فمن يهملها ويترك الخراف التي قد أؤتمن عليها بدون رعاية، فإنه يبغضها، وإن أبغضها فسيعاقب، ويكون عرضة للدينونة المحكوم بهـا علـى غيـر المؤمنين (الخائنين)، لأنه يدان بسبب إهماله وازدرائه، وهكذا كان ذلـك الـذي نـال الوزنة ليتاجر بها في الروحيات ولم يفعل، بل بالعكس أحضر ما قد أعطي له بدون ربح قائلاً “يا سيد عرفت أنك إنسان قاس تحصد حيث لم تزرع، وتجمع من حيث لم تبـذر، فخفت ومضيت وأخفيت وزنتك في الأرض، هوذا الذي لك” (مت٢٥: ٢٤ -٢٥).
لكن الذين أخذوا الخمس وزنات أو أكثر منها، وتعبوا وأحبوا الخدمة، قد شرفوا بكرامات مجيدة لأن واحدا منهم سمع القول: “ليكن لك سلطان على عشر مدن” (لو۱۹: ١٧ :١٩) بينمـا ذلك العبد المستهتر والكسول لاقى أقصى دينونة.
لذلك فهو خطر أو بالحري يسبب هلاك الناس، أن يكون الإنسان مهملاً في تأدية واجبات الخدمة، ولكن تأديتها بغيرة لا تكل يجلب لنا الحياة والمجد. وهذا يعني أن نتكلم مع العبيد رفقائنا بطريقـة ســليمة وبدون خطأ في الأمور التي تخص الله، وكل ما من شأنه أن ينفعهم في الوصول إلى المعرفة والمقدرة على السلوك باستقامة. والمغبوط بطرس أيضا يكتب إلـى بعـض الأشخاص قائلاً: “ارعوا رعية الله التي بينكم، ومتى ظهر رئيس الرعـاة تنـالون مكافأتكم” (انظر ابط ٥: ٢-٤).
ولأن بولس أيضا يعرف أن الكسل هو باب الهلاك، يقول: ويل لي إن كنـت لا أبشر” (١كو٩: ١٦). وكون تلك العقوبة المرأة والحتمية تهدد كل من هم كسالي في هذا الواجب، هذا ما أظهره المخلص في الحال بإضافة مثالين واحدا بعد الآخر فقال: “لأن العبد الذي يعلم إرادة سيده ولا يستعد ولا يفعل بحسب إرادته فيضرب كثيرا، ولكن الـذي لا يعلـم ويفعل ما يستحق ضربات يضرب قليلا”.
والآن فإن الذنب لا جدال فيه في حالة مـن عرف إرادة سيده لكنه أهملها بعد ذلك، ولم يفعل ما كان يجب عليه أن يعمله. فإن هذا ازدراء واضح، لذلك يستحق ضربات كثيرة، لكن لأي سبب أوقعت ضـربات قليلـة على من لم يعرف إرادة سيده ولم يفعلها ! لأنه ربما يسأل أحد، كيف يمكن لمن لـم يعرف إرادة سيده أن يكون مذنبا؟ السبب، هو لأنه لم يعرفها رغم أنه كان في مقدوره أن يتعلمها. لكن إن كان الذي توقع عليه ضربات كثير بعدل وهو الذي عـرف إرادة سيده واحتقرها؟ ” فكل من أعطي كثيرا يطلب منه كثيـرا، ومـن يودعونـه كثيـرا يطالبونه بأكثر” (لو١٢: ٤٨).
لذلك، فمن يعلمون دينونتهم كبيرة جدا، وهذا أوضحه تلميذ المسيح، بقولـه: “لا تكونوا معلمين كثيرين يا إخوتي عالمين أننا نأخذ دينونة أعظم” (يع٣: ١).
لأن إعطاء المواهب الروحية يكون بسخاء لأولئك الذين هم رؤساء الشعب، لأنه هكذا كتب بولس الحكيم أيضا في مكان ما إلى تيموثاوس المغبوط: “ليعطك الرب فهما في كل شيء” (۲تی۲: ۷) و”لا تهمل الموهبة التي فيك التي أعطيت لك بوضع يدي” (انظر ٢تـی١: ٦).
فهؤلاء الذين أعطاهم مخلص الكل كثيرا هكذا، يطالبهم بكثير. وما هي الفضائل التي يطلبها؟ الثبات في الإيمان، سلامة التعليم، أن يكونوا راسخين جداً فـي الرجـاء، صابرين بلا تزعزع ولهم قوة روحية لا تغلب، فرحين وشجعان في كل إنجاز ممتاز جدا، لكي بذلك نكون أمثلة للآخرين في الحياة الإنجيلية لأننا إن عشنا هكذا، فالمسيح سوف ينعم علينا بالإكليل، الذي به ومعه يليق الله الآب التسبيح والسلطان، مع الروح القدس إلى أبد الأبدين آمين [8].
القديس غريغوريوس النيسي
السهر الملائكى
لقد أعطى الرب لتلاميذه عدة وصايا يصلون خلالها الى التجرد من الأمور المادية التي هي مثل الطين حتى يعدهم للمسير والصعود.
وأحدي هذه الوصايا هي السهر والتغلب على النوم، ولذلك أوصاهم أن يكونوا دائما يقظين فى الروح وان يتركوا النعاس والكسل اللذين يخدعان الروح ويبددان الحق.
والنعاس والكسل يرمزان الى الخيالات والانغماس الجسدي في العالم، وأنا أعنى بالعالم الحياة العامة والمال والمظاهر الخادعة الباطلة ، لأن كل هذه الأشياء سوف تفنى وتزول مع الزمن وهى مجرد ظل فقط ولن تدوم كما نظن نحن ، لأنها لن تبقى للأبد كما نفكر نحن ، فهي سوف تمر وتعبر بعد ظهورها مباشرة فهي تشبه الموج الذى يرتفع فوق المياه ولكن في لحظة سريعة يتلاشى بفعل الريح وينزل الى لا شيء لذلك فان عظمة المجد العالمي لن تبقى وتدوم وستصير مثل الأمواج التي تتلاشى وتصير كلا شيء بفعل العواصف والرياح وعندئذ يهدأ البحر ويصير ساكنا ولذلك يجب ألا ينشغل عقلنا بتلك الخديعات ، ويجب أن نتخلى عن ذلك النعاس ،وننزعه من عوننا ومن أرواحنا لئلا ننجذب لهذه الخديعات وننزلق من الأشياء الالهية الحقيقية . ولذلك يدعونا الرب أن نسهر قائلا ” لتكن أحقاؤكم ممنطقة وسروجكم موقدة … طوبى لأولئك العبيد الذين اذا جاء سيدهم يجدهم ساهرين ” (لو١٢: ٣٥-٣٦) لأن النور حين يسطع في عيوننا فأنه يبدد النوم.
والجسد يسهر حين نمنطق حقوينا ولا نغلب من النوم، وهذا الدرس واضح وهو أن الانسان الذي يمنطق نفسه بضبط النفس فانه يحيا في نور ونقاوة الضمير وسوف تشرق حياته بمصباح المحبة، لهذا فأنه تحت أشعة الحق سوف تستيقظ روحه ولا تنام أو تخدع أو ترتبك بتلك الأشياء العالمية الزائلة. وإذا ما نحن اكملنا وصية السهر كما يوجهنا الرب يسوع المسيح عندئذ سوف نسلك فى الحياة الملائكية.
لأن الوصية الالهية نشبهنا دائما بالملائكة ” وأنتم مثل اناس ينتظرون سيدهم متى يرجع من العرس حتى اذا جاء وقرع يفتحون له الوقت ” (لو١٢: ٣٦) أنهم الملائكة الذين استقبلوا الرب حين رجع من عرس الصليب وهم ظلوا ساهرين منتظرين أمام بوابات السماء. وحين قام العريس ورجع الى عرش مجده الذي هو فوق كل الأمجاد استقبلته الملائكة عندئذ.
ووفقا للمزمور الذي يقول ” وهى مثل العريس الخارج من حجلته ” (مز١٩: ٥) أى أن الرب يسوع المسيح قد خطبنا لنفسه عن طريق سر المعمودية المقدس. نحن العروس التى ارتكبت الزنا بسلوكنا خلف الأوثان كما عبر عن ذلك حزقيال النبى ” لأنهما قد زنتا وفى ايديهما دم وزنتا بأصنامها ” (حز٢٣: ٣٧) الا أن العريس يحول طبيعتنا الخاطئة ويمنحنا البتولية غير الفاسدة. والآن قد كمل طقس الزواج وتم زفاف الكنيسة للمسيح الكلمة كما يقول يوحنا الرسول ” من له العروس فهو العريس ” (يو٣: ٩) وقد دخلت الكنيسة في سر الزفاف والعريس كان فوق الصليب والملائكة انتظروا رجوع ملكهم (صعود المسيح) وهو الأن يقود الكنيسة الى تلك البركة التي تناسب مكانتها .
نحن أيضا يجب أن نكون مثل الملائكة ونصير مثلهم بلا خطية ولا تجربة وهم ساهرون دائما منتظرين رجوع ملكهم. ونحن يجب أن نكون دائما مستعدين لدعوته لنا للانطلاق من هذا العالم ونظل يقظين حتى يأتي المجيء الثاني ويقول ” طوبى لأولئك العبيد الذين اذا جاء سيدهم يجدهم ساهرين ” (لو١٢: ٣٧)[9].
عظات آباء وخدام معاصرين
قداسة البابا تواضروس الثاني
هل كلام الله لك ؟
في إنجيل يوم الثلاثاء من الأسبوع الأول نجد سؤالاً واضحاً جداً في أوله ” فقال له بطرس: يا رب ألنا تقول هذا المثل أم للجميع أيضاً ؟ ” (لو ١٢: ٤١) .
بصيغة أخرى : هل كلام الله وكلام الكتاب المقدس ووصاياه هي لك ؟ هل هي مكتوبة لك بصورة خاصة ؟ أم مكتوبة للجميع أيضاً؟ هل تشعر في داخلك أن الكلمة المقدسة هي موجهـة لـك بصـورة شخصية؟ أم تنظـر للكتاب المقدس علـى أنـه أحـداث وتواريخ وشخصيات ومعجزات وأمثال لا بد أن أعرفها فقط؟؟ ….
هنا توجد مشكلة يا أحبائي وهي مشكلة التراخي أمام كلمة الله، أو بصورة أخرى هي مشكلة إهمال كلمة الله ، بمعنى إهمالهـا فـي بيوتنا ، وإهمالهـا فـي حياتنا ، وفـي ذاكرتنا ، قد نهتم بالطعام والشراب والملبس ومذاكرة أولادنا ، كذلك يهتم البعض بالقراءات العامة ، والبعض يهتم بالوسائل المتاحة له من تكنولوجيا …. وغيرها.
بطرس الرسول يسأل ويقول: يا رب ألنا تقول هذا المثل، أم قلته للجميع ؟! يظن البعض أن وصايا الكتاب المقدس خاصـة بالخـدام الموجودين في الكنيسة فقط، ولكن ما موقف البقية منهم؟ وبنفس الفكر سأل القديس بطرس الرسـول هـذا السؤال : ” ألنا تقول هذا المثل ؟ ” ويبدأ ربنا يسوع المسيح في فقرة إنجيلية يشرح كيف أن هذا الكلام لكل إنسان ، لكي ما يكون كل إنسان مستعداً. في صـلاة الـنـوم تـصـلـي بعبـارة مهمـة جـداً ونقـول: ” العمـر المنقضـي فـي الملاهـي يستوجب الدينونة “. والملاهـي هـي الأمـور الـتي تشغل الإنسان، حتـى لـو كـانـت أمـوراً جيدة ، حتى لو كانت أمور الخدمة ذاتها . هناك من تكون اهتماماته تبدو طيبة وجيدة ، ولكن ما مقدار ومساحة اهتمامك بكلمة الله ؟ وهـذا على المستوى الشخصي ، فعندما تحضر القداس وتسمع القراءات الكنسية ، وعند قراءة الإنجيل الكل يقف ، وهـذا حـسـن جـداً ، ولـكـن أعـود وأسأل : مـا هـو اهتمامك الشخصي ؟ ما هو اهتمامك بكلمة الله ؟
الإنجيل يا إخوتي ليس رسالة فقط، بل هو شخص ربنا يسوع المسيح ذاته ، أنت عندما تقرأ في الإنجيل فأنت تسعى لكي ما تُقابل المسيح ذاته ، فالإنجيل هو مقياسك كل يوم .
إذا كانت خطية الإهمال والتراخي أمام كلمة ربنـا وتركها ونسيانها ، فاحذر وانتبه ؛ لأن عندما يسمح ربنـا بـأن تكمـل حياتـك علـى الأرض فكيـف تـعـرف السـماء ؟ كيف تنكشف أمامك السماء ؟
الكتاب المقدس هو فم المسيح، فإهمالك معناه أن هناك من يكلمك وأنت تُهمل، وهو أيضاً حضور المسيح بيننا، ففي اجتماعاتنا سواء كانت اجتماعات الكنيسة في مستوياتها، أو اجتماعات المجمع المقدس، أو اجتماع الخـدام ، لا بد أن يكون الكتـاب المقدس حاضراً ؛ لأنه هو حضور المسيح . وأيضاً الكتاب المقدس هو مستقبلنا ، فأبديتنا مرتبطة بالإنجيل ، فلا بد أن نستعد للسماء ، ولذلك مستقبلك وأبديتك ونصيبك السماوي مرتبط تماماً بالكلمة المقدسة.
* لماذا يهمل الناس كلمة ربنا ؟
( ١ ) بعض الناس لا يعرفون القراءة، والبعض الآخر لا يعرف النطق ، ويمكن البعض لا يعرف المعنى أو الربط بين أجزاء في الكتاب ، وهناك بعض الناس لم يعتادوا عليه . ولذلك أحد مسئوليات الأب والأم مـن يـوم المعمودية تجاه أولادهم أنهم يسلمونهم الكلمة المقدسة (الإنجيل) ، فبمجرد أن ينطبع في ذهن الطفل الصغير أن هناك من هو أكبر منه فاتح أمامه الكتاب المقدس باستمرار، يتواجـد فـي ذهنه صورة ذهنية عن ضرورة وجود الكتاب المقدس في حياته اليومية .
( ٢ ) هناك أناس لم يعتادوا ، ولكن لا بأس ولا مانع حتى لو كنت لم تتعود.
( ٣ ) هنـاك مـن تكون حجته أن ليس لديـه وقـت للقراءة بالرغم مـن تـوافر الوقـت لأمـور كثيرة جدا.
( ٤ ) هناك أيضاً أنـاس يـكـون الكسـل هـو دسـتور حياتهم ، ولهذا نجـد أنـه عنـدما يبتعـد الإنسان عن الكتاب المقدس يسهل على الشيطان أن يهاجمه ، وهذا ما جعل القديس بولس الرسـول يـقـول : ” لأن كلمـة اللـه حيـة وفعالة وأمضـى مـن كـل سـيـف ذي حدين ” (عب ٤ : ١٢) .
نحن نهتم دائماً بالإنجيل في الكنيسة وفي صلواتها ، فمثلاً هناك أوشية الإنجيل ، كذلك الإنجيل موجود داخل البشارة التي يمسكها الأب الكاهن ويضعها على المذبح ، هناك أيضاً مقدم البشارة ، ووقـت قـراءة الإنجيـل تُضيء الشموع ، كذلك هناك رتبة كنسية تطلق عليها : ” أغنسطس ” ومعناها : ” قارئ ” ، وهناك أيضاً فصول كتابية كثيرة من العهد القديم والعهد الجديد. أتمنى أن هذه الرسالة تصل لكل إنسان وهي : ضرورة اهتمامك الشخصي بكلمة الله
* أسباب الاهتمام بالكتاب المقدس :
الأسباب عديدة لضرورة الاهتمام بالكتاب المقدس وهي :
( ١ ) الكتاب المقدس سراج ، وكلمة سراج تعني إضاءة ونور ، ومن صغرنا حفظنا الآية التي تقول : ” سراج لرجلي كلامك ونور لسبيلي ” (مز ١١٩ : ١٠٥). فكلمة الله سراج تعرفك طريقـك فـي الحياة التي تعيشها ، وفـي تعاملاتـك مـع الآخرين ، مـن يـنـير لـك الطريق ؟ فكل خطوة تخطوها قدمك تحتاج لوصية.
( ٢ ) أمر آخر: أن الوصية شبع ، فكلمة الله تشبع الإنسان على المستوى الروحي والنفسي ، يقول : ” وجد كلامك فأكلته ” (إر ١٥ : ١٦ ). لقد جعلت على الدوام هذه الكلمة موجودة في فمي ، قد تتناول جسد الرب ودمه ، لكن في الكتاب المقدس نجد أن الكلمة المقروءة وجدت على المنجلية ، وأكلته على المذبح .
( ٣ ) إن الكتاب يمثل حياة الإنسان، فالكتاب المقدس حيـاة ، وبحسب تعبير ربنـا يسـوع المسيح ” الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة ” (يو٦ : ٦٣م ) . وهذا يعني أن فـي كـل مرة تقرأ الكتاب المقدس تأخذ نسمة حياة . ا في عمليات الإسعاف والإنقاذ يقولون ” قبلة الحياة “، وقبلة الحياة تكون من الإنسان المسعف للإنسان المصاب، حيث يقـدمهـا لـه وتعتمـد علـى وجـود هـواء وأكسجين للشخص المصاب ، في كل مرة أنت تقرأ إنجيلك على المستوى الشخصي ، وبالتالي سوف تأخذ روح وحياة ، وتكون إنسانا جديرا بالحياة الحقيقية .
( ٤ ) الكتاب المقدس حصانة لـك ، فكلمـة اللـه تحصنك ” إسـم الـرب بـرج حصين ” (أم ١٨ : ١٠ ) ، قديماً كانوا يبنـون الأبـراج كنـوع مـن التحصين حـول المدن ، وكأن بمعرفتك لكلمة الله على المستوى الشخصي فأنت تبني برجاً حصيناً ، واقرأ داود النبي عنـدمـا يقـول : ” لو لم تكن شريعتك لـذتي ، لهلكت حيـنئذ فـي مـذلتي ” (مز ۱۱۹ : ۹۲) . فعليك أن تجعل لسانك يلهج نهارا وليلا ، ترى كم آية من الكتاب المقدس ذكرتها في قلبك طوال ٢٤ ساعة ، وكم كلمة تكلمت بها ؟
لو لم تكن الوصية حاضرة باستمرار أمامي وأنا أتذكرها وأتلذذ بها ، لهلكت حينئذ في مذلتي وفي خطيتي ، وبالتالي أسير مثل التائه ، الكتاب المقدس حصانة.
( ٥ ) كلمـة اللـه أيضـاً هـي سـبـب فـرح للإنسان ، فقـد يتعرض الإنسان للقلق والخـوف والاضطراب الـداخلي و غيـاب السلام القلـبي ، اعـرف أن كتابـك المقـدس علـى المستوى الشخصي يمنحـك فـرح ” أبتهج أنـا بكلامك كمـن وجـد غنيمة وافرة ” (مز ۱۱۹ : ١٦٢) كلمة ربنا بتفرح . أتعجب على بعض البيوت الموجود فيها روح الكآبة ، فقد أشعر أن كل أفراد البيت متوترون ، والسبب هو أن هذا البيت ليس فيه كلمة الله ، وهواء البيت وأجواءه لم تتقدس بكلمة الله .
كلمة الله فرح تجعلك دائماً إنساناً فرحاناً ومتهللاً بالروح .
( ٦ ) كلمة ربنا أيضاً صلاة ، فكـل صـلواتنا هـي مـن الإنجيل ، فأنت عندما تقرأ الكتاب المقدس على مستواك الشخصي فأنت ترفع قلبك بصلاة.
