“المَلِكَ ببَهائهِ تنظُرُ عَيناكَ. ترَيانِ أرضًا بَعيدَةً” (إش ٣٣ : ١٧)
[مبارك الآتي باسم الرب، وأيضاً باسم الرب.. فلنرتل قائلين هلليلويا هلليلويا هلليلويا. المجد هو لإلهنا، وأيضاً المجد هو لإلهنا] (لحن إفلوجيمينوس)
يشرح القديس كليمندس الإسكندري معني تعبير “أوصنَّا” هكذا: [نور ومجد وتسبيح مع تضرُّع للرب، هذا هو معنى تعبير “أوصنَّا”][1]
[حبَّك أنزلك من المركبة إلى الجحش العادي.
عِوض جنود الكاروبيم غير المفحوصين، يبجِّلك جحش متواضع في بلدنا!
أنزلتْكَ المراحم من بين العجل والوجوه وأجنحة اللهب، لكي يبجّلك ابن الأتان في المركبة.
يجاهر السمائيّون ببهائك، وهنا الجحش الحقير المزدرى به يحملك بين السمائيّين.
كاروبيم النار يباركونك طائرين، وهنا الأطفال يمجّدونك بتسابيحهم.
ملائكة النور .. يهيّئون طريقه، والتلاميذ هنا يلقون قدامه ثيابهم.
نزل الجبار من عند أبيه ليفتقد مكاننا، وبإرادته بلغ إلى منتهى التواضع.
ركب الجحش ليفتقد بالتواضع شعبه.][2]
شرح القراءات
تتكلّم قراءات اليوم عن ابن الله الملك والمُخلِّص الذي جاء ليؤسس مملكة السلام والبرّ “مبارك الملك الآتي بإسم الرب ومباركة مملكة أبينا داود”،
ويُسْتَعلن هذا الملكوت في موت المسيح له المجد وقيامته المُقدَّسة.
لذلك ترتبط قراءات اليوم بقراءات الجمعة العظيمة حيث أن الرب دخل اليوم أورشليم مع الحملان المُزْمَع تقديمها كذبائح للفصح،
فدخل حمل الله مع حملان الهيكل ومكث في أورشليم وما حولها حتي يوم الجمعة ليُقَدِّم ذاته ذبيحة عن العالم.[3]
وكانت العادة شراء خروف الفصح في هذا اليوم – العاشر من نيسان – وذبحه في مساء اليوم الرابع عشر.[4]
لذلك يَكْثُر الكلام اليوم عن خلاص المسيح له المجد وعن الصليب وعن ملكوت العهد الجديد ومملكة السلام والبرّ .
ولا عجب أن يكون ترتيب كنيستنا المُقدَّسة في أن تقدِّم لنا قصِّة دخول الرب أورشليم في الأناجيل الأربعة، وهو الوضع الذي يتكرر فقط ليلة ويوم الجمعة العظيمة، التي نتحرك فيها ساعة بساعة مع المحاكمات والآلام حتي الصليب والموت.
وكأنه اعلان من الطقس وحدة الموضوع والهدف بين أحد الشعانين والجمعة العظيمة:
ففي يوم الأحد دخل مع حملان الفصح ..
ويوم الجمعة قدم ذاته ذبيحة عن العالم كله.
والهتاف يوم الأحد هوشعنا (أوصنا = خلصنا) .. وهو ما تم يوم الجمعة العظيمة (وهم لا يدرون)، وكأن السماء إستجابت لهتاف الجموع حسب احتياجها الداخلي وليس حسب تطلعاتها.
ويوم الأحد طهّر الهيكل من الفساد والتجارة ..
ويوم الجمعة جدَّد طبيعة الإنسان من فساد الخطيّة
وفِي يوم الأحد ظهرت القوّات السمائية (لو ١٩: ٣٧) ..
ويوم الجمعة قام كثير من أجساد القديسين الراقدين (مت ٢٧ : ٥٢ ،٥٣).
وفِي يوم الأحد تناديه الجموع الملك ابن داود (لو ١٩: ٣٨) وتتطلَّع إلى مملكته الجديدة ..
وفِي يوم الجمعة يرفض مملكة البشر في حواره مع بيلاطس ويقول أن ممكلتي ليست من هذا العالم (يو ١٨: ٣٦)، ويختار أن يملك على خشبة (مز ٩٦: ١٠) – الترجمة السبعينية والقبطية).
مزمور عشية (يو ١٢: ١ – ١١)
“مبارك الآتي بإسم الرب باركناكم من بيت الرب رتبوا عيداً في الواصلين إلى قرون المذبح”
هنا صرخة وهتاف النفوس في العهد الجديد المُتعطِّشة للخلاص، فالآتي هو إبن الإنسان، والبركة من بيته المقدَّس، والعيد نعيشه في مذبح وذبيحة الحب الإلهي في العهد الجديد، لذلك يمكن أن نطلق عليه مزمور الخلاص.
وللأسف هذا المزمور في الترجمة البيروتية “أوثقوا الذبيحة بربط إلى قرون المذبح” وذلك ربما لرفض أصحاب الترجمة (البروتستانت) الإحتفال بالأعياد الكنسية.
إنجيل عشية (يو ١٢: ١- ١١)
[ملحوظة: هو نفس فصل الإنجيل الذي يُقرأ في سبت لعازر في كنيسة أورشليم وفِي يوم الاثنين من البصخة المُقدَّسة في الكنيسة البيزنطية][5]
“وإن يسوع قبل الفصح بستة أيام جاء إلى بيت عنيا، حيث كان لعازر الميت الذي أقامه يسوع من الأموات. فصنعوا له وليمة في ذلك الموضع وكانت مرثا تخدم، وأما لعازر فكان أحد المتكئين معه. فأخذت مريم رطل طيب ناردين فائق كثير الثمن، ودهنت به قدمي يسوع، ومسحتهما بشعر رأسها، فامتلأ البيت من رائحة الطيب … فقال يسوع: دعوها، إنما حفظته ليوم دفني، لأن المساكين معكم كل حين، وأما أنا فلست معكم كل حين”.
هل كانت مريم تعلم أن احتفالها بإقامة أخيها لعازر من الأموات، والطيب الذي سكبته على رأس السيد كان تكفيناً له؟، وأنه سيكون رائحة قيامته المُقدَّسة وليس حنوط موته، فالذي أقام لعازر من الأموات قادر على القيامة بسلطانه الإلهي.
وعوضاً عن بيت عنيا بيت البؤس والعناء صار بيت الطيب والحب الباذل، وصار بيت عنيا نموذج لبيوت الحب وسكيب الطيب.
ولا عجب أن يأتي هذا الإنجيل يوم السبت ويوم الأربعاء من البصخة المُقدَّسة، فالحب هو اللغة الوحيدة التي ندرك ونفهم بها طبيعة الله (١يو٤: ٨)، وهي الطريق الوحيد للشركة مع الله (لو ١٠: ٢٧).
فإذا عرفنا أن قيمة الطيب ثلاث مئة دينار (مر ١٤: ٥)، وأن أجرة العامل باليومية في ذات الوقت كانت ديناراً واحداً (مت٢٠: ٢)، أي أن قيمة الطيب كانت تقريباً أجرة العامل في سنة كاملة إذا حذفنا الإجازات الأسبوعية والسنوية.
ولَك أن تتخيل أجرة العامل في مصر خلال شهر يمكن أن تكون في حدود ألف جنية، فتكون قيمة القارورة إثني عشر ألف جنية.
وذلك لا يعني غلوّ قيمة الطيب، بل تفاهة ثمنه أمام عِظَمْ الحب الإلهي، وأن محبة المسيح في قلب هذه المرأة جعلها تبيع كل ما لها لتقتني هذا الكنز وهذه الجوهرة (مت ١٣: ٤٤-٤٦)، واعتبرت أي شيء ستخسره نفاية لكي تربح المسيح (في ٣: ٨).
ويربط القديس غريغوريوس بين البيت الذي إمتلأ من رائحة الطيب والكون الذي إمتلأ من رائحة إنجيل العهد الجديد:
[هذا العطر لا يختلف عن عطر العروس الذي أفاح رائحة العريس “مادام الملك في مجلسه أفاح نارديني رائحته” (نش ١: ١٢).
جاء في الإنجيل إن سكب الطيب على رأس ربنا قد أفاح رائحة ذكية في أرجاء المنزل حيث أقيمت المأدبة. يبدو أن المرأة ساكبة الطيب قد تنبأت بسرّ موت المسيح، وقد شهد الرب لعملها هذا قائلًا: “إنما فعلت ذلك لأجل تكفيني” (مت ٢٦ : ١٢).
المنزل الذي امتلأ بهذه الرائحة يمثل الكون بأكمله، العالم كله: “حيثما يكرز بهذا الإنجيل في كل العالم”، تنتشر رائحة عملها هذا مع الكرازة بالإنجيل، ويصير الإنجيل “تذكارًا لها”، إذ أن الناردين في نص نشيد الأناشيد يفيح رائحة العريس لعروسه، وفي الإنجيل أيضًا تصير رائحة المسيح الذكية التي ملأت كل المنزل كطيبٍ يطَّيب كل جسد الكنيسة في كل المسكونة والعالم أجمع] (القديس غريغوريوس النيسي)[6]
أناجيل دورة باكر أحد الشعانين (وعيد الصليب)
يأتي في هذه الدورة إثني عشر فصلاً من الأناجيل ومثلهم من المزامير .
وبينما يتكلَّم المزمور عن صاحب الأيقونة أو موضوعها، فإن الأناجيل تتكلّم عن ملكوت العهد الجديد الذي أُسْتعِلَن بخلاص الرب في موته وقيامته.
لذلك تتكرَّر كلمة “ملك وملكوت” تقريباً في كل الأناجيل الإثنى عشر:
“أنت هو ملك إسرائيل” ← أمام الهيكل الكبير .
“أنزل الأعزاء عن الكراسي ورفع المتضعين” ← أمام أيقونة والدة الإله.
“ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد” ← أمام أيقونة رئيس الملائكة غبريال.
“يشبه ملكوت السموات كنزاً مخفياً” ← أمام أيقونة رئيس الملائكة ميخائيل.
“قد إقترب منكم ملكوت الله” ← أمام أيقونة مار مرقس الإنجيلي.
“قد إقترب ملكوت السموات” ← أمام أيقونة الآباء الرسل.
“حتي يروا إبن الإنسان آتياً في ملكوته” ← أمام أيقونة أنبا أنطونيوس.
“ويتكئون في ملكوت الله ” ← أمام الباب البحري.
“وإذا السموات قد إنفتحت له” ← أمام اللقان.
“هوذا ملكك يأتيك وديعاً” ← أمام باب الكنيسة.
“ولكن الأصغر في ملكوت السموات أعظم منه” ← أمام أيقونة يوحنا المعمدان.
ويُمْكِن تقسيم الأناجيل الإثني عشر إلي ثلاث مجموعات:
الأربعة الأولي ← تخص الله الآب والعذراء (التجسّد) ورؤساء الملائكة.
الأربعة التاليين ← يتكلمون عن القديسين.
الأربعة الأخيرة ← تخُصّ الكنيسة.
وإذا كانت قراءات هذه الدورة تُوجِّه نظرنا إلى الصليب والخلاص فيمكن أن نرى:
في المجموعة الأولي ← تدبير الخلاص
لأن الآب بمحبته هو الذي أرسل إبنه الوحيد لخلاصنا (يو ٣: ١٦)، واختار والدة الإله ليأخذ إبن الله منها جسده (لو ١: ٣٠)، ببشارة رئيس الملائكة غبريال خادم التجسّد (لو ١: ١١، ٢٦)، وأعلن رئيس الملائكة ميخائيل قيامته المُقدَّسة عندما دحرج الحجر عن فم القبر (قسمة القيامة والخمسين يوم المُقدَّسة).
وفِي المجموعة الثانية ← أيقونات الخلاص
وهم الذين غلبوا بدم الخروف وبكلمة شهادتهم ولم يحبوا حياتهم حتي الموت (رؤ١٢: ١١)، لذلك نرى في هذه المجموعة مار مرقس الرسول والآباء الرسل وأمير الشهداء مار جرجس وكوكب البرية الأنبا أنطونيوس، والكنيسة المُقدَّسة تضعهم دائماً أمام أعيننا لننظر إلى نهاية سيرتهم ونتمثَّل بإيمانهم (عب ١٣: ٧)، ونطرح كل ثقل عندما نعيش في شركة مع سحابة الشهود السمائية (عب ١٢: ١)، وهم خراف قدَّموا حياتهم لأجل الحمل الأعظم، فرسموا لنا آثار الغنم وبنوا لنا مساكن الرعاة (نش ١: ٨) أي طريق الحياة في المسيح.
وفِي المجموعة الثالثة ← نرى الكنيسة المُقدَّسة – وسائط الخلاص،
لذلك نرى أبواب الكنيسة البحري والقبلي واللقان والمعمودية، فالكلام هنا عن مكان الخلاص وأسرار الخلاص، ونرى المساكن المحبوبة (مزمور القراءة التاسعة)، وباب الرب الذي يدخل منه القديسين (مزمور القراءة الحادية عشر)، وصوت الرب على المياه – المعمودية – (مزمور القراءة العاشرة)، والتي تُؤهلّنا لنصير مثل شجرة الزيتون المُثمرة في بيت الله (مزمور القراءة الثانية عشر).
أي أننا:
في الصليب – المجموعة الأولي – الذي يُعْلِن محبَّة الآب (يو ٣: ١٦)، (يو ١٢: ٣٢) مشدودين إلى فوق.
وفِي الصليب – المجموعة الثانية – الذي يُسْتَعلن في القديسين (رؤ ١٢: ١١)، (عب ١٢: ١) مسنودين بصلواتهم لأجلنا.
وفِي الصليب – المجموعة الثالثة – الذي نأخذ قوته في أسرار الكنيسة (١كو ١١: ٢٦)، (يو ٢٠: ٢٣) مرفوعين إلى فوق إلى السماويات.
وهكذا في صليب إبن الله نرى أنفسنا دائماً تجذبنا وتجتذبنا المحبّة الأبوية وتسندنا شركة وصلوات القديسين وترفعنا أسرار الكنيسة المُقدَّسة.
كما تحكي الأناجيل الإثنى عشر أوجه وجوانب الصليب والخلاص.
الصليب دعوة حب للإنسان لتبعية المسيح (انجيل القراءة الأولى).
“فوجد فيلبس وقال له يسوع : إتبعني”.
الصليب خدمة وإحساس بالمسؤولية عن كل مُحتاج للخدمة (انجيل القراءة الثانية).
“فقامت مريم في تلك الأيام وذهبت بسرعة إلى الجبال إلى مدينة يهوذا”.
الصليب بشارة الخلاص والفرح للبشرية كلها (إنجيل القراءة الثالثة).
“ها أنت ستحبلين وتلدين إبناً وتسمينه يسوع”.
الصليب اكتشاف كنز الحياة في قلوبنا فنبيع كل شيء لأجله (انجيل القراءة الرابعة).
“يشبه ملكوت السموات كنزاً مخفياً في حقل وجده إنسان ومن فرحه مضى وباع كل ما كان له واشترى ذلك الحقل”.
الصليب دعوة للملكوت (انجيل القراءة الخامسة).
“وقولوا لهم قد اقترب منكم ملكوت الله”.
الصليب قوة وسلطان على أفعال المُضاد (انجيل القراءة السادسة).
“ثم دعا تلاميذه الاثني عشر وأعطاهم سلطاناً على الأرواح النجسة”.
الصليب ألم وضيق ولكن شهادة لا يستطيع العالم أن يُناقضها أو يُقاومها (إنجيل القراءة السابعة).
“وتساقون أمام ملوك وولاة لأجل إسمي فيؤول ذلك لكم شهادة .. لأني أعطيكم فماً وحكمة لا يقدر جميع مُعانديكم أن يقاوموها أو يُناقضوها”.
الصليب إنكار يومي للذات والمُكافأة مجد أبدي (إنجيل القراءة الثامنة).
“ومن يهلك نفسه من أجلي يجدها .. فإن إبن الإنسان سوف يأتي في مجد أبيه مع ملائكته وحينئذ يجازي كل واحد حسب عمله”.
الصليب إجتهاد وجهاد وليس إفتخار بالشكل (انجيل القراءة التاسعة).
“فقال لهم: إجتهدوا أن تدخلوا من الباب الضيق … وهوذا آخرون يكونون أولين وأولون يكونون آخرين”.
في الصليب أُستعلنت بنوَّتنا لله الآب في المسيح (انجيل القراءة العاشرة).
“وصوت من السموات قائلاً : هذا هو إبني الحبيب الذي به سررت”.
بالصليب يملك إبن الله على قلوبنا بوداعته (انجيل القراءة الحادية عشر).
“قولوا لإبنة صهيون هوذا ملكك يأتيك وديعاً راكباً على آتان وجحش إبن آتان”
الصليب دينونة علي من يرفض الخلاص (انجيل القراءة الثانية عشر).
“زمرنا لكم فلم ترقصوا نحنا لكم فلم تبكوا “.
ملحوظة هامة: إختلاف قراءات أناجيل باكر عيد الصليب قديماً:
يقول العلَّامة يسي عبد المسيح نقلاً عن أبو البركات في كتابه “مصباح الظلمة في إيضاح الخدمة” في الباب الثامن عشر، في الصوم وترتيبه، عند كلامه ما يعتمد في أحد الشعانين:
[أما فصول الأناجيل التي يقرؤنها عند تطوافهم بالزيتونة فهي على رأي أهل كل كنيسة، وعادة كنيسة المعلقة بمصر أن يُقرأ فيها تحت صورة الشعانين انجيل الصلاة، فصل زَكَّا العشار من لوقا. وتحت أيقونة مار جرجس فصل من الانقضاء، وعند هيكل يوحنا المعمدان يُقرأ الفصل المتضمن ذكره ومدحه وكل مكان كما ينسب إليه بعادة كل كنيسة، ثم يعودون بالزيتونة إلى هيكل الصلاة، إلخ …][7]
ويؤكِّد هذا أيضاً الأب أثناسيوس المقاري:
أما فصول الأناجيل التي يقرؤونها عند تطوافهم بالزيتونة، فهي على رأي أهل كل كنيسة. وعادة كنيسة المعلقة بمصر أن يُقرأ فيها تحت صورة الشعانين، إنجيل الصلاة فصل زَكَّا العشار من لوقا، وتحت أيقونة مار جرجس فصل من الانقضاء، وعند هيكل يوحنا المعمدان، يُقرأ الفصل المتضمن ذكره ومدحه، وفِي بيت النسوان، فصل قائد المئة من لوقا، وفصل البشارة من لوقا تحت صورة السيدة، وعند هيكل ميخائيل فصل التاجر من متى. وتحت المعمودية يُقرأ فصل من لوقا، وقامت مريم].[8]
[دورة باكر الشعانين في القرن ١٩ في دير البراموس ودير السيدة العذراء المحرق:
المخطوط الأوَّل: من دير السيَّدة العذراء البراموس بوادي النطرون، وهو برقم (١٣٣ طقس) وعنوانه: «أناجيل الدورة وطروحات ومزامير البصخة». حيث يحوي المخطوط ستَّة عشر إنجيلاً تُقال في دورة الشعانين وعيدي الصليب داخل الكنيسة وحول أرجاء الدير.
المخطوط الثاني: من دير السيدة العذراء المحرَّق وهو برقم (١٣د ص ١٩ طقس)، وهو بدون تاريخ أيضاً، ويحوي ثلاثة عشر إنجيلاً في دورة عيدي الصليب أو الشعانين داخل الكنيسة وخارجها].[9]
يتضح من كل هذا أن دورة إنجيل باكر كانت أكثر من إثنتي عشر إنجيلاً في الأديرة والكنائس، وكانت حسب القديسين المعروفين في المكان، ولم تكن فقط داخل كنيسة الدير، لكن أيضاً في أروقة الدير حيث أجساد القديسين.
مزمور باكر (مز ٦٧: ١٩، ٢٣)
“مبارك الرب الإله مبارك الرب يوماً فيوماً إله إسرائيل هو يُعطي قوة وعزاً لشعبه مبارك هو الله”.
هذا المزمور هو إحدي مزامير التسبيح والفرح لدخول الرب أورشليم ودخول حمل الله استعداداً لذبيحة الصليب، والبركة هنا مثل مباركة الجموع له في دخوله أورشليم “مباركة مملكة أبينا داود”.
يقول أبونا تادرس يعقوب ملطي عن هذا المزمور :
[هذا المزمور هو الرابع والأخير في سلسلة مزامير التسابيح (٦٥-٦٨) وهو إحدى مزامير التسابيح التي قيلت عند دخول تابوت العهد إلي مدينة داود (٢صم ٦ : ١٢-١٥)
كما يشرحه أيضاً قائلاً :
فهو مزمور مسياني يكشف عن الخلاص الذي يُقدِّمه السيد المسيح لكل العالم.
كان لهذا المزمور التسبيحي المسياني الكنسي الاحتفالي الأخروي أثره في حياة الشعب قديمًا، فكانوا يرددونه في عيدالحصاد، وتذكار نزول الناموس على جبل سيناء. إنه مزمور عيديٌ احتفالي ليتورجي، يشير إلى عطايا السيد المسيح المُمجِّد لكنيسته”][10]
انجيل باكر (لو ١٩: ١- ١٠)
“وكان غنياً وكان يطلب راغباً في أن يرى من هو يسوع… فلما جاء يسوع إلى الموضع نظر إليه وقال له: يا زكا أسرع وأنزل لأنه ينبغي لي أن أكون اليوم في بيتك… فوقف زَكَّا وقال للرب: ها أنا يا رب أعطي نصف أموالي للمساكين ومن اغتصبته شيئاً فإني أعوضه أربعة أضعاف، فقال له يسوع: اليوم وجب الخلاص لأهل هذا البيت إذ هو أيضاً ابن إبراهيم لأن ابن الإنسان إنما جاء لكي يطلب ويخلص من كان هالكاً”.
ابتدأت القراءات تدريجياً في توضيح وكشف جوهر الصليب والفداء والخلاص كمحبّة الله الفائقة للإنسان، واستهانة النفوس المحبّة للفادي بكل غالي ورخيص، عندما استنارت العيون بخلاصه، فأدركت مع جميع القديسين ما هو العرض والطول والعمق والعلو، وصارت تحيا دائماً في عطش لتختبر محبة المسيح الفائقة المعرفة، وتمتلئ إلى كل ملء الله (أف ٣ : ١٩).
فلغة إنجيل عشيّة مع المرأة ساكبة الطيب على رأس السيد كانت لغة الحب التي جعلتها استهانت بدخلها لمدة سنة كاملة من أجل محبتها له، وها هنا نرى زَكَّا رئيس العشارين الفئة التي لا تعرف سوى لغة المال والبيزنس والربح إلى أقصى ما يكون، ولكننا نراه هنا بعد ما تقابل مع الرب، بل مع وافر وفيض ومجانية محبّته، يستهين بمكاسب السنين وأرصدة الذكاء والتجارة، وتنفتح أحشاؤه للفقراء والمساكين حتي نصف ممتلكاته.
والعجيب أن الانتقاد كان موجَّه للرب في إنجيل عشيّة بحجِّة الفقراء والمساكين، ورغم أن زكَّا يرد في إنجيل باكر ويعطي الكثير جداً لهم (الفقراء)، لكن يستمر الانتقاد للرب لدخوله بيت رجل خاطئ، لتُعلِن لنا القراءتين أن من لا يستجيبون للحب الإلهي يجدون دائماً أعذاراً جاهزة يُخدِّرون بها أنفسهم.
لكن عطاء الحب الإلهي للنفوس العطشانة يفوق الإدراك والتوقُّعات، فلم تكن تدري المرأة ساكبة الطيب في إنجيل عشيّة أنه حيثما يُكرز بالإنجيل في كل العالم سيُذكَر ما فعلته تذكاراً لها، ولم يكن يدري زَكَّا أن مجرد شهوة رؤيته من فوق شجرة سوف تُتوَّج وتُكلَّل بحضور إلهي في بيته، وعطية الخلاص لكل أهل بيته، لكنه الحب الإلهي الذي لا يُطفئ فتيلة مُدخِّنة ولا يقصف قصبة مرضوضة (مت ١٢: ٢٠).
