ليلة الخميس من البصخة المُقدَّسة

“المتوكلون عليه سيفهمون الحق والأمناء في المحبة سيلازمونه لأن النعمة والرحمة لمختاريه أما المنافقون فسينالهم العقاب الخليق بمشوراتهم اذ استهانوا بالصديق وارتدوا عن الرب” (حكمة ٣: ٩- ١٠).

[فى القليل القليل نذكرك ونمجد أسمك يا ربى يسوع.

كل العلل الرديئة فلنتركها عنا ولنطهر قلوبنا باسم الرب] (ابصالية الاثنىن).

[انتبه لكي تكون متواضعاً وشجاعاً، وعندئذ سوف تهرب نفسك من تأثير الشياطين] (القديس نيلوس الناسك)[1].

[يفحصك الشرير من كل الجوانب، إنه يراقب باستمرار من أين يمكن أن يصرعك، ومن أين يمكن أن يصيبك، آملاً أن يجد موضعاً مكشوفاً وجاهزاً للإصابة] (القديس غريغوريوس اللاهوتي)[2]

 

شرح القراءات

قراءات هذه الليلة هي قراءات التحذير النهائي من رفض الخلاص المُزْمَع أن تبدأ استعلاناته غداً في خميس البصخة وليلة الجمعة العظيمة وأيضاً إعلان أن الخلاص هو تدبير الآب والابن ومجد من يقبل هذا الخلاص.

لذلك تَكْثُر في قراءات هذه الليلة علامات الرفض للخلاص وخطورتها:

“فقال كثيرون منهم أن به شيطان وقد جن”. (انجيل الساعة الأولى).

“فلما سمعوا فرحوا وأعطوه فضة فكان يلتمس فرصة كيف يُسلّمه بحيلة”. (انجيل الساعة الثالثة).

“ومع هذه الآيات الكثيرة التي صنعها أمامهم لم يؤمنوا به”. (انجيل الساعة السادسة)

“فتناول اليهود حجارة ليرجموه”. (انجيل الساعة التاسعة).

ونتقابل مع النفوس التي:

ترفض سلطانه. (الساعة الأولى).

ولا تقدّر حبه. (الساعة الثالثة).

ويغيب عنها مجده. (الساعة السادسة).

وأعمال أبيه. (الساعة التاسعة)

ونوره السماوي. (الساعة الحادية عشر).

لكنها أيضاً قراءات تدبير الآب والابن للخلاص:

“هذه هي الوصيّة التي قبلتها من أبي”. (إنجيل الساعة الأولي).

“ولمن أعلنت ذراع الرب”. (إنجيل الساعة السادسة).

“أبي الذي أعطاني إياها هو أعظم من الكل”. (إنجيل الساعة التاسعة).

“بل الآب الذي أرسلني هو الذي أعطاني الوصيّة ماذا أقول وبماذا أتكلم”. (إنجيل الساعة الحادية عشر).

والمكافأة لمن قبلوا خلاصه:

“الحق أقول لكم إنه حيثما يكرز بهذا الإنجيل في العالم كله يُخبر أيضاً بما عملته هذه تذكاراً لها” (إنجيل الساعة الثالثة).

“فإن كان قد قال آلهة لأولئك الذين صارت إليهم كلمة الله” (إنجيل الساعة التاسعة).

“ومن يراني فقد رأى الذي أرسلني”. (إنجيل الساعة الحادية عشر).

 

الساعة الأولى من ليلة يوم الخميس

تتكلّم قراءات هذه الساعة عن:

تدبير ومجد خلاصه. (النبوَّات).

وصلاته للآب. (المزمور).

وسلطانه علي الصليب. (الإنجيل).

 

النبوَّة – حزقيال النبي (حز ٤٣: ٥- ١١)

تأتي النبوَّة من ختام سفر حزقيال والذي:

يحكي مفارقة الرب لبيته ولمدينته (ص ١٠، ١١).

وتحطيمه للعدو الخارجي (٢٥-٣٢).

ووعده برعاة صالحين عِوَض الأشرار (ص ٣٤).

ثم يأتي أخيراً باستعلان مجده مرة أخرى في هيكله ووسط شعبه.

“فحملني الروح وأدخلني إلى الدار الداخلية وإذ البيت ممتلئ من مجد الرب.. والآن فليتركوا شرورهم وقتل مدبريهم أمامي فأحل في وسطهم إلى الأبد.”

وترافق هذه النبوَّة طريق آلام المسيح لارتباط حضوره ومجده بآلامه، كما قال القديس الأب ميثوديوس من أولمبيا: [تنمو الكنيسة يومًا فيومًا في القامة والجمال من خلال تعاونها واتحادها مع اللوغوس الذي ينزل إلينا حتى الآن ويستمر نزوله إلينا في ذكرى آلامه][3]

استهانة الشعب باختيار الله ودعوته ومحبته وصاروا كالمعادن المغشوشة واحتاجوا للنار لتنقيتهم (النبوَّة الأولى).

وظهر استهانتهم وانحراف حياتهم في كثرة الظلم والرشوة (النبوَّة الثانية).

 

المزمور (مز ٦٨: ١- ١٣)

“أحيني يا الله فإن المياه قد بلغت إلى نفسي وأنظر إليّ ككثرة رأفاتك”

هذا المزمور من أكثر المزامير التي تكلمت عن آلام المسيح ومجده بعد مزمور ٢٢.

[وكان داود في هذا رمزًا للمسيح، وهناك آيات كثيرة من هذا المزمور طبقها العهد الجديد على المسيح:

(الآية ٤) وردت في (يوحنا ١٥: ٢٥).

(الآية ٩) وردت في (يوحنا 2: 17)، (رو ١٥: ٣).

(الآية ٢١) وردت في (متى٢٧: ٣٤).

(والآيات ٢٢، ٢٣) وردتا في (رومية١١: ٩-١٠).

وهو رفيق للمزمور ٢٢، وكلاهما يبدأ بآلام المسيح وينتهي بمجده. ويضاف لهذا النبوات الخاصة بخراب إسرائيل لصلبها المسيح][4].

 

الرابط بين المزمور والإنجيل (القمص لوقا سيداروس)[5]

احينى يا الله، فإن المياه قد بلغت إلى نفسى

فالمؤامرات كملت وحكم الموت صار وشيك التنفيذ… ومياه الموت بلغت إلى النفس.

والسيد المسيح صلب نفسه للعالم قبل أن يصلبه العالم، ووضع نفسه بسلطانه الإلهي “لي سلطان أن أضعها” قبل أن يلقوا عليه الأيادي وقبل أن يصدروا حكم الموت في محاكماتهم القائمة على الغش والافتراء والتلفيق.

والسيد في هذه الساعة يقول: “الآب يحبني لأنى أضع نفسى عن الخراف”.

المياه بلغت إلى النفس ولكن ليست لها القدرة. لأن الموت لم يكن قادراً أن يمسكه لأنه هو الحياة … ولكنه برغم ضعف الموت يقول “أنا أضع نفسي”.

 

الإنجيل (يو ١٠: ١٧- ٢١)

يختم الإنجيل بسلطان المسيح في صلبه وأنه صُلِبَ بإرادته الكاملة وقبوله الصليب كان هو تدبيره مع الآب لأجل خلاصنا:

“من أجل هذا يحبني أبي لأني أضع نفسي لأخذها أيضاً، ليس أحد يأخذها مني ولكني أضعها أنا من ذاتي وحدي، ولي سلطان أن أضعها، ولي أيضاً سلطان أن آخذها، هذه هي الوصيّة التي قلبتها من أبي”.

 

 

الساعة الثالثة من ليلة الخميس

تتكلّم قراءات هذه الساعة عن:

الدعوات المُتكرِّرة للتوبة لأجل الخلاص (النبوَّة).

والتي لم يستفد منها التلميذ (المزمور).

وقبلتها بفرح وسخاء المرأة ساكبة الطيب (الإنجيل).

 

النبوَّة – عاموس النبي (عا ٤: ٤)– الخ

تشرح هذه النبوَّة من عاموس دعوات الله المُتكرِّرة لشعبه لأجل التوبة بطرق مختلفة، لذلك تكررت كلمة “فلم ترجعوا إليّ يقول الرب” خمس مرّات في هذا النص.

وأيضاً رفض الله للحياة الشكلية التي يجتمع فيها العبادة مع الإثم والتي يظن الإنسان أن كثرة تقدماته وعشوره يمكن أن تَمْحي خطاياه:

“وفِي جلجال جلعاد أكثرتم النفاق وفِي كل صباح قدمتم ذبائحكم وفِي اليوم الثالث عشوركم وقرأتم ناموساً خارجاً”

وها هو يدعو في ختام الكلام للقاء المُخلِّص “فاستعد لتدعو إلهك يا إسرائيل”، ويُنبئ بمجيء الرب الكلمة المُتجسِّد الذي خلق كل شيء وهو وحده القادر على تجديد طبيعته،

[كما يقول القمص تادرس يعقوب ملطي:  جاء النص في الترجمة السبعينيّة هكذا: “الذي يؤسِّس الرعد ويخلق الروح يُعلن للإنسان مسيحه”.  ويرى كثير من الآباء مثل القديس أغسطينوس أن هذا النص يحمل نبوَّة واضحة عن العصر المسياني، فإنه يستعد إسرائيل الجديد للقاء مع إلهه خلال إعلان الآب عن مسيحه للإنسان، فيقبله كسرّ مصالحة بين الآب والإنسان][6]

 

المزمور (مز ٥٤: ١-١٨)

“كلامه ألين من الدهن وهو نصال أنصت يا الله لصلاتي ولا تغفل عن تضرعي”

[يتفق معظم المفسرين أن داود كتب هذا المزمور أثناء ثورة إبشالوم. وهنا نراه في غاية الأسى من خيانة أخيتوفل. ونرى هنا داود رمزًا للمسيح المتألِّم من ثورة شعبه ضده، وخيانة أخيتوفل صورة لخيانة يهوذا وكلاهما مضى وخنق نفسه.] (القمص أنطونيوس فكري)[7]

كما يُعْلِن المزمور أن الصلاة والتضرُّع هما الدرع والترس الذي يحمي من خيانات البشر ومؤامراتهم.

 

الرابط بين المزمور والإنجيل (القمص لوقا سيداروس)[8]

كلامه ألين من الدهن وهو نصال

ما أعمق كلمات هذا المزمور وما أكثر الأسرار المخفية فيه!. لأجل هذا جعلت الكنيسة له لحناً خاصاً (اللحن الشامي) الذى يلحن به مزمور كرسيك يا الله “بيك إثرونوس”. والمزمور يعطى فرصة للتأمل في أعماق الأحداث التي جرت في بيت سمعان، فهو يعرض مقابلة بين موقف يهوذا التلميذ الخائن وبين موقف المرأة الخاطئة التي سكبت الطيب على رأس المخلص. فبينما نجد أن كلام يهوذا ألين من الدهن (يبدو كلامه أنه أكثر من الطيب) نجد أن المرأة الخاطئة اتلفت الطيب (سكبته) بأن كسرت القارورة. وبينما نجد أن يهوذا كان يؤنب المرأة ناظراً إلى ثمن الطيب، نجد أنها كانت تنظر إلى قدمي الرب اللتين اعتقتاها من طريق الضلالة. وبينما نجد أن نفس يهوذا الخائن قد خلت من كل مشاعر الحب المقدس، نرى مشاعر الحب تبدو على المرأة الخاطئة، إذ تسترخص كل شيء لتظهر مشاعر المحبة التي هي قدام الله كثيرة الثمن.

أنصت يا الله لصلاتي، ولا تغفل عن طلبتي

هذا هو صوت المرأة في هذه الساعة وصلاتها هي الطيب المسكوب … ما أجملها صلاة وما أبعدها عن الكلام! والرب أنصت وسمع وخلد لها هذه الصلاة تذكاراً دائماً في الإنجيل. ينبغي للنفس التي تقول للرب “أنصت يا الله لصلاتي” ألا ترتبك بكلمات يهوذا وتأنيب الآخرين.

 

الإنجيل (مر ١٤: ٣- ١١)

يكشف الإنجيل عن مقارنة:

بين قيمة الرب في نظر المرأة وفِي نظر التلميذ “جاءت امرأة ومعها قارورة طيب ناردين خالص كثير الثمن… فلما سمعوا فرحوا وأعطوه فضة”.

وبين ما فعلته المرأة مع السيد وما فعله التلميذ “فكسرت القارورة وسكبته على رأسه … فكان يلتمس فرصة كيف يُسلّمه بحيلةٍ”.

ويُبْطِل السيد حججهم بالمساكين بأنه إذا خدمنا المساكين دون وجود الله في حياتهم تحوَّلت خدمتهم إلى نشاط اجتماعي وربما تضرَّهم أكثر مما تنفعهم، ولكن إذا خدمناهم من خلال حضور الله في حياتنا كخُدَّام أولاً، تحوَّل أيضاً هدفنا إلى أن يكون الله في حياتهم أولاً وأن يشبعوا روحيا بالرب مع تسديد احتياجاتهم كما مدح القديس شعب كنيسة كورنثوس في عطائه.

“ملتمسين منا، بطلبة كثيرة، أن نقبل النعمة وشركة الخدمة التي للقديسين وليس كما رجونا، بل أعطوا أنفسهم أولا للرب، ولنا، بمشيئة الله” (٢كو ٨: ٤، ٥).

 

الساعة السادسة من ليلة الخميس

تتكلم قراءات هذه الساعة عن:

الفرص المختلفة للتوبة والخلاص. (النبوَّة).

وخطورة الاستمرار في الشر. (المزمور).

فيحرم الإنسان نفسه من مجد الله. (الإنجيل).

 

النبوَّة – عاموس النبي (عا ٣: ١- ١١)

تكشف النبوَّة عن الفرص المُخْتَلِفةِ والمُتنوعة التي يستخدمها الله أو يسمح بها لأجل نجاة الإنسان من الهلاك ولأجل قبوله الخلاص ونواله الحياة الأبديّة.

تأتي الفرص المُخْتَلِفةِ بصورة شخصية وجماعية:

فهو يسير معنا في طريق الحياة اليومية لعلّنا ندرك مسيره معنا (لو ٢٤: ٣٢).

“هل يسير اثنان معًا إن لم يتواعدا؟!”.

وهو الأسد الخارج من سِبْط يهوذا، أعلن الخلاص بصليبه، فهل نسمح له بأن يخطفنا من الهلاك؟

“هل يزمجر الأسد في الوعر وليس له فريسة؟!. هل يعطي شبل الأسد زئيره من خدره إن لم يخطف؟!” (آية 4)

وهو يُنجِّيني من تجارب، ويسمح لي بتجارب، فهل أتمسَّك به كمُخلِّص؟

“هل يسقط عصفور في فخ الأرض وليس له شرك؟!. “هل يُرفع فخ عن الأرض وهو لم يمسك شيئًا؟!” (آية 5)

وهو يستخدم ما يحدث للبلاد والشعوب لأجل نجاة الجميع من الهلاك:

“أم يُضرب بالبوق في مدينة والشعب لا يرتعد؟! هل تحدث بلية في مدينة والرب لم يصنعها؟” (آية 6)

ولا يُقْصَد بالبلية أو الشر أن الرب يصنعها، بل:

[كما يقول الآب يوحنا الدمشقي: لا يقصد بهذه الكلمات أن الله هو علَّة الشرّ، بل أن كلمة “شرّ” تستخدم بطريقتين، بمعنيين. أحيانًا تعني ما هو شرّ بطبيعته، هذا هو ضد الفضيلة وضد إرادة الله، وأحيانًا تعني ما هو شرّ وضيق لإحساسنا، أي الأحزان والكوارث. هذه تبدو شرًا لأنها مؤلمة، وإن كانت في الحقيقة هي صالحة، إذ تكون بالنسبة للفاهمين صفَّارة للتحوِّل والخلاص. هذه يقول الكتاب عنها إن “الله هو مصدرها”

كما يقول الأب ثيؤدور: حينما يتحدَّث الحكم الإلهي مع البشر يتكلَّم معهم حسب لغتهم ومشاعرهم البشريَّة. فالطبيب يقوم بقطع أو كيّ الذين يعانون من القروح لأجل سلامة صحّتهم، ومع هذا يراه غير القادرين على الاحتمال أنه شرّ][9]

لكن ما أجمل أن يقول بعدها أن خائفي الله لا يحتاجون إلى كل هذا بل يُعْلِن لهم الله أسرار تدبيره وأعماق محبّته وإرادة خلاصه”.

“إن الرب الإله لا يصنع أمراً إلَّا ويعلن تأديبه لعبيده الأنبياء”.

لذلك قيل أيضاً: “أما سرُّه فعند المستقيمين” (أم 3: 32)، “سرّ الرب لخائفيه، وعهده لتعليمهم” (مز 25: 14).

 

المزمور (مز ١٣٩ : ١- ٢)

“نجني يا رب من إنسان شرير ومن رجل ظالم أنقذني الذين تفكروا بالظلم في قلبهم النهار كله كانوا يستعدون للقتال”.

[يبدأ هذا المزمور بكلمة: “في الانقضاء (النهاية) لداوُد”. ويعلق القديس أغسطينوس: إلى النهاية: ليس من نهاية تطلبها سوى تلك التي يقدمها لنا الرسول: “غاية الناموس هي المسيح” (رو ١٠: ٤)  إن السيد المسيح هو من نسل داود، ليس حسب اللاهوت الذي به هو خالق داود، وإنما حسب الجسد. فالمزمور مقدم إلى ابن داود نفسه؛ إنه صوت جسده، أي الكنيسة.][10]

أي أن هذه الصلاة هي صلاة ابن الله كنائب للبشرية في مواجهه شر العالم وقتال الأشرار، وهي الصلاة التي دخل بها إلى موت الصليب ليُعلمنا كيف نواجه تجاربنا وضيقاتنا.

 

الرابط بين المزمور والإنجيل (القمص لوقا سيداروس)[11]

نجني يا رب من إنسان شرير ومن رجل ظالم أنقذني

يكشف المزمور هنا عما كان يعتمل في قلب يهوذا الجاحد وجماعة الفريسيين:

يهوذا إنسان شرير والفريسيين يفكرون بالشر من قلوبهم،

ويهوذا رجل ظالم والفريسيون يستعدون لقتال الرب بدون علة .

ولكن ترى كيف كان موقف السيد الرب منهم؟..

يقول الرب بكل إخلاء الذات نجني … وأنقذني… أليس هذا هو طريق كرسه الرب للمظلومين في كل الأرض.

ترى كيف كان يتكلم الرب مع جماعة الأشرار في تلك الساعة؟..

يقول السيد في إنجيل هذه الساعة: “آمنوا بالنور لتصيروا أولاد النور”، فالرب  لا يطلب هلاكاً حتى للأشرار الظالمين ولكنه يريد أن ينقلهم من الظلمة إلى النور.

وقد كشف الرب علة الشر والظلم في قلوب هؤلاء الأشرار إذ أرجع إلى الذهن نبوة إشعياء: “إله هذا الدهر أعمى عيونهم وأغلظ قلوبهم”.

والمسيح يدعوهم إلى نور الإيمان به كحل لمشكلتهم… ولكن سيظل كثيرون لا يؤمنون به لنفس السبب الذى أوضحه الرب في الإنجيل “أنهم أحبوا مجد الناس أكثر من مجد الله” (يو ١٢: ٤٣).

 

الإنجيل (يو ١٢: ٣٦– ٤٣)

يختم الإنجيل بعاقبة رفض فرص الخلاص المُتنوعة والمُتكرِّرة التي يُقدمها ابن الله، والنتيجة المُرعبة الحرمان من مجد الله، والسبب الانشغال بمجد الناس عن مجد الله، وهذا ما حدث بعد رفض اليهود نداءات المُخلِّص وصليبه، فخَرِبَ هيكلهم ومدينتهم وتشتَّتوا في بقاع الأرض:

“قال يسوع هذا ثم مضى وتوارى عنهم ومع هذه الآيات الكثيرة التي صنعها أمامهم لم يؤمنوا به… ومع ذلك فإن كثيراً من الرؤساء أيضاً آمنوا به ولكنهم لسبب الفريسيين لم يعترفوا به لئلا يصيروا خارج المجمع لأنهم أحبوا مجد الناس أكثر من مجد الله”.

 

الساعة التاسعة من ليلة الخميس

تتكلّم قراءات هذه الساعة عن عاقبة:

من رفضوا مُخلِّصهم. (النبوَّة).

ومن قاوموا محبّته (المزمور).

ومجد من قبلوا كلمة الخلاص (الإنجيل).

 

النبوَّة – حزقيال النبي (حز٢٠: ٢٧-٣٣)

يُعْلِن الرب في هذه النبوَّة عن ذاته، أنه السيد (أدوناي) الذي سيظهر للذين رفضوه كديَّان عادل على كل الأرض، وسيدين قساوة القلوب والإصرار على الشر وتمثُّلهم بالعالم الشرير.: “إذا كنتم ستتنجسون بآثام الآباء وتتبعون أرجاسهم بتقديم باكورات تقدماتكم وإجازة أبنائكم في النار”.

لذلك تكرَّرت كلمة “أدوناي الرب” ثلاث مرّات وأخرى رابعة “السيد الرب”.