عندما ذهب التلاميذ لربنا يسوع وقالوا له : علمنا يا رب كيف تصلي ؟، قال لهم يسوع : ” متى صليتم فقولوا : أبائـا الـذي في السماوات … ” (لـو ١١ : ٢) وكانـت هـي ” الصلاة الربانية ” المكتوبة في الكتاب المقدس. إن صلوات كثيرة مبنية على الكتاب المقدس، حتى تسابيحاتنا، فمثلا الهوس الأول من التسبحة نجده في (خر١٥ ) ، وتصير الصلاة إنجيلا ، ويصير الإنجيل صلاة . يقول داود النبي : ” كم أحببت شريعتك ! اليوم كله هي لهجي ” (مز ١١٩ : ٩٧) كم أنا يا رب أحببت وصيتك ، وكلمتك هي لهجي اليوم كله.
والكتاب المقدس قطعة واحدة لكل إنسان فينا ، فلا تفترض أن فيـه أجـزاء ليست خاصة بك ، بل كل جزء فـي كـل سـفـر مـن أسفار الكتاب المقدس موجه لك بصورة شخصية ، لذلك قال القديس بولس الرسول في (كولوسي ٣ : ١٦ ) : ” لتسكن فيكم كلمة المسيح بغنى ” .
نلاحظ أن أول كلمة في هذه الآية الصغيرة ” لتسكن ” أي السكن ، فكلمة الله سوف تسكن فـي ، وأرجـوك استطعم هذا التعبير ، بمعنى أن كلمة الله تسكن وثقـيـم عنـدك وهذا يعني المعرفـة ، معرفة كلمة الله وحفظها ، ويصير قلبـك مـقـراً دائما للكلمـة المقدسة ، ويظل قلبك هو مقر كلمة الله ، يا لروعة وجلال هذا الإنسان ، فأي إنسان قديس صار قلبه مقراً لكلمة الله . لتسكن وتعيش ولتقيم الكلمة داخلك، يعجبني الآباء والأمهات الذين يجعلون أولادهم يرتبطون بالكتاب المقدس هناك اب يعلم ابنه كيف يكون له كل يوم آيه في الكتاب المقدس .
هل كلمة ربنا ساكنة في بيتك، وفي قلبك، ووسط أسرتك ؟ و ما أما الكلمة الثانية فهي ” فيكم ” ويقصد بها المجموع سواء عائلات أو أسر أو الكنيسة ، فلتسكن كلمة الله في داخلك بمعرفة وبوعي ، اقض حياتك كلها مع الله ، فكـل يـوم سوف تعرف فيه معرفة جديدة .
يقول ” لتسكن فيكم كلمة المسيح “، وكلمة المسيح معناه كلمة الحياة ووصية المسيح ، وعندما أقول وصية المسيح يعني نعمة المسيح ، أي حضور نعمته ، شيء جيد جدا أن تكون حياتنا وكل بيوتنا مملوءة بكلمة ربنا .
في القديم أيام عزرا الكاتـب عنـدمـا عـاد مـن السبي وقف الشعب أمامه ليسألوه : ” لماذا فعل بنا الله هكذا ؟ لماذا جعلنا مسبيين ونعيش في السبي سنين وسنين ؟!” أجابهم قائلاً : إن ذلك لسببين :
الأول : لأنكم أهملتم كلمة الله .
الثاني : لأنكم عشتم في أسر مفككة ، وهذه الأسر منحلة بسبب الخطية. لذلك أيها الحبيب لا تحرم نفسك من كلمة الله ، ولا تهمل إنجيلك وتُحمل نفسك خطية ، وعدم معرفة الكتب المقدسة سبب لكل الخطايا وكل الشرور.
نشكر ربنا أن الكتاب المقدس متعدد الأشكال في وقتنا هذا . لتسكن فيكم كلمة المسيح بغنى ، بمعنى أن تسكن كلمة المسيح فيكم بوفرة أو بكمال … يابختك بكلمة المسيح التي تسكن فيك بغنى .
اسمع أيها الحبيـب هـذه الوصية : لتسكن فيكم كلمة المسيح بغنى وبكثرة ؛ لأن كلمة المسيح في الصباح وفي المساء في فمك وفي بيتك على الدوام حتى في حياتنا اليومية وفى كل المناسبات .
وعلاقتك بالإنجيل تمر بعدة خطوات هي على النحو التالي :
( ١ ) يكون لك الكتاب المقدس الشخصي الخاص بك.
( ٢ ) أن يكـون عنـدك باستمرار هذه المحبة الفياضة لكلمة الله ، ولتسكن فيكم كلمة المسيح بغنى فلتكن هدفاً لك .
( ٣ ) القراءة اليومية ، فلا تجعل يوماً من حياتك يمر بدون أن تفتح إنجيلك .
( ٤ ) تتقدم وتدرس وتحاول تفهم إنجيلك .
( ٥) الحفظ والحياة والعمل ، وتبدأ تطبيق الكلمة المقدسة والتي تعتبر جزءاً من الكلام اليومي ، وصرت أنت إنجيلا مقروءاً من جميع الناس ، وصار سلوكك وكلامك وملامحك وقرارتك كلها تنبع من خلفية الكتاب المقدس.
من فضلك تذكر هذا السؤل الذي سأله القديس بطرس الرسول : ” ألنا يا رب تقول هذا المثل، أم للجميع ؟” وكانت إجابة ربنا يسوع المسيح هي إنجيل يوم الثلاثاء من الأسبوع الأول من الصوم المقدس ، وهي رسالة شخصية لك ، ولا بد أن تضع أمامك هدفاً في أيام الصوم أو غير الصوم ، وهو ” لتسكن فيكم كلمة المسيح بغني [10] “.
المتنيح الأنبا غريغوريوس أسقف البحث العلمي
الأنبا أنطونيوس المصري أبو الرهبان
نال هذا القديس هذا اللقب بجدارة، لا لأنه كان أول من اعتزل العالم طلبا للتعبد فقد سبقه كثيرون، أخذ هو نفسه عنهم وتعلم منهم، وكان يختلف إليهم ليقتبس منهم فضائلهم وينتفع من خبراتهم. لكنه هو نفسه صار أباً لمئات حذوا حذوه واقتدوا بسيرته واتخذوه لهم معلماً وقائداً ، وكان ذلك في حياته وأيضاً بعد وفاته.
وفي حياته تبعوه بالمئات والألوف التفوا حوله واتخذوه لهم مرشداً وأباً ومعلماً وإماماً للطريق، وكان هو يفتقدهم ويتحدث إليهم مشجعاً وهادياً، وكان يجيبهم على أسئلتهم ويحل مشكلاتهم، ويرسم لهم طريق الحياة الناجحة. لذلك سمى “بأبي الرهبان”.
لم يكن فقيراً قصد إلى الرهبانية هرباً من مسئوليات الحياة، بل كان غنياً ورث عن أبويه أكثر ثلثمائة فدان من أجود الأراضي في بلدته قمن العروس بمركز الواسطى بمحافظة بنى سويف ولكنه كان متدينا تديناً عميقاً، تلقنه عن والديه وكان يواظب على حضور القداس واجتماعات الكنيسة، فلما توفي والداه وكان قد بلغ نحو العشرين من عمره، وتركا له العقار والأموال، ولم يكن له غير أخته التي تصغره سناً، أخذ يفكر فيما صنعه الرسل الذين تركوا كل شئ وتبعوا المخلص. وحدث أن دخل الكنيسة وسمع في إنجيل القداس رب المجد يقول إن كنت تريد أن تكون كاملا فاذهب وبع كل شئ لك واعطه للمساكين فيكون لك كنز في السماء، وتعال اتبعنی، .
فحسب هذا القول الإلهي رسالة شخصية له. ولما خرج من الكنيسة اعتزم أن يبيع أملاكه ويوزعها على الفقراء. وفعلا فعل. ولم يبق إلا قليلا من المال احتجزه لشقيقته.
ودخل الكنيسة في يوم آخر وسمع إنجيل القداس يقول فلا تهتموا للغد، لأن الغد يهتم بما لنفسه، (متى ٦: ٣٤) فمضى ووزع ما تبقى من المال وأودع شقيقته في بيت للعذارى اللائي نذرن أنفسهن للعفة الكاملة، واعتزل هو نفسه في مكان هادئ خارج بلدته. وكان كلما سمع عن ناسك صالح كان يمضى إليه لينتفع بخبرته وتجاربه ويتعلم عنه أكبر فضيلة فيه.
ويقول القديس أثناسيوس الرسولي الذي كتب لنا سيرته وكان يصب له الماء على يديه كابن له: “إن القديس أنطونيوس كان يأخذ عن أحد النساك صبره وإحتماله وطول أناته، ويأخذ عن غيره محبته وعن ثالث وداعته وسماحته ويأخذ عن ناسك رابع حكمته وعن الخامس إحتقاره للمدح والمجد الباطل وهكذا، وكأنه يجمع باقة من زهور مختارة ليزين بها نفسه بالفضائل” .
عاش القديس الصغير سعيداً بهذه الحياة الحرة الطليقة من قيود المادة، ومغتبطاً بعشرة العباد والنساك الذين باعوا أباطيل الدنيا واشتروا بها “اللؤلوة الكثيرة الثمن” وصاروا في قمة الحرية وعلى قول القديس أوغسطينوس وجلست على قمة العالم عندما وجدت نفسي حراً من كل رغبة مادية، ولكن القديس الشاب لم تخل حياته من حروب الأفكار، فكان الشيطان تارة يوبخه على بیعه مقتنياته، وتارة يرغبه في العودة إلى حياة العالم.
وتارة يصور له مناظر مغرية ليفسد عفته، وأخرى يصور له في عزلته مناظر مخيفة من حيوانات ضارية. ولكنه قد انتصر عليها جميعاً بالصلاة والصوم ورسم علامة الصليب.
وكلما حل به الخوف كان يردد قول النبي في المزمور الرب نوري وخلاصي فممن أخاف، الرب عاضد حیاتی فممن أفزع. عندما يقترب منى الأشرار ليأكلوا لحمى، مضايقي وأعدائي عثروا وسقطوا. وإن يحاربني جيش فلن يخاف قلبي..» (مز ١:٢٦، ٣) وكان الرب يبدد مخاوفه ويزيل أوجاعه. ومرة صرخ إلى الرب وقال: أين كنت يا ربي وسيدي، ولماذا لم تبدد مخاوفي في مبدأ الأمر.
فسمع صوتاً من السماء يقول: “لقد كنت قريباً منك، ولم أشأ أن أظهر لك ذاتي، لأني أردت أن أشاهد قتالك للأفكار ولعدو الخير. ولقد انتصرت، فسأكون معك دائماً وأعضدك” .
ولما تحقق القديس لذات الحياة النسكية وجمال الوحدة والسكون، رغب في المزيد منها، فترك مكانه إلى أعماق البرية الداخلية، وهناك وجد برجاً مهجوراً من أيام الفراعنة، كانت تسكنه الوحوش والحشرات، فلم يجفل القديس منها، وإنما دخل البرج بكل رباطة جأش، والغريب أن واحداً منها لم يؤذه بشر، وإنما أخذت تتفرق في أرجاء البرية الواسعة وأخلت له المكان فسكن فيه سنوات.
وعلم بفضائله الكثيرون فقصدوا إليه لينتفعوا بتعاليمه ويتباركوا به، ولكنه كان يرفض الخروج إليهم مصراً على الاعتكاف والوحدة، وكانوا هم لا يفارقون المكان ولو لكي يسمعوا نغم صلاته وترنيمه من بعيد. وكان هو في أحيان قليلة يجد نفسه مضطرا تحت إلحاحهم إلى الخروج إليهم. وقد منحه الله مواهب كثيرة لشفاء المرضى وإخراج الشياطين، فزاد إقبال الناس عليه واشتدت أشواق البعض إلى أن يصيروا له تلاميذ.
ولما بلغ الخامسة والخمسين وكانت قد مضت له في مكانه الأخير عشرون سنة، خرج ملبياً رغبة الكثيرين في حياة الرهبانية والنسك وأقاموا صوامعهم من حوله ووضع لهم نظاماً روحياً، يتدرج بهم في حياة الفضيلة وكان يفتقدهم بين وقت وآخر، ثم يعتزل عنهم، وبعد وقت يعود إليهم. وعلمهم أيضاً أن يشتغلوا بأيديهم ويزرعوا الأرض ويفلحوها فتحولت الصحراء بعد قليل إلى أرض خضراء مزهرة بالثمار.
وذاع صيت فضيلته في الشرق والغرب، وقصد إليه كثيرون وتتلمذوا على يديه. وجاء إليه فلاسفة من الشرق والغرب يناقشونه ويباحثونه، وكان يدهشهم بمنطقه البسيط، فيشعرون بسمو شخصيته وقوة حجته. وقد راسله قسطنطين أحد ملوك الروم فتباطاً عن الرد، فذهل تلاميذه من الرهبان فقال لهم بكل هدوء واتزان: أتطربون لأن ملكاً من الأرض يكتب لنا وهو إنسان مثلنا، ولا تعجبون بالحرى لأن الله كتب لنا شريعته وفوق ذلك خاطبنا في ابنه يسوع المسيح وهو كلمة الله المتجسد؟
ولما ألحوا عليه بالرد كتب للملك يعظه بكلمات قوية من غير مداهنة، ولا تملق حتى هابه الملك وأرسل يطلب صلواته وبركاته.
ولما ثار الاضطهاد في زمانه وسمع ببلوى المسيحيين نزل ومعه عدد من شيوخ الرهبان إلى مدينة الأسكندرية، يشتد إيمان الشعب بالمسيح وقصد إلى السجون يثير المسيحيين أن يتمسكوا بدينهم، وكان يجتمع بالمحكوم عليهم بالأشغال الشاقة يرغبهم في الاحتمال والصبر من أجل الحياة الأبدية، بل وكان يمضي إلى المحاكم ويدافع عن المسيحيين المتهمين ظلماً، وكان في هذا كله يعرض نفسه للأخطار.
وكان هو شخصيا لا يبالي بحياته، بل كان فعلا راغبا في أن يموت شهيداً من أجل المسيح. ومع ذلك شاء الله أن ينجو من الموت لأن حياته كانت ألزم لأولاده وتلاميذه، وعاد إلى ديره بسلام يواصل رياضاته الروحية.
ونزل مرة أخرى إلى العالم عندما علم بخبر بدعة الأريوسيين، الذين زعموا أن المسيح مخلوق، وكان القديس أثناسيوس بابا الأسكندرية قد نفى من كرسيه، بسبب استمساكه بالإيمان الأرثوذكسي في لاهوت السيد المسيح.
فرأى الأنبا أنطونيوس أن الضرورة تلزمه بأن يثبت إيمان المسيحيين، في غياب راعيهم الأكبر، فأخذ معه عدداً من شيوخ الرهبان وذهب إلى الأسكندرية، وصار ينتقل بين الناس واعظاً ومعلماً، ومدافعا عن الإيمان، ومبطلاً حجج الأريوسيين وتعليمهم الفاسدة المنحرفة. فانتفع المسيحيون بوعظه، وازداد المخلصون استمساكاً بإيمان آبائهم. وعاد بعد ذلك القديس أنطونيوس ورهبانه إلى ديرهم مرة أخرى.
إن من العسير أن نسجل كل فضائل هذا القديس الذي شهدت عنه السماء مرة، أن الأرض وما عليها لا تستحق وطأة من قدمه، والذي حاربته الشياطين بألوان مختلفة من الحروب، ولكنه انتصر عليها. هذا الرجل الذي جذب الملايين إلى الهداية، بصلواته وتعاليمه وسيرته العطرة وقدوته الصالحة، وقد علم بالمثال أكثر من الكلام وعن زوال الحياة الدنيا، واحتقار أباطيل العالم، وأهمية السعى لخلاص النفس من خطاياها، ولذات الحياة العقلية الروحانية، ولفت العيون إلى قيمة الحياة الأبدية.
ولقد انتفع بسيرته الشرق والغرب، وأسسوا الأديرة إقتداء بما فعل، وقال مؤلفو الغرب عن سيرته وهذه السيرة قد خلقت أثراً قوياً في كل أنحاء العالم، وهي التي أوقدت شعلة الرغبة النسكية في روما وفي كل الغرب، وقالت عنه دائرة المعارف البريطانية “أنه أبو الرهبنة المسيحية” .
ومع شظف الحياة التي عاشها، ومع أنه لم يأكل اللحوم قط، فقد كان يأكل مرة في اليوم وأحياناً مرة في كل يومين، أو ثلاثة أو أربعة، ومع أ أن طعامه كان بسيطاً، لكنه لم يمرض في حياته قط، وعاش إلى أن بلغ ١٠٥ سنوات وقد علم بأمر موته فودع أبناءه الرهبان وضم رجليه وأسلم الروح وعلائم الرضي والسرور تعلو وجهه الملائكي في الثاني والعشرين من طوبة سنة ٣٥٦م أما مولده فكان في سنة ٢٥١م [11].
القديس القمص بيشوي كامل
ضخامة … القطيع الصغير
لماذا أنا صغير ؟
لقد قال الرب ان القطيع صغير ، لكى لا يعتمد على امكانياته البشرية الصغيرة بل على الله غير المحدود الذى يصاحب القطيع دائما …وعلى العكس فالعالم يهمه كثرة العدد ، ويرى الصواب فيما تقوله الأغلبية .
والانسان بالتبعية يهمه ان يكون سائرا فى فلك الأكثرية ، بل ان الانسان فى الأقليات دائما ما يكون متألما لصغر مجتمعه . والقطيع الصغير أحيانا ما يتناهى فى الصغر ، فيصبح العالم كله ضده ــ فى مبادئه وأخلاقه وتعاليمه ــ
وهذه بعض الأمثله لصغر القطيع :
❖ انسان يعمل بأمانة فى وسط مجتمع يعمل كله بالغش ، مثل هذا الانسان يصبح شاذا … انه قطيع صغير .
❖ شاب أو شابه تعيش حياة العفة فى وسط جيل كله انحلال خلقى ، انهما شاذان ، انهما قطيع صغير .
❖ انسان زهد فى العالم ، فى وسط مجتمع يتكالب على المادة هو قطيع صغير ، غريب فى جيله .
❖ انسان يشهد للحق بالأمانة فى وسط عالم يعيش على الرياء والمجاملة الباطلة ، هو انسان شاذ ، هو أثناسيوس ضد العالم ، هو قطيع صغير .
❖ انسان يعيش المسيح وانجيله ، فى وسط عالم يهرب من صليب المسيح ونيره اللذيذ ــ انه قطيع صغير ــ انه شاذ .
ضخامة القطيع وقوته اللانهائية
الله فى وسط القطيع الصغير ، يضيف الى القطيع ضخامة غير محدودة ، فالقطيع ليس وحدة لأن الآب معه ” وتتركونى وحدى وأنا لست وحدى لأن الآب معى … ثقوا أنا قد غلبت العالم ” (يو ١٦: ٣٢ ــ ٣٣) .
انه قطيع يوم الخمسين كان يحمل ويتحرك بقوة الروح القدس النارية . هذه القوة العظيمة التى لروح الله هى التى عاش ويعيش بها القطيع الصغير أينما سار فى المسكونة كلها .
والقطيع يعيش على حب الله للعالم حتى بذل ابنه الوحيد (يو ٣: ١٥) ، وحب للآخرين ” تحب قريبك كنفسك ” ، وحب للميل الثانى .
والقطيع يؤمن أن المسيح هو الحياة ، وأن الله قد أعطانا ذاته ، وبهذه الحياة يتحدى القطيع الموت وكل عذابات الأباطرة ، ويتحدى الخوف والحزن .