وعن خلاص الأغنياء وكيف يتعاملون مع المال يقول الآباء القديسين[11]:
يقول القديس أمبروسيوس: [ليعرف الأغنياء أن الغنى في ذاته ليس خطية بل إساءة استخدامه؛ فالأموال التي تمثل حجر العثرة بالنسبة للأشرار هي وسيلة لممارسة الفضيلة بالنسبة للصالحين .. كان زكا غنيًا لنتعلم أنه ليس كل الأغنياء طماعين].
ويقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [لم يمنع الرب البشر عن أن يكونوا أغنياء بل أن يكونوا عبيدًا لغناهم، يودنا أن نستخدمه كضرورة لا أن نُقام حراسًا عليه. العبد يحرس، أما السيد فينفق].
وتضع القراءات أمامنا مُقارنة أخرى بين زَكَّا العشار والمرأة ساكبة الطيب من جانب، وقادة الشعب (ولا حقاً يهوذا) من جانب آخر، فبينما تُعطي المرأة الطيب الغالي الثمن علامة محبة نقية وتقدير لقيمة الرب في حياتها، وهكذا أيضاً زَكَّا رجل المال يتنازل بسهولة عن نصف ثروته بعد دخول الرب بيته، نجد على الجانب الآخر القادة في الهيكل شغلتهم موائد الصيارفة عن من كان في وسطهم ولم يعرفوه (يو ١: ٢٦)، لغيابه عن قلوبهم، وهكذا أيضاً يهوذا تحوَّل الرب في نظره من “قيمة” تقل أمامها كل المُغريات إلى “ثمن” يقبضه بأي وسيلة.
ومن المُلفت للنظر والانتباه البيوت التي دخلها الرب في إنجيل عشيّة وباكر، بيت مرثا ومريم ولعازر، وبيت زَكَّا العشار، وإمتلاء البيت في إنجيل عشيّة برائحة الطيب والحب والعطاء التي سترافق الكرازة بالإنجيل في كل العالم، وإمتلاء البيت في إنجيل باكر من رائحة الخلاص المُنسكبة مجاناً على النفوس التي أوشكت على الهلاك.
البولس (عب ٩: ١١- ٢٨)
“بل بدمه الخصيص دخل دفعة واحدة إلى المقادس فوجد فداءاً أبدياً لأنه إن كان دم التيوس والعجول ورماد العجلة إذا ما نضح على المتنجسين يقدسهم لتطهير الجسد، فكم أحرى أن يكون دم المسيح، هذا الذي من جهة الروح القدس قدم ذاته لله نقياً ليطهر نيتكم من الأعمال الميتة … وبغير سفك دم لم تكن مغفرة … لأن المسيح لم يدخل إلى المقادس المصنوعة بالأيادي التي هي أشباه المقادس الحقيقية، بل إلى السماء نفسها ليظهر الآن أمام الله عنا … ولكنه الآن قد ظهر مرة واحدة عند انقضاء الدهور ليبطل الخطية بتضحية نفسه كما أنه موضوع للناس أن يموتوا مرة ثم بعد ذلك الدينونة هكذا المسيح هو أيضاً قرّب ذاته مرة لكي يرفع خطايا كثيرين وأما المرة الثانية فسيظهر بغير خطيّة خلاصاً للذين ينتظرونه”.
برغم أن اليوم هو دخول الرب أورشليم كملك إلَّا إن القراءة كلها تتركَّز في الخلاص والفداء الذي قدَّمه الرب للبشرية بدمه الطاهر وهذا يُعْلِن أن الملكوت الذي جاء من أجله الرب وتجسَّد ودخل أورشليم اليوم لأجله هو ملكوت الخلاص ووعد الميراث الأبدي، وليس كما كانت تنتظره جموع الشعب خلاصاً سياسياً وتحرير من سلطة الرومان.
لذلك تكررت اليوم كلمة “دخل” لتُعلن أن دخول الرب إلى أورشليم إيذاناً لدخوله بنا المقادس السماوية وإلى السماء عينها فنجد فيه فداءاً أبدياً.
” دخل دفعة واحدة إلى المقادس فوجد فداءاً أبدياً”.
” لأن المسيح لم يدخل إلى المقادس المصنوعة بالأيادي التي هي أشباه المقادس الحقيقية بل إلى السماء نفسها”.
ويتضح هنا قيمة فداؤه ودخوله لأجلنا الأقداس السماوية تطهيرنا من الأعمال الميتة وإبطال الخطيّة بذبيحة نفسه وغفران الخطايا ونوال وعد الميراث الأبدي.
وهكذا صار هو الكاهن والذبيحة.
كما يقول القديس أغسطينوس: [أنت هو الكاهن، وأنت الذبيحة، أنت المقدم وأنت التقدمة][12]
وانتفي هيكل اليهود بجسد الرب كما قال البابا أثناسيوس الرسولي: [كان الهيكل القديم مُقامًا من حجارة وذهب كظل، لكن إذ جاءت الحقيقة بَطُلَ الرمز من هناك، وكقول الرب لا يبقى حجر على حجر إلاَّ وينقض” (مت ٢٤: ٢)]108
كما يُوضِّح المهندس فؤاد نجيب ارتباط ذبيحة الكفارة مع ذبيحة الفصح في كلام القديس بولس هنا: [یشرح نفس الفكر اللاهوتي فیقدم المسیح رئیس الكهنة في یوم الكفارة العظیم الذي یدخل إلى الأقداس “لیكفر عن الخطیة بذبیحة نفسه”. فدخول المسیح لأورشلیم هو دخول رئیس الكهنة الذي كان یعتكف بالهیكل اسبوع قبل یوم الكفارة لیعد نفسه للحدث (حسب التقليد اليهودي) وبذلك التقت في المسیح ذبیحة الكفارة بذبيحة الفصح، “وأما المسیح وهو قد جاء رئیس كهنة للخيرات العتیدة في المسكن الأعظم والأكمل غیر المصنوع بید أي الذي لیس من هذه الخلیقة….”، المسیح هو الهیكل ورئیس الكهنة والذبيحة في نفس الوقت][13]
الكاثوليكون (١بط ٤: ١-١١)
“فإذ قد تألَّم المسيح لأجلنا بالجسد فتسلحوا أنتم أيضاً بهذا المثال … الأمر الذي فيه يستغربون أنكم لستم تركضون معهم إلى إنهراق عدم الصحة عينها لأنهم يجدفون، أولئك الذين سيعطون الجواب للمستعد أن يدين الأحياء والأموات، فإنه من أجل هذا قد بُشِّر الأموات أيضاً كي يدانوا مثل الناس بالجسد ويحيوا مثل الله بالروح، وإنما نهاية كل شئ قد إقتربت، فتعقلوا وإصحوا للصلوات، ولكن قبل كل شئ لتكن المحبّة دائمة فيكم … لكي ما يتمجد الله في كل شئ بيسوع المسيح”.
القراءات مُستمِّرة في إلقاء الضوء الشديد على الصليب وموت المسيح له المجد لكن يُضيف الكاثوليكون هنا أهميّة أن نتسلَّح بآلام المسيح الخلاصية.
كما يقول القديس اكليمنضس السكندري: [صار لنا صليب ربنا حدًا، صار سياجًا وحصنًا ضد خطايانا السابقة. لذلك إذ نحن قد تجددنا فلنثبت أنفسنا فيه (في الصليب) في الحق، ونعود إلى تقديس نفوسنا ووقارها].[14]
وخطورة ومسؤولية من يرفض الخلاص، والدينونة المُزمع مجيئها على كل المسكونة، وكما أدان الرب اليوم الباعة والتجَّار في الهيكل، يستعد لدينونة الجميع الأحياء والأموات، ويدعونا لسهر الصلاة ونقاوة المحبّة وأمانة الخدمة، فتؤهلنا إلى مجد الله في كل شئ.
الأبركسيس (أع ٢٨: ١١- ٢١)
“فجاء إليه كثيرون إلى المنزل فجعل يقص عليهم ويشهد لهم لأجل ملكوت الله ويقنع قلبهم لأجل يسوع من ناموس موسى والأنبياء … سماعاً تسمعون ولا تفهمون ونظراً تنظرون ولا تبصرون لأن قلب هذا الشعب قد غلظ … فليكن معلوماً عندكم أن الله أرسل خلاصه إلى الأمم وهم أيضاً يطيعونه وأقام بولس سنتين كاملتين في محل إستأجره لنفسه وكان يقبل كل من يدخل إليه كارزاً بملكوت الله ويُعلّم بكل مجاهرة من أجل الرب يسوع المسيح ولم يكن أحد يمنعه”.
يتضح هنا أن الكرازة بالملكوت هي أساس الكرازة والخدمة وهي موضوع الناموس والأنبياء وهذا الملكوت سيمتدّ نوره لكل الشعوب ليس فقط اليهود لكن أيضاً الأمم، وتشبّه هنا الكارز العظيم بولس بسيّده أنه كان يقبل كل من يدخل إليه.
لكن التحذير أيضاً لمن يسمعون ولا يفهمون وينظرون ولا يبصرون نتيجة غياب ختان الحواس وتكريس القلب رغم الإنتساب الشكلي لله والإرتباط الروتيني بالعبادة.
وهكذا صارت آلام المسيح له المجد الخلاصية طريقنا إلى الأقداس السماوية (البولس) وسلاح جهادنا اليومي (الكاثوليكون) وموضوع خدمتنا (الأبركسيس).
العلاقة بين قراءات الإبركسيس في سبوت وآحاد الصوم الأربعيني، وقراءات سبت لعازر، وأحد الشعانين:
قراءات الإبركسيس في سبت لعازر وأحد الشعانين هي مُكمِّلة لقراءات الإبركسيس في سبوت وآحاد الصوم الأربعيني المُقدَّس، والتي لها نظام خاص يختلف عن قراءات الإبركسيس في أيَّام الصوم.
تبدأ أوَّل قراءة للإبركسيس في الصوم الأربعيني في سبت الرفاع (أع ٢١: ١- ١٤)، وهي القراءة الأولى بعد الخطاب الوداعي (أع٢٠: ١٧- ٣٨) للقديس بولس مع رعاة الكنائس، والذي قال لهم فيه:
“والآن ها أنا أذهب إلى أورشليم مقيدا بالروح.. والآن ها أنا أعلم أنكم لا ترون وجهي أيضاً” (أع ٢٠: ٢٢، ٢٥).
“ولما قال هذا جثا على ركبتيه مع جميعهم وصلى .. متوجعين، ولا سيما من الكلمة التي قالها: إنهم لن يروا وجهه أيضا. ثم شيعوه إلى السفينة” (أع٢٠: ٣٦، ٣٨).
أي أنه في خطابه الوداعي مع الأساقفة والكهنة قال لهم أنه ذاهب إلي أورشليم (مثل ذهاب الرب الأخير لأورشليم)، وأنهم لن يروا وجهه (مثل خطاب الرب الوداعي مع التلاميذ: يو ١٤، يو ١٧)، وجثا على ركبتيه وصلى (مثل صلاة الرب في جثسيماني).
وكأن قراءة الإبركسيس في بداية الصوم هي بداية الرحلة للصليب والجلجثة، والوصول كان يوم أحد الشعانين، عندما دخل الرب مع حملان الفصح إلى أورشليم، لذلك كانت آخر قراءة مُتتابعة للإبركسيس في يوم أحد الشعانين (أع ٢٨: ١١- ٢١) هي وصول القديس بولس لنهاية الرحلة التي فيها سيُحاكم وينال إكليل الشهادة.
ويوضِّح هذا المعني القمص كيرلس عبد المسيح حنا في كتابه الصوم الكبير مقدمة لدراسة قراءات الصوم الكبير: [مع قراءة أول فصول الإبركسيس (أع ٢١: ١) في كل يوم سبت وأحد في قطمارس الصوم الكبير يبدأ سرد المراحل الأخيرة في حياة بولس من أول رجوعه لأورشليم في سبت الرفاع (الاستعداد) وحتي إرساله مقيداً وإقامته في روما بانتظار ساعة شهادته وانطلاقه للسماء كما جاء في قراءة إبركسيس قدّاس أحد الشعانين (28: ٣١)
ويُتبع لقراءات الإبركسيس في سبوت وحدود الصوم نظاماً خاصاً مختلفاً عن نظام إبركسيس الأيام وهو ما يُعرف بنظام القراءات المتتابعة، حيث تتسلسل الفصول بلا انقطاع من بداية إلى نهاية قراءتها كما تنفرد مسيرة بولس الرسول الأخيرة (بالإضافة إلى مسيرة سفر الخروج) من بين جميع القراءات المتتابعة في قطمارس الصوم الكبير بختامها لا في الصوم الأربعيني بل في أسبوع البصخة وهذا لا يخلو من معني عميق].[15]
لذلك نجد أن الإصحاحات الثماني (من ٢١ إلى ٢٨) تتوزع بترتيب متتابع من سبت الرفاع في الصوم حتي أحد الشعانين في البصخة المُقدَّسة :
[أع ٢١: ١- ١٤] سبت الرفاع.
[أع ٢١: ١٥- ٢٦] أحد الرفاع.
[أع ٢١: ٢٧– ٣٩] السبت السابق لأحد الكنوز.
[أع ٢١: ٤٠، ٢٢: ١- ١٦] أحد الكنوز.
[أع ٢٢: ١٧– إلخ] السبت السابق لأحد التجربة.
[أع ٢٣: ١- ١١] أحد التجربة.
[أع ٢٣: ١٢- إلخ] السبت السابق لأحد الابن الضال.
[أع ٢٤: ١– ٢٣] أحد الابن الضال.
[أع ٢٤: ٢٤- إلخ، ٢٥: ١- ١٢] السبت السابق لأحد السامرية.
[أع ٢٥: ١٣، ٢٦: ١] أحد السامرية.
[أع ٢٦: ١- ١٨] السبت السابق لأحد المُخَلَّع.
[أع ٢٦: ١٩- إلخ، ٢٧: ١- ٨] أحد المُخَلَّع.
[أع ٢٧: ٩– ٢٦] السبت السابق لأحد المولود أعمى.
[أع ٢٧: ٢٧- ٣٧] أحد المولود أعمى.
[أع ٢٧: ٣٨- إلخ، ٢٨: ١- ١٠] سبت لعازر.
[أع ٢٨: ١١- إلخ] أحد الشعانين.
مزمور القداس – الأوَّل (مز ٨٠: ٣، ١ ،٢)
“بوّقوا في رأس الشهر بالبوق في يوم عيدكم المشهور ابتهجوا بالله معيننا. هللوا لإله يعقوب خذوا مزماراً واضربوا دفاً مزماراً مطرياً مع قيثار”.
الابتهاج والتسبيح في هذا المزمور هو لإله يعقوب إله مصارعة الحب حتي الفجر، إله نفوس الإصرار على البركة حتى على حساب طلب الجسد للراحة، وأيضاً التهليل في يوم العيد، يوم دخول الرب قلوبنا، ويوم العهد الجديد الذي صنعه الرب، والذي نعيشه كل يوم في تقدمات الحب وذبائح الشكر.
ويقول أبونا تادرس يعقوب ملطي أن هذا المزمور عنوانه: {لأجل المَعَاصِر}، أي [لأجل كنيسة المسيح المصلوب، حيث نُكرَّم بمشاركتنا له صلبه، نتألم معه فنتمجد معه].[16]
وهذا أيضاً ما يشرحه الآباء القديسين:
[إذ توجد ثلاثة احتفالات مقدسة: الفصح، والبنطقستي، والمظال، لذلك وُجد أيضًا ثلاثة مزامير تحمل العنوان: {لأجل المَعَاصِر} … لا توجد مَعَاصِر، حيث لا توجد كرمة، وفيض من محصول العنب… يقول الرب المخلص: “قد دست المعصرة وحدي، ومن الشعوب لم يكن معي أحد” (إش ٦٣: ٣). هذا هو السبب الذي لأجله أحضر كرمة من مصر ونقلها (مز ٨٠: ٩).
يقول إرميا: “أنا قد غرستكِ كرمة سورق، زرع حق كلها. فكيف تحولتِ لي سروغ جفنة غريبة؟” (إر ٢: ٢١)] (القديس جيروم)112
[تُقال “المَعَاصِر” عن كنائس الله التي في العالم قاطبة. ويخبر هذا المزمور عن رفض جماعة اليهود، وإيمان شعوب الأمم بالله مثل عناقيد العنب]. (القديس أنسيمُس أسقف أورشليم)112
الأناجيل
[ملحوظة: قراءة أربعة أناجيل في قدّاس عيد احد الشعانين هو طقس تنفرد به كنيسة مصر وحدها وهو الطقس الذي يتكرر ليلة ويوم الجمعة العظيمة].[17]
تتكلّم الأناجيل الأربعة بصفة عامة عن دخول الرب أورشليم وإستقبال الجموع له بفرح، وضيق رؤساء الكهنة من تسبيحهم، وطرد الرب الباعة من الهيكل، وخروجه في المساء إلى بيت عنيا.
لكن كل إنجيل يكشف لنا عن هذا الدخول من ناحية معينة فتكتمل الصورة ويتجلى الموقف، فنرى الخلاص واضحاً ونعيش الملكوت في المسيح ومعه في رحلة حياتنا وجهادنا كل يوم.
أنجيل متى (مت ٢١: ١- ١٧)
نرى في إنجيل متى:
الدخول الموعود به في الأنبياء وفِي العهد القديم.
“فكان هذا كله لكي يتم ما قيل بالنبي القائل: قولوا لإبنة صهيون هوذا ملكك يأتيك وديعاً راكباً على آتان وجحش إبن آتان”.
وأيضاً التسبيح المُتنَبَّأ عنه:
“أما قرأتم قط في الكتب أنه من أفواه الأطفال والرضعان هيأت سبحاً”.
كما نرى في رواية القديس متى إرتجاج أورشليم كلَّها من قوّة دخوله اليها:
“ولما دخل أورشليم إرتجت المدينة كلها قائلة: من هو هذا؟!”.
كما يتميَّز القديس متى عن باقي البشائر بشفاء الرب للعمي والعرج في الهيكل:
“وتقدم إليه عُمي وعرج في الهيكل فشفاهم”.
ويُعلّق القديس أغسطينوس على قوله “مبارك الآتي باسم الرب” قائلًا:
[لنفهم من قوله “باسم الرب” بالأكثر “اسم الله الآب”، وإن كان يمكن أن يُفهم على أنه باسمه هو بكونه الرب.. لقد قال بنفسه: “أنا قد أتيت باسم أبي ولستم تقبلونني، إن أتى أحد باسم آخر فذلك تقبلونه” (يو٥: ٤٣).
فإن المعلّم الحقيقي للتواضع هو المسيح الذي أخلى نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب (في٢: ٨)، لكنّه لم يفقد لاهوته بتعليمه التواضع.
فبالواحد هو مساوٍ للآب، وبالآخر هو مشابه لنا نحن. بذاك الذي هو مساوي للآب دعانا إلى الوجود، وبالذي صار به مشابهًا لنا، خلَّصنا من الهلاك].[18]
أنجيل مرقس (مر١١: ١- ١١)
يتميز إنجيل القديس مرقس بالقوّة والمجد والعظمة لشخص المسيح له المجد لذلك يورد هنا تطلُّع الجموع لملكوت الله والمملكة التي يترجونها لنسل داود النبي.
“أوصنا مبارك الآتي بإسم الرب مباركة مملكة أبينا داود الآتية بإسم الرب أوصنا في الأعالي”.
ويتكلَّم الأنجيل بشئ من التفصيل أكثر من باقي الأناجيل عن حل التلاميذ للجحش ويربط القديس أثناسيوس الرسولي بين هذا العمل وبين رسالة الرعاة في الكنيسة المُقدَّسة:
[يا أحبائي، حلّ الجحش موهبة! إنها موهبة تُعطي للعظماء، لا عظمة الجسد، بل عظمة الإيمان والمحبة والعقل والفضيلة، مثلما شُهد به عن موسى أنه صار عظيمًا في شعبه… فإنه من كان عظيمًا يقدر أن يحل الجحش…!
ليتني أكون مثلهما أستطيع أن أفك قيود الحاضرين لأن كل واحد منا مقيد بقيود الخطية كما شهد الكتاب قائلًا إن كل أحد مربوط بجدائل خطاياه.
لنبتهل إذن لكي يرسل الرب يسوع تلاميذه إلينا فيحلوننا من القيود المكبلين بها جميعًا، إذ بعضنا مقيد بحب الفضة وآخر بقيود الزنا، وآخر بالسكر، وآخر بالظلم].[19]
أنجيل لوقا (لو ١٩: ٢٩- ٤٨)
أشار القديس لوقا إلى الجانب الإنساني في الدخول:
فهو الوحيد الذي أشار إلى أن التلاميذ أركبوا يسوع على الجحش:
“وأتيا إلى يسوع وطرحا ثيابهما على الجحش وأركبا يسوع”.
وهو أيضاً الوحيد الذي أسهب في وصف فرحة التلاميذ، ودفاع الرب عن فرحتهم أمام الفريسيين، وإنفتاح الأعين على ظهورات سمائية، وشركة القوات السمائية في التسبيح:
“إبتدأ جمهور التلاميذ يفرحون ويباركون الله بصوت عظيم لأجل جميع القوات التي نظروها قائلين : مبارك الملك الآتي بإسم الرب سلام في السماء ومجد في الأعالي. وأن قوماً من الفريسيين من الجمع قالوا له: يا معلم إنتهر تلاميذك، فأجاب وقال لهم: أقول لكم إن سكت هؤلاء نطقت الحجارة”.
ويُشير القديسان أمبروسيوس وأغسطينوس إلى قبول وإيمان الأمم في الإشارة إلى الحجارة.
ويرى القديس أمبروسيوس أن قول السيد تحقق أيضًا حرفيًا عندما سكت اليهود عن تسبيحه وتمجيده في لحظات الصلب، فقد نطقت الحجارة فعلًا، إذ حدثت زلزلة والصخور تشققت والقبور انفتحت إلخ.
[ما هي هذه الحجارة إلا الذين يعبدون الحجارة؟! فإن صمت أبناء اليهود تصرخ الأمم كبارًا وصغارًا]. (القديس أمبروسيوس)[20]
[من بين الأمم جئنا نحن، آباؤنا كانوا يعبدون حجارة]. (القديس أغسطينوس)116
وهو أيضاً الوحيد الذي أشار إلى بكاء الرب على أورشليم لأجل ما هو عتيد أن يحدث لها:
“فلما قرب ورأى المدينة بكى عليها قائلاً : لو كنت أنت تعلمين في هذا اليوم ما هو لسلامك، ولكن الآن قد أخفي عن عينيك فإنه ستأتي أيام ويحيط بك أعداؤك ويحدقون بك ويحاصرونك من كل جهة ويهدمونك وبنيك فيك ولا يتركون فيك حجراً على حجر لأنك لم تعرفي زمان إفتقادك”.
ويرى البعض أن زمان إفتقاد الله على نوعين:[21]
إما إفتقاد غضب (خر ٣٢: ٣٤).
وإما إفتقاد رحمة (إر ٢٩: ١٠).
ويُقصد بها هنا النوع الثاني من الإفتقاد أي إفتقاد الله لأورشليم بالرحمة.
مزمور القداس – الثاني (مز ٦٤: ١ ،٢)
“لك ينبغي التسبيح يا الله في صهيون ولَك توفى النذور في أورشليم. اسمع يا الله صلاتي لأنه إليك يأتي كل بشر”.
يأتي هذين العددين من المزمور أيضاً كما يقول أبونا تادرس يعقوب ملطي في قراءات عيد الصليب، وفِي عيد تجديد كنيسة القيامة في أورشليم للأسباب التالية:
الكنيسة هي جماعة التسبيح والفرح الداخلي؛ وصليب السيد المسيح هو مصدر الفرح والينبوع الذي يفيض علينا بروح التسبيح لله محب البشر.
أبواب كنيسة العهد الجديد مفتوحة لكل إنسان، أيًا كانت جنسيته، ومهما كانت خطاياه، فهي تدعو الجميع للتمتع بالصليب، حيث بذل كلمة الله المتجسد نفسه من أجل العالم كله.