وأصعب عاقبة للاستمرار في الشر هو غياب حضور الله، كما جاء في إنجيل الساعة السابقة “وتواري عنهم” ويقول هنا أنه لن يجاوبهم “حي أنا يقول أدوناي الرب إنني لا أجاوبكم”.

وإذا لم تدرك النفوس زمان التوبة، يأتي عليهم زمان الدينونة النهائية: “فلذلك حي أنا يقول أدوناي الرب إنني بيد عزيزة وبذراع عالية وبغضب مسكوب أملك عليكم”.

 

المزمور (مز ٧: ١- ٢)

“أيها الرب إلهي عليك توكلت فخلِّصني ومن أيدي جميع الطاردين لي نجني لئلا يخطفوا نفسي مثل الأسد”.

يصرخ داود النبي هنا من كثرة المُقاومين والمُلاحقين له سواء من شاول الملك أو من ابنه أبشالوم، وهو هنا رمز للمسيح المتألم من مقاومة الرؤساء وملاحقتهم له،

وهو يقول “الطاردين” بلغة الجمع و”الأسد” بلغة المُفرد إعلاناً عن عدو واحد للبشر “الأسد الذي يجول مُلتمساً من يبتلعه” والذي يُهيج كثيرين ضد ابن الله وضد الكنيسة.

لذلك نرى في عنوان المزمور كلمة “شجوية” ويرى البعض أنها تعني “صراخًا عاليًا”، يحدث في حالة خطر محدق، أو في حالة ارتباك، أو تحت وطأة ألم شديد، أي أن هذا المزمور نبوّة عن آلام المسيح بسبب مقاومة اليهود له.

 

الرابط بين المزمور والإنجيل (القمص لوقا سيداروس)[12]

الهي عليك توكلت فخلصني..

السيد يبذل نفسه في اتكال وتسليم لأنه أخلى ذاته، ولكنه يؤكد حقيقة ضعف العدو أمام سلطانه الإلهي.

ومن أيدي جميع الطاردين لي نجني

وهو عندما بحث عن المطرودين صار هو مطروداً بدلاً عنهم، تأمل إليه يصرخ بكلمات المزمور قائلاً : ” نجني من أيدي جميع الطاردين”.

الحمل الذي بلا عيب ولا دنس يفتدي خراف القطيع… وهو وإن كان يصرخ إلى الآب “نجني لئلا يخطفوا نفسي” إلا أنه يؤكد في الإنجيل “لا يقدر أحد أن يخطف من يد أبي” (يو١٠: ٢٩).

مثل الأسد

وتعبير المزمور عن العدو الشرير “مثل أسد” يطابق تماماً وصف بطرس الرسول لإبليس بأن “عدوكم مثل أسد”  .

ولنلاحظ أنه ليس أسداً ولا صاحب سطوة وسلطان ولكنه مثل أسد، لأن الرب يسوع كسر شوكته وحطم قوته فصار هزءًا بلا قوة، مثل أسد معدوم القوة فلا يخيف أحداً، بل يكون أضحوكة.

تأمل ما هو مكتوب “قاوموا إبليس فيهرب منكم”. (يع ٤: ٧)

 

الإنجيل (مت ٢٣: ٢9- ٣٦).

ويظهر هنا أيضاً المُقاومة الشديدة من رؤساء اليهود للرب “فتناول اليهود حجارة ليرجموه”.

ولكنه أيضاً يُظْهِر مجد مَنْ يقبلون كلمة الخلاص “فإن كان قد قال آلهة لأولئك الذين صارت إليهم كلمة الله”.

 

الساعة الحادية عشر من ليلة الخميس

تُخْتَم قراءات هذه الليلة:

بغياب الحكمة والنور والمعرفة عن المُقاومين. (النبوَّة).

وإستعلانها لمُحبِّي الله. (المزمور).

وإشراقة النور الإلهي والحياة الأبديّة. (الإنجيل).

 

النبوَّة – إرميا النبي (إر ٨: ٤- ١٠)

في إصرارهم على الشر لم يعرفوا الرب، وفقدوا الاستنارة، وصار الناموس لهم باطلاً، أي تمسَّكوا فقط بالشكل فلم يقودهم الناموس إلى معرفة الله:

” أما شعبي فلم يعرف حكم الرب! كيف تقولون إنَّا نحن حكماء وناموس الرب لنا والناموس الذي كان محسوباً للكتبة صار باطلاً وليس حقا؟! “.

 

المزمور (مز 61: ٤- ١)

“خلاصي ومجدي بإلهي إله معونتي رجائي هو بالله لأنه إلهي ومخلصي ناصري فلا أتزعزع أبداً”.

“خلاصي، صخرتي” = هي أسماء للمسيح المخلص (لو٣٠:٢) ، (١كو٤:١٠) (ابونا أنطونيوس فكري)[13]

[ويرى القديس باسيليوس الكبير أن كلمة “خلاص” هنا تعني السيد المسيح نفسه، وذلك كقول سمعان الشيخ حين حمل الطفل يسوع: “إن عيني قد أبصرتا خلاصك”.

كما يقول أيضاً: الابن الذي هو من الله (الآب) هو إلهنا. هو نفسه أيضًا مخلص الجنس البشري، الذي يسند ضعفنا، ويُصلح الاضطراب النابع في قلوبنا من التجارب.][14]

 

الرابط بين المزمور والإنجيل (القمص لوقا سيداروس)[15]

قبل الصليب بساعات  نجد الرب يسوع يوجه نظر البشرية للآب، ليس عن تمايز بينه وبين الآب في الجوهر، كمرسل من قبله – حاشا – لأنه هو القائل أنا والآب واحد… ولكنه لا يستطيع أن يتكلم عن نفسه دون أن يكلمنا عن أبيه الصالح.

والمزمور أيضاً صوت ابن الله الذى أخذ صورة العبد مخاطباً الآب، ومتحدثاً عنه للبشرية قائلاً: خلاصي الذي أكمله لكم، ومجدي  الذي أخلعه على البشرية هو بالآب (بإلهي) معونتي للضعفاء والساقطين، ورجائي الذي للخطاة أيضاً  هو عمل أبي.

هكذا لابد لنا أن يتجه فكرنا نحو الآب في المسيح في كل لحظة من لحظات آلامه المحيية، وهكذا ندخل في شركة الآب والابن، في حب الآب وبذل الابن.

 

الإنجيل (يو ١٢: ٤٤- ٥٠)

يختم الإنجيل بدعوة الرب للجميع للإيمان فيروا نوره وخلاصه وحياته:

“أنا قد جئت نوراً للعالم حتى كل من يؤمن بي لا يمكث في الظلمة … لأني لم آت لأدين العالم بل لأخلّص العالم… بل الآب الذي أرسلني هو الذي أعطاني الوصيّة… وأعلم أن وصيته هي حياة أبدية”.

من وحي قراءات اليوم

فإن المساكين معكم في كل حين” (انجيل الساعة الثالثة)

خدمة الفقير تهدف أولاً إلى خلاص نفسه.

ثم تقوده إلى حياة الشكر والفرح.

وربما تصل بهم إلى أن يصيروا خدّام.

وعندما ننشغل أولاً بحضور المسيح سنكتشف أننا فقراء نخدم فقراء وربما فقراء نخدم أغنياء (يع ٢: ٥).

ولكن دون حضوره في حياتنا وحياتهم تصير خدمتهم نشاط اجتماعي..

وربما نُحوِّلهم إلى متسولين من الكنيسة أكثر منها مُنتجيْن وعاملين.

لكن ما أصعب أن نستخدم اسم الفقراء لتغطية أهدافنا الخاصة.

كما كان مع يهوذا فليس الهدف كان الاهتمام بهم بل سرقة الصندوق (يو١٢: ٦).

وما أخطر أن يكونوا مادة في الميديا لجمع التبرعات والأموال.

فلنهتم بحضور الله أولاً في حياتهم وحينئذ سيخدموننا كما نخدمهم وربما أكثر!.

 

أفكار مقترحة لعظات ليلة الخميس

بين عِظَمْ الحب، وهاوية الاستهانة ..

عِظَمْ الحب:

عندما ينمو الحب الإلهي في قلب الإنسان ويملأه بفيض، تتضاءل تدريجيا كل الإغراءات وحتى الاحتياجات، دون أن يشعر الإنسان بنقص أو عوز أو حتى بفضل أنه يُعطي أو يبذل شيء لأجل الله.

ومن أمثلة مَنْ عاشوا هذا الحب وأُسْتِعلن فيهم بغنى:

المرأة الخاطئة [التوبة]:

هنا نرى المرأة التي قال عنها الرب: “هذه المرأة أحبت كثيراً”،

وهذا الحب دفعها للذهاب لبيت الفريسي رغم ضيق الموجودين من الفريسيين،

وأيضاً سكبت طيب عند قدميه علامة محبتها الكبيرة له، أو علامة إدراكها بمحبته الكبيرة للخطاة.

زَكَّا العشار [العطاء]:

دخول الرب بيت زَكَّا أطفأ بريق المال، وجعله عند قدميه، وقال بفرح:

“ها أنا يا رب أُعطي نصف أموالي للمساكين”.

أهل كورنثوس [العطاء]:

نموذج كنيسة كورنثوس للعطاء فائق، ويكفي قول القديس بولس عنهم:

“أنه في اختبار ضيقة شديدة فاض وفور فرحهم وفقرهم العميق لغنى سخائهم لأنهم أعطوا حسب الطاقة، أنا أشهد، وفوق الطاقة، من تلقاء أنفسهم ملتمسين منا، بطلبة كثيرة، أن نقبل النعمة وشركة الخدمة التي للقديسين” (٢كو ٨: ٢-٤).

ويكشف بعدها عن سبب عطائهم الغني:

“وليس كما رجونا، بل أعطوا أنفسهم أولا للرب، ولنا، بمشيئة الله” (٢كو ٨: ٥).

يوحنا الحبيب [الحب]:

نقف كثيراً عند كلمة الكتاب المقدس:

“التلميذ الذي كان يسوع يُحبِّه” وهل كان الرب يُحب تلميذ أكثر من غيره؟!.. أم أن هذا القول يعكس استجابة الرب لإشتياقات يوحنا، أي أن يوحنا اكتشف مدى محبة الله له، بسبب أنه فتح باب قلبه للرب ليدخل ليتعشَّى معه، وليُعْلِن له ذاته.

“الذي عنده وصاياي ويحفظها فهو الذي يحبني، والذي يحبني يحبه أبي، وأنا أحبه، وأظهر له ذاتي”.

أجاب يسوع وقال له: “إن أحبني أحد يحفظ كلامي، ويحبه أبي، وإليه نأتي، وعنده نصنع منزلا” (يو ١٤: ٢١، ٢٣)

تيطس [البذل في الخدمة].

 

هاوية الاستهلاك:

عيسو [احتقار البركة]:

يعتقد البعض أن عيسو خسر البركة بسبب خدعة أخيه يعقوب فقط، ولكننا نرى في الكتاب أن عيسو:

احتقر البكورية، أي البركة الروحية (تك ٢٥: ٣٤)

وكان مُستبيحاً (عب ١٢: ١٦)

وكان أصل مرارة لوالديه (عب ١٢: ١٥).

شمشون [شهوة الجسد]:

جاءت لشمشون تحذيرات كثيرة وخطيرة (قض١٤: ١٧، ١٦: ٩، ١٢) ولكن صوت شهوة الجسد كان أقوى تأثيراً من العقل والروح.

حنانيا وسفيرة [شهوة المال]:

هل كانت خطيّة حنانيا وسفيرة هي الأولي أو الوحيدة؟.. لا أعتقد، في الأغلب كانت نتيجة سلسلة من الاستهانة بكلام الله (أع ٥: ٩).

يهوذا [شهوة المال]:

لم تكن خطيّة يهوذا ضعف بل حياة في عدم الأمانة (يو ١٢: ٦) وجاء تسليمه للرب كنتيجة طبيعية لانحرافات سابقة.

أهل كورنثوس [الاستهانة بالشركة].

استهان بعض من أهل كورنثوس بالإفخارستيا وشركة الأغابي (١كو ١١: ٢٢).

 

 

عظات آبائية – ليلة خميس العهد من البصخة المقدسة

العظة الأولى

خيانة يهوذا – في فكر القدِّيس كيرلُّس الكبير[16]

إن جَمْع اليهود سوياً مع رئيسهم وقفوا ضد مجد المسيح وصارعوا ضد رب الكل، لكن يمكن لأي إنسان أن يدرك أنهم أعدوا فخَّهم ضد نفوسهم ذاتها، لأنهم حفروا لأنفسهم حُفَر هلاك، وكما يقول المرنم: “تورّطَت الأمم في الحفرة التي عملوها، في الفخ الذي أخفوه وقعت أقدامهم” (مز٩: ١٥)، لأن المخلَّص ورب الكل، مع أنَّ يمينه مقتدرة وقوته تهزم الموت والفساد معاً، لكنه أخضع ذاته طواعية باتخاذه الجسد ليذوق الموت لأجل حياة الكل، لكي ما يوقف الفساد ويبطل خطية العالم، ويخلِّص الذين كانوا في قبضة العدو من طغيانه غير المحتمل،

لكن ربما تخيَّلت تلك الحيَّة المتمرَّدة أنها قد سادت حتى على المسيح نفسه لكونه -كما قلت- عانى الموت في الجسد لأجلنا، كما تطلَّب التدبير (الالهي)، ولكن ذلك الكائن التعيس قد خاب أمله.

إذن دعنا نري كيف أخطأ الهدف وقذف سهمه بعيداً عن الهدف حينما تآمر على المسيح وسلَّمه لأيدي أولئك الذين قتلوه .

يقول الكتاب: “وكان في النهار يعلِّم في الهيكل وفِي الليالي يَخرج ويبيت في الجبل الذي يُدعي جبل الزيتون”، ومن الواضح أنَّ ما كان يعلَّمه هي أشياء تفوق الخدمة الناموسية، لأنه قد حان الوقت الذي ينبغي أن يتغيَّر فيه الظل إلي الحقيقة، وهم كانوا يسمعونه بسرور، لأنهم كثيراً ما تعجَّبوا منه: “لأن كلامه كان بسلطان” (لو٤: ٣٢)، لأنه لم يحدَّث الناس كمثل واحد من الأنبياء القديسين أو كموسى معلِّم الأقداس قائلاً: “هكذا قال الرب…”، بل لكونه هو نفسه الذي تكلم منذ القديم بواسطة موسى والأنبياء، ولكونه رب الكل، فإنه حوَّل بسلطان إلهي ما كان ممثلاً في الرمز وضعف الحرف إلى عبادة روحية، “لأن الناموس لم يُكمِل شيئاً” (عب٧: ١٩).

 

وكما قلت، كان يقضي الليالي في جبل الزيتون، متحاشياً أصوات الصخب التي كانت في المدينة، لكي في هذا الأمر أيضاً يكون مثالاً لنا، لأنه يجب على الذين يرغبون أن يحيوا حياة هادئة مطمئنة، أي مملوءة راحة، أن يتحاشوا على قدر المستطاع الازدحام والصخب.

لكن دعنا نرى خط سير خبث إبليس، وماذا كانت نتيجة خططه الماكرة ضد المسيح.

فإنه قد زرع الحسد ضد المسيح في رؤساء مجمع اليهود، والذي وصل إلى حد القتل، لأن هذا الداء (الحسد) يُؤدِّي عادةً إلى جريمة القتل، فمثل هذه النتيجة كانت هي النهاية الطبيعية لهذه الرذيلة، فهذا ما حدث مع قايين وهابيل، وهكذا كان هذا واضحاً في حالة يوسف وإخوته.

ولذلك فإن بولس الإلهي يجعل هذه الخطايا -مرتبطة معاً وقريبة إحداها للأخرى، لأنه يتكلم عن البعض قائلاً: “مشحونين حسداً وقتلاً” (رو١: ٢٩)، لذلك طلب اليهود أن يقتلوا يسوع بتحريض الشيطان الذي غرس هذا الشر فيهم، والذي كان هو قائدهم في مؤامراتهم الشِرّيّرة، لأنه هو نفسه مخترع القتل وأصل الخطية وينبوع كل شر، وماذا كانت الحيلة التي اخترعتها هذه الحية المتعددَّة الرؤوس؟ يقول النص: فدخل الشيطان في يهوذا الذي يُدعى الإسخريوطي وهو من جملة الاثنى عشر”.

 

لماذا لم يدخل الشيطان في الطوباوي بطرس أو في يعقوب أو يوحنا أو أي واحد آخر من بقية الرسل بل في يهوذا الإسخريوطي (بالذات)؟ أيّ موضع وجده الشيطان فيه؟ فهو لم يستطيع أن يقترب إلى أحد من بين كل الذين ذكرناهم هنا، لأن قلبهم كان ثابتاً ومحبتهم للمسيح كانت غير متزعزعة، لكنه وجد له مكاناً في الخائن، لأن داء الطمع المُرّ قد قهره وتسلّط عليه، هذا الداء الذي يقول عنه بولس الطوباوي إنه “أصل كل الشرور” (١تي٦: ١٠)، لأنه عندما سكبت امرأة طيباً على المخلّص ذات مرة، كان وحده من بين كل التلاميذ الذي وبَّخها قائلاً: “لماذا هذا الإتلاف؟ لأنه كان يمكن أن يُباع هذا بكثير ويُعطي للفقراء”. لكن الإنجيلي الحكيم تكلّم -إن جاز القول – ضد كلماته الزائفة، إذ أضاف في الحال قوله: “قال هذا ليس لأنه كان يبالي بالفقراء بل لأنه كان سارقاً وكان الصندوق عنده كان يحمل ما يُلقي فيه” (يو١٢: ٦)، والشيطان لكونه ماهراً في عمل الشر، عندما يستحوذ على نفس أي إنسان، فإنه لا يهاجمه بواسطة الرذائل عموماً، بل بالحري يبحث عن الهَوّى الخاص الذي ينغلب منه ذلك الشخص، وبواسطة ذلك الهوى يجعله فريسة له.

لذلك فلأن الشيطان عرف أنّ يهوذا طمَّاع، فإنه اقتاده إلى الفريسيين والرؤساء، ووعدهم أنه سيخون معلمه، وهم قد دفعوا ثمن الخيانة، أو بالحري ثمن هلاكهم بمال مقدس.

آه ! أيَّة دموع يمكن أن تكفي سواء على الذي خان يسوع مقابل أجر، أو لمن استأجروه فدفعوا ثمن جريمة قتل بمال مقدس!.

أيَّة ظلمة قد أتت على نفس الذي قبل الرشوة ! لأجل فضة قليلة خسر السماء، وفقد إكليل الخلود وكرامة الرسولية المحبوبة، وحسبانه ضمن عداد الإثنى عشر، الذين قال لهم المسيح في موضع ما: “أنتم نور العالم” (مت٥: ١٤) .

 

إنه لم يهتم بأن يكون نوراً للعالم، بل نسى المسيح الذي قال: “أنتم الذين تبعتموني في تجاربي، متي جلس ابن الإنسان على كرسي مجده، تجلسون أنتم أيضاً على اثنى عشر كرسياً وتدينون أسباط إسرائيل الإثنى عشر” (مت١٩: ٢٨). لكنه لم يُرد أن يملك مع المسيح.

يا لارتباك الضلال الذي أعمى ذهن هذا الإنسان الطمَّاع! فإنه سلَّم للموت من هو أقوى من الموت. ألم تعلم أنه أقام لعازر من القبر في اليوم الرابع، وأنه بإشارة منه أقام ابن الأرملة وابنة رئيس المجمع؟.

ألم تسمعه يقول لليهود فيما يخص جسده: “انقضوا هذا الهيكل وفِي ثلاثة أيام أقيمه ثانية؟” (يو٢: ١٩) .

هل نسيت كلماته: “أنا هو القيامة والحياة”؟ (يو١١: ٢٥)، فماذا كان إذن سبب مثل هذا الجنون المطلق؟ يخبرنا الإنجيلي إذ يقول: “فدخله الشيطان”، إذ قد جعل شهوة الطمع مَعبَرا وباباً له.

 

فإن “التقوي مع القناعة تجارة عظيمة”، وكما يقول الكتاب المقدس: “لأننا لم ندخل العالم بشيء، وواضح أننا لا نقدر أن نخرج منه بشيء” (١تي٦: ٦و ٧). “وأما الذين يريدون أن يكونوا أغنياء فيسقطون في تجربة وفخ وشهوات كثيرة غبية ومضرَّة، تُغرق الناس في العطب والهلاك” (١تي٦: ٩) والتلميذ الذي صار خائناً هو برهان واضح على ذلك، إذ قد هلك لأجل قليل من الشواقل.

وماذا يقول المرء عمّن استأجروه؟ الذين سقطوا في نفس العطب والهلاك معه، إنهم كانوا ضحايا لسُكْرٍ مماثل، مع أنهم كانوا يملكون شهرة في معرفة الناموس وكلام الأنبياء القديسين. كان من واجبهم أن يعرفوا معنى ما سبق أن قيل منذ القديم، الذي كان قد تقررّ سابقاً من قِبّل الله بخصوصهم.

