” من آمن واعتمد خلص ” (مر ١٦: ١٦)
” تهلل مثل الحملان ، أيها الأردن وبريته ، لأنه جاءك الحمل الذي يرفع خطيّة العالم ” أرباع الناقوس لعيد الغطاس
بثلاث غطسات ودعاء مساوٍ لها في العدد يتم سرّ المعمودية العظيم، لكي يتصور رسم الموت وتستنير نفوس المعمدين بتسليم معرفة الله ( ق. باسيليوس الكبير ص ١٨٦ )[1]
شواهد القراءات
(مز ٤١: ٧ ، ١٢) ، (مت ٣ : ١ – ١٢) ، (مز ٢٨ : ٣ ، ٤) ، (مر ١ : ١ – ١١) ، (تي ٢ : ١١ – ٣ : ١ – ٧) ، (١يو ٥ : ٥ – ٢١) ، (أع ١٨ : ٢٤ – ١٩ : ١- ٦) ، (مز ١١٧ : ٢٥ ، ٢٧) ، (يو ١ : ١٨ – ٣٤)
ملاحظات على قراءات عيد الغطاس
+ قراءة إنجيل باكر اليوم (مر ١: ١ – ١١) هي نفس قراءة إنجيل القداس ليوم ٣٠ برمودة ( تذكار مار مرقس الرسول )
وإختيار القراءة اليوم لإشارة القديس مرقس لشخصية وخدمة يوحنا المعمدان في إفتتاحية إنجيله ، أمّا مجيئها في يوم ٣٠ برمودة فالسبب واضح لأن القديس مرقس الإنجيلي هو صاحب تذكار ذلك اليوم
+ قراءة البولس اليوم (تي ٢: ١١ – ٣ : ١ – ٧) جاءت أيضاً في ١٤ بابه
وهي القراءة الخاصة بالمعمودية لذلك جاءت في تذكار فيلبس المبشر (١٤ بابه) وفِي عيد الغطاس ( ١١ طوبه )
+ قراءة الكاثوليكون اليوم (١يو ٥: ٥ – ٢١) تُشبه قراءة الكاثوليكون في أيَّام ١٩ توت (١يو ٥ : ١٣ – ٢١) ، يوم ١٤ بابه (١يو ٥ : ٥ – ١٣) ، يوم ٢ نسئ (١يو ٥ : ١ -١٠)
والكلام هنا عن المعمودية والشهادة للمسيح لذلك جاءت في قراءات اليوم (عيد الغطاس) ، ويوم ١٤ بابه ( فيلبس المبشِّر ) ، ويوم ٢ نسئ ( نياحة تيطس الرسول الذي تكلّم عن المعمودية وجاء من رسالته البولس في قراءات اليوم )
وأيضاً تُشبه قراءة الكاثوليكون (١يو ٥: ٩ – ٢١) للأحد الرابع من شهر طوبة ، والتي أيضاً تُشير إلي المعمودية ، والآية ” ونعلم أن ابن الله قد جاء ووهب لنا علماً – بصيرة – لنعرف الإله الحقيقي ” تُشير إلي المولود أعمي ولقائه مع الرب يسوع موضوع قراءة ذاك الأحد
+ قراءة الإبركسيس اليوم (أع ١٨: ٢٤ – ١٩: ١ – ٦) تكررت في قراءات أيّام ٢٠ بشنس ، ٢٥ مسري ، ٤ نسئ
تتكلّم هذه القراءة عن المعمودية (١١ طوبه) وعن السلوك في طريق الله بأكثر تدقيق وسهر وصلاة لذلك جاءت في تذكار قديسين عاشوا حياة كاملة مع الله مثل القديس أمونيوس الأنطاكي ( ٢٠ بشنس ) والقديس بيصاريون الكبير ( ٢٥ مسري ) وأنبا بيمن المصري المتوحد ( ٤ نسئ )
شرح القراءات
تُعلن قراءات هذا اليوم عمل الروح القدس في المعمودية فالروح القدس يجعل في الماء قوة الولادة الجديدة للمعتمدين بعد صلوات تقديس الماء بإسم الثالوث وفعل صليب المسيح له المجد فيأخذ الذي اعتمد قوة موت المسيح وقيامته
تأتي المزامير لتُقدِّم الخلاص في المعمودية (مزمور عشية )
والقوة ( مزمور باكر )
والتسبيح ( مزمور القداس )
يبدأ مزمور عشيّة ليجعلنا نتذكر دائماً عهد معموديتنا (أرض الأردن ) ونعيش مفاعيل سر المعمودية سر خلاصنا
(لذلك أذكرك يارب في أرض الأردن توكلي علي الله فإني اعترف له خلاص وجهي هو إلهي )
وفِي مزمور باكر قوة معموديتنا ورعد العهد الجديد الذي زلزل كيان البشر وحطم قوي الشر وقد جاء في الترجمة السبعينية ( تفسير المزمور ابونا تادرس ) أن هذا المزمور كان يُصلَّي به لكي يُرسل الرب مطراً ليكسر أثر فصل الجفاف فكأنها صلاة ليغمرنا الرب بمياه الروح القدس الغزيرة لتغسلنا من آثامنا وتملأنا من أنهار ماء الحياة
( صوت الرب علي المياه إله المجد أرعد الرب علي المياه الكثيرة صوت الرب بقوة صوت الرب بجلال عظيم )
وفِي مزمور القداس ( مزمور ١١٧ حسب الترجمة القبطية ) وهو آخر مزامير هلليل المصرية ( مزامير ١١٣-١١٨ ) وهذا المزمور كان يُصَلِّي به في أعياد الفصح والمظال والخمسين وكانوا يتذكرون خروجهم من مذلة عبودية فرعون وكأنه مزمور الخروج من جرن المعمودية ونوال الخلاص والحياة في التسبيح الدائم لله
( مبارك الآتي باسم الرب باركناكم من بيت الرب أنت هو إلهي فأشكرك إلهي أنت فأرفعك )
وفِي القراءات نري في المعمودية تجديد طبيعة الإنسان ( البولس )
وفعل الثالوث وعمل الصليب ( الكاثوليكون )
وفيض الروح القدس والمواهب بعد المعمودية ( الإبركسيس )
يتكلّم البولس عن عمل نعمة العهد الجديد في تبرير الإنسان والخلاص وتجديد الطبيعة البشرية الذي أعطاه لنا الروح القدس في المعمودية
( لأننا كنّا نحن أيضاً قبلاً أغبياء غير طائعين ضَالِّين مُسْتَعبدين لشهوات ولذات مختلفة سالكين في الشر والحسد ممقوتين مُبغضين بعضنا بعضاً فلما ظهر لطف مخلصنا الله ومحبته للبشر لا بأعمالنا في برٍ عملناها نحن بل برحمته خلصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس الذي أفاضه علينا بغني يسوع المسيح مُخلصنا لكي نتبرر بنعمة ذاك ونصير ورثة حسب رجاء الحياة الأبدية )
وفِي الكاثوليكون نري فعل الثالوث وعمل الصليب فالآب هو الذي شهد للإبن في نهر الأردن والروح هو الذي يعطينا في مياه المعمودية قوة عمل الصليب وموت المسيح وقيامته لذلك يقول لا بالماء فقط بل بالماء والدم وكما يقول الآباء خرج من جنبه دم وماء أي ماء يملأ جرن المعمودية ودم يملأ الكأس المُحيي
( من هو الذي يغلب العالم إِلَّا الذي يؤمن أن يسوع هو إبن الله هذا هو الذي جاء بماء ودم يسوع المسيح لا بالماء فقط بل بالماء والدم والروح هو الذي يشهد لأن الروح هو الحق فإن الذين يشهدون في السماء هم ثلاثة الآب والكلمة والروح القدس وهؤلاء الثلاثة هم واحد والذين يشهدون في الأرض هم ثلاثة الروح والماء والدم والثلاثة هم في واحد إن كنّا نقبل شهادة الناس فشهادة الله أعظم جداً لأن هذه هي شهادة الله التي قد شهد بها عن ابنه )
وفِي الإبركسيس المقارنة بين معمودية يوحنا ومعمودية العهد الجديد التي تُؤهل الإنسان لنوال الروح وتفيض عليه بالمواهب والعطايا
( فقال لهم هل قبلتم الروح القدس لما آمنتم قالوا له ولا سمعنا أنه يوجد روح قُدس فقال لهم فبماذا اعتمدتم فقالوا بمعمودية يوحنا فقال بولس إن يوحنا عمَّد الشعب بمعمودية التوبة قائلاً أن يؤمنوا بالذي يأتي بعدي أي بيسوع فلما سمعوا اعتمدوا باسم الرب يسوع ولما وضع بولس يديه عليه حلّ الروح القدس عليهم فطفقوا ينطقون بألسنة ويتنبأون )
وفِي الأناجيل نري نار الروح ( إنجيل عشيّة )
وحمامة الروح ( إنجيل باكر )
وشهادة الروح ( إنجيل القداس )
في إنجيل عشية نري نار الروح القدس التي تُلهب المؤمنين وتُشْعِل قلوبهم بالحب الإلهي وفِي ذات الوقت النار التي تحرق التبن والأشجار غير المثمرة والحياة الشكلية
( هوذا الفأس قد وُضعت علي أصل الشجرة فكل شجرة لا تُثمر ثمراً جيداً تُقطع وتُلقي في النار أنا أعمدكم بماء التوبة ولكن الذي يأتي بعدي هو أقوي مني الذي لست أهلاً أن أحمل حذائه هو سيعمدكم بالروح القدس ونار الذي رفشه في يده وسينقي بيدره ويجمع قمحه إلي المخزن وأما التبن فيحرقه بنار لا تُطفأ )
وفِي إنجيل باكر نري عطايا الروح في المعمودية الحمامة إشارة لسلام الروح القدس في البشرية المضطربة والسماء التي إنشقت ( أي أنها لن تُغلق مرة ثانية ) وعطية التبني للآب في المسيح
( أنا عمَّدتكم بماء وأما هو فسيعمِّدكم بالروح القدس وفِي تلك الأيام جاء يسوع من ناصرة الجليل واعتمد من يوحنا في نهر الأردن وللوقت وهو صاعد من الماء رأي السموات قد إنشقت والروح مثل حمامة نازلاً واستقرَّ عليه وكان صوت من السموات أنت إبني الحبيب الذي به سُررت )
وفِي إنجيل القداس نري الشهادة لإبن الله بعد المعمودية وبعد أن ظهر لكل الناس وليوحنا نفسه من هو الذي جاء إليه ليعتمد لذلك تسمّي هذا العيد بعيد الظهور الإلهي
( هذا هو الذي قلت أنا عنه أنه يأتي بعدي رجل صار قدّامي لأنه كان قبلي وأنا لم أكن أعرفه لكن ليظهر لإسرائيل لذلك جئت لأعمِّد بماء وشهد يوحنا قائلاً إني قد رأيت الروح نازلاً مثل حمامةٍ من السماء فاستقرَّ عليه وأنا لم أكن أعرفه لكن الذي أرسلني لأعمِّد بماء هو قال لي الذي تري الروح نازلاً ومستقراً عليه فهذا هو الذي سيعمِّدكم بالروح القدس وأنا قد عاينت وشهدت أن هذا هو إبن الله )
أفكار مُقترحة لعظات عيد الغطاس
(١) المعمودية في قراءات العيد
١-السماء المفتوحة
” وللوقت وهو صاعد من الماء رأي السموات قد انشقت ” إنجيل باكر
تعبير السموات قد انشقت جاء فقط في إنجيل القديس مرقس ليُعْطي إحساس القوَّة وربما أيضاً يختلف هذا التعبير عن إنفتحت السماء في أنه يُعطي إحساس باستحالة غلق السماء مرة أخري وهذه إحدى بركات المعمودية الانفتاح علي السماويات بالطبيعة الجديدة (رو ٤:٦) ؟
٢- غسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس وغني النعمة
” لا بأعمالنا في برّ عملناها نحن بل برحمته خلَّصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس الذي أفاضه علينا بغني يسوع المسيح ” البولس
٣- الشهادة للمسيح له المجد
” الذين يشهدون في السماء هم ثلاثة الآب والكلمة والروح القدس وهؤلاء الثلاثة هم واحد والذين يشهدون في الأرض هم ثلاثة الروح والماء والدم … من يؤمن بابن الله فشهادة الله ثابتة فيه ” الكاثوليكون
٤- تجديد الطبيعة فينال الإنسان موهبة الروح القدس
” فلما سمعوا اعتمدوا باسم الرب يسوع ولما وضع بولس يديه عليهم حل الروح القدس عليهم ” الإبركسيس
(٢) الروح القدس
١-نار
” هو سيعمدكم بالروح القدس ونار ” إنجيل عشيّة
٢- حمامة
” والروح مثل حمامة نازلاً ” إنجيل باكر
٣- تجديد
” خلَّصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس ” البولس
٤- شهادة
” والروح هو الذي يشهد لأن الروح هو الحق ” الكاثوليكون
٥- حرارة
” هذا كان تلميذاً لطريقة الرب وكان وهو حار بالروح ” الإبركسيس
٦- مواهب
” حلَّ الروح القدس عليهم فطفقوا يتكلَّمون بألسنة ” الإبركسيس
٧- استقرار وسكني
” الذي تري الروح نازلاً ومستقراً عليه إنجيل القدَّاس
(٣) بركات الغطاس ( السماء المفتوحة – الروح القدس – التبني )
١- السماء المفتوحة ” وإذا السموات قد إنفتحت ”
في العهد القديم إنفتحت السما لتنزل عقاب إلهي علي الخطية مثل الطوفان وسدوم وعمورة
في العهد الجديد إنفتحت السماء ليستقر روح الله في البشرية الجديدة في المسيح
” من الآن ترون السماء مفتوحة وملائكة الله يصعدون وينزلون علي إبن الإنسان ” يو ١
” أري السماء مفتوحة وإبن الله قائم عن يمين العظمة ” أع ٧ قديس إستفانوس
جعل الإثنين واحدا السمائيين والأرضيين ” توزيع الرسل
٢- الروح القدس ” ونزل علية الروح القدس بهيئة جسمية مثل حمامة ”
إن لم أنطلق لايأتيكم المعزي. يو ١٦
ستنالون قوة متي حل الروح القدس عليكم وتكونون لي شهودا. أع ١
توبوا وليعتمد كل واحد منكم علي اسم المسيح لتنالوا عطية الروح القدس. أع ٢
صعد إلي أعلي السموات وأرسل لنا الباراقليط. توزيع الرسل
الروح القدس نزل علي البشرية في المسيح فهو لم يحل علي إبن الله لكن علي بشريتنا التي حملها
(كان يحملنا في جسدة الخاص ) ق. أثناسيوس الرسولي
٣- التبني ” هذا هو إبني الحبيب الذي به سررت ”
انظروا أية محبة أعطانا الآب حتي ندعي أولاد الله ١يو ٢
وأعطاهم سلطانا أن يصيروا أبناء الله. يو ١
إذا لست بعد عبدا بل إبنا وإن كنت إبنا فوارث لله بالمسيح. غل ٤
متي صليتم فقولوا أبانا. لو ١١
عظات آبائية
القديس كيرلس الأسكندري
مفهوم نزول الروح علي الابن وقت معموديته من يوحنا في فكر القديس كيرلس الكبير :
+ عندما صار كلمة الله إنسانًا ، تقبل الروح القدس من الآب كواحد منا(لم يأخذ الروح لنفسه شخصيا اذ هو واهب الروح)، ذلك لإن الذى لم يعرف خطية يمكنه باقتناء الروح كإنسان أن يحفظه لطبيعتنا، وأن يعيد إلينا النعمة التي فارقتنا.