جاءت كلمة “الصلاة” في العبرية هنا تعني أيضًا “النذر”، فإذ أعلن الله محبته العملية للبشرية، يتقبل بمسرة نذر المؤمنين بالتجاوب بالحب مقابل الحب].[22]
أنجيل يوحنا (لو ١٩: ٢٩- ٤٨)
تميّزت بشارة القديس يوحنا:
بالإشارة إلى أنه ملك إسرائيل أي أنه المسيا المنتظر:
“أوصنا مبارك الآتي باسم الرب ملك إسرائيل”.
وأيضاً الإشارة إلى عدم إدراك التلاميذ لكل ما فعلوه وحدث معهم وقتها إلَّا بعد إستعلان مجده بالصليب والقيامة، ولم يخجل القديس يوحنا أن يعترف بهذا كما يقول القديس كيرلس الكبير:
[لم يخجل القديس يوحنا من الاعتراف بجهل التلاميذ، فقد عاد وأظهر معرفتهم، لأنه لم يضع في اعتباره تكريم الناس، بل كان يدعو لمجد الروح]. (القديس كيرلس الكبير )[23]
“وهذه الأمور لم يفهمها تلاميذه أولاً ولكن لما تمجد يسوع حينئذ تذكروا أن هذه إنما كُتبت من أجله وصُنعت له”.
وأيضاً الإشارة إلى تأثر الجموع بمعجزة إقامة لعازر، وغضب وحسد الفريسيين من الجموع المحيطة به:
“وكان الجمع الذي معه يشهد أنه دعا لعازر من القبر وأقامه من الأموات ومن أجل هذا خرج الجمع للقائه لأنهم سمعوا أنه صنع هذه الآية فقال الفريسيون بعضهم لبعض: أنظروا إنكم لا تنفعون شيئاً هوذا العالم كله قد ذهب وراءه”.
إنجيل دخول الرب إلى أورشليم في فكر الآباء
نظرة عامة
[يسوع يقترب مِن بيت فاجي وبيت عنيا الواقعتين على مشارف المدينة؛ بيت عنيا، أيْ “الطاعة”، وبيت فاجي، أيْ “بيت الفك” ومعناه: موضع الكهنة] (العلامة أوريجانوس)
[وبعدئذ يقترب مِن منحدر جبل الزيتون، حيث تتراءى مدينة أورشليم؛ حتى يغرس شجر الزيتون الجديد – وهم الأمم – حيث سيسجدون له] (القديس أمبروسيوس)
[طيلة خدمة السنوات الثلاث في الجليل وحتى اجتياز الطريق صوب أورشليم لم يَرِدْ عن يسوع أنه ركب على جحش؛ لأن هذا الدرب اليسير مِن جبل الزيتون إلى أورشليم والمعَدّ خصيصًا لمسيرة هذا الراكب على الجحش قد جاء الآن وقت اجتيازه] (القديس كيرلُّس السكندري)
[إن يسوع ملك، لكنه بدأ حياته بتواضع في مزود ببيت لحم؛ والآن يختم عمله بدخول أورشليم راكبًا على جحش] (مار إفرام السرياني)
[على مر سنوات الخدمة الثلاث في الجليل وحتى اتخاذ الطريق لدخول أورشليم، لم يتكلم أحد عن يسوع أنه كان يركب على جحش؛ علي هذا الدرب اليسير الرابط جبل الزيتون بأورشليم والآن هو يُعد لهذه الرحلة علي ظهر الجحش] (كيرلُّس السكندري)
[يسوع هو الملك. لكنه رغم هذا يبدأ حياته بالتواضع متخذًا مذودًا في بيت لحم، والآن يُتمم عمله بدخول أورشليم متواضعًا راكبًا على جحش] (مار إفرام السرياني)
[هناك تذكير واضح بوعد يعقوب لبيت يهوذا: “رابطًا بالكرمة جحشه وبالجفنة ابن أتانه. غسل بالخمر لباسه وبدم العنب ثوبه.”. فإن “الخمر” و”دم العنب” يشيران إلى سكيب دم يسوع، الذي اقترب أوانه] (القديس يوستينوس الشهيد)
[الثياب المطروحة فوق الجحش هي مثال لِمَا ناله التلاميذ مِن كرامة؛ فهم الذين هيّأوا الجحش ليسوع، هذا الفارس الروحي الذي سيدخل الآن إلى أورشليم وإلى قلوب مؤمني الأمم] (القديس أمبروسيوس)
[ما أنْ دخل يسوع أورشليم، حتى أعلن الرسل بل والأطفال مجد لاهوته، في حين دعا الفريسيون يسوع لينتهر تلاميذه] (القديس كيرلُّس السكندري)
[لميلاده اضطربت أورشليم بميلاده، والآن اضطربت أيضاً لموته. وفي كِلَا الحدثين كانت صيحات الأطفال تتعالى فرحًا بقدومه] (القديس كيرلُّس السكندري)
بميلاد يسوع حل على الأرض السلام. وبدخوله أورشليم مِن أجْل آلامه وقيامته صار في السماء سلام. فالأرض والسماء اتّحدتا في السلام معًا بتجسّد المسيح وعمله الكفّاري] (القديس كيرلُّس السكندري)
[يبكي يسوع على هذه المدينة، فيُتِم بالفعل ما قد سبق بالقول – حيث قال: “طوبى للباكين”. وليس على هذه المدينة فقط يبكي، بلْ على كل المؤمنين أيضًا، الذين يسقطون بسبب الخطية وبسبب الأرواح الشريرة المحيطة بهم] (العلامة أوريجانوس)
[يتنبأ يسوع فيصف بتفصيل دقيق – هنا، وبعد ذلك في حديثه بالهيكل عن الأبدية – قدر الخراب الآتي على المدينة على يدي تيطس تحت حكم الأمبراطور فيسباسيان] (القديس يوسابيوس)
[سيصير الهيكل الموضع الذي يعلّم فيه المسيح، إبان هذه الأيام الأخيرة. وبالتالي فلا بد أنْ يكون طاهرًا؛ حتي تحل قداسة المسيح في موضع مقدس. بعض الصيارفة لا يميّزون الخير مِن الشر، ولا يدركون أن المال كله هو للرب] (القديس أمبروسيوس).
[يُعدّ إخراج الصيارفة وباعة الحمام من الهيكل، عملاً صارماً مِن قِبَل يسوع. لكنه ليس أكثر صرامة مِن إخراج الشياطين] (القديس أغسطينوس)
[لم يدرك الأطفال ما كانوا يتكلمون به. هكذا أعطى يسوع ألسنتهم غير الناضجة المقدرة على النطق بقوة قدرته. أصواتهم كانت نموذجاً لما نطقت بة الأمم عن الأنجيل. فالأطفال رغم صغر سنهم نطقوا بأمور ظهر تفسيرها جليًّا، وتناغمت مع الشهادات التي مِن فوق. وبالنظر إلى ما جرى حول دخوله أورشليم الفاتح، لكان مِن الممكن أنْ تقع هذه الأحداث قبلاً؛ إلّا أن ساعتها لم تكن بعد قد جاءت. معجزات كثيرة بدأت الآن في الحدوث سريعًا، ونبوّات كثيرة كانت في الحال تتم] (القديس يوحنا ذهبي الفم)
[إن لإرسال التلميذين إلى خارج أورشليم معنى روحي أعمق: فيسوع يرسلهما ليحررا الأمميين المربوطين بقيود الخطية] (القديس هيلاري اسقف بواتييه)
[انظر”، هو تعبير مَن يُرِي أحدًا شيئاً. يقال: “لا تنظر بالعين الجسدانية وحدها بلْ وانظر بالعقل الروحاني أيضا. انظر لِمَا له مِن فضائل، لا للشكل الخارجي الذي لظاهره وحسب” الثياب هي التعاليم اللاهوتية والنعم الروحية. وكما تستر الثياب خزي العاري، كذلك فإن النعمة تستر ما لأجسادنا مِن شرور.” (تفسير متّى غير المكتمل)
[وديع هو الملك. وسعف النخيل توحي بالأنتصار] (القديس ساويرُس)
الساعة السادسة (قراءات التجنيز)
قراءات الساعة السادسة والتاسعة والحادية عشر تكملة لموضوع أحد الشعانين ودخول الرب كملك وتأسيس ملكوت العهد الجديد ملكوت السلام والوداعة ولكن أيضاً الإشارة إلى رفض اليهود له ومصير أورشليم والأمّة اليهودية من عناد القلب وتكبَّره ورفض مسيح الخلاص والحب.
حزقيال النبي (٣٧ : ١ – ١٤)
ما أجمل إختيار الكنيسة لهذه النبوَّة، والتي تحكي العظام اليابسة، وكيف جعلها الرب جيش عظيم بقوة كلمته، وهي هنا رمز للطبيعة البشرية اليابسة، والتي تغلغل فيها الموت وكيف نالت القيامة بإبن الله الكلمة، لذلك تأتي هنا جملة “تعلمون أني أنا هو الرب” ثلاث مرّات كتأكيد على إستعلان لاهوت الإبن في القيامة (رو ١: ٤).
والحقل هنا إشارة للأرض كلها ويقول النبي “ممتلئة عظاماً بشرية … فإذا هي كثيرة جداً على وجه الحقل” وربما هذا يُذكِّرنا ببداية الخليقة “وكانت الأرض خربة وخالية، وعلى وجه الغمر ظلمة” (تك ١: ٢) أي أن هذه النبوَّة تُشير إلى الخليقة الجديدة في المسيح.
والعجيب هنا في هذه النبوَّة حدوث الزلزلة مرتين (الغريب هنا أن الترجمة البيروتية ذكرت كلمة “رعش” بدلاً من كلمة زلزلة):
جاء في النبوَّة عن الزلزلة الأولى “فكان صوت عند تنبؤي وإذا زلزلة حدثت فتقاربت العظام لبعضها بعضاً … ولم يكن بها روح”.
وجاء عن الزلزلة الثانية “فتنبأت كما أمرني فدخل فيها الروح وبينما أنا أتنبأ وإذ بزلزلة قد حدثت فقاموا واقفين على أقدامهم”.
وكأنما أشارت النبوَّة من بعيد إلى الزلزلتين اللتان حدثتا في صلب المسيح له المجد (مت ٢٧: ٥١-٥٢) وفِي قيامته المُقدَّسة (مت ٢٨: ٢)، الزلزلة الأولي حدثت علامة إنتهاء سلطان الموت، والثانية نوال الحياة الجديدة.
ويقول أيضاً القديس بولس البوشي: [هوذا أبتدئ أولاً من (القديس) متى لأنه ذكر وقت القيامة نفسها حين قام الرب، بقوله: “وكانت زلزلة عظيمة، ملاك الرب نزل من السماء ودحرج الحجر عن باب القبر وجلس فوقه” (مت ٢٨: ٢). بيَّن أن الزلزلة كانت وقت قيامة الرب، وكما أن عند إسلام الروح زلزل صوتُه الأرضَ (مت ٢٧: ٥٠- ٥١)، هكذا عند قيامته زلزلها أيضاً، ليُعلن أن الذي مات هو الذي قام، ولم يكن بضعف، بل قوي قاهر الموت، ومالك القيامة الجامعة للكل] (القديس بولس البوشي)[24].
وصارت هذه النبوَّة إشارة ورمز لقيامة إبن الله وقيامتنا فيه كما يقول القديس أمبروسيوس: [يا لعظمة محبة الرب المترفقة فقد أخذ النبي – حزقيال – كشاهد للقيامة المقبلة، فنراها نحن من خلال عينه. إذ لا يمكن أن يؤخذ الكل كشهود عيان، ففي هذا الواحد صرنا نحن شهودًا” (القديس أمبروسيوس)[25].
البولس (١كو ١٥: ١- ٢٧)
يتكلَّم هنا القديس بولس عن القيامة كتسليم رسولي، وكحقيقة لها شهود، وكأساس الإيمان والحياة في المسيح والخدمة والكرازة، وكإعداد للقيامة الثانية في مجيئه الثاني، لذلك يأتي هذا النص أيضاً في قراءات تجنيز الراقدين:
“وأنا أعلمكم يا إخوتي أن الإنجيل الذي بشرتكم به هو الذي قبلتموه .. هذا الذي خلصتم من قبله .. لأني سلمت إليكم أولاً ما قد أخذت .. وأنه ظهر لصفا ثم ظهر للإثني عشر وبعد ذلك ظهر دفعة واحدة لأكثر من خمسمائة أخ .. فإن لم تكن قيامة للأموات فالمسيح إذاً ما قام وإن كان المسيح لم يقم فكرازتنا باطلة وباطل أيضاً إيمانكم .. فالمسيح هو البدء ثم الذين للمسيح عند مجيئه وبعد ذلك المنتهى”.
المزمور (مز ٦٤: ٤، ٥)
“طوبى لمن اخترته وقبلته ليسكن في ديارك إلى الأبد، ستشبع من خيرات بيتك قدوس هو هيكلك وعجيب بالبر”.
يربط هذا المزمور بين الديار الأبديّة وهيكل الله :
ففي بيت الله وهيكله المُقدَّس نشبع من خيره ونراه قدوساً عجيباً (إش ٩: ٦)، ونتمتع ببره الإلهي.
والكنيسة هي سماء الله على الأرض، وربما لأجل هذا توجد سلالم في المبنى الكنسي عند الدخول، وتوجد درجة أخرى من درجات السلم عند خورس الشمامسة، وأخرى عند دخول الهيكل، وكأننا في حالة صعود، ولذلك نصلي في قطع الصلاة الثالثة: (إذا ما وقفنا في هيكلك المُقدَّس نُحسب كالقيام في السماء).
والكنيسة هي موضع راحتنا، وربما لأجل هذا أيضاً تنطبق كلمة داود النبي: “إرجعي يا نفسي إلى موضع راحتك” على الكنيسة، فكُلَّما نُقابل ونواجه أتعاب وآلام في العالم نرجع إلى الكنيسة موضع راحتنا فنرى إحسانات الله وعزاؤه وبرّه.
الإنجيل (يو ٥: ١٩- ٢٩)
يتكلَّم الإنجيل عن الوحدة الجوهرية بين الآب والإبن، ووحدة الإرادة والمشيئة، وعندما قال الإبن “الحق الحق أقول لكم أن الإبن لا يقدر أن يفعل شيئاً من ذاته وحده إلَّا أن يري الآب فاعله” لم يقصد أنه لا يقدر أن يفعل شيئاً من ذاته وحده، لكن قصد أن كل ما يفعله يفعله وهو واحد مع الآب، ولعل الآية التي تليها مُباشرة تشرح المعنى “لأن الأعمال التي يعملها الآب يعملها الإبن أيضاً”.
كما أن التركيز هنا على كلمة (وَحْدَهُ) التي جاءت في نهاية الآية وليس على كلمة (لا يقدر).
ولتقريب المعنى (مع الفارق الشاسع في التشبيه) نرى هذا أيضاً في حياتنا اليومية عندما يسألني أحد عن شئ في أمور الخدمة يطلب عمله فيكون جوابي إني لا أقدر أن أفعل شيئاً وحدي دون إرادة الأب الأسقف، وبالرغم من أني ككاهن أقدر على القيام بالعمل وحدي لكن الكلام هنا عن وحدة المشيئة، أو إذا سألوا إمرأة متزوجة عن شئ ما لتقوم به فتجيب إني لا أقدر من دون زوجي، وبينما هي تستطيع وحدها القيام به إلا أن ما تقصده هنا هو وحدة الإرادة مع زوجها.
وهذا ما شرحه آباءنا القديسين:
[الآب لا يفعل أشياء والابن أشياء أخرى، فإن كل الأشياء التي يفعلها الآب إنما يصنعها بالابن. الابن أقام لعازر، ألم يقمه الآب؟ الابن أعطى النظر للأعمى، ألم يهبه الآب البصر؟ يعمل الآب بالابن في الروح القدس. إنه الثالوث، لكن عمل الثالوث هو واحد، العظمة واحدة، الأزلية واحدة، الأبدية واحدة، والأعمال واحدة. لم يخلق الآب بعض الناس والابن آخرين والروح القدس آخرين. خلق الآب والابن والروح القدس انسانًا واحدًا بعينه] (القديس أغسطينوس)[26]
[إن سألت: فما معنى قول المسيح “لا يقدر الابن أن يعمل من نفسه شيئًا”؟
أجبتك: معناه أنه لا يقدر أن يعمل عملًا مضادًا لأبيه ولا غريبًا عنه. وهذا قول يوضح معادلته لأبيه واتفاقه معه كثيرًا جدًا.
قول المسيح: “لا يقدر الابن أن يعمل من نفسه شيئًا إلا ما ينظر الآب يعمل” كأنه يقول: “إنه ممتنع عليّ وغير ممكن أن أعمل عملًا مضادًا”.
وقوله: “لأن مهما عمل ذاك فهذا يعمله الابن كذلك” بهذا القول أوضح مشابهته التامة لأبيه.
ماذا يعني: لا يقدر الابن أن يعمل من نفسه شيئًا؟
إنه لا يقدر أن يعمل من نفسه شيئًا في مضادة للآب، ليس شيء مُغايرًا، ليس شيءغريبًا، مما يظهر بالأكثر المساواة والاتفاق التام.
لماذا لم يقل: “لا يعمل شيئًا مضادًا” عوض قوله: “لا يقدر أن يعمل”؟
وذلك لكي يثبت عدم التغير والمساواة الدقيقة، فإن هذا القول لا يتهمه بالضعف، بل يشهد لقوته العظيمة… وذلك كالقول: “يستحيل على الله أن يخطئ”، لا يتهمه بالضعف، بل يشهد لقوته التي لا يُنطق بها.. هكذا المعنى هنا هو أنه قادر، أي مستحيل أن يفعل شيئًا مضادًا للآب] (القديس يوحنا الذهبي الفم)26
ونرى أيضاً في باقي القراءة: القيامة الأولى والقيامة الثانية← قيامة التوبة: القيامة الأولى (لو ١٥: ٣٢)، (أف ٥: ١٤)، والقيامة العامة في مجيئه الثاني:
القيامة الأولي:” الحق الحق أقول لكم أنه ستأتي ساعة وهي الآن حين يسمع الأموات صوت إبن الله والذين يسمعون يحيون”.
القيامة الثانية: “فإنه ستأتي ساعة حينما يسمع فيها كل من في القبور صوته فيخرج الذين صنعوا الحسنات إلي قيامة الحياة والذين صنعوا السيئات إلي قيامة الدينونة”.
الساعة التاسعة – أحد الشعانين
[ملحوظة: قـراءات الســاعة التاسـعة لا توجــد في المخطوطــات القديمــة][27]
ويوضِّح الأرشيدياكون بانوب عبده بشئ من التفصيل:
[يقول العلامة برمستر الأستاذ بالإكليريكية في مقدمه كتابه “قراءات أسبوع الآلام” إن أقدم نسخة مخطوطة لدينا تحمل تاريخاً في قراءات البصخة هي المخطوط ٥٩٩٧ بالمتحف البريطاني وتاريخها هو ٩٩٠ش. الموافق ١٢٧٣م.، وأن النسخة الثانية ذات التاريخ هي المخطوط القبطي رقم ٧٠ بالمكتبة الأهلية بباريس وتاريخها ١٠٢٦ش. الموافقة ١٣٤٩م.، وكلاهما تبدأ فيه قراءات أحد الشعانين بالساعةالحادية عشر لا التاسعة، وهاتان البصختان هما أقدم النسخ بين البصخات العشرين المعروفة لنا].[28]
النبوَّات
نبوة مراثي النبي (مرا ١: ١- ٤)
تتكلّم النبوّة عن حال أورشليم بعد السبي كإشارة وتجسيد لما هو كان عتيد أن يحدث لها بعد رفضها الصليب والخلاص، لذلك انطبق هذاالكلام على أورشليم والشعب اليهودي أثناء وبعد خراب أورشليم سنة ٧٠ ميلادية على يد تيطس القائد الروماني، وتم ما قال الرب عليها: “هوذا بيتكم يترك لكم خراباً”.
“قد سبيت اليهودية من المذلّة وشدة العبودية سكنت بين الأمم ولم تجد راحة قد أدركها جميع مضطهديها بين المضايق كل طرق صهيون نائحة لعدم الآتين إلى العيد جميع أبوابها متهدمة، كهنتها متنهدون وعذاراها مسبية وهي مغشية بالمرارة”.
[ملحوظة هامة :الآية الأولي في النص القبطي هنا غير موجودة في الترجمة البيروتية وهي التي نصها: “وكان بعد سبي إسرائيل وخراب أورشليم، أن إرميا جلس باكياً وناح على أورشليم بهذا النوح وقال…”
وهي نبوَّة واضحة عن خراب أورشليم لرفضها الخلاص العظيم الذي أعلنه المسيح له المجد بموته وقيامته المُقدَّسة.].
نبوة صفونيا النبي (صف ٣: ١١- ٢٠)
تتكلّم هذه النبوة عن سبب قضاء الرب على أورشليم وسبب خراب البيت كبرياء القلب، ولكن في ذات الوقت يُبشِّر أورشليم الجديدة التي ستضم إليها كل الأمم، لذلك تتكرر كلمة “في ذلك اليوم” فيوم الصليب هو يوم دينونة الأشرار ويوم خلاص الشعوب:
“يقول الرب: في ذلك اليوم أنزع من بيتك المرحين معك بتكبر فلا تعودين تستعلي بكبرياء قلبك في جبل قدسي … في ذلك اليوم يقول الرب لأورشليم لا تخافي يا صهيون ولا تسترخ يداك، الرب إلهك، في وسطك جبار فهو يخلصك ويسكب عليك الفرح يجددك في محبّته ويبتهج بك متهللاً كما في يوم عيد وأبناؤك المتفرقين أجمعهم”.
المزمور (مز ٨: ٢، ٣)
هو نفس المزمور الذي استشهد به الرب في تسبيح الجموع عندما اعترض عليه الفريسيين عندما دخل أورشليم.
الأنجيل (مت ٢١: ١٠- ١٧)
هنا انتباه ووقفة وزلزلة لأورشليم لتعرف من هو القادم لخلاصها:
“ولما دخل أورشليم ارتجت المدينة كلها قائلة: من هو هذا ؟ ”
وأيضاً وقفة للديان معنا في كنائسنا، وعبادتنا، ورعايتنا، وتعليمنا، وترى ماذا سيفعل عندما يدخل الكنيسة اليوم ؟:
“فدخل يسوع إلى الهيكل وأخرج جميع الذين كانوا يبيعون ويشترون في الهيكل وقلب موائد الصيارفة وكراسي باعة الحمام وقال لهم: مكتوب أن بيتي بيت الصلاة يُدعي وأنتم جعلتموه مغارة للصوص”.
الساعة الحادية عشر – أحد الشعانين
النبوَّات
نبوة إشعياء النبي (إش ٤٨: ١٢)- الخ
العجيب أن تبدأ هذه النبوة بالإجابة عن السؤال في القراءة التي تسبقها (إنجيل الساعة التاسعة عندما إرتجت المدينة كلها قائلة: من هو هذا؟) فيُعلن الرب عن ذاته:
“اسمع لي يعقوب وإسرائيل الذي دعوته أنا هو أنا الأزلي وأنا الأبدي… أنا هو الله معلمك لتجد الطريق الذي تسير فيه”.
ويطمئن الرب شعبه أنه برغم الضعف والتأديب لا يتأخر فداء الله ورعايته ومحبته:
“نادٍ بهذا شيعه إلى أقطار الأرض قل إن الرب فدى يعقوب عبده وإذ عطشوا في البرية أخرج لهم من الصخرة ماء وشق الصخرة ففاضت المياه”.
نبوة ناحوم النبي (نا ١: ٢- ٨)
تكمل هذه النبوّة الكشف عن طبيعة الله، وعن قوته وغضبه، ولكن في ذات الوقت صلاحه الإلهي:
“الرب إله غيور ومنتقم ينتقم الرب بغضب من المقاومين له وهو يبيد أعداؤه الرب هو طويل الروح وعظيمة هي قوته … صالح هو الرب لمنتظريه في يوم ضيقتهم وهو عارف خائفيه”.
المزمور (مز ٢١: ٢١، ٢٢)
تأتي النبوّة عن ابن الإنسان في تجسِّده المجيد، وهي النبوّة التي استشهد بها القديس بولس في الرسالة إلى العبرانيين، وكأنها لسان حال كل من استقبل الرب في دخوله أورشليم:
“أذيع اسمك بين اخوتي وفِي وسط الجماعة أسبحك يا خائفي الرب سبحوه وَيَا معشر ذرية يعقوب مجدوه”.