لأن من بين هذه الكلمات أقوال مثل هذه: “على الرعاة الأردياء اشتعل غضبي وأنا سأفتقد الخراف” (زك١٠: ٣)، لأن الرعاة الأشرار هلكوا بطريقة شائنة، أما دعوة أولئك الذين كانوا مطيعين لأجل الخلاص، فقد كانت نوعاً من الافتقاد، لأن بقية من إسرائيل قد خلّصت. وكما لو كانوا بالفعل قد سقطوا في الخراب، لهذا كانوا يولولون ويبكون، فإن النبي يقول إنه سمع “صوت ولولة الرعاة لأن فخرهم خرب، صوت زمجرة الأسود، لأن كبرياء الأردن خربت” (زك١٦: ٣ )، يُطلق النبي لقب الأسود على كبرياء الأردن ويشير بهم -أي بالأسود- إلى رؤساء المجمع اليهودي الذين بسبب المجازاة العادلة على شرَّهم ضد المسيح، ولولوا مع آبائهم وأبنائهم، لأنهم فنوا كما بنارٍ وسيفٍ، بينما هيكل أورشليم قد أُحرق أيضاً، وكل مدن اليهودية حل بها الخراب والدمار التام.

كان هذا هو مصيرهم، أمَّا المسيح فهو يخلَّصنا بإرادته الرحيمة، الذي به ومعه لله الآب يليق التسبيح والسلطان مع الروح القدس إلى دهر الدهور آمين.

 

 

العظة الآبائية الثانية – ليلة خميس العهد

وجوب تحفُّظ الإنسان وحرصه للنهاية – للقديس مقاريوس الكبير[17]

لأنه كما أن التجار الذين أبحروا ولم يبلغوا الميناء بعد، حتى وإن وجدوا ريحاً موافقة وبحراً هادئاً، يلبثون تحت خوف لئلا تثور ريح مضادة بغتة فيمور البحر ويصير المركب في خطر، هكذا المسيحيون أيضاً حتى وإن كان لهم في انفسهم ريح الروح القدس تهب مؤاتية، إلا انهم لا يبرحون تحت خوف لئلا تهب ريح القوة المعادية وتأتي عليهم فتثير اضطراباً وتصبح نفوسهم في خطر.

فالحاجة اذاً إلي اجتهاد كثير لكي ما نصل الى ميناء الراحة، الى العالم الكامل، الى التنعم الأبدي، الى مدينة القديسين، الى اورشليم السمائية، الى كنيسة الأبكار.

أما إن كان أحد لا يجتاز تلك القامات، فإنه يكون تحت خوف كثير لئلا في أثناء هذا تدبر له القوة الشريرة سقطة.

وكما أن المرأة متى حبلت فإنها تقتني طفلاً في داخلها، في ظلمة -إن جاز القول- وفي موضع كثيف. فإذا حدث بعد ذلك أن خرج الطفل في الزمان المعين، فإنه ينظر خليقة جديدة ما رآها قط: سماءً وارضاً وشمساً، وللحال يحمله الأحباء والأقرباء على أذرعهم بوجوه مستبشرة،

أما إن حدث، لعارض ما، وتحرك الطفل من موضعه بالداخل، فالأمر يقتضي من الأطباء المنوط بهم الأمر أن يستعملوا المبضع، وبعد ذلك يوجد الطفل منتقلاً من موت إلى موت، ومن ظلمة الى ظلمة. تفهم هكذا أيضاً بالمعنى الروحي:

فكل الذين قبلوا بذرة اللاهوت، هؤلاء يقتنونها بطريقة غير منظورة، وبسبب الخطيئة الملازمة لهم يخفونها في مواضع مظلمة ومخيفة.

فإذا ما صانوا ذواتهم وحفظوا الزرع فإنهم في الزمان المعين يولدون من جديد جهاراً، وبعد ذلك عند انحلال أجسادهم تقبلهم الملائكة وكل الخوراس العلوية بوجوه مستبشرة،

أما إن ارتخي ذاك الذي قبل اسلحة المسيح ليحارب برجولة، فللحال يسلم مثل هذا للأعداء، وعند انحلال جسده فمن الظلمة التي تلفه الآن ينتقل الى ظلمة أخرى أشد وطأة وإلى الهلاك.

 

أرواح الشر تلتمس مرعي فينا

كما لو كان هناك فردوس يحوي أشجاراً مثمرة وأغراساً أخرى عطرة الرائحة وجميعها معتنى بها جيداً ومجملة، وهو- إلى ذلك- له سور صغير عوض سياج لصونه. ثم يتفق أن نهراً ثائراً يجتاز هناك، فحتي لو أن ماء يسيراً يصدم السور ويفسد الأساس شيئًا فشيئاً فإنه يجد منفذاً له وقليلاً قليلاً ينقض الأساس، وحين يدخل يشق طريقه وسط كل المزروعات ويقتلعها ويلاشي كل هذا العمل ويجعله بلا ثمر، هكذا يكون أيضاً قلب الإنسان: فهو يحوي الأفكار الحسنة، لكن في كل وقت تدنو من القلب أيضاً أنهار الشر ومأربها أن تسقطه وتلقيه في نصيبها، فإن وجد العقل متراخياً قليلاً ومذعناً للأفكار النجسة، فها أرواح الضلال قد ظفرت بمرادها ووجدت مدخلاً وأفسدت المحاسن هناك ولاشت الأفكار الصالحة واقفرت النفس.

وكما أن العين صغيرة بالقياس إلى سائر الأعضاء، بل وانسان العين نفسه، على صغره، هو إناء عظيم إذ بلمحة واحدة ينظر السماء والنجوم والشمس والقمر والمدن والخلائق الأخرى، بالمثل أيضاً كل ما يرى بلمحة واحدة يتشكل ويصور في انسان العين الصغير، هكذا أيضاً الذهن الذي في القلب: فالقلب نفسه إناء صغير، وهناك التنانين وهناك الأسود، هناك الوحوش السامة وكل كنوز الشر، هناك الطرق الخشنة الوعرة وهناك الوهدان،

بالمثل ايضاً هناك الله وهناك الملائكة، هناك الحياة والملكوت، هناك النور والرسل، هناك المدن السماوية، هناك كنوز النعمة، هناك كل شيء.

لأنه كما يكون ضباب يغشي كل الخليقة وكل طبيعة الإنسان منذ المخالفة، لذلك الذين تغشاهم الظلمة هم في ليل ويسلكون في مواضع مخيفة، وكما يكون هناك دخان كثيف في بيت واحد، هكذا أيضاً الخطيئة مع أفكارها الأثيمة تنسل خلسة إلى أفكار القلب وتقبع هناك ومعها حشد لا يحصي من الشياطين.

 

وكما أنه في الأمور المنظورة حين تندلع حرب لا يمضي الحكماء والعظماء بل يتخلفون خوفاً من الموت، بينما يزج بالجنود والفقراء والعاميين في المقدمة. ثم حين يظفرون بالأعداء ويطردونهم من تخومهم وينالون جوائز الغلبة والأكاليل من الملك ويحظون بالمراقي والكرامات، يوجد أولئك العظماء خلف هؤلاء،

هكذا أيضاً في الجانب الروحاني: فالعاميون حين يسمعون الكلمة من البدء، فبفكر محب للحق يقدمون على العمل بها وينالون من لدن الله نعمة الروح القدس، أما الحكماء والذين يطلبون الكلمة بهمة خائرة، فهؤلاء يفرون من الحرب ولا يتقدمون بل يوجدون خلف الذين يحاربون وينتصرون.

وكما أن الرياح حين تعصف عصفًا عنيفًا تحرك كل المخلوقات التي تحت السماء وتدوي عالياً، هكذا قوة العدو تصدم الأفكار وتحملها وتزعزع أعماق القلب نحو مشيئة العدو الخاصة وتشتت الأفكار لخدمته.

فكما أن العشارين يجلسون عند الطرق الضيقة ويمسكون بالمارين ويسلبونهم، هكذا أيضاً الشياطين ترقب النفوس عن كثب وتمسك بها.

 

وعند خروجها من أجسادها، إن لم تكن قد تطهرت بالتمام، فما يأذنون لها بالصعود إلى مراعي السماء وملاقاة سيدها، إذ تحدرها شياطين الهواء إلى أسفل.

أما إن كانوا، وهم بعد في الجسد، ينالون النعمة من الأعالي من عند الرب بتعب وجهاد كثير، فواضح أن هؤلاء سينطلقون إلى الرب مع أولئك الذين بلغوا الراحة بسيرتهم الفاضلة، كما وعد هو: “حيث أكون أنا هناك أيضاً سيكون خادمي” (يو٢٦:١٢)، وسيملكون إلى الدهور التي لا نهاية لها مع الآب والابن والروح القدس إلى دهور الدهور، آمين.

 

العظة الآبائية الثالثة – ليلة خميس العهد

رائحة الناردين للقديس غريغوريوس النيسي[18]

رائحة الناردين

” مادام الملك فى مجلسه افاح ناردينى رائحته ” (نش١: ١٢) توجد روائح كثيرة لكنها مختلفة في العبير الذى تعطيه، ولكن حين نمزج بعضاً منها نأخذ الناردين، وهذا النوع مأخوذ من الأزهار ذات الرائحة القوية وحين تمتزج بعضها مع بعض تعطى رائحة عطرة يشمها العريس بحواسه الكاملة.

ويكشف لنا النص المقدس أن العريس الذى هو الرب يسوع المسيح يفوق بالطبيعة كل الخليقة المنظورة، لأنه يتعذر ادراكه أو لمسه بالحواس، ولكنه حين يحضر فنحن نستنشق رائحته في وسطنا وتصير هذه الرائحة فينا حين نمارس الفضائل الروحية، وحين نتبعه في نقاوة لنصل الى حالة عدم الفساد، ونسلك في البر لنصل إلى بره، ونسلك في الصلاح لنصل الى صلاحه، وفى عدم التغيير نصل إلى ثباته، وفى كل الفضائل التي نسلك فيها يمثل أمامنا حضوره الذى هو الفضيلة ذاتها كما يقول حبقوق النبي “جلاله غطى السموات والأرض امتلأت من تسبيحه” (حب٣:٣).

 

وحينما تقول العروس للأصدقاء “أفاح نارديني رائحته”.

فهذا هو الدرس الذى نتعلمه نحن، وهو أن تجميع ثمار كل الفضائل وكل روائح الصفات الحلوة يجعل منها رائحة مثل الناردين التي هي ثمار كل أعمال الفضائل الحسنة، وتصير كل حياة الانسان كأنها رائحة طيبة من كل صفات أعمال الفضائل، ويصير الانسان كاملاً في طريقه ولو أنه غير قادر أن يدرك قوة كلمة الله مثل الانسان الذى وإن كان غير قادر أن يحدق في قرص الشمس ولكنه يستطيع أن يبصر شعاع الشمس آتياً عليه مثل من يبصر في مرآة.

لأن كل صفات الله الصالحة ترسل لنا شعاع البر والصلاح لتنير حياتنا إن كنا نسير في الطهارة. وهذا الشعاع يجعل غير المنظور منظوراً، ويجعلنا نرى غير المدرك عن طريق صورة شعاع الشمس المنعكس في المرآة التي في نفوسنا، ومع شعاع الشمس تأتي ثمار الفضائل وعبير الروائح، لأنه خلال الفضائل التي نسلك فيها نحن نستمد معرفة الله البار الذى تفوق معرفته كلا منها، وبنفس الطريقة نحن نصل إلى جمال الأصل عن طريق رؤية الصورة.

هكذا سلك بولس الرسول في فضائل العريس وأخذ نموذجاً لحياته من الجمال الأبدي، وأصبح له رائحة الناردين من مجموعة الفضائل التي يمارسها الذهن “محبة فرح سلام طول أناة لطف صلاح ايمان وداعة تعفف” (غل٥: ٢٢-٢٣) ثم قال بعد ذلك أنه “رائحة المسيح الزكية” (٢كو٢: ١٥-١٦) وهو بذلك يستنشق رائحة ذاك الذي لا يمكن ادراكه ويأخذ النعمة الفائقة ويقدم نفسه للآخرين كرائحة بخور، ويصير رائحة حياة للبعض، ورائحة موت لآخرين، حسب سعي كل منهم للخلاص “لأننا رائحة المسيح الزكية لله في الذين يخلصون وفي الذين يهلكون لهؤلاء رائحة موت لموت ولأولئك رائحة حياة لحياة” (٢كو٢: ١٥، ١٦).

 

وتفسير ذلك أن نفس رائحة العطر لها تأثير مختلف على الحمامة والخنفساء، فاذا استنشقت الحمامة تصير قوية بينما تموت الخنفساء، هكذا البخور الالهي المقدس، حينما يستنشقه بولس الرسول يصير كالحمامة هو وتيطس وسلوانس وتيموثاوس الذين يشتركون معه، ويسلكون مثله في رائحة العطر الزكية التي هي التقدم في كل نوع من أنواع الفضائل. أما الآخرون مثل ديماس واسكندر وهرموجانس فانهم لا يأخذون هذا البخور الذى هو ضبط الجسد ويصيرون مثل الخنفساء يهلكون بهذه الرائحة، ولذلك يقول بولس الرسول أنه يحمل رائحة المسيح الزكية ويصير سبب خلاص للبعض، وسبب هلاك للبعض الآخر.

وهنا نحن ندرك وجود علاقة بين ناردين العروس وقصة الناردين الذى سكبته المرأة على الرب يسوع المسيح وفاحت رائحته في كل المنزل حين سكبته على رأس الرب (مر١٤: ٣)، (يو ١٢: ٣) وهو رمز لموت الرب وتكفينه، وشهد له الرب حين قال أنها “جاءت لتكفيني” (مر١٤: ٨)، (مت٢٦: ١٢) وامتلاء المنزل من الرائحة الطيبة يشير إلى امتلاء العالم كله والمسكونة بأكملها بكرازة الأنجيل “حيثما يكرز بهذا الأنجيل في كل العالم يخبر أيضا بما فعلته هذه تذكار لها” (مت٢٦: ١٣) وهكذا في عروس النشيد فإن الناردين الذى يمنح للعروس يفوح من رائحة العريس الحاضر في مجلسه “ما دام الملك في مجلسه” (نش١: ١٢) مثل رائحة الطيب التي ملأت المنزل، التي هي صفات المسيح الصالحة، ورائحة جسد المسيح الذي هو الكنيسة في العالم كله والمسكونة بأكملها.

وهكذا فان كل فضيلة نأخذها من المسيح تفوح فينا رائحته الزكية.

 

 

العظة الآبائية الرابعة – ليلة خميس العهد

سكب الطيب في الوليمة التي أُعِدَّتْ للرب بعد إقامة لعازر – عند القديس أمبروسيوس[19]

إن كنت قد اعترفت بدعوة المسيح، فإن القضبان تنكسر ، تنحل كل القيود، حتى لو كانت نتانة الفساد الجسدي ثقيلة جداً. لأنه كان ميتاً لمدة أربعة أيام وأنتن جسده في القبر. أما الذى لم يرى جسده فساداً فقد كان في القبر لثلاثة أيام، لأنه لم يعرف شرور الجسد، التي تتكون من مواد العناصر الأربعة.

إذا فمهما كانت نتانة الجسد ثقيلة جداً، فإنها كلها تتلاشى بمجرد أن تنشر عليها رائحة الدهن المقدس، ويقوم الميت ثانية، ويعطى الأمر بأن تفك يديه التي كانت مربوطة بالخطية. ويرفع الغطاء عن وجهه، هذا الغطاء الذي كان يحجب حقيقة النعمة التي نالها، ولكن حيث إنه نال الغفران، لذلك يعطى الأمر بكشف وجهه، لكى تظهر ملامحه. لأن الذى تغفر خطاياه لا يكون لديه شيء يخجل منه.

ولكن بوجود هذه النعمة المعطاة من الرب، بمثل هذه المعجزة الإلهية، حينما كان يجب أن يتهلل الجميع، فإن الأشرار ثاروا وجمعوا مجمعاً ضد المسيح، وكان يريدون أن يقتلوا لعازر أيضاً (يو ١٢: ١٠). ألا تدركون أنكم أنتم خلفاء أولئك الذين ترثون قساوتهم؟ لأنهم أنتم أيضاً غاضبون وتجمعون مجمعاً ضد الكنيسة، لأنكم ترون الموتى يعودون للحياة في الكنيسة، ويقامون ثانية بنوالهم غفراناً لخطاياهم. وهكذا فأنتم تريدون بالحسد أن تذبحوا ثانية أولئك الذين أقيموا إلى الحياة ،

 

ولكن يسوع لا يسحب عطاياه، لا بل هو بالحري يزيدها بإضافات من سخائه، وبإهتمام يزور ثانية ذاك الذى أقيم وإذ يتهلل بعطية الحياة المستعادة فإنه يأتي إلى الوليمة التي أعدتها له كنيسته ، والتي يوجد فيها ذاك الذى كان ميتاً ، كواحد بين الجالسين مع المسيح .

حينئذ يدهش كل الذين ينظرون إليه (الميت الذى قام) بنظرة الذهن النقية ، هؤلاء المتحررون من الحسد ، فهكذا هم أبناء الكنيسة. إنهم يدهشون كما قلت ، كيف أن الذى كان أمس وأول امس موجوداً في القبر ، هو أحد أولئك الجالسين مع الرب يسوع.

مريم نفسها تسكب طيباً على قدمي الرب يسوع (يو ١٢: ٣). ربما على قدميه لهذا السبب، لأن واحداً من المتواضعين جداً قد أنتزع من الموت، لأننا جميعاً جسد المسيح أنظر (١كو ١٢: ٢٧)، لكن ربما آخرون هم أعضاء أكثر كرامة . الرسول كان فم المسيح، لأنه قال: “أنتم تطلبون برهان المسيح المتكلم فيّ (٢كو ١٣: ٣). والأنبياء الذين تكلم من خلالهم عن الأمور الآتية كانوا فمه، فهل أوجد أن مستحقاً أن أكون قدمه، تسكب مريم علىّ طيبها الثمين، وتدهني وتمسح خطيتي.

إذاً فما نقرأه عن لعازر ينبغي أن نؤمن أنه يحدث لكل خاطئ يتحول بالتوبة، فرغم أنه قد يكون منتناً، إلا أنه يتطهر بدهن الإيمان الثمين. فالإيمان له مثل هذه النعمة، أنه بينما كان الميت منتناً في اليوم السابق، فالآن يمتلئ البيت برائحة الطيبة.

 

بيت كورنثوس قد أنتن، حينما كتب عنه: “يسمع مطلقاً أن بينكم زنى ومثل هذا ليس بين الأمم” انظر (١كو ٥: ١). كانت هناك نتانة، لأن خميرة صغيرة قد أفسدت العجين كله. وبدأت الرائحة الطيبة حينما قيل: “والذي تسامحونه بشيء فأنا أيضاً لأنى أنا ما سامحت به … فمن أجلكم بحضرة المسيح” أنظر(٢كو ٢: ٢٠ ). وهكذا إذ تحرر الخاطئ . كان هناك فرح عظيم في ذلك المكان ، وامتلأ البيت كله من رائحة حلاوة النعمة. لذلك فالرسول، إذ هو يعرف جيداً، انه سكب دهن الغفران الرسولي على الجميع، يقول: “لأننا رائحة المسيح الذكية لله في الذين يخلصون” (٢كو ٢: ١٥) .

عند سكب هذا الطيب يفرح الجميع، يهوذا وحده يتكلم ضد سكب الطيب أنظر (يو ١٢: ٤) . وهكذا أيضاً فالخاطئ يتكلم ضده ،والخائن ينتقد هذا العمل ، ولكنه يلام من المسيح ، لأنه لا يعرف دواء موت الرب ، ولا يفهم سر مثل هذا الدفن العظيم . لأن الرب تألم ومات لكي يفتدينا من الموت، وهذا ظاهر من القيمة العظيمة جداً التي لموته، التي تكفي لحل الخاطئ من خطاياه، ولإعادته إلى النعمة، حتى يأتي الجميع ويدهشون لجلوسه على المائدة مع المسيح، ويسبحون الله قائلين: “لنأكل ونفرح، لأنه كان ميتاً فعاش وكان ضالاً. فوجد” (لو ١٥: ٢٤). ولكن من هو عديم الإيمان يعترض قائلاً: “لماذا يأكل مع العشارين والخطاة؟ وهو يجيب: “لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب، بل المرضى” (مت ٩: ١١، ١٢).