لهذا السبب فإنني اعتبر المعمدان القديس قد أضاف:”رأيت الروح نازلًا من السماء وخل عليه” (يو ١ : ٣٢)، لإنه قد هرب الروح منا بسبب الخطية غير ان ذاك الذى لم يعرف خطية صار كواحد منا حتى يعتاد الروح البقاء فينا إذ لا يجد سببًا لمفارقته أو الانسحاب منه.
وعلي هذا فإنه خلال نفسه يستلم الروح لأجلنا، ويرد لطبيعتنا الصلاح القديم، لذلك قيل عنه “من أجلنا افتقر”(٢كو ٨: ٩).
وهو ايضا يقبل الروح لأجلنا لكى يقدس طبيعتنا كلها، لإنه لم يأتي لينتفع شيئًا لنفسه، وإنما ليكون الباب والبداية والطريق لكل الخيرات السماوية لنا جميعا. ولأن له روحه فيه جوهريا، قيل عنه قَبِلَ الروح كانسان ليحفظ للناسوت كيانًا لائقًا فيه[2].
أيضاً للقديس كيرلس الأسكندري
لست مستحقا أن أحل سيور حذائه
فضل المعمدان أنه عاش في البرية بعيدا عن ترف المدن ، وأعلن عن عزم ثابت في ممارسة الفضيلة ، وارتقي إلى قمة البر الذي يمكن يصل إليه إنسان ، مما جعل البعض يندهش من أسلوب حياته ، بل أن البعض تخيلوا أنه هو المسيح … تخيل البعض أنه هو النور نفسه .
* قيل عن يوحنا المعمدان : أقمته سراجا لمسيحي (مز ١٧:١٣٢) . مع أنه يقال عن القديسين أنهم نور … لكننا لا نجهل النعمة التي نالوها من النور ” . لأن النور في السراج ، وليس من السراج ، ولا نور القديسين هو من القديسين ، بل باستنارة الحق صاروا “نوراً في العالم ، متمسكين بكلمة الحياة” (في ٢: ١٥-١٦) .
*شاع كلام مستتر عند البعض بأن يوحنا المعمدان لم يكن إنسانا حقيقيا ، بل هو أحد الملائكة القديسين في السماء ، استخدم جسدا ، وأرسله الله لكي يعظ الناس . تعتمد هذه الخرافة على عدم إدراك لما قاله الله : ” ها أنا أرسل أمام وجهك ملاكي الذي يهيئ الطريق أمامك ” (مت ۱۰:۱۱ ؛ ملا ١:٣) . وخطأ أولئك الذين ابتعدوا عن الحق وهو عدم فهمهم لمعنى كلمة “ملاك ” . فمعناها خادم أو رسول ، دون تحديد لحقيقة جوهر هذا الخادم.
لست مستحقا أن أحل سيور حذائه
علم يوحنا أن المسيح أمين لكل من يخدمه ، فما على الخادم إلا أن يعلن الحق والصدق ، إذ الفرق شاسع بين الخادم وسيده ، أي بين يوحنا والمسيح . لذلك يقول : ” أنتم أنفسكم تشهدون لي أني قلت لست أنا المسيح بل إني مرسل أمامه ” (يو ٢٨:٣) ، فحقا أن يوحنا عظيم في رسالته وعظيم في شهادته ، فقد كان رائع الجلال ككوكب الصباح الذي يعلن شروق الشمس من وراء الأفق .
أراد يوحنا أن يثبت للملأ أنه دون سيده مرتبة ومقاما ، فقال : ” أنا أعمدكم بماء ، ولكن يأتي من هو أقوى مني الذي لست أهلا أن أحلك سيور حذائه (لو١٦:٣) .
حقا شاسع بين السيد المسيح ويوحنا ، بل لا تصح المقارنة بينهما ، ولذلك صدق المعمدان المغبوط رغما عن سمو فضيلته وكريم خلقه بأنه ” غير أهل أن يحل سيور حذائه”، لأنه إذا كانت القوات السمائية والعروش والسيرافيم المقدسة تقف حول عرش المسيح الإلهي تقدم له المجد والتسبيح ، فمن من سكان الأرض يستطيع أن يقترب من الله ؟! نعم يحب الله الإنسان فهو رؤوف به رحوم عليه، ولكن يجب ألا ننكر بأي حال من الأحوال بأننا لا شيء بالنسبة له ، فنحن بشر ضعفاء جهلاء .
ينبغي أن ذلك يزيد وأني أنا أنقص (يو 3: ۳۰)
إننا لا نقول إن المعمدان انحط مقامه في الوقت الذي زاد فيه مجد المسيح حيث التف حوله عدد كبير من الناس ، ولكن يراد بنقص يوحنا وزيادة المسيح أن يوحنا كان إنساناً فلابد من أن يصل إلى درجة ما بعدها من مزيد ، أما المسيح فهو إله متأنس فلا حد لنموه ولا نهاية لعظمته . لذلك يقول المعمدان : “ينبغي أن ذلك يزيد وأني أنا أنقص “. إن كل من وقف في مستوى واحد ينقص ، وذلك بالنسبة لمن لا يقف أمامه عائق عن النمو والتقدم . وحتى يثبت المعمدان أنه على حق في قوله هذا ، أشار إلى لاهوت المسيح ، وبرهن لهم أنه
لا بدمن أن يفوق جميع الناس ، إذ قال : ” الذي يأتي من فوق هو فوق الجميع ، والذي من الأرض هو أرضي ومن الأرض يتكلم ” (يو ٣ : ۳۱) . من الذي أتي من فوق ، ومن ذا الذي يفوق جميع الناس ؟من الواضح هو كلمة الله المتجسد ، هو مثل الأب ومساو له في الجوهر ، ونظرا لمحبته شاء فنزل وتواضع ليصير مثلنا . فالمسيح إذن يفوق كل من على الأرض ، ولما كان المعمدان أحد سكان الأرض ، ويتفق معهم في الإنسانية ، لزم أن يفوقه المسيح الإله .
لا ننكر أن يوحنا كان حميد الخصال . منقطع النظير فضلا ونبلاً ، بلغ درجة عظيمة في البر والصلاح يستحق عليها المدح والثناء ، إذ وصفه السيد بالقول المأثور :” لم يقم بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان ” (مت ۱۱:۱۱) ولكن رغما عن كل هذا لم يكن المعمدان من فوق ، بل كان أرضيا مثلنا .
الأصغر في ملكوت السماوات أعظم منه ” (مت ۱۱:۱۱)
*كان يوحنا كالآخرين الذين سبقوه تنسب ولادته إلى امرأة ، أما أولئك الذين قبلوا الإيمان بالمسيح فليسوا أبناء نساء ، بل أبناء الله ، كقول الإنجيلي الحكيم : ” وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطائا أن يصيروا أولاد الله … ” (يو ١ : ۱۱-۱۲) . لقد أصبحنا أبناء الله العلي ، مولودين ثانية لا من زرع يفني ، بل مما لا يفني بكلمة الله الحية الباقية إلى الأبد ” (١بط ۱ : ۲۳) .
إذن كل من ولد لا من زرع فان بل من كلمة الله الباقية يفوق المولود من امرأة . لاحظوا أنه قبيل قيامة المسيح من الأموات وصعوده إلى السماء لم يوجد بين الناس روح التبني ولا دعي أحد ابنا لله (يو ٧: ۳۹) … إذن لا ينقص المسيح من مكانة الأنبياء … وإنما أراد أن يظهر ما في الحياة الإنجيلية من سمو أعظم بكثير من سمو الحياة الناموسية[3].
ميمر الغطاس المجيد للأب المكرم القس بولس البوشي
صلاته وبركاته تشملنا إلي النفس الأخير آمين
المجد لقدس القديسين الذي قدسنا بالميلاد الثاني وحلول الروح القدس عندما حل في نهر الأردن بالعماد.
المجد للأزلي الذي ولد جسدانياً ليلدنا روحانيا بالمعمودية المقدسة عندما تعمد من عبده يوحنا وصار لنا للبر والإرشاد .
المجد للذي تواضع وأتي إلي الأردن ليكمل كل البر ، الذي ببره تبررنا من الأشجاب
المجد للذي أظهر لنا سر الثالوث علي نهر الأردن بالإعلان .
المجد للذي طهّر المياة بحلوله فيها وقدس العناصر وكل الأرض بمشيه عليها .
المجد لك أيها المسيح الرب الذي تواضع من أجل محبته للبشر ، وجدد الخليقة بالميلاد الثاني ، الذي لا يبلي ، الذي هو من فوق من عند أبي الأنوار .
لك أبارك وأقدس يا من نزع عنا العار وجعلنا بني نور ونهار .
لك أعظم وأرفع يا من هو فوق كل رئاسة وقوة وسلطان .
شاء أن يتواضع ويعتمد من عبده يوحنا ، وعلمنا سيرة الاتضاع الذي به نخلص من مكيدة الشيطان . أعطني معرفة يا من بغيره لا أقدر علي شيء لأتكلم من أجل أعمالك التي تفوق كل حسن وبهاء . هب لي فهماً يا معطي كل فضل لأنطق علي تدبير أعمالك التي أعلنتها . امنحني موهبة يا من امتلاؤه يفيض بكل النعم الروحانية لأخبر بتواضعك أيها القدوس علانية .
عظيمة هي كرامة هذا العيد المجيد أيها الإخوة الأحباء ، وهو يسمي عيد الظهور لأن فيه ظهر سر الثالوث ، والذي كان رمزاً في كتب الأنبياء ظهر لنا اليوم علانية باستعلان ، لأجل أن الابن المتجسد أعلن كل ما كان مستتراً ، والمثال صار حقاً وكمالاً ، والأشياء التي كانت مخفية عن الحكماء والفهماء ظهرت الآن للأطفال !.
أول ذلك عظمة الثالوث القدوس، الواحد في اللاهوت مبدأ الأشياء وراسمها وكمالها استعلن لنا اليوم ، الابن في الأردن اعتمد ، الآب في السماء يشهد له قائلا : ” هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت ” ، والروح القدس شبه حمامة بارك ، ليدل علي أن الروح كامل بأقنوم . ولماذا ظهر بشبه حمامة خاصة؟! ذلك لأجل وداعتها دون غيرها كما قال الرب ” كونوا ودعاء كالحمام ” . وحتي كل من يحل عليه الروح يكون هادئاً وديعاً مسكناً للروح القدس ، سالكاً في أوامر الرب كما يعلمنا قائلاً ” تعلموا ، لا من ملاك ، ولا من نبي ، ولا من رسول ، بل مني خاصة فإني وديع ومتواضع القلب فوجدوا راحة لنفوسكم ”
هذا الثالوث الاقدس الذي به آمنا وباسمه اعتمدنا علي المثال الذي كان في الاردن كما أمر الرب رسله الاطهار قائلا ” امضوا وتلمذوا جميع الامم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس. فمن آمن واعتمد خلص ، ومن لم يؤمن يدن ” . وقال أيضاً ” الحق الحق أقول لكم إن من لا يولد من الماء والروح لن يعاين ملكوت الله ” ،ثم عرفنا أن هذا الميلاد هو غير الميلاد الجسداني ، وقال : لأن المولود من الجسد جسد هو والمولود من الروح روح هو .
ولأجل شرف هذه الولادة المقدسة يعلمنا يوحنا الإنجيلي قائلا :” الذين قبلوه أعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله وليس هم من دم ولا من هوي لحم ولا من مشيئة رجل بل من الله ولدوا ” . هذا الذي به نرث ملكوت الله ، لأن لحماً ودماً لا يرثها كما قال الرسول ، بل الذين ولدوا بالروح ، ولذلك لما أراد الرب أن يستعلن للشعب بعد كمال ثلاثين سنة لمولده بالجسد ، ابتدأ أولا باستعلان الثالوث الواحد في اللاهوت ثم أرانا الطريق الكاملة فوق كل كمال ، أعني كيفية الميلاد الثاني مبتدأ الإيمان وعربون إرث البنوة التي بها صار العتق والحرية .
هلموا الآن أيها الإنجيليون الأربعة جميعا ، أربعة أنهار الحياة الخارجون من ينبوع الفردوس العقلي الذين رووا كل المسكونة وأخبرونا بكيفية كرامة هذا العيد المجيد اليوم .
متي الانجيلي يخبرنا بإعلان البشري بالتوبة قائلا : وفي تلك الأيام جاء يوحنا المعمدان يكرز في برية اليهودية قائلا : توبوا فقد اقترب منكم ملكوت الله ، لأن هذا الذي قيل عنه في إشعياء النبي :” صوت صارخ في البرية سهلوا طريق الرب واصنعوا سبله مستقيمة ” .
أعني أن يوحنا أقبل من البرية أمام الرب كما كتب لوقا الإنجيلي عنه ” إنه أقام في البرية إلي يوم ظهوره لإسرائيل ” . وقال أيضاً حلت كلمة الله علي يوحنا بن زكريا في البرية فجاء كل البلاد المحيطة بالأردن يكرز بمعمودية التوبة لمغفرة الخطايا . ولكن لماذا لم يحل في بقية الأماكن بل في البلاد المحيطة بالأردن لا غير ، ! ذلك لما هو مزمع أن يكون وهي معمودية الرب الذي أتي من أجلها إلي نهر الأردن ، فذكر في بشراه أنه بشر بمعمودية التوبة لمغفرة الخطايا ، ليبطل رشاش الزوفا ورماد العجلة التي يستعملها بنو اسرائيل ، تلك التي لم يذكر عنها أنها لمغفرة الخطايا بل للتطهير من لمس عظم ميتة أو إنسان أبرص ، هؤلاء الذين ليس لهم خطية .