“قائلاً أخبِّر باسمك إخوتي وفِي وسط الكنيسة أسبحك” (عب ١١:٢)
توجد في بصخات قديمة مزمور آخر بدلاً من هذا المزمور:[29]
“من أفواه الأطفال والرضعان هيأت سبحاً أيها الرب ربنا مثل عجب صار اسمك على الأرض كلها”.
الأنجيل (مت ٢٠: ٢٠- ٢٨)
هنا تُخْتَم قراءات اليوم بكشف الرب لأم ابني زبدي ولنا جميعاً العلاقة بين الملكوت وبين الصليب والخدمة،
فلا يوجد ملكوت دون صليب وكأس وصبغة،
ولا توجد عظمة دون خدمة وبذل،
ولا يوجد أوّل دون مُتكأ أخير
“حينئذ جاءت إليه أم ابني زبدي مع ابنيها وسجدت له وسألته شيئاً أما هو فقال لها: ماذا تريدين؟ قالت له: أن تقول قولاً أن يجلس ابناي الاثنان واحد عن يمينك والآخر عن يسارك في ملكوتك، فأجاب يسوع: إنكما لستما تعلمان ما تطلبان أتقدران أن تشربا الكأس التي أنا مزمع أن أشربها والصبغة التي أصطبغها تصطبغانها؟ …. ولكن من أراد أن يكون فيكم كبيراً فليكن لكم خادماً ومن يريد أن يكون فيكم أولاً فليكن لكم عبداً كما أن ابن البشر لم يأتِ ليُخْدَم بل ليَخْدِم ويبذل نفسه فداء عن كثيرين”.
أفكار لعظات مقترحة
(١) موكب العريس
1- موكب السلام
“وأتيا بالأتان والجحش ووضعا عليهما ثيابهما فجلس عليهما” (مت ٧:٢١).
لأن موكب الملوك المنتصرين في الحروب في ذلك الوقت كان بالفرسان بعد رجوعهم من الحرب إختار الرب أن يجلس علي جحش علامة ملكوت السلام الذي جاء ليمنحه للبشرية (إش٦٦: ١٣،١٢).
2- موكب الوداعة
“إبتهجي جداً يا إبنة صهيون إهتفي يا بنت أورشليم هوذا ملكك يأتي إليك هو عادل ومنصور وديع وراكب علي حمار وعلي جحش إبن أتان” (زك ٩:٩)، (مت ٢١: ٥،٤).
3- موكب الخلاص
“والجموع الذين تقدموا والذين تبعوا كانوا يصرخون قائلين أوصنا لإبن داود مبارك الآتي باسم الرب أوصنا في الأعالي” (مت ٩:٢١).
4- موكب التطهير
“ودخل يسوع إلي هيكل الله وأخرج جميع الذين كانوا يبيعون ويشترون في الهيكل وقلب موائد الصيارفة وكراسي باعة الحمام” (مت١٢:٢١).
5- موكب الشفاء
“وتقدم إليه عمي وعرج في الهيكل فشفاهم” (مت ١٤:٢١).
6- موكب التسبيح
“من أفواه الأطفال والرضّع هيأت تسبيحاً” (مت ١٦:٢١).
7- موكب النصرة
“ولما دخل أورشليم إرتجت المدينة كلها” (مت ١٠:٢١).
(٢) ثمار معرفته ومُلكه علي قلوبنا (تطهير – شفاء – تسبيح).
ماذا يفعل الرب عندما يملك علي قلوبنا وحياتنا وعندما تستقبله أورشليمنا (قلوبنا)؟.
1- التطهير الدائم
” ودخل يسوع إلي هيكل الله وأخرج جميع الذين كانوا يبيعون ويشترون في الهيكل وقلب موائد الصيارفة وكراسي باعة الحمام” (مت١٢:٢١).
سيُخرج الرب كل ما هو غريب عن محبّته من قلوبن، وسيُعطينا النعمة والقوة لكي نُميت إنساننا العتيق (٢كو ٧: ١).
وستكون عملية التطهير ديناميكية ويومية بفعل عمل روحه القدّوس فينا قدر ما نخضع ونسمح له بتنقيتنا (٢كو٧: ١).
2- الشفاء الكامل
“وتقدم إليه عمي وعرج في الهيكل فشفاهم” (مت١٤:٢١).
وهذا هو عمل الرب وفعل نعمته شفاؤنا المُستمر والكامل نتيجة إستقبال قلب الإنسان له فيشفي عمي نفوسنا ويهبنا رؤية مجده ويشفي عرجمسيرنا في الحياة فننطلق من مجد إلي مجد (٢كو ٣: ١٨).
ويربط القديس جيروم بين التطهير والشفاء (عملان مُتلازمان) بقوله: [لو لم يقلب موائد الصيارفة وكراسي باعة الحمام ما كان يستحق العمي والعرج أن يستردّوا النور، ويصيروا سريعين في المشي].[30]
٣- التســــبيح
يأتي الفرح القلبي العميق والشكر والتسبيح كتوابع طبيعية لدخول الرب بيوتنا وحياتنا لأن التوبة يرافقها الفرح (لو١٥: ٧، ١٠، ٢٣).
والتسبيح يُعطي للنفس القوة والثبات في الرب (نح ٨: ١٠).
(٣) أنواع هياكل
1- هيكل الصلاة
“في ضيقي دعوت الرب، وإلى إلهي صرخت، فسمع من هيكله صوتي، وصراخي دخل أذنيه” (٢صم ٢٢: ٧).
“أما أنا فبكثرة رحمتك أدخل بيتك. أسجد في هيكل قدسك بخوفك” (مز ٥: ٧).
“في ضيقي دعوت الرب، وإلى إلهي صرخت، فسمع من هيكله صوتي، وصراخي قدامه دخل أذنيه” (مز ١٨: ٦).
2- هيكل الضمان والحماية والأمان للأسرة
“وهي أرملة نحو أربع وثمانين سنة، لا تفارق الهيكل، عابدة بأصوام وطلبات ليلاً ونهاراً” (لو٢: ٣٧).
“وبعد ثلاثة أيام وجداه في الهيكل، جالسا في وسط المعلمين، يسمعهم ويسألهم” (لو٢: ٤٦).
3- هيكل الحب
“واحدة سألت من الرب وإياها ألتمس: أن أسكن في بيت الرب كل أيام حياتي، لكي أنظر إلى جمال الرب، وأتفرس في هيكله” (مز٢٧: ٤).
4- هيكل الرجاء
“فقلت: قد طردت من أمام عينيك. ولكنني أعود أنظر إلى هيكل قدسك” (يون ٢: ٤).
“أما الرب ففي هيكل قدسه. فاسكتي قدامه يا كل الأرض” (حبق ٢: ٢٠).
5- هيكل التسبيح
“وكانوا كل حين في الهيكل يسبحون ويباركون الله. آمين.” (لو ٢٤: ٥٣).
“فلما رأى رؤساء الكهنة والكتبة العجائب التي صنع، والأولاد يصرخون في الهيكل ويقولون: أوصنا لابن داود!، غضبوا” (مت ٢١: ١٥).
6- هيكل السماء
“طوبى للذي تختاره وتقربه ليسكن في ديارك. لنشبعن من خير بيتك، قدس هيكلك” (مز ٦٥: ٤).
“من أجل ذلك هم أمام عرش الله، ويخدمونه نهارًا وليلًا في هيكله، والجالس على العرش يحل فوقه” (رؤ ٧: ١٥).
7- الإنسان هيكل الله
“أما تعلمون أنكم هيكل الله، وروح الله يسكن فيكم؟” (١كو ٣: ١٦).
8- هيكل العبادة الشكلية والإفتخار الكاذب
“لا تتكلوا على كلام الكذب قائلين: هيكل الرب، هيكل الرب، هيكل الرب هو!” (إر ٧: ٤).
“ويل لكم أيها القادة العميان! القائلون: من حلف بالهيكل فليس بشيء، ولكن من حلف بذهب الهيكل يلتزم” (مت٢٣: ١٦).
“إنسانان صعدا إلى الهيكل ليصليا، واحد فريسي والآخر عشار” (لو١٨: ١٠).
“وإذ كان قوم يقولون عن الهيكل إنه مزين بحجارة حسنة وتحف” (لو٢١: ٥).
9- هيكل التجربة
“ثم أخذه إبليس إلى المدينة المقدسة، وأوقفه على جناح الهيكل” (مت ٤: ٥).
10- هيكل القضاء والدينونة
“صوت هاربين وناجين من أرض بابل، ليخبروا في صهيون بنقمة الرب إلهنا، نقمة هيكله” (إر٥٠: ٢٨).
“لكي يأتي عليكم كل دم زكي سفك على الأرض، من دم هابيل الصديق إلى دم زكريا بن برخيا الذي قتلتموه بين الهيكل والمذبح” (مت ٢٣: ٣٥).
11- العبادة في الهيكل بين الروح والشكل
“فأتى بالروح إلى الهيكل” (لو٢: ٢٧).
“ودخل يسوع إلى هيكل الله وأخرج جميع الذين كانوا يبيعون ويشترون في الهيكل، وقلب موائد الصيارفة وكراسي باعة الحمام” (مت٢١: ١٢).
عظات آبائية لأحد الشعانين
العظة الأولى
يسوع يدخل أورشليم – للقديس كيرلس الكبير[31]
(لو ١٩:٢٨–٤٠)
“ولما قال هذا تقدم صاعداً إلى أورشليم. وإذ قرب من بيت فاجي وبيت عنيا عند الجبل الذي يدعي جبل الزيتون، أرسل اثنين من تلاميذه قائلاً: اذهبا إلى القرية التي امامكما وحين تدخلانها تجدان جحشاً مربوطاً لم يجلس عليه أحد من الناس قط. فحلاه وآتيا به. وإن سألكما أحد: لماذا تحلانه؟ فقولا له: إن الرب محتاج إليه. فمضى المرسلان ووجدا كما قال لهما. وفيما هما يحلان الجحش قال لهما أصحابه: لماذا تحلان الجحش؟ فقالا: الرب محتاج إليه. وأتيا به إلى يسوع وطرحا ثيابهما على الجحش واركبا يسوع. وفيما هو سائر فرشوا ثيابهم في الطريق. ولما قرب عند منحدر جبل الزيتون ابتدأ كل جمهور التلاميذ يفرحون ويسبحون الله بصوت عظيم لأجل جميع القوات التي نظروا قائلين: مبارك الملك الآتي باسم الرب سلام في السماء ومجد في الاعالي. وأما بعض الفريسين من الجمع فقالوا له: يا معلم انتهر تلاميذك فأجاب: أقول لكم: إنه إن سكت هؤلاء فالحجارة تصرخ”.
يسبح التلاميذ المسيح مخلص الكل ويدعونه باسم الملك، والرب، وأنه سلام السماء والأرض. ولنسبحه نحن أيضاً آخذين قيثارة المرنم ونقول: “ما أعظم أعمالك يا رب، بحكمة صنعتها” (مز ٢٤:١٠٣)، لأنه لا يوجد شيء من كل الأعمال التي صنعها إلا (وصنعها)بحكمة، فهو يوجه كل ما هو نافع، بالأسلوب المناسب له، ويحدد لأفعاله الأوقات التي تناسبها، وطالما كان من المناسب أن يجتاز بلاد اليهود ساعياً أن يكتسب كثيرين إلى النعمة التي بالإيمان عن طريق الدروس والنصائح الفائقة على الناموس، فإنه لم يتوقف عن فعل هذا. أما وقد دعاه الوقت أخيراً إلى تلك الآلام التي هي لخلاص العالم كله، ليحرر سكان الأرض من طغيان العدو ويبطل الموت، ويبيد خطية العالم، فإنه يصعد إلى أورشليم وهو يكشف للإسرائيليين أولاً حقيقة واضحة، ألا وهي أن شعباً جديداً من بين الوثنيين سوف يخضع له، بينما هم انفسهم يصيرون مرفوضين كقتلة للرب.
وماذا كانت العلامة إذن؟ إنه جلس على جحش كما سمعنا بوضوح منذ قليل من الانجيلي المبارك. لكن ربما يقول قائل: “عندما كان يجتاز في اليهودية كلها” – لأنه كان يعلم في مجامعهم، كما كان يصنع المعجزات أيضاً – فإنه لم يطلب دابة ليركبها. وبينما كان يمكنه أن يشتري واحدة، فإنه لم يفعل مع أنه كان كثيراً ما يتعب في الطريق من رحلاته الطويلة، كما هو مكتوب فإنه تعب من السفر عند اجتيازه السامرة (يو ٦:٤)
من يمكنه (إذن) أن يجعلنا نصدق أنه عندما كان ذاهباً من جبل الزيتون إلى أورشليم- وهما مكانان يفصلهما مسافة قصيرة جدا – سوف يحتاج إلى جحش، ولماذا عندما كان الجحش مصحوباً بأمه لم يأخذ المسيح الأم بدلاً من الجحش؟، فنحن نعلم من كلمات متى البشير أنهم قد أحضروا إليه الأتان التي ولدت الجحش، كما يقول “إنه أرسل تلميذيه إلى القرية التي أمامهما قائلاً لهما ستجدان أتاناً مربوطة وجحشاً معها، فحلاهما وأتياني بهما” ولذلك (يقول النص) إنهما أتيا بالأتان والجحش (مت ٢١:١, ٢, ٧) لذلك علينا أن ننظر ما هو التفسير وما المنفعة التي نستخلصها من هذا الحدث، وكيف نجعل من ركوب المسيح على جحش مثالاً لدعوة الأمم.
خلق إله الكل الإنسان على الأرض بذهن يتميز بالحكمة والقدرة على الفهم، ولكن الشيطان خدعه رغم أنه مخلوق على صورة الله، وأضله حتى لا يعرف خالق الكل وصانعهم، فأذل سكان الأرض إلى أدنى مستوى من عدم التعقل والجهل. وإذ يعرف النبي الطوباوي داود هذا، ويبكي بمرارة لأجله، فإنه يقول: “إنسان في كرامة ولا يفهمها، هو مثل البهائم التي لا تفهم وقد صار شبيهاً بها” (مز ١٢:٤٨). لذلك فمن المحتمل أن الأتان الأكبر تشير إلى مجمع اليهود والذي – لو جاز القول – صار بهيمياً لأنه لم يعطِ سوى اهتماماً قليلاً لناموس موسى واحتقر الأنبياء القديسين، وأضاف إلى هذا أيضاً عصيانه للمسيح، الذي كان يدعوه إلى الإيمان وإلى انفتاح عينيه. لأنه قال: “أنا هو نور العالم، من يؤمن بي فلا يمشي في الظلمة بل يكون له نور الحياة” (يو١٢:٨). لكن الظلمة التي يتحدث عنها هي بلا شك ظلمة الذهن أي الجهل والعمى ومرض عدم التعقل الشديد.
أما الجحش الذي “لم يكن قد جلس عليه أحد”، فهو يمثل الشعب الجديد المدعو من بين الوثنيين، لأنه كان أيضاً بالطبيعة عديم الفهم، تائهاً في الضلال، لكن المسيح صار حكمة له، لأن “فيه مذخر جميع كنوز الحكمة وأسرار المعرفة” (كو٣:٢).
إذن فقد أحضر الجحش، إذ أرسل المسيح اثنين من تلاميذه لأجل هذا الغرض، وماذا يعني هذا؟، إنه يعني أن المسيح يدعو الوثنيين بأن يجعل نور الحق يشرق عليهم، ويخدمه لأجل هذا الغرض مجموعتان من خدامه، أعني الأنبياء والرسل، لأنه تم ربح الأمم إلى الإيمان بواسطة تعاليم كرازة الرسل، الذين كانوا يضيفون دائماً إلى كلامهم شهادات مستمدة من الناموس والأنبياء. فإن واحد منهم قال لهؤلاء الذين دعوا بالإيمان للاعتراف بمجد المسيح: “وعندنا الكلمة النبوية وهي أثبت التي تفعلون حسناً إن انتبهتم اليها كما إلى سراج منير في موضع مظلم إلى أن ينفجر النهار ويطلع كوكب الصبح في قلوبكم” (٢بط١٩:١). لأنه قبل مجيء المخلص كانت نبوات الناموس والأنبياء المختصة بالمسيح، بمثابة سراج منير في موضع مظلم. لأن ذهن اليهود كان بليداً دائماً، مملوء بظلمة كثيفة، لأنهم لم يفهموا ولو قليلاً ما قيل عن المسيح. لكن عندما طلع النهار وأشرق نور الحق، لم تعد الكلمة النبوية سراج صغير بل صارت بالحري مثل أشعة كوكب الصبح اللامعة.
لقد أتوا بالجحش من القرية، لكي يشير به أيضاً إلى حالة الهمجية التي كان عليها ذهن الوثنيين، الذين- إن جاز القول- لم يتعلموا في المدينة ولا تعلموا العادات الشرعية، بل على العكس عاشوا بخشونة وفظاظة، لأن الذين يقيمون في القرى عادة ما يعيشون بهذه الطريقة، لكنهم لم يستمروا في هذه الذهنية الهمجية، بل على العكس تغيروا إلى ملء السلام والحكمة، لأنهم صاروا خاضعين للمسيح الذي علمهم هذه الأشياء.
وهكذا فإن الأتان قد رفضت، لأن السيد المسيح لم يركب عليها مع أنها قد تروضت من قبل، وتدربت أن تخضع لراكبيها، ولكنه ركب الجحش مع أنه غير مدرب ولم يختبر من جهة حمله لأي راكب، ولا في خضوعه للجام، لأنه كما قلت رفض (المسيح) مجمع اليهود مع أن الناموس كان عندهم، كما أن الطاعة لم تكن شيئاً غريباً عنه، لكن السيد رفضه كشيء قد شاخ وفسد، ولكونه ضل بعيداً في عصيان متعمد لإله الكل، واستحسن الجحش الذي يرمز إلى الشعب الذي من بين الوثنيين.
وهذا هو معنى المديح المقدم بصوت المرنم إلى المسيح مخلص الكل، حيث يقول عن أولئك الذين كانوا في ضلال: “بلجام وزمام تكبح فكهم، اولئك الذين لا يقتربون إليك” (مز ٩:٣١). ومن السهل أن نرى من الكتاب المقدس أن جمع الوثنيين كان مدعواً أيضاً إلى التوبة والطاعة بواسطة الأنبياء القديسين، لأن الله تكلم هكذا في موضع ما: “اجتمعوا وتعالوا تشاوروا معاً أيها الناجون من الأمم” (إش٢٠:٤٥).
لذلك جلس المسيح على الجحش، ولما جاء إلى منحدر جبل الزيتون بالقرب من اورشليم مضي التلاميذ أمامه يسبحونه، لأنهم كانوا مدعوين لأن يشهدوا لأعماله العجيبة التي صنعها، وأيضاً يشهدوا لمجده وسلطانه الإلهيين، وبنفس الطريقة التي صنعها يجب علينا أيضاً أن نسبحه معتبرين كم هو عظيم ذلك الذي نمجده.
ولكن أحد الانجيليين القديسين الآخرين ذكر أن الأطفال أيضاً يرفعون إلى فوق أغصاناً من النخيل وكانوا يجرون أمامه، وكانوا مع بقية التلاميذ يهتفون بمجده أنظر (مت٨:٢١)، (مر٨:١١)، (يو١٣:١٢)، لكي بواسطتهم أيضاً نرى الشعب الجديد الذي جمع من بين الوثنيين ممثلاً كما في رسم. لأنه مكتوب “إن شعباً سوف يخلق سوف يسبح الرب” (مز١٨:١٠١).
وقد تذمر الفريسيون، لأن المسيح كان يُسَبَّح (من الجموع)، فاقتربوا منه وقالوا: “انتهر تلاميذك”. لكن أيها الفريسي أي خطأ عملوه؟، أي تهمة توجهها للتلاميذ؟، كيف تريدهم أن يُوَّبَخوا؟ لأنهم لم يخطئوا بأي طريقة بل بالأحرى فعلوا ما هو جدير بالمديح لأنهم إنما قد مجَّدوا من قد أشار إليه الناموس من قبل برموز وصور كثيرة – كملك ورب – وقد كرز به جماعة الأنبياء القديسين منذ القديم، لكن أنتم احتقرتموه وأحزنتموه بحسدكم الذي لا حدود له. كان من واجبكم بالأولى أن تنضموا إلى الباقين في تمجيدهم له، كان من واجبكم أن تتراجعوا عن خبثكم الفطري، وتغيروا سلوككم نحو الأفضل، وكان من واجبكم أن تتبعوا الأسفار المقدسة، وأن تعطشوا إلى معرفة الحق، لكن هذا لم تفعلوه، بل حولتم كلامكم الى العكس تماماً، إذ أردتم توبيخ المنادين بالحق،. فبماذا أجاب المسيح على هذه الأشياء؟ أجاب: “أقول لكم: إن سكت هؤلاء فالحجارة تصرخ”.
لأنه من المستحيل ألا يُمجَّد الله حتى لو رفض أبناء جنس إسرائيل أن يفعلوا هذا، لأن الوثنيين كانوا سابقاً مثل حجارة أي قساة، لكنهم نالوا الخلاص من ضلالهم السابق، ونجوا من يد العدو وأفلتوا من الظلمة الشيطانية، وقد دعوا إلى نور الحق، واستفاقوا كما من سُكْرٍ، وعرفوا الخالق، وسبحوه ليس سراً ولا في خفية، وليس بطريقة مستورة أي في صمت، بل بمجاهرة الكلام وبصوت عالٍ، وباجتهاد داعين بعضهم البعض وقائلين: “هلموا نُسبح الرب ونرتل مزامير لله مخلصنا”، لأنهم قد اعترفوا كما قلت بالمسيح مخلص الكل، الذي به ومعه لله الآب التسبيح والسلطان مع الروح القدس إلى أبد الآبدين، آمين.
العظة الآبائية الثانية – أحد الشعانين
الرب يدخل اورشليم – للقديس اثناسيوس الرسولي[32]
يا أحبائي، حلّ الجحش موهبة! إنها موهبة تعطي للعظماء، لا عظمة الجسد، بل عظمة الإيمان والمحبة والعقل والفضيلة، مثلما شُهد به عن موسى أنه صار عظيمًا في شعبه… فإنه من كان عظيمًا يقدر أن يحل الجحش…! ليتني أكون مثلهما أستطيع أن أفك قيود الحاضرين لأن كل واحد منا مقيد بقيود الخطية كما شهد الكتاب قائلًا إن كل أحد مربوط بجدائل خطاياه. لنبتهل إذن لكي يرسل الرب يسوع تلاميذه إلينا فيحلوننا من القيود المكبلين بها جميعًا، إذ بعضنا مقيد بحب الفضة وآخر بقيود الزنا، وآخر بالسكر، وآخر بالظلم.
لقد أُرسلا ليحلا الجحش، لأن حضور مخلصنا ووده للبشر إنما هو استدعاؤنا ثانية من القرية المحاذية إلى أورشليم المدينة السمائية، لأنه حسب ظني أنه من أجل المعصية الصائرة من آدم أُخرج من الفردوس ونُقل إلى القرية المحاذية، لأن الله أخرج آدم وأسكنه بإزاء جنة النعيم.
كان للجحش أصحاب كثيرون، لأن أصحاب الجحش قالوا للتلاميذ: لِمَ تحلوا الجحش؟.
ولعلهم قالوا لهم: أما تبصرون يا قوم كيف هو مربوط وهو مُسَّلَم إلينا فلِمَ تأخذوه منا؟ إنه يساعدنا في عملنا، لِمَ تنزعوا أملنا…؟ أنكم تريدون أن تعدمونا هذا، وهذا إن انحل من القيود فنحن لا محالة نُقيد عوضًا عنه، وإن عُتق هذا فنحن نُشجب بدله، لأن الشياطين كانوا خائفين لما أبصروا الجحش انحل، واضطربت القوى المضادة لما أتى ربنا يسوع المسيح وعلموا بقدومه، تفرقوا وفزعوا لما سمعوا الرب يقول لتلاميذه قد أعطيتكم سلطانًا تدسوا الحيات والعقارب وعلى كل قوة العدو. رهبوا لما سمعوه يقول انطلقوا وتلمذوا كل الأمم، وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس، وخشوا لئلا يكون هذا هو الذي ينير الظلمة، لأنهم سمعوا النبي قائلًا: الشعب الجالس في الظلمة أبصر نورًا عظيمًا.