 

العظة الآبائية الخامسة – ليلة خميس العهد

سكبت الطيب على رأسه – عند العلامة اوريجانوس[20]

[إن  لوقا برجاحة عقله، حين تكلم عن المرأة التي كانت خاطئة، قدّمها على أنها كانت تبكي بكاءً شديدًا، هكذا حتى غسلت بدموعها قدمَيْ يسوع… كانت فقط “تدهن” قدميَّ يسوع؛ لا رأسه. 12 لكن هذه المرأة، والتي لم توصف بأنها خاطئة، لم تأخذ مِن الطيب لتدهن منه، بلْ أنها “سكبته” وليس على قدمَيه، بلْ على رأسه. 13 أما ما كُتِب عن مريم أخت لعازر، فهو أنها هي أيضًا قد “دهنت قدمَيْ” الرب. انتبهوا لِمَا يقوله الإنجيل: “فامتلأ البيت كله برائحة الطيب” وما بين هذه المرأة وتلك مِن فروق قد يشير إلى الفوارق التي قد توجد بين المؤمنين بعضهم وبعض: فمنهم مَن يسكبون الطيب “على رأس” يسوع، وآخرون لا يدهنون الرأس بلْ القدمين فقط، ومنهم قوم لا يسكبون الطيب، لكنهم  يدهنون منه الكثير. يدهن بعضهم الطيْب فيجعلون البيت كله مملوءً بعطر لاهوته. وهناك آخرون، مقبولون أيضًا لدى المسيح، لأنهم يدهنون قدمي المسيح بالطيب؛ هاتين  القدمين اللتين لم يدهنهما الفريسيّون ولا حتى “بالزيت”]. التعليق على (متّى ١٥: ٧٧)

الطيب الكثير الثمن:

“يشبه الطيب الذي تكون له الرائحة المقبولة ما يصنعه المؤمنون مِن أعمال صالحة لله؛ حيث يعود هذا العمل اللائق بمَن يؤمن بالله -أيْ الطيب- بالنفع على البشرية: وهي على سبيل المثال الصدقة، وزيارة المرضى، وضيافة الغرباء، والتواضع واللطف والتماس الأعذار، وكل ما إلى ذلك. هذه هي الأمور النافعة للبشر. وكل مَن يفعل هذا بالمسيحيين يدهن بالطيب قدمي الرب. لأنها قَدَما المسيح  هما اللتان بهما سيسير دائما. هذا هو أيضًا الطيب الذي يدهن رأس المسيح، ويفيض نازلاً على كل جسده. هذا هو الذي ينسكب على الكنيسة كلها. هذا هو الطيب الكثير الثمن الذي يملأ البيت كله، أَلَا وهو كنيسة المسيح – برائحته الزكية. هذا هو العمل الذي يليق لا بالتائبين فقط ، بلْ بالقديسين أيضا. وبالتأكيد فإنالتعليم لازم لمَنْ يطعموا المعوزين للأمور الروحية الصالحة، أو مَن قد يصيبهم الضَعف إزاء تجنُّب الخطية – هذا هو الطيب الحق الذي به تُمسَح قَدَمَا الرب. وعلى أية حال، فإن معرفة الإيمان الحق الذي يليق بالله وحده، تلك هي الطيب الثمين الذي يدهن رأس المسيح الإله.”  التعليق على (متّى ٧٧:٢٣). (٢٦:١٤) ذهب يهوذا الإسخريوطي إلى الكهنة.

 

“يهوذا ، ويهوذا الآخر”:

يهوذا تفسيره “المعترف”. يدرج لوقا البشير يهوذا بن يعقوب ويهوذا الإسخريوطي في عداد الرسل الاثني عشر. وإذ أن اثنين مِن تلاميذ المسيح قد أُعطِيا هذا الاسم ذاته، وبما أنه لا وجود لرمز بغير معنى في سر المسيحية، فإني على اقتناع بأن هذين الاثنين المسمّيَين بيهوذا يمثّلان نموذجَين مختلفَين مِن المسيحيين المعترفين: – فالأول الذي يمثّله يهوذا بن يعقوب هو مَن  يظل على ثباته في الإيمان بالمسيح؛ أما النموذج الثاني، فإنه ذاك الذي بعد أنْ يكون قد آمن وجاهر بالإيمان بالمسيح، يتركه بسبب الطمع. هذا ينشق فيصير كالهراطقة وكمثل كهنة اليهود هؤلاء الكذبة. ذلك يعدّ مثالاً سيّئًا للمسيحيين، بلْ (ويبذل ما في وسعه) كي يسلّم المسيح “الكلمة الحق” لأيديهم ليُصلَب ويهلك. هذا النموذج المسيحي يمثله يهوذا الإسخريوطي، الذي “ذهب إلى رؤساء الكهنة”، واتفق معهم على ثمنٍ لخيانة المسيح.”

التعليق على (متّى ١٦:١٥ -٢٦) خيانة مِن أجْل ثلاثين مِن الفضة!

ثلاثون مِن الفضة:

“لنتأمّل فيما قاله يهوذا للكهنة اليهود: “ماذا تريدون أنْ تعطوني وأنا أسلّمه إليكم؟” لقد كان يرغب في تقاضي المال مقابل تسليمه كلمة الله.  هذا الأمر عينه يصنعه كل الذين يقبلون أمورًا حسّية أو عالمية مقابل تخلّيهم عن المخلِّص والكلمة الحق وإبعاده عن نفوسهم؛ هذا الذي أتى ليكون معهم. وللحق فإنه يليق أنْ ينسحب مَثَل يهوذا على كل مَن يُظهِر كراهية لكلمة الله ويخونه، مثل مَن يصنع الإثم مِن أجْل المال أو مِن أجْل دافع أناني أيما كان. إن مَن يسلكون هكذا بين الناس يظهرون أنهم ينادون علانية بقوى العدو الذي يعطي المنفعة التي للعالم مقابل خطية الخيانة لكلمة الله، هكذا قائلين: “ماذا تريدون أنْ تعطوني وأنا أسلّمه إليكم؟”

“فجعلوا له ثلاثين مِن الفضة.” كان عدد قطع المال التي أعطوها ليهوذا يعادل عدد سنيّ حياة المسيح في هذا العالم. ففي عامه الثلاثين اعتَمَد وبدأ يكرز بالإنجيل؛ مثل يوسف الذي إذ بلغ الثلاثين بدأ يجمع القمح لإخوته. 8 كما أعد الله القمح لبني إسرائيل في ذلك الزمان بلْ وأعطى المصريين أيضًا، كذلك الإنجيل: فهو قد أُعِدّ للقديسين، ولكن الكرازة به تمت لغير المؤمنين وكذلك للأشرار.”

الفرصة المناسبة للخيانة:

“ومنذ ذلك الوقت كان يطلب فرصة ليسلّمه إليهم.”

يُظهِر إنجيل لوقا بوضوح شديد نوع الفرصة التي كان يهوذا يسعى إليها، إذ يقول: “وكان يطلب فرصة ليسلّمه إليهم خلوًا مِن جمع.” أيْ متى لا يكون حوله جمع مِن الناس، ويكون منفردًا بتلاميذه. لقد فَعَل خائنه فعْلَته بعد العشاء، حين كان المسيح وحده في بستان جثسيماني. لأنه حالما توصّل يهوذا إلى الاتفاق مع اليهود، عرف جيدًا أن الفرصة لا تواتيه إلا حين يكون يسوع وحده بغير جموع. لاحِظوا كيف أنه حتى في يومنا هذا يجد خَوَنة يسوع المسيح، كلمة الحق وكلمة الله، فرصتهم المثلى ليسلّموه في أنسب وقت – متى يضطهد المسيحيون… هؤلاء يكونون في أسوأ حال متى يكون عدد المؤمنين به أقل القليل. إن لكل شيء وقت. هكذا قال سليمان: “هناك وقت للميلاد ووقت للممات”. الوقت الذي فيه تمت خيانة الكلمة الحق تحَدَّد حال وجود قلة قليلة مِن المؤمنين مع المسيح.”

 

 

عظات آباء وخدام معاصرين لليلة خميس العهد من البصخة المقدسة

 

العظة الأولى خيانة يهوذا للمتنيح البابا شنوده الثالث[21]

من عشية (مساء الثلاثاء) تمنع القبلة في الكنيسة، احتجاجاً على قبلة يهوذا الخائنة للرب.

ويستمر هذا الأمر طوال الأيام الباقية من أسبوع الآلام إلى ليلة العيد. ففي قداس خميس العهد لا يقول الشماس “قبلوا بعضكم بعضاً”. ولا يقول هذا أيضاً في قداس سبت النور… كل ذلك لكى تغرس الكنيسة في أذهان المؤمنين نفوراً من القبلة الخائنة، ومن خيانة يهوذا لمعلمه..

وتذكار لهذه الخيانة نصوم كل أربعاء طوال السنة.

محتجين على التآمر على السيد المسيح، هذا التآمر الذى أشترك فيه يهوذا أحد تلاميذه بخيانة بشعة. وفى البصخة ينشد المؤمنون كلهم مديحة تبكيت يهوذا.

لقد تركت هذه الواقعة الأليمة أثراً عميقاً في وجدان الكنيسة.

على أن يهوذا لم يكن هو الوحيد الذى خان المسيح في تلك الأيام، فكثيرون قد خانوه، كثيرون من الذين أحسن إليهم، صاحوا قائلين “أصلبه أصلبه”. فلماذا التركيز على خيانة يهوذا بالذات؟ ذلك لأن خيانة يهوذا كانت الخيانة الكبرى، البشعة…

كانت خيانة يهوذا فيها التواء قلب وخداع.

لقد جاء مع الجند، واقترب إلى المسيح بقبلة. وكانت هذه القبلة علامة بينه وبينهم. ويقول معلمنا مرقس الرسول في هذا “وكان مسلمه قد أعطاهم علامة قائلاً: الذى أقبله، هو هو. أمسكوه وامضوا به بحرص” (مر ١٤: ٤٤)، “وللوقت تقدم إلى يسوع وقال: السلام يا سيدى. وقبّله” (مت ٢٦: ٤٩). حقاً، لقد ذكرنا يهوذا بشجرة التين التي لعنها السيد الرب.. خضراء مورقة من الخارج. وداخلها عريان بلا ثمر .

كان من الخارج يقبّله. ومن الداخل يخونه ويبيعه بالمال…

يقول له “السلام يا سيدي”! ولا سلام في قلبه… ولا هيبة ولا ولاء لسيده هذا. أما كانت تبكته كلمة السلام، وكلمة سيدي، كما تبكته قُبلَّته… ؟!

وظهرت وداعة السيد المسيح، في أنه لم يمنعه.

كان يعرف كل ما اعتزم يهوذا أن يفعله. ولما اقتربت الساعة – وهو في البستان – قال لتلاميذه “هوذا الذى يسلمني قد اقترب” (مت٢٦: ٤٦). ومع ذلك لم يخجله أمام الجند والحراس. لم يمنعه من الدنو منه ومن تقبيله… ولم يصفه بكلمة “خائن”، بل قال له بالأكثر “يا صاحب، لماذا جئت؟!” (مت ٢٦: ٥٠). وعاتبه في رقة قائلاً “أبقبلة تسلم إبن الإنسان؟!” (لو ٢٢: ٤٨). تبدوا خيانة يهوذا بشعة جداً، لأن السيد المسيح كان قد أحسن إليه كثيراً من قبل…

 

لو كان المسيح قد أساء إليه في شيء، لأعتبر ذلك انتقاماً منه وليس خيانة. ولكن معلمه العظيم كان قد أحسن إليه، وهو يعرف مسبقاً كل شروره… يكفى أنه أختاره واحداً من الإثنى عشر رسولاً مع معرفته بطبيعته (يو ٦: ٧٠، ٧١).

ومثل باقى التلاميذ، ارسله ليكرز ويبشر، وأعطاه معهم سلطاناً على إخراج الشياطين، وسلطاناً أن يشفى كل مرض وكل ضعف (مت ١٠: ١).

ولم يكتف باختياره رسولاً، بل جعل الصندوق عنده.

لم يكن إذن رسولاً عادياً، بل كان من أصحاب المسئوليات بين الإثنى عشر . وكان هو المكلف بأن يعطى من الصندوق للفقراء، وبأن يصرف منه في احتياحات التلاميذ (يو ١٣: ٢٩) كشراء احتياجات العيد مثلاً. ومع أن يهوذا لم يكن يبالي بالفقراء، لأنه كان سارقاً، وكان يأخذ كل ما يلقى في الصندوق (يو ١٢: ٦).

إلا أن الرب لم يكشفه في سرقاته، ولا سحب الصندوق منه.

بل بقى الصندوق معه إلى يوم وفاته. وفى هذه المسئولية لم يجازه الرب حسب أعماله. ولم يعزله عن الإثنى عشر ، وتركه يجتمع معه، ويعرف أخباره …

بل وكان وضعه هو وضع المقربين إليه.

 

كواحد من الإثنى عشر، كان مع المسيح ليلاً ونهاراً، يتبعه حيثما سار، وأمام الجميع هو واحد  من خاصته، يعيش معه، ويأكل ويشرب معه… هذا من الناحية العامة. أما من الناحية الخاصة، فكان مقرباً إليه. كان قريباً منه جداً على المائدة، حتى يمكن أن يغمس لقمته في نفس صحفته (مت ٢٦: ٢٣):

علامة حب ودالة، أن يغمس لقمته في نفس صحفته.

سمح له الرب بهذا، كمعاملة حب خاصة، لعله يخجل من هذه المحبة ويرتدع. ولكنه لم يستفد من هذا الحب، ولا من كونه أكل مع المسيح خبزاً وملحاً. بل انطبقت عليه نبوءة المزمور “الذى أخذ خبزي، رفع علي عقبه” (مز ٤١: ٩)… ولماذا نشرح تفاصيل هذا القرب منه…؟..

يكفى أن الرب كان معلمه وكان حبيبه.

لقد باع يهوذا معلمه، وأباه الروحي، ومرشده، وصديقه الذى عاش معه ثلاث سنوات، يستمع إلى تعاليمه، ويبصر معجزاته… ولعله أبصر قبل تسليمه له بخمسة أيام معجزة إقامة لعازر من الموت وايمان الكثيرين بسببها (يو ١١). ولعله أبصر قبل ذلك بقليل معجزة فتح عيني المولود أعمى (يو ٩) ولكن ذلك كله لم يؤثر فيه، ولم يمنع خيانته. يزيد البشاعة أنه سعى إلى بيع سيده.

 

لم يأت إليه رؤساء الكهنة لكى يغروه على هذا الأمر، فقطعاً ما كان يخطر ببالهم أن واحداً من الأثنى عشر يسلم المسيح ! فكم بالأولى هذا المقرب منه!!… ولكن يهوذا هو الذى ذهب إليهم، إذ يقول الإنجيل في ذلك عن يهوذا “فمضى وتكلم مع رؤساء الكهنة وقواد الجند كيف يسلمه لهم، ففرحوا وعاهدوه أن يعطوه فضة. فواعدهم وكان يطلب فرصة ليسلمه إليهم خلواً من جمع” (لو ٢٢: ٣– ٦). والقصة كما يرويها القديس متى الإنجيلي أكثر بشاعة، إذ يقول “حينئذ ذهب واحد من الإثنى عشر، الذى يدعى يهوذا الإسخريوطي إلى رؤساء الكهنة. وقال لهم: ماذا تريدون أن تعطوني، وأنا أسلمه لكم؟ فجعلوا له ثلاثين من الفضة. ومن ذلك الوقت كان يطلب فرصة ليسلمه” (مت٢٦: ١٤– ١٦).

ما أبشع هذه العبارة: ماذا تعطوني، وأنا أسلمه؟!..

ولقد باع سيده، في خيانته، بثمن زهيد.

بثلاثين من الفضة… وكأنه ثمن عبد … ! وربما يكون السبب في تقديم هذا الثمن الزهيد، أنه هو كان يسعى… هو الذى كان يريد أن يبيع ويطلب ثمناً… لو أن الملايين عرضت عليه، لقلنا: إغراء المال… ولم يكن هنا مال يغري… مجرد ثلاثين من الفضة… تدل على أن المسيح كان رخيصاً جداً في قلبه وفى فكره….

هنا ونذكر بالإعجاب القديسة مريم أخت لعازر التي سكبت على المسيح زجاجة طيب ناردين خالص، كثير الثمن، يبلغ ثمنها حوالى ثلاثمائة دينار (يو ١٢: ٣، ٥). ولم تبال بالمال في محبته… وهذا التلميذ يبيعه بثلاثين من الفضة! وأستمر على الخيانة يومين، ولم يبكته ضميره. لو حدث الأمر فجأة، لقلنا إنه لم تكن أمامه فرصة ليراجع نفسه… ولكنه استمر طوال يومي الأربعاء والخميس، دون أن يفكر في الرجوع عن خيانته، بل على العكس “كان يطلب فرصة ليسلمه” (لو ٢٢: ٦)… على الرغم من كل إنذارات المسيح له. بدافع الحب، حاول المسيح تنبيه قلب يهوذا.

 

لم يتركه الرب في هذه التجربة وحده، بل قدم له انذارات لكى ينبه قلبه حتى لا يسقط. ولعله من بين هذه التنبيهات:

بعد غسل الأرجل، قال الرب للتلاميذ: أنتم الآن طاهرون، ولكن ليس كلكم. لأنه عرف مسلمه (يو ١٣: ١٠، ١١) فكان يجب ليهوذا أن ينتبه إلى أنه فقد طهارته…

في أثناء عشاء الفصح قال له “إن ابن الإنسان ماضي كما هو مكتوب عنه. ولكن ويل لذلك الرجل الذى به يسلم ابن الإنسان. كان خيراً لذلك الرجل لو لم يولد” (مت ٢٦: ٢٤). إنذار مخيف، كان ينتظر أن يخيف يهوذا فيرجع عن خيانته.

ولكن يهوذا لم ينتبه، ولم يخف…

وضيَّق الرب الدائرة . فمن قوله “واحد منكم يسلمني” إلى قوله “الذي يغمس يده معي في الصحفة هو يسلمني” (مت ٢٦: ٢١، ٢٣). ولم يتحرك قلب يهوذا.

وقال الرب “هو ذاك الذى يغمس أنا اللقمة وأعطيه. وغمس اللقمة واعطاها ليهوذا” (يو ١٣: ٢٦). وهو عمل في غاية الحب، كان يمكن أن يرجع يهوذا عن غيه لو أراد، وهو يرى الرب بنفسه، يطعمه بيده، وضع اللقمة في فمه. ولكن يهوذا لم يستفد.

 

وأخيراً قال يهوذا “هل أنا يا سيدي؟ أجابه الرب “أنت قلت” (مت ٢٦: ٢٥). كان الأمر مكشوفاً. وكان على يهوذا أن يعمل لأبديته، إذ “خير لذلك الرجل لو لم يولد”.

ولكن يهوذا لم يتب. كان قد دخله الشيطان.

حقاً إنها مأساة، إذا أوصل نفسه إلى هذه النهاية: أن يسلم نفسه للشيطان. لقد قال الإنجيل إنه “بعد اللقمة  دخله الشيطان” (يو ١٣: ٢٧). كان قد صمم على تسليم المسيح، على الرغم من كل تلك التنبيهات والإنذارات

فقال له المسيح معاتباً “ما أنت تعمله، فأعمله بأكثر سرعة” (يو ١٣: ٢٧). وكانت فرصة أن يلقى نفسه عند قدمي المسيح ويقول “اغفر لي. لن أعمل شيئاً”..

ولكنه لم يقدم توبة… بل يقول الإنجيل “فذاك لما أخذ اللقمة، خرج للوقت. وكان ليلاً” (يو ١٣: ٣٠). خرج في الليل، لينفذ ما قد دبر في الظلام. وهو يعلم تماماً أن المسيح يعرف كل تدبيراته ، وقد أخبره… وبخروجه انفصل إلى الأبد عن الرب وتلاميذه.

لم يفصله الرب من جماعة تلاميذه، ولكنه فصل نفسه بنفسه. اختط لنفسه طريقاً غير طريق الكل، وانضم إلى أعداء المسيح، خائناً تتحدث عن خيانته الأجيال.

ما أبشع أن يكون الإنسان مستسلماً تماماً لتوجيه الخطية على طول الطريق، يقوده ذهن مرفوض، أو يقوده الشيطان.

 

على أن الشيطان لم يدخله فقط بعد أن أخذ اللقمة، بل كان له دخول فيه سابق لهذا، حينما ذهب ليتفق مع رؤساء الكهنة على تسليم المسيح. وفى ذلك يقول الإنجيل “فدخل الشيطان في يهوذا … فمضى وتكلم مع رؤساء الكهنة…” (لو ٢٢: ٣، ٤).

واحد من الإثنى عشر، يدخله الشيطان مرتين! هذه مأساة..

فليحترس كل إنسان إذن. لقد كان الشيطان يعمل عمله، حتى مع الإثنى عشر، يجول كأسد يزأر. ولقد قال الرب لهؤلاء الرسل القديسين “هوذا الشيطان طلبكم لكي يغربلكم كالحنطة” (لو ٢٢: ٣١).. نعم ، لقد غربلهم. وقد سقط منهم الطين الذى هو يهوذا، وبقيت الحنطة النقية غذاء للعالم كله، تغذى على إيمانهم وكرازتهم.

أما يهوذا فقدم له الرب لمسة محبة أخيرة.

قال له في عتاب وحنوا، فيما كان يسلمه “يا صاحب، لماذا جئت؟” “أبقبلة تسلم أبن الإنسان؟!”. أيليق بك كصاحب أن تسلمني؟ وتسلمني بقبلة؟! وكانت آخر عبارة سمعها من فم المسيح… وآخر عشرة معه، إلى الأبد. وتم القبض على المعلم الصالح. وحوكم وأدين، ودفعوه إلى الصلب.

 

وأخيراً صحا ضمير يهوذا بعد إدانة المسيح!!..