والقطيع له ايمان يصل الى المنتهى ، ايمان يغلب به الانسان شهواته ، ايمان يخدم به الخادم رغم كل الصعوبات ….
خلاصة الأمر ” ان الذى فيكم ( فى القطيع الصغير ) أعظم من الذى فى العالم “(١يو ٤: ٤) . والقطيع الصغير لا يعوزه شيئا الا الايمان فقط واكتشاف عظمة القوة الكامنة فيه ” هذه الغلبة التى تغلب العالم … ايماننا ” (١يو ٥: ٤) . والصلاة هى الوسيلة لاستعلان هذه القوة فى حياتنا .
قوة هجومية غالبة :
ان دخول خراف القطيع بقوتها الجسدية فى صراع مع الذئاب لأمر يؤدى حتما للهزيمة ، ولكن اعتماد الخراف على الايمان بقوة الله الكامنة فيهم هى وحدها القادرة على غلبة الذئاب وتحويلهم الى حملان .
❖ الحب الالهى غير المحدود فى قلب القطيع ، قادر أن يطفىء حقد وشراسة وغضب الذئاب …
❖ التواضع الالهى للقطيع ، قادر على غلبة كبرياء الذئاب .
❖ الشجاعة الالهية للقطيع ، أرعدت الأباطرة والولاة .
❖ عفاف وطهارة القطيع ، غلبت نجاسة وخلاعة العالم . كلام بولس الرسول عن التعفف أرعب الوالى . وسحر طهارة مارجرجس جذب المرأة الشريرة للايمان .
❖ اختار الله جهال العالم ليخزى الحكماء (١كو ١: ٢٧) .
التحول من السلبية لايجابية :
المسيحى انسان انتقل من مرحلة احتمال اعتداء الآخرين الى مرحلة محبتهم
والمسيحى له قلب مملوء من حب الله للجميع ، فلا يكفى أن يحتمل بل أن يتغلب بالمحبة . وليس على المسيحى فقط أن يحتمل التجربة بل يفرح بها (يع ١: ٢) فالتجربة تتحول فى المسيحية الى انطلاقة روحية وبركة ” قد انفتح لى باب عظيم فعال ويوجد معاندون كثيرون ” (١كو ١٦: ٩) .
صلاة: الهى وربى يسوع أعط كنيستك ــ قطيعك الصغير ــ أن يستعلن
بالصلاة والايمان قوة وجودك فيها، وقوة صليبك للخلاص [12].
المتنيح القمص تادرس البراموسي
اليوم الثاني والعشرون من شهر طوبه المبارك
(اعملوا لكم أكياسا لا تفنى وكنزا لا ينفذ ) (لو ۱۲ : ۳۲ – ٤٤)
من دواعي سرورنا أننا ممسوكين في يد الرب يسوع مهما هبت الزواب ومهما اشتدت الحروب لا يمكن أن نتزعزع لأن الرب ماسكنا بيمينه لذلك لا يهمنا العالم ولا ما في العالم بل ننظر إلى الجعالة العليا ومكملها الرب يسوع ؛ نعيش في العالم في حياة استعداد دائم في الليل والنهار لأننا لا نعرف اليوم ولا الساعة التي يأتي فيه رب المجد ؛ فيجـب علينـا نعيش حياة الاستعداد في المجمع وتحصيل كل ما نحتاج إليه لكي يكون نصيب مع المسيح الذي قال من يغلب أعطيه أن يجلس معي في عرشي كما غلبت أنا وجلست مع أبي في عرشـه (رؤ ٣ : ٢١) ؛ إذا نحن سائرين في طريق الرب متمثلين به في كل شيء في القول والفعل والعمل والجهاد نسعى نحو الهدف ؛ مفتدين الوقت عالمين أننا لو عشنا في طاعة سنرث معه .
تعب الرب يسوع في حياته على الأرض ؛ – رأى أتعاب – مالك السماء والأرض ليس له أين يسند رأسه ؛ رأى كثيرين من الكتبة والفريسيين ومن الشعب المتمرد وكما قال الكتاب أكل خبزي ورفع علـي عقبه (مز ٤١ : ٩) ؛ تذلل ولم يفتح فاه كشاة تُساق إلى الـذبح وكنعجة صامتة أمام جازيها (أش ٥٣ : ٧) ؛ رب المجد الذي السماء كرسيه والأرض موطئ لقدميه الذي السماء ليست طاهرة أمامـه وللملائكـة ينسب حماقة ذاق من الآلام والأتعاب واحتمل الذل والهوان من خليقته وصنعة يديه ؛ لم يكن محتاج إلينا بل نحن المحتاجين إليه لذلك نظر إلينـا بعين الرحمة ليهبنا الحياة ؛ وأراد أن يشفينا من أسقامنا بمرهمـه الـشافي وكلماته المملؤة بالنعمة لذلك قال لنا لا تخف أيها القطيع الصغير .
بـث فينا روح القوة وأعطانا الثقة الكاملة لكي نحتمل كل الآلام ونتبع أثـر خطواته لأنه رجل الأوجاع ومختبر الحزن (أش ٥٣ : ٣) ؛ ليس نزع منا عدم الخوف بل أن يعطينا الملكوت ؛ ويعرفنا الكتـاب المقـدس أن الملكوت له شروط حسب قول الرب يسوع بيعوا أمتعـتكم وأعطوا صدقة ؛ ليس للصدقة باب معين تُصرف فيه لأن الصدقة تجـوز لكـل محتاج حتى للأعداء لأن الكتاب يقول إن جاع عـدوك أطعمـه وإن عطش إسقيه (رو ۱۲ : ۲۰) ؛ هذه هي شروط الـشريعة المسيحية الذي غفر لصالبيه ؛ واعتبر الرب يسوع الصدقة كنز فقال إعملوا لكم أكياساً لا تفنى وكتر في السماء لا ينفذ ؛ هذا وتعتبر المسيحية أن الفقرا والمساكين هم رأس مالها حيث أنهم كنز سمائي نكنز فيه القليل مثل لقمة خبز لجوعان ؛ ثوب لعريان ؛ دواء لمريض .
ويحثنا الرب يسوع أن يكون العطاء من القلب لذلك قال حيث ما يكون كنزك هناك يكون قلبك أيضاً لأن تعلق الإنسان بالمال يجعله إله معبـود كما قال الرب يسوع لا تعبد سيدين الله والمال؛ كم من غــني أهلكـه المال وكم من فقير أهلكة الفقر ؛ يحتاج الملكوت أيضاً إلى السهر لأنكم لا تعلمون اليوم ولا الساعة التي يأتي فيها إبن الإنسان ؛ وضرب لنا مثلاً بالسيد وعبيده وأعطى الطوبي لمن يسهر ويجتهـد لأرضـاء سيده.
لا يريدنا أن نسهر حباً في السهر بل أرادنا أن نتمنطق ؛ بمعنى عمل جاد وجهاد متواصل ويأمرنا بإضاءة المصابيح وإضاءة المـصابيح تحتـاج أن تكون مليئة بالزيت لتكون قلوبنا مليئة بالفضائل حتى تكون مـصابيحنا مضاءة وأحقاؤنا ممنطقة لأن الرب سيأتي بغتة في ساعة لا نعلمها لكى نكون دائماً في استعداد وتضئ مصابيحنا ولا نضعها تحت مكيال بل على المنارة لتضيء لكل من في البيت ليروا أعمالكم الصالحة ويمجدوا أبـاكم الذي في السموات (مت ٥ : ١٦) ؛ لكي يزداد سرور الرب يسوع وتكون لنا شركة معه ونكنز في السماء لنكون من الملاك في السماء [13].
الرهبنة المصرية تطورها وآثارها للدكتور عزيز سوريال عطية
لمحات في تاريخ الرهبنة القبطية
الرهبنة المصرية
تطورها و أثرها
ظل موضوع الرهبنة المصرية إلى أمد قريب مجهولاً إلى حد كبير، ولكنه ما لبث في وقتنا الحاضر أن جذب انتباه عدد كبير من الباحثين في عدة ممالك؛ ومن ثم بدأ النور يضئ حول منابع ذلك الموضوع سواء أكانت يونانية أم لاتينية أم قبطية أم عربية، فقد أخذت في الظهور على يد عدد من جهابذة الباحثين في ذلك الموضوع.
ورغم ما بددوه من ظلام كان يحيط بتاريخ الرهبنة المصرية، فإن الحاجة لا زالت ماسة للعدد العديد من الكتَّاب والباحثين في ذلك الميدان الذي لا يزال حافلاً بالفرص الزاخرة لكل من يرغب في البحث والتنقيب بين مكنوناته.
أصــول الرهبنة
تدلنا الأبحاث على أن الرهبنة التوحدية أو الانفرادية ظهرت في مصر باعتزال الأنبا أنطونيوس في الصحراء الشرقية. ولو أن هناك من يعزى إلى الأنبا بولا قصب السبق في تأسيس ذلك النوع من الرهبنة. وهناك أيضاً من ينادون بأن الرهبنة التوحدية بدأت منذ حكم الامبراطور أنطونينوس عام 138م.
حين قام أحد المسيحيين باجتذاب سبعين مسيحي ليتبعوه إلى صحراء وادي النطرون. وفي الحقيقة ليس من شك في أن هروع الجماعات المنظم إلى الصحاري المصرية بدأ بعد فترة وجيزة من انتشار المسيحية.
وإننا إذاً تذكرنا كيف وجدت الديانة المسيحية – تلك العقيدة الجديدة – حقلاً خصيباً في البلاد المصرية، نمت فيه بذارها واتسع انتشارها. وإذا علمنا كيف وقفت تلك الديانة في وجه عبادة الأمبراطور، تلك الوقفة التي أدت إلى الاضطهادات المعروفة. إذا علمنا كل ذلك، استطعنا أن نفهم لماذا أخذ المسيحيون في الهروب من وجه المضطهدين إلى الصحاري والقفار الآمنة منذ زمن مبكر.
ولكن، بالرغم من هذه النظريات وتلك الحقائق؛ تدل الدلائل على أن الرهبنة الأولى إنما بدأـ تأخذ وضعها الثابت على يدي الأنبا أنطونيوس أب الرهبان.
مراحل تطورها
وقد اكتنفت الرهبنة المسيحية في تطورها ثلاث مراحل رئيسية، تحمل الأولى منها اسم الأنبا أنطونيوس وتعرف باسم «الرهبنة الأنطونية» وتنادي بالعزلة الفردية التامة والتقشف والزهد في الحياة الدنيا. وتتمثل المرحلة الثانية في خروج الرهبان من عزلتهم المطلقة، وتقارب أفرادهم من بعضهم.
وطبيعي أن يكون الدافع إلى ذلك ما تكشف للرهبان من مخاطر جسيمة تعرض حياة الفرد من بينهم في عزلته إلى الدمار. فلم يكن بد من تقرب كل واحد إلى أخ آخر له كي يشد أزره في المرض وفي مواجهة الأخطار في صحاري يجوس أكنافها الحيوان الضاري، كما تبعد المسافات الشاسعة بين القليل من ينابيع الماء في أكنافها. وهكذا تجمع الرهبان حول صومعة شيخ من شيوخهم عرف بينهم بالتقوى ورجاحة العقل، فجعلوا منه قائداً ورائداً روحياً ومعلماً دينياً لهم.
ومع ذلك ظل الرهبان قابعين في صوامعهم الفردية بين الأخ وأخيه مسافة تضمن له عزلته في الصلاة والتعبد والتأمل في ذات الله العلية. وتعد هذه المرحلة مرحلة الانتقال الطبيعية المؤدية الى المرحلة الثالثة التي عرفت باسم «الرهبنة الباخومية أو حياة الشركة» التي وضح فيها الطابع الديني والاجتماعي في وقت واحد داخل دير يخضع الرهبان لقانون وضعي محكم الحلقات.
ويجدر بنا الآن أن ندرس في شئ من التفصيل مميزات كل طور من الأطوار الثلاثة على حدة بعد هذه الإلمامة السريعة.
الرهبنة الأنطونية
تعتبر حياة الأنبا أنطونيوس أول مثل نستشف منه خصائص المرحلة الأولى للرهبنة.
فقد ولد الأنبا أنطونيوس حوالي منتصف القرن الثالث في بلدة كوما (هيرا كليوبوليس) بمصر الوسطى ثم رقد بعد أن بلغ من العمر عتياً حوالي عام 356م. وكانت سنه آنئذ 105 عاماً، رقد الى الأبد في مغارته الصحراوية بجبل ناء في جوف القفار الواقعة على ساحل البحر الأحمر حيث يوجد حتى يومنا هذا دير يحمل اسم ذلك القديس العظيم.
كان مولد الأنبا أنطونيوس من أبوين مسيحيين مستمسكين بأهداب الدين الجديد وقواعده. وكان أبوه رجلاً ثرياً يملك مساحة واسعة من الأراضي الزراعية الخصبة تبلغ ثلاثمائة فدان.
وحوالي عام 270م. عندما كان أنطونيوس شاباً يبلغ من العمر 20 عاماً، توفي والده تاركاً له أختاً صغيرة ليقوم برعايتها، ولكنه سرعان ما نظر للحياة الدنيا نظرة استخفاف حتى أتته كلمة الله عند دخوله مرة احدى الكنائس على لسان راعيها بالآية الشهيرة “إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَكُونَ كَامِلاً فَاذْهَبْ وَبعْ أَمْلاَكَكَ وَأَعْطِ الْفُقَرَاءَ، فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي السَّمَاءِ، وَتَعَالَ اتْبَعْنِي” وسرعان ما أجاب الشاب هذا الصوت الصارخ ببيع أملاكه جميعها وتوزيع قيمتها على الفقراء والمساكين والمستترين، ولم يبق لديه سوى ما يكفي لمعاش شقيقته، بل وسرعان ما باع تلك البقية الباقية تنفيذا لكلام الله ” فَلاَ تَهْتَمُّ لِلْغَدِ، بَلْ إجعَلْ الْغَدَ يَهْتَمُّ بِنَفْسِهِ” وعندئذ ترك شقيقته في رعاية بعض العذارى اللواتي كن يجتمعن للتعبد ومران النفس على القداسة.
ومن ثم عبر نهر النيل وذهب الى سفوح الجبال المتاخمة للوادي حيث بنى له صومعة جعل منها مركزاً لزيارة من سبقه إلى العزلة من الرهبان كي يتلقن منهم الدروس الأولى في الرهبنة والتقشف.
ومن ذلك الوقت أخذ يتوغل في الصحراء شيئاً فشيئاً حتى وصل إلى أقصى المرتفعات الواقعة في بطن الصحراء وهي لا تبعد سوى أميال معدودات من ساحل البحر الأحمر، وهناك أمضى بقية حياته مسرفاً في التقشف وتعذيب نفسه واذلالها. وبالرغم من أن طعامه لم يكن ليربو على كسرة الخبز الجاف والملح والقليل من الماء، إلا أنه روض نفسه على عدم تناول هذا النذر اليسير إلا بعد غروب الشمس، بل انه كان أحياناً ينقطع انقطاعاً تاماً عن الطعام والشراب عدة أيام متتالية.
«إن تدعيم النفس لا يأتي إلا عن تعذيب الجسد والصوم» ذلك هو المبدأ الذي سار عليه الأنبا أنطونيوس خلال خمسة وثمانين عاماً من حياته التوحدية. ولم يترك الصحراء إلا في أوقات كان يشعر فيها أن صوت الله يناديه للعمل بين العلمانيين، مثال ذلك حينما أنزل الامبراطور مكسيمينوس بسكان الوادي اضطهاده عام 311م.
وعندما استفحلت هرطقة أريوس عام 338م. عندئذ ترك عزلته وانضم إلى القديس أثناسيوس في جهاده ضد تلك الهرطقة. وبالرغم من إمعانه في التوحد، أخذت مبادئه الرهبانية في الذيوع، وانتشر صيته في كل مكان، وأصبح اسمه مبجلاً بين جميع أرجاء البلاد المسيحية حتى أن الامبراطور قسطنطين نفسه كتب إليه يطلب معونته الروحية.
ولم تكن حياة الأنبا أنطونيوس بالفريدة في نوعها. إنما هي مثل من أمثلة حياة الكثير من الرهبان الذين هرعوا إلى الصحاري، وكان كل منهم يحاول أن يتفوق على أقرانه في التقشف والتعبد.
فهناك يوحنا الليكوبولي الذي بقى داخل جدران حجرات ثلاث صغيرة على قمة جبل زهاء ثلاثين عاماً يتناول فيها الكفاف من الفواكه الجافة أو الخضروات من نافذة صغيرة بجدران إحدى تلك الحجرات. وآخر يدعى ايليا عاش بمفرده سبعين عاماً في برية أنتينوى Antinoe المقفرة. وهناك راهب نجهل اسمه، عثر عليه أحد الرهبان – بعد رحلة دامت ثلاث أيام في جوف الصحراء – حيث وجد هذا الراهب يقتات من العشب الذي تنميه الأمطار.
الرهبنة الجماعية
Collective Eremiticism
وتعتبر مرحلة وسطى بين التعاليم الأنطونية والأنظمة الباخومية. ولا شك أن هذا التطور كان نتيجة طبيعية لما يتعرض له الرهبان في عزلتهم من المخاطر البالغة. ومنها عدوان اللصوص عليهم وافتراس الحيوانات البرية الضارية لبعضهم، ثم لحاجاتهم لما يتناولونه من خبز وماء في حالة المرض أو الشيخوخة والعجز عن الحركة.
فكان من الطبيعي أن يفكر هؤلاء الرهبان في جمع صفوفهم لإتقاء غائلة تلك المخاوف دون أن يفقدوا الأساس الروحي الذي بنيت عليه حياتهم الرهبانية. ومن ثم دفعتهم تلك الظروف إلى التجمهر والاجتماع حول راهب اشتهر من بينهم بالقداسة وحسن الرعاية. بينما احتفظ كل منهم بعزلته عن رفقائه عند الصلاة والعبادة ورفع التسابيح لله في صومعته الخاصة.
وبالرغم من أنه لم يكن لتلك الجماعات رئيس بالمعنى المعروف إلا أن ذلك الراهب القديس الذي اجتمع حوله الرهبان أصبح بمثابة رائدهم الديني فاصطلحوا على تسميته بأبيهم في الروح، وتتلمذوا عليه وأخذوا تعاليمهم عنه واحتذوا به. وهكذا نشأت الأنظمة الرهبانية، واجتمعت زرافات الرهبان في مناطق مختلفة من الصحراء نذكر منها:
1) جماعة بيسبيرPispirبالجبال النائية على البحر الأحمر في الصحراء الشرقية. وهناك اجتذبت شخصية الأنبا أنطونيوس عدداً كبيراً من الرهبان الذين تتلمذوا عليه وعاشوا في رعايته الروحية.
2) وفي شنسيت Shenesit بجوار طيبة (منطقة قنا) تكونت جماعات رهبانية عديدة بقيادة بلامون وأبونيمس وغيرهما. وقد عاش القديس باخوميوس في بداية حياته ضمن صفوف أتباع بلامون.
3) أما المكان الثالث وهو من أهم المراكز لجماعات الرهبان، فكان في صحراء وادي النطرون أو برية شيهات بالصحراء الغربية قرابة عاصمة القطر المصري في العصر الروماني وهي الأسكندرية. ولدينا المعلومات الضافية عن ذلك المكان إذا قيست بما تعلمه عن الجماعات التي نشأت في الأماكن الأخرى، وذلك يرجع للأعداد الغفيرة من الحجاج الذين ترددوا على تلك المنطقة وكتبوا الكثير عنها.
وهنا تتركز الجماعات الرهبانية في ثلاث نقط معينة: أولها في وادي النطرون، وثانيها في سليا Sellia. وثالثها في الأسقيط Scetis.