خيرات عظيمة منحنا الرب إياها لأنه لم يحل قيودنا من الخطية فقط بل منحنا سلطانًا أن ندوس الحيات والعقارب وكل قوة العدو لأن الشرير وضابطي ظلمة هذا العالم أسرونا فقيدونا وربطونا بقيود لا تنحل ولم يكونوا يسمحون لنا أن نسلك الطرق الصالحة، كنا معهم مقيدين وهم أيضًا بحذائنا جلوس. قوم أشرار وسادة قساة لكن ربنا ومخلصنا يسوع المسيح أقبل ليعطي إطلاقًا للمأسورين والبصر للعميان.
“قال أصحاب الجحش للتلاميذ: لِمَ تحلّون الجحش؟ فأجاب التلاميذ أن صاحبه محتاج إليه…” انظر إلى إجابة التلاميذ الحكيمة فإن أصحاب الجحش الكذبة لما سمعوا أن صاحب الجحش الحقيقي في حاجة إليه ولوا ظهورهم ولم يجيبوا بل أسرعوا إلى رئيسهم الشرير ليخبروه بالأمور التي عرضت… هناك المؤامرة على الرب، لأن هناك التأمت القوى الرديئة، هناك محفل الأشرار كي يتم قول النبي: “قامت ملوك الأرض والرؤساء اجتمعوا معًا على الرب وعلى مسيحه” لأن الأبالسة قالوا لرئيسهم الشرير ماذا نصنع؟ الجحش قد حُل ومضى إلى صاحبه، ومن الآن ليس تحت طاعتك ولا تملكه. فكر إبليس ماذا يصنع بيسوع واجتمع الفريسيون والكهنة إلى دار قيافا، واشتركوا في الرأي على المسيح ليهلكوه… فإذ قد تحررنا من استعباد الشيطان فلنعرف المُحسِن إلينا ربنا يسوع المسيح له المجد إلى الأبد. آمين.
العظة الآبائية الثالثة – أحد الشعانين
المعنى السري لدخول الرب أورشليم – للقديس يوحنا ذهبي الفم[33]
عندما أرسل الرب تلميذيه ليحضرا الأتان والجحش، أخبرهما مسبقاً أنه لن يعترضهما أحد. لقد حث الرب (سراً) أناساً لم يعرفوه قط ولم يكن قد رآهم أن يسلموا ما يمتلكونه بدون أية كلمة، وذلك بواسطة تلميذيه، في حين أن معظم اليهود رفضوا أن يضيعوه عندما صنع العجائب والمعجزات أمامهم.
لا تنظروا إلى هذا الأمر كأنه قليل الأهمية، لأنه من هو الذى استحثهم على عدم معارضة التلاميذ عندما أخذوا منهم ما يملكون، وهم فقراء وفلاحون، بل حتى ولا أجابوا على رد التلميذين بأن الرب محتاج إليهما إلا بالصمت والخضوع، ولا سيما وهم لم يروا الرب نفسه، بل تلميذيه فحسب؟ وهكذا يعلمنا الرب أنه كان يمكنه أن يكبح جماح اليهود، ولو حتى ضد إرادتهم، عندما كانوا مزمعين أن يضعون أيديهم عليه، وأن يبتليهم بالعمى أو الخرس، ولكنه لم يشأ ذلك، ومن هذا يعلم أيضاً تلاميذه أنه مهما طلب منهم يعطوه ولو حياتهم نفسها، لأنه إن كان الذين لم يعرفوه أطاعوه، فكم بالحرى أتباعه!.
إن الرب بركوبه على جحش يتمم نبوتين:
الأولى نبوة زكريا: “هوذا ملكك يأتي إليك … وهو وديع وراكب على حمار وعلى جحش ابن أتان” (زك ٩ : ٩)،
والثانية التى أخبر فيها أنبياءه بدعوة الأمم غير الطاهرين، وأنهم سيأتون إليه ويتبعونه، وأنه سيجد راحته فيهم (لأن الحمار كان من الحيوانات غير الطاهرة حسب الناموس، ولذلك فهو هنا يرمز إلى الأمم). وهكذا فإن تحقيق إحدى النبوات يفسح المجال لتحقيق الأخرى .
ويشير الجحش إلى الشعب الجديد الذى كان قبلاً نجساً، ولكنه صار طاهراً بمجرد أن ارتاح الرب يسوع عليه. وكما أن التلاميذ هم الذين حلوا الدابتين، هكذا بواسطة التلاميذ أيضاً دعينا نحن (الأمم) وهم (اليهود) إلى الإيمان، وبواسطة الرسل جئ بنا كلينا إلى الرب يسوع. وبسبب أن مجد دعوتنا قد جعل اليهود يغارون، هكذا وجدت الأتان تابعة للجحش، لأنه بعد أن أجلس المسيح على قلوب الأمم سيأتى اليهود أيضاً مدفوعين بالغيرة، وهو ما قاله بولس الرسول: “إن القساوة قد حصلت جزئياً لإسرائيل إلى أن يدخل ملؤ الأمم، وهكذا سيخلص جميع إسرائيل” (رو ١١: ٢٥، ٢٦). وواضح أن هذه نبوة وإلا لما كان زكريا النبى اهتم بأن يذكر “أتان وجحش ابن أتان”.
ويعطينا الرب هنا أيضاً مثالاً حكيماً لحياتنا اليومية، فبالإضافة إلى الأمثلة العديد لفقره وعوزه، يظهر لنا أنه لا داعى لأن يمتطى جواداً، بل يكفيه حمار، فنحن في أي مكان ينبغي أن نقنع بما يكفى لاحتياجنا .
لم يستقل الرب مركبة كالملوك الآخرين، ولا طلب تعظيماً من الناس، ولا أن يلتف حوله الضباط والحراس، وفى هذا أيضاً يظهر الوداعة. وهنا اسألوا اليهود: أي ملك حدث قط أن دخل أورشليم راكباً على أتان؟ فلا يمكنهم أن يخبروا عن أحد فعل ذلك سوى الرب!.
لقد جلس الرب على الجحش بعد أن غطاه الرسولان بثيابهما، لأنهما بعد أن وجدا الجحش سلما كل شيء كما قال الرسول: “أما أنا فبكل سرور أنفِق وأُنفق لأجل نفوسكم” (٢كو ١٢: ١٥).
ولكن لاحظ أن اليهود رغم كل العجائب التي صنعها الرب، لما رأوا الجموع المحتشدة اندهشوا: “ولما دخلوا أورشليم، ارتجت المدينة كلها قائلة: من هذا؟ فقالت الجموع: هذا يسوع النبي الذى من ناصرة الجليل” (مت ٢١: ١٠، ١١) .
ولما سمعوا هتاف الشعب “قالوا له: يا معلم، انتهر تلاميذك. فأجاب وقال لهم: أقول لكم: إنه إن سكت هؤلاء، فالحجارة تصرخ” (لو ١٩: ٣٩، ٤٠). وبالإضافة إلى تحقيق للنبوات، أراد بذلك أن يعزى تلاميذه الذين سيحزنون بسبب موته، موضحاً لهم أنه سيتألم بحرية إرادته.
ولنفعل نحن أيضاً تلك الأمور نفسها. فلنصرخ بالتسبيح، ولنعط ثيابنا للذين يحملون الرب. لأننا بماذا سنوجد مستحقين عندما يغطى آخرون الجحش الذى جلس عليه الرب بثيابهم وآخرون يفرشون ثيابهم تحت قدميه، بينما نحن نتركه عرياناً في أولئك الذين يحتاجون إلى القليل من ثيابنا؟ إنهم يسيرون قدامه ويتبعونه من ورائه، بينما نحن إذا هو اقترب منا نصده عنا. أيها الأحباء، دعونا نفتح عيوننا ونكون يقظين.
إننى خجل أن أتكلم عن الصدقة إذ تكلمت عنها كثيراً، ولكن كلامى لم يثمر كثيراً. إننى أرى أنكم تزرعون بالشح، لذلك أخاف أنكم لن تحصدوا إلا بالشح أيضاً!.
ولكى تعرفوا عدم إنسانية بعض الأغنياء، في حين أن دخل الكنيسة لا يساوى إلا دخل واحد منهم فقط، فكروا كم من الأرامل وكم من العذارى تعولهم الكنيسة، لقد وصل عددهم الآن إلى ثلاثة آلاف (هذا حدث أيام ذهبى الفم في مدينة واحدة، أفلا يخجلنا هذا الكلام الآن)! هذا بالأضافة إلى المحتاجين الذين يطرقون أبوابنا يومياً، والذين في السجون، والمرضى في المستشفيات، والغرباء، والمعوقين بالعاهات، وأيضاً الذين يخدمون المذبح. فلو وجد عشرة أغنياء فقط مستعدون ليعطوا ما في وسعهم لما وجد فقيراً واحد. إن مدينتنا هذه تستطيع بنعمة الله أن تعول فقراء عشر مدن!.
لاحظ مقدار ما تصرفه أسرة واحدة في عيد واحد أو وليمة واحدة دون أن تعبأ بمقدار ما تصرفه، فلو أن واحداً من الأغنياء فعل هذا في خدمة الفقراء لكان في لحظات قليلة يمسك السماء بيديه! إننى لا أسالكم أن تعطوا من روؤس أموالكم بل أن تشركوا الفقراء في أرباحكم. فكونوا وكلاء صالحين فيما أعطاكم الله.
وإذا كنتم مثلاً تغطون احتياجات الرجال الذين يحاربون عنكم ضد البرابرة، فيوجد هنا أيضاً جيش من الفقراء يخوض حرباً نياباً عنكم، لأنكم عندما تعطونهم يربحون لكم بصلواتكم نعمة من الله، وباسترضائهم له يصدون عنكم، ليس فقط اعتداء البرابرة، بل الشياطين!!.
فدعونا نوظف أموالنا في هذا المشروع الذى يستحق ذلك لكى نأخذ الربح معنا عندما نرحل من هذه الحياة. كما نبقى منه لأولادنا. وبذلك سنبلغ إلى الأمور العتيدة بنعمة ورحمة ربنا يسوع المسيح.
“الذين تقدموا” يشيرون إلى الذين سبقوا أن هللوا للمسيح الذى سيأتي (في العهد القديم)، و”الذين تبعوا” يسبحون مهللين لمجيء المسيح الذى تم الآن.
العظة الآبائية الرابعة – أحد الشعانين
طرد الباعة – للقديس أمبروسيوس[34]
الله لا يريد أن يكون هيكله موضعًا لتلاقي الباعة بل مسكنًا للقداسة، معلمًا ألا تُعطى وظيفة الكهنوت بمال بل توهب مجانًا.
تأمل تخطيط الرب لهذا الأمر: ابتدأ يُخرج الذين كانوا يبيعون ويشترون والصيارفة الذين كانوا يطلبون الغنى دون تمييز بين الخير والشر.
مال الرب هو الكتب الإلهية، لأنه عندما سافر وزع الوزنات على العبيد (سلمهم كلمته) (مت ٢٥: ١٤) ؛ (لو ١٩: ١٣)، ولعلاج الجريح قُدم ديناران لصاحب الفندق (لو ١٠: ٣٥)، لأنه بالعهدين تُشفى جراحاتنا (فطرد الصيارفة الأشرار إنما يشير إلى طرد القيادات الدينية التي تقتني الكتب المقدسة لتتاجر فيها لحسابهم الخاص)… ينذرنا أيضًا بطرد باعة الحمام، إذ لا يجوز لمن نالوا نعمة الروح القدس أن يتاجروا فيها، فقد قال: “مجانًا أخذتم مجانًا أعطوا” (مت١٠: ٨). لما ظن سيمون أنه يستطيع أن يشتري موهبة التقديس بفضه أجابه بطرس: “لتكن فضتك معك للهلاك لأنك ظننت أن تقتني موهبة الله بدراهم” (أع ٨: ٢٠).
إنه لا يسمح لعبيد المال أن يكونوا في هيكله، ولا لمن يبيعوا الكراسي. ما هي هذه الكراسي إلا الكرامات؟ ما هو الحمام إلا البسطاء في الذهن والنفوس الذين يتبعون إيمانًا واضحًا؟ هل أُحضر إلى هيكله من يغلق المسيح الباب في وجهه، إذ من يبيع الكرامات والمناصب يلزم أن يُؤمر بالخروج. يلزم الأمر بالخروج لمن يبيع أصحاب العقول البسيطة من المؤمنين.
الرب نفسه يقول: “غيرة بيتك أكلتني”. ليته يكون لنا غيرة للرب حقيقة، أعني ليست غيرة أرضية، إذ هذه تسبب حسدًا. ليحل السلام بينكم، هذا الذي يفوق كل فهم، ليحب الواحد الآخر. ليس شيء أعذب من الحب، ولا شيء أكثر تطويبًا من السلام. أنتم تعلمون إني أحبكم على الدوام، والآن أحبكم فوق الكل. كأبناء لأبٍ واحدٍ صرتم متحدين تحت رباط الحب الأخوي.
العظة الآبائية الخامسة – أحد الشعانين
دخول الرب إلى أورشليم – هيلاري مِن بواتييه[35]
(مت 21:3) الرب محتاج إليهما
الدعوتان المكملتان:
“أُرسِل التلميذان إلى القرية ليحلا الأتان المربوطة مع ابنها ويحضراهما له. وإذا سألهما أحد لماذا يفعلان هكذا، فيجيبانه قائلَين إن الرب محتاج إلى الدابتين، ويجب حلّهما دون تأخير.
مِن العظات السابقة نتذكر أن ابنَي زبدي يمثلان دعوة إسرائيل المزدوجة. لهذا فيمكن تفسير حدث إرسال هذين التلميذين ليحلّا الأتان والجحش، (مت ٢١: ٦، ٧) “فذهب التلميذان وفعلَا كما أمرهما يسوع”.
فجلس يسوع عليهما:
“إن كل هذه الأحداث المحيطة بظهوره تشير لِمَا هو آت. فبالآيات التي تحويها الأمثال، وبالظروف التي فيها كانت تلك الأحداث، صارت صورة المستقبل ظاهرة جلية. هوذا الرب يملك على الأمم!.. هوذا بهاء نوره يقترب!.. هو سيملك على أفكار الأمم – تمامًا كما الراكب على دابة. كل مصاف الأمم تنادي به ملكًا: البطاركة والأنبياء والرسل. البطاركة يفرشون ثيابهم – رمز مجدهم – تحت قدمَيْ الرب. حسب أجيالهم وأنسابهم وحروبهم تمت عن الرب النبوّات. وإذ يذهبون إليه بكل ما يملكون مِن مظاهر الزينة والكرامة، ويلقون بأنفسهم تحت عرشه.. يعلنون أن كل مجدهم موضوع تحته، استعدادًا لمجيئه. الأنبياء يفرشون بثيابهم طريق الآتي.
أسفل طريق مَن هو آت. هذا هو الطريق الذي عنه تنبأوا قبل ذلك بزمان. لقد علموا أن الأمم ستنظر الله. كثيرون منهم ماتوا وكثيرون قدّموا أنفسهم للرجم. منهم مَن كشفوا عن أجسادهم وقدموا ثيابهم فوضعوها على هذا الطريق. الرسل قد ألقوا ملابسهم، والآن يبذرون على الطريق ما قد قطعوه مِن أغصان الشجر. ليس هذا مجرد عمل بشري للتقوى. قد يبدو لأول وهلة أن الأغصان تعترض سير الموكب وربما تجعل رحلة مَن على عجل أكثر صعوبة ومشقة. ولكنْ حتى في هذا فإن كلام الأنبياء يكون قد ثبت، وشكل الحياة المقبلة قد استُعلن. هذه الأغصان هي الأمم المقفرة؛ أو ثمار الأمم قليلة الإيمان في معظم الأحيان. هذه الأغصان قد نثرها الرسل تحت قدمي الرب. إنهم يعدّون لدخول المخلِّص.
في (متّى ٢١) هكذا مكتوب.
(مت ٢١: ٨) الجمع قد فرشوا ثيابهم والأغصان.
(مت ٢١: ٩) أوصنّا لابن داود! أوصنّا في الأعالي.
“أليست هذه نفسها هي الجموع التي ستهتف طالبة صلبه؟ فكيف إذن صار لها هذا البغض رغم نعمته؟ بلْ أن كلامها بالمديح كان فيه إشارة لقوة الفداء. وبالعبرانية فإن كلمة “أوصنّا” تشير لفداء بيت داود؛ إنهم ينادون لابن داود؛ يعيِّدون بميراث الملكوت الأبدي؛ يعلنون البركة في اسم الرب. ولكنْ عاجلاً وسريعًا سيُسمَع دوي صياحهم بالتجديف “اصلبه”. أما في هذا الوقت، فقد ظهر بالأعمال التي صنعها الشكل الذي عليه ستصير الحياة المقبلة. صار ممنوحًا للجموع أنْ تفعل هذه الأشياء بمشاعر مجهولة ومختلطة. ما يلي هذا مِن أمور سيكون فارقا. لكنهم على الرغم مِن كل هذا، وبدون قصد أو رغبة، كانوا يلمّحون لاستعلان أمور سمائية. هذا هو ما جعل مدينة أورشليم كلها في هياج – بحسب (متّى ٢١: ١٠، ١١).
العظة الآبائية السادسة – أحد الشعانين
دخول الرب إلى أورشليم – لمار يعقوب السروجي [36]
ضفر الأطفال إكليل التسبيح بفرحهم بعتيق الأيام الذي صار طفلًا بين اجتماعاتهم.
حمل زكريا النبي قيثارة الروح، وأسرع قدامه بالتراتيل النبوية، بابتهاج شد أوتاره وحرّك صوته، وقال: “ابتهجي جدًا يا ابنة صهيون”.. افرحي واصرخي بالمجد المرتفع، لأنه يأتي إليك كما أخبرتك بالنبوة.
لكن العروس الحقيرة (جماعة اليهود الذين رفضوا أن يكونوا عروسًا له).. لم تفرح كما دعيت، بل انسحقت وحزنت لمجيء العريس. ولأجل هذا لم تفرح بقبوله.
سبى قلبها العجل (الذهبي) قلبها حبيبها، ومعه تتفاوض ولا تريد أن تسمع للنبي القائل لها: “ابتهجي جدًا” لم تخرج لتحمل الأغصان مع الأطفال…!
الأنبياء يقرعون أبوابها المرتفعة، ويوقظونها، وهي نائمة بمحبتها لكثرة أصحابها!
الأطفال يمجدون الملك (السماوي) الآتي ويباركونه، والعجوز تهتم بتنظيف أصنامها (حبهم للذات وكبرياء قلوبهم).
حزنت بمجيء وريث الآب. عرفت أنه يفضحها، فأبغضته ولم ترتضِ أن يمجده الأطفال!
الحسد أبكم فمها، فبكمت صامتة عن التمجيد، واهتمت أن تبكم الذين يمجدون!
لم يكفها أنها لا تريد أن تمجد، بل اجتهدت أن تُسكت الممجدين أيضًا!
هؤلاء مجدوه، أما هي فغضبت من أصواتهم.
صرخ إشعياء استيقظي، استيقظي، وألبسي العصمة.
صرخ زكريا: ابتهجي وافرحي بالملك الآتي.
صرخ الأطفال: مبارك الآتي باسم الرب.
إنها لم تنصت لا للأنبياء ولا للأطفال، إنما حزنت من أصواتهم وغضبت.
أيها اليهود مبغضو النور، كيف تسكتون عن التمجيد الممتلئ من السماء والأرض.
عظات لآباء وخدام معاصرون – أحد الشعانين
العظة الأولى
أوصنا لابن داود – للمتنيح انبا ابيفانيوس اسقف دير القديس انبا مقار[37]
من أبرز الآيات التى اقتبست منها كلمة “أوصنا” اليونانية، ما ورد فى العهد القديم فى مزمور (١١٨: ٢٥) عندما أتت لتعبر عن صلاة توسل إلى الله من أجل طلب المعونة والخلاص: “آه يا رب خلص؛ (يهوه هوشيعا نا)، آه يا رب أنقذ”. كما أن هناك تعبيرات مشابهة مثل: “يهوه هوشيعا” وردت أيضا فى المزامير عدة مرات لتحمل نفس معنى طلب العون من الله:
“خلص يا رب (هوشيعا يهوه). لأنه قد انقرض التقي، لأنه قد انقطع الأمناء من بنى البشر” (مز ١٢: ١).
“يا رب خلص (يهوه هوشيعا) ؛ ليستجب لنا الملك فى يوم دعائنا” (٢٠: ٩).
“خلص شعبك، وبارك ميراثك، وارعهم واحملهم إلى الأبد” ( ٢٨: ٩).
“لكى ينجو أحباؤك. خلص بيمينك واستجب لي” (٦٠: ٥) وقد تكررت فى (مز ١٠٨: ٦) .
وكلمة ” أوصنا” اليونانية يقابلها فى اللغة العبرية كلمة تتركب من مقطعين:
الأول:” هوشيعا”، ويعني “خلص أو انقذ أو أعن”،
والثانى: “نا”، وهو حرف يدل على شدة الاحتياج.
أما استعمال الكلمة الأصلى ــ كما ورد فى أفواه الذين استقبلوا المسيح عند دخوله أورشليم فإنه يمكن ترجمته “خلصنا الآن، يا رب”. ولكى نعرف أصل هذا النداء يمكننا العودة إلى طقوس بعض الإحتفالات اليهودية القديمة التى كان يتردد فيها هذا الهتاف:
كانت المزامير 113ـــ 118 تكون مجموعة من المزامير يطلق عليها مزامير الهليل، اذ أنها كانت ترتل فى عيد المظال وعيد الفصح، وكان على الجماعة أن ترد فى نهاية عدة آيات أو فى نهاية كل مزمور بكلمة “هلليلويا”. وكانت ترتل مزامير الهليل بطريقة ايقاعية رتيبة جملة جملة كما يحدث اليوم فى المجامع اليهودية، وكما هو متبع أيضا فى صلوات التسبحة فى الكنائس الآن .
وفى الأيام السبعة المخصصة للاحتفال بعيد المظال، يأخذ الكهنة أغصاناً من الشجر في أيديهم ويخرجون فى موكب مهيب وهم يدورون حول مذبح المحرقة صارخين مراراً “آه يارب خلصنا؛ (هوشيعا نا)، آه خلصنا (وهوشيعا نا)”. وكان هذا الموكب يتكرر سبع مرات فى اليوم السابع من العيد، وكان هتاف الشعب المتكرر يعبر عن الصراخ إلى الله طلبا لسقوط الأمطار. وقد أطلق على مجموعة الصلوات التى كانت تتلى فى موكب أو دورة عيد المظال اسم “هوشيعنات”، واليوم السابع من العيد أما عادة التلويح بأغصان الشجر وفروع النخيل فترجع إلى تفسير خاص لآية: “ليجدل (ليفرح) الحقل وكل ما فيه، لتترنم حينئذ كل أشجار الوعر” (مز 96: 12). وقد ربط أحد الربيين القدامى بين تحريك الأغصان بابتهاج، وبين فرحة الشعب بحصوله على التبرير أمام الله القاضي العادل، فقد كان من المعتقد أنه عندما ينزل الله لخلاص شعبه مانحاً إياه الغفران والفداء، فإن الخليقة كلها سوف تشارك فى الاحتفال به، فرحة بهذا الخلاص. كما أن المطر الذى يتوسل الشعب من أجل نزوله من عند الله سوف يبارك شعب اسرائيل ومعه كل الخليقة.
وفى الفترة الواقعة بين العهد القديم والعهد الجديد ـــ والتي تسمى فترة ما بين العهدين ـــ ارتبط عيد المظال بعيد التجديد الذى كان يحتفل به فى شهر الربيع احتفالاً بانتصار يهوذا المكابي فى ثورته ضد أنطيوخس الرابع. ففى عام 163ق.م.، قاد يهوذا المكابي اليهود فى تمرد ضد الملك السلوقى أنطيوخس الرابع، الذى قدم خنزيراً كذبيحة للأوثان فى هيكل أورشليم، مما أثار عليه اليهود، فقاموا بثورتهم التى نجحت واستطاعوا فيها تطهير الهيكل واحتفلوا بعيد المظال. وقد منحت هذه الثورة الشعب اليهودى فترة من الحرية السياسية والدينية، وصار يحتفل بذكرى هذه الثورة سنويا فيما عرف باسم “الحانوكاه” أو عيد التجديد.