كذلك يقول يوحنا واليهود من أجل التطهير ، لأنه سيبطل ذلك إذ لم يكن هو الغاية بل هو رمز فقط لما هو مزمع أن يكون ، فكان يوحنا واسطة بين العتيقة والحديثة كما يقول الرب : إن الناموس والأنبياء إلي يوحنا ، وهو كإيليا المزمع أن يأتي كما تنبأ ملاخي وهو أفضل من نبي كما شهد عنه الرب ، وهو رسول كما شهد عن نفسه لليهود قائلا : لست أنا المسيح بل أنا رسول أمامه . وهو ملاك علي الأرض كما تنبأ عنه إشعياء قائلا : هوذا أنا مرسل أمام وجهك ملاكي ليسهل طريقك قدامك فأقبل ينادي ويسهل السبيل المستقيم .لمغفرة الخطايا ، هذه المغفرة التي صارت لنا باستعلان الرب .
ولهذا القول أيضاً تفسير آخر كنائسي أعني الصوت الصارخ في البرية هو بشري الرسل الأطهار في أقطار الأرض للأمم لأن هذه الأمم كانت برية وقفراً خلواً من سماع بر الإيمان ، قال : سهلوا طريق الرب أعني إذا آمنوا سهلوا الطريق ليحل الرب فيهم بالروح كما هو مكتوب إني أحل فيهم وأسير بينهم يقول الرب .
قال واصنعوا سبله مستقيمة أعني إذًا حل فيهم ، فإن الروح يرشدهم لكي يصنعوا سبل الرب مستقيمة بلا إعوجاج .
قال جميع الأودية تمتليء وكل الآكام تتضع ، أعني بالأودية الأمم الذين كانوا خلوا من معرفة الله وقد انحطوا إلي أسفل ونزلوا إلي هاوية الهلاك بغواية الشيطان وعبادة الأوثان وغيرها من الأعمال القبيحة ، فامتلأوا معرفة روحانية بالإيمان حتي صاروا معلمين ومفسرين لأقوال الأنبياء والرسل !
وعني بالآكام التي انحطت رؤساء اليهود وقوات الشياطين كما يقول الرسول : إنا نهدم كل علم يتعالي علي معرفة الله .
أمًا اليهود الذين بقوا غير مؤمنين فقد نزع منهم الملك والرياسة ، وأبطل منهم الكهنوت لأن كهنوتهم لا يكمل إلا في هيكل سليمان ، وأبطل عنهم حميء الأنبياء لأن غايتهم إلي تجسد المسيح ، ثم فرق الشعب اليهودي في آفاق الأرض تحت يد الملوك الغرباء يسودونهم إلي الأبد من غير تعاهد ، وأما الشياطين فأخزاهم بظهور أقنومه علانية كما يقول الرسول وأخضع كل شيء مضاد له تحت قدميه .
قال : ويصير الوعر سهلا والطريق الخشنة لينة أعني الوعر سبل الأمم وخشونة طباعهم فسارت لينة سهلة بالبشري الإنجيلية ، وهكذا القلوب القاسية الوحشة الخشنة لانت بقول التأديب والتعليم ، وانقادت إلي الإذعان .
قال : ويعاين كل بشر خلاص الله : أعني الذين يسلكون في هذا السبيل المستقيم من أي جنس كانوا ، يعاينون خلاص الله ، لأن النبي يقول كل بشر فلم يختص بهذا القول يهودي أو أممي بل جعل الكافة في الإيمان شيئاً واحداً .
مرقس خاصة جعل بدء انجيل معمودية الرب من يوحنا قائلا : بدء انجيل يسوع المسيح ابن الله لأن معني كلمة إنجيل البشري ، أعني أن بدء بشارة ربنا يسوع المسيح ابن الله استعلانه للبشر منذ المعمودية ، كما ذكر بطرس الرسول مثل ذلك في سفر الأعمال قائلا إنه ابتدأ منذ الصبغة من يوحنا لأن الرب مكث ثلاثين سنة علي الأرض لم يظهر ذاته علانية ولم يعرفه الشعب إلي حين المعمودية ، ثم ابتدأ من بعد الصبغة يعلم ويتخذ التلاميذ ، ولهذا جعلها مرقس الإنجيلي أول البشري وترك ما ذكره متي ولوقا في أمر الميلاد وغيره وقصد ظهور الرب وجعل ذلك فاتحة إنجيله ، لأن فيه ظهر سر الثالوث باستعلان وصار بدء الإيمان بالمعمودية المقدسة لأن الرب صار لنا مثالا وطريقاً مفضية إلي الحياة الأبدية ، وبهذا أعطي أمثلة وتعاليم لمعلمي البيعة كما ذكر ذلك الرسل السادة واضعوا أساس البيعة في كتاب الدسقولية قائلين : لا يقدم إلي القسيسية من هو دون الثلاثين سنة ، ولو كان عالمًا عفيفاً ورعاً مشهوداً له بالبر لأن ربنا يسوع المسيح اعتمد وبدأ أن يعلم وأعطانا بهذا مثالا ، وإنما حفظ الرسل هذا المثال لثلاثة فنون فاضلة الأول حفظ الثالوثية ثلاثة عشرات كاملة ، والثاني لأن عند كمالها يكمل المرء الهيبة والقامة والعقل ، والثالثة لأن الشهوة الطبيعية تثور في المرء فيما يناهز ثماني عشرة سنة ويمتحن إلي كمال ثلاثين سنة ، وهي قوة حرارة الشبوبية ، فإذا وجد في هذه المدة ورعاً وعفيفاً عابداً الله متجنباً للمعايب كان مستحقاً لرتبة الكهنوت وأهلا لها ، لأن التربية الأولي صارت حافظة له مع معونة الرب .
ثم بدأ يوحنا ينذر الشعب ويعلمهم تعليما فاضلا قويا من غير رياء ولا خوف مبكتاً الزنادقة ومن يشبههم قائلا يا أولاد الأفاعي من دلكم علي الهرب من الغضب الآتي ، أعني دينونة الله للجميع ، قال اعملوا أثماراً تليق بالتوبة ولا تقولوا إن أبانا ابراهيم لأن الله قادر أن يقيم من هذه الحجارة أولاداً لإبراهيم ، أعني بالحجارة الأمم الذين كانوا يعبدون الأوثان التي من حجارة وغيرها كما قال داود : صانعوها يكونون مثلها وكل من يتوكل عليها ، وأما الذين صاروا بنين لابراهيم هم الذين سلكوا في بر الايمان بربنا يسوع المسيح كما قال الرسول بولس .
ثم بدأ يوحنا يعلم العشارين والجند مع كافة الشعب علانية من غير خوف ولا رعب حتي أن جميعهم ظنوا أنه المسيح لما رأوا من تعليمه الذي كان بسلطان ، وإنذاره بمعمودية التوبة لمغفرة الخطايا وتركه رشاش الزوف ، ولكن يوحنا أجابهم قائلا : لست أنا المسيح ، بل يأتي بعدي ذاك الذي هو كائن قبلي باللاهوت فأظهر بهذا اللفظ لاهوته وناسوته معاً . قال الذي لست أنا مستحقاً أن أحل سيور حذائه أعني بالحذاء الناموس الذي وضعه الرب وسلك فيه أولا وأمرنا أن نتبع أثره كما شهد الرسول قائلا : وحاذين أرجلكم باستعداد إنجيل السلام (أف ٦: ١٥) .
قال هو يعمدكم بالروح القدس ونار ، أعني أن كل الأشياء دونه وهو الكمال ، ولهذا فإنه هو الذي يعمد الكافة لأنه الفاعل في الكل ، وليس مثل يوحنا بالماء للتوبة بل بفعل الروح القدس الذي له الاستطاعة أن يقدس ويطهر ، وبنار عبادته التي هي من حرارة الإيمان ، ولها قوة غفران الخطايا وكل الهفوات التي تكون بعد المعمودية كما قال الرب إني أتيت لألقي ناراً علي الأرض وما أريد إلا اضطرامها. هذه النار التي بحق صارت في القديسين حتي أكملوا سعيهم بقوة وجهاد صالح .
قال الذي بيده الرفش ينقي به بيدره ويجمع القمح إلي أهرائه ويحرق التبن بنار لا تطفأ ، حقق هنا لكل الشعب أن المسيح الذي ظهر بالجسد إله علي الكل بقوله إنه يعمدكم بالروح القدس ، ومعلوم أن الرب لم يعمد أحداً بيده كما شهد يوحنا الانجيلي بل هو الفاعل والمقدس للكل بقوة لاهوته الحال في كل مكان .
ثم زاد ذلك ظهوراً بقوله إنه الذي ينقي أصفياءه ويكلمهم ويحفظهم في أهرائه التي هي ملكوته الأبدية وأما القوم الذين هم مثل التبن والقش ، وقد مالوا مع كل الأهوية الردية ، فإنه يلقيهم في نار جهنم التي لا تنطفيء ليعلمهم أنه يبرر ويشجب ويرفع إلي الملكوت ويلقي في الجحيم . فقد أكمل يوحنا الانذار جيداً مجتهداً غير متهاون وعّلم وبكت وقّوم نفوساً مستقيمة للرب ، كما تنبأ زكريا أبوه عليه قائلا : وأنت أيها الصبي نبي العلي تدعي لأنك تتقدم أمام وجه الرب لتعد طريقه لتعطي معرفة الخلاص لشعبه لمغفرة الخطايا .
وجبرائيل الملاك يشهد عنه قائلا : إنه يرد كثيرين من بني إسرائيل إلي الرب إلههم وهو يتقدم أمامه بروح إيليا وقوته ليرد قلوب الأباء إلي الأبناء والعصاة إلي فكر الأبرار لكي يهييء للرب شعباً مستقيماً . فلما أكمل هذا بأسره قال الكتاب العزيز حينئذ جاء يسوع من الجليل إلي الاردن ليعتمد من يوحنا .
يا لهذا الاتضاع الذي لا يقاس ولا يستطيع لسان بشري ترجمته ، كيف أن الرب الذي يأتي اليه كل البشر كما هو مكتوب ، يأتي إلي الاردن ولم يأنف من ذلك ؟ وقدوس القدوسين جاء ليعتمد من الذي قدسه هو وباركه واصطفاه وأعطاه موهبة روح قدسه ، وأرسله بشيراً أمامه ، وما كان محتاجاً إلي ذلك بل من أجلنا نحن المحتاجين !! ولا لأجل قبول الروح القدس أيضاً لأنه كائن معه أزلياً في الجوهر الواحد اللاهوتي !! بل لكي يعطينا نحن موهبة الروح القدس بالمعمودية علي الإيمان باسمه القدوس . هذا الذي طهر المياة بحلوله فيها وقدسها ، وطهرنا نحن أيضاً بهبوط الروح القدس نازلا عليها .
وماذا قال الكتاب الالهي ؟!
قال إن يوحنا امتنع عن ذلك واستعفي قائلا ” أنا المحتاج أن أعتمد منك ” . أعني ليس أنت محتاجا إلي شيء من هذا ، بالجملة لأنك البار وحدك بل أنا وأمثالي من كافة البشر الذين هم تحت الإشجاب محتاجون إلي الاعتماد منك يا معطي مواهبه لكافة من يدنو اليه ، وفاعل في كل التقديسات ، ومنك خاصة يتقدسون ويتباركون ياقدوس القديسين، نحن محتاجون أن نتقدس منك وليس من أحد سواك يا من بغيره لا يقدر أحد علي شيء من الفضل ، أيها البار وحده الذي بلا عيب ، نحن محتاجون أن نتبرر منك لكيما نخلص من الاشجاب الذي صار الينا من آدم الأول .
نحن محتاجون اليك أن تمزق كتاب خطايانا ، نحن محتاجون اليك أن تحيينا بعد الموت عندما ترسل صوتك فيسمع الأموات ويقوم الصالحون والطالحون معاً . نحن محتاجون اليك ان تصنع معنا رحمة في حكمك المرهوب ، نحن محتاجون اليك أن تنقذنا من العذاب الدائم وتحيينا في الملكوت الأبدي ، لست أنت محتاجا إلي عبادتنا بل نحن محتاجون إلي ربوبيتك وتحننك . إن يوحنا أذهله تواضع الرب واستعفي قائلا :” كيف تأتي إليّ وأنا المحتاج أن أعتمد منك ! فأجابه قائلا : اسمح الآن ، لأنه هكذا يليق بنا أن نكمل كل بر ” .
دع الآن هذه الممانعة والاستعفاء ، لأنك لم تعرف قوة تدبيري ، كما قال لبطرس لما امتنع أن يغسل له قدميه ، إن الذي أصنعه أنا لست تعرفه الآن لكنك ستعرفه فيما بعد . وحيث لم يجد بطرس موضعاً للاستعفاء تركه لكي يغسل قدميه ، وهكذا جري الحال في أمر يوحنا أيضاً بقوله دع الآن أي دع هذه اللجاجة واصنع ما آمرك به لأنه هكذا يليق بنا أن نكمل كل بر ، ومعني كل البر أن الخالق افتقد خليقته بذاته وتعهدها بنفسه لكي يبررنا من الشجب ، والصانع لم يرفض ما صنعت يداه لأن الصنعة إذا فسدت لا يقدر أن يصلحها إلا صانعها ، ولم يتعهدها فقط بل وصار لنا مثالا وطريقا مفضية إلي الحياة الأبدية ، كما قال أنا هو الطريق والحق والحياة ، وبه صار لنا النجاة وغفران الذنوب ، وبه تقدمنا لأنه يعلو كل قدس ، أما يوحنا إذ لم يقدر علي الاستعفاء ولا وجد مفر ولابداً أذعن لأمر سيده .
وأن الرب لما اعتمد صعد للوقت من الماء لكيما يرينا سرعة اهتمامه بنا ، وانفتحت له السموات لأنه مالك لكل شيء ، وظهر روح الله نازلاً شبه حمامة آتياً إليه ليعلم أن الروح كامل ذو أقنوم وأنه استعلن لأجل استعلان الإبن ليكون فاعلا في كل التقديسات ، وحيث أنه غير متجسد تمثل بشبه حمامة دون غيرها من الطيور لأجل دعتها ، وإذا بصوت من السماء قائلا ” هذا هو إبني الحبيب الذي به سررت ” وبهذا سمي هذا العيد عيد الظهور كما تقدم القول ، لأن فيه ظهر سر الثالوث القدوس الإبن في الأردن والآب يشهد له والروح القدس نازل عليه .