أما المجموعة الأولى بوادي النطرون فيعتبر الأنبا آمون مؤسسها، ودارس حياته يجد فيها لذة ومتعة. فقد ولد من أسرة كريمة المحتد واسعة الثروة، ولكنه سرعان ما تيتم إذ مات أبواه في سن مبكرة.
وعندما بلغ سن الرشد، اضطره جماعة من أقاربه على الزواج. ولكنه بعد زواجه مباشرة تمكن من إقناع زوجته الشابة على اعتناق مبادئه الرهبانية، فعاشا وهما يحتفظان ببتوليتهما سراً، ومن ثم كانا يظهران للناس كزوجين في حين أنهما كانا لا يجتمعان في الليل إلا للصلاة والتسابيح.
وعلى هذه الوتيرة عاش مع زوجته لم يمسها زهاء ثماني عشرة سنة كاملة، ثم اتفقا في النهاية على أن ينفصلا انفصالاً تاماً، وحوالي عام 325م. هرع الأنبا آمون إلى صحراء النطرون حيث أمضى بقية حياته وتبلغ اثنتي وعشرين عاماً حاكى فيها حياة الأنبا أنطونيوس وقام في أثنائها بزيارة هذا القديس في بيسبير، ثم سبقه إلى الحياة الأخرى بزمن وجيز.
وخلال فترة عزلته، ذاع صيته حتى اختلفت عليه جماعات عديدة من الرهبان واختاروه رائداً روحياً لصفوفهم، وقد قيل أنعدد من اجتمع حوله بلغ خمسة آلاف راهب خلال القرن الرابع.
والمجموعة الثانية في سليا، وتقع نحو الشمال قليلاً من وادي النطرون، حيث كان يعيش الأنبا مكاريوس الأسكندري، وهو مؤسس جماعة جديدة قوامها ستمائة راهب، وقد كانت مبالغته في التقشف مصدر اعجاب رفقائه – الذين كان من بينهم الأنبا باخوميوس واضع قواعد حياة الشركة في الرهبنة Conobitism – إذ بلغ من تقشف هذا القديس أن كانت صومعته من الضيق بحيث لا تسمح له بأن يمد جسمه طولاً على أرضها لئلا يقع في سبات طويل ويتمتع بلذة الرقاد الهادئ، وتفوته فرصة تسخير نفسه وجسده لحياة الصلاة الدائمة. وعاش ذلك الراهب القديس مائة عام ثم رقد في عام 393م.
وتقع المجموعة الثالثة في الأسقيط شمال غربي وادي النطرون حيث أسس راهب آخر يدعى مكاريوس المصري – ولقب فيما بعد بمكاريوس العظيم – أسس جماعة رهبانية حوالي عام 330م.
واقتفى في نظامه خطوات الأنبا أنطونيوس في التقشف، ولكنه فيما يظهر كان ذا معرفة واسعة بالعلوم الروحية والآداب الدينية، فورث عنه أتباعه من بعده هذه النزعة الدراسية، واشتهر الكثير منهم بالتعمق في البحث والتفوق في الكتابة.
وهكذا نرى أن الجماعات الرهبانية أخذت في الظهور والازدياد بمناطق مختلفة من الصحاري المصرية على مقربة من الأسكندرية ومن بابيلون وممفيسوهيراكليوبوليس وغيرها.
ونحن نسمع عن أمثلة عديدة للرهبنة الجماعية رغم ضعف معلوماتنا عنها بسبب قلة الأبحاث ونقص المصادر. ومع ذلك فإنه من العبث أن نحاول الإلمام بموضوعها في هذا المقام لأن دراسة تاريخ كل جماعة رهبانية على حدة يتطلب بحثاً طويلاً. واننا لنهيب بجهود الشباب من الباحثين في التاريخ القبطي أن يخصصوا قسطاً من وقتهم في احياء هذا الفصل الرائع من تاريخنا القومي.
حياة الشركة
للمرة الأولى في تاريخ الرهبنة، نسمع عن أديرة ذات قوانين موضوعة ونظم مكتوبة، ويخضع سكانها لراهب ينوب في رياستها عن القديس باخوميوس أب الشركة الذي افتتح فصلاً جديداً ورائعاً من أهم الفصول في تاريخ الرهبنة وتطورها إن لم يكن أروعها وأهمها في مختلف أجيالها، إذ أن الرهبنة على نظام القديس باخوميوس لم تكن مجرد خطوة جديدة وجريئة في تقدم الرهبنة المصرية فحسب، بل إننا في الواقع نجد أن التعاليم الباخومية تضم في ثناياها أسس أغلب الأنظمة الرهبانية العديدة التي ظهرت فيما بعد خارج القطر المصري في بلاد النوبة والحبشة واليونان وايطاليا وفرنسا أيضاً.
والقديس باخوميوس – الذي كانت حياته مفتاحاً لذلك الفتح الجديد في تاريخ الرهبنة – ولد من أبوين وثنيين بالقرب من اسنا بمنطقة طيبة خلال الحقبة الأخيرة من القرن الثالث الميلادي؛ وعند بلوغه العشرين من العمر، انخرط في سلك الجندية بجيش الأمبراطور قسطنطين، فكانت لحياته العسكرية تأثير فعال في حياته الخاصة وتنظيم أفكاره وأفعاله؛ وربما كان أهم هذه الآثار ما نجم عن تجوال هذا الجندي الشاب الوثني مع كتيبته – في طول البلاد وعرضها – من احتكاكه بعدد كبير من المسيحيين، فوجد من سمو أخلاقهم ودماثتها وازعاً لدرس تلك الديانة الجديدة، وتفتحت عيناه لما تنطوي عليه من فضائل، فما هي إلا عشية وضحاها حتى اقتنع بمبادئها فاعتنقها وأقبل عليها بحماسة ساحقة حتى أنه كرس حياته في النهاية تكريساً تاماً لخدمة الله.
اعتزل الجندية .. ثم تبع القديس بلامون (كما ذكرنا من قبل) وتتلمذ عليه واستقى منه الكثير من نظم الرهبنة. وأخيراً تقول الأساطير الدينية بأنه قد جاءه الوحي من الروح القدس لتأسيس أول أديرته في Tabennesis (بالقرب من قنا الحالية) فانتشرت دعوته بسرعة عجيبة وطبق صيته الخافقين، فتوافد عليه الرهبان زرافات ووحداناً.
وعندما تكاثرت جماهير الرهبان حواليه وداخل جدران مؤسسته الأولى لم يجد بداً من التوسع في تأسيس عدد من الأديرة الأخرى على نطاق أوسع وفي أمكنة متباعدة.
واشتهر من بين هذه الأديرة على وجه أخص ديره الواقع في بافو Pabau أو Peboon وغيره في منطقة بانوبوليس (أخميم). وتدلنا الأرقام التي استنبطناها من مصادر عدة عن مقدار ازدياد عدد أتباع القديس باخوميوس، باخوميوس نفسه، وبسبعة آلاف حوالي عام 430م. أما يوحنا كاسيان Cassien – وهو من غالة (فرنسا) – فيقدرهم بخمسة آلاف راهب، ويدلنا هذان الكاتبان أن أحد أديرة الأنبا باخوميوس كانت تضم ما بين مائتين وثلاثمائة من الرهبان؛ بينما كان ديره الواقع في بافو Pabau يضم ستمائة راهب في منتصف القرن الرابع، وازداد هذا العدد في نهاية ذلك القرن حتى تراوح بين ألف وثلاثمائة وألف وأربعمائة راهب.
وكتب القديس جيروم St. Jerome في عام 404م. يقول أنعدد رهبان الأنبا باخوميوس بلغ خمسين ألف راهب. ومهما يكن مقدار صدق هذه الأرقام، فانها تنجلي عن حقيقة ثابتة لا جدال فيها ألا وهي أن تلك الزيادة المضطردة، أصبحت تستلزم سن قانون مفصل يضمن وجود حكومة مستقرة ونظام ثابت داخل جدران هذه الأديرة العامرة بالأعداد الغفيرة من الرهبان.
ونظراً لما لهذا القانون من أهمية قصوى في دراسة حياة الشركة التي ابتدعها الأنبا باخوميوس؛ فإنه يجدر بنا أن نلقي نظرة تحليلة على محتويات هذا القانون الذي يمتاز بالدقة وسعة الأفق:
1- شروط القبول: يقضي كل راهب جديد فترة ثلاث سنوات تحت الاختبار، وعليه أن يثبت في أثنائها قدرته على الاستمرار في حياة الطهارة والطاعة والخضوع لأحكام القانون. وفي هذه الفترة أيضاً كان لزاماً على المبتدئ أن يتعلم القراءة والكتابة ثم يحفظ عن ظهر قلب عشرين مزموراً ورسالتين من رسائل العهد الجديد.
2- الملابس: وكانت تمتاز بالبساطة، فالراهب يرتدي قميصاً من غير أكمام يصل الى الركب وله حزام يشد به وسطه ومعلق على كتفيه وظهره فروة من فراء الخراف (وكانت تعتبر الفروة علامة الرهبنة في ذلك الزمان) وعلى كتفيه عباءة خيطت بها قلنسوة الرأس التي كانوا يرسمون على جبهتها علامة الدير الذي ينتمي إليه صاحبها وفي قدميه حذاء (أو صندل) مفتوح.
ومهما يكن من شئ فان هذه الملابس بكاملها إنما كان يرتديها الراهب في أثناء أسفاره خارج الدير بينما كان يكتفي وهو في الدير بارتداء قميصه البسيط من التيل ويسير عاري القدمين.
3- الإدارة: كانت عامة الأديرة الباخومية خاضعة خضوعاً مطلقاً لرياسة ديرية عليا. ولكل دير من هذه الأديرة رئيس محلي يخضع له الرهبان القاطنين هنالك.
ولكل رئيس نائب يساعده في إدارة الدير والإشراف على مختلف مصالحه وأعماله وحاجاته. ويدخل ضمن اختصاصاته الاشراف على رئيس الخبازين والمدرسين المشتغلين بتعليم الرهبان والخفراء وغيرهم من الطبقات العاملة بالدير.
ثم أن كل ثلاثة أو أربعة من الأديرة المتجاورة تكون ما يسمى بالقبيلة، ويشترك رؤساؤها في انتخاب واحد من بينهم ليكون زعيماً لتلك القبيلة أو مجموعة الأديرة.
وفي كل عام يعقد اجتماعان عامان يؤمهما جميع رهبان المؤسسات الباخومية؛ ويعقد هذان الاجتماعان في دير الرياسة العليا: أولهما في عيد القيامة للاحتفال بذلك العيد المجيد، والثاني في العشرين من شهر مسرى من شهور القبط وهذا اليوم يوافق الثالث عشر من شهر أغسطس وذلك لبحث النظم الادارية وتقديم التقارير الخاصة بحالة كل دير، ثم رسم السياسة العامة التي تضمن الاصلاح وحسن سير الأعمال في عامة الأديرة وبعد طرح مسائل الأديرة على بساط البحث ومحاسبة كل رئيس عن عمله في عامه المنصرم، كانت تعلن أسماء الرؤساء الذين نقلوا من دير إلى آخر في هذا الاجتماع، وأخيراً يعقد مجمع روحي يقدم فيه صفح عام عن أخطاء الخاطئين ثم يبارك الرئيس الأعلى على جميع الحاضرين في مشهد رهيب مؤثر.
4- العبادة الروحية: وللعبادة نظام ثابت، فكانت هنالك صلاة عامة تقام في الفجر ويحضرها الرهبان بكامل عددهم وأخرى في منتصف النهار وثالثة في المساء. بعدئذ يترك كل راهب ليعتزل أثناء الليل في صومعته للعبادة والتأملات الفردية.
وبالرغم من أن تلك العبادة الخاصة كانت حرة يتابعها الراهب بمحض إرادته إلا أننا نلاحظ أنه كان مفروضاً في الراهب أن يصحو للصلاة بعد منتصف الليل. ويحتفل اسبوعياً بالقداس الالهي في يوم الأحد وفي أيام الصوم الأسبوعية وهي أيام الأربعاء والجمعة. وكان مفروضاً على كل راهب أن يحافظ على مواعيد العبادة والصلاة حتى اذا كان على سفر خارج الدير.
5- التعليم: في يومي الصوم من كل اسبوع جرت التقاليد على أن رهبان كل دير كانوا يجتمعون ليستمعوا إلى ارشادات رئيسهم وتعاليمه في الكتاب المقدس والمبادئ المسيحية.
أما الرهبان الأميون فقد كانوا يعطون دروساً خاصة في ساعات النهار الأولى والثالثة والسادسة. ولم يكن يسمح ببقاء أمي في الأديرة الباخومية.
كما كان لكل دير مكتبته الموضوعة تحت تصرف الجميع لاستعارة ما يحتاجون اليه من محتوياتها.
وكانت تعقد المجالس للمناقشات الروحية في أيام الصوم صباحاً بعد صلاة الصبح ومساء بعد انتهاء العمل اليومي.
6- العمل اليدوي: كانت الأعمال اليدوية إجبارية على الجميع لا يعفى منها أحد حتى الرؤساء أنفسهم الذين كانوا يقومون مثلاً بجدل الحصر والسلال.
ونظراً إلى ازدياد حاجات الأديرة، قامت حرف جديدة كالطهي وصنع الخبز والتمريض وزراعة الحبوب وجمعها وطحنها وفلاحة الأرض وغزل الخيوط ونسج الأقمشة وحياكة الملابس وصنع الأحذية والبناء وغير ذلك من الحرف التي يتطلبها استقلال الدير كوحدة قائمة بذاتها غنية عما حواليها.
وقد أخبرنا بلاديوس الذي زار دير بنابولس – قرب نهاية القرن الرابع – أنه رأى هناك خمسة عشر رجلاً يحيكون الملابس وسبعة حدادين وأربعة بنائين، واثنى عشر جمالاً، وخمسة عشر نساجاً وغيرهم من الرهبان الذين اختصوا بمختلف الحرف والصناعات.
إن قانون القديس باخوميوس كان ينص في صراحة على ضرورة القيام بالأعمال اليدوية، ليس فقط كمجرد أداة لتنظيم الحياة المادية للدير وإنما أيضاً كوسيلة للإصلاح الروحي لأن العمل في نظر باخوميوس الثاقب إنما كان يعتبر جزءاً متمماً للعبادة والصلاح.
7- الطعام: كانت تقدم وجبات الطعام في مكان خاص أو مطعم مرتين فقط كل يوم، الأولى في منتصف النهار والثانية في المساء.
ولكن بعض الرهبان الذين يمعنون في الزهد كانوا لا يتناولون طعامهم إلا مرة واحدة يومياً وعلى انفراد في صوامعهم؛ كما كان طعامهم كان قاصراً على كسرة الخبز وشئ من الملح والماء.
وعندما خلف ثيودور القديس باخوميوس في الرياسة العليا، لم يحبذ ذلك الامعان في التقشف والحرمان من الطعام، وكان الطعام عادة يتألف من خبز وخضر وحساء وجبن وفاكهة.
أما اللحم والخمر فقد حرمت عليهم ولا يسمح بتناولها إلا للمرضى الذين كانوا يرقدون في مستوصفات الأديرة ودور العلاج. ويدخل الراهب مطعم الدير حافي القدمين ومرتدياً جلد الشاه والقميص القصير ورأسه مغطاة بقلنسوة، ويتناول الرهبان طعامهم في سكون تام دون أن يلتفتوا ذات اليمين أو ذات اليسار.
8- النوم: بعد اعتزال الرهبان صومعاتهم كان عليهم أن يغلقوا الأبواب على أنفسهم ولا يتجاذب أحدهم أطراف الحديث مع جاره بل كانوا يتفرغون للصلاة ثم الراحة استعداداً للرياضة الروحية المشتركة بعد منتصف الليل إذ لم يكن يسمح لهم بالنوم بعد تلك الساعة.
ولم يكن الرهبان يستعملون في نومهم الوسائد بل يستلقون أرضاً وفي ليالي الصيف الحارة كان يسمح لهم بالرقاد في العراء على سطوح صوامعهم.
9- العقاب: يتعرض الرهبان بسبب أتفه الأخطاء للمحاكمة والحرمان من وجبات الطعام.
أما الأخطاء الكبرى فيعاقب الراهب عليها جسمانياً بالضرب والجلد مثلاً؛ وأحياناً كان يستخدم عقاب الطرد من الأديرة إذا ارتكب أحدهم إثماً فاحشاً لا يرجى منه صلاح.
من هذه الالمامة السريعة نستطيع أن ندرك كنه قانون الأنبا باخوميوس، وعبقريته في حكومته المحكمة الحلقات التي روعيت فيها النواحي الانسانية إلى جانب الحاجات الروحية.
فالقديس باخوميوس قصد من وراء ذلك إلى تخفيف قواعد الرهبنة الأنطونية – التي ترمي إلى المبالغة في الزهد وتعذيب الجسد تعذيباً فظيعاً – دون أن يغفل ذلك السمو الروحي في حياة الرهبان، كما أوجب عليهم التعليم وعلمهم الطاعة المطلقة.
والمدقق في قانون الأنبا باخوميوس، يجد أنه كان يرمي إلى الجمع بين حاجات النفس والجسد على السواء في حدود الطهر والعبادة والصلاح. بذلك نجد أن باخوميوس ابتدع قانوناً اجتماعياً وروحياً في نفس الوقت
والأديرة الباخومية مؤسسات لها روعتها، ويلزمنا أن نلقي بنظرة عاجلة على تكوينها وما احتوته من المباني والأمكنة.
فالدير كان في الواقع عبارة عن حصن حصين تحيط به الجدران السميكة الشاهقة الارتفاع لحماية رهبانه من غارات المعتدين من الخارج.
وأهم ما في داخله من المباني الكاتدرائية الكبرى وأحياناً عدد من الكنائس الصغرى وبه قاعة للاستقبال ومكتبة ومطعم ومطبخ ومخازن للغلال والملح ومواد الطعام، وقاعة للإجتماعات العامة وبيت للزائرين قرابة الباب الخارجي، وحصن شاهق على شكل برج في وسط المكان للإحتماء فيه عند الحاجة؛ والأبيار والسواقي لجلب الماء منها.
أما صوامع الرهبان فكانت تقام بحذاء الحائط من الداخل، كما كانت هناك مساحة واسعة خلواً من البناء يزرعون فيها الحدائق ويعملون في بعض أجزائها نهاراً.
كان من الطبيعي أن يذيع صيت القديس باخوميوس، ويشتهر قانونه في أماكن عديدة في هذا القطر وما وراء الحدود المصرية حتى قيل أن مؤسسات باخوميوس قد امتدت جنوباً إلى أن وصلت حدود أثيوبيا الحالية؛ بينما أسس القديس باسيليوس مؤسساته الرهبانية في بلاد اليونان على غرار مؤسسات باخوميوس، كما حمل القديس أثناسيوس العظيم التعاليم الباخومية إلى أوربا الغربية، وفي رحلته الثانية أقام القديس أثناسيوس في روما منذ عام 340م. حتى عام 346م. وعرض على البابا يوليوس الأول الأعمال العظيمة التي قام بها الأنبا باخوميوس في مصر.
وفي عام 404م. ترجم القديس جيروم نصوص القانون الباخومي إلى اللاتينية ونشره بين الرهبان الايطاليين، بينما نقل يوحنا كاسيان حياة الرهبان المصريين إلى الرهبان المقيمين في قفار غرب أوربا وعلى وجه أخص في بلاد الغال.
وربما كان أبقى آثار قانون القديس باخوميوس وأهمها هو ذلك الأثر الذي انطبع على النظام الرهباني البنيدكتي.