ومع الاحتفال السنوي بعيد التجديد، صارت كلمة أوصنا (هوشيعنا) هتافاً متميزاً فى هذا العيد يتذكر بها الشعب الخلاص الذى قدمه الله لهم. وأصبحت أمنية الشعب أن يرسل له الله مخلصاًــ مثل يهوذا المكابي ــ ليمنحهم على يديه الحرية السياسية، ويقوم بتنقية العبادة من الشوائب التى لحقت بها.
أما فى أيام الرب يسوع، فقد ارتبطت كلمة أوصنا ارتباطاً شديداً بفكرة ظهور المسيا، الذي سيمنح الأمة الحرية السياسية، وسيجدد الحرية الدينية التى نالها الشعب على يدي يهوذا المكابي.
ومن الملاحظ أن هتاف الشعب “أوصنا” للرب يسوع أثناء دخوله أورشليم سبق مباشرة تطهيره للهيكل وطرده باعة الحمام والصيارف منه. فعندما صرخ الشعب مترنماً بآية المزمور (١١٨: ٢٥) “أوصنا لابن داود؛ مبارك الآتي باسم الرب؛ أوصنا فى الأعالي” (مت ٩: ٢١)، دخل الرب يسوع إلى الهيكل وطهره وأعاد اليه هيبته ووقاره كمكان يصلح للعبادة لله. وكان من المعروف عند عامة الشعب وعند رجال الدين أن المزمور 118 يمثل نبوة مباشرة تخص مجىء المسيا. لذلك كان لهتاف الشعب صدى مسيانى وتطلع لظهور المسيح ـــ يشوع الجديد ـــ الذى على يديه يتحقق الخلاص للأمة، والذى سيطهر عبادتهم وحياتهم السياسية، بل وقلوبهم أيضاً مما علقت بها من شوائب، وما أصابها من نقائص.
وبالطبع لم يكن الشعب يعرف أن الداخل أمامهم أورشليم هو المسيا حقاً الذى طالما انتظروا مجيئه، وتوقعوا ظهوره ليتحقق على يديه آمال وتوقعات الشعب. فلم تكن شخصية المسيح بصفته المسيا واضحة فى أذهان الشعب أو حتى فى أذهان كثير من التلاميذ، حتى أن أحدهم باعه، والآخر أنكره، والشعب كله صرخ: أصلبه أصلبه .
“أوصنا” فى انجيل القديس متى:
اذا عدنا لهتاف الشعب كما أورده القديس متى، نجد أن عبارة “لابن داود” تأتى مباشرة بعد كلمة “أوصنا”: “أوصنا لابن داود”؛ مما جعلها تحمل بعض الغموض فى المعنى، فإن كانت “أوصنا” تعني “خلص الآن”، فما معنى “خلص الآن لابن داود”؟ من المرجح جداً أن يكون الشعب قد ردد هذا الهتاف باللغة العبرية كنوع من الغيرة القومية، لأن اللغة العبرية كانت هى لغتهم القومية، ولغة العبادة فى الهيكل، حينئذ يكون الشعب قد استعمل الحرف “لامد” العبري (وهو مثل الحرف “لام” فى اللغة العربية) قبل كلمة”ابن داود”، اذ أن هذا الحرف يعطى معنى “ل” أو “إلى”، وقد أثبت بعض علماء اللغة أن هذا الحرف يمكن استعماله أيضا كحرف نداء “يا”، فيكون ترجمة الهتاف “أوصنا (خلصنا) يا ابن داود”، وهذا يعني أن الشعب كان قد قبل يسوع كقائد أو مسيا سياسي، أتى ليخلصهم من الحكم الروماني.
ومع ذلك مازال النص اليوناني يحتاج إلى تفسير، فعبارة “لابن داود” لا تحمل معنى “يا ابن داود”. فلماذا أصر القديس متى على ترجمة الهتاف العبري إلى هذة الصيغة اليونانية. واضح أن القديس متى كان يشير إلى الخلاص الذى أتمة المسيح على الصليب. فارتباط هتاف أوصنا قديما مع النصر الذي حققه يهوذا المكابي، والاحتفال بعيد التجديد، ومع الآية: “مبارك الآتى باسم الرب” (مز ١١٨: ٢٦) أعطى لتعبير “أوصنا” معنى جديداً، وقد أراد القديس متى ابراز هذا المعنى، وقد تجلَّى هذا المعنى بأكثر وضوح بعد صلب الرب يسوع وموته وقيامته من بين الأموات، إذ صارت كلمة “أوصنا” تعبر أساساً عن هتاف الفرحة بالخلاص الذى حققه الرب يسوع، أكثر منها هتافاً لطلب المعونة. وهنا يكون معنى عبارة القديس متى “المجد لمن أعطانا الخلاص، المجد لابن داود”.
فعند القديس متى تحمل كلمة “أوصنا” معنى أن كل التوقعات والآمال المسيانية قد تحققت فى يسوع، وقارىء انجيل القديس متى باللغة اليونانية سيفهم مباشرة معنى كلمة “أوصنا” دون الحاجة إلى الرجوع لمعناها التاريخى العبري، لأنه يشارك القديس متى فرحة الخلاص الذى حققه الرب يسوع، اذ أنه يقرأ الانجيل بعد قيامة الرب من بين الأموات، وهو قد قبل المسيح كفادٍ ومخلص من الخطايا، وليس كقائد ومخلص سياسي .
بالطبع لم يكن هذا المفهوم التسبيحى هو نفس المفهوم الذى صرخ به الشعب عند ملاقاته الرب يسوع، ولكن، كما هو متبع فى كثير من مفاهيم العهد القديم، فقد أوضح الرب يسوع المعنى الحقيقي وراء هتاف الشعب، فبالرغم من أن أغلبية الشعب الذي رأى يسوع وسمع تعليمه وعاين معجزاته، لم يفهم المعنى الحقيقي لمجيئه، فإن الرب يسوع قد حقق وأكمل احتياج الشعب للخلاص بالطريقة التى أرادها هو، والتى لم يفهمها الشعب إلا بعد قيامة الرب من بين الأموات. وبعد حلول الروح القدس بدأ يزداد وعي الشعب بالخلاص الذي حققه لهم الرب يسوع، وأنه كان خلاصاً من الخطية، وتحرراً من سلطان ابليس، وقوة منحها لهم الرب لكى يحيوا فى حرية البنين كأولاد لله ومن أهل بيته .
“أوصنا” فى الليتورجية والقليد الكنسي:
دخل التعبير “أوصنا” مبكراً جداً فى صلوات الكنيسة، وكان المعنى التسبيحي هو الذى دخل الكنيسة المسيحية، وليس المعنى التوسلي. فقد ورد فى كتاب الديداخى ــ الذى ينقل لنا الصلوات الليتورجية كما مارستها الكنيسة الأولى ــ أنه فى بداية الاحتفال بصلوات عشاء الرب ترد هذه الفقرة: [لتأت النعمة، وليمض هذا العالم، أوصنا لإله داود. من هو مقدس فليتقدم، ومن هو ليس كذلك فليتب. ماران آثا. آمين] (الديداخى ٦: ٢).
وواضح أن هذه الفقرة غير مستقاة من الأناجيل، لكنها انتقلت بالتقليد الليتورجي الذي مارسه التلاميذ ولقنوه للكنائس الأولى .
كما دخلت نفس الكلمة فى مردات القداس الغريغورى :[قدوس،قدوس، قدوس، رب الصباؤوت، السماء والأرض مملوءتان من مجدك االمقدس. هوشعنا فى الأعالي، مبارك الذي أتى ويأتى باسم الرب هوشعنا فى الأعالي] .
كما أن كلمة “أوصنا” صار لها معنى اسخاتولوجى (أخروي) في الكنيسة، وصار لها ارتباط واضح بتعبير “ماران آثا” الذى يعبر عن قرب مجىء الرب. فبالإضافة إلى فقرة الديداخى السابقة التى تورد التعبيرين معاً، يحتفظ لنا تاريخ الكنيسة للأسقف يوسابيوس القيصري بقصة استشهاد القديس يعقوب البار أخي الرب التى يظهر فيها ارتباط “أوصنا” بقرب مجىء الرب. فعندما أوقف اليهود الرسول يعقوب على جناح الهيكل، وقبل استشهاده مباشرة: [أجاب بصوت مرتفع: لماذا تسألوننى عن يسوع ابن الانسان؟ إنه هو نفسه يجلس فى السماء عن يمين القوة، وسوف يأتي على سحاب السماء. ولما اقتنع الكثيرون اقتناعا كلياً وافتخروا بشهادة يعقوب، قالوا: “أوصنا لابن داود”] (تاريخ الكنيسة ٢: ٢٣: ١٠ــ ١٥).
ويبدو أن المعنى الأصلي العبري لهتاف “أوصنا” اختفى مع مرور الوقت، وخاصة فى الكنائس التى كانت تتكلم اللغة اليونانية. ففى كتاب “المربي” يشرح القديس كليمندس الاسكندرى معنى تعبير “أوصنا” هكذا: [نور ومجد وتسبيح مع تضرع للرب، هذا هو معنى تعبير “أوصنا”].
وكما كان فى الكنيسة الأولى، فمن الممكن استعمال كلمة “أوصنا” فى العبادة الآن بكلا المعنيين: كصلاة لطلب المعونة من الله، وكتسبيح لله الذي صار لنا خلاصاً. لقد أكمل لنا المسيح الخلاص بموته الكفاري على الصليب وبقيامته من بين الأموات. وهو الآن جالس عن يمين الآب ليشفع في المؤمنين به مقدماً الضمان لتبريرنا أمام الله: “من سيشتكى على مختارى الله؟ الله هو الذي يبرر. من هو الذي يدين؟؛ المسيح هو الذي مات، بل بالحري قام أيضاً، الذي هو أيضاً عن يمين الله، الذي أيضاً يشفع فينا” (رو ٨: ٣٤، ٣٣).
ان فرحة البشرية تتجلى في إيمانها أن المسيح نفسه هو الذى يشفع فيها أمام الله، وكأنه يقول للآب: “أوصنا (خلص الآن) من أجل كل أولادي، أي المؤمنين باسمي”. ويمكننا أيضا القول أن الروح القدس أيضا يقدم شفاعة تحمل معنى ” أوصنا” للآب من أجلنا، لأن “الروح نفسه يشفع فينا بأنات لا ينطق بها” (رو ٨: ٢٦).
إن صراخ “أوصنا” الذى استقبل به الشعب المسيح عند دخوله أورشليم كهتاف لطلب المعونة ـــ وإن كان فى ذلك الوقت على المسويين الجسدي والسياسي ـــ صار هتاف الكنيسة الآن حتى يتمم الله خلاصنا، كما صار تسبيحاً وشكراً لمن صار لنا خلاصاً بموته من أجلنا: “لك القوة والمجد والبركة والعزة الى الأبد، آمين. يا ربي يسوع المسيح مخلصي الصالح. قوتي وتسبيحتي هو الرب وصار لى خلاصاً مقدساً” (تسبحة الكنيسة فى ليلة ويوم الجمعة العظيمة).
العظة الثانية لآباء وخدام معاصرون – أحد الشعانين
طرد الباعة من الهيكل – للأنبا أثناسيوس مطران بني سويف والبهنسا[38]
طرد الباعة من الهيكل (يو٢: ١٢- ٢٥)
عمل السيد المسيح هذا العمل مرتين، الأولى في بداية خدمته وهي المذكورة هنا في أول فصح حضره في أورشليم في فترة خدمته، والثانية عند دخوله بمناسبة الفصح الأخير (مت ۲۱ :١٢)، (مر ١٥:١١)، (لو٤٥:١٩).
نحن هياكل لله ويجب أن نكون أنقياء حتى يتمجد فينا. والنقاوة تكون من بداية الحياة إلى نهايتها أو من بداية الحياة ويتكرر فعل التوبة والتنقية كلما لزم .
لم يكن الباعة في الهيكل بقرب مكان العبادة سواء دار النساء أو دار الشعب أو دار الكهنة، بل كان هناك دار الأمم، ثم فناء فسيح خارجاً لابد أنه هو الذي كان فيه البيع والشراء. ولكن رب المجد اعتبر هذا السوق عند مشارف الهيكل مشوشاً على فكر العابدين. كما أنه اعتبر المحيط كله جزءا من الهيكل. ولذا لا يجوز أن تكون شوشرة خارج الكنيسة لأنها تشوشر على فكر العابدين. وكم هو ألزم أن يسود الهدوء الشامل داخل الكنيسة، ولا يجوز التهاون في هذا بدعوى الأعياد أو عادات الشعب. فالكنيسة هي معلمة الشعب، وليست قابلة للعادات الرديئة التي تفسد العبادة أو الحياة “أية آية ترينا حتى تفعل هذا” (٢: ١٨) ولم يكن السيد يعمل آيات إلا لخدمة الايمان. وحين كان يعرف أن القلوب غير مستعدة للإيمان، كان يقول للناس أنهم محتاجين إلى التوبة والخلاص مثلما قال له الكتبة والفريسيون أنهم يريدون أن يروا آية، فرد: “جيل شرير وفاسق يطلب آية ولا تعطى له إلا آية يونان النبي” (مت ١٣: ٣٩-٤٠؛ ١٦: ١-٤)؛ (مر ٨: ١١-١٢)؛ (لو ١١: ١٦) فالتوبة هي أساس قبول البركة. وها هنا أيضا رد بأن الآية التي يحتاجونها هي آية الفداء وخلاصهم “انقضوا هذا الهيكل وفي ثلاثة أيام أقيمه”.
أما ذلك الهيكل فكان الثالث في البناء، لأن الأول بناه سلیمان الحكيم الحكيم (١مل ٦-۸) والثاني بناه زربابل وعزرا (عز ۸:۳) وهذا التجديد بدأ به هيرودس الكبير قبل الميلاد بحوالي اثنتي عشرة سنة واستمرت أعمال التجديد إلى وقت صلب السيد أي حوالي ٤٦ سنة.
والرب لم يأتمنهم على نفسه لأنه علم ما كان في الإنسان (آية ٢٥) لأنه خالقه وعالم بخفاياه. لم يأتمنهم على نفسه. أن الله لايهين نفسه بأن يسلمها لمن لا يؤمنون بها ولا يحفظون الإيمان السليم ولو رجعنا آیه واحدة نجده “فلما قام من الأموات تذكر تلاميذه انه قال هذا فآمنوا بالكتاب والكلام الذي قاله يسوع” (آية ۲۲) إذن فالإيمان أنواع، فيه إيمان فاسد، وفيه إيمان سليم، ولكن الإيمان السليم درجات وينمو.
كان في أيام الرب من يؤمنون به على أنه المسيا. ولكنهم يريدونه جباراً قائداً يعيد مجد اليهود. هؤلاء لم يكونوا مؤمنين به بل بصورة غير صورته، وهناك آخرون كانوا مؤمنين به كالتلاميذ هنا ولكن إيمانهم كان ناقص الفهم. وازداد فهمهم مع الوقت ومع الاختبارات، والرب يريدنا أن نؤمن به على حقيقته، ومستعد لأن يزيد إيماننا.
طرد الباعة من الهيكل (مت ٢١: ١٢- ١٧)
من الواضح أن البيع والشراء لم يكونا في الهيكل بمعنی بیت الصلاة وان الكلمة اليونانية Hieronتعني المكان كله، ولس بيت الصلاة الذي تستعمل له كلمة Naos ذلك لأن الهيكل بالمعنى الواسع كان يضم المعبد (الناووس Naos) وبداخله القدس وقدس الأقداس وخارجه يوجد بهو (رواق) الكهنة وفيه مذبح المحرقة ومذبح البخور ومائدة خبز الوجوه والمنارة، وخارج ذلك كله كان بهو الاسرائيليين، حيث كان يجتمع الناس للخدمة، وخارجه کان بهو النساء، وخارج كل ذلك بهو الأمم، وهذا الأخير هو المكان الذی كانت تباع فيه الذبائح ويجتمع فيه التجار من كل مكان، وهذا هو المكان الذي طرد منه الرب يسوع الناس.
ويقول التاريخ أنه في ذلك المكان كانت جماعات مترابطة من الكهنة والتجار تتحايل على الشعب وتبتز منهم المال الكثير في بيع الذبائح التي كانوا يدخلون بها إلى الهيكل بعد شرائها ثم تعود لتباع عدة مرات، وهناك كانوا يبيعون الحيوانات التي بها عيوب على الرغم من وصايا الشريعة. وكان الشعب يلقي متاعب ضخمة في هذا المكان، ولذلك كانت صادقة كلمة الرب “أنتم جعلتموه مغارة لصوص” وهذا يجعلنا نفكر كثيراً فيما يحيط بالأعياد والكنائس والمواسم (التي يسمونها خطأ موالد) وكيف يجب أن تكون على أوضاع روحية ويستبعد منها ما عدا ذلك .
كما أنه يجب علينا أن نلتزم الهدوء الكامل في كنائسنا لأنه إن كان الرب قد منع الضجيج من هذا الرواق المفصول عن المعبد بثلاثة أروقة أخرى، فكم يليق بنا أن نحفظ قدسية بيت الرب وننظم العابدين فيه، ونبصرهم بما يليق به من القداسة، ليس فقط عن طريق التنبيه والتعليم، بل اتخاذ ما يلزم من أساليب التنظيم لممارسة كل ذلك عملياً وباستمرار.
العظة الثالثة لآباء وخدام معاصرون – أحد الشعانين
الدخول إلى أورشليم – للقس شنودة السرياني (المتنيح الانبا يؤانس اسقف الغربية)[39]
كان استقبال بني إسرائيل للسيد في دخوله مدينة أورشليم، مظهراً من مظاهر التنفيس عن ضيق مكبوت، وأمل مفقود طال انتظاره.. كانت بلاد فلسطين ومنها أورشليم خاضعة من الناحية السياسية للدولة الرومانية. وهكذا كان اليهود في عبوديتهم للرومان، يتطلعون إلى منقذ ينقذهم ومخلص يخلصهم من نير أولئك المستعمرين، واليهود في تفكيرهم الحرفي كانوا يتوقعون مسياً، أى المسيح بطلًا سياسياً، وملكًا أرضيًا يملك على بيت يعقوب، وفاتهم أن المسيح لم يأت ليؤسس ملكاً زمنياً، بل أتى لكى يملك على القلوب والأرواح، “ولا يكون لملكه نهاية” (لو١: ٣٣)، أتى المسيح لـكى يحرر البشر من عبودية أشر وأمر من العبودية السياسية، ألا وهي العبودية للخطية. ونادى بنوع فريد من الحريات لم يعرفه العالم طالما لا يعرف «المسيح» وكل من يعمل الخطية هو عبـد للخطية … فإن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحراراً، (يو٨: ٣٤، ٣٦).
إن أورشليم – التي كان فيها هيكل الله – تشير إلى الإنسان باعتبار جسده وهيكل للروح القدس، (١كو٦: ١٩). كان اليهود ينتظرون المنقذ والمحرر، فأتاهم المسيح وديعاً راكباً على أتان وجحش ابن أتان، (مت٢١: ٥).
وأنت أيضاً يا أخى حينما تشعر بمرارة العبودية، وحينها تطلب الرب من قلبك، وتتلهف على مجيئه، مردداً مع المرتل “نفسي تنظتر الرب أكثر من انتظار الحراس للصبح والساهرين للفجر” (مز١٣٠) في ذلك الوقت سيأتى الرب ليخلصك من شدائدك وينقذك من ضيقاتك نعم سيأتى وديعاً هادئاً
فإن أردت أن المسيح يأتى إليك ويخلصك وينقذك ، عليك أن تجلس مع نفسك أولا لتشعر بسوء حالتك ، أنت ابن الله الذي تخدمه الملائكة ! ! حينها يتملكك الضيق ، قم ناهضاً ، واطلب الرب من كل قلبك ، اطلبه لكى يخلصك ويحررك ؛ وثق أنه سيفعل ، لأنه هو الذي قيل عنه , في كل ضيقهم تضايق وملاك حضرته خلصهم . بمحبته ورأفته هو فكهم ، (أش ٦٣ : ٩) ، وهو الذي لما علم – وهو ـ على الجبل وحده ــ أن البحر هاج على تلاميذه تحنن وأتى إليهم ماشياً على الماء ، مطمئناً إياهم بقوله « أنا هو لاتخافوا ، (يوحنا ٦ : ١٥– ۲۰)۰
كان استقبال سكان أورشليم للسيد المسيح عجيباً . فقد حملوا في أيديهم أغصان الشجر ، وفرشوا ثيابهم في الطريق (مت ۲۱ : ۸) إلى أي شى. يشير هذا التصرف ؟ إن الثياب تشير إلى الكرامة ، وخلعها يشير إلى التخلى عنها إرادياً . إن من يريد أن يدخل المسيح إلى أورشليم و قلبه » ، عليه أن ينزع عنه كرامات العالم ومجده الكاذب الخداع . فكم من مرة عاقت كرامات العالم كثيراً من الناس عن إقتبال الرب والتمتع بمجده وشركته وقديماً تقدم شاب متحمس راغب في الحياة المقدسة وسأل السيد المسيح عما يجب عليه أن يعمله ليرث الحياة الأبدية . ولما كان جواب الرب على سؤاله أن يوزع كل ما يملك على الفقراء ليقتنى كنز السماء فقد, اغتم على القول ومضى حزيناً لأنه كان ذا أموال كثيرة ، (مر ۱۰ : ۱۷ – ۲۲) . إن الله يسكن مع المتضعين ، الذين يحيون حياة التجرد ، و يظهر لهم ذاته.
ثم هناك أمر آخر في هذه النقطة.. حينها تقف أمام الله وتطلب إليه أن يأتى إليك عليك أن تخلع ثيابك، عليك أن تعرى ذاتك من كل شيء يخفى خزى عريك. قف أمام الله عاريًا. إكشف له ذاتك، ومواطن ضعفك. حدثه عن نقائصك وخطاياك كثيراً ما تبدو أمام الآخرين أبراراً بسبب المظاهر الخارجة التي تستتر خلفها، لكن لا يحب أن يكون الأمر هكذا في علاقتنا بالله. إذن أخلع عنك الثياب التي تغلفك يلبسك الرب كلى الحلة الأولى (لو١٥: ٢٢) والثياب البيض التي لا تظهر خزى عريك (رؤ ٣: ۱۸).
وثمة أمر آخر نلاحظه في استقبال أولئك الناس للسيد المسيح. ذلك هو الهتاف: “أوصنا لأبن داود” من مقطعين: “أوص” بمعنى “خلص”، و “نــا” بمعنى “أرجو” وهي مقتبسة من (مز ۱۱۸: ٢٥) “هذا هو اليوم الذي صنعه الرب. فلنفرح ونبتهج فيه: يا رب خلصنا يا رب سهل سبلنا. مبارك الآتي باسم الرب”، وهي نفس الكلمات التي ترددها الكنيسة بلحن في القداس الإلهي عقب تقديم الحمل. وعلى هذا، فإن هتاف جموع المستقبلين كانت تطلب أن المسيح يخلصنا. وهذا هو الهتاف الذي ينبغي أن تردده كل نفس وخلصنا، أو خلصني، إنه هتاف عذب لطيف لدى الرب، مسبر عن الحق الكامل. فلا توجد قوة في الوجود تستطيع أن تخلصك إلا إيمانك بالمخلص الوحيد يسوع المسيح ربنا الذي ليس بأحد غيره الخلاص، وليس اسم آخر تحت السماء قد أعطى بين الناس به ينبغي أن نخلص (أع ٤: ١٢). هو وحده الذي يستطيع أن يخلصك، وهو وحده الذي يحلك من قيود الخطية، وهو وحده الذي يهبك الغلبة والنصرة، وهو الذي يهبك النعمة والشجاعة لتقول مع الرسول: “أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني” (في١٣:٤) إن الشعور بالضيق، أيا كان نوعه، هو الذي يدفع الإنسان لهذا الهتاف القلبي. وبقدر ما تكون اللجاجة في طلب الخلاص، بقدر ما تكون النجدة سريعة قوية.