كأنه كان في غيبوبة واستيقظ… وظلت كل كلمات المسيح تدوي في أذنيه… وتذكر ذلك الجو القدسي الذي عاش فيه زماناً، في عشرة رب المجد… وتذكر عبارة “أبقبلة تسلم ابن الإنسان؟!” ولم يحتمل… يقول الكتاب “حينئذ لما رأى يهوذا الذى أسلمه أنه قد دين، ندم  ورد الثلاثين من الفضة إلى رؤساء الكهنة والشيوخ، قائلاً قد أخطأت إذ أسلمت دماً بريئاً…” (مت ٢٧: ٣، ٤).

ندم وقال أخطأت. ولكن بعد فوات الفرصة!

الخيانة قد تمت وانتهى الأمر، سواء ندم عليها أم لم يندم. وندمه لم يمنع من أن يرى نتائج خيانته أمامه، المسيح أمامه مصلوباً.. المسيح معلمه، ومرشده، وأبوه الروحي، وصديقه، وسيده… يهان أمامه، ويجلد، ويلطم، ويصلب… بسبب خيانته هو… كان الندم يعصره، ويحصره ولعله دوت في أذنيه عبارة قايين “ذنبي أعظم من أن يحتمل” (تك ٤: ١٣).

 

ولم يتركه الشيطان لندمه، فجاء يكمل عمله معه.

ربما يقوده الندم إلى التوبة، وتقوده التوبة إلى المغفرة… وربما يلحقه قول المسيح على الصليب “يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يدرون ماذا يفعلون”… مع أنه كان يدرى ما يفعل، وقد نبهه المسيح إلى خطورة عمله…  لذلك ألقاه الشيطان إلى اليأس. وانتهت مأساته بعبارة “مضى وخنق نفسه” (مت ٢٧: ٥). وتحقق قول المسيح “كان خيراً لذلك الإنسان لو لم يولد”. وهكذا كانت نهاية الخيانة… وخسر يهوذا كل شيء. خسر المسيح، وخسر الرسولية، وخسر الثلاثين من الفضة، وخسر رؤساء الكهنة الذين قالوا له “ماذا علينا. أنت أبصر” (مت ٢٧: ٤) خسر الأرض والسماء. خسر أبديته، وخسر سمعته. وأصبح وصمة في تاريخ البشرية كلها.. ما الذى استفاده من كل خيانته؟ لا شيء. أما المسيح لم يهرب من خيانة يهوذا، وكان يعرفها… بل استقبله في المكان الذى يعرفه (بستان جثسيماني). لم يغيره. وانتظر هناك حتى يأتي مسلمه. وتحمل خيانته في هدوء. وحولها إلى خلاص للبشر. وأخرج الرب من ذلك الشر خيراً… حتى خيانة يهوذا … وحتى خيانة الشعب الذى قال: أصلبه أصلبه. وعلى مر التاريخ، لم يعد يهوذا مجرد شخص، وإنما أصبح رمزاً لكل من يسير بأسلوبه. وأصبح اسمه عاراً من يوصف به…

السيد المسيح لم يعاقبه على الأرض بأية عقوبة. لكن تركه لنفسه. ويهوذا لم يستطع أن يحتمل نفسه. وجدها حقيرة في عينيه لا تستحق أن تعيش!..

 

ما أقسى أن يحتقر الإنسان نفسه… !

ربما يحتمل احتقار الآخرين له . ولكن من هو الذى يستطيع أن يحتمل احتقاره لنفسه؟! ولا يهوذا استطاع أن يحتمل هذا. فمضى وخنق نفسه. ومات في خطيته كقاتل نفس، وكفاقد للرجاء، وفاقد للإيمان بالحياة بعد الموت. أما المسيح فقد داس الموت. ولم تضره خيانة يهوذا بشيء، هذا الذى باعه بثلاثين من الفضة، تركها للكهنة الذين دفعوها له، زهيدة مثله…

كم كان أرخص المسيح، في نظر الذين باعوه!

على أن هناك من يبيع المسيح بأقل من هذا الثمن بكثير . والذين هتفوا قائلين “أصلبه أصلبه”، هؤلاء باعوه بلا ثمن ! لم يأخذوا أي مقابل نتيجة بيعهم له. والأمه اليهودية التي باعته للرومان ماذا أخذت في مقابله؟ لا شيء. بل تشتتت سنة ٧٠ م. على يد تيطس القائد الروماني، بعد صلبهم للمسيح بأقل من أربعين سنة. وخرب الهيكل وخربت أورشليم !! إن الذى يبيع عدوه، ربما يعتذر بأن هذا العدو أساء إليه.

أما الذى يبيع صديقه أو معلمه، فما عذره؟ إنها خيانة. هنا ويسأل البعض عن الفرق بين بطرس ويهوذا..

بطرس الرسول أنكر المسيح عن ضعف وعن خوف، ولكن قلبه من الداخل كان يحبه (يو ٢١: ١٧).

 

أما يهوذا فلم يكن في قلبه مثل هذا الحب، ولم يكن في الخارج أي خطر يهدده بالخوف كبطرس. بل أنه هو الذى سعى بنفسه إلى تسليم معلمة قائلاً في خيانته “ماذا تعطونى، وأنا أسلمه لكم” (مت ٢٦: ١٥)..

واليهود أيضاً خانوا المسيح، وطلبوا بدله باراباس.

مع أن المسيح كان يجول بينهم يصنع خيراً.. وعلى الرغم من ذلك صلى من أجلهم على الصليب قائلاً “يا أبتاه اغفر لهم”… كانوا منقادين لشر رؤسائهم “لا يدرون ماذا يفعلون”. فغفر لمن آمن منهم وتاب..

ما أعجب قلب المسيح! كان يحب بلا مقابل.

ونحن ننظر إلى السيد المسيح في كل حبه واحتماله، ونغنى له أنشودتنا المعروفة “لك القوة والمجد والبركة والعزة إلى الأبد آمين…”. نحن لا نبيعك مطلقاً، وإن وضعت كل كنوز الدنيا تحت أقدامنا. بل سنذكر على الدوام أنك اشتريتنا  بدمك الكريم. إن الذين يبيعونك بأى عرض من أعراض الدنيا، إنما يفقدون صورتهم الإلهية، وينزلون إلى مستوى يهوذا المسكين، الذى لما انفتحت عيناه، لم يستطيع أن ينظر إلى صورته…

 

العظة الثانية لآباء وخدام معاصرون – ليلة خميس العهد

ليلة الخميسلقداسة البابا تواضروس[22]

يوم الأربعاء يمكن أن نسميه “يوم الطيب” كما في طيب المرأة ساكبة الطيب.. إنه الحب.

وأرق تعبير عن هذا الحب هو “الطيب”.

إن الذين سكبوا الطيب خلال حياة السيد المسيح بالجسد هم: ٣ نسوة (أثناء الحياة) + ٢ رجال (بعد موته).

بعض النسوة (صباح القيامة).

في هذا اليوم تضع الكنيسة أمامنا: طيب المرأة المسكوب أمام صندوق يهوذا المسروق… والاختيار لك!

ساكبات الطيب:

المرأة الخاطئة (لو٧: ٣٦- ٥٠):

في بيت أحد الفريسين حيث دعا المسيح للتعارف، والفريسين هم القطاع المتطرف من اليهود. والمرأة الخاطئة (زانية محترفة)، وقد جعلت أدوات الخطية أدوات خادمة للعبادة والتطهير. وهكذا تحولت من خاطئة جداً.

المرأة ساكبة الطيب (مت ٢٦: ٦)؛ (مر١٤: ٣):

قدمت الطيب قبل الفصح الأخير بيومين فقط، وقد قال عنها: “إنها فعلت ذلك لأجل تكفيني…” (مت ٢٦: ١٢)، وهى الوحيدة التي سكبت الطيب على رأسه وليس قدميه. ومدحها السيد وطوبها… تذكار محبة. وفى المرتين كان موجوداً يهوذا.

مريم أخت لعازر (يو١٢: ٣):

هي من بيت مملوء قداسة بحلول المسيح فيه. قدمت طيب ناردين خالص الثمن، ودهنت قدمي يسوع ومسحت قدميه بشعرها. وقال عنها يسوع إنها اختارت النصيب الصالح. وهذا العمل يشابه عمل المسيح ذاته، فهو تدريب هام لنا، فيجب أن تكون أفعالنا مماثلة لما فعله المسيح لنا. لو قمنا بمقارنة بين السيد المسيح له المجد ومريم نجد أن:

مريم قدمت مناً (٥٠٠ جرام) من طيب ناردين، أما هو فقدم ذاته في حب خالص.

مريم دهنت بالطيب قدمي يسوع، وهو غسل أرجل التلاميذ.

مريم مسحتهما بشعر رأسها، وهو أخلى ذاته في صورة عبد.

مريم قدمت في صمت ، والرب قدم حب سري صامت.

امتلأ المكان بالرائحة، وخلاص المسيح للعالم كله.

 

ما هو الطيب الذى أقدمه؟

على مستوى نفسك:

قدم “التوبة” فهي طيب مسكوب يقتني به الإنسان عمراً نقياً… ليس المهم طول السنين، بل المهم نقاوة سنين العمر.. فتوبتك تؤكدها وتغذيها بممارسة سر التوبة والاعتراف والتناول.

على مستوى علاقتك بالله:

قدم “الصلاة” فالصلاة تسكبها النفس حباً ووفاء للمسيح في تسابيح ومزامير وألحان وترانيم. إن الصلاة ليست واجباً أو فرضاً ولكنها حباً تسكبه النفس المحبوبة أمام عريسها.

على مستوى علاقتك الاجتماعية:

قدم “خدمة ” فهي كل ما يقدمه الإنسان بفرح خاصة لإخوة المسيح، فهي ترجمة حية لمحبتنا للمسيح. كما أنها ليست عملاً اجتماعياً، ولكنها عملاً روحياً خالصاً يقدم الحب في صورة عملية.

والخدمة الحقيقية تستند على عكازين :

توبة الخادم القلبية.

صلاة الخادم الحقيقية.

وبهذا تصير حياة الإنسان طيباً مسكوباً.

 

 

العظة الثالثة لآباء وخدام معاصرون – ليلة خميس العهد

كيــف ننجــو .. يهــــوذا  – للمتنيح الأنبا كيرلس مطران ميلانو[23]

كيف ننجو من هذا الإتلاف؟!

يا يهوذا الإسخريوطي.. عندما رأيت المرأة وهي تسكب الطيب على رأس السيد المسيح.. هل تتذكر ماذا قلت؟! هل تتذكر ماذا زرعت؟!..

أنت قلت مع التلاميذ لماذا هذا الإتلاف؟!.. أنت زرعت في نفوس كثير من الناس أن يرددوا هذه العبارة للآخرين دون أن تستفيد أنفسهم منها؟!..

لماذا هذا الإتلاف؟! عبارة مفيدة.. وبناءة.. وصالحة جداً.. إذا قيلت في مكانها ..

يهوذا.. أنت أخذت ثلاثين من الفضة.. وسلمت سيدك البار لأيدي أثمة.. ولم تقل لنفسك “لماذا هذا الإتلاف”؟!..

لماذا خنت معلمك الصالح؟! ولماذا لم تنظر إلى الخيانة أنها أكبر إتلاف؟!..

عجيب أنك تعرف جيداً ما هو واجب غيرك.. وعن واجبك الأهم أنت لا تهتم؟!..

حقاً قال أحد الآباء.. كيف تبكي وتحزن على إنسان مات بعيداً عنك.. بينما لا تتألم وتبكي على ميت في بيتك؟!..

كيف تحزن على خطية أتلفت نفس بعيدة عنك.. بينما الخطايا التي ترتكبها هي تتلفك وتقضي عليك.. وقلبك لا يحزن عليها؟!.. ما يتلفه الآخرون هو ملفت جدأ لنظرك ويتعبك.. وما تتلفه أنت بيديك.. أنت تراه حسناً جداً؟!..

 

أين ذهبت عبارة “لماذا هذا الإتلاف”؟! عندما شنقت نفسك يا يهوذا؟!..

مبدأك “لماذا هذا الإتلاف”؟!.. وأنت شنقت نفسك بيديك، أليس هذا إتلافاً فيما لا تملكه أنت؟!..

كيف تشنق نفسك وهي ليست ملكاً لك؟!..

أنت قلت “لماذا هذا الإتلاف”؟!.. لكنك لم تعرف لمن يجب أن تقال هذه العبارة؟!.. ومن الذي يقولها؟!..

أنت شنقت نفسك.. وانتهت أيامك.. ولكن لك براعم حية وأبناء يرددون هذه العبارة.. يستخدمونها لا لأنفسهم إنما لغيرهم؟!..

“لماذا هذا الإتلاف؟!” عبارة تبني وتهدم.. هي تبني إذا قالها إنسان لنفسه.. قالها بعتاب صادق عن تصرفاته الخاصة ..

النفس التي تصاحبها هذ العبارة كل أيام حياتها من أجل بنائها.. بسببها تزداد في كل عمل صالح .

“لماذا هذا الإتلاف؟!” هي من واجب كل مسئول تجاه العاملين معه في مجال عمله من أجل بناء مجتمع صادق، وأمين.. هي من واجبات رب الأسرة لكي يزرعها في قلوب أبنائه وبها ينقذهم من كل إتلاف ..

” لماذا هذا الإتلاف؟!” إذا قيلت كإدانة.. وتصيداً للأخطاء.. تجعلك تهدم نفسك بيديك.. وبمقياس الإتلاف الذي تراه في غيرك.. به يقاس لك إتلافك ..

لا تقضي زمانك.. وأنت تعمل بهذه العبارة للآخرين.. احترس لئلا تتفوق في اصطياد الأخطاء ..

 

لماذا الإتلاف؟!.. عبارة هي مثل طعم في صنارة.. خذ هذه الصنارة.. وألقها على نفسك.. بها تربح نفسك.. وتنقذها من طوفان الإدانة.. ومن هلاك النميمة.. ومن الأمواج الحاملة للاغتياب ..

جيد للإنسان أن يجلس بالقرب من عبارة “لماذا هذا الإتلاف؟!” ويراقب نفسه.. لئلا يكون جالساً بالصنارة يصطاد.. وهو لا يدري أنه بجملته مطروح داخل الشبكة مصطاداً ..

إن كان الشعار المحبب لديك هو “لماذا هذا الإتلاف؟!” وتريد أن تطبقه على الآخرين.. أبدأ به أنت من داخل أعماقك.. من أجل أعماقك.. فعملك هذا يقدم درساً عملياً مفيداً لكل من يراك.. وعوض عبارة “لماذا هذا الإتلاف؟!” الكل يتعلم كيف ينجو من الإتلاف؟!..

لكي ينجو الإنسان من الإتلاف.. عليه أن يقترب بالحقيقة من الله صانع الخيرات.. وعليه أن يجلس ويحسب النفقة جيداً قبل الشروع في أي عمل ..

محبة الخير للغير تنجي الكل من الإتلاف.

 

العظة الرابعة لآباء وخدام معاصرون – ليلة خميس العهد

يهــــوذا  – للمتنيح الانبا كاراس الاسقف العام[24]

لتصر داره خراباً ولا يكون فيها ساكن، وليأخذ وظيفته آخر… (أع١: ٢٠)، (مز ٦٩: ٢٥)

لا تعطوا إبليس مكاناً (أف ٤: ٢٧)

يقول الكتاب: “وكان مسـلمه قد أعطاهم علامة قائلًا الذي اقبله هو هو.. أمسكوه وأمضـوا به بحرص” (مر١٤: ٤٤) .

آه يا يهوذا.. لماذا يا صـاحب يمضـوا به بحرص؟.

فهل تريد أن تقول لهم – حسب معرفتك للسيد المسيح – إن الصفقة قيمة جدًا فلا تهاون .

أم ماذا تقصد بوصيتك هذه؟.

ليطمئن قلبك ولتهدأ نفسـك يا يهوذا إنه لن يهرب أبدًا لأنه من أجل ذلك قد أتى وسمح بما حدث .

إنه جاء من أجل تلك الساعة، فكيف يهرب الآن منها؟.

أيهرب من الخلاص وفداء الإنسـان الذي أحبه وقدم نفسه لأجل أن يموت عنه؟! (يو١٠: ۱۸).

أو يهرب من طاعة أبيه، وكيف يهرب أيضا بينما هو معه في الجوهر مســــــــاوياً، ولمشيئته قد جاء منفذًا؟!.

ثم قل لي يا يهوذا…

 

كيف وصـلت أنت إلى هذا الحد وذلك المستوى الدنيء وأبغضت سيدك وأسلمته للأعداء؟

ومتى كان سيدك يستحق منك كل هذا؟!..

لقد كان بالنسبة لك كل شيء بدليل إنك تركت كل ما تملك وتبعته.. فماذا أصابك؟..

لم أجد سببًا واحدًا يجعلك تفعل ذلك وتبيع مخلصك، فهو الرب وأنت رسول… فماذا حدث؟!..

هو لم يخطئ.. وأنت لست في حاجة إلى المال فما الداعي؟.. فلم يفعل شـرًا ولم يعوزك شيئًا، ولم يوجد في فمه غش.. فكيف خنته؟!..

كيف وصـلت الخطية إلى قلبك ومن أي جهة؟!..

وما هي أخطاء السيد المسيح أو خطاياه لكي يستحق منك هذه العقوبة وهذا العمل وتلك الخيانة؟!!..

فهل بعد معجزة شفاء مريض بيت حسـدا وله ۳۸ سنة (يو٥: ٢- ١٦)..

 

أو معجزة منح البصـر للمولود أعمى (يو٩: ١– ٣٨) ..

أو الخمس خبزات وسمكتين وإشباع الخمسة آلاف ما عدا النساء والأولاد (يو ٦: ٥– ١٣)..

أو إقامة لعازر بعد أربعة أيام (يو١١: ١– ٤٤)..

وأشياء أخر كثيرة صنعها يسـوع، إن كتبت واحدة فواحدة فلستُ أظن أن العالم نفسه يسع الكتب المكتوبة (يو٢١: ٢٥)..

صـف لي كيف دخل الشيطان إلى قلبك؟.. ومنذ متى؟.. بينما المعجزات هذا عددها والخير لا يحصى من الكثرة .

فلم توجد علة واحدة على المخلص أو حتى عثرة أو شبه شر، لكي يتقسى قلبك ويدفعك بحجة إلى هذا العمل الحقير؟!..

حياة وأعمال وبر وقداسة السيد المسيح تقول إنك كنت تحيا معه في سـلام. فما الداعي لهذه الصفقة الخاسرة؟!..

لقد كنت مع المخلص كل الأيام.. ألم تسمع أو تقرأ أي شيء عن مسلمه لكي تتنحى عن القيام بهذه المهمة وهذا الجرم الخطير؟ !..

إن صـوت النبوات قادم من الدهور البعيدة والأزمنة النائية – وسفر المزامير يصرخ في وجه البشرية ينذر الجميع ويحذر الكل من تبني هذا الدور والقيام بهذا العمل. “لتصـر داره خرابا ولا يكن فيها ساكن وليأخذ وظيفته آخر..” (مز ٦٩: ٢٥).

 

لقد كنت قريبا جداً من السيد المسيح ومن الخاصـة المميزة. فكيف لم تفطن لذلك وتعرف المكتوب وعن من تحدث أبوك داود في هذا الأمر لكي ترتعـد وترتعب وتبتعد؟!..

هل كان لك عملًا آخر، بينما أنت مع الرسـل الأطهار، بل ومنهم، سوى معرفة أسرار ملكوت الله؟!..

يهيأ لي أنك لم تجد وقتاً تصرفه في القراءة ولا المعرفة أو سماع صوت معلمك؛ فأنت سارق ولص. فمتى تقرأ وكيف تفهم ؟!

لقد اعتمدت في حياتك على الطعام البائد وتركت الباقي الذي للحياة الأبدية. والذي كان أقرب لك وأسـهل، فكان لابد للبائد أن ينتهى عند حبل الإعدام!!..

وقد أثبت أنك كنت مع المخلص بالجسـد فقط، أما القلـب كـان عنـد كنزك قابعاً. فلم ينفعك ذلك، ولا وجودك معه، لأن الله لا يريد الجسد وحده بل والقلب أيضا!!..

وإن كنت لم تفهم النبوات وقصد الوحي..

فكم من مرة أراد مخلصـك أن يخلصك من شرك ولم ترد، ولم تعره أيضا آذان أو أي اهتمام؟!! (مت٢٦، مر١٤، لو١٢، ويو١٣)..

آه يا صاحب لقد أخذت حقك كاملاً من التبشير ولا لوم على المخلص إطلاقا في كرازتك .

عموما إن اللوم على المخلص لم يتطرق إليه أحد؛ لأن التقصير جاء منك والهلاك بيدك قد أتى. في أشـد وقتك عـداءاً للمخلص كـان يناديك دائمًا يا صاحب..

فلماذا لم يلن قلبك ويستجيب عقلك لنداء الرقة واللطف من إله اتخذته عدوًا لك بلا سبب وناصبته العداء بلا جريرة؟!..

قال الرب يسـوع: “إن ابن الإنسان ماض كما هو مكتوب عنه، ولكن ويل لذلك الرجل الذي به يسلم ابن الإنسان، كان خيرًا لذلك الرجل لو لم يولد..” (مت ٢٦: ٢٤)..