وإذا كان القديس باخوميوس قصد إلى تكيف حياة الرهبنة على أسس اجتماعية تتفق وظروف القانون القرن الرابع في مصر، فإن القديس بنيدكت إنما عمل على وتيرة سلفه في وضع قانونه الجديد لكي يناسب أحوال القرن السادس في ايطاليا.
ولا يتسع المجال هنا لمقارنة قوانين ونظم هذين القديسين، كما أننا لا نود الخروج عن موضوعنا إلى هذا الحد، إنما ما يعنينا في هذا الصدد هو إثبات ما يدين به الأخير للأول من حيث اقتباس الكثير من أفكاره في حياة الشركة وفي النظام والعمل والتعليم والخضوع المطلق للنظم الرهبانية وقد كان بنيدكت صائباً في استعانته بقانون باخوميوس نظراً لما كان يتمتع به من مركز بين اللاتين مكنه من نشر التقاليد الباخومية بين ظهرانيهم، ومنذئذ أخذ التاريخ الرهباني في أوربا وجهة مصرية جديدة هي أيضاً وجهة إنسانية روحية.
غير أن حياة الشركة التي يرجع تأسيسها وابتداعها إلى عبقرية القديس باخوميوس في القرن الرابع لم يقتصر أثرها على الديرية البنيدكتية بايطاليا في القرن السادس، وإنما تعداها إلى أوربا في جملتها خلال القرون الوسيطة التالية.
وإن للباحث في زوايا تاريخ القرن العاشر أن يتساءل بحق عما إذا كانت تعاليم باخوميوس قد أثرت تأثيراً مباشراً في حركة الاصلاح الرهبانية الكبرى التي تقترن باسم كلوني والتي كان لها أثرها الدائم في توجيه المدنية في العصر الوسيط، وإحياء تلك الروح الفذة التي هدمتها النزعة الانفصالية والاستقلال الذاتي بين مؤسسات القديس بنيدكت.
فها هم آباء كلوني يستوحون الماضي البعيد من تعاليم باخوميوس في ربط أديرتهم مع بعضها برباط وثيق، ويجعلون من رئيس ديرهم الأصلي زعيماً عاماً لكل الأديرة الفرعية التي يدين رؤساؤها المحليون له بالطاعة المطلقة. وها هم رهبان الحركة الكلونية يعقدون اجتماعين سنويين للشورة في أمورهم ولتقديم التقارير عن أعمال أديرتهم ولإسداء النصح لرئيسهم الأعلى في سياساته العامة كما يتلقون من لدنه التوجيه والارشاد فيما يتعلق بواجبهم، كل ذلك على وتيرة الأنظمة والتعاليم الباخومية.
وإن العجب من ذلك التشابه بين حياة الشركة في القرن الرابع والاصلاح الكلوني في القرن العاشر ليتضاءل أو يزول إذا تذكرنا أن مؤلفات يوحنا كاسيان وغيره من آباء الصحراء وحياتهم ونظامهم، ظلت منتشرة في بلاد غاله (فرنسا) التي هي منبت الحركة الكلونية خلال القرون الوسطى ولا شك أن المصلحين في عالم الرهبانية كانوا على علم دقيق بما جاء فيها من السمو والنظام، فأخذوا الكثير من تعاليمهم عنها.
وإننا إذا أمعنا النظر في تاريخ الرهبنة المسيحية العام على ضوء ما أجملناه في هذه الالمامة السريعة، لأدركنا بوضوح أن مصر التي ولدت بين ظهرانيها وفي صحاريها وقفارها تلك الحركة الانسانية الهائلة؛ إنما ظلت تهيمن على كل ما تلاها من حركات الاصلاح الديري بأوربا قرناً بعد قرن زهاء العصر الوسيط [14].
المتنيح الأنبا كيرلس مطران ميلانو
أنا الرهبنة
تعالوا . . معترفين بالجميل
أنا الرهبنة .. أحمل بين يدي سجلاً لأبنائي الرهبان .. الذين وضعوا أقدامهم على طريقي.. وسلكوا فيه .. وثبتوا في تعاليمي .. حياتهم كلها نسك .. وأفكارهم كلها تأملات.. وكلماتهم أغنى من الذهب والفضة.. ونظراتهم تخترق السطحيات وتتلذذ بالأعماق ..
خطواتهم مبشرة بالسلام.. ودموعهم غسلت أجسادهم وأرواحهم وأنفسهم.. صمتهم بمعرفة كان حديثاً شيقاً يتمتع به كل من كان يراهم ..
وداعتهم واتضاعهم أقيم شهادة تلمذة على يد المسيح المعلم الصالح .. لي اشتياق أن أفرح قلوبكم.. واحكى لكم عن جواهر ثمينة مزينة ومرصعة تاج رأسي ..
أحكى لكم عن حياة أبنائي الصادقة والأمينة .. فأعمالهم تتكلم عنهم .. وهي بلغت إلى أقطار المسكونة.. وتشهد لهم عن محبتهم وإيمانهم.. ورجائهم.. وصبرهم.. واتضاعهم.. ولطفهم.. وصلابتهم..
كما أن فكرهم واحد .. هم يتوارثونه من آبائهم .. ويورثونه إلى أبنائهم .. كما أن فكرهم واحد -كذلك طريقهم واحد – يسلكون فيه على آثار أقدام آبائهم ذوي السيرة الحسنة متمثلين بإيمانهم ..
أبنائي نساك .. وعباد .. ورجال صلاة .. ولاهوتيين .. وباحثين ومتأملين ومتوحدين .. كلهم لا يعرجون بين فكرين متناقضين ولا يعرجون بين طريقين متعاكسين ..
دياري الرهبانية أثمرت في كل بلدان العالم .. لقد غرسها الله على يد أبنائي .. أنا الرهبنة .. وفي دياري تمت سيامة رهبان وقسوس وقمامصة .. وتمت تزكيات لأساقفة وبطاركة ..
أنا الرهبنة .. وكل أولادي يسكنون عندي .. وأنا أسكن فيهم .. هم لا يذهبون للخدمة والكرازة بدون تزكيتي .. وأنا أذهب معهم لأحفظ بتولية يذهبون قلوبهم ..
هم يذهبون إلى النفوس المتشوقة لسماع كلمة الله .. لأن هؤلاء المتشوقين كيف يسمعون بلا كارز .. وأبنائي كيف يكرزون إن لم يرسلوا كما هو مكتوب ” ما أجمل أقدام المبشرين بالخيرات ” ..
تعالوا يا أحبائي .. اليوم أود أن أفتح لكم صفحات السجلات التي بين يدى ..
تعالوا لتفرحوا .. تعالوا اسمعوا عن حياة ابني الراهب العابد .. والأسقف المعلم .. والبطريرك الكارز ..
منذ أن دخل ابني هذا إلى دياري وأنا أراه راهباً فاضلاً .. لقد نال نعمة الأسقفية .. ونعمة البطريركية .. وكلاهما لم يفصلاه عن محبته للرهبنة .. هو يتمشى في طرقي .. ويجلس على ترابي .. وأنا أشهد له بأنه سلك على آثار خطوات أبيه أنبا أنطونيوس الكبير .. والتصق به إلى أن أخذ كل رائحته ..
عيناي رأته وهو يقضى الليالي يقرأ .. ويكتب على ضوء شمعة خافتة ليضيء بسلوكه للسالكين في طريق الرهبنة ..
رأيته وهو يقدم مثلا حياً .. كيف يعيش الراهب ؟! وكيف ينمو ؟ وكيف يتحد بالله ؟! كيف يقول ” الله وكفى ” ؟! كيف ينحل عن الكل لكي يرتبط بالواحد ؟!
الراهب ابني .. أصبح أسقفاً للتعليم .. وجال معلماً في كل مكان يذهب إليه .. سقى كلمة الله لأذهان سامعيه .. والكل ذاق حلاوة عشرته بالله ..
تأملاته الروحية عميقة فتحت نافذة روحية تضئ على أفهامكم وعلى مسامعكم .. وعلى عقولكم ..
من بين تعاليم مدرسته قال ” أمح الذنب بالتعليم ” ..
من أنظروا يا أحبائي إلى أبنى الحبيب أصبح بطريركاً كارزاً يجلس على كرسي مارمرقس الرسول كاروز ديارنا المصرية .. لقد صار واحداً من خلفائه ..
ابني استلم أمامكم عصا الرعاية من على مذبح الرب .. وقرأ الإنجيل .. كلمات السيد المسيح القائل : ” أنا هو الراعي الصالح .. والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف ” ..
وكما سلك المسيح الراعي .. ابني يسلك هكذا ..
يا أولادي .. أنظروا .. وتأملوا .. في حياة المسيح الراعي الصالح .. بالرغم أنه محباً للكل .. وجاء لأجل الكل .. وأوصى الجميع قائلاً ” إن أحببتم الذين يحبونكم فأي فضل لكم .. ” في المقابل كان يوجد من يحبه .. وكان يوجد من يتجاهله .. وكان يوجد من يحاربه وبلا سبب ..
لهذا أود أن أعرفكم بأن كل الرعاة الذين أختارهم الله حسب قلبه يسلكون متشبهين بقلب المسيح .. يحبون الكل .. ويبذلون أنفسهم لأجل الكل .. لأن المحبة تعطى نفسها وتأخذ من نفسها .
ابني أنا أعرفه جيداً .. أنتم ترونه أمامكم وتسمعون صوته .. ابني هذا مخلصاً .. وأميناً .. ودقيقاً في كل مسالكه ..
مخلصاً لله ولتعاليمه .. أميناً لتعاليم الآباء .. ومخلصاً لوطنه ..
ابني يعرف الحق .. الحق يحرر صاحبه .. ابني يقف ويخاطب الله قاضى المسكونة بالعدل .. هو لا يعوج القضاء .. ولا يقبل أن يتعوج القضاء .. هو ينادي بتعاليم الله القائل .. ” ويل للقائلين للشر خيراً .. وللخير شراً .. الجاعلين الظلام نوراً .. والنور ظلاماً .. الجاعلين الحلو مراً .. والمر حلواً ” ..
أنا الرهبنة .. وفي أعماقي كثير من الكلام عن ابني .. اكتفى بأن أقول لأولاد مدارس الأحد تعالوا أنظروا إلى راعيكم .. هو أمين خدمتكم .. تعالوا يا كل الشباب واسمعوه يوصيكم جميعاً .. كنيسة بلا شباب .. كنيسة بلا مستقبل ..
تعالوا يا كل الخدام وأنصتوا إلى النصيحة الذهبية وادخلوا إلى الأعماق بقوله ” أنت تخدم بيت الرب .. متى تخدم رب البيت ” . تعالوا ياكل الشعب اسمعوا عظاته .. وأقرأوا كتاباته لتستنير أذهانكم بالتعليم السماوية ..
يا كهنة الله المقدسين تعالوا واسمعوا وتذكروا كلمته الطيبة .. ” أريحوا الناس .. وإن لم تقدروا على الأقل لا تتعبوهم ” .
تعالوا يا آباء الأديرة .. تعالوا يا شعوب الإيبارشيات .. تعالوا نسجد للرب على النعمة العظيمة التي ترعانا .. تعالوا نهنئ قداسة البابا شنودة الثالث .. أطال الله عمر قداسته [15].
المتنيح الأنبا إيساك الأسقف العام
طاعة بلا تردد
لقد تحدى يسوع الشاب الغنى بأن يترك عنه رفاهية الحياة ويقبل حياة الفقر الاختياري وبذلك وضع الشاب في احدى خيارين لا ثالث لهما ، اما أن يطيع أو لا يطيع في الدعوات السابقة عندما دعي يسوع لاوى من عند مائدة الصيارفة ، وعندما دعي القديس بطرس من شباك صيده ، دعاهم من مهام أشغالهم الدنيويه ، وكان على كليهما أن يتركا كل شيء ليتبعا يسوع بل وعندما دعي بطرس الرسول أيضاً لكى يمشى على أمواج البحر الهائج ، كان عليه أن يقوم بالمخاطرة بنفسه ويجازف بحياته .
الشئ الوحيد الذى كان مطلوبا في كل حالة هو – الاعتماد على كلمة المسيح فقط ، والاستناد عليها كأعظم ضمان . ويا له من ضمان ، انه أضمن من كل ضمانات العالم بأسره .
+ على الفور تبرز قوى معاكسة مريعة تفصل بين كلمة المسيح وبين الاستجابة الفورية لها ، وعدم التردد في طاعتها : المنطق ، والضمير ، والمسئولية ، والاشفاق على الذات… الخ كل هذه تقف معوقات للاستجابة لدعوة يسوع ، بل وحتى الناموس وسلطان كلمة الانجيل قد نجد فيها ما يدعم موقف الرفض !!
لأن العقل ينجد الإرادة المتقاعسة عن الطاعة بتبريرات لا نهاية لها. قد يقال لنا ان هذا اندفاع وحماس وتطرف وخروج عن المألوف ، ولكن يكفى أن الدعوة هي دعوة يسوع ، ويكفى ان الكلمة التي دعينا بها هي كلمة الله وكل المطلوب هو طاعة بلا تردد . هل نحن البشر نعدل فكر الله ؟
١ – ان كنا أثناء قرائتنا لانجيلنا سمعنا يسوع يتكلم الينا ” ان أردت أن تكون كاملاً فاذهب وبع أملاكك واعط الفقراء ، وتعال أتبعنى ” فمن المحتمل أن نناقش الأمر مع ذواتنا على هذه الطريقة : حقاً ان طلب يسوع محدد جداً وواضح بلا لبس ، ولكن على أن أتذكر ان المسيح لا يريد منى ان آخذ وصيته بطريقة فقهية حرفية ، ان كل ما يريده يسوع هو أن يكون عندى ايمان .
ولكن ايمانى ليس بالضرورة يرتبط بغنى أو فقر أو أي شكل من هذا القبيل. ان الفقير والغنى على السواء يمكن أن يكون لهما حياة روحية. ليس ضرورياً أن يكون لى مقتنيات، ولكن ان كان لى فعلى أن أحتفظ بهم واستخدمهم وكأنى لا أستخدمهم بمعنى ان يكون عندى زهداً داخلياً روحياً ، ويكون قلبى متجرداً وغير متعلق بمقتنياتى وبهذا نبرر عدم طاعتنا .
٢ – لقد قال يسوع ” بع مالك ” ولم يشترط أن لا تعيش في ترف ورفاهية. لذلك عليك أن تحتفظ بمالك بهدوء حاسباً إياه كأنك لا تملكه، لا يكن قلبك في مالك … اننا في الواقع نعفى أنفسنا من الطاعة التي بلا تردد لكلمة يسوع بحجة الناموس حيث نفترض ان الطاعة بالايمان وفقط .
+ ان الفرق بيننا وبين الشاب الغنى هو انه لم يسمح لنفسه أن يبرر موقفه كأن يقول في ذاته لا يهمك ما قاله يسوع بالحرف ، فالحرف يقتل ، يمكننى أن أتمسك بغناى ولكن بروح تجرد داخلى . وبالرغم من عدم استجابتى لدعوة يسوع ، أستطيع أن أستريح في الفكرة بأن الله قد غفر لى خطاياى ويمكننى ان أتبع المسيح بالايمان.
ولكن الشاب الغنى لم يقل هكذا ، لقد مضى حزيناً لأنه لم يطع ، فلا يستطيع أن يدعى انه يؤمن . كان الشاب أميناً جداً في هذا . لقد ترك يسوع وحقاً أن صدقه هذا له فوائد أكثر من أي اتحاد ظاهرى مع يسوع مؤسس على العصيان .
المشكلة مع الشاب الغنى ، انه كان غير قادر على التجرد الداخلى من غناه . وكإنسان غيور يبحث عن الكمال ، وربما حاول ألف مرة ولكنه فشل ، لأنه يرفض أن يطيع كلمة يسوع في اللحظة التي كان يتحتم عليه فيها أن يأخذ قراراً . لقد كان هذا الشاب صادقاً مع نفسه ، أما نحن فاننا نميل إلى كثرة الرغى بطريقة سفسطائية ، حتى اننا نحور كلمة يسوع ذاتها لسامعينا فيفهمون شيئاً مختلفاً تماماً عما قصده يسوع .
+ لو قال الانجيل : أترك كل شيء وراءك وأتبعنى ، أنبذ الرفاهية التي تعيشها ، استقل من وظيفتك ، أترك أهلك وعشيرتك وبيت أبيك … ومثل هذه الدعوات التي لا يفهم منها سوى شيء واحد وهو الطاعة والاستجابة على الفور . ولكننا نجادل هكذا : طبعاً نحن معنيين ان نأخذ دعوة يسوع بطريقة جدية ، ولكن ، وماذا بعد ، نخشى أن حماس البداية يفتر فماذا نفعل أنذاك بعد أن نكون فقدنا وظائفنا الحالية قد يكون طريق الطاعة الذى يريده يسوع هو ان نخدم أهلنا بروح تجرد حقيقى نخدمهم روحياً ونكسبهم للمسيح لذلك علينا أن نستمر في كل شيء كما هو . وهكذا يأمرنا المسيح : ” أترك ” ونحن نؤول كلامه ليعنى ” أمكث كما أنت ، وعليك بممارسة التجرد الداخلى فقط ” .
+ مثال آخر ، لو قال لنا الانجيل : ” لا تهتموا ” سنؤول ما قاله ليعنى ” طبعاً ليس من الخطأ أن نهتم لنعول أنفسنا ونعول من يعتمدون علينا ، والا فاننا نكون مقصرين في مسئولياتنا . ينبغي فقط ان نكون داخلياً بلا هم طوال الوقت ” .
+ يقول لنا يسوع : ” من لطمك على خدك الأيمن حول له الآخر أيضاً ” فقد نؤول المعنى بأن القصد هو : ان محبتك لعدوك هو بأن ترده إلى صوابه لذلك فعليك أن تقاتله لكى ترده الى صوابه وبذلك تحبه !
+ يقول لنا يسوع : ” أطلبوا أولاً ملكوت الله ” وقد نفسرها نحن هكذا ” طبعاً علينا أن نطلب كل الأشياء المعيشية أولاً ، والا كيف يمكننا أن نعيش ؟ ان ما يعينه هو أن يكون لدينا الاستعداد أن نرهن كل الأشياء لملكوت السموات ” .
وبهذا ، نحن نحاول أن نزوغ عن حتمية الطاعة الحرفية التي بلا تردد على طول الخط . كيف نسمح أن تمر هذه السخافة ؟ ماذا حدث حتى أن كلمة يسوع تمتهن هكذا بهذه التفاهات الفكرية ، وتترك هكذا معرضة لسخرية العالم ؟ حينما تصدر أوامر من أي أوساط أخرى في الحياة فلا يمكن أن تحور أو يشك في معناها مثلاً لو أرسل أب ابنه الصغير لكى ينام في فراشه ، فان الابن يعرف تماماً ماذا عليه أن يعمل ، ولكن لنفرض أن عقله بدأ يتباحث في الأمر كطريقة الاهوتيين الزائفين على هذا النحو : أبى يطلب منى أن أنام ، انه يعنى اننى متعب ومحتاج أن اتغلب على التعب الذى عندى بطريقة جيدة جداً وذلك بأن أخرج وألعب ، فرغم أن أبى أخبرنى ان أذهب لأنام ، الا أنه يعنى في الحقيقة أخرج وألعب .
لو ساق طفل أفكاراً مثل هذه بالنسبة لوالده . أو لو فكر أحد المواطنين في قوانيين الدولة على هذا المنوال ، ماذا سيكون رد فعل من الآب أو من الدولة سوى توجيه التأنيب والعقوبة . فهل نأخذ وصية المسيح بطريقة مختلفة عن الأوامر الآخرى ؟ ونحول الطاعة التي بلا تردد إلى عصيان مشجوب ، كيف يكون هذا ؟
+ لقد أراد يسوع بطلبه من الشاب ان يتخلى عن ماله ، وهو أن يجعله في الوضع حيث يكون الإيمان بيسوع ممكناً ، فيعتمد على يسوع وليس على أمواله ، فيقدر ان يتبعه . ولكن السفسطة توصل في المرحلة النهائية إلى عدم الاهتمام بالدعوة .