دخل السيد المسيح الهيكل بأورشليم فأبصر فيه مالا يرضيه، ومالا يليق بقداسة الله. رأى الباعة يبيعون ويشترون. رأى الهيكل وقد استحل إلى محل تجاري. رأى الشهوات والأطماع والأغراض تحقق باسم الدين. فطهر بيته من أولئك الباعة في غيرة تدعو إلى كثير من التأمل وقال لهم: “بيتي بيت الصلاة يدعى وأنتم جعلتموه مغارة لصوص” (مت ۲۱: ١٣) إن قلبك الذي هو مسكن الله يجب أن يكون طاهراً. لقد تسلل إليه كثير من اللصوص وأصبح مأوى ووكراً لهم. إن هؤلاء اللصوص هم الشياطين. انهض واطردهم. ليس لك أن تتصرف في هيكلك على هذه الصورة، فهو ليس لك، بل للذي مات لأجلك وقام. ليتك تنظر إلى ذلك وتردد ما قاله المرتل: “ببيتك ينبغى التقديس يا رب طول الأيام”. ردد هذه الكلمات وأنت شاعر أن بيت الله ليس هو الكنيسة فقط، بل أنت أيضاً باعتبارك هيكلاً للرب ليتك يا أخى تقبل كلماتى هذه، لئلا تصبح مشاركاً لسكان أورشليم، الذين لما رفضوا الرب قال لهم: “هوذا بيتكم يترك لكم خراباً” .
بيتي بيت الصلاة.. هذه هي الدعوة التي يدعونا إليها الرب أن نكرس قلوبنا لتصبح مخصصة للصلاة. خل قلبك يا أخى من كل الاهتمامات العالمية وتعد، إن الله يعلم كل ما تحتاجه دون طلب. ليتك تتمم كلمات الرسول القائلة: “لا تهتموا لشيء، بل في كل شيء بالصلاة والدعاء مع الشكر لتعلم طلباتكم لدى الله (في ٤: ٦)، فحينئذ يرتفع من قلبك كل حين رائحة بخور ذكية يشتمها الرب رائحة سرور ورضى، ويقبلها ضمن صلوات القديسين .
ثم ماذا بعد تطهير الهيكل؟.. ماذا بعد تطهير القلب ودخول الرب إليه؟.. إن دخول الرب إلى هيكلنا الضعيف ينشئ لنا فرحاً لا ينطق به ومجيد وقد سبق ذكرنا النبى منبئاً عن ذلك فقال: “ترنمي وافرحي يا بنت صهيون لأني هانذا آتى وأسكن في وسطك يقول الرب” (زك ٢: ١٠) .
وبعد أن طهر السيد المسيح الهيكل بدأ يصنع معجزاته، وتقدم إليه عمي وعرج في الهيكل فشفاهم، (مت٢١: ١٤)، لم يعمل السيد المسيح معجزة واحدة في الهيكل وهو مهان ومدنس.
فإن أردت يا أخى أن يعمل الرب معك معجزات، فطهر قلبك من كل ما لا يرضي صلاحه ويرلا استحقاقه. مستحيل أن تنال شيئاً مما ترجوه أو تحلم به إلا بعد أن تنظف هيكلك الداخلي ليكون أهلا لسكنى القدير.
وبعد.. إن السيد المسيح دخل إلى أورشليم كملك ظافر منتصر، فهل تريد أن يملك المسيح على حياتك، أي تصبح إنت ملكاً له. إن أردت ذلك فسلم حياتك بالتمام لذاك الذي أنت ملكه. راجياً حياة التسليم الكامل، لا تتصرف في أمر إلا بعد استشارته. وإذا فعلت ذلك فسيتولى هو أمور حياتك كلها. لأننا بقدر ما نسلم حياتنا لله، بقدر مانلزمه ـ تعالى ـ أن يعتنى بنا ويدبر كل أمورنا. فلنتقدم إليه في شوق وحب واتضاع ونطلب إليه أن يفكنا من قيودنا ويطهر قلوبنا، ويملك على حياتنا، حتى نستأهل لبركاته التي وعد بها كل محبيه وحافظى وصاياه، وليتمجد الرب كل حين في هياكل بشريتنا الضعيفة التي جبلتها يداه. وله كل مجد كل حين آمين.
العظة الرابعة لآباء وخدام معاصرون – أحد الشعانين
الأسبوع الأخير – للمتنيح القمص لوقا سيداروس[40]
بعد إقامة لعازر.. في المساء في بيت عنيا كانت أمسية فرح واحتفال بالقيامة.. القرية كلها في بيت واحد، الفرح يعم جميع الناس من مؤمنين ومتفرجين. كان خبر إقامة لعازر قد ملأ الدنيا.. وكان يجلس في حضن يسوع لعازر وهو ممتلئ فرحاً وشكراً للذي أقامه.. وكبرهان حي بقدرة المسيح واهب الحياة.
أخذت مریم أخت لعازر قارورة طيب فائق كثير الثمن وسكبته على الرب يسوع فامتلأ البيت من رائحة المسيح الذي جعل للطيب رائحة فائقة.. لا أنسى هذه الليلة مدى حياتي ولا كل دقيقة مرت عليَّ.
ثم في الصباح خرج من المنزل وسألناه إلى أين نحن ذاهبون؟، قال :إلى أورشليم. عيد الفصح كان بعد أيام وأورشليم مكتظة بالمعيدين الذين جاءوا من كل بلاد الدنيا ليعملوا الفصح.
لم يتكلم أحد منا معلقاً، بل تبعناه إلى حيث يمضي. ولما اقتربنا من أورشليم أرسل اثنين منا إلى القرية القريبة فاستحضرا أتاناً وجحشاً، حلاهما وأتيا بهما ولم يعترضهما أحد. فجلس على الجحش وتحرك الموكب نحو أورشليم.
لأول مرة أراه ممتطياً حماراً صغيراً. لقد ذهبنا إلى أورشليم مراراً وعلَّم في الهيكل مراراً، لماذا إذاً يدخل إلى أورشليم راكباً؟.. لم نفهم ولم نسأل..
اقتربنا إلى المدينة وكنا على التل المطل على المدينة، كانت المدينة أمامنا بهيكلها ومبانيها.. وفجأة وجدناه يكلمها.. يكلم المدينة.. شيء غريب، يقول: “يا أورشليم، يا أورشليم. یا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها، كم مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها، ولم تريدوا”!!
كانت دموعه غزيرة يبكي عليها. وأدركنا كم أحب أورشليم، إنها مدينته، مدينة السلام. مدينة الملك العظيم التي فيها بيت أبيه.. بيت الصلاة. لكنه أعلن رفضها له وعدم إرادتها أن تستظل بجناحيه، رفضت مشورته.. رفضته كمخلص وكملك.. رفضته فبكى عليها لأن خسارتها فادحة..
كانت أورشليم تسير كعمياء إلى مصير هلاك محتوم.. قال لها: “قد أخفي عن عينيك”.. هي قاتلة الأنبياء والمرسلين، بل صارت قاتلة لرب الأنبياء وإله المرسلين إليها..
تذكرنا المثل الذي قاله عن الكرامين الأردياء الذين أهانوا المرسلين الذين أرسلهم صاحب الكرم، ثم قتلوا ابنه لكي يصير الكرم لهم، وأعلمهم بمصيرهم المحتوم أن صاحب الكرم يأتي ويهلك أولئك القتلة ويعطي الكرم لآخرين. وقد فهم رؤساء الكهنة أنه قال هذا المثل عليهم. أدركنا أن كل هذا وشيك أن يحدث وأن صعودنا إلى أورشليم هو الخطوة الأولي لتنفيذ المقاصد الإلهية.
ما أن وصلنا إلى بوابة سور أورشليم وكان يوم الأحد حتى سرى روح فرح عجيب فينا كأن ناراً إلهية تأججت في أحشاء كل منا..
روح ملأنا بتسبيح وتمجيد وحمد. انطلقنا نعبر عن هذا الفرح بطرق تلقائية.. فهمت فيما بعد أن كل هذا مدبر من الأب قبل الدهور.
بعض منا خلع ثيابه كأنه يتخلى عن الخارج البالي وفرشوا ثيابهم في طريق يسوع. وآخرون قطعوا سعف النخل بخفة وحركات روحية كأنهم ملائكة لا تعوقهم الأرضيات. وآخرون قطعوا أغصان الزيتون.
وما هي إلا دقائق حتى صار هذا الموكب ضخماً رهيباً. تجمع حولنا جمع غفير مئات ثم آلاف.. رجال ونساء وأطفال بلا عدد. ويا للدهشة كلهم صاروا يسبحون ويمجدون هذا الجالس فوق الجحش قدموا له تسبيحات الجالس فوق الشاروبيم. صرت في ذهول أقول في نفسي من علم هؤلاء؟!.. من وضع في أفواههم هذا التسبيح كأنهم تلقنوه من معلم واحد في فصل واحد؟ وهم لا أعلم من أين أتوا ومن دعاهم إلى الموكب؟!..
شيء سري عجيب لا يعرف عمقه إلا روح الله حتى الأطفال كانوا يصرخون.. “أوصنا لابن داؤد! مبارك الآتي باسم الرب! أوصنا في الأعالي! مباركة مملكة أبينا داؤد! أوصنا ملك إسرائيل ! “..
بالحق أستعلن ملكوت المسيح، ملك الملوك ورب الأرباب. ملكوت السلام والفرح.. ملكوت الحب والتسبيح. وكان الجمع يشهد أنه دعا لعازر من الموت.
إذاً الملكوت ملكوت القيامة وغلبة الموت والانتصار عليه.
وابتدأ جميع الرسل يتذكرون تفاصيل السنوات الثلاث التي قضيناها معه الآيات والعجائب. شيء مهول لا يمكن أن يقع تحت حصر..
ولكن الروح ذكَّرَنا بكل شيء فصرنا نلهج بالحمد والتمجيد للذي سكب هذه النعمة على البشرية المعذبة وصرنا نشعر بخلاص الله واستعلان ملكوته.
دخل يسوع، كملك منتصراً على الموت، إلى قلب أورشليم إلى الهيكل مباشرة. صادره رؤساء الكهنة والكتبة والفريسيون وهم في قمة الاستياء مما رأوا وسمعوا وقالوا: “أتسمع ما يقول هؤلاء؟” لماذا لا تسكتهم؟..
فتح لهم يسوع النبوات التي رأوا كمالها ولكنهم أغمضوا عيونهم بعناد وسدوا آذانهم بعمل الشيطان.. فقال لهم يسوع : نعم أما قرأتم قط: من أفواه الأطفال والرضع هيأت تسبيحاً؟.. فرأوا ولكن ما فهموا!. قال لهم.. إن سكت هؤلاء فالحجارة تصرخ !”
يا إلهي.. حجارة الهيكل المادي ستنقض ولا يترك حجر على حجر.
أما الحجارة الحية الجديدة في الهيكل الجديد ستمجد وتسبح وتبني في السماء.
وبسلطان إلهي قلب موائد الصيارفة.. كيف يكون المال بكل ظلمه وظلامه في الهيكل؟ هم لصوص وجعلوا الهيكل مغارة يمارسون فيه أعمال الشر.
إنه بيت الصلاة وليس بيت المال. وصنع سوطاً من حبال طرد به الحيوانات. وقد فهمت فيما بعد أنه أراد أن يعلن إنه قد انتهى عصر الذبائح الحيوانية التي لا تقدس الإنسان ولا تكفر عن الخطايا.. لأنه كان مزمعاً أن يقدم نفسه كحمل بلا عيب عن حياة العالم.
أما كراسي باعة الحمام، فلم يقلبها كدراهم الصيارفة ولكنه قال لأصحابها.. ارفعوا هذه من هنا.. فالحمام طير ضعيف ترفق به لأنه رمز للوداعة التي هي طبعه الخاص ورمز للروح القدس الوديع الهادئ.
ما أرهب هذا اليوم وما أعظم أسراره.. بعد الأيام والسنين صرت أذكر وأجتر من كنوزه وأكلم الذين بشرتهم بما صنع الرب فيه.. إنه يوم الملكوت.
العظة الخامسة لآباء وخدام معاصرون – أحد الشعانين
طرد الباعة – للارشيدياكون بانوب عبده[41]
تطهيره للهيكل (يو ٢: ١٢- ١٧)
12وبَعدَ هذا انحَدَرَ إلَى كفرِناحومَ، هو وأُمُّهُ وإخوَتُهُ وتلاميذُهُ، وأقاموا هناكَ أيّامًا ليستْ كثيرَةً. 13وكانَ فِصحُ اليَهودِ قريبًا، فصَعِدَ يَسوعُ إلَى أورُشَليمَ، 14ووَجَدَ في الهيكلِ الذينَ كانوا يَبيعونَ بَقَرًا وغَنَمًا وحَمامًا، والصَّيارِفَ جُلوسًا. 15فصَنَعَ سوطًا مِنْ حِبالٍ وطَرَدَ الجميعَ مِنَ الهيكلِ، الغَنَمَ والبَقَرَ، وكبَّ دَراهِمَ الصَّيارِفِ وقَلَّبَ مَوائدَهُمْ. 16وقالَ لباعَةِ الحَمامِ:”ارفَعوا هذِهِ مِنْ ههنا! لا تجعَلوا بَيتَ أبي بَيتَ تِجارَةٍ!”. 17فتَذَكَّرَ تلاميذُهُ أنَّهُ مَكتوبٌ:”غَيرَةُ بَيتِكَ أكلَتني”.
رأي السيد المسيح أن يتخذ من كفر ناحوم مسكناً له بدلاً من الناصرة، لأن الأولى تطل على بحر الجليل، وتشتهر بالتجارة، ويتقاطر اليها الناس من كل جهة، ونظراً لإنخفاض موقعها قال الإنجيلي انه إنحدر إليها من قانا الجليل هو وأمه واخوته وتلاميذه حيث أقاموا بضعه أيام.
وبمناسبة اقترات عيد الفصح صعد المخلص إلى أورشليم إطاعة للناموس، وقياماً بفرائض النظام اليهودي الذي حرص له المجد على احترامه مدة حياته على الأرض.
ووجد في الهيكل باعة البقر والغنم والحمام، وكذا الصيارف جلوساً.
فصنع سوطاً من حبال وطرد الجميع، وكب دراهم الصيارف وقلب موائدهم. وهذه هي المرة الأولى التي طهر فيها الهيكل، وكانت في أول خدمته في الفصح الذي بعد عماده، وانفرد بذكرها يوحنا. أما الثانية فكانت قبل صلبه بأربعه أيام واشترك في روايتها متى (مت ٢١: ١٢). ومرقس (مر ١١: ١٥–١٧). ولوقا (لو ١٩: ٤٥–٤٦)، وكانت يوم الأثنين التالي لدخوله أورشليم.
ويلاحظ أنه بدأ خدمته وختمها بتطهير الهيكل لإظهار سلطانه على اليهود، باعتباره المسيح الذي له سلطان أن يوبخهم على خطاياهم وعلى تدنيسهم الهيكل، وبهذا يشير إلى أنه مطهر النفوس من أدناسها، لأن بدمه غفران الخطايا.
والفرق بين المرتين:
أنه صنع في الأولى سوطاً من الحبال ولم يفعل ذلك في الثانية،
وأنه وبخ اليهود في الأولى على مجرد التجارة بقوله “لا تجعلوا بيت أبي بيت تجارة” وأما في الثانية فوبخهم على الزور والخطف بقوله “وأنتم جعلتموه مغارة لصوص”،
وانهم في المرة الأولى أجابوه قائلين: “أية آية ترينا حتى تفعل هذا” وأما في الثانية فسكتوا.
وقلبه موائد الصيارفة وكراسي باعة الحمام دليل على أنهم كانوا يبيعون ذلك في الهيكل لصلاحيته للذبائح، وكل من حضر من طريق بعيدة كان يبتاع منها ما يقدمه قرباناً.
أما إخراجهم من الهيكل فكان للأسباب الآتية:
إن عهد ذبائح الحيونات قد انقضى بذبيحة جسده.
إن معموديته طهرت الجميع وأغنت عن التطهير بدم الحيوانات .
لأنه حمل الله المقرب عن الناس جميعًا.
لكي يعلمنا أن الذبيحه لله هي إخلاص النيات وتطهير القلوب لا سفك دم الحيوانات. وإنما أذن لليهود عند خروجهم من مصر أن يذبحوا الحيوان لأنهم بمصر كانوا يعبدون الصنم ويذبحون له الحيوانات، فلم يمنعوا من الأمرين جميعًا، لأنهم كانوا كالصبيان يحتاجون إلى طول أناة لينقلوا من الجسديات الى الروحيات، فمنعوا من السجود للصنم وأذن لهم في الذبيحة.
ليُري سلطانه وقدرته وسلطته على بيت أبيه.
ليشعر بخراب البيت وانجلاء أهله وبطلان سننه ونواميسه .
ليبين أن الكهنة كانوا يشاركون الباعة في الحرام كما يتضح من شرح الآيه التالية.
وبعد أن أمر باعة الحمام بإخراج سلعهم، وبخهم قائلاً “لا تجعلوا بيت أبي بيت تجارة” أو كما قال عنه في المرة الثانية أنهم جعلوه “مغارة لصوص”، وذلك أن الشخص كان إذا إبتاع شيئاً منهم وحمله إلى الكهنة ليقربوه، كان الكهنة يقررون عدم صلاحيته، ويطلبون منه بيعه وابتياع غيره، فيضطر لبيعه بخسارة وابتياع غيره بثمن عال، والفرق بين الثمنين يقتسمه الكهنة والباعة .
وهنا يضيف مرقس العبارة الآتية “ولم يدع أحداً يجتاز الهيكل بمتاع”، مما يدل على أن اليهود لم يكتفوا باتخاذ الهيكل سوقاً عاماً بل كانوا يجتازون به من جانب المدينة إلى الجانب الآخر اختصاراً للطريق.
أما قوله لهم في المرة الثانية “مكتوب بيتي بيت الصلاة يدعى” فورد في نبوة إرميا إذ يقول: “هل صار هذا البيت الذي دعي اسمي عليه مغارة لصوص” (إر ٧: ١١). وفي إشعياء إذ يقول “لأن بيتي بيت الصلاة يدعي لكل الشعوب” (إش ٥٦: ٧).
فتذكر تلاميذه أنه مكتوب “غيرة بيتك أكلتني” وقد وردت هذه العبارة بنصها في (مز ٦٩: ٩).
العظة السادسة لآباء وخدام معاصرون – أحد الشعانين
ليلة أحد الشعانين (سنة ١٩٧٨) – للمتنيح القمص بيشوي كامل[42]
بسم الآب والابن والروح القدس الإله الوحد آمين.
أحداث هذه الأيام يا أحبائي.. أحداث هامة جداً، هامة لأنها مشحونة بالتعاليم النافعة، ولأن يسوع أوصانا وقال “من أراد أن يكون لي تلميذاً ينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني”، وظل هذا القول غير واضح أمام الناس، النهاردة يسوع بينفذه عملياً في أحداث الأيام دية.
من أول النهاردة أحداث مهمة، لأن هي تطبيق عملي للخطوات اللي رسمها رب المجد يسوع لكي نسير وراءه .
إذا كان واحد عاوز يمشي وراء المسيح.. أهه يشوف الخطوات اللي مشي فيها في الأيام ديه وما يتهش أبداً في الطريق. لأن الخطوات واضحة جداً، والأحداث ديه أحداث لأنها مشحونة بالتعاليم أكثر مما تحتويه الكتب، وما تحتويه الأناجيل، لأن ما كتب في الانجيل لا يعبر عنه كما قال معلمنا يوحنا الانجيلي لا تسعه كل الكتب المكتوبة في العالم، كل آية وكل كلمة فيها معاني كثيرة خالص علشان الواحد يقدر يعيش فيها.
وأحداث هذا الأسبوع أيضاً خطيرة ومهمة .. لأنها تحمل طابع السرعة. لأن من كثرتها منلحقش نعيش في فكر من الأفكار بتاعة ربنا يسوع في الأيام الأخيرة. ونلاقي على طول حدث تالي وراءها، وآدي أنت ملاحظ آخر جملة .. أخر بيت دخله المسيح قبل بيت عنيا ده كان بيت زكا أمبارح. وكان مار على أريحا، وكان بيقول له يا زكا اسرع وانزل، وشفنا قد أيه كدة السرعة في منتهى الأهمية. لأن دي فرصة عمرك يا زكا، لو ما اسرعتش ونزلت مش ها أعدي من أريحا مرة ثانية فشوف قد أيه حديث بسيط زي ده كان الطابع بتاعه السرعة، لأن فرص خلاص الانسان سريعة جداً .. وإن ملحقتهاش ممكن تفوت.
فيقول له أسرع وأنزل لأنه ينبغي أن أكون اليوم في بيتك. ومضي اليوم معاه ثم سافر إلى بيت عنيا. بيت عنيا بلد قريبة من أورشليم، كان بيحب يسوع يبات فيها. دي طبيعة المسيح. مكنش بيهتم بالمدينة الكبيرة أورشليم قد ما كان بيهتم بالقرية الصغيرة اللي حتى اسمها من كلمة عنيا يعني عيانين، بؤساء، بيت البؤس، فالناس اللي فيها ناس غلابة وعلى قد الحال. وهو كان بيستريح بعيد عن الرياء والنفاق والحاجات بتاعة الكتبة والفريسيين والحاجات اللي انتوا عارفينها دية. وفي بيت عنيا تمت أحداث كبيرة خالص. إزاي القرية الصغيرة ديه اتسعت لهذه الأحداث؟!!..وكان كل يوم يبات فيها ويعلم تعاليم جديدة ومابتش في أورشليم أبدًا.
الليلة ربنا عملوا له عشاء في بيت عنيا، والحقيقة إن يوحنا الانجيلي هو ده طبعاً مهم جداً هو اللي حدد المواعيد.. التحركات بتاعة المسيح باليوم .. أكثر من الأناجيل الثلاثة، يعني يقول لك مثلاً قبل الفصح بستة أيام فتبتدي تحسب من اليوم ده الميعاد بتاع الفصح تعرفه على طول. محدش ذكر الحادثة ديه غيره، فاتعمل له وليمة واعتقد إن مشاعر الناس كانت ملتهبة حب للمسيح لسبب مهم، السبب ده إن هو قوم لعازر في قرية بيت عنيا. واقامة لعازر دية يعني فرحت القرية كلها، فمش أقل من أن يعني يعملوا له حفلة وهم لا يدرون إن هي دي كانت الحفلة الأخيرة.
واللي يوري إن الحفلة دية كانت مشحونة بالمشاعر ماكانتش عزومة بتاعة ليلة عادية.. حكاية سكب الطيب اللي ذكرها الانجيل الليلة، أن مريم أخت لعازر قالت له ها أعمل لك أيه يعني بعدما قومت أخويا؟ جابت طيب ثمنه ٣٠٠ دينار وسكبته على رجلين المسيح وابتدأت تمسحه بشعرها وبعدين هم بيفكروا في مشاعر لطيفة بشريه يعني بيكرموا المسيح. بس صدقني هو كان أكثر إكرام لأن هو كان مشاعر طالعة من القلب، محدش كان يجبر هذا البيت البسيط أنه يروح يشتري زجاجة طيب بـ ٣٠٠ جنيه او ٣٠٠ دينار ويكبها بس على رجلين المسيح.
كل الأحداث اللي تمت في الأسبوع ده سواء الطيب منها أو الوحش منها كان أضخم من مظهره، يعني يهوذا أسلمه بـ ٣جنيه (٣٠ من الفضة). ده يعني مش عملية بسيطة لأن ده تلميذ ويسلم معلمه بثمن بخس، فالقضية كبيرة جداً وبعدين واحدة زي مريم تروح تجيب ٣٠٠ دينار وترميهم على الأرض على رجلين المسيح برضه ده حدث كبير ..
فواضح أن الأحداث هنا مشحونة بالمشاعر بطريقة كبيرة جداً، كمان قلب المسيح كان متبادل مع هذه المشاعر بطريقة كبيرة جداً حتى أن يهوذا لما وقف يوبخ المرأة وقال لها أيه أنت كان ممكن أن يباع هذا بثمن كثير ويعطى للمساكين، فقال له أسكت يا يهوذا المساكين معاكم في كل حين .. أنا ما بقطعش على رزق المساكين، لكن سيب الست ديه سبها، سبها هي بتعبر عن محبتها وعن عرفانها بالجميل بتعبر عن حاجة مش عارفة تعبر عنها بأي وسيلة ثانية، المساكين معكم في كل حين أما أنا فلست معكم في كل حين. فالزجاجة دي كان فيها معاني كبيرة خالص لدرجة أن مرة ثانية قبل الفصح بيومين زي ما ذكر معلمنا متى ومعلمنا مرقس في بيت سمعان الأبرص يوم الأربعاء يعني قبل الفصح بيومين راحت واحدة سكبت الطيب على رأس المسيح. دي واحدة ثانية. وبرضه المسيح شجع المرأة دي لما لقي التلاميذ إتذمروا شوية قال لهم : “حيثما يكرز بهذا الانجيل في كل العالم يكرز بما فعلته هذه المرأه تذكارا لها “.