 

نعم كان لابد من يهوذا ليتم الفداء والخلاص والمكتوب، ولكن ليس بالضـرورة أن تكون أنت، فلماذا أنت يا صاحب؟!..

وهل وضع على عاتقك القيام بهذه المهمة؟ وممن قد أخذت التكليف؟ واهـب الحياة أسـلمته للموت، فماذا بعد يا خائن؟

لن يوجد أبدًا وإلى مدى الدهور وآخر الأزمان من يسامحك أو يعفيك عما فعلته بمخلصك…! ومن يمكنه ذلك بينما الإدانة والجريمة كاملة، والأدلة متوفرة، والمسـيح صـلـب ومـات وقام ونحن خلصنا؟!!

إن كثيرين اجتهدوا وقالوا إنك ليس بسبب محبة المـال قـد بعـت المخلص، وبرروا هذا الاجتهاد بقولهم: كيف لعاقل أن يصـدق إن يهوذا كان في حاجة إلى الثلاثين من الفضة بينما عنده الصندوق كل الأيام؟ وبالطبع عنـدمـا يباع المخلص سـوف يتوقف الدخل، وهل الثلاثون من الفضـة أكثر من دخل كل الأيام، ووجود المخلص مصدر الدخل الدائم؟!.. ولكن لم أجد علة أخرى واضحة سوى محبة المال حسب قول الكتاب ..

عموما إن محبة المال أصـل لكل الشـرور كما هو مكتوب (١تي٦: ١٠) وجاء شـرك من خلال محبتك للمال، حتى وإن كنت أنت في غير حاجة له….! وإن المكتوب عنك في الإنجيل من ناحية محبة المال وسرقة الصندوق واضح وصريح.. فكيف لنا بعد ذلك أن نفترض غيره أو نقر سواه؟؟..

وإن كان أيضًا من أجل المال فأنت غير عاقل يا يهوذا.. لأنه ماذا يفيدك لو كنت تملك كل شيء ولا تملك الله؟!..

 

لقـد كـان معـك كـل الغنى وقـد مـت فقيراً.. لأنك لم تكن أنت معه كما قال الكتاب أيضًـا “لا يمكن لأحد أن يخدم سـيدين” (مت٦: ۲۳) اخترت أنت الأدنى وتركت أنت السيد!!..

إن المرأة الفقيرة ذات الفلسين تدينك يا يهوذا لأنها من إعوازها قد أعطت، أعطت كل ما عندها بينما أنت لم تترك شيئًا بل أخذت الكل وبعت المخلص .

أظن لو أن هذه السيدة الفقيرة قد نما إلى علمها إنك قد عقدت النية على بيع المخلص لليهود لعنفتك كثيرًا لكي تتراجع، أو كانت هي التي اشترت المخلص دون تردد، وإن كان من أين لها هذا الثمن وهي الفقيرة والمعدمة لباعت نفسها كعبدة واشترت هذه اللؤلؤة الثمينة والحجر الكريم الكثير الثمن جدًا؛ لكي تحيا حرة كل الزمان والى الأبد والـدهر الآتي، لأنهـا اختارت النصيب الصالح الذي لن ينزع منها (مر١٢: ٤٣).

بصـدق يا يهوذا لا أعلم ماذا أفعل لك بينما الجرم هذا مقداره والخطأ فاق كل حد؟!..

لكن تُرى لماذا أخفيت عن مخلصـك هذا السر اللعين، ألا تعرف أن “من يكتم خطاياه لا ينجح، ومن يقر بها ويتركها يرحم” (أم ٢٨: ١٣) ولماذا رفضت أن تكون تلميذًا مخلصًا؟!..

بثلاثين من الفضـة بعت الملكوت والحياة الأبدية لأن السيد المسيح هو كلاهما!!..

لقد أسلمت نفسك في يد الشيطان فأسلمك لليأس بل للموت أيضـاً، وهو لم يكن جانيًا لأن هذا هو عمله بل وعمله الوحيد، وليس له سواه!!! لقد وضع أمامك جرم ما فعلت وأيضا عدل الله المخيف ومحا من أمامك بل ومن قلبك مراحم الله ومحبته للبشر ليهلكك وهكذا فعل بل ونجح .

 

آه يا صاحب، بصـدق لو أنك آمنت فقط بأن الله يقدر أن يخلصك – يبررك – لحُسب لك هذا برًا، ولكن إبليس قد صور لك أنك قد هزمت مراحم الله وانتصرت فانهزمت أنت ومت!!..

في دقائق معدودة.. أغلق الشيطان أمامك كل أبواب الرجاء وفتح فقط باب الجحيم على مصراعيه، وزج بك سريعاً فدخلت بلا تردد، وأتت نهايتك بسرعة عجيبة وغير متوقعة لأنك جئت بفعل غريب غير وارد..!!! ربما كنت تظن أنك سـوف تحرم السـيد المسيح من الحياة فحرمت نفسـك منه ومن الملكوت لأنه هو كل شيء.. أليس هو الله؟؟!!..

إن كثيرين يسألون عنك يا يهوذا..

انظر ماذا قال المولود أعمى من بطن أمه، والذي فتح السيد المسيح عينيه، يقول من هو هذا المجرم الحقير الذي أسلمك للموت يا سيدي ومخلصي؟..

آه يا يهـــــــوذا…

ويصرخ: نأسف جداً يا ربى يسوع عما حدث من خليقتك الغبية، وعما فرط من هذا التلميذ الخائن..

فنحن لا نستحق حلولك جسديًا بيننا، فيكفي أن تكون في قلوبنا ساكنًا، لأن وجودك جسـدياً يجعلك تُصلب كل يوم وتموت .

لأن يهوذا قد ترك وراءه نسلًا لا يحصى من الكثرة يبحثون عنك كل حين في جسيماني ليبيعوك، وكل من يقابلوه يقبلونه، وبذلك قد أسلموا كل من يشبهك للموت.. والآن أولادك الذين هم على شبهك ومثالك في خطر دائم، بل ويموتون كل يوم كل النهار!..

 

رأيت يا صـاحب الحية عندما أدخلت الشـهوة إلى قلب التلميذ… جعلتـه عـدوًا يعيش بين قديسين ويتربص كل حين لكي يبيع مخلصه.. قد أنفصل عن الحب والخلاص والرب والمخلص .

فتسربت إليه الحية بمحبة المال وشهوة القنية. فرأى أن السيد المسيح لا يستحق أكثر من الثلاثين من الفضة.. وهو لا يستوجب إلا الشنق..

قد أعمت الخطية عينه فرأى أن المخلص لا يستحق الحياة…؟

ملأ الظلام قلبه فرأى أن رؤساء الكهنة على حق والسيد المسيح هو المخطئ !

الخطية جعلته يتفق مع اليهود على أن السيد المسيح مضـل الشعب وناقض للناموس وكاسر للسبت ولابد من نهاية سريعة له .

ورأى أيضـا أنه لابد من وضـع حد لتدهور حال الكهنة ونقص الدخل وزوال عظمتهم وضياع هيبة الرؤساء والشيوخ وطوائفهم، وهل كثر أن يموت واحد عن كل هؤلاء .

وأخيرا وبعد كل هذا جاء مسـرعًا دون حياء والظلام باق، يقبل المخلص ولكن بشفتين من نحاس، وفم نجس وقلب حجري، فلم تخرج القوة كالعادة من المخلص لتشـفيه، لأنه بنية مريضة قد جاء وبفكر شرير قد أقترب.. قد أقترب لا للشـفـاء بـل للموت.. لا للفداء بل لهلاك نفسـه، وقد كان له ما أراده وأكثر!!..

أنت لا تستحق التطويب أبدًا يا يهوذا، ومن قال ذلك، فأنت لم تخلصنا بل أسـلمت مخلصنا!!!.. وأيضاً قد انتحرت شنقاً، فكيف تقبلك الكنيسة كرسول وهي تحرم الانتحار!!! من كثرة شـرورك يا يهوذا حينما أردت أن تتوب أو تندم فانتحرت!!! وهذه الطريقة تتناسب جدًا مع حياة خائن بين أطهار وشرير وسط قديسين .

 

وها قد جاءت نهايتك توافق سير حياتك وسلوكك المشين وما اقترفته في حق سيدك ومخلصك .

وهكذا دائمًا تجعل الحية كل قرارات عبيدها غير صائبة بل وباطلة. فقد باع سيده وخنق نفسـه بقانون غريب ومنطق عجيب، وهكذا تفعل الخطية وتزيد!!..

كلمة أخيرة أقولها لك يا صـاحب لئلا تقول لماذا هذه القسوة :ألا يوجد بينكم من هو مثلي وأكثر..

فعلاً لا أخفي عليك سـرًا يا يهوذا أينما كنت أنت الآن تتعذب.. فإننا نحن أيضًـا مثلك قد بعنا المخلص وربما بأقل من الثلاثين من الفضة وأبخث.. لكننا أدركنا ســريعًا أننا قد أخطأنا وبعنا الحياة الأبدية والطعام الباقي ولا حياة لنا بدونه. ندمنا بمرارة واعترفنا بصـدق وقدمنا توبة.. توبة حقيقية وبدموع، فعاد السيد المسيح وسكن في قلوبنا مرة أخرى، ونحن الآن هياكل مقدسة له.. وهذه هي التوبة وخطواتها المتبعة التي رسمتها لنا الكنيسة على فم رب الكنيسة ورسله الأطهار. هذه الطريقة لم تدركها أنت، وهذا هو الفرق أيضا بيننا وبينك!!

نحن خطاة على الطريق، وأنت شـــرير خرجت عنه..

وأنا آسف..

وكانت توجد أنفس كثيرة مطروحة بعضها فوق بعض وهم يصيحون ويبكون ويقولون:

ارحمنا يا الله .. ولم يكن هناك من يرحمهم.. وإني سألت الملاك وقلت له: من هؤلاء؟ فقال لي:

هؤلاء هم الذين لم يكن لهم رجاء في الله بأن يعينهم.. فلما سمعت من الملاك بكيت وتنهدت على ما يصيب الناس الأشرار. فقال لي الملاك: لأي شـيء تبكي؟.. وهل لك من الحكمة أكثر أن الله؟..

أعلم أن الله صالح، ولما علم شـدة العذاب وعظيم الدينونة أطال روحه على الناس في العالم حتى يعمل كل واحد حسب مرضاة خالقه .

 

 

العظة الخامسة لآباء وخدام معاصرون – ليلة خميس العهد

ليلة الخميس الكبيرللمتنيح القمص بيشوي كامل[25]

بسم الآب والأبن والروح القدس الإله الواحد. آمين.

يوم الأربعاء من البصخة المقدسة اليوم اللي خصصه ربنا يسوع لكى يمكث مع تلاميذه في بيت عنيا.

يوم الثلاثاء كان هو اليوم الأخير اللي مضاه مع الشعب في الهيكل زي ما شفنا امبارح إن هو كان يوم صعب. أتكلم فيه ربنا عن مجيئه، وعن إن يوم الرب ده يوم مخيف للنفوس اللي رفضته، وفى نفس الوقت يوم فرح وسعادة للنفوس اللي منتظراه. ولكنه جعل اليوم الأخير خصيصاً لتلاميذه عاوز يقعد معاهم قعدة وداعية أخيرة، فأمضى اليوم كله في بيت عنيا قبل ما يأكل معهم العشاء الرباني، في الغد يوم الخميس.

وأكثر الحوادث اللي ركزت عليها الأناجيل في الصباح وفى المساء: المرأة اللي سكبت الطيب على رأس ربنا يسوع المسيح. وإن كان اتقرى علينا ٣ أناجيل لثلاثة سكبوا الطيب في بيت عنيا، مريم أخت لعازر سكبته على قدميه قبل الفصح بسته أيام، يعني يوم السبت بالليل صنعوا عشاء وسكبت الطيب، على قدمي المخلص.

أما معلمنا متى في الاصحاح ٢٦ ومعلمنا لوقا معلمنا مرقس في الاصحاح ١٤ فيذكر لينا عن امرأة سكبت الطيب قبل الفصح بيومين، اللي هو النهاردة.

لأن فصحنا هو المسيح الذى ذبح لأجلنا، كقول بولس الرسول في يوم الجمعة، فسجلوا لينا الحادثة دي بمنتهى الإختصار والتركيز.

كطبيعة الطيب، طيب غالى الثمن مركز جداً متقدرش توصفه كثير أكثر من أن أنت تقدر تشتهى تشم رائحته، يعني سريع الإنتشار جداً ، لأنه بيتحول لجزيئات ضعيفة حالص بتطير في الهواء تعبئ البيت كله.

سكبته المرأة في إنجيل معلمنا متى وانجيل معلمنا مرقس على رأس ربنا يسوع المسيح. واراد الإنجيلين معاً أن يسجلوا لنا أيضاً أن وقت سكب الطيب بالذات كان هو نفس الوقت اللي يهوذا راح يسلم فيه المسيح بثلاثين من الفضة. وكما أن للطيب رائحة كبيرة فظيعة جداً وتعبئ البيت وتريح النفس.

 

كذلك أيضاً للخيانة رائحة قذرة جداً وتتعب النفس وتعكرها. ولكن نشكر الله جداً لأن أحنا استنارت أعيننا بالنعمة إن الكنيسة بتعلمنا النهاردة إن الست دية سكبت الطيب في وقت الخيانة بتاعة يهوذا، أو أن كان نفسنا المسيح يقول لنا حاجة عنها قال كلام مختصر: لماذا تتعبون المرأة حسناً صنعت بي إنما فعلت هذا لأجل تكفيني. بتكفيني لأن أنا دلوقتي باسكب ذاتي، والتعبير الأنجيلي دقيق جداً، يقول كإن المرأة سكبت الطيب .. سكبته هو نفس التعبير بالضبط اللي سجله أيضاً الكتاب المقدس بكلمة سكب ذاته حتى الموت، بيقول إشعياء النبي سكب نفسه شوف إزاي هي سكبت الطيب كده والمسيح كمان بيسكب نفسه.

إحنا طبعاً معندناش تفاصيل زي المرأة بتاعة إنجيل معلمنا لوقا اللي سكبت الطيب عند رجلين المسيح. المرأة الخاطئة ده موضوع ثانى لأن دي كانت في كفر ناحوم، وفى وقت بعيد عن الآلام ملوش علاقة بالآلام خالص. ولا بتكفين الرب. لكن المرأة دي المسيح طلع لنا شوية أسرار من قلبها، هذه المرأة التي أحبت كثيراً فغفرت لها خطاياها الكثيرة ، وضرب المثل بتاع اللي كان لدائن مدينان على الواحد خمسمائة دينار ، وعلى الآخر خمسين فسامحهما فمن منهما يكون أكثر حباً. قال له اللي سامح بالأكثر، قال له المرأة دي خلاص أنا سامحتها بالكثير لأنها أحبت كثيراً ، فكشف عنها إنها كانت مديونة لي بكثير خالص وكشف حبها اللي كان في القلب.

إنما إللي سكبت الطيب الليلة المسيح خصها بكلمات بسيطة لكن مركزة جداً قال فعلت هذا.. صنعت هذا لأجل تكفيني، لا تتعبون المرأة ما تدخلوش في حياتها. ده موضوع خاص بينى وبينها. لماذا تتعبون المرأة؟ هما بسرعة طلعوا الورقة والقلم، وحسبوا ثمن الطيب والخسارة كذا وكان ممكن يتباع بأكثر من ٣٠٠ دينار معرفش الدينار سعره زى الفضة. عشرة صاغ يعني هي ٣ جنيه وثلث. فمتتعبوهاش، عملت هذا لتكفيني، ده كلام محدش يفهمه أبداً غير المسيح وهي: أنا باستعجب هل المرأة دي كانت فاهمة انها بتكفن المسيح؟ أم إن مشاعرها الملتهبة في محبة ربنا..

مشاعر الحب للمسيح توصل الإنسان أنه يدرك حاجات أكثر من أن العقل يقدر يدركها يعني محدش من التلاميذ يقدر يدرك إن فيه تكفين للمسيح كمان يومين. حتى لو المرأة مش عارفه لكن كانت بتعمل عمل بالحب الإلهي المنسكب في قلبها. بحيث إن هذا العمل أعلى من القدرة العقلية. لأن المسيح قال كلهم هيهربوا من عنده ومحدش هيجي يكفنه أبداً، إنما المسيح قال كمان كلمة مهمة يا أخواتي تحفظوها في قلبكم حيثما يكرز بالأنجيل في العالم يذكر ما فعلته هذه المرأة تذكاراً لها.

علشان كده احنا غصب عننا النهاردة لازم نتكلم عن المرأة دي. لو متكلمناش عنها وهى ذكرت نبقى بنخالف وصية المسيح. لأن العمل اللى عملته ده أصبح إنجيل في حد ذاته، لابد أن يقرأ ازاي التعامل مع المسيح: نقط كثيرة طبعاً لأنى زي ما قلت لك أن الطيب ده موضوع كبير مشحون بالمشاعر والألفاظ  متقدرش تجيبه.. منقدرش .. لا أنا أقدر أقول لك ولا غيرى يقول لك كل المشاعر اللى في قلبها لكن على كلحال أنت وأنا وأى واحد يخلص للمسيح  يفتح قلبه  ليه ، ويحب الحب ده .. هيوصل إلى ما لا نهاية.

 

هو المسيح قال في الليلة الأخيرة إيه؟ هو بيكسر ذاته على العشاء الرباني إذ كان قد أحب خاصته الذين في العالم، أحبهم إلى المنتهى.. فالحب بتاع المسيح إلى مالا نهاية .. يبقى الحب غير المحدود خاص بالله، مكنش فيه حاجة ممكن تعبر عنه غير المرأة دي. والخيانة رخيصة، الخيانة رغم إن هي فظيعة ومتعبة للنفس.. لكن رخيصة. حيثما يكرز بالأنجيل يذكر ما فعلته هذه المرأة تذكاراً لها.

أولاً هي إللي حبت المسيح الأول، ولا هو اللي حبها الأول؟

إحنا كلنا عايزين تفاصيل أكثر يا يسوع؟. قال إرجعوا للعهد القديم وأقرأوا في نشيد الأنشاد في الإصحاح الأول “ليقبلنى بقبلات فمه.. لرائحة أدهانك الطيبة أسمك دهن مهراق”.

الحكاية أحنا مش واخدين بالنا، هي سكبت الطيب ولا المسيح نفسه هو زجاجة طيب مكبوبة؟! ما هو إشعياء قال إن هو سكب نفسه على الصليب، وهو بنفسه قال لما هطلع على الصليب هجذب اليّ الجميع. إذا في حاجة هتطلع منه تجذب الناس للإيمان به.

لأن في الواقع الإيمان بالمسيح  ليس قدرة عقلية، ولا مجرد مناقشة ولا جدل، لكن ده عمل الروح القدس الذى يتشابه مع عمل الطيب. له جاذبية كده، محدش يقدر يجي اليّ إن لم أجذبه أنا. أنا إن ارتفعت إلى فوق أجذب اليّ الجميع، فأرجوا إن إحنا نضع في ذهاننا إن زجاجة الطيب المسكوبة في الواقع هي المسيح نفسه من أجلى ومن أجلك. صدقني هو اللي أتسكب مش الزجاجة اللي اتسكبت، لرائحة أسمك دهن مهراق، لذلك أحبتك العذارى. العذارى هي النفوس المخلصة ليك، هو مش بيتكلم عن حب الواحدة ولا حاجة زي ما بيدعي البعض، “احبتك العذارى” وبتقول له اجذبني وراءك فنجري.. يعني أنا لما أشم الرائحة ألم الكنيسة كلها ونجرى وراءك..

 

فالمسيح هو زجاجة الطيب المسكوب، فأنا بقول إيه؟ مين حب الأول علشان الحتة دي شغلت انتباه الواحد، هي المرأة دي حبت المسيح؟ لا .. أبداً تعرف المرأة الخاطئة؟ أكيد أكيد المرأة دي كانت كل واحد يحتقرها وينظر لها نظرات وحشة، حتى اللي كانوا بيقضوا معاها اوقاتها كانوا لمنفعتهم الشخصية، أكيد المرأة دية كانت بتكره كل الناس، لأن كل اللي تعاملت معاهم المرأة الخاطئة لم يحبوها لذاتها ولاكن أحبوا ذواتهم. عشان يقضوا وقتهم معاها إلا واحد أول ما مر عليها مرة واثنين سمعت عنه نظراته بريئة مملوءة بالطهارة والقداسة، نظراته مملوءة بالحب ، إيه رائيك إن المرأة حست بحاجة قوة قلب المسيح، والمسيح حس بحاجة جوه قلبها .

انت فكرك بس يعني هي الحكاية إني البُق بتاعنا بيتكم ويطلع منه كلام، طب وليه القلب ميتكلمش والمسيح قال لسمعان “يا سمعان لي كلام أقوله لك: “هذه المرأة أحبت كثيراً” أنا دخلت قلبها؟! وأنا حبتها كثير.. طب أنت حبتها الأول؟ ولا هي حبتك؟ قال أنا حبتها وهي حست أن أنا قلبي انفتح لها، وأن الكلمات بتاعتي كانت رقيقة وطيبة.