+ قد يقول البعض ، ان كل شيء ، متوقف على الايمان ، وكل ما ليس من الايمان فهو خطيئة ، فسواء كنت في حالة فقر أو غنى ، زواج أو بتوليه ، توظف أو بطالة كل هذا ممكن أن يؤول في المحصلة النهائية إلى صواب . من الممكن ان يكون لنا ثروة وممتلكات وعقارات من هذا العالم ونحن في نفس الوقت مؤمنون بالمسيح – فيكون الانسان مالكاً لهذه الأشياء وكأنه لا يملكها . ولكن يبقى بيع كل ما نملك هو الاحتمال النهائي للحياة المسيحية ان تعوقت في وجودها . وفى مقدورنا في نفس الوقت ، وهذا في نطاق امكانيتنا ان نتوقع مجئ المسيح الثانى وننتظره بلهفة وهذا هو الطريق الوسط البسيط الممكن .
+ يا أحبائى ، ان شرح الوصية بعيداً عن مضمونها الحرفى المباشر ، قد يكون له مبرراته من وجهة النظر المسيحية ، ولكن لا ينبغي أبداً أن يقودنا هذا الشرح إلى ترك المفهوم الراسخ غير المتذبذب للوصية. قد يكون هذا ممكناً وصحيحاً للذين قد طبقوا فعلاً نقطة أو أخرى من المفهوم الحرفي الثابت للوصية .
أولئك يعيشون كتلاميذ للمسيح منتظرين الآخرة الممجدة ، ويبقى التطبيق الحرفى للوصية هي الصعوبة الرئيسية الأزلية لطريق التلمذة . لأننا نميل الى تفسير دعوة ربنا يسوع المسيح لنا لكى نتبعه بصورة تفرغ الدعوة الإلهية من كل مضمون لها ، بل ندعو إلى تطبيقها بطريقة عكس ما هو مطلوب تماماً ، لتلائم الناس .
وهكذا تتحول الدعوة من بركة إلى خطر دائم يستحيل أن توصلنا إلى المسيح ، ويستحيا ان تجعلنا نوصل الرسالة التي يريدها المسيح للآخرين عن طريق دعوتنا لأننا رافضون أن نطيع بحسب مفهوم الله ، ولا نطيع الا بحسب مفاهيمنا البشرية الخاصة . وعندما يراوغ المسيحيون في تطبيق شريعة المسيح في حياتهم ، فلا عجب ان فرضت عليهم شرائع أخرى حتى ولو كانت وحشية ومذلة وعنيفة .
لماذا لا نلتزم بطاعة صلبه لوصايا المسيح ؟ ان أي شخص سوف لا يشعر أنه أكثر سعادة الا حينما يطبق المفهوم الحرفى المستقيم لوصايا يسوع مطيعاً بكل صرامة حتى لو تتطلب منه أن يبيع كل أملاكه عندما يطلب يسوع هذا ، فلا يتشبث بها ، لماذا نعطى لأنفسنا الحق أن نفسر كلمة المسيح بصورة دبلوماسية لنعفى أنفسنا ، ونبرر ذواتنا عن التقصير في الطاعة ؟
+ ان الدعوة الفعلية ليسوع والاستجابة في طاعة بلا تردد له مغزاه القوى والمؤثر في وسط الناس . بواسطة هؤلاء المطيعين يدعو يسوع الناس الى وضع عملى حيث يكون الايمان ممكناً لهم . لهذا السبب فان دعوة يسوع هي دعوة واقعية ، وهو يريدها ان تفهم على هذا النحو ، لأنه يعرف ان الطاعة الفعلية فقط هي التي تحرر الانسان ليؤمن .
+ ان التذبذب في الطاعة هو مثال آخر لانحراف الانسان عن مسار النعمة الغالية إلى نعمة رخيصة لتبرير الذات . لأننا آنذاك نكون تابعين لناموس زائف من وحينا نحن ، ونصم آذاننا عن سماع صوت دعوة المسيح الرصينة ، هذا الناموس الزائف هو ناموس العالم مستخدماً ناموس النعمة ليؤاذره ويسانده ! فلا ننتصر على الروح الدنيوية في حياتنا اليومية ، ولا نختبر الغلبة في المسيح في تبعيتنا له ، بل تتفشى الدنيوية في حياتنا أكثر فأكثر ، وتتحول إلى مبدأ شرعى لا يمكن الحيود عنه وحينما يحدث هذا تتوقف النعمة عن أن تكون عطية الله الحى التي نناضل بها ضد الدنيوية ونوضع تحت طاعة المسيح .
+ انه المبدأ الالهى الذى يطبق حين يرفض الانسان طاعته ببساطة ، لابد من أن تتحكم فيه الشرائع الدنيوية الخطيرة . حينما نحاول أن نقاوم شريعة المسيح نضع أنفسنا على أسوأ أنواع الشرائع .
الطريقة الوحيدة للغلبة على الشرائع الدنيوية هي الطاعة الحقيقية للمسيح حينما يدعونا أن نتبعه . حيث انه في المسيح يكمل ناموس ويلغى ناموس في آن واحد .
+ عندما نحذف مبدأ الطاعة البسيطة لكلمة الله ، فاننا ننحدر إلى تفسيرغيرانجيلى للانجيل . إننا نأخذ عملية فتح الإنجيل كضمان لسلوكنا حسب مبادئ الدعوة ، ولكن مفتاح التفسير الذى نستخدمه لتفسير الانجيل ليس هو المسيح الحى كنموذج لسلوكنا في الحياة ، المسيح الذى هو مخلصنا ودياننا في آن واحد . واستخدامنا لهذا المفتاح لم يعد متوقفاً على إرادة الروح القدس الحى وحده .
المفتاح الذى نستخدمه هو تعاليم بشرية عامة عن النعمة وغيرها ، نطبقه كيفما أردنا . مشكلة التلمذه اذن أصبحت مشكلة تفسير .
نصل اذن إلى نهاية المطاف ، بأن التفسيرالبارع لوصايا المسيح دائماً يتضمن التفسير الحرفى ، والسبب ليس في كوننا نريد أن نقيم الناموس بل أن نظهر المسيح .
+ بقيت كلمة بخصوص الشكوك التي تساور البعض . بأن تعليم الطاعة ببساطة ، يحيى تعليم الاستحقاق البشرى – أي الإصرار على شروط مسبقة قبل نوال نعمة الايمان المجانى .
نقول ان طاعتنا لدعوة يسوع لا تقع أبدا في نطاق قدرتنا . فلو تركنا كل ممتلكاتنا مثلًا ، فهذا الفعل ليس في حد ذاته هو الطاعة التي يريدها يسوع .
فقد تكون مثل هذه الخطوة على الضد تماماً من طاعة المسيح ، لأننا قد نكون آنذاك نختار بأنفسنا لأنفسنا طريقاً خاصاً في الحياة ، أو نختار بعض المثل المسيحية دون جوهر المسيحية ذاتها ، قد تكون في ترك الانسان لما يملك هو لكى يعطى ولاء لنفسه ، أو ليقيم معينة ولكن ليس لوصية يسوع .
انه لم يتحرر من ذاته ولكنه يكون قد استعبد أكثر لنفسه . ان الدخول إلى الوضع حيث يكون الايمان ممكناً ليس منحة نمن بها على يسوع ، بل هي منحة يسوع الكريمة لنا . حينما نخطو خطوات الطاعة بهذه الروح تكون مقبولة. ولكننا في تلك الحالة لا نقدر أن نتكلم عن حرية اختيار من جانبنا .
وفى (مت ١٩: ٢٣ – ٢٦) .
السؤال الذى وجهه التلاميذ إلى يسوع : من يستطيع ان يخلص ؟ يبدوا أنهم قد اعتبروا ان حالة الشاب الغنى ليست حالة استثنائية من كل الحالات ، بل هي حالة مكررة باستمرار. لأنهم لم يسألوا أي غنى يخلص ؟ بل بصورة عامة سئلوا : من يستطيع ان يخلص ؟ لأن كل إنسان حتى التلاميذ أنفسهم ، ينتمون إلى أولئك الأغنياء الذين يصعب دخولهم إلى ملكوت السموات .
الإجابة التي أعطاها ربنا يسوع المسيح بينت انه قد فهم سؤال التلاميذ جيداً . ان الخلاص باتباع المسيح ليس هو شيء نبلغ اليه نحن البشر من أنفسنا – بل عند الله كل شيء مستطاع [16].
المتنيح القمص لوقا سيداروس
مثل العبد الأمين الحكيم (مت ٢٤: ٤٢-٤٤)
” اسهروا اذاً لأنكم لا تعلمون فى أية ساعة يأتى ربكم واعلموا هذا : أنه لو عَرَفَ ربُ البيت فى أى هزيع يأتى السارق ، لسهر ولم يَدَع بيتهُ يُنقبُ لذلك كونوا أنتم أيضاً مُستدّين ، لأنه فى ساعة لا تظنون يأتى ابن الانسان ” (مت ٢٤: ٤٢-٤٤)
المثل :
” فمن هو العبد الأمين الحكيم الذى أقامه سيدُهُ على خَدمه ليُعطيهم الطعام فى حينه ؟ طوبى لذلك العبد الذى اذا جاء سيّدُهُ يفعل هكذا إإ الحق أقول لكم : انه يُقيمُهُ على جميع أمواله ولكن ان قال ذلك العبد الردىء فى قلبه : سيدى يُبطىء قدومه فيبتدىء يضرب العبيد رُفقاءه ويأكل ويشرب مع السكارى يأتى سيد ذلك العبد فى يوم لا ينتظره وفى ساعة لا يعرفها ، فيقطعُهُ ويجعل نصيبه مع المرائين هناك يكون البكاء وصرير الأسنان “(مت٢٤: ٤٥- ٥١)
فى مقدمة المثل بحسب انجيل القديس متى جاءت هذه الكلمات عن مجىء المسيح وزمن مجيئه
فى أى هزيع يأتى رب البيت :
أمساء أم نصف الليل أم صياح الديك أم صباحاً متى يأتى ؟هو لابد أنه آت ومجيئه الثانى المخوف المملوء مجداً ، حيث يجتمع اليه الكل ويقف أمام منبر المسيح المخوف ديان الأرض كلها كل واحد ليُعطى حساباً عما قدمه بالجسد خيراً كان أم شراً فهل يعمل الانسان حساب هذا اليوم وهل يستعد بماذا يجاوب ديّانه ؟
المجىء العام للدينونة أمر مؤكد لدى جميع البشر أما قول الرب ” لا تعلمون متى يأتى رب البيت” فقد أخفى هو بحسب تدبيره موعد مجيئه وقالها بوضوح شديد للرسل الأطهار أن ليس لهم أن يعرفوا الأزمنة والأوقات التى جعلها الآب فى سلطانه وحده وأن يوم مجيئه لا تعرفه ولا الملائكة الذين فى السماء والمطلوب من الانسان أن لا ينشغل بهذا الأمر الا من جهة الاستعداد وأن يوجد الانسان فى ذلك اليوم وتلك الساعة بغير خوف ولا اضطراب ، بل يكون له ثقة ولا يخجل من المسيح عند مجيئه أما وقد قسّم الرب ساعات الليل الى مساء أم نصف الليل أم صياح الديك أم صباحاً فهذا ما أخذته الكنيسة ورتبت عليه صلوات السهر من المساء صلاة النوم الى صلوات نصف الليل بالثلاث خدم ثم صلاة (صياح الديك) السحر وهى فجراً ، وقد ضُمت الى صلاة باكر التى قال عنها الرب صباحاً ، وقد جهزت الكنيسة أولادها المختارين بالتسابيح لتفهم الألحان ومصابيحهم موقدة فى حالة استعداد يومى لملاقاة المسيح فلا غفلة ولا نوم ولا كسل بل جهاد وسهر وصحو وانتظار ، هكذا عاش أولاد الله حياة الصلاة والسهر وانتظار مجىء المسيح وقد قيل أن هذه الساعات قد تعنى مراحل عمر الانسان المختلفة ، فالمساء هو مقتبل العمر ونصف الليل هو نصف العمر وهكذا صياح الديك وصباحاً يعنى اكتمال العمر فى الشيخوخة وهكذا قد يترك الانسان هذا العالم فى أى لحظة فأى وقت وفى أى مرحلة من مراحل الحياة والأمثلة لا تقع تحت حصر أو عد فقد رأينا المئات والآلاف يتركون العالم فى جميع الأعمار وتحت كافة الظروف والمسببات وبدون أسباب والأمر يحتاج الى يقظة وتفهم وصية المسيح واعتبارها بكل الاعتبار ” ما أقوله لكم أقوله للجميع : اسهروا ” (مر ١٣: ٣٧ )
♣هنا يأتى السهر بمعنى اليقظة الروحية مع الانتظار والتوقع لئلا تأخذ الانسان غفلة فينام ، فيسرق العدو خلاصه ويفقده اكليله المسيحى الحقيقى انسان سهران دائماً يقظ دائماً بحسب وصية المسيح وبحسب قلب عروس النشيد المغبوطة حتى فى نومها الا أن قلبها دائماً مستيقظ لا ينام قال الرب هذا الكلام ثم أردفه بالمثل موجهاً كلامه الى رسله وقد أورد القديس لوقا الانجيلى هذا المثل بعينه فى (لو١٢: ٤١- ٤٨) ” فقال له بطرس : يارب ، ألنا تقول هذا المثل أم للجميع أيضاً ؟ فقال الرب : فمن هو الوكيل الأمين الحكيم الذى يُقيمه سيده على خَدَمه ليُعطيهم العُلوفة فى حينها ؟ طوبى لذلك العبد الذى اذا جاء سيّده يجدُهُ يفعل هكذا إ بالحق أقول لكم : انه يُقيمه على جميع أمواله ولكن ان قال ذلك العبد فى قلبه : سيدى يُبطىء قدومه ، فيبتدىء يضرب الغلمان والجوارى ، ويأكل ويشرب ويسكر يأتى سيد ذلك العبد فى يوم لا ينتظره وفى ساعة لا يعرفها ، فيَقطعُهُ ويجعل نصيبه مع الخائنين”(لو١٢ : ٤١ – ٤٦)
المَثَل :
هذا المثل يخص بالدرجة الأولى الخُدام الذين أوتوا وكالة واؤتمنوا من قبل السيد الرب على اخوتهم العبيد مثلهم لكى يعطوا رفقاءهم طعام الحياة الأبدية فى حينه الحسن وهو من أمثال الدينونة التى يظهر فيها المسيح الملك فى مجيئه الثانى المخوف حين يعطى الطوبى للأمناء الأحباء ويجازى الأردياء وهو أمر يدعو الى الانتباه والسهر والحرص والأمانة وانتظار المسيح الذى لابد وأنه آت ، وان كان طويل الأناة وبطىء الغضب فحديث المسيح المبارك كان للرسل وقد فهموا وأدركوا كلام الرب ووعوده ولكن القديس بطرس فى معرض حديث الرب سأله سؤاله الشهير : ألنا تقول هذا المثل أم للجميع ؟ وعلى عادة الرب لم يجب على القديس بطرس بالأجابة المباشرة ولكن أجاب بهذا المثل على السؤال ، وهو ان كان يؤكد على مسؤلية المسئولين الا أنه أيضاً يخص الجميع على اعتبار أن كل واحد منا مسئول فى حدوده ، ومُكلّف من قبل الرب على وكالة ان كبرت وان صغرت فالذى لم يؤتمن على كنيسة وجماعة مؤمنين فهو قد أؤتمن على بيت وأولاد ، والذى لم يُعطَ بيتاً وأولاداً فقد أعطى بطريق آخر مسئولية محددة لابد أن يُعطى حساباً عنها ويسأل فى الوكلاء بصفة عامة أن يوجد الوكيل أميناً فمن أثبت أمانته فى القليل فانه يُقام على الكثير ومن وُجد ظالماً فى القليل فكيف يؤتمن فيما بعد ؟ ولنبدأ المثل بالسيد الرب الذى يُقيم العبيد ويحسبهم أمناء ، وكأنه مسافر غائب فى حين أنه دائم الحضور وواجب الوجود ، لا يخلو منه زمان ولا يفتقر اليه مكان بل انه فوق المكان والزمان فهو غير المحصور وغير المحدود ولكن غياب السيد كان فى قلب العبد الردىء وفكره فقط ، فقد غاب السيد عن بصره بل غاب عن بصيرته ، وظن فيما يظن قوم التباطؤ ، فحسب امهال السيد تباطؤ وحسب طول أناته كأنه غير عارف أو غير معاقب وغير محاسب ولكن هذه هى صفات الرب التى لا بد أن ندركها أنه حاضر دائماً ، يكتب الأعمال فى سفر التذكرة الأبدى ، فالأقوال والأفعال محسوبة علينا مسجلة فى سجلات الأبد وان كانت الآن غير مرئية ولكنها ستُفتح حين يُفتح سفر الحياة وتُكشف حين تُكشف سرائر الناس وقد يسأل السائل لماذا يأتمن الرب مثل هذا العبد الردىء وهو يعرف سابقاً ما انعقدت عليه نية العبد البطال من الخيانة وعدم الأمانة ؟ والجواب على ذلك أن معرفة الله للأمور قبل كونها هى سابق علمه اذ لا يُخفى عليه شىء وهذه المعرفة هى خاصة به وحده ولكنها لا يؤثر بحال من الأحوال على ارادة الانسان وتدبيره ، وحرية اختياره وحرية سلوكه وقد يقرب الأمر الى الفهم مَثَل المُدرس الحصيف الكثير الخبرة بأمور التلاميذ وقد يعرف المدرس بسابق خبرته فى بداية العام الدراسى من هو التلميذ الأول الممتاز ومن هو التلميذ البليد الأخير ومع ما يبذله المدرس من جهد وما يعطيه من علم للجميع على قدم المساواة فانه يَصدُق حَدس المدرس وما سبق فأنبأ به اذ يتفوق الأول ويرسب الأخير ، وفى هذه الحالة لا دخل لسبق معرفة المدرس بهذه النتيجة التى توقعها وأنبأ بها ، ومسرة المدرس دائماً فى نجاح جميع تلاميذه لأنه لا يُسر مطلقاً بالفشل على هذا يؤخذ الأمر أن ربنا رغم سابق علمه بما سيكون من شأن العبد البطال فانه يأتمنه ويقيمه ، هذا أمر عجيب يظهر سخاء نعمة ربنا ويظهر ارادته الحسنة نحو الجميع اذ هو يريد أن الجميع يخلصون والى معرفه الحق يقبلون وهكذا كما قيل فى مثل الزارع ،أنه فى الأماكن المحجرة والطريق والأرض التى بها شوك لم تعدم منها أن يلقى الرب بذاره عليها ، لعلّها تأتى بثمر أو لعلها تعود فتنصلح وتغيّر ما بها ، فلو أنها تنقت لأثمرت للرب ثمراً جيداً فياليت عطايا ربنا ومواهبه تصير لنا بالأكثر سبب خلاص ونجاة وتجعل فينا روح المثابرة والأمانة فيما وضع بين أيدينا نعود الى قول الرب : من هو يا تُرى العبد الأمين والحكيم ؟ ففى مقابلة المسئولية يحتاج الأمر الى ركيزتين :
١-الركيزة الأولى هى الحكمة :