ولماذا لم يحل علي الرب وهو في نهر الأردن ؟ ذلك لئلا يظن أنه حل علي يوحنا المعمدان ، لأن اسمه كان ذائعا ، ولهذا لما صعد الرب من الماء واعتزل من يوحنا حلَّ عليه خصيصا ، وإن كان الروح معه لم يزل في وحدانية اللاهوت جوهراً واحداً ، بل صنع هذا لكيما كل من اعتمد بهذا المثال علي اسم الثالوث القدوس الواحد في اللاهوت يقبل موهبة الروح القدس لأن الرب صار لنا مثالا في كل شيء.
يوحنا الإنجيلي جعل فاتحة انجيله عن الميلاد الأزلي الذي ليس له إبتداء قائلا : في البدء كان الكلمة ، والكلمة كان عند الله ، والله هو الكلمة وهكذا . فلما تقدم لم يترك تدبير التجسد والمعمودية المقدسة لأجل فضلها بل أكد ذلك جيداً بحلول الروح علي الأردن وقول يوحنا المعمدان إني عاينت وشهدت أن هذا هو ابن الله .
ولم يقتصر بهذا بل زاد إظهاراً وتأكيداً بأن الرب إنما صنع ذلك لأجلنا خاصة ، يقول الرب لنيقوديموس إنه ينبغي لكم أن تولدوا من فوق لأن المولود من الجسد جسد هو والمولود من الروح روح هو ، وقال من لا يولد من الماء والروح لا يعاين ملكوت الله ، هذا الذي به جددنا وجعلنا أبناء للآب في الحياة الأبدية كما يقول الرسول إنه أحيانًا بغسل الميلاد الثاني وبتجديد موهبة الروح القدس أعني أن الروح الذي نزعه من آدم عند المخالفة ، جدده فينا بالمعمودية مجاناً بنعمته ، قال : الذي أفاضه علينا من غناه وفضله يسوع المسيح محيينا لنتبرر بنعمته ونكون وارثين لرجاء الحياة الدائمة .
فلذلك يا أحبائي كرامة هذا العيد جليلة جداً ، ويجب علينا أن نوقره لأن فيه استعلن لنا سر الثالوث ، اليوم أعطانا الابن سلطانا أن نولد من فوق ونصير بنين لله بالروح ، ” والروح نفسه أيضاً يشهد لأرواحنا أننا أولاد الله ، (رو٨: ١٦) .
اليوم سحق الرب رأس التنين علي المياه كنبوة داود ، اليوم أعتقنا الابن من العبودية المرة ، وصيرنا أحراراً عندما جعل فينا موهبة روح قدسه ذاك الذي نزعه من أبينا آدم عند أكله من عود المعصية ، اليوم كمل المكتوب في يوئيل النبي أني أفيض من روحي علي كل بشر يقول الرب ، فلنصنعه الآن عيداً نقياً طاهراً كما يليق به لأن فيه طهرنا الرب بحلول روح قدسه وولدنا ميلاداً جديداً ، وليس من زرع يبلي كما كان أولا بل مما لا يبلي لميراث ملكوت أبدي لا زوال له .
وها الصوت الصارخ نسمعه اليوم قائلا : أعدوا طريق الرب واصنعوا سبله مستقيمة ، وإن كان هذا قد صار إلي يوحنا وصرخ به في المسامع جسدانياً فقد أكمله آباؤنا الرسل الأطهار كنائسياً في إنذار البشري وبنيان الكنيسة كما تقدم القول ، فإنه باقي إلي اليوم قائم ثابت صائر إلينا روحانياً يصرخ في مسامع نفوسنا التي صارت كمثل برية خالية من عمل البر ، لترك الاهتمام بها ، فأمرنا أن نسهل طريق الرب ليحل فينا بالروح عندما نحفظ وصاياه كما قال : إن أحبني أحد يحفظ كلامي ويحبه أبي وإليه نأتي وعنده نصنع منزلا (يو ١٤: ٢٣) .
فما الذي يكون أشرف من هذا أن الانسان الحقير الترابي يصير مسكناً للرب الإله العظيم السمائي يعمل وصيته ، وحينئذ تمتليء الأودية التي في تلك النفس ، وهي ضعف القلب وقلة الأمانة وعدم الرجاء ، تمتلئ إيمانًا وقوة ورجاء صالحا في الله ، ثم الآكام التي فيها تتضع أعني الكبرياء والافتخار والعصيان لناموس الله وتصير متضعة من أجل الرب الذي اتضع من أجلنا ، خاضعة لناموسه بمحبة واجتهاد حافظة وصاياه بلذة ، حتي أن النفس التي كانت وعرة في مسلكها تصير سهلة في انقيادها وكانت أولا وحشية خشنة في طباعها تصير لينة سهلة في تصرفها ، وها قد رسم فيها وطبع ناموس الروح ليس في ألواح حجرية ، بل في قلوب لينة لحمية كما يقول الرسول ، وهكذا يعاين كل بشر هذا فعله خلاص الله ، ويجب علينا أن نذكر العهد الذي عاهدنا به الرب وقت المعمودية كالأوامر الرسولية بأن نجحد الشيطان وكل أعماله ، ونتبع ناموس الرب وكل أفعاله ، وإن كنا قد زللنا وعملنا خلاف ذلك ، فلنتجدد بنار التوبة التي من تلقاء الروح ، وننهض من السقطة ونرجع عن توعر التهلكة ، إذ أن الرب يدعونا علي فم إشعياء النبي قائلا: إرجعوا إليّ فأرجع إليكم يقول الرب ، ولو كانت خطاياكم قد صارت كالدم جعلتها كالثلج ، ولو كانت كصبيغ القرمز تصير كالصوف الأبيض النقي ، فإن تهاونا في ذلك يكمل علينا قول الرسول : أن ليس عهد ولا وفاء لهم ، وهذه الكلمة قيلت للمؤمنين خاصة ، وقال : أولئك الذين يعرفون حكم الله أنه مستوجب الموت علي الذين يعملون هذه القبائح وهم لا يقتصرون علي العمل بها فقط بل ويلتمسون مشاركة من يعملها أيضاً (رو ١: ٣١) .
فالأن نرجع إلي الرب بتوبة نقية لكي نطهر من هذه القبائح ونغتسل من وسخ دنسها لأن الرب يعلمنا علي فم إشعياء النبي قائلا : اغتسلوا وتطهروا وانزعوا الشر والخبث من قلوبكم أمام عيني يقول الرب ، ثم أن النبي يثلب قومًا يداومون علي خطاياهم وجهلهم قائلا :” ويل للذين يبكرون صباحا يتبعون المسكر ، للمتأخرين إلي المساء تلهبهم الخمر ” (أش ٥: ١١) .
أعني الذين يتهاونون بنفوسهم في دنس الآثام من صباهم إلي كمال حياتهم فيدركهم المساء الذي هو الموت الذي لم يبق فيه عمل ولا تقبل فيه توبة ، فلنسع الآن في عمل البر حسب قوتنا ما دام لنا زمان ومهلة قبل أن تدركنا الوفاة ، لكي نجد منه معونة ونظفر عنده برحمته والرب يحفظنا أجمعين من مكائد العدو ومناصبه ، ويؤهلنا لسماع ذلك الصوت الفرح القائل : تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملك المعد لكم منذ إنشاء العالم بشفاعة سيدتنا البتول القديسة مريم والدة الخلاص وشفاعة القديس البار مار يوحنا المعمدان وشفاعات آبائنا الرسل والشهداء والقديسين آمين[4] .
عظات آباء وخدام معاصرين
قداسة البابا تواضروس الثاني: هذا هو أبني الوحيد
هناك ثلاث عبارات متشابهة قيلت عن السيد المسيح قبل المعمودية وأثنائها وبعدها .
ولكل منها مفهوم خاص هو تأمل هذه الليلة :
+ قبل المعمودية :
يوحنا المعمدان يقول : ” هوذا حمل الله الذى يرفع خطية العالم “(يو١: ٢٩).
وفى هذا اشارة الى مسيحنا المخلص . وهذا هو خلاص الانجيل ( البشارة) والذى تحقق بالصليب وبالقيامة .
+ أثناء المعمودية :
الصوت السماوى يقول : ” هذا هو ابنى الحبيب الذى به سررت ” (مت٣: ١٧).
+ بعد المعمودية:
الصوت السماوى يقول : ” هذا هو ابنى الحبيب ، له اسمعوا ” (لو٩: ٥٣) .
هذا اشارة الى مسيحنا المرشد . وهذا هو طاعة الانجيل ( الوصية ) فى حياتنا .
لماذا نأكل القلقاس والقصب فى عيد الغطاس ؟
أــ القلقاس : لايؤكل بقشرة ولايؤكل قشره . يجب تعريته تماما .
١- يزرع فى باطن الأرض، والمسيحى يبدأ حياته بالدفن فى المعمودية كالمسيح .
٢- له درنات على سطحه … والمسيحى يلد آخرين بايمانه .
٣- يقطع ويترك فى الماء لنتخلص من المادة المخاطية غير المستحبة ( سامة ) والمسيحى فى المعمودية يتخلص من خطاياه السابقة .
٤- قلبه أبيض رغم شكله الخارجى ” أنا سوداء وجميلة ” (نش ١: ٥) .
٥- يطبخ بطريقة الخضرة …. والخضرة رمز الحياة الجديدة .
ب ــ القصب : نبات به عقل ، أي درجات النمو الروحي .
١- يمص في الفم بضغط الأسنان ، والمسيحي فى طريق الله يتعرض للضغط والالم ، ولكنه يقدم العصير الحلو ( الفضيلة ) .
٢ – اختبار معرفة الله وأسلوبه الحلو والمبارك في أفواه قديسيه .
٣- ينمو باستطالة نحو السماء ، والمسيحي يشتاق للسمائيات .
+ أعياد التجسد الالهى سبعة يتوسطها عيد الغطاس .
( البشارة ــ الميلاد ــ الختان ــ الغطاس ــ عرس قانا الجليل ــ دخوله الهيكل ـــ دخوله مصر) .
يوجد عدة أسماء لعيد الغطاس :
١- عيد سيدى كبير ( الثالث بعد البشارة والميلاد ) .
٢- عيد العماد ( الأردن ) .
٣- عيد الغطاس .
٤- عيد الابيفانيا ( Epiphany ) .
٥- عيد الأنوار والشموع .
٦- عيد المطر[5]
المتنيح الأنبا أثناسيوس مطران بني سويف والبهنسا
شهادة يوحنا (يو١: ١٩-٣٤)
أحس اليهود أن يوحنا شخص غير عادي ، فأرسلوا إليه “كهنة ولاويين “ليناقشوه ويدرسوا الأمر رسميا من هو . فسألوه أسئلة ثلاثة هل هو المسيح ، أم هو النبي ، أم هو إيليا .
كان موسى النبي قد قال لليهود ” يقيم لك الرب إلهك نبيا من وسطك من أخوتك مثلی ، له تسمعون ، (تث ١٨: ١٥) .
وقد كان المفهوم المباشر لهذه النبوة أنها عن يسوع الذي جاء بعد موسی . ولكن اليهود فهموها دائما أنها عن نبي من نوع آخر يقيم عهدا جديدا معهم هو عهد المسيا .” ويكون أن الإنسان الذي لايسمع لكلامی الذي يتكلم به باسمي أنا أطالبه ” (تث ۱۹:۱۸) .
وقد واجه الرسول بطرس في (أع ٤: ٢٢) والشماس اسطفانوس (أع ٧ : ٣٧) اليهود بهذه النبوة . وقال ملاخي النبي ، هانذا أرسل ملاکی فیهيء الطريق أماما ، .. ويأتي بغتة إلى هيكله السيد الذي تطلبونه وملاك العهد الذي تسرون به ) (مل ٣ : ١) متنبأ عن مجئ يوحنا ومجيئ الرب يسوع ..
وأشعياء تنبأ عن يوحنا أيضا وأسماه صوتاً ” صوت صارخ في البرية أعدوا طريق الرب ، قوموا في القفر سبيلا لالهنا . كل وطاء يرتفع . وكل جبل وأكمة ينخفض ، ويصير المعوج مستقیما والعراقيب سهلا . فيعلن مجد الرب ويراه کل بشر معا” (أش٤٠: ٣-٥).
وتكلم ملاخي النبي أيضا ” هأنذا أرسل اليكم ايليا النبي قبل مجيء يوم الرب العظيم المخوف … “(زك ٤: ٥) فكان اليهود يعتقدون أن اثنين يأتيان قبل المسيا . ولذلك سألوه ان كان هو النبي أم ايليا .. وفي الحقيقة لم يكن ليأتي قبل المسيا سوى واحد هو يوحنا المعمدان الذي سماه الوحی نبيا أو ملاکا بروح ايليا أي بصفات ايليا في النسك والشجاعة .
على أن بعض المفسرين في الإسلام يقولون أن نبوة موسى عن نبی (من اخوتك) (تث ١٨: ١٥) تعنى مجيئ الإسلام لأنه من أخوتهم أي من بنی اسماعیل ، ويربطون بين كلمة النبي هنا وأمرين آخرين ، الأول تسبحة حبقوق ” الله جاء من تيمان والقدوس من جبل فاران .. جلاله غطى السموات والأرض امتلأت من تسبيحه ” (حب ٣ : ٣) وقوله في سفر التكوين أن أسماعیل سكن في فاران (تك ۲۱:۲۱) .
والأمر الثاني أنباء السيد المسيح تلاميذه بمجيء الباراقليط (يو ١٤: ٢٦) باعتبار أن لفظ باراقليط إذا حرف نطقه قليلا يصير بيريكليت ومعناه الحمد أو الشكر وهو قريب من لفظ “أحمد “.
وردنا على هذا هو أن برية فاران في البرية التي وصل إليها اليهود في نهاية العام الأول لخروجهم من مصر . ومنها أرسلوا الجواسيس ليتجسسوا الأرض ( أنظر عد ۱۲:۱۰ ، ١٢: ١٦ ، ١٣: ٢٦) . وفي نهاية المدة خرجوا من فاران وتوجهوا إلى أرض كنعان . وكانوا كلما سبحوا الرب على تخليصه أیاهم من التيه يذكرون الخروج من فاران وسعير وارض آدوم ابی بنی عیسو.