بالحق يا أحبائي عمر يسوع ما رفض حد مننا، وعمر يسوع ما عامل واحد مننا معاملة وحشة، رغم إن إحنا بنخونه أحياناً كثيرة .. وبنكون مش كويسين معاه، لكن هل فيه ألطف من يسوع..؟ وفى شخص يتحب أكثر من يسوع..؟ هل في شخص ممكن يحبنا أكثر من يسوع..؟ ده داود قال “أبى وأمي قد تركاني أما الرب فقبلني”.. حتى أبويا وأمي برضه بيحبوني ونفسهم يكبروني لأنى أنا ابنهم، منهم.. لكن المسيح بيحبني وأنا خاطئ ووحش، وأنا بيحبني المسيح وأنا بهينه، وبأسيء اليه. واخذ بالك، فمحبة المسيح محبة غير محدودة، هذه المحبة هي الطيب المسكوب هي اللي جذبت.. كل فعل رد فعل، فالمرأة دي راحت بسرعة جابت زجاجة الطيب. اتشحنت بمحبة المسيح، لأن المرأة دية قطعاً لازم قطعاً شافت المسيح كثيير.. سمعت كلامه.. كلامه حلو لذيذ.

وأنت يا عزيزي مش حتلاقي حد يحبك في الدنيا أكثر من المسيح، المسيح قال كدة “من أحب أباً أو أماً أو زوجة أو أولاد أو أخاً أو أختاً أكثر مني فلا يستحقني. ليه يا ربي؟ قال إن حقيقي شوف العملية.. إذا كان الإنسان فعلا له علاقة شخصية بي هيكشف إن أنا بأحبه غير حب كل الناس، يعني أنا أخويا بيحبني وأبويا بيحبني والناس بتحبني، لكن أكيد إن الحب الحقيقي هو من المسيح، فإذا كان لي علاقة حقيقية بالمسيح وده بقى الترمومتر بتاع المسيحية، إن مش العبادة عبادة وخلاص تكتشف إن يسوع بيحبك. وإحنا بنغلط كثير ونقول إحنا عاوزين نحب المسيح قبل ما نفكر إن هو بيحبنا.

ما لو كنا إحنا نقدر نحب ربنا لوحدينا مكنش فيه داعى إن المسيح يجي ويكشف لينا حبه، لكن اما يكشف جرحه كدة، ونشوف جراحاته وجراحات محبته.

ليه المرأة وقفت عند رجليه؟ -المرأة الخاطئة- وابتدأت تبل قدميه بدموعها، لعلها كانت تحس في مشاعرها إن هذه الأرجل المقدسة الطاهرة هتتمسمر بالصليب، بالمسامير على الصليب من أجلها، لعلها كانت تقبل مكان القدمين. والكنيسة بتاعتنا حتى في صلوات نصف الليل بتقول: “أديني طيب نقي واجعلني مستحق أن أقبل قدميك “فالناس دول فتحوا لنا نوع من العبادة خطير جداً تقبيل القدمين بتوع المسيح [أقبل قدميك اللتين اعتقتاني من طريق الضلالة]. وأنت لازم تحدد موقفك بوضوح مع المسيح وإلا هتقع في خطر.. ربنا يحمينا منه بتاع يهوذا، يهوذا إنسان مشي مع المسيح وأخرج شياطين باسم المسيح، لكن زي ما هاقول لك دلوقتي إزاي المسيح قيمته قلت في نظره، يهوذا ماكنش ماشي وراء المسيح يسوع، لكن ماشي في خط موازي.. في ريح المسيح، وأنت عارف الخطين المتوازيين لا يتلاقيان.

 

ممكن أمشي في ريحه، يهوذا ماشي مش عشان المسيح لذاته، المرأة سكبت الطيب من أجل المسيح ذاته، عشان كدة مهمهاش قالوا الناس عليها إيه؟ سمعان الفريسي عن المرأة الخاطئة قال هذه المرأة خاطئة وعاب في المسيح. قال لو كان هذا نبي لعرف من هي المرأة، إنها خاطئة.

يهوذا قال لماذا هذا الإتلاف؟! التلاميذ اتزمروا بالنسبة للمرأة الأخيرة، ده يعني مكنش حد راضي، لكن دول مكنش يهمهم .. ليه؟ لأن دول اتشحن قلبهن بحب المسيح. ودي النقطة الأولى اللي بتحطها لينا المرأة قدام عنينا إن المسيح هو حبها. فتولدت علاقة شخصية بينها وبينه، هذه العلاقة السرية نبهنا ليها المسيح في أول الموعظة على الجبل. قال “إذا صليت ادخل مخدعك واغلق بابك وصل لأبيك في الخفاء وأبوك الذى يرى في الخفاء يجازيك علانية” فإذا فيه حاجة إسمها في الخفاء.

إذا صنعت صدقة. وبعدين امبارح.. في يوم الدينونة يقول ما فعلتموه بإخوتي الأصاغر فبي قد فعلتم. فالعلاقة في المسيحية علاقة شخصية للمسيح، مش لأجل منفعة. صحيح أحنا ساعات بنطلب ربنا في ضيقاتنا وتجاربنا وبنطلبه علشان حاجتنا وفى مشاكلنا وأمورنا العامة، لكن المسيح يستحق يتحب لذاته. هي دي الحتة اللي اتكلت عليها المرأة النهاردة عشان كدة المسيح قال حيثما يكرز بالإنجيل، تقولوا الحكاية بتاعتها. المرأة دي سكبت الطيب لأنها عبرت عن حبها بلا منفعة، دي كانت خسارة بالنسبة ليها.

المسيحية بتاعتنا مبنية على الحتة دي، إن أنت تحب ربنا، لأن هو حبك، تقول لك إيه؟ صحيح الحب فيه عاطفة، لكن إحنا في المسيحية بندخله في موضوع الإيمان، إحنا نؤمن أن الله بيحبنا .. ليه ؟ بقى إحنا عاوزين علاقتنا مع ربنا تكون على مستوى الإيمان ، لأن ساعات الأمور مبتبقاش ماشية كلها على مزاجنا، فساعات نقول ربنا سابنا أو تخلى عنا، أو ربنا عمل فينا أو خلى أو سوا .. لا .. منقلش كدة، قول ربنا بيحبني بحقائق إيمانية ثابتة. ليه؟ لأنه سكب نفسه على الصليب من أجلى أنا . تعرف أنا الإنسان التافه الترابي اللي مايساويش حفنة التراب دي، لما أرجع للتراب عارف عند المسيح قيمتي تساوى إيه؟ تساوى دمه، أنا أساوي دم المسيح. قال آه أساوي دمه.. إزاي؟ ده هو يكب دمه عشاني أنا شخصياً أحبني وأسلم ذاته لأجلي.

 

فالعلاقة اللي بينا وبين المسيح بتبقى علاقة قوية جداً، مبنية على إيمان إنه بيحبنا إلى المنتهى. محدش يقدر يشككني في كدة. وبعدين شوف خد بالك من الحته دي..

المسيح بيحب ناس بتدي مشاعرها من القلب. يعني المرأة اللي أدت الفلسين -برضه تذكر في الأيام دي- قبل الفصح على طول. لأن هي المرأة دي بتعبر عن المسيح، لو تدرس شخصيتها تلاقيها شخصية المسيح، أعطت كل ما عندها أعطت من أعوازها فلسين. مكنش المهم كمية العطاء، يمكن تقول ده ٣٠٠ دينار، لكن المرأة أعطت من أعوازها. كل ما عندها..

فالمسيح أعطى من أعوازه كل ما عنده، المسيح مدناش عطايا مادية، المسيح مباركش بس في الكنيسة، مباركش في أولاده، المسيح مداش لتلاميذه بركات أرضية و.. إلى آخره .. المسيح قدم نفسه من أجلنا على الصليب.

فأرجو يا عزيزي النقطة دي تكون مركز العبادة بتاعتنا: إن أنت بتحب يسوع لأنه هو حبك للمنتهى وبذل ذاته  لأجلك وإن أنت قيمتك أنت الراجل الخاطئ قيمتك في عنين المسيح تساوى دمه، وإن هو جاي من أجل الخطاة. ولما ترجع ليه يأخذك في حضنه ويقبلك، ولا يعاتبك.. يقول لك عملت إيه؟ ولما الخروف الضال اللي مش فاهم حاجة يأخذه يحطه على كتفه يأخذه يحطه ده موضوع مدهش.

أنا عارف أنا مكاني فين دلوقت عند المسيح، أنا عارف مرة تقولوا عند رجليه، ومرة تقولوا على كتف المسيح من فوق، هو المسيح هيعمل فيا إية ولا إية؟!! على رأي إشعياء النبي يقول: على الركب تدللون، هيقعد يدلعنا على ركبته.

فالمسيح بيحبنا للمنتهى. فالمرأة دي عبرت بزجاجة الطيب إن هي بتحبه حب لا نهائي. قلت لك إن هي عدت العقل بتاعها، كفنت المسيح.

 

بيقولوا عن مريم المجدلية اللي سكبت الطيب.. اللي هي راحت للقبر والظلام باقي، فمحبتها عملت اللي ما عملهوش كل الرجالة اللي كانوا حواليه من التلاميذ وراحت للقبر والظلام باقي، راحت بحب متدفق ومهمهاش الدنيا ظلمة وراحت للقبر، والمسيح كافئها وقال لها أنت أول واحدة تشوفيني بعد القيامة في البشرية كلها. أصبحت أول كارزة بقيامة المسيح.

فالحب بتاع المسيح يتخطى الموت، شوف الموت يعني إيه؟ قالوا لها ده مات وخلاص واتدفن. قالت لهم أروح القبر وآخد حنوط، وما أرحلهوش وأيدي فاضية.

فأرجو يا عزيزي إن حياتك تبتدي تتشحن بالمشاعر الحلوة دي، صلاتك الصبح كده متبقاش ارتجالية، بتحبه؟ هتقول لي طبعاً.. باحب المسيح. طب ازاي بتقوم الصبح تحط شوية طيب في الفجر والظلام باقي كدة.. وتدي له الطيب؟ هل القلب بتاعك كده بيعمله بيبقى طيب كده وتقدم له صلوة حلوة في الصباح؟ ولا تقول أنا مستعجل.. أصل ورايا شغل ومسئوليات كثير خالص، هل انت بتحب تقرأ كلمة ربنا؟ “الذى يحبنى يحفظ وصاياي” ما هو الحب ده يبقى طيب يا أبونا. قول اقرأ اصحاح ولا اثنين، ما تديني تدريب اصحاح في اليوم ولا إثنين.. أنا معرفش مبحبش الطريقة دي.. دي دخيلة حتى على كنيستنا.. اللي يحب يقرأ.. اقرأ على قد ما تحب المسيح.. أنا معرفش، أنا أعرف واحد يسهر يمكن للصبح يقرأ في الإنجيل، أعرف تلميذ يقعد يذاكر يفتح كتبه ويقعد يسهر فيها لغاية الساعة ٣ و٤ الصبح، ده عشان ينجح في الامتحان، أنا أعرف ناس يحبوا ربنا، أعرف واحد بأسأله أنت سبت العالم ورحت الدير ليه؟ قال لي علشان أعرف أقرأ الإنجيل، لأنى مش عارف أقراه في العالم. وطلبت من ربنا قلت له، إيه؟ يا ربي يطول عمري عمر طويل عشان ألحق أكمل الإنجيل، يا تفتح مخي عشان أقدر أشبع منه.

ما هو شوفوا يا أحبائي مش ممكن أبداً تتحول عبادتنا لفروض، وطقوس، وشكليات.. خطر جداً.. وتقف تردد حتى مع الكنيسة وأنت بتصلي أو أي حاجة.. أوعى من الموضوع ده. أنت بتتعامل مع صليب ربنا يسوع المسيح.. عشان كده الكنيسة حرصت على إنها تحط الصليب على الحجاب من فوق عشان يبقى هو نظر المؤمنين. باستمرار وهم  واقفين بيعبدوا وتكون العبادة بتاعتك مرتبطة ارتباط شخصي بالمسيح.

أنت بتحبه زي ما حبك؟ إلى ما لا نهاية والحب فيه تضحية. الحب فيه تضحية. إيه؟ التضحية دي طبعاً ممكن تتهاون من أجل المسيح، ممكن تتظلم من أجل المسيح، ممكن تصمد من أجل المسيح، ممكن تنكر ذاتك من أجل المسيح، وممكن تعمل أعمال محبة عظيمة كبيرة جداً في الخفاء من أجل المسيح، وكلمة في الخفاء دي بتحدد أن العلاقة الشخصية بينك وبين المسيح نفسه، ما فيش حد بيخش في النص فيه أسرار.. فيه أسرار.. ادخلني الملك إلي حجاله، في الأوضة السرية بتاعته، وقال لي أسراره، ففي لازم بين كل نفس مؤمنة وبين المسيح لازم تكون فيه حركة سرية مستمرة.

 

والطيب يا أحبائي رائحته متتقطعش فجأة كدة، بالعكس كل ما تفرك أيديك والطيب يكون فيها، كل ما الرائحة تطلع أكثر.. كل ما تقعد ماتحك في مكان كل ما الطيب يزداد أكثر كل ما تحتك بالمسيح أكثر، كل ما محبتك تزداد ليه

باختصار يا أخوتى لا مسيحية بدون طيب الإنجيل النهاردة المعروض علينا، هو إنجيل الطيب وكفاية بقى شكلية في عبادتنا.. وكفاية سطحية.. وكفاية مدُقناش الحاجات المذخرة لينا اللي قال عليها بولس الرسول “نفتخر بالضيق”، لأن الضيق ينشئ صبر، والصبر تذكية، والتذكية رجاء، والرجاء لا يخزى لأن محبة الله قد أنسكبت في قلوبنا بالروح القدس، محبة الله قد انسكبت شوف برده حتى بولس الرسول أخذ نفس التعبير. انسكبت انسكبت.

فالمحبة متتعطاش تسكب، انسكبت في قلوبنا بالروح القدس، هو في عندنا سر أخطر من كدة، كمان المحبة بتسكب؟ آه المحبة بتسكب زى الطيب. وإيه رأيك بقى المحبة بتتاكل.. “إذ قد أحب خاصته الذين في العالم، أحبهم إلى المنتهى”، قام عن العشاء وكسر الخبز وقال خذوا كلوا الحب .. آه .. فالحب بيتاكل .. أنت لما بتمضغ جسد المسيح  بتمضغ الحب، لأن الله حب..

أيه كان ممكن يعمله ربنا ليك أكثر من هذا؟ مين يستحق الحب عشان يدخل قلبي غير يسوع حبيبي اللي عمل كل ده.. ناصحة المرأة دي..

وخايب يهوذا الخائن.. خائن ده إيه؟ ده مفيش رائحة حب في قلبه تقول إيه على يهوذا ده هتقول عليه تلميذ من الإثنى عشر، صحيح بيؤدي الصلوات مع المسيح، صح طلع في الإرسالية بتاعة ال١٢ تلميذ، صح أخرج الشياطين وشفى مرضى باسم المسيح، صح حمل الصندوق ووزع على الفقراء والمساكين، صح عمل خدمات كثيرة للمسيح .. حصل معرفش بقى .. حاجات كثيرة سجلها الإنجيل. لكن في قلبه لم تكن هناك رائحة حب.

هو ده اللي بيخوفنا يا أخوتي، هو ده اللى بيخوفنا خالص .. هي مسألة مش مسألة صندوق ماسكه يهوذا، أو مش مسألة إن أنت تلميذ من تلاميذ المسيح، متتكلش على كدة، ومش مسألة أنت بتخرج شياطين أو بتخدم أو بتاع لا .. ده يا يهوذا موضوع خطير، لازم يكون في قلبك حب للمسيح. عشان كدة الكلمة اللي قالها ربنا يسوع لبطرس بعد القيامة.. بطرس .. أيه: عاوز أطمن على حاجة واحدة، قال له إيه يا يسوع؟ قال له أتحبني؟ قال له أنت تعلم.. قال له: طب خلاص كمان مرة أتحبني، قال له انت تعلم.. ثالث مرة قال له أتحبني، فبكى بطرس مستحملش أكثر من كدة.. لأنه هو بيحبه، رغم أن هو من ضعفه راح سب ولعن وأنكر إلى آخره.

 

لكن يهوذا لم يكن في قلبه حب بتاتا، معلش بطرس ضعيف زيي وزيك، كلنا بنعمل خطية، لكن فيه بيبقي نار حب في القلب، ففي قلب يهوذا بدل الحب أتربت خيانة.. تقول لي جات إزاي دي؟ أقول لك ماجتش كدة فجأة، تدريجي، مش من يوم ما مشي مع المسيح أولا حتى مكانش مخلص للمسيح في المشي وراه كان ماشي وراء مركزه..

ففي فرق إن أنت تمشى وراء المسيح عشان المسيح، وفى فرق إن أنت تمشى وراء المسيح لأن المسيح ينجحك في الإمتحان، أو من العمل الفلاني، أو في المشروع الفلاني، ولما ربنا ينجح المشروع الفلاني عهد عليّ يا أبونا ها قدم لربنا كذا، شوف إزاي المساومة حتى مع ربنا. ده ربنا اللي بيدي الكل، فيهوذا مشى وراء المسيح  والسكة مش واضحة.

أرجوك عشان خاطر ربنا، لما تمشى وراء يسوع تكون في منتهى الوضوح، المسيح لما دخل أورشليم راكب على جحش ابن اتان كده على طول قال: أنا جاي أملك على القلب، فيه ناس قالوا  له لأ .. فيه الفلوس مالكة على قلبنا .. فيه المراكز بتاعتنا ..

 

الإنجيل بتاع النهاردة يقول لم يقبلوا يسوع لأنهم أحبوا مجد الناس أكثر من مجد الله، فممكن مجد الناس يبقى موجود في القلب، ففي حاجات كثيرة يهوذا مكانش ماشي وراء المسيح لحبه ليه، عاوز ياخد منه مجد فطبعاً اللي يمشى وراء المسيح يأخذ كرامة ومجد، وأنا قسيس تقعد تبوس في أيدي، وده في الكنيسة مثلاً بيعمل كده وبيعمل وبيخلي وبيسوي .. فله مجد وكرامة..

لا يا عزيزى . حاسب .. اللي يمشى وراء المسيح كتر خيره انه يقبلنا في بيته، لكن أحنا نمشى وراه لأننا نحبه، وإلا هيبتدي ينحرف الخطو يتحول لخط متوازي مع المسيح، لا يتلاقيا أبداً.

نمشى مع المسيح لأجل المسيح، مش لأجل شيء آخر.. ولا لأجل مركز ولا لمجد.. وأنت عارف التلاميذ نقطة ضعف طبعاً فينا كلنا.. كان دايماً يقولوا  له مين هيقعد على يمينك؟ ومين هيقعد على شمالك؟ والكلام ده وحتى يظهر ترتيب الطرابيزة بتاعة العشاء الرباني اللي إتكأ عليها المسيح.. إن بطرس كان قاعد على الشمال وفى ريحه يهوذا ويوحنا كان قاعد على اليمين ويسوع متصدر المائدة عشان بطرس اومأ إلى يوحنا التلميذ الذى كان يسوع يحبه وقال له: قول له مين اللي هيسلمه.. وبطرس ويهوذا بيتخانقوا على القاعدة على الشمال.. أصل الكبير لازم يقعد على شمال المسيح، لأن هو اللي يأخذ المركز اللي بعديه مباشرة أو يعني اللي يرث، والصغير خالص اللي يقعد على اليمين، فبطرس ويهوذا كانوا بيتخانقوا على القاعدة على الشمال.. فبطرس بص ليوحنا.. طب ما تكلم المسيح انت يا بطرس ما انت قاعد في ريحه.. قال لا، يوحنا يكلمه أحسن.. طب إيه الفرق بينك وبين يوحنا، قال: يوحنا كده بينه وبينه فيه حب يتكئ على صدره..

باختصار يا عزيزي عشان مانبعدش عن موضوعنا أرجو بنعمة يسوع إن علاقتنا مع المسيح تكون واضحة واضحة واضحة، في منتهى الإخلاص متحاولش يكون لك قلبين متخدش المسيح عشان حاجة ثانية..

النقطة الثانية عشان مجد أو مركز أو شيء أو حاجة من الحاجات دي.. أبداً.. أو مال.. لأن يهوذا فرح بالصندوق إنه كان موجود معاه، متخدش المسيح عشان حاجة أبداً لا مجد ولا مال ولا مركز ولا نجاح في العمل بتاعك ولا حاجة  أبداً لأن ربنا ممكن بيشتغل بحياتك بأي طريقة.. ويتمجد في الضعف.

 

مرة بولس جاله مرض بقى يصرخ ويقول له إيه؟ قال له تضرعت إلى الله ثلاث مرات قال له فارقني، قال له: لا .. هخليلك المرض ده، تكفيك نعمتي ، لأن قوتي في الضغف تكمل، وبعدين بولس في الآخر بيقول “أسر بالضعفات والشدائد والضرورات والشتائم لأن حينما أنا ضعيف فحينئذ أنا قوي”.. فبولس دخل في اختبار تاني أن ضعفه فيه قوة، محدش يفهم طبعاً الكلام ده غيرنا، فحينما أنا ضعيف فحينئذ أنا قوي، يعني إيه ضعيف وقوي؟ قال لما أنا أضعف أبقى قوي.. لما أنا أضعف يعني المسيح يظهر مني..