أما من تعوزه الحكمة فليطلب من فوق فستعطى له ، ولا يوجد طريق آخر لاقتناء الحكمة النازلة من فوق سوى الصلاة والتضرع الى الله وسكب النفس فى اتضاع وتوسل حتى يُعطى الانسان هذه العطية العظمى والثمينة والرب يُسر بطالبى الحكمة مثل سليمان حين لم يطلب سواها فانه حازها باقى العطايا ، وحين يتربى العبد على كلام الكتب التى هى أنفاس الله وحين يَجلس الى الشيوخ المدبرين حسناً أى يتتلمذ على قدمى الآباء يزداد حكمة ولكن شتان بين حكمة الروح وحكمة العقل ، بين حكمة أولاد الله وحكمة حكماء هذا الدهر الذين يُبطلون ، يكفى أن نعرف أن الحكمة النازلة من فوق هى أولاً طاهرة ثم مُسالمة مترفقة مذعنة مملوءة رحمة وأثماراً صالحة عديمة الريب والرياء هذه هى صفات الحكمة الروحية اذا سكنت الانسان فانها تزينه بهذه الفضائل ولا سيما فى خدمة النفوس التى يؤتمن عليها صفتها الأولى القداسة لأنها حكمة تصدر من ملء الروح القدس ، فان شابتها شائبة النجاسة فقد انتفى أن تكون حكمة الله ، فان افتقر الانسان الى الطهارة فان حكمته مهما بلغت فى أعين الناس فهى حكمة ليست نازلة من فوق بل هى أرضية نفسانية شيطانية صفة الخادم الحكيم الأولى هى تمسكه بروح القداسة والعفة ، هى كنزه ورأس ماله فهو طاهر فى قلبه ، طاهر فى فكره ، طاهر فى نظره ، طاهر فى كلامه ، طاهر فى صمته ، ثم يتبع الامتلاء من الحكمة والسلام فخادم الرب الحكيم انسان مُسالم بعيد عن العداوة والحقد والكيد والضغينة والسياسات والمؤمرات والتحزبات والتشويشات ، صفة الحكمة الروحية أنها مترفقة ومطيعة ومملوءة رحمة بالعبيد رفقائه ، ياليت الروح يُغنى الكنيسة بمثل هذه النعم التى نفتقر اليها فى غالب الأحيان
٢- الركيزة الثانية هى الأمانة :
وفى اللغة العربية كلمة الايمان والأمانة شىء واحد فالأمانة تعنى أن يحفظ الانسان ما عنده بدون اضافة أو نقصان ليسلمه كما هو أى ليس لذاته دور فى الأمر ، ما استلمه يحفظ ليسلمه كقول الرسول بولس ” سلّمتُ اليكم فى الأول ما قبلتُه أنا أيضاً ” (١كو٣: ١٥) فالعبد الأمين لا يُضيع ولا يُفرّط فى ما أخذه من الله من عطايا وهبات بل يتاجر بها ويربح بزيادة وبلا نقصان وهو عكس الذى يخون الأمانة ويتصرف فيما ليس له كأنه يخصه أما من جهة الذين ائتمنهم الله على كنيسته فالأمانة هى الركيزة العظمى ، فالحفاظ على الايمان المُسلم مرة للقديسين بلا انحراف وبلا تغيير ،
والحفاظ على تُراث الكنيسة كما تسلم اليهم من الآباء من طقس وألحان وأعياد على بيت سيده يحفظه كما هو فى ترتيبه وفى تدبيره ليس للعبد أن يُغير العوائد ولا أن يُدخل الى بيت سيده ما يستحسنه هو أو يستغنى عن شىء مما فى بيت سيده كأنه بلا قيمة ، بل الأمانة تقتضى أن يحفظ كل شيء كما هو على يوم مجيء سيده ، الأشياء التي لا يعرف قيمتها ويفتكر أنها بلا قيمة قد تساوى الكثير فى عين سيده صاحب البيت وعارف قيمة الأشياء مع تغيّر الزمن والأجيال قد تبدو بعض الممارسات الكنسية أو الألحان الطويلة أو العبادات أو السهر أو التسبيح أنها لم تَعُد مناسبة للجيل أو لظروف الناس أو الخ فيبتدأ المؤتمنون في التخفيف والتقليل والحذف والاستغناء ، هذه ليست أمانة فان كان أحد لا يعرف قيمة الجواهر ، فانه يبيعها بأبخس الأثمان فألذى لا نستسيغه أو لا نعرف قيمته ليس من حقنا أن نتخلص منه أو نلغيه أو نهمله أو نستغنى عنه ما لا نعرف قيمته ليس أقل من أن نتركه كما هو ، ونحتفظ به بأمانة كمثل انسان ورث قصراً كبيراً عن أجداده فيدخل الى القصر وهو لا يعرف قيمة النفائس والأشياء غالية الثمن ويفتكر فيها أنها قديمة بالية غير ذات قيمة ، فيبتدئ يلقى بها الى خارج بينما هى لا تقدر بثمن ولكنها تحتاج لعين خبير محنك ، أو أقل ما يقال أنها غالية في عين الآباء الذى وضعوها بالروح بل وفى عيني صاحب البيت يسأل فى الوكلاء أن يوجد الوكيل أميناً ،
هكذا تعلمنا من الآباء القديسين الذين حفظوا لنا الكنيسة بكل ما فيها من كنوز حتى وصلت الينا وسلّمونا اياها فهل نكون أمناء حتى نسلمها كما هي لمن يأتي بعدنا ؟ وما يُقال عن التفريط فى الأشياء الثمينة ، يُقال أيضاً عن الاضافات التي يستحسن البعض أن يعملها فى الكنيسة لكى يرضوا الناس أو لكى يُحببوا اليهم العبادة بأساليب غير كنسية مثل التراتيل والأنغام العالمية أو الغريبة أو الطرق والاختراعات والتطورات التى لا تمت الى روح الكنيسة والآباء كل هذا يُعتَبر عدم أمانة لأن الزيادة أو النقصان يضران بالأمانة على حد سواء ان تاريخ كنيستنا حافل بأمثلة الآباء الذين حفظوا الأمانة حتى النفس الأخير وفرطوا حتى فى حياتهم ولم يُفرطوا فى الأمانة ،
يكفى أن تدرس حياة أثناسيوس وديسقورس وكيرلس الكبير بل كان الآباء البطاركة القديسون يضربون المثل الأعلى فى الحفاظ على كل ما فى خزائن الكنيسة من نفائس وذخائر الطقس والعقيدة والألحان والأعياد والصلوات ووقفوا بحزم ضد كل تغيير أو كل ما كان يَرد على الكنيسة من بدع أو هرطقات أو ما يَهب على الكنيسة من رياح غريبة ومن أجمل الكلمات المتداولة فى الحياة الكنسية كلمة ” التسليم ” ” والتقليد ” ، وهو التسليم الشفاهى للحياة المسيحية ، فالشماس مثلاً يستلم الألحان انها أمانة سُلمت له لكى ينقلها كما هى بروحها ونصها ولحنها لمن يأتى بعده والكاهن يستلم الذبيحة ويستلم الأسرار انها أمانة أولاً وأخيراً ومتى استلم الانسان الأمانة سيأتى ساعة يقف فيها أمام رب البيت يُسأل هل كان أميناً أم لا ؟
مكافأة الأمانة :
الحق أقول لكم : انه يُقيمه على جميع أمواله هكذا قال الرب لا يَخطر على فكر البشر نوع المكافأة التى سيُكلل بها الرب مُختاريه الأمناء ، اذا وجدهم أمناء فى القليل فانه يعطيهم ملكوته ويُكللّهم بالكرامة مابالنا لا نفكر فى هذا النصيب الفاخر ، وانحصر نظرنا فى زوال العالم ان الأجرة التى تنتظرنا لا تخطر على بال انسان.
لماذا لا نتشجع في طريق الحكمة والأمانة ونترجى ملكوت الله ؟ لماذا نتكاسل ونُهمل ؟ ولا نحفظ الأمانة بسَهر؟ ان عوض الأتعاب الزمنية التى أظهرها الأبرار والصديقون والشهداء والنساك ولباس الصليب فانهم نالوا بهاء ومجد وكرامة فى السماوات ، شىء لا يُعبّر عنه إإ فالأتعاب وقتية والتنعم أبدى والضيقة خفيفة اذا ما قورنت بثقل المجد الأبدى ” خفّة ضيقتنا الوقتية تُنشىء لنا أكثر فأكثر ثقَل مجد أبدياً ” (٢كو ٤: ١٧) والآلام يسيرة وبعدها هو يكلمكم بالكمال الذى لا يشوبه نقص ولا كدر ويكفى أن نتأمل كيف وعد الرب ملائكة الكنائس السبع فى سفر الرؤيا : كل من يَغلب كيف سينال مكافأة فائقة للادراك ولا يعرفها سوى الذى ينالها ويتمتع بها
العبد الردىء :
تصرفات العبد الردىء مشينة وفكر قلبه منحرف بطال يبدأ الأمر فى تصورات قلب العبد الشريرة “ان سيدى يبطىء فى قدومه ” ، وبناء عليه يبتدىء فى تصرفات الرعونة والطياشة والغرور والكبرياء ثم الفساد والنجاسة فيبتدىء يضرب العبيد والاماء ، ” تسلط وكبرياء ” ، ويأكل ويشرب ويَسكر وكلها منعطفة نحو التلذذ الحسى والاغراق فى العالميات مع الافراط والتفريط ولكن دعنا نركز ذهننا فى حُرمة انحدار القلب الذى منه مخارج الحياة قال فى قلبه ان سيدى يبطىء فى قدومه ، فقد غاب وجود السيد وحضوره من قلب العبد البطال وتصوره فالعبد الأمين ، صاحب الايمان يرى برؤيا الايمان حضور السيد ويدرك وجوده مثل يوسف الصديق فى القديم حين قال ” كيف أصنع هذا الشر العظيم وأخُطىء الى الله ؟ ” (تك٣٩: ٩) فالله عند يوسف الصديق حاضر وناظر ومطلع بينما هو بالنسبة لامرأة فوطيفار غائب بلا وجود بعيد لا تدركه الحواس ، قال العبد البطال : سيدى يُبطىء فى قدومه ، أو لعله لا يأتى تسويف العمر باطلاً هي احدى الضربات الشيطانية التى يتعرض لها الكثيرون فمشورة العدو دائماً هى تأجيل التوبة ومحاسبة النفس ، أى تأجيل الوقوف أمام الله ، والمصالحة مع الله ، والاحساس بحضور الله ، وهو لا يشير على النفس بعدم التوبة نهائياً ، بل فقط تأجيلها وكأنه يهمس فى الأذن ويقول الانسان سيدى يُبطىء فى قدومه ومادام الحال هكذا فلنأكل ونشرب ونسكر ، ومن هو الذى يحاسبنى ؟ ما أخطر أن يغيب السيد الرب عن الذهن وعن العين والفكر والقلب إإ بينما هذا العبد بذاته لو كان سيده حاضراً لوجدته يعمل الأعمال بنشاط واتقان وهو خائف لأن سيده واقف حاضر يُلاحظ عمله لذلك يعوزنا الايمان الحقيقى بحضور الله الدائم فى حياتنا ويلزمنا أن يرافقنا هذا الاحساس أينما كنا وحيثما كنا فنعمل أعمالنا فى حضرته ونتكلم كلامنا أمامها كنت أزور بيت أحد أحبائى فوجدت لافتة مُعلقة فى حجرة الاستقبال مكتوب فيها أن الرب يسوع هو الضيف الدائم غير المرئى وهو يسمع لكل ما يقال فى الحجرة ويلاحظ كل ما يُعمل فيها فلنحذر من التهاون ولنحذر من التسويف الباطل ولنعمل حساب أن السيد قد يأتى فى أية ساعة لا نعرفها ولا نتوقعها ، وقد أخفى ميعاد مجيئه لخيرنا اذ يجعلنا هذا الأمر فى حال الاستعداد الدائم
فيبتدىء يضرب العبيد رفقاءه :
ان غياب السيد عن ذهن العبد البطال قلب الموازين عنده ، فالعبيد رفقاءه واخوته صاروا فى ذهنه عبيده وجواريه ، لقد ارتفع قلبه وضُرب بالضربة المُرة ، تَعظمت الذات وأفرخت الكبرياء ، صار سيداً بين اخوته ومُتسلطاً عليهم وهذا هو ضد ناموس المسيح الذى يجعل الأول خادماً والعظيم هو الذى يغسل الأرجل واذ تعظمت الذات صار ضراباً معتدياً ظالماً مجحفاً ، بدل أن يكون رحيماً فى وسط اخوته مترفقاً حنوناً الكبرياء شر مُهلك ، تفسد كيان الانسان وتجعله بلا رحمة وكأنه ديان محاسب وينسى أنه عبد كباقى العبيد
يأكل ويشرب ويسكر :
انعطاف نحو الذات تضخمت ، واغراق فى الملذات من أكل وشرب ثم سُكر من خمار العالم الزائل هذا مسلك مشين من عبد كان مؤتمناً على أموال سيده تحرزوا من خُمار هذا العالم لئلا تثقل قلوبكم ، فالخمر المادية تثقل العقل أما من يسكر من ملذات العالم ويتخم من مجده الباطل فان قلبه يُثقل فيفقد الاحساس ، أى يفقد حاسة الملكوت ويفقد الايمان ويفقد الرجاء ويفتقر الى كل ما هو روحي العبد الأمين والحكيم يعمل ليسعد اخوته ، يعطيهم طعامهم فى حينه ويسهر على راحتهم ويطلب خلاصهم انه خادم باذل أما العبد البطال فهو يعمل لحساب ذاته يأكل ويشرب ويسكر ولا يبالى بالعبيد رفقائه العبد الحكيم يعمل حساباً وألف حساب ليوم مجىء سيده فيسهر مُستعداً يقظاً وصاحياً منتظراً أما العبد البطال فيُفاجأ بمجىء سيده بغتةً وعلى غير توقع وهو فى حال سكره وخمار العالم قد أظلم عقله وقلبه وناظريه كمثل العبد البطال كان بيلشاصّر الملك فى غيه وغياب عقله يأكل ويشرب ويسكر مع جواريه ، بل أنه أخذ آنية بيت الرب غير عابىء بقدسيتها أو عاملاً حساب لصاحبها لقد بلغ الاستهتار منتهاه واذ هو غارق فى الملذات سكراناً غائب الذهن أفاق فزعاً على منظر اليد التى كتبت قضيته على مُكلّس الحائط ” أحصى الله ملكوتك وأنهاه وُزنت بالموازين فوُجدت ناقصاً ” ( دا ٥: ٢٦- ٢٧) وقد كانت نهايته فى تلك الليلة على غير توقع منه
المجىء الثانى :
عند العبد الحكيم الأمين حالة توقع وانتظار مع فرح اللقاء وحسن المجازاة فلسان حاله يقول : ” آمين تعال أيها الرب يسوع ” لأن صوت الرب ووعده ” أنا آتى سريعاً وأجرتى معى ” لا يغيب لحظة واحدة عن قلب العبد الأمين بينما هذا المجىء عينه يكون للعبد البطال مباغتة مرعبة ومواجهة مفزعة تنتهى على الفرح الكاذب والسُكر الذى يُغيب الوعى ، يصحو كما يصحو انسان من نومه على حريق مروع أو زلزال مهلك فيرتاع يقولون للجبال اسقطى علينا وللآكام غطينا من وجه الجالس على العرش ، بئس النهاية وبئس المصير ألا يحتاج الأمر الى مراجعة جادة مع النفس ، وتوبة صادقة ورجوع الى الله وطلب مراحم القدير ، وما فاتنا نستطيع بنعمة المسيح أن نلحق به وما شيعناه من عمر وما قصرنا فيه من تأدية الأمانة وما أهملناه بسبب تسويف العنر باطلاً كل هذا يمكن استدراكه ويمكن اصلاح السيرة واستقامة المسيرة ان نحن وعظنا أنفسنا ووعينا قول المسيح المبارك فى هذا المثل الحى يا ليت الرب يحسبنا مع عبيده الأمناء ويسند ضعفنا فنخدمه ببر وطهارة وتدبير حسن ويحنن قلوبنا على اخوتنا فنخدمهم ونبذل نفوسنا لأجلهم ونقتنى لنا صحوة روحية واحساس صادق بقرب مجىء الرب مُخلصنا الذى سيُكلل مختاريه بالكرامة ويجازى كل واحد بحسب عمله
اطعام العبيد :
من خير صانع الخيرات ومن مخازن النعم الغنية يخرج العبد الفطن الأمين والحكيم فى الحين الحسن ، يخرج ليشبع ويغذى ، ومائدة السيد ومخازنه ما كانت يوماً فارغة ، لقد استودعنا السيد خيراته الالهية وجعل عبيده وكلاء سرائره ، فمن مخزن الحنطة الالهية يُطعم المستحقين خبز الحياة ، وهو حاضر على المذبح كل يوم الخبز النازل من السماء لكى يأكله الانسان ولا يموت ، ومن كنز الروح القدس يقدم الخيرات فى مائدة كلمة الله المشبعة للنفس ، ” وجدت كلامك حلو فأكلته ” ، ” فأطعمنى ذلك السفر ” ويُشبع النفس الذليلة ، ويَكسر للجائع خبز الشبع ، من مشتهيات الروح يُشبع متواضعى الروح ، من صبر كثير ورجاء راسخ ، وحب حقيقى وقداسة السيرة وملء الصوم وسخاء العطاء فى الرحمة وكقول اشعياء : ” ان أنفقت نفسك للجائع ” وهذا هو قمة العطاء ، عطاء النفس على مثال المسيح مخلصنا فبماذا يُكافىء مثل ذلك العبد ، الذى لا يهدأ حتى يطعم ويريح ويشبع كل نفس ، حاسباً نفسه خادماً للجميع يَنفق ويُنفق ويَكسر خبزه مع نفسه ويضع ذاته لأجل أحبائه ؟ إبماذا يكافىء متى جاء سيده ووجده يفعل هكذا ؟حقاً أقول لكم انه يُقيمه على جميع أمواله ، هكذا قال الرب ، اذ صار أميناً فيما أوُكل اليه من عطايا الروح وغنى المسيح فانه يؤتمن الى الأبد فما عاشه بالايمان سينعم به بالعيان فى استعلان ملكوت المسيح ومجيئه ، الأمين فى المحبة سيحيا مُحباً مَحبوباً فى ملكوت محبة المسيح
♥ الأمين فى القداسة سيرث فى ملكوت القديسين
♥ الأمين فى الأسرار سيؤتمن على ما لا تراه العين ولم تسمع به الأذن
ان قول الرب أنه سيُقيمه على جميع أمواله شىء يُحير العقول ، فمن هو يا ترى كفء لهذه الأمور إإبقى أن ندرك مقدار أهمية هذا المثل فى تدبير الكنيسة المقدسة ، فقد جَعَلته أمامنا كل يوم حين وضعته فى صلاة نصف الليل فى الخدمة الثالثة لكى اذا ما صلينا كل يوم فى نصف الليل والعالم غارق فى نومه نُحسب مع العبد السهران المنتظر قدوم سيده ونتحذر جداً من مسلك العبد البطال.
ولنتأمل الطلبة العميقة التى تضعها الكنيسة فى أفواهنا لنصرخ بتوسل وانكسار ونقول للرب ” بعين متحننة يارب ، اُنظر الى ضعفى ، فعما قليل تُفنى حياتى ، وبأعمالى ليس لى خلاص لهذا أسأل : بعين رحيمة اُنظر الى ضعفى وذُلى ومسكنتى وغُربتى ونجنى “ثم كيف نبكت أنفسنا ونقول ” ليس رحمةً فى الدينونة لمن لم يستعمل الرحمة لهذا اشفق علىّ أيها المُخلص ، لأنك أنت هو محب البشر وحدك ” فالرحمة القلبية هى الكيل الذى ينبغى أن نكيل به لكل أحد ، كيل محبة وغفران وعطاء وسخاء ، وبهذا الكيل نفسه يُكال لنا فى السماء من قِبل الديان العادل الذى قال ” بالدينونة التى بها تدينون تُدانون ، وبالكيل الذى به تكيلون يُكال لكم ” (مت ٧: ٢)[17] .