وهكذا ترنمت دبورة بعد الخلاص الذي عمله الرب بيدها على سيسرا فقالت ” أنا أنا الرب أترنم .. يارب بخروجك من سعير ، بصعودك من صحراء آدوم ارتعدت الأرض . السموات أيضا قطرت . كذلك السحب قطرت ماء . تزلزلت الجبال من وجه الرب ، وسيناء هذا من وجه الرب “(قض ٥ : ٣-٥) . وفي هذا يقول داود النبي في المزمور ” اللهم عند خروجك أمام شعبك ، عند صعودك في القفر ، الأرض ارتعدت والسماوات أيضًا قطرت أمام وجه الرب ، سيناء نفسه أمام الله إله اسرائیل ، (مز ٦٨: ٨-٩).
وهذا ماقاله حبقوق ليس متنبئا عن مستقبل بل مرددا تسبيح خلاص ” الله جاء من تيمان والقدوس من جبل فاران . جلاله غطى السموات والأرض امتلأت من تسبيحه .. رأيت خیام کوشان تحت بلية . رجفت شقق أرض مديان .. ثقبت بسهامه رأس قبائله . عصفوا لتشتيتي . ابتهاجهم كما لأكل المسكين في الخفية .. إلى آخر الاصحاح (حب ۳) .
وأما الكلام عن الباراقليط فمردود بكون الباراقلیط هو روح الله القدس نفسه المعزی . الباراقليط = المعزى ” الروح القدس الذي يرسله الآب باسمي ” (يو ١٤: ٢٦) وهو موعد الآب الذي انتظره التلاميذ بعد صعود السيد حسب أمره لهم بألا يبرحوا أورشليم حتى يأتيهم (أع ١ : ٤) وهو الذي نزل عليهم يوم الخمسين (أع ٢ : ١ -٤) فامتلأوا به وخرجوا للتبشير وهو مع الكنيسة وفي المؤمنين وهو هبة ملازمة للإيمان والعماد.
على أن يوحنا وقد سبق أشعياء وقال عنه ( صوت صارخ في البرية البرية )(أش ٤٠: ٣) قد رد على سائليه في تواضع أنه ليس هو إيليا بل هو الصارخ في البرية.وحين لم يفهموا وسألوه لماذا يعمد اذن ، تمسك بأنه هو الممهد لمجئ المسيا “أنا أعمد بماء ولكن في وسطكم قائم الذي لستم تعرفونه هو الذي يأتي بعدی ، الذي صار قدامى الذي لست بمستحق أن أحل سيور حذائه “.
وحدد يوحنا شهادته عن الرب يسوع حين رأى الرب مقبلا اليه فقال “هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم ” . هذا هو الذي قلت عنه ” ( آية ۳۰ ) وكرر الشهادة في اليوم الثاني أيضا ( آية ٣٥ ) .
أما قوله «أنا لم أكن أعرفه. لايعني أنه لم يكن يعرف يسوع الناصرى لأنهما كانا قريبين ، ويغلب الظن أنهما تقابلا كثيرا بل لم يكن يدرك أن يسوع هو المسيا المخلص حتى أشار الروح إليه بعلامة واضحة . وكان يوحنا يعرف تميز يسوع المسيح في الحياة والقداسة. فلما أقبل اليه ليعتمد قال له “أنا محتاج أن أعتمد منك وأنت تأتي الى ” (مت ٣: ١٤) وكأنه قالها ليس فقط بحكم اختباره لتميزه بل متحركا بالروح أيضا . ثم حين ظهر الروح مستقرا عليه تم فهمه واضحا. ولذا قال يوحنا ” وأنا قد رأيت وشهدت أن هذا هو ابن الله ” (يو ١: ٣٤) .
“في الغد”وردت هذه الكلمة في هذا الاصحاح ثلاث مرات فساعدتنا على معرفة مادار في أيام هذا الاسبوع الذي بدأ بارسال اليهود مندوبين عنهم لسؤال يوحنا عن رسالته مما جعل وجه شبه بين بداية التكوين في سرده لحوادث الحلقة الاولي وبداية هذا الانجيل في وضعه لحوادث الأسبوع الأول في خدمة الرب لتجديد العالم ولا يبعد أن يكون هذا هو الأسبوع الذي تلا نزول الرب من جبل التجربة. وفيه تعرف علي التلاميذ لأول مرة ثم قابلهم في الجليل كما جاء في (مت٤: ١٧-٢٢)، و (مر ١: ١٦-٢٠)، و( لو ٥: ٢-١١)[6].
المتنيح الأنبا بيمن أسقف ملوي وأنصنا والأشمونين: الحمل
لقب يتغنى به المؤمنون في ترانيمهم وألحانهم وإسم مبارك تنشده جوقات
الملائكة ورؤساء الملائكة والمائة والأربعة والأربعون ألفا البتوليون وجميع طغمات
السمائيين ، هؤلاء جميعا يسجدون للحمل الجالس على العرش . قائلين ” مستحق هو الخروف المذبوح أن يأخذ القدرة والغني والحكمة والقوة والكرامة والمجد والبركة”
(رؤ ه : ۱۲). وبالرغم من أن هذا اللقب لم يذكر كثيرا في العهد الجديد،فيما عدا سفرالرؤيا ، إلا أننا نجد له إشارات معينة .مثلما ذكره يوحنا المعمدان وسجل في بشارة معلمنا يوحنا ” وفي الغد نظر
يوحنا يسوع مقبلا إليه فقال هوذا حمل الله الذي يرفع خطيةالعالم “(يو ١: ۲۹)
وفي موضع آخر يذكر إنجيل يوحنا ” وفي الغد أيضا كان يوحنا واقفا هو وإثنان من
تلاميذه ، فنظر إلى يسوع ماشيا فقال هوذا حمل الله فسمعه التلميذان يتكلم فتبعا يسوع ” (يو ۱: ٣٥ – ۳۷)
ومعلمنا بطرس يشير في رسالته الأولى إلى هذا اللقب المبارك بقوله
*عالمين أنكم افتديتم لا بأشياء تفنى بفضة أو ذهب من سيرتكم الباطلة التي تقلدتموها من الآباء ، بل بدم كريم كما من حمل بلا عيب ولا دنسدم المسيح معروفا سابقا قبل تأسيس العالم ” (١ بط ۱۸:۱ ،۱۹). وفي سفر أعمال الرسل نجد إشارة أيضا إلى هذا اللقب ،عندما إقتاد ملاك
الرب فيلبس ليقابل رجلا حبشيا .. ” فبادر إليه فيلبس وسمعه يقرأ النبي أشعياء ..
وأما فصل الكتاب الذي كان يقرأه فكان هذا ” مثل شاة سيق إلى الذبح ومثل خروف صامت أمام الذي يجزه ، هكذا لم يفتح فاه ” .. لقد فتح فيلبس فاه وبشر الخصى بيسوع وأوضح له أن ما ذكر و أشعياء كان رمزا للمسيح ” (أع ٨: ٢٦- ٤٠) .
ماذا يعني هذا اللقب المبارك ؟
الطهارة والبراءة والوداعة واللطف.. هذه الفضائل تطلق دائماعلى الحمل . فمن المعروف عن الخروف ، أنه عندما يعثر ويسقط في التراب سرعان ما ينفض
فروته .. إنه عكس الخنزير تماما ، الذي لا يميل إلى النظافة، بل يعيش على أكل
الفضلات والقاذورات . لهذا يرمز الحمل إلى النظافة والطهارة ،وأما الخنزير فإلى
النجاسة والقذارة . والحمل دائما يحمل سمة البراءة إنه لا يؤذى ولا يضر ، ولكنه وديع ورقيق ولطيف للغاية . لهذا قال الرب يسوع بفمه الطاهر ” احملوا نیري عليكم ، وتعلموا مني ، ، لأني وديع ومتواضع اب فتجدواراحة لنفوسكم ” (مت ۱۱ : ۲۹) .
ويوصينا دائما الرسول أن نكون لطفاء وحلماء وودعاء ،مثلما كان الرب يسوع (۲ کو ۱:۱۰). لقد كان الرب مثالا للبشرية في الوداعة والطهارة والرقة واللطف، وكل
الذين يتبعوه تنطبع عليهم فضائل المسيح وسماته .
الحمل للفداء والفصح
المسيح كحمل يشير إليه خروف الفصح : الذي أمر الله موسى أن يذبحه في الرابع عشر من نيسان . (خر١٢). وفي خيمة الاجتماع كان الخروف يقدم نهارا وليلا (خر ۲۹ : ۳۸ – ٤١)، (عد ۱:۲۸-۸) وفي بداية كل شهر كانت تقدم سبعة خرفان (عد۲۸ : ۱۱) . وظل الحال هكذا ، حتى خرب الهيكل.
المتأمل في شريعة ذبح الخروف ، سواء كان للتطهير أوللأعياد ولعيد الفصح
يلحظ ما يلى :
ا- إن الحمل ، كان يلزم أن يكون بلا عيب ، وهكذا كان المسيح حمل الله الذي يرفع خطايا البشرية ، بلا عيب ولا دنس ولم يوجد في فمه غش.
۲- إن الخاطئ كان يضع يده على الحمل ، وكان في الرمز أن الخطية تنتقل من
الخاطئ إلى الذبيحة التي تفتديه وتموت عنه.
٣- وفي عيد الفصح كان لابد لليهودي وأسرته من أكل الخروف ،لأن الفصح
كان إشارة إلى المسيح ” لأن فصحنا أيضا المسيح قد ذبحلأجلنا” (١كو ٥: ٧)،
فهو الحمل الحقيقي الذي سفكدمه في الجلجثة من أجل خلاص البشرية . ولهذا تحتم الكنيسة الأرثوذكسية على أولادها أن يتناولوا من جسد المسيح ودمه الأقدسين على المذبح ، حتى يتحد المؤمن بالذبيحة الوحيدة المقبولة أمام الآب ، فيجد الرضا والغفران والقبول ، من خلال هذه الشركة المقدسة.
٤- وكان ذبح الخروف في عيد الفصح ، تذكارا لمعاملات الله مع شعبه . کی يتذكر كل يهودی ما عمله الله مع آبائه عندما أخرجهم من أرض العبودية بيدقوية وذراع شديدة وهكذا نحن أيضا عندما نتناول من الجسد والدم الأقدسين ،
نبشر بموت الرب ونعترف بقيامته ونذكره إلى أن يجئ.
الحمل الممجد في وسط العرش
في سفر الرؤيا ، ذكر لقب الحمل مالا يقل عن ۲۹ مرة. حتى أننا يمكننا أن نقول ، إن هذا اللقب هو محور السفر كله . ولكن الرائي يقدم لنا صورة أخرى ، تختلف تماما عما نقرأه في رموز العهد القديم ، وفي كتابات معلمنا بطرس ومعلمنا يوحنا والرسول بولس
لنتابع صورة الحمل في وسط الرؤيا
بالرغم من أن الخروف لا يزال في أورشليم السمائية ، يحمل سمات الفداء والصلب ، إلا أننا نراه حيا إلى الأبد وقائما. “ورأيت فإذا في وسط العرش والحيوانات الأربعة ، وفي وسط الشيوخ ، خروف قائم كأنه مذبوح” (رؤ ٥ : ٦). وبالرغم من أنه يتكلم عن دم الخروف إلا أنه ببره ذا فاعلية في حياة القديسين والشهداء ، إذ يقول ” وقد غسلوا ثيابهم ، وبيضوا ثيابهم في دم الخروف ” (رؤ ٧: ١٤). وفي موضع آخر يقول “وهم غلبوه بدم الخروف ،وبكلمة شهادتهم ، ولم يحبوا حياتهم حتى الموت”(رؤ ۱۲ : ۱۱). ويصور لنا السفر أيضا الخروف راعيا وقائدا للمختارين الذين غلبوا وانتصروا . ودخلوا مدينة الأبكار ، مدينة الراحة والسلام إذ يقول”لن يجوعوا
بعد ، ولن يعطشوا بعد، ولا تقع عليهم الشمس ، ولا شيءمن الحر ، لأن الخروف الذي في وسط العرش ، يرعاهم ويقتادهم إلى ينابيع ماء حية ويمسح الله كل دمعة من عيونهم ” (رؤ ٧: ١٦ – ۱۷). وفي مجال هذه القيادة يقول السفر أيضا أن ” المئة والأربعة والأربعون ألفا الذين إشتروا من الأرض ، هؤلاء هم الذين لم يتنجسوا مع النساءلأنهم أطهار هؤلاء هم الذين يتبعون الخروف حيثما ذهب ، هؤلاء إشتروا من بين الناس باكورة الله وللخروف ” (رؤ ١٤: ٣ – ٤) . وحمل سفر الرؤيا ليس ضعيفا مهانا ، وإنما هو أقوى جبار ،له سبعة أعين وله سبعة قرون ، إشارة إلى القوة الغالبية الساحقة . “ورأيت فإذا في وسط العرش والحيوانات الأربعة وفي وسط الشيوخ ،خروف قائم كأنه مذبوحله سبعة قرون وسبعة أعين هي سبعة أرواح الله المرسلة إلى كل الأرض”(رؤ ٥: ٦).
وهذا الحمل القوى الجبار ، له سلطة ونصرة وسيطرة ، فهوالذي يفتح سفر
الحياة ، ويقرأ أسماء المكتوبين فيه كما كان يعمل الملوك قديما ،عندما يفتحون
سجلات المواطنين الخاضعين لسلطانهم (رؤ ۱۳: ۸)، ( ؤ ۲۱ : ۲۷) .
وهو المنتصر في المعركة النهائية الحاسمة
فالرائي يعلن لنا أن الخروف واقف على جبل صهيون ومعه١٤٤ ألف ، لهم إسم أبيه مكتوب على جباهه. وهؤلاء يحضرون حفل النصرة ،غلبة الحمل على أعدائه ، لأنه رب الأرباب وملك الملوك (رؤ ١٤ : ۱۰)، (رؤ ۱۷ : ١٤). وهو في هذا السفر الجالس على العرش ، وتسجد له كل الأمم والقبائل والشعوب والألسنة ، ويقفون أمامه متسربلين بثياب بيض ، وفي أيديهم سعف النخل وهم يصرخون بصوت عظيم ” الخلاص لإلهنا الجالس على العرش وللخروف ” (رؤ ۷: ۱۰).ويصور لنا السفر الحمل أيضا كعريس مرتبط بعروسه ، أي الكنيسة فحيثما يوجد الرب ، توجد معه كنيسته التي إفتداها بدمه ، إنه و عده المبارك حينما أكون تكونون أنتم أيضا معي ، وكما غلبت تغلبون أيضا معي ” اكتب طوبى للمدعوين إلى عشاء عرس الخروف . وقال هذه هي أقوال الله الصادقة ” (رؤ ۱۹ : ۹). وفي الختام يبرز لنا سفر الرؤيا الحمل مزمجرا غاضبا يدين كل الذين رفضوه ، ويهلك كل الذين إحتقروا صليبه ، حتى أن هؤلاء عندما يبصرونه في مجده ومجد أبيه ” وهم يقولون الجبال والصخور إسقطی علينا وإخفينا عن وجه الجالس على العرش ، وعن غضب الخروف ، لأنه قد جاء يوم غضبه العظيم ومن يستطيع الوقوف ” (رؤ ٦: ١٦) ربي يسوع : أنت الحمل الوديع . ولكنك القوى الجبار ، أنت الذبيحة لفداء
البشرية ، ولكنك الدیان العادل ، أنت المتألم لأجل البشرية ،ولكنك المتمجد
والجالس في يمين عرش الآب . أنت الذي قبلت عار الصليب بفرح، ولكنك الآن
تجثو لك كل ركبة ما في السماء وما على الأرض وما تحت الأرض ربي : ” ذكر الذين يحتقرون صليبك ويهزأون بجراحاتك أن يوم غضبك العظيم آت ، ومن له أذنان للسمع فليسمع[7] ” .