يهوذا مشى وراء المسيح لأن هو كان قاصد حاجات ثانية، مكنش المسيح هو اللي مالي قلبه، لكن المرأة كان المسيح هو اللي مالي قلبها، يهوذا كانت طبيعته الخيانة هي عملية حسابية بسيطة، المسيح كبر كبر في قلب المرأة بقى يساوى ٣٠٠دينار، يهوذا رؤساء الكهنة لو كان راح لهم وقال لهم اسلم لكم يسوع وتدفعوا لي كام دينار، يمكن كانوا قالوا له تطلب يعني يكفيك ١٠٠؟ يقول لهم لأ طب ٢٠٠ لا .. متخدش ٥٠٠ وتسلمه؟ قال لا برضه.. ١٠٠٠ – ٢٠٠٠لكن ده يهوذا اللي راح عرض القيمة.. المصيبة إن هو اللي راح قال لهم أسلمه لكم، قالوا له بكام؟ قال لهم بثلاثين من الفضة ثمن. وزكريا النبي قال وعلى فكرة أصل الثلاثين من الفضة ثمن العبد في العهد القديم. لما كان فيه تجارة رقيق. فالعبد يتباع سعره في السوق معروف أنه ٣٠ من الفضة. فيهوذا باع المسيح كعبد.

المسيح فعلاً هو جاي خدام لينا لكن في نظر يهوذا  عبد بيبيع ويشتري فيه. قيمته قلت خالص أصله خائن.

لذلك يا عزيزي خاف من الخيانة.. ليه بقى لأن الخيانة بتقلل قيمة المسيح متخليش قيمة المسيح تقل. أنا طبعاً مش عاوز نعمل مقارنة بين أي حد (يكفينا الشر) وبين يهوذا، يهوذا ده بعيد عننا خالص،

لكن تعال نتكلم على خيانات بسيطة بنمارسها إحنا في حياتنا: تقول لي زي إيه؟

 

مرة واحد من الآباء القديسين قال لما أقف أصلى كده وأنا سرحان في موضوع ثاني، دي مش خيانة. مش بقف أكلم يسوع، بقى أنا بقف أمام واحد عظيم وبكلم واحد ثاني كدة، مدي له ظهري، فكل صلوة فيها شرود فيها ملامح الخيانة، وبعدين النهاردة في الموضوع أكثر من كده في شهوات في العالم وفى القلب مشغولة بحاجات تانية، وفيه أنت واخد بالك الموضوع بتاع الغلاء والظروف والمال والناس اللى بتجري وبتكسب وبتعمل وبتاع، فيه مواضيع تانية شغلت القلب، فالعمليات دى بتخش شوية شوية القلب، تتسرب.. تقول لي ليه الناس في الغرب كثير منهم أبتدوا ميعرفوش المسيح؟!.. لأن المسيح أصله ميتعرفش بالعقل، سيبك من الكلام اللي بيقولوا ربنا عرفوه بالعقل، المسيح يتعرف بالحب، فالناس دول في عصرهم المادي، العصر اللي أحنا فيه ده عصر خطير جداً، القلب يبتدي حاجة تتنتشه تنتشه تنتشه، تبص تلاقى بعد كده الخيانة تتضخم في داخل القلب.

طب يساوى إيه المسيح؟ ها أقول لك يساوى إيه من الصبح لبالليل شغل، وبعد الظهر في شغل تاني ووراي معرفش إيه، وعاوز اتفرج على التليفزيون، فيه إيه كمان؟ وفى ماتش مهم لازم أشوفه، وفيه الشغلانة الفلانية لازم أعملها، وفى كذا وكذا.. طب وفيه إيه للمسيح فاضل؟ قال هيقول له أبانا الذى في الآخر. شفت تبقى قيمته رخصت إزاي.. أهو دا اللي وصل له المسيح في الآخر، إن قيمته في نظر يهوذا ابتدأت تقل.. تقل.. تقل..

فكل اللي عاوز أخليك تحترس منه النهاردة حاول أن تخلي قيمة المسيح تكبر في قلبك بدل ما هي تصغر، وخصوصاً كل ما بتكبر انت في السن، أنا كنت شاب وكبرت دلوقتى واتخرجت ولا كنت لسه طفل، وبعدين بقيت كبير دلوقت، وبقيت في الجامعة.. فحاسب على نفسك إن في حاجات تخش جوه القلب بتاعك.. قل لا.. قل أنا يهمني أن حياتي تبتدي تكَبَّر إيه؟ حبي للمسيح يبتدي يكبر..

 

طب يساوى إيه المسيح في حياتنا، لما آجي بالليل بقى أقول أنا تعبان، لكن لحاجات تانية مكنش تعبان، طب ويساوى إيه لما الكتاب المقدس ميتفتحش ولا يتقري، مش دي خيانة برضه؟ لأن يسوع ميبقاش كلامه حلو بالنسبة لينا، عشان كدة مش عاوزين نديله ولا وقت صغير، طب مرواح الكنيسة والواحد متأخر خالص كده ويجي كده في أي وقت مثلاً مش برضه إن قيمة يسوع بتبقى قليلة، غير الذين يبكرون اليّ يجدونني، طب متناولش من إمتى؟ التناول ده هو الحب.. باقول لك بيكسر يسوع جسده، بيقول لك خذ كل حياتي من يأكلني يحيا إلى الأبد، ويثبت في.. بيقدم لك حبه، وبيقدم لك ذاته، طب دي مش مهمة عندك، أصل قيمته بقت صغيرة، بقيت صغيرة..

كل اللي أحب أحذرك ليه يا عزيزي (بعيد عننا).. يهوذا.. إن أوعى قيمة المسيح تقل، شوف قيمة المسيح عند المرأة كانت بتكبر.. بتكبر.. بتكبر.. ويعبر عنها الطيب.. وقيمة  المسيح عند يهوذا بتصغر .. بتصغر .. بتصغر.. لغاية لما يساوى ثلاثين من الفضة وبعدين هاقول لك حاجة أخيرة، أوعى تقول إن الكلام ده مش لي يا أبونا، لأن أنا خادم في الكنيسة وخادم في مدارس الأحد.. أقول لك اوعى تقول الكلام ده.. لأن الكلام ده حصل ليهوذا تلميذ المسيح، “فمن هو قائم فليحذر لئلا يسقط”..

أنت عليك النهاردة سمعت الإنجيل بتاع الطيب، تدى عهد قدام ربنا تقول له القلب بتاعي لازم يبقى نظيف، مفيهوش غيرك، وها عيش عمري وحياتي لآخر لحظة في حياتي أكَبَّر الحب ده، بكل طريقة، ها أبحث عنه في كل مكان، وها أبحث عن الطيب اللي يرضيك وها أشوفك أنت في حياتي طول عمري،

أنت على الصليب زجاجة الطيب اللي انسكبت.. اللي سكبت ذاتك من أجلي ومن أجل الكنيسة كلها.

لإلهنا المجد الدائم أبدياً آمين.

 

العظة السادسة لآباء وخدام معاصرون – ليلة خميس العهد

يوم الأربعاء من البصخة المقدسةللمتنيح القمص تادرس البراموسي[26]

بركتها على جميعهنا أمين.

صرف الرب يسوع هذا اليوم في بيت عنيا. في تعليم تلاميذه وتطمينهم وأنه لا يتخلى عنهم ولم يذكر الكتاب انه عمل شيء في هذا اليوم وأنه قصد الوحدة والإنفراد والبعد عن الناس. كما كان يستريح خروف الفصح قبل ذبحه في اليوم المعد له ترك الرب يسوع له المجد مضى إلى الهيكل لفترة وجيزة ثم تركه عندما قال لليهود هوذا بيتكم يترك لكم خراباً لأنكم لا تروني حتى تقولوا مبارك الأتي باسم الرب وعندما قال لهم. لا تجعلوا بيت أبي بيت تجارة فتذكرالتلاميذ انه مكتوب أن غيرة بيتك أكلتني. وقد أثبت ذلك بواسطة دخوله أورشليم بالاحتفال العظيم لكن حيث أن الرب قد رفض من اليهود فتركهم السيد المسيح وترك المكان الذى أختاره الرب ليضع فيه اسمه إلى الأبد وكما قال الله تبارك وتعالى لسليمان في (1مل9: ٦– ٩) ويكون إسرائيل مثلاً وهزاءاً في جميع الشعوب وهذا البيت يكون عبره كل من يمر عليه يتعجب..

وفى هذا اليوم الأربعاء ذهب يهوذا الأسخريوطى إلى رؤساء الكهنة وقال لهم ماذا تعطوني وأنا أسلمه لكم، بعد أن دخله الشيطان وحب المال أراد أن يسلم سيده وولي نعمته ووعدوه الكهنة أن يعطوه ثلاثين من الفضة فباع سيده بهذا الثمن البخس وهذه القيمة الدنيئة التي كانت في ذلك الوقت ثمن العبد. وإن حسبنا هذا الثمن بعملتنا الحالية نجده يساوى أربعمائة وخمس قروش. هذا الذى أحبه الرب..

وجعله أخذ حقل الفخاري مقبرة للغرباء. قالوا حرام تدخل الخزانة لأنها ثمن دم وكان في نظرهم قتل الرب يسوع ليس حرام لأنه مذنب، لكن حرام أن يضعوا ثمنه في الخزانة.. (زك ١١: ١٢، ١٣) وكان هذا اليوم للتشاور بين يهوذا والكهنة لتسليم الرب يسوع ويسميه المسيحيين أربعاء أيوب الصديق لأن أيوب قد أستحم في مثل هذا اليوم فبرأ من مرضه وهذا القول توارثه الأبناء عن الأبناء عن الآباء إلى يومنا هذا..

بعد أن قام يهوذا بتسليم الرب يسوع إلى اليهود.. ندم أنه سلم دماً بريئاً.. ثم رد الفضة إلى رؤساء الكهنة ومضى وشنق نفسه.. إذ قال أخطأت إذ سلمت دماً بريئاً هذا الذى أقتنى له حقلاً من أجرة الظلم إذ سقط على وجهه فأنشق من الوسط وانسكبت أحشائه كلها لأنه مكتوب في سفر المزامير لتصير داره خراباً ولا يكن فيها ساكن وليأخذ خدمته أخر (أع١: ١٦– ٢٠) يتبادر للذهن أنه إذ كان لابد أن يسلم السيد المسيح لليهود ليصلب أن لم يكن يهوذا كان غيره والنصوص الإلهية تشير إلى كل ما فعله يهوذا فما هو ذنبه وما هي خطيته ولماذا يهلك وأننى أقول أن الله تعالى أنبأ العالم بكل شيء قبل أن يحدث.. سبق وأوصى على أفواه عبيده الأنبياء كل حياة الرب يسوع على الأرض وذلك من بدء البشارة إلى اليوم الذى أرتفع فيه إلى السماء فكل الذين عاملوا السيد المسيح بالخير أو بالشر عملوا ذلك مخيرين لا مسيرين ولم يرغموا على فعل أتوه فعلم الله تعالى لا تعلق له بسير هؤلاء الناس فالأنبياء يهوداً وجميع ما يتعلق به في كتب الأنبياء فعله متخيراً مريراً ولم يرغم على شيء ولم يضع في نفسه أنه يضحى بحياته وأبديته في سبيل أتمام النبوات فيكون أيضاً مخطئ لكنه فعل ذلك ابتغاء للربح الدنيوي وعقابه صادر عن العدل الإلهي وهكذا كثيرون مثل يهوذا يبيعون سيدهم المسيح بأقل مما باعه يهوذا فأنهم يغشون ويرابون ويكسرون يوم الرب ابتغاء لربح قليل من المال الذى هو أصلاً لكل الشرور يحتج البعض على مصير يهوذا وأنه كان محتوماً أن يتمم السيد المسيح عند مجيئه إلى العالم ما تم وإنه لابد أن يسفك دمه إن لم يكن بواسطة يهوذا وحنان وقيافا كان بغيرهم فلماذا يريد الله هؤلاء كان بأيعاذ من إبليس عدو الخير وعدو الإنسانية يقولون أن بطرس الرسول أيضاً أخطأ إذ أنكر السيد المسيح نقول نعم لكنه تاب وبكى ورجع إلى الرب يسوع نادماً على خطيئته فقبله الرب يسوع لكن يهوذا لم يتب ولم يندم ولم يبكي ولم يعتذر بطرس ضعيف وأنكر المسيح في حالة ما رآه ما يعمل مع المسيح ذاته فإن كان يعمل بالعود الرطب فكيف باليابس لكن يهوذا كان مطلق الحرية باع الرب يسوع للكسب المادى وإنه كان سارقاً والصندوق عنده وهكذا يعمل المال في كل محبيه أنه الهلاك السريع حمانا الله من ذلك وأعطانا لحظة التوبة والخلاص له كل المجد وعلينا رحمته إلى الأبد آمين.

 

العظة الأولى من باكر الأربعاء (يو١١: ٤٦)

 

رجال الشر والاخبار الكاذبة.

تشاو الأثمة وقتل الحق.

شهادة الحق بدون تفكير.

خوف على المناصب وإنكار الجميل.

شهادة الأعداء وبنوة الجهلاء.

متقلبات الرؤساء وأتفاق على الشر.

دفاع عن الأمة وأطماع شخصية.

تشاور الأشرار على قتل البار.

يموت على الأمة والأمة لا تستحقه.

اختفاء البار من وجه الأشرار.

خروج إلى البرية لينقل البارية.

تطهير الأجساد ونجاسة القلوب.

انتظار الحبيب لعله لا يغيب.

طلب الانتقام وقلوبهم لا تنال .

إصدار الأوامر على السيد الآمر.

 

 

العظة الثانية الساعة من يوم الأربعاء (لو٢٢: ٦)

 

قرب العيد وكثرة الوعيد.

انتظار الفصح وذبح الخروف.

مثلوا الفضيلة وغاصوا في الرزيلة.

خوف من الشعوب وقتلوا المحبوب.

القادة الدينيين أمتلأوا أنين.

دخل الشيطان وغير الإنسان.

التلميذ الخائن وعمله شائن.

تم الأتفاق وأشركوا أهل النفاق.

مضى مع الجنود ومع التلاميذ معدود.

فرح الأشرار بتسليمهم يسوع البار.

شكر الشرير بالثمن الحقير.

باعة بالفضه والكل من حوله أنفض.

أراد العزلة لتسليمه على غفلة.

فرصة للتسليم وهلك الأثيم.

حياته كأنسان وقتل نفسه أعيان.

 

 

 

العظة الثالثة الساعة السادسة من يوم الأربعاء (يو١٢: ١– ٨)

 

ستة أيام استعداد الختام.

فصح اليهود واليوم الموعود.

لعازر المقام ووليمة وهيام.

مريم والناردين ويهوذا الأثيم.

رائحة الطيب وقرب الصليب.

يهوذا الطماع قال يجب أن يباع.

أحتج على الإكرام لشره والأيام.

الفرق بين الأثنين والفضة والنادرين.

غيره على المساكين والشر داخله دفين.

كان سارق ومحتال واغواه حب المال.

مدحها الرب يسوع وقال لتكفيني موضوع.

إشفاق على المساكين وهو للشيطان خادم آمين.

رائحة الطيب وقرب الصليب.

أنبأهم الأمين أنا لست معكم في كل حين.

 

العظة الرابعة الساعة التاسعة من يوم الأربعاء (متى ٣٦: ٣– ١٦)

 

اجتمع الشيطان وأخذهم الغيظ والأنين.

كهنة وشيوخ وشعب ملبوخ.

اجتمعوا في دار الرئاسة وفكرهم كله خباثه.

تشاور الأردياء في صلب رب الحياة.

خافوا من الشعب وداسوا المكتوب.

أمرأة وقرورة سكبتها على رأس الحبيب.

تذمر التلاميذ وقالوا هذا أمر بغيض.

اعتبروا أتلاف وبينهم دب الخلاف.

أتركوها للتحنيط ولتكفينى والأمر بسيط.

فضلوا المساكين والطمع أعمى العين.

عملت المرأة أمر عجيب لتكفين الرب الحبيب.

تذكار للأجيال وذكرى يهوذا المحتال.

أعتبر يهوذا جمع المال فهلك في الحال.

تعاهدوا معه اليهود بثلاثين من النقود.

تقدمهم إلى المكان ودخلوا بستان جثماني.

 

 

العظة الخامسة الساعة الحادية عشر من يوم الأربعاء (بوحنا ١٢: ٢٧ – ٣٦)

 

اضطربت نفس الحبيب لما قرب ميعاد الصليب.

أخفى لاهوته عن الشيطان وأظهره للعيان

مجد الأبن الحبيب من أبيه على الصليب.

صوت السماء وأظهار يسوع الإله.

ساعة العطاء ونبوات الأنبياء.

تطمين القلوب وأتمام المكتوب.

من أجل البشرية مات وتتم الوصية.

الشيطان القهار يلقى خارج الأسرار.

مرفوع على الصليب وهو الغافر والطبيب.

أرتفع إلى الأعالى وفتح الفردوس الخالي.

أصوات الأعتراض وظهور الأمجاد.

إعلان النور والزمن المسرور.

بعد الظلام وساد النور إلى التمام.

أختار الطريق والرب يكون لك رفيق.

الأيمان الأكيد والنور العتيد.

 

 

 

المراجع

 

[1]  علم الطب الروحي ص 98 – إيروثيئوس مطران نافباكتوس – ترجمة دكتورة نيفين سعد.

[2]  علم الطب الروحي ص 176 – إيروثيئوس مطران نافباكتوس – ترجمة دكتورة نيفين سعد.

[3]  تفسير سفر حزقيال إصحاح ٤٣ – القمص تادرس يعقوب ملطي.

[4]  تفسير مزمور 68 – القمص أنطونيوس فكري.

[5]  تأملات في مزامير الآلام – صفحة 100 – القمص لوقا سيداروس.

[6] تفسير سفر عاموس – اصحاح 4 – القمص تادرس يعقوب ملطي.

[7]  تفسير مزمور ٥٤ – القمص أنطونيوس فكري.

[8]  تأملات في مزامير الآلام – صفحة 102 – القمص لوقا سيداروس.

[9]  تفسير سفر عاموس إصحاح ٣ – القمص تادرس يعقوب ملطي.

[10] تفسير سفر المزامير – مزمور 140 – القمص تادرس يعقوب ملطي

[11]  تأملات في مزامير الآلام – صفحة 105 – القمص لوقا سيداروس.

[12]  تأملات في مزامير الآلام – صفحة 107 – القمص لوقا سيداروس.

[13] تفسير مزمور 62 – القمص أنطونيوس فكري.

[14]  تفسير مزمور 62 – القمص  تادرس يعقوب ملطي

[15]  تأملات في مزامير الآلام – صفحة 109 – القمص لوقا سيداروس.

[16]   كتاب تفسير إنجيل لوقا – للقديس كيرلس السكندري – عظة 140 صفحة 676 – ترجمة دكتور نصحي عبد الشهيد.

[17]  العظات الخمسون للقديس أنبا مقار الكبير – صفحة ٥٢٨ – ترجمة الأب وديد المقاري وإشراف أنبا إبيفانيوس أسقف ورئيس دير القديس أنبا مقار.

[18]  كتاب من مجد إلي مجد للقديس غريغوريوس النيسي – الفصل الثالث م5 صفحة١٠٠ – ترجمة القمص إشعياء ميخائيل – كنيسة الملاك بالظاهر .

[19]  الكتاب الشهري للشباب والخدام – أعداد يناير وفبراير ٢٠١١ – إصدار بيت التكريس لخدمة الكرازة.

[20]  Simonetti, M. & Oden,T. C. ( 2002 ). Matthew 14 – 28 ( The Ancient Christian Commentary on Scripture, New Testament part Ib ) Illinois ( USA ) : Intervarsity press. Page 241 – 243              ترجمة: الأخت إيفيت منير – كنيسة مار مرقس ببني سويف

[21]  كتاب تأملات في أسبوع الآلام – البابا شنودة الثالث.

[22]  كتاب المنجلية القبطية الأرثوذكسية – صفحة 352 – البابا تواضروس الثاني.

[23]  كتاب شفتاك يا عروس تقطران شهدا – الجزء الثاني صفحة  ١٢٠، ١٢٢– دير الانبا شنودة رئيس المتوحدين العامر بميلانو.

[24]  موقع الصفحة الرسمية لكنيسة القديسة رفقة بسنباط – كتاب لن تموتا … هكذا قالت الحية – صفحة 166 – تاليف الراهب متياس الصموئيلي (المتنيح الانبا كاراس الاسقف العام) والرابط:

https://drive.google.com/file/d/1ShpO8Gg69ViSSqz_SFpkUUWzz5Zp0Kh1/view?fbclid=IwAR00vfavt_oww3ZpWitn7nc5q3BbCTf3bghRz8wVMH7BkCkh02TTYiu_dR8

[25]  كتاب عظات مضيئة معاشة صفحة ٢٨٨ – إصدار مطرانية ملوي وأنصنا والأشمونين.

[26]  كتاب تاملات وعناصر روحية في احاد وايام السنة التوتية صفحة 132- اعداد القمص تادرس البراموسي.