الأب أنتوني م. كونيارس
كيفية التعامل مع الأشخاص صعبة الارضاء
“الرجل المبتدع (المهرطق – ـ صانع الشقاقات) بعد الإنذار مرة ومرتين، أعرض عنه. عالما أن مثل هذا قد انحرف، وهو يخطئ محكوما عليه من نفسه” (تي٣: ١٠-١١).
في مجموعتها الشعرية تحت عنوان: “قديسون بلا دمـوع” كتبت فيليس ماك جينلي Phyllis McGinley تحت عنوان: “تجربة القديس أنطونيوس” فقالت:
“بعيدا في وحشة البرية العالية،
أنطونيوس والشيطان يتصارعان.
وعندما طرح أنطونيوس الشيطان أرضا،
أشاح ببصره نحو المدينة،
تاركا صومعته من حين إلى حين،
ليأتي ويجذب معه أرواح البشر.
وبعد فترة، كما كل القصص تقول:
بدا له كم هي بالحقيقة هينة،
مصارعة الشياطين”.
غالبا ما تبدو “المصارعة مع الشيطان” أسهل من التكيف مـع شخص صعب المراس، ممن يصعبون علينا حياتنا.
تعجب بشدة السائح الأمريكي عند زيارته لحديقـة حـيـوان بروسيا عندما رأى أسدا وحملاً في نفس القفص، وسـأل حـارس القفص: “كيف هذا، هل هما متفقان سويا؟”، فأجابـه الحـارس “متفقان تماما، لكننا بالطبع علينا أن نأتي بحمل جديد كل يوم”.
هناك أيضا بين البشر أسود وحملان، وهذا ما دفـع بـولس الرسول ليقول: «الرجل المبتدع (المهرطق) بعد الإنذار مرة ومرتين، أعرض عنه. عالما أن مثل هذا قد انحرف، وهو يخطئ محكوما عليه من نفسه» (تي٣: ١٠-١١).
كتب الصبي ذو الثماني سنوات موضوعا حول الـ كـويكرز Quakers (جماعة تأسست عام ١٦٥٠، تؤمن بأهمية أن يعيش الإنسان في سلام مع الآخرين)، فقال: “إنهم أشخاص مسالمون جدا، أشخاص هادئون لا يتصارعون مع الآخرين أو حتى يردون الإساءة”، ثم أضاف: “أبي من محبي السلام، لكن أمي لا”.
كيف بدأت الحرب
سأل ولد صغير أباه: “أبي، كيف تبدأ الحـروب؟” فأجابـه الأب: “حسنا، خذ الحرب العالمية الأولى كمثال، لقد بدأت عنـدما غزت ألمانيا بلجيكا”، وفي الحال قاطعته زوجته: “لماذا لا تقل الحقيقة للولد، الحرب العالمية الأولى بدأت عندما اغتيل شخص ما”. شمـخ الزوج برأسه بعلياء وقال لزوجته بفظاظة: “هل أنت الـي تحـاوبين السؤال، أم أنا؟” فأدارت الزوجة ظهرها وخرجت صـافعة البـاب خلفها بكل ما لديها من قوة وهي تنفخ بغيظ، وبعدما توقف صوت شخشخة الأطباق من عنف الصفعة، ساد الصمت لبرهة إلى أن قطعه الولد قائلاً: “أبي ليس عليك أن تشرح لي كيف تبدأ الحروب… فقد عرفت ذلك بالفعل”.
قصة
تفاجأ شخص عندما رأى قسا يترك أبروشيته ليتحول لممارسة الطب، وعندما سأله لماذا فعل هذا؟ أجاب القس السـابق: “لقـد تحولت لممارسة الطب لأنني اكتشفت أن الناس يدفعون مالاً للعنايـة بأجسادهم أكثر بكثير مما يدفعون للعناية بأرواحهم”.
وبعد عدة سنوات هجر هذا الشخص الطب ليمارس المحاماة، وعندما سئل عن السبب أجاب: “لقد اتجهت لممارسة القانون لأنني اكتشفت أن الناس يدفعون مالاً أكثر بكثير ليتمسكوا بما يريدون عمّا يدفعون للعناية بأجسادهم أو أرواحهم”
الناس يتمسكون بما يريدون، بغض النظر عن ثمن هذا التمسك.
كيف نتصرف؟
كيف نتعامل مع البشر الذين يصرون علـى مـا يـريـدون؛ الأشخاص الذين من الصعب التعايش معهم؟ كيف نتصرف بعد أن حاولنا أن نكون محبين، شفوقين، متفهمين، ومتسامحين؟ ماذا نفعل بعدما مشينا معهم الميل الثاني؟ كيف نتصرف إن أصروا على تصلبهم وعدائيتهم بالرغم من كل ما نبذله لمصالحتهم؟ بولس الرسول يجيب عن هذا، إنه بعد أن نقوم بـ “إنذار” مثل هذا الشخص مـرة أو اثنين؛ بمعنى أن تقوم بمحاولة حقيقية للتواصل معه، وبالرغم من ذلك يصر على تصلبه، بحيث لم يعد باستطاعتنا أن نذهب معه إلى ما هو أبعد؛ أعلمه أنك ستحافظ على موقف محب ومتفتح تجاهه، لكن إن أصر على أن يكون شائكا مثل القنفذ أو العقرب، يوخز كل مـن يقترب منه، فاحتفظ بمساحة معتبرة بينك وبينه.
بولس الرسول يوضح هذه الفكرة أكثر عنـدما يكتـب في رسالته إلى أهل رومية: “إن كان ممكنا فحسب طاقتكم سـالمُوا جميع الناس” (رو ۱۲: ١٨)، أما بالنسبة لك، فعش بسلام مع الكل، إن كان هذا ممكنا. لكن للأسف، ليس دائما ما يعتمد هـذا عـلـى إرادتك أنت وحدك، ولهذا ليس دائما من الممكن الوصول للحيـاة بسلام مع الكل؛ لذا: “أعرض عنه”.
مثال لهذا قصة اليزابيث باريت برونينج Elizabeth Barrett Browning، التي تبرأ منها والدها عندما تزوجت بــ “روبـرت Robert”، وظلت تسعى لاستعادة علاقتها معه واسترضـائـه بـأن تكتب له خطابا كل أسبوع. وبعد عشر سنوات من إرسال خطاباتها أسبوعيا بدون تلقي أي ردود، تسلمت أخيرا طردا من والدها؛ لكنه كان مخيبا لآمالها ومحطما لفؤادها، فقد احتوى على كل الخطابـات التي أرسلتها كما هي، بدون أن يفتح أو يقرأ منها خطاب واحـد: “إن كان ممكنا فحسب طاقتكم سالموا جميع الناس”.
أنت هو هذا الرجل!
أحد الأشياء التي يجب على كل مسيحي أن يمعن التفكير به هو أن هذا الشخص: “مثير الشقاق” صانع المشاكل التي يتحدث عنه بولس الرسول ليس دائما شخصا آخر، ففي الغالب الأعم نكون نحـن هـذا الشخص. إنها مثل حالة الشخص الذي يعاني مـن: “رائحـة الفـم الكريهة”، كل من حوله يدركها ويعلم بها إلا الشخص ذاته. المعضـلة أننا لا نستطيع أن نرى أنفسنا، نحن باستمرار ننظر إلى أخطاء الآخــرين ولكن ولا مرة واحدة نظرنا نحو أخطائنا. علينا أن نكون مثل التلاميـذ عندما أخبرهم الرب أن واحدا منهم سيسلمه، فأخذ كل واحد يتساءل: «هل أنا هو يا رب؟» (مت٢٦: ۲۲)، بدلاً من أن يشير إلى الآخـرين ويشك فيهم.
لذا فنحن اليوم بحاجة إلى أن ننظر نحو أنفسنا بعمق، هل أنـا هو هذا “المثير الشقاق”، “صانع المشاكل” في محيط بيتي وعملي؟ ربما يكون الناس يحاولون أن “ينذرونى”؟ ربما قدر كبير مما يدعونـه علـى مثل: “تذمري الدائم” أو “مزاجي السيئ” هو في الحقيقة مجرد محاولـة منهم لإبصاري بحقيقتي. من بين كل المهام الشاقة، وجـود أشـخـاص “مثيرين للشقاق” في محيط بيتي أو عملي، فتكون هـذه هـي المهمة الوحيدة التي أقف عاجزا حيالها، ولكن هناك شخص واحـد أسـتطيع تغييره ـ أنا. لذا، فلأركز على نفسي، وأضع “ذاتي” أمـام يسـوع في توبة متضعة لأجل خطاياي ملتمسا فونه ليصنع مني إنسانا جديدًا .
أدوات النجارة
قصة فلنقرأ معا قصة خيالية حول حوار دار بين أدوات النجارة في إحدى الورش.
جلس الأخ الشاكوش على الكرسي حيث أنذره الآخرون أنه يجب أن يرحل لأن ضوضاءه غير محتملة، لكنه دافع عن نفسه قائلاً: “لو كان على الرحيل، فيجب على القلم الرصاص أن يرحل معى أيضا، فهو تافه جدا بحيث يترك انطباعا بالضآلة الشديدة”.
وهنا قام الأخ القلم الرصاص ليدافع عن نفسه: “فليكن، لكن على الأخ المفك أن يذهب أيضا، فعليك أن تديره وتـديـره مـــــرات ومرات، ولا يقنع بأي مكان أبدا”.
لكن الأخ المفك أجاب: “إن كان هذا ما يسركم، سـأرحل، لكن يجب على اللوحة أن ترحل أيضا فهي سطحية للغايـة وبـلا أي عمق”. وعند هذا الحد أجابت الأخت اللوحة: “إذن على الأخـت المسطرة أن ترحل إن أنا رحلت، فهي دائما ما تقيس الآخرين كأنها الوحيدة التي على صواب دائما”.
فهاجت الأخت المسطرة على ورقة الصنفرة وقالت: “أنـا شخصيا ليس لدي مانع، لكنها يجب أن تذهب ، هي أيضا، فهـي قاسية بشدة، ودائما ما تفرك الآخرين بالطريقة الخطأ”.
وفي منتصف هذه المجادلة دخل النجار ليكمل عمله ككل يوم، فارتدى ملابس العمل، وذهب ليصنع ترابيزة مستخدما المفـك، والقلم، وورقة الصنفرة، والمنشار، والشاكوش، واللوحـة، وكافـة أدواته الأخرى.
وبنهاية اليوم، صنعت الترابيزة، قام الأخ المنشار وقال: “أيهـاالإخوة، لقد أدركت أننا كلنا كادحون ونعمل سويا”.
بالرغم من أن كل الاتهامات ضد هذه العدد كلهـا كـانـت صحيحة تماما، لكن النجار استخدم كلا منها، ولم يكن بالإمكـان استخدام واحد منها بدلاً عن الآخر.
صلاة
يا رب، عندما أستمع إلى بولس الرسول،
وهو يتحدث عن الأشخاص مثيري الشقاق،
لا أستطيع إلا أن أتساءل:
“هل أنا هو هذا الشخص يا رب؟”
يا رب، أنا أعلم أننا ، أدوات معيبة بين يديك.
لكننا نصلي لك يا رب،
أن تزيل حوافنا غير المصقولة،
وتجعل منا أدوات صالحة للاستعمال في مملكتك.
لك كل المجد يا ربي يسوع المسيح،
مع أبيك الصالح والروح القدس،
من الآن وإلى الأبد. آمين [18].
الأب فرنسيس ب. لابيف: هيبة الله
« كنت معك حيثما ذهبت » (٢صم ٧ : ٩).
حياة القديس المملوءة بالخشوع والوقار تظهر واضحة في كل تصرفاته وايضا عندما يقف في حضرة الله.
ونحن ندرك كل هذا فنقف أمامهم بكل هيبة واحترام لهذه القوة التي بعثت فيهم نطلب صلواتهم وبرکاتهم.
هذا هو الحال أيضاً لأولاد الله الأتقياء حيثما وجدوا . في الدير أو في المنزل ، في الفصل ار في المحاضرة ، في العمل أو في ساعات الراحة ، فكل كلماتهم وتصرفاتهم وأعمالهم تشير إلى وجود آخر يملك عليهم ويهابونه – بلا شك هو الله الساكن فيهم وهم أيضاً في حضرته بشكل ملحوظ .
مع ذلك فهم لا يذكرونه بألسنتهم إذ أنه متحد بهم و تنطبع صفاته وتواضعه في حياتهم .
هل يوجد في حياتي هذا الشعور القوى بالهيبة أمام حضرة الله الأزلية؟! لا داعي لتصنيع هذا الخشوع لأنه لا يلصق من الخارج.
بل يجب أن يكون نمواً وديعا وهادئا تنبع جذوره الدفينة من هذا الإدراك الداخلي لعين الله المتيقظة ، ووجوده المطلق.
هل فكري دائما منشغل بدون انقطاع بأن الله موجود في كل مكان ؟ إذا ذهبت إلى عمق المحيط اجده امامی وإذا تسلقت الجبل لأصل إلى قمته يزداد وجوده معی و عندما أمكث بالمنزل هناك يكون معي ، وعندما أذهب إلى الخارج لا اتركه ورائي .
في السوق أجده وسط نداءات الناس ، وعندما اذهب للترفيه البريء في حجرة الرماد على شاطئ البحر او الطريق أجده هناك.
الله موجود في كل مكان وفي كل زمان ، عندما تشرق الشمس يكون الله على الأرض ومع من خلقهم ليساعدهم في أعمالهم، و في الظهيرة يشفق الله على الناس وهم في راحة من أعمالهم ويعطيهم سلاما وهدوءاً ( كما استراح هو في اليوم السابع )
يأتي ظلام الليل على عالم متعب . وكما تراقب الأم أطفالها بحنان وهم نیام ، کذلك الله يعطي أحباءه نوما « ويغلق الجفون المتعبة على الأعين المتعبة » ويحرس أطفاله وهم نيام .
الذي يفكر بوجود الله الدائم في حياته بكل تأكيد هو إنسان وقور، فلا يغضب الله بتصرفاته بل يتصرف كما يليق بالقديسين، لأنه دائماً أمام ملك الملوك ورب الأرباب لهذا فهو يتجنب كل خطيئة وفرق ذلك يسلك مسلك النبلاء لأنه متحد بالله.
ويطلق أيضاً عليه لقب قديس، لأن القداسة ما هي إلا اتحاد بالله وخشوع في حضرته.
يا إلهى الحبيب كم من مرة حاولت تفسير هذا الخشوع الكامن في أولادك القديسين عند مقابلتي لهم فأنا اعرف الجواب هو خشوع الحاشية لمليكهم !
وأنا أيضاً أشتاق أن أكون مثلهم. فأتوسل إليك يا إلهي أن تمنحني إدراك وجودك المستمر في كل لحظات حياتي ، وفي كل أعمالي … كل تصرفاتي وحيثما اكون ..
امنحني هذه النعمة کی أدرك انك يا الهی أمامي في كل حين وعن يميني تنظر إلى بدون انقطاع وانا أيضا أنظر إليك .
حينئذ سأكون أنا أيضا قديسا ووقوراً في حضرتك
الدائمة [19]
من وحي قراءات اليوم
” لأنه كان رجلاً صالحاً ” الإبركسيس
إنجازاتنا أم تأثيرنا؟!
+ نظن دائما كمسيحيين أو كخدام أن إنجازاتنا دليل نجاحنا
+ الأب والأم الذين تعبوا في تخزين ثروة هائلة لابنائهم يعتقدون أن هذا أعظم إنجاز لمستقبلهم
+ لكن الثروة الهائلة التي يحتاجها أبناؤهم هي رصيد الحب المجاني ( محبة المسيح ) وجو البيت المفرح وشبعهم النفسي من والديهم
+ الإنجازات معلنة في المباني وعلي الحوائط وفي أرصدة البنوك والتأثير محفور في القلوب
+الإنجازات هي رصيد المشروعات الناجحة والتأثير هو رصيد الحب المجّاني
+ الإنجازات هي لغة مانملكه والتأثير هو إشعاع مانعيشه
+ بينما نتنافس علي الإنجازات يُمْكِن أن تفقد خدمتنا تأثيرها في القلوب
+ مايشغلنا في الإنجازات أن تُنسب إلينا رغم أن وراء إنجازاتنا تعب كثيرين
+ تعتمد إنجازات القائد علي أعماله ومواهبه بينما يعتمد تأثيره علي قدوته
أعظم إنجاز للخادم هو تأثر الناس بحياته أكثر من كلماته، وهدوئه أكثر من أوامره ، وثبات محبته أكثر من قوة شخصيته
المراجع
٩٦- مجلة مرقس عدد شهر نوفمبر لسنة ١٩٨٠
٩٧- سيرة حياة القديس أنطونيوس أب الرهبان كما كتبها البابا أثناسيوس – إعداد بولين تدري سعد ومراجعة دكتور موريس تواضروس
٩٨- كتاب القديس أثناسيوس الرسولي معلم الكنيسة – إعداد مينا بديع عبد الملك
٩٩- كتاب فهرس كتابات آباء كنيسة الأسكندرية – الأب أثناسيوس المقاري
١٠٠- كتاب من مقالات الأنبا أنطونيوس – القمص بيشوي كامل – كنيسة مار جرجس سبورتنج
١٠١- كتاب نسكيات الأنبا أنطونيوس صفحة ١٣٦ – مراجعة وتقديم نيافة أنبا متاؤس أسقف ورئيس دير السريان العامر
١٠٢- كتاب الخوف أنواعه وعلاجه في الحياة الروحية الأرثوذكسية – تقديم القمص أنطونيوس أمين راعي كنيسة مار مرقس مصر الجديدة
١٠٣- المرجع كتاب تفسير انجيل لوقا للقديس كيرلس الأسكندري – ترجمة دكتور نصحي عبد الشهيد
١٠٤- كتاب من مجد الي مجد للقديس غريغوريوس النيسي – ترجمة القمص إشعياء ميخائيل
١٠٥- المرجع : كتاب إختبرني يا الله – قداسة البابا تواضروس الثاني
١٠٦- : كتاب موسوعة الأنبا غريغوريوس ( الجزء الثالث ) – إعداد الإكليريكي منير عطية
١٠٧- المرجع : كتاب نبذات روحية هادفة ( الجزء الأول مقالة رقم ١ ) – القمص بيشوي كامل – مشروع الكنوز القبطية
١٠٨- كتاب تأملات وعناصر روحية في آحاد وأيام السنة التوتية ( الجزء الرابع ) – إعداد القمص تادرس البراموسي
١٠٩- مقالتي الرهبنة المصرية تطورها وآثارها للدكتور عزيز سوريال عطية – مجلة مدارس الأحد عددي نوفمبر وديسمبر لسنة ١٩٤٧
١١٠- كتاب شفتاك يا عروس تقطران شهداً ( الحزء الرابع ) – إصدار دير الأنبا شنوده العامر بإيبارشية ميلانو
١١١- كتاب حياتك تلميذاً للمسيح – الأنبا إيساك الأسقف العام
١١٢- المرجع : كتاب وكلمهم أيضاً بأمثال – القمص لوقا سيداروس
١١٣- المرجع : كتاب كنوز من رسائل بولس الرسول (الجزء الاول ) – الأب أنتونى م.كونيارس – إصدار مطرانية بني مزار والبهنسا
١١٤- المرجع : كتاب الصديق الدائم – ترجمة السيدة إيزيس ميخائيل أسعد وتقديم القمص بيشوي كامل