المتنيح القمص تادرس البراموسي
اليوم الحادي عشر من شهر طوبه المبارك
هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم (يو ١: ١٨ – ٣٤)
كثيرون يجهلون من هو الله والعالم يرزح تحت نير الوثنية ولماذا إلى الأن توجد الوثنية في بعض الدول ؟ وبالرغم من أن فيها مـثقفين ومـتعلمي إلا أن فكرة العبادة ووجود الله شئ غريب عليهم بالرغم من المبشرين والمعلنين لحقيقة الله . وليس من السهل أن تدخل فكرة الله الخالق بـل يعتقدون أن الخليقة تنمو تلقائيا وتنمي نفسها واستمرت بعض الـدول ردح من الزمن تحت نير الشيوعية ؛ لا تؤمن بالله بل تعيش في إستهتار وإهانة الله تبارك إسمه ؛ ونرى كل يوم جديد وأراد الإنسان أن يتـدخل حتى في شئون الله كما كان آدم من البداية كان يريد أن يكون مثـل الله عارف الخير والشر .
وفاجئتنا بعض الدول بطريقة الإستنساخ مما يجعل الإنسان يـشـك أنـه لا يوجد إله ؛ حتى في اليهودية يوجد فيهم الذي قلبه بعيد عن الله كمـا قال عنهم الوحي الإلهي الشعب يكرمني بشفتيه أما قلبه فمبتعـد عنى بعيداً (مت ١٥ : ٨) . الثور يعرف قانيه والحمار معلف صاحبه أما إسرائيل فلم يعرف شعبي لم يفهم (أش ١ : ٣) . واستمرت الأمور بين مؤمن وغير مؤمن إلى أن جاء الرب يسوع الذي أعلن الحقيقة عن الآب وأعلن عن السر الذي كان مخفى بالرغم من نبوات الأنبياء إلا أنه كان غير مفهوم .
شهد يوحنّا الإنجيلي بذلك بعد أن تجلى له الرب يسوع بـأمور كثيرة فنطق بأمور في منتهى العمق ؛ قال الله لم يراه أحد قط الإبن الوحيد خبر . أعلن الرب يسوع عن ما لم يعرفه العالم ولا حتى الأنبياء لأنـه لا أحـد يعرف الآب إلا الإبن وليس أحد يعرف السماء إلا الـذي نـزل مـن السماء ، وكل من رأى السماء من الأنبياء والرسل لم يرى إلا الظل كما قال معلمنا بولس الرسول نرى الأن كما في لغز في مرآة لكن سنراه كما هو ؛ أرسل اليهود إلى يوحنا المعمدان كهنة ولاويين يسألونه من أنـت فاعترف يوحنا ولم ينكر وشهد شهادة الحق وأقر إني لست المـسيح.
قالوا إذا من أنت إيليا أو نبي لنعطي جواباً لمن أرسلونا ؟ ماذا تقول عن نفسك ؟ قال أنا صوت صارخ في البرية قوموا طريق الرب كمـا قـال أشعياء ؛ قالوا لو أنت لست المسيح فما بالك تعمد ؟ قال لهم أنا أعمد بالماء للتوبة ولكن يأتي – وهو أتى وقائم في وسـطكم الذي لستم تعرفونه- هو الذي يعمدكم بالروح القدس الذي لست مستحقاً أن أحل سيور حذائه . كانت هذه المناقشة بين يوحنا وبين مـن أرسـلهم الكهنة واللأويين ولم يكن يسوع بينهم ؛ وفي الغد نظر يوحنّـا الـرب يسوع مقبلاً إليه فقال هذا هو حمل الله الذي يرفع خطية العالم.
أحب يوحنا أن يؤكد للعالم أن هذا هو المسبح الذي تنتظروله فقال هذا الذي قلت عنه بالأمس أن الذي يأتي بعدي صار قدامي لألة كان قبلي .شهد يوحنا قائلاً أننى قد رأيت الروح نازلا عليه مثل حمامة من السماء واستقرت عليه وأنا لم أكن أعرفه لكن الذي أرسلني لأعمد بالماء قال ذاك الذي ترى الروح نازلاً ومستقراً عليه فهذا هو الذي يعمد بالروح القدس وأنا قد رأيت وشهدت أن هذا هو المسيح ابن الله .
هذا اليوم الذي هو اليوم الحادي عشر من شهر طوبه تحتفل الكنيسة بعيد الغطاس المجيد وتعتبره الكنيسة عيد الظهور الإلهي الذي ظهر فيه الثالوث القدوس في أجلى بيان ؛ الإبن في الماء والروح القدس مثل حمامة نازلاً عليه والآب من السماء ينادي هذا هو إبني الحبيب الذي به سررت وتطلق الكنيسة أيضاً عليه ” عبد الثيؤفانيا ” مضى السيد ليعتمد من العبد وكيف يتجرأ العبد ويضع يده على رأس سيده ؟ هذا هو يوحنا الذي سجد للمسيح وهو في بطن أمه كيف يضع يده على رأسه ؟ إمتنع العبد لكن السيد أراد أن يكمل كل بر ؛ وأصبح عيد الظهور الإلهي عيد سيدي كبير وتحتفل به الكنيسة المسيحية في كل العالم ، وكانـت عـادة المسيحيين يستحمون في البحر في هذا اليوم إحتفالاً بمن تعمد في مثل هذا اليوم ، وكانت بعض الكنائس تعمل خوص في صحن الكنيسة ملئ بالماء وكان يستحم فيه المؤمنين في مثل هذا اليوم ؛ حقاً ما أبعد أفكار الله عن الفحص وطرقه عن الإستقصاء (رو ۱۱ : ۳۳) . تنازل وأخذ شكل العبد ؛ الذي السماء ليست بطاهرة أمامه وللملائكة يُنسب حماقة صار مثل عبد وتمم عمل الناموس وأطاع حتى موت الصليب وتمم لنا الخلاص[8]
القديس الأرشيدياكون حبيب جرجس
شهادة يوحنا المعمدان للمسيح (يو١: ١٩- ٣٤) « هوذا حمل الله الذي يرفع خطيئة العالم » (يو ۱ : ۲۹) .
(أولا ً) كان يوحنا أميناً في خدمته وجاء ليشهد للمسيح ويهيء الطريق أمامه . ولما سئل عن عمله اعترف بأنه جاء ليعد الطريق قـدام الرب، وانه يعمد للتوبة . واما معمودية المسيح فللولادة الجديدة بالروح القدس .
(ثانياً) يسوع هو الحمل الذي أعده الله ليقدم كفارة ليرفع خطيئة العالم . فهو الذي كفرعن خطايانا بتقديم ذاته على الصليب ذبيحة . فهل تحبه من كل قلبك وتملكه على نفسك
(ثالثاً) لم يكن يوحنا يعرف المسيح من قبل لأن يوحنا عاش في البرية ويسوع عاش في الناصرة ولكن روح الله أرشد يوحنا الى معرفته ورأى بعينه الروح نازلاً عليه
(رابعاً) شهد يوحنا بأن المسيح ابن الله وأرشد الناس اليـه بأنه يأتى بعده مع أنه كان قبله منذ الازل[9].
المتنيح الدكتور وليم سليمان
مع السابق الصابغ السر والتعبير
حين ندخل بيت الله ، نبصر أمامنا في الشرق هيكل رب الجنود ، وعن يمينه تجلس الملكة والدة الإله ـ والدتنا ، ترحب بنا بحنان غامر . ومن الجانب الآخر ، من الناحية القبلية ” نرى ” ” صوت صارخ ” . نعم ” نرى الصوت ” – فحين أرسل اليهود إلى هذا الشخص ليسألوه ” من أنت ” ” قال أنا صوت صارخ في البرية ـ قوموا طريق الرب … “(يو١: ١٩- ٢٣ )من إنجيل قداس عيد الظهور) . في هذا الجانب يقف يوحنا المعمدان يؤدى رسالته الدائمة الخالدة ، التي يقول عنها أوريجانوس إنها تتكرر طوال كل تاريخ الكنيسة والعالم (لوقا عظة ٤ أوردها : هانزفون بالتازار في كتابه عن اوريجانوس ، المقدمة ) . كيف ؟ وهل بعد مجيء المسيا يسوع يكون دور للمعمدان ؟ نعم ـ ألسنا ننتظر الآن مجيء الملكوت ، حين يأتى الملك في مجده العظيم ثانية وإذن فلا بد أن يظل ملاكه دوما أمامه يهئ. الطريق (ملاخى٣: ١ و ٢ )، لو ١: ٧٦- ٧٩) .. بل . وإذ نحن نمضى متجهين إلى بيت الله ، ونخطو على عتبته ناظرين إلى الأمام – ألسنا نؤمن بأن الملك سوف “يأتى إلى هيكله … “(ملاخى ١:٣ و ٢) ليجلس على عرشه فوق المذبح ، ربا للكنيسة وللعالم …
نحن نرنم في التسبحة : “يقوم حولك الشاروبيم والسارافيم ولا يستطيعون أن ينظروك – ونحن ننظرك كل يوم على المذبح ، ونتناول من جسدك ودمك الكريمين ” . (ابصالية الاثنين ) إذن ، فثمة دور باق للمعمدان ؛ لكأن الرب في كل قداس يقول : “ها أنذا أرسل ملاكي ، فيهي. الطريق أمامي … “(ملاخى٣: ١و ٢ ) ولكان المعمدان في كل قداس يقول : “جئت .. کی يظهر ( ابن الله بكم – أنتم المؤمنين به ) “(قارن يوحنا ١: ٣١ من إنجيل قداس عيد الظهور). …
ومن هنا لقبه الكنسي : ” السابق ،(السابق الصابغ هو لقب يوحنا المعمدان في مجمع القديسين في التسبحة وفى القداس ) – إنه حتى اليوم ، أي أثناء الليتورجية ، القداس ، يسبق فيهئ. نفوسنا کی نحتمل لحظة مجئ القدوس ، ونثبت عند ظهوره (ملاخى ٣: ١و ٢)، وحين نصبح أعضاء في جسده بالتناول ، ولهذا اختارت له الكنيسة موقعه إلى جوار الهيكل كي تتردد صيحته دوما في أرجاء الكنيسة : ” توبوا ـ لأنه قد اقترب ملكوت السموات …
” وليكون وجوده تنبيها و تحذيراً (متى٣: ٧- ١٢) من إنجيل عشية الغطاس ، لوقا ٣: ١- ١٥ من إنجيل قداس برمون الغطاس ) لكل من يقترب للتناول من جسد الملك ودمه .ثم ليقدم في كل قداس شهادته التي نطق بها على ضفاف الأردن : إنى قد رأيت الروح نازلا من السماء فاستقر عليه ، (يوحنا ١: ٣٢و ٣٣من إنجيل قداس الغطاس ) – على المسيا في الأردن ، وعلى الخبز والخمر على المذبح . إنه في كل قداس يقول : و هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم ، (يوحنا ١: ٣٦)من انجيل قداس الغطاس ، (يوحنا ١: ٣٦) من إنجيل قداس اليوم التالى للغطاس) . ويصاحب الكاهن وهو يردد اعترافه فيقول معه : و أنا قد رأيت وشهدت أن هذا هو ابن الله ،(يوحنا ١: ٣٤من إنجيل قداس الغطاس ) .
وإذ نسمع شهادته ، نصنع مثلما صنع تلميذاه حين سمعاه يتكلم . إذ تبعا يسوع ، (يوحنا ١: ٣٧)من إنجيل قداس ثاني الغطاس) . نمضى معهما في صحبة الرب المعلم الفادى . أما للجهلاء والمتهاونين بقيمة سر الافخارستيا ، وفاعلية جسد الرب ودمه ، فيدوى في آذانهم صوته : ” في وسطكم قائم الذي لستم تعرفونه “(يوحنا ١: ٢٦)من إنجيل قداس الغطاس ) . وحين يرى المؤمنين يتناولون من جسد الرب ودمه ، بتوبة صادقة وإيمان كامل ، يكمل فرح “السابق ” العظيم . وفي خضوع وإنكار للذات ينطق قائلا : ” فرحى قد كمل .. ينبغي أن ( ابن الله ) يزيد “،(يوحنا ٣: ٢٩ )من إنجيل باكر برمون الغطاس) وجوده وسلطانه في هؤلاء المتناولين . – يوما بعد يوم . هذه هي شهادة يوحنا السابق. إنه الآن، كما في ذلك الزمان يشهد ” للحق ” (يوحنا ٥: ٣٣من انجيل عشية الأحد الرابع من طوبة). إنه بيننا ، كما تحدث عنه سيده ” السراج الموقد المنير ” وإذا كان اليهود أرادوا أن يبتهجوا بنوره ساعة (يوحنا ٥: ٣٥ من إنجيل عشية الأحد الرابع من طوبة). فنحن نبقيه إلى جوار هيكل الرب لنبتهج بشخصه ، وبشهادته كل ساعة . وحين نخرج إلى الحياة بعد التناول ، يصحبنا صوته : “اصنعوا أثماراً تليق بالتوبة ،” (متى ٣: ٧- ١٢) من إنجيل عشية الغطاس( لوقا٣: ١- ١٥ )من إنجيل قداس برمون الغطاس ) ، وتكون جديرة بما نلثم من نعمة اشتهى الملائكة والملوك والأنبياء أن ينظروها ـ إذ صار ملكوت الله ـ بالتناول – داخلكم (لوقا ١٧: ٢١) . وحين تجيئون في القداس التالي ، أريد أن تقدموا ـ أنتم أيضا شهادتكم ، وهي أعظم من شهادتى ، بل لن تكون ثمة قيمة لشهادتي بدون شهادتكم : يقول كل واحد منكم مع الرب الساكن مع الرب الساكن فيه : « الأعمال التي أعطاني الآب لا كلها ، والتي أكملتها فعلا بنعمته منذ تناولت هي شهادة أعظم من شهادة يوحنا ، (يوحنا ٥: ٣٦من انجيل عشية الأحد الرابع من طوبة) “حينئذ يكمل بالحقيقة فرحى … “. وتحتفظ الكنيسة للمعمدان بهذا الدور منذ أول العام . فالسنة الطقسية هي كما يقول إنجيل القداس في اليوم الأول منها ـ ” سنة الرب المقبولة ” (لو٤: ١٩) فيها يتحقق ما أمر به الله بني إسرائيل بشأن سنة اليوبيل (لاويين ٢٥ : ١٠) ـ مع . هذا الفارق ، أن سنة اليوبيل كانت تأتى كل خمسين سنة ، أما بعد مجيء المسيا فقد صار كل عام ، سنة يوبيل ، وأصبح كل وقت هو ” وقت مقبول ” وكل يوم – يوم خلاص ،(البولس ٢كو٥: ١٧و ٦: ٢) . في هذا اليوم يعلن الرب أن مجيئه – ممسوحاً بالروح القدس ، هو من أجل أن يبشر المساكين ويشفى المنكسرى القلوب ويطلق المأسورين ويرد البصر للعمى ويرسل المنسحقين في الحرية ويكرز بسنة الرب المقبولة (انجيل القداس لو٤: ١٨و ١٩و ٢٠) وفي إنجيل باكر يذكر يسوع تلاميذ يوحنا بما قاله معلمهم عنه ـ إنه العريس الذي له العروس ، وأن ” السابق ” هو صديق العريس (يوحنا٣: ٢٩)وهذا أيضًا هو إنجيل باكر برمون الغطاس ) ، ” الذي يقف ويسمعه فيفرح فرحا من أجل صوت العريس ” ، قال حنا : ” إذا فرحى هذا قد كمل ” متی ؟ حين ختم يوحنا شهادته باستشهاده ، فانطلق متهللا إلى المجد (تقدم الكنيسة في ابركسيس عيد استشهاد يوحنا المعمدان إطلاق بطرس من السجن أعمال ١٢: ١- ١٢) هنا حدث بالفعل انتهاء العهد القديم وبدء ملكوت السموات . وتحققت كلمته : ” ينبغي أن ذلك ( العهد الجديد ـ ملكوت المسيا ) يزيد ، وأنى أنا كممثل للعهد القديم وخاتم أنبيائه ) أنقص ” .(يوحنا ٣: ٣٠)وإن وجود أيقونة المعمدان إلى جوار الهيكل هي علاوة على ماسبق ذكره ، شهادة ليقينية الانتقال من العهد القديم إلى العهد الجديد وليقينية التقدم في حياة كل مؤمن من ماض يتوب دوما عنه الى حاضرومستقبل يملك فيهما الله أكثر فأكثر) يقول إنجيل متى إنه “لما سمع يسوع أن يوحنا أسلم … ابتدأ … يكرز ” (متى٤: ١٢و ١٧ إنجيل عشية برمون الغطاس) .
وفى اليوم الثاني من الشهر الأول ( ۲ توت ) تعيد الكنيسة لاستشهاد ” السابق ” . مؤكدة بذلك مجىء عصر المسيا . ولكنها تحفظ ليوحنا مكانه العظيم وسط ” سحابة … الشهود … ( المحيطة ) بنا …” .(عب ١٢: ١- البولس ٢ توت) ولهذا تجعله يردد عشية يوم عيد استشهاده ” وأنا مثل شجرة الزيتون المثمرة في بيت الله “،(مزمور إنجيل العشية) و تصادق على قوله في مزمور إنجيل القداس : ” الصديق كالنخلة يزهر .”كمثل أرز لبنان ينمو .” این ؟ ” في بيت الرب ” في ديار بيت الهنا .. ” …
ومن هنا مكانه إلى جوار هيكل الملك وعرشه ، يعلن بدء عصر المسيا ، السنة المقبولة ، ومجيء ملكوت السموات . و تقدم أناجيل الأحد الأول من العام أيضا ـ “السابق ” – يشهد له الرب بأنه أعظم المولودين من النساء ، ولكن الأصغر في ملكوت السموات أعظم منه ،(إنجيل عشية الأحد الأول من توت متى ١١: ١١- ١٩، انجيل القداس لوقا٧: ٢٨- ٣٥). والأصغر هنا هو ذاك الذي أخلى ذاته وأخذ شكل العبد وصار — خطية من أجلنا لنكون نحن بر الله فيه .(فيلبى ٢: ٧ ) (٢كو٥: ٢١) ويقدمه بولس الرسول أيضاً في أنطاكية بسيدية كسابق يعلن مجيء الآتى بعده (الابركسيس أعمال ١٣: ٢٥) – و المسيح يسوع ( الذي ) جاء إلى العالم ليخلص الخطاة … ،(البولس ١تى ١ : ١٢- ١٩) الذين يعتبر بولس نفسه أنه أولهم .. متشبها بمعلمه الذي قال عن نفسه إنه ” الأصغر في ملكوت السموات ” هكذا تقدم لنا الكنيسة ” السابق ” في اليوم الأول واليوم الثاني وفي الأحد الأول من كل عام ـ يؤدى رسالته الدائمة الخالدة (للمعمدان ثلاثة أعياد أخرى : البشارة بمولده في ٢٦ توت وظهور جسده في ٢ بؤونه وميلاده في ٣٠بؤونه ويلاحظ أن العيدين الأخرين يأتيان أثناء صوم الرسل هل تريد الكنيسة ان تحفظ للمعمدان دوره كسابق يمهد الطريق أمام ابن الإنسان وهو يأتي في ملكوته كنيسته بقوة( متى ١٦: ٢٨)، (مرقس ٩: ١ )، (لوقا ٩: ٢٧) .
وفي حقيقة الأمر فإن أحداث ميلاد السيد تتشابك مع أحداث ميلاد “السابق ” . وتقدم الكنيسة هذه الأحداث مترابطة متلاحقة في شهر كيهك . ففى الأحد الأول منه البشارة لزكريا بميلاد يوحنا (لوقا١: ١- ٢٥ انجيل القداس) ، ومنها أعرف عظمته أمام الرب ودوره في التمهيد لمجيء الرب . وفي الأحد الثاني البشارة للعذراء ـ وفيها يشير الملاك إلى اليصابات وحبلها بيوحنا (لوقا١: ٢٦- ٣٨ إنجيل القداس) . وفي الأحد الثالث زيارة العذراء لاليصابات ، وكيف ارتكض يوحنا وهو جنين بابتهاج حين صار صوت سلام العذراء في أذني أمه (لوقا١: ٣٩- ٥٦ إنجيل القداس). وفي الأحد الرابع ميلاد يوحنا ـ ونسمع ما وجهه إليه أبوه بشأن مهمته : ” تتقدم أمام وجه الرب لتعد طرقه … ” (لوقا١: ٥٧- ٨٠ انجيل القداس) لكي تأتى بعد ذلك أحداث ميلاد السيد نفسه (تحرص الكنيسة على أن تكتمل هذه الأحاد الأربعة قبل عيد الميلاد ، حتى لا تأتى الاحداث ناقصة في الليتورجية . فإذا جاء الأحد الرابع في يوم عيد الميلاد (٢٩كيهك) أو بعده (٣٠ كيهك) فإن الكنيسة تقدم فصول الأحد الأول من كيهك في آخر أحد من الشهر السابق عليه ـ هاتور . وهذا
ما حدث هذا العام – ۱۹۸۰) . وهكذا يحتفظ يوحنا بدوره كسابق يمهد لمجيء السيد
ثم يأتى بعد ذلك شهر طوبة :
لقد كنا مع أحداث الميلاد يوما فيوماً ـ ففي يوم الاستعداد (٢٨ كيهك) صحبنا يوسف ومريم إلى بيت لحم ، وجلسنا معهما حول المذود ، واستقبلنا الرعاة الآتين يخبرون بما سمعو ورأوا (انجيل قداس برمون الميلاد لوقا ٢: ١- ٢٠) . وفي ليلة العيد جئنا مع المجوس نقدم قلوبنا ووزناتنا وحياتنا كلها مع هداياهم إلى الملك المولود (انجيل قداس ليلة العيد متى ٢: ١- ١٢). وفى اليوم التالى – ٣٠ كيهك – يعلمنا القديس يوحنا الانجيلي أن هذا الطفل المتواضع هو الكلمة ، الذي كان في البدء . هو الله الابن (انجيل قداس اليوم التالى للعيد يوحنا ١: ١- ١٣). وفي شهر طوبة نتابع الأحداث التالية للميلاد : في اليوم الثالث منه نكرم أطفال بيت لحم الذين قتلهم هيرودس (إنجيل القداس متى ٢ : ١٣- ٢٣) . وفي اليوم السادس أي بعد ثمانية أيام من الميلاد يأتى عبد الختان ونسمع عن تقدمته للهيكل حسب الناموس واستقبال سمعان الشيخ والنبية حنة بنت فنوئيل له . (إنجيل القداس لوقا ٢: ٢١- ٣٩ وانظركتاب : ” أعياد الظهور الإلهى ” للأب متى المسكين) ولكن محور تعليم الكنيسة في هذا الشهر يدور حول الظهور – الابيفانيا : ظهور المسيح لإكمال تدبير الخلاص ، وظهور الثالوث القدوس أثناء عماد الرب في مياه الأردن . ونحن نصاحب العماد أياماً ثلاثة : يوم الاستعداد ، ويوم العماد ، ثم اليوم التالى له ـ أي أيام ۱۰ و ۱۱ و ۱۲ من طوبة .
على أن الكنيسة وهي تحتفل بهذه المناسبة ، ترفع خدمة خاصة على المياه ، تقيمها مساء قبيل قداس العيد . هي صلاة اللقان . فماذا يعنى هذا الطقس ؟ يبدأ بعمل تمجيد أمام أيقونة القديس يوحنا المعمدان ، ثم تملأ اللقان ـ وهي إناء خاص – ماء عذب . ويرتل الشعب صلاة التسبحة على الماء . وثم صلاة الشكر .
وإن دراسة قراءات هذا الطقس وصلواته تفصح عن أنه مرتبط بمفهوم الخليقة وموقف الله والإنسان منها . ونحن نقرأ في سفر التكوين أنه في البداية و كانت الأرض خربة وخالية وعلى وجه الغمر ظلمة … ، وأن اليابسة كانت مغمورة بالمياه . وتدريجيا . أخذ النور يظهر ، وتنحسر المياه ، وتظهر الأرض ـ ثم يبدأ النظام يسود الكون ، وتمتلئ الأرض من مظاهر الحياة ـ النبات والأسماك والطيور والحيوان البرى . و نقرأ في الأنبياء أن استخلاص النظام والحياة لم يكن عملا سهلا ، بل كان نتيجة صراع مع قوى الخراب والخواء والظلمة . وكانت النتيجة انتصاراً للنور والعقل والحكمة والنظام ، والقصد هو إبراز قوة الله ، وإعطاء الإنسان الطمأنينة وهو يدخل معاركه من الفوضى والفساد والشر . وتتردد في أسفار الأنبياء أسماء كائنات فوضوية مدمرة تستقر في المياه ، مثل لوياثان ، ورهب ، والتنين ، انتصر عليها الله ودحرها لتظهر الأرض عامرة بالحياة خاضعة للعقل والنظام والمنطق : ”
يا رب إله الجنود ـ ” من مثلك قوى ، رب … ” أنت متسلط على كبرياء البحر ….” أنت سحقت رهب مثل القتيل ” بذراع قوتك بددت أعداءك ” ” لك السموات ” لك أيضا الأرض ” المسكونة وملؤها أنت أسستهما … ” العدل والحق قاعدة كرسيك ” الرحمة والأمانة تتقدمان أمام وجهك (مز ٨٩: ٨- ١٤) ” استيقظي ، استيقظي – ” البسى قوة يا ذراع الرب . . ” استيقظي كما في أيام القدم .. ” ألست أنت القاطعة رهب ” الطاعنة التنين … ،(أشعياء ٥١: ٩- ١٥) ” في ذلك اليوم يعاقب الرب بسيفه القاسي العظيم لوياثان الحية الهاربة ، لوياثان الحية المتحوية ، ويقتل التنين الذي في البحر ،(أشعياء ٢٧: ١ وانظر مز٧٤: ١٢- ٢٣، أيوب ٤١ ، أيوب ٤٢: ١- ٦ ). وفي الآية الثانية من سفر التكوين نقرأ أن ” روح الله ( كان ) يرف على وجه المياه ” ويدخل في الصراع مع قوى الخراب والظلمة إلى أن خضع الكون كله للحكمة والعقل ـ الكلمة –
ونحن يوم عيد الغطاس نبصر أمامنا المياه في الملقان فنتذكر الأردن والابن الكلمة مغمور بمياهه والروح نازلا عليه ونتذكر صراعه القديم مع التنين وقوى الخراب والظلمة ونتذكر عمل روح الله وكيف غرس الحكمة في الكون . و نتذكر كيف أنه في مراحل تدبير الخلاص في العهد القديم كان انتصار الله يأتى من خلال ظهور قدرته على المياه ـ أيام نوح حين . ( غرق ) الخطية إلى أسفل بالماء الذي ارتفع على عهد نوح ، ، وأيام موسى حين . ( عتق ) جنس العبرانيين من عبودية فرعون ، بالعبور في البحر الأحمر ، وأيام إيليا عندما ظهرت قوة الله العظيمة حين غمر الذبيحة بالماء ، فنزلت النار من السماء وأحرقتها (صلاة القان عيد الغطاس طبعة ١٩٢١، ص ٤٨، ٤٩) .
هذا كله تتابعه الصلاة التي يقولها للكاهن على المياه ـ فتبدأ بعمل الله في الخليقة ، وكيف أن كل مظاهرها قائمة بحكمته وعنايته ، وتسبح لعظمته و تمجده . ثم تورد تدبير العهد الجديد إذ لم تتحمل يا سيدنا من أجل رحمتك ورأفتك إذ تنظر جنس البشر وقد قوى عليه إبليس فأتيت وخلصتنا وهكذا تأتى مرحلة جديدة من الصراع يقوم بها الابن المتأنس، ويستأنف بها الإنسان ، في الكلمة الذي أخذ صراعه مع الحية . وإذ نقف على ضفاف الأردن ، ونعيد لنزول الروح بغنى على الابن ، وليس مجرد أن “يرف ” على وجه ا وجه المياه . نتذكر الصراع الكونى القديم ، ونصلى : “أنت قدست مجارى الأردن إذ أحدرت عليها روحك القدوس من السماء . ” وسحقت رءوس التنين المختفي فيها ” أنت الآن يا مالكنا محب البشر ـ ربنا يسوع المسيح ” هلم الآن أيضا بحلول روح قدسك عليها : “قدس هذا الماء ـ آمين . ” ليكون ينبوع البركة ـ آمين ” موهبة طاهرة – آمين ” لكي يكون لكل من يستقى ، أو ينال منه طهارة للنفس والجسد والروح – آمين . ” يتمجد اسمك القدوس ـ أيها الآب والابن والروح القدس . الآن وكل أوان وإلى أبد الدهور كلما آمين ”
يتقدم هذه الصلوات ويصحبها رشم المياه بالصليب – مرات عديدة . فبالصليب كانت النصرة الحقيقية على كل قوى الظلمة والخراب، وبه امتلات الأرض من نور القيامة ، وملك الكلمة القدوس على الكون . … ولان, كل خليفة الله جيدة وكل شيء فيها ” يقدس بكلمة الله والصلاة ” ،(١تيموثاوس ٤: ٤و٥) – فإن الكنيسة تقدم مع . هذه الصلوات فصولا من كلمة الله في العهدين . فالبولس (١كورنثوس١٠: ١- ١٣) يورد أحداث انتصار الله في مياه البحر الأحمر . ويقدم ذلك مثلا ونموذج (١كو١٠: ٦و١١) لأنها كتبت لنصحنا . ثم تقدم الكنيسة حدث عماد السيد كما أورده إنجيل متى ، مسبوقاً بآيات من المزمور تؤكد نصرة الله في الماء : ” أبصر البحر فهرب ” والأردن رجع إلى خلف . ” مالك أيها البحر – إنك هربت ” وانت أيها الأردن – إنك هربت ” وأنت أيها الأردن – إنك رجعت إلى خلف . الليلويا ”
ويتحدث أنبياء العهد القديم أثناء صلاة اللقان عن أعمال الله العظيمة :
” جعل محبة قوته ثابتة .. ” هل على الأنهار حمى… غضبك ” أو على البحر سخطك . ” أعطى اللجة صوتها ” رفعت يديها إلى العلاء ” سلكت البحر بخيلك ” فتعكرت المياه الكثيرة . ” أما أنا فأتهلل بالرب ” وأفرح بالله مخلصی ” الرب الله هو قوتى ” ويثبت رجل إلى النهاية ” يرفعني على الأعالي ” لأغلب بتسبحته ” (حبقوق ٣: ٢- ١٩ ) ولهذا ينادى اشعياء فرحاً بهذه النصرة على قوى الظلمة : “عزوا ، عزوا شعی ” يقول إلهكم ” طيبوا قلب أورشليم ” ونادوها بأن جهادها قد كمل – ” أن اثمها قد عفى عنه … ” (اشعياء ٤٠: ١-٥ ، ٣٥: ١و٢).. وتورد الكنيسة نبوته عن المعمدان ، (اش٤٠: ١- ٥، لوقا٣: ٤- ٦) ، وعن مجيء السيد إلى أرض زبولون ونفتالى وعبر الأردن والجليل – حيث ” الشعب الجالس في الظلمة أبصر نورا عظمها ، (اش ٩: ١و٢، متى ٤: ١٤- ١٦إنجيل عشية برمون الغطاس) . ولكن متى حدث هذا كله ، وما هو مصدر هذه النصرة الأكيدة ؟ يجيب عن ذلك باروخ النبي ؛ فبعد أن يورد صنيع الله مع الشعب القديم ، يقول :
” و بعد هذا ظهر على الأرض واشترك في المشي مع الناس … ” (باروخ ٣: ٣٦- ٤: ١- ٤) أما حزقيال فينادي بنبوته الخالدة ، كيف أنه بنضح الماء المختار يتحقق الطهر من الخطايا والنقاء والقلب الجديد (حزقيال٣٦: ٢٤- ٢٩) ، ثم بانتشار هذا المساء في كل الأرض تعم النعمة التي حلت عليه (حزقيال ٤٧: ١- ٩وانظر مقال د. جورج حبيب في هذا العدد ) ، وتنتقل إلى كل من يتصل بهذا الماء الحكمة والعقل والنظام … أي ما صنعه الكلمة والروح في المساء الأول وما حققه ـ بأكثر غنى ـ الكلمة والروح في مياه الأردن . وما يعطيه ماء النهر الصافي – مياه الحياة اللامع ، الذي شاهده يوحنا في رؤياه (رؤيا ٢٢: ١و٢) – وبعد إتمام صلاة اللقان يحضرون شملة (قطعة من القماش) نظيفة يبلها الخادم الشريك ” أي الذي يشارك رئيس الكهنة في الصلاة ” من ماء اللقان المقدس ، ويرشم بها رئيس الكهنة (يقول كتاب اللقان إن هذا يتم ” على رسم ما صنع يوحنا بالسيد المسيح ” فهنا نجد تطبيقاً للنموذج الذى يقدمه السيد للتواضع وإخلاء الذات ) ثلاثة رشوم في جبهته . وبعد ذلك يأخذ الرئيس الشملة المذكورة ويرشم الكهنة والشمامسة والشعب في جباههم . وفي هذه الأثناء يرتل الشمامسة المزمور المائة والخمسون . هذا هو طقس اللقان الذي تقيمه الكنيسة ليلة الغطاس ، عيد الظهور . الكنيسة هنا تعود بنا إلى أيام الخليقة الأولى ، كي تقدم لنا شيئين هما في حقيقة الأمر شيء واحد :
السر والتعبير
كيف ؟ . . كان القصد من خلقة الإنسان أن يواصل عمل الخالق مصارعا قوى الخراب والخواء والظلمة . وهذا هو معنى إعطائه أن يتسلط ، وأن يخضع ، الأرض لسلطان الحكمة والعقل . إنه في هذه المهمة يقوم بعمل الوسيط ، الكاهن ، بين الله والخليقة ، يكرس كل شيء لمجد الله الخالق ، ويقدمه له ، ويجعله خاضعاً له محققاً أهدافه . وهو أيضاً يضع حكمة الله وجوده وقوته في الخليقة – لتكون تعبيراً عن مضمون خفى ، يؤكد وجوده وعمله . وبهذا يكون للخليقة كلها مفهوم ” السر “. والإنسان في الكنيسة في صلاة اللقان يقوم بهذه المهمة .
فالماء هنا يمثل كل ما في الطبيعة ، وكل ما لدى البشر من قوى وطاقات وموارد . والكنيسة تستحضر القوة التي ظهرت في الماء خلال مراحل تاريخ الخلاص المتعاقبة منذ أن كان روح الله يرف على وجه المياه تستحضرها لتكون معاصرة ، وفاعلة ، في هذا الماء . إن للماء قوة طبيعية ” كجنسه ” ولكن الآن بنزول المسيح فيه وحلول الروح القدس صارت فيه قوة أعظم . فالله ـ عن طريق الكنيسة وسلطانها ـ ما زال يحكم الكون والطبيعة . يرفعها ، ويفيض عليها بركته ، ويجعلها تحقق آثارا أكثر قوة وفاعلية . لقد حدث بعد خطية آدم أن حلت على الأرض وكل ما فيها اللعنة . وأصبحت تنتج الشقاء ـ الحسك والشوك . الآن تضع الكنيسة البركة والتقديس عوض اللعنة والخراب الذي يريد مرة أخرى ـ أن يزحف متخذا من خطية آدم مدخلا ومستقرا . إن رب الكون نزل في المساء ، ونحن نطلب منه أن لا يفارق عالمنا بكل ما فيه ، وأن يصنع حدثا جديدا كما فعل عند الخليقة الجديدة – فينفي الشر واللعنة من الطبيعة ، ويحقق نصرة الإنسان في صراعه مع الخراب والخواء والظلمة التي تريد أن تسود عالمنا المعاصر ـ الآن ، وهنا .
ولذلك تمتلئ صلوات اللقان بطلب البركة لكل ما في الكون ـ ثمرات الأرض ، نهر النيل الذي تسميه باسم أحد أنهار الجنة : جيحون يتم هذا كله ” بقوة صليبك المقدس المحي … ” و تطلب من أجل المرضى والمسافرين والأرض والزرع والثمار ورئيس البلاد والراقدين والموعوظين . يقول القديس بولس إنه في الإبن الكلمة ” خلق الكل ـ ما في السموات وما على الأرض … الكل به وله قد خلق . الذي هو قبل كل شيء ، وفيه يقوم الكل …” (كولوسى ١: ١٦و١٧) ، فكما قلنا ، الخليقة كلها ” سر ” مضمونه الحكمة وقدرته وجوده ونظامه ، ومادته الظاهرة كل ما في الكون من مخلوقات . وفي الأردن جدد الكلمة المتجسد هذا السر بأكثر وضوح وفاعلية ، إذ دخل في الماء وغمره الموج ونزل عليه الروح .
وبرشم الشعب بالماء المقدس لنقل الكنيسة مفعول هذا السر للشعب . ولذلك فإننا ، كما أشرنا إلى ذلك ، نصلى : ” قدس هذا الماء ” ليكون ينبوع البركة “موهبة طاهرة ” مخيفاً للشياطين ” أنت أيها الرب يسوع المسيح الذي جددت طبيعتنا التي عققت بالخطية دفعة أخرى بالماء والروح ” .
إن الكنيسة تقدم لنا السر والتعبير ـ النموذج أوالمثال . فحين ننظر من زاوية النعمة الخفية التي يمنحها الآب في الإبن بالروح ، يتبدى لنا الأمر ” سراً ” يتغلغل إلى أعماق نفوسنا وأرواحنا ، ينير خفاياها ويضع فيها بذرة الخليقة الجديدة . وحين ننظر من زاوية ( الجسد ) الذي تأخذه هذه النعمة ، الماء في اللقان ، تظهر لنا مطابقة المادة للسر ، تعبيراً لصيقا به . فهما معا شيء واحد . فصار الماء ( مثالا ) مطابقا لما يحمله ، و ( نموذجاً ) لا ينضم عن جوهره الجديد . هذا التطابق بين النعمة والتعبير عنها هو ما تريد الكنيسة أن يكون منهج حياتنا ـ في كل ما تتصل به من أشياء أو من أعمال .
بحيث يكون كل شيء في هذا الكون حاملا لجوهر ومعنى يتفق وقصد الله . ولن يتحقق هذا إلا لو أن الإنسان نفسه كان ( السر والتعبير ) ، الكائن الذي فيه ( صورة الله ) ، وصار ( نموذجاً ) و ( مثالا ) له ، وبالمسيح صار مشاركا للطبيعة الإلهية فحين يعتق الإنسان من عبودية الخراب والخواء والظلمة والشر ، تعتق الخليقة كلها وتصير مجدا ونوراً وتمتلئ بالخير والبركة ، و لأن انتظار الخليقة كلها يتوقع استعلان أبناء الله … لأن الخليقة نفسها أيضا ستعتق من عبودية الفساد إلى حرية مجد أولاد الله . فإننا نعلم أن كل الخليقة تئن وتتمخض معاً إلى الآن…(روميه ٨: ١٩- ٢٢) وإذن فلا بد أن يستمر الصراع ، وأن يثبت المؤمن فيه ، متسلحا بتلك القوة التي حققها له الكلمة المتجسد إذ جاز الصراع في الجسد وحقق به النصرة بالقيامة . وكما هزم الكلمة قوى الخراب والخواء والظلمة في البداية ـ فكانت الخليقة ( الحسنة ) الجميلة الرائعة هي حصيلة هذا الصراع وهذه النصرة – فإن الحصيلة الآن بسبب التجسد والصلب والقيامة ـ ستكون أعظم وأكثر روعة وجمالا . –
وصلاة اللقان تقدمها الكنيسة كي تعين الخليقة في صراعها ومخاضها
وفي نهاية الصلاة نقدم هذا الشكر : نشكرك أيها الرب الإله ، لأنك جعلتنـا مستحقين أن نكمل هذا السر المقدس نسأل و نطلب منك يا محب البشر , انعم علينا بطهارة نفوسنا ، ونقاوة أجسادنا لنكون أنقياء من كل فعل قبيح ” أضيء نفوسنا وعقولنا واكشف لنا معرفة هذا السر ” ومن الأمثلة اهدنا الاستزادة في العاليات … ” . ثمة كلمتان لا بد من الالتفات إليهما ، وهما تعبران عن شيء واحد : المضمون ، والتعبير عنه ، هذا هو تدبير الروح القدس الذي يتم في الكنيسة من خلال الليتورجية ، مواصلا تدبير التجسد هذا هو الصراع – الكوني ، الذي جاز فيه كلمة الله حين غمرته المياه في الأردن . ولكن الصراع الأعظم جاز فيه الكلمة المتجسد من أجل الإنسان حين غمرته ” الصبغة ” وقبل من يد “الصابغ ” المعمودية التي كان يتهمها للخطاة . فهو و الذي لم يعرف خطية ، صار و خطية لأجلنا . لنصير نحن بر الله فيه (٢كو٥: ٢١) . وهكذا ننتقل إلى وسر المعمودية ، الذي تعلمنا عنه الكنيسة في قراءات عيد الظهور الإلهي بأيامه الثلاثة[10]
المراجع
٦٥- الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر – القمص تادرس يعقوب ملطي
٦٦- كتاب عطية الروح القدس – القمص تادرس يعقوب ملطي
٦٧- كتاب ملاك البرية المقدسة – ترجمة القمص تادرس يعقوب ملطي والشماس بيشوي بشري فايز
٦٨- مقالات الأنبا بولس البوشي أسقف مصر وأعمالها – القس منقريوس عوض الله – مشروع الكنوز القبطية
٦٩- المرجع : كتاب المنجلية القبطية الأرثوذكسية – قداسة البابا تواضروس الثاني
٧٠- كتاب دراسات في الكتاب المقدس – إنجيل متي ( الإصحاح الثالث ) – الأنبا أثناسيوس مطران كرسي بني سويف والبهنسا
٧١- : كتاب ألقاب المسيح ووظائفه – الأنبا بيمن أسقف ملوي وأنصنا والأشمونين
٧٢- كتاب تأملات وعناصر روحية في آحاد وأيام السنة التوتية ( الجزء الرابع ) – إعداد القمص تادرس البراموسي
٧٣- كتاب الكنز الأنفس للارشيدياكون حبيب جرجس ( الجزء الثالث ) – مشروع الكنوز القبطية