أصبحت قصة سكب الطيب دية هي البداية بتاعة الأسبوع ده. المسيح أعتبرها أيه بالنسبة ليه قال لأ .. دي المرأة دي عملت عملاً عظيماً جداً، قالوا له عملت إيه؟ زجاجة الطيب يعني زي بعضه أهي ضحت بها، قال لا .. إنما صنعت هذاليوم تكفيني، لأن أنا محتاج واحد يكفني وأنا على الصليب ومحدش هيجروء يقرب مني، وحيكون اليوم ده يوم الفصح والناس هتقول لأ منعملش عمل، منشتريش طيب .
ولكن المرأة ديه عملت العمل اللي مش ها يعمله حد ثاني، أما ربنا يسوع المسيح في الواقع كونه إنه يؤكد إنه حيثما يكرز بالانجيل يذكر ما فعلته هذه المرأة.. عاوز يورينا مبدأ مهم وهو ده موضوعنا النهاردة بنعمة المسيح في عبادتنا المسحية.
المسيحية في الواقع مبنية على المشاعر والإيمان المصحوب بالحب، حتي إن بولس الرسول أفرد إصحاح بحاله بيتكلم عن المحبة وبيقول إن أعطيت كل أموالي للمساكين وسلمت جسدي حتي احترق .. شايف يهوذا كان لو فرض إن كان سليم النية ولكن ليس لي محبة فلست أنتفع شيئاً. وابتدأ يتكلم باستفاضة عن المحبة. ففي الواقع الأسبوع ده كونه يبتدي بسكب الطيب كأن المسيح رب المجد بيحط مبدأ مهم جداً في العبادة اللي هي الحب لربنا وبدون الحب متبقاش عبادة .. يبقي اسمها فروض واحنا كنيستنا تكره الفروض رغم أن فيها طقوس .
لكن لو تتأمل فيها تجدها كلها تعبير عن محبة ربنا ومحبة الكنيسة. فالمسيح قال ما قيمة العبادة بتاعتكم أنا اتعرفت بيكم إزاي؟ هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد.. يبقى أنا اللي جيت عشانكم .. جيت بدافع المحبة ..
هاقول لك حاجة صعبة جداً إزاي التلاميذ بتوع المسيح يحصل لهم اللي حصل في الليلة الأخيرة؟ إزاي كدة! إزاي المرأة دي تثبت في إيمانها القوي؟!..
لو نحب نعمل مقارنة صغيرة. طبعاً سيبك من يهوذا وقصته لوحدها دي قصة لكن تعال لبطرس.. سب ولعن وهرب تعال لتوما شك، تعال لبقية التلاميذ ولا واحد منهم وصل لغاية الصليب.. ولا واحد . محدش راح لغاية الصليب أبداً إلا يوحنا. وانجيل يوحنا ما أغفلش هذه الحادثة أيضاً. لأن يوحنا بالذات كان له معرفه شخصية برؤساء الكهنة. ففي إحتمال ان يكون هذا سبب أيضا معرفته للناس اللي حواليه. وإن كنا لا نذكر عن يوحنا محبته الكبيرة للمسيح لكن اللي عاوزأقوله لك أيه ..
المرأة سكبت الطيب على رجلين المسيح مشت وراه في الشارع.. مشيت وراه لغاية الصليب . كويس دخل المسيح القبر واندفن. والظلام باقي ومفيش أمل عند أي تلميذ من التلاميذ أن ممكن يسوع يقوم من الأموات، والمرأة الساكبة الطيب تجري عند القبر والظلام باقي، وتاخذ برضه معاها شوية طيب وتروح تحطهم على جسد يسوع حسب العادة بتاعتهم وتكون هي أول مبشرة بالقيامة المجيدة .
فالحقيقة يا أحبائي ناس كثير مشيت وراء المسيح لكن ماكملوش المشوار. أحنا ماشيين مشوار وراء المسيح هايجي في السكة ويقابله صليب .. يقابله مشاكل وها يقابله أكثر من صليب كمان .. ها يقابله موت ودفن. مين يمشي وراء المسيح للآخر؟ أنت تفتكر إن الشهداء دول اللي مشيوا وراء المسيح للآخر وكان قلبهم مشحون بطاقة حب جبارة لدرجة إن هم قدموا حياتهم للمسيح.
ونفس القديس أغناطيوس وهو تلميذ بطرس الرسول وهو بيتقدم للاستشهاد بيقول أنا عاوز أشبع وأحس إن أنا باحب المسيح، ومحبتي للمسيح ديه مش هتبقى واضحة ولا ظاهرة إلا إذا شفت الدم بتاعي بينسفك من أجل المسيح كما سفك دمه لأجلي. فأنا بأعتبر إن الدم ده يعني علامة من العلامات علشان يعبروا عن محبتهم للمسيح.
فلما تبحث كدة في تاريخ الكنيسة تجد الدافع الأول للإستشهاد كان الحب للمسيح.. والدافع الأولاني حتى للرهبنة لما خلص زمن الإستشهاد. فالناس سابوا العالم وسكنوا البراري وشقوق الأرض من أجل عظم محبتهم في الملك المسيح. فالقلب المشحون بمحبة المسيح سكته سليمة. تقول لي وفيه عقبات دلوقت في المسحية في السكة؟ أقول لك أبداً مفيش عقبات لأن أكبر عقبة إيه؟ مش الصليب.. أكبر من الصليب أيه؟ مش الموت؟ اللي ماشي وراء المسيح بمشاعر الطيب اللي انسكب النهاردة، يمشي معاه لغاية الصليب، وما بعد الصليب، وما بعد الموت، والى القيامة أيضاً …
مين قدر من التلاميذ كلهم يوصل للمسيح بعد القيامة؟
مين؟ مين يقدر يروح ناحية القبر والحراس واقفين بيضبطوه؟ مين؟.. إلا واحد يكون قلبه مشحون بالحب … وأنا في خيالي إن المرأة دي رجعت من عند الصليب يوم الجمعة بالليل وحاولوا يناموا .. معرفش ناموا ولا ما ناموش .. لكن قعدت طول الليل، ماجلهاش نوم .. لأن هي قلقانة. واللي حبسها يوم السبت إن السبت ده ممنوع فيه … السبت ده كان عظيم وممنوع فيه الحركة أو الشراء أو أي حاجة من الحاجات ديه .. فعشان كدة غصبن عنها قعدت، وإلا لو شافوها في الشارع لازم تترجم. وهو والظلام باقي، تَوّ ما خلص السبت يا ستي استني لما النهار يطلع .. قالت لا .. أجري على يسوع على طول . فاستحقت إن هي تأخذ أول بشارة بالقيامة.
خلاصة الكلام عاوز أقول لك إن طريقك وراء المسيح أن مكنش مشحون بمحبة كاملة تتعثر في السكة، الطريق مليان عقبات ومشاكل وضيقات واغراءات من العالم، وشهوات حاجات العالم النهاردة بيعرفها بطريقة مختلفة، وبطرق عنيفة بتضغط على الانسان ضغط كدة بتستولى على قلبه، يقول لك خلاص أنا قلبي في الموضوع ده .. متعلق بالموضوع ده . مقدرش أستغنى عنه .. يا حبيبي ده غلط .. انت بتضر نفسك .. حتي من أجل مصلحتك العامة، بلاش من أجل المسيح.. يقول لك لأ .. أنا خلاص قلبي متعلق بالموضوع ده .
وعلى رأي معلمنا بولس الرسول إنه يقول حتى في الأزمنه الأخيرة يكون الناس محبين لذواتهم، ما فيهمش طاقة حب للمسيح، لكن طاقة حب لذاتهم .. محبين لذاتهم محبيين للمال، غير طائعين.
فواضح خالص أن المسحية بتاعتنا بتعتمد على طاقه حب . علشان كدة إحنا بنعمل حجر الزاوية في المسيحية هو الصليب. والصليب أما بنشوفه ونشوف المسيح متعلق عليه زي ما بيقول الطرح بتاع عيد الصليب، إن خشبة الصليب هي المصباح الذي أوقد عليه مخلصنا، فأفاحت منه رائحة طيب شدت انتباه البشرية كلها ومش ممكن أبداً تكون لك علاقه بالمسيح إلا عن طريق الحب .
أيه اللي يحوجك؟ أيه اللي يحوج المسيحي إن هو يمشي معاه للصليب، ولا للجلجثة، ولا لجثسيماني؟! صدقني المشوار طويل خالص، أيه اللي يحوج البنت المسيحية النهاردة أن هي تعيش في طهارة وفي قداسة ومتنجرفش في تيار العالم؟ إلا إذا كانت مخلصة للمسيح إخلاص كامل، أيه اللي يحوج الشاب النهاردة إن هو يعيش بإخلاص للمسيح ويتمم وصيته؟ أيه اللي يحوج البيت المسيحي النهاردة وأنت عارف المدينة وإغراءتها وكل يوم حاجات جديدة أنه يعيش بيت مسيحي؟ أيه السكة الصعبة .. صعبة قدام البنت، صعبة قدام الشاب، صعبة قدام الكبار، وصعبة قدام الكنيسة.. صدقني صدقني، صعب قدام الكنيسة النهاردة، الكنيسة بتاخد العالم وتشوف حقها فين وبتعمل وتخلي وتسوي وتزوق الطريق قدام المسيح مين يكون مخلص ليه إلا النفوس اللي اتملت محبة لربنا …
يوحنا الحبيب بيقول كدة: انظروا أية محبة أعطانا الآب حتي ندعى أولاد الله، ليس نحن قد أحببناه أولاً، لكنه هو أحبنا أولاً. فاللي حبنا الأول هو المسيح. إذا سألت واحد مسيحي وقلت له ماشي وراء المسيح ليه؟ ومقالش لك لأن انا بحبه وبحب صليبه، وأنا مديون ليه .. أعرف إنه مش هايعرف يكمل السكة .. أعرف انه مش هيكمل السكة، جايز يقابله ألم ولا ضيق في السكة يقول لك لا يا عم ده اتابي اللي يمشي وراء ربنا (وده تعبير عند ناس كتير، يقول يا ابونا أنا باخاف لما اقرب لربنا شوية)، تيجي لي تجارب. فخلاص بلاش تقرب من ربنا أحسن يجي لك أية تجارب .. وبعدين إذا قربت من ربنا شوية حتبص تلاقي مش ها عيش زي زملاتي في العالم، وأنت عارف أن دلوقت لازم أبقى راجل مودرن، وأجامل الناس، وبيتي ميبقاش أقل من الناس، وأنت عارف أنا بنت زي بقية البنات دلوقتي .. ولازم ألبس مش مهم يعني طاعة إنجيل المسيح، لكن أنا لازم أعيش …
كمان تبص تلاقي الموضوع صعب مش ساهل النهاردة خالص. مين مخلص للمسيح؟ مين يقوم والظلام باقي .. ويجري عشان يقابل يسوع؟! دي واحدة لازم تكون لها اختبارات قديمة .. أيه اختباراتها؟!.
انا مش هاتكلم على مريم دي بالذات .. لكن غيرها كمان (مريم أخت لعازر)..
دي اختباراتها سابقاً إن مرة من المرات قعدت عند قدمي يسوع وكانت تحب تسمع كلامه، كلامه كان حلو وكان يدخل قلبها، وبعدين مرثا زعلت قالت له: أما تبالي أختي ما بتساعدنيش، قول لها تيجي تساعدني، قال لها مرثا مرثا انت تهتمين بأمور كثيرة، والحاجة إلى واحد، تعرفي أيهً اللي عملته مريم، ومريم اختارت النصيب الصالح، الذي لن ينزع منها. ده معناه أيه الكلام ده؟ معني الكلام ده إن يسوع كان بيتكلم في البيت والست الثانية كانت مشغولة في المطبخ، ودي قاعدة تحت رجليه، الكلام بتاعه تقول جواهر .. ذهب .. بيخش في قلبها ، مش عاوزه تسيبه .. ان قعد يسوع يتكلم١٠ ساعات هي قاعدة تحت رجليه، كلمة ربنا ما يتزهقش منها … واحد ثاني يقول لك يا أخي .. مش إحنا ورانا توضيب.. ومشاغل ثانية .. يسوع يرد ويقول لها يا مريم .. يا مرثا .. لقمة بسيطة .. الحاضر اللي موجود في البيت، ده يبقي فيه محبة أكثر ما تتشغلين، فيه فرصة كويسة تسمعي فيها صوت يسوع .
لأجل هذا يا عزيزي لما الكنيسة تقعد توعظك مليون مرة وتقول لك بتقرأ الانجيل والكتاب المقدس؟ وبتقراه بتمعن؟ وبتقراه بلذة؟ وبتقراه باشتياق؟ زي ما قال داود النبي في المزامير بتاعته “في ناموسه يلهج نهارًا وليلاً .. وفي ناموسه مسرته وارادته” لكل كمال رأيت حداً أما شريعتك فواسعة جداً”.
فمريم كانت بتحب كلام يسوع، ليه؟! أنا لما أحب واحد أحب كلامه، طيب معنى إن أنا مبحبش واحد يعني أيه؟ يعني كلامه ما أحبهوش، يدوبك أقضي الحاجة اللي أيه الواجبات اللي عندنا. فممكن أنت تصارح نفسك وأنت قاعد النهاردة واحنا بنتكلم عن الطيب في ليلة دخول أورشليم.
مش كل الناس يا عزيزي ها توصل مع المسيح للآخر أبدًا. ده فيه ناس من اللي ها تهتف وتقول يا ابن داود، ها تقول أصلبه أصلبه. وفي واحد تلميذ من اللي ها ياكل معاه هاينكره، واحد ثاني هايسب ويلعن.
أبداً الطريق مع يسوع ما يستحقهوش كل واحد، يستحقه النفوس المخلصة الأمينة، اللي ذاقت كلمة ربنا. مريم بتحب ربنا فاختارت النصيب الصالح. اختارت يسوع نصيبها. أيه يا مريم؟ قالت شوف : كل حاجه في الدنيا (يسوع قال كدة) تتنزع مني . إيه مش ها يتنزع مني .. تعرف حتي الجسد بتاعي ها يتنزع مني في يوم من الأيام.. أنا مش طالع من الدينا بحاجة، لكن أنا هاخد يسوع، ده اسمه النصيب الصالح الذي لن ينزع أبداً.. ولا يمكن قوة تقدر تأخذه مني .
عشان كدة بولس الرسول وهو في السجن يقول إيه: “من يفصلني عن محبة الله التي في المسيح يسوع” .. مش ممكن يقدروا يعملوا حاجة…
اختارت النصيب الصالح تحت رجلين المسيح، آدي مريم .. آدي الحب . الحب يبان أيه؟ “الذي يحبني يحفظ وصاياي”، فالحب إن أنت تحفظ وصايا يسوع وتنفذها .. بقدر ما تحب بقدر الوصية ما تبقي خفيفة، بقدر ما بتحبش تبقي الوصية ثقيلة وثقيلة وثقيلة جداً.
ولما تبقي الوصية ثقيلة يبقي تبص تلاقي المسيحية دية كلها صعبة وغير عملية، ولا تناسب العصر اللي احنا موجودين فيه. إذا ما كانش فيه طاقه حب .. وصية يسوع هتبقي صعبة خالص .
أمال أيه هيبقي حلو؟ الأحسن حاجة اللي هو مركز الحياة بتاعتنا، لو تأخد بالك من كلام المسيح “من أراد أن يكون لي تلميذاً ينكر نفسه أو ذاته ويحمل صليبه”، أنت تعرف مركز الثقل بتاعنا فين؟.. الذات .. باحب نفسي وبعدين .. الجسد مرتبط بالذات، والجسد مرتبط بالبطن والأكل والمستقبل والأولاد وإلى آخره، فتبص تلاقي حاجة الإنسان ابتدأ يلف على نفسه ده مخترش النصيب الصالح، لكن اللي نصيبه يسوع اتكاله على المسيح يسوع.. بيدبر له أموره يسوع، بيدبر له مستقبله، هو المهم عنده .. إن هو نصيبه المسيح. حتى إن بولس الرسول (يا ربي ساعدنا كلنا ما يكنش الكلام ده مجرد وعظ) يقول “لي الحياة هي المسيح والموت هو أيه؟ ربح”. يعني حتى إذا مت وخسرت كل حاجة ..ومرة ثانية قال “ما كان لي ربح حسبته نفاية لأجل معرفة المسيح”. فهل هذا الشعور عميق في قلبك؟ أنت فرحان إن أنت مسيحي؟ ده يقول ربنا يسوع كدة مرة ثانية يقول “إذا طردوكم وعيروكم من أجل أسمي كاذبين إفرحوا وتهللوا” مين يقدر يفرح في الضيق؟، بقي أنا لما أضطهد من أجل المسيح أفرح؟!.. إذا كان فيه طاقة حب للمسيح ها أفرح، ها قول له علشان خاطرك .. عشان خاطرك أستحمل قد ده مليون مرة كمان ..ليه بقى؟ لأن بقت المحبة واضحة، كل حاجة بقت سهلة في الإنجيل.. تقول يا سلام يا أبونا .. ده انجيلنا لذيذ جداً، وسهل واللي بيقولوا فيه وصايا صعبة !! ده مش صح الكلام ده .. ده كل وصايا الانجيل كل وصية أسهل من الثانية. علشان كده المسيح قال وصاياي ليست ثقيلة، مع إنها ثقيلة …
عرفت هي مش ثقيلة ليه؟ على رأي المثل البلدي، يقول لك حبيبك يبلع لكً الزلط، فوصاياي ليست ثقيلة لمين؟ للبيحبوني، وصليبي مش ثقيل … ويرجع يقول احملوا نيري، والنير ده خشبة تخينة كبيرة كدة يحطوها على رقبة الثور، وهو بيدور الساقية، أحملوا نيري .. فالنير معروف إنه هو صعب .. يرجع يقول تعرفوا .. نيري هين وحملي خفيف.. إزاي؟ كدة ..قال أنا كدة بس بتتوقف على طاقة حبك للمسيح، يبقى عاوز أقول النقطة الأولانية عشان ما ننسهاش، محدش هيوصل إلى بهجة قيامة المسيح.. ، إلا بطاقة حب. لأن الطريق صعب وفي وسطه صليب، وفي وسطه موت.
وبولس الرسول مرة قالها: قال مرة تعبير كدة، تلاقيه غريب جداً يقول: “من أجلك نمات كل النهار”، وما ماتش مرة بقى .. قال أتاريه طول النهار كان يا عيني بيموت. قد حسبنا كغنم للذبح، مبقاش لنا كرامة أبداً، وكنا بنشبه كغنم الذبح، لكن في هذه كلها يعظم انتصارنا بالذي أحبنا .. يا سلام أنت يا بولس وصلت. قال آه. لأن أنا باحبه .. وصاياه ليست ثقيلة .. خفيفة .. انجيله حلو ولذيذ، وده تسليتي. أنا يهمني الانجيل ده أتلذذ به وأتسلى به، وما شبعش منه.
وان كان في السكة فيه ضيقات، أرجوك تطمن جدًا، إن أنت ماشي صح، لأن إن كان في السكه ضيقات، يبقي فيه صليب، يبقي أنت فعلاً ماشي في تبعية المسيح لأن المسيح عشان يوصل للقيامة لازم يفوت على جثسيماني ويفوت على الجلجثة، ويفوت على القبر، وبعدين يوصل للقيامة. إنما مفيش سكة غير كدة .. مفيش سكة غير كدة أبداً، يا ربي تشحن قلبي بمشاعر حب بكلمة ربنا .. بكلمة إيه؟.. ربنا .. لأن هي اختارت النصيب الصالح الذي أيه؟ لا ينزع منها .
علي مستوانا إحنا العملي .. في حاجة بسيطة خالص، أحب أقولها لك، أنت تعرف القداس اللي إحنا بنعمله ده، بيقول يسوع عنه شهوة اشتهيت أن آكل معكم هذا الفصح، شهوة إيه يا يسوع؟ شهوة تاكل لحمة يعني خروف مذبوح ولحمة مشوية؟ قال لا … ده أنا شهوة أذبح نفسي وأكلكم .
فالقداس يا عزيزي لا يمكن واحد منا هيقدر يدرك أهميته ولا هيحصل لينا ملل، ولا نيجي متأخرين .. العادة اللي أصبحت عادية ولا نمشي قبل انصراف الذبيحة .. قبل أبونا ما يصرف الذبيحة .. كل ده ناتج بسبب واحد، إن طاقة حبنا للمسيح ضعيفة. ومش عارفين إيه اللي حاصل على المذبح، يسوع بيقدم نفسه ذبيحة، ذبيحة أيه؟ قال ذبيحة حب، ذبيحة حب؟!.. بيقول خذوا كلوا هذا هو جسدي المكسور، خذوا اشربوا دمي المسفوك .. ها سقيك دمي إزاي؟ ما هو لازم يتسفك .. قصاد هذا إيه موقفك أنت؟ أيه موقفك في حضورك للقداس؟ تيجي متأخر؟ تيجي بدري؟ ده مقدرش أقولها لك.. تقول لي ظروفي، ومش ظروف.. دي طاقة حب للمسيح، تدفعك كدة تخليك تجري كدة جري .. تخليك في القداس ما تسرحش.
تقول لي أنا بأسرح .. ماهي دية طاقة حب أيضاً، لأن أنت مشغول باللي بيحبك وبيموت من أجلك، وبعدين تاكله وانت فرحان، نقول له ما ستهلش إن أنت تديني دمك ده موضوع عاوز بحث طويل.
مش اللي يقفوا يتكلموا في القداس، واللي ينشغلوا بمواضيع ثانية، واللي قلع الجزمة هنا، واللي حطها شمال، واللي يمين، واللي بيتزن يتناول الأول، واللي يتناول الآخر واللي يتناول وينزل جري، واللي يجي من بره على المناولة، يتناول وينزل بسرعة، ده معناه عدم إدراك، وعدم فهم للي بيحصل في الكنيسة ولا الذبيحة .. ومعناه إن القلب متفرغ من محبة المسيح، وإن تعلقنا بالمسيح لا يعدو أن يكون مجرد عادة، إن إحنا بنيجي الكنيسة وبنخش ونطلع على طول .
ولكن أنا أعرف واحد .. الله ينح نفسه.. كان يصلي في كنيستنا هنا وكان يطلع من الكنيسة وابونا بيرش الماء ويروح ويقفل على نفسه الأوضة، ويقول لهم في البيت لما يجي حد قولوا له فلان قافل على نفسه الأوضة، مش هيقابل حد دلوقت، لما أقعد ساعتين أناجي يسوع اللي أنا أكلته، واللي إداني دمه، وكنت أشوف نظراته كدة وهو واقف طول القداس والدموع بتنزل من عينه لن تفارق عينه شكل الذبيحة، كان يقف في الهيكل نظرته للذبيحة لأن هو جاي لحاجة معينة، جاي من البيت ليسوع اللي هو بيحبه.
فمحبة يسوع في الواقع يا أحبائي تخلي عبادتنا سهلة ولذيذة.. كل أنواع العبادة باختصار—- علشان ما أطولش في النقطة دي .. كل أنواع العبادة إن مكنتش ممزوجة بالحب تبقى أيه؟ على رأي واحد من الآباء بيقول ليه نسيب الصلاة لأقل حاجة بسيطة، أقل مشغولية بسيطة يسيبها، أو واحد يقول أنا بانشغل وفعلاً بتهاجمنا أفكار كثيرة في أثناءالصلاة، لأن طاقة حبنا للمسيح ضعيفة، فعشان كدة الصلاة بتاعتنا رخوة، وأيه؟ ضعيفة وبعدين عشان كدة بتنتهي بضعف أيضًا. يسوع أيضاً في العبادة بتاعتنا بيحب إن أحنا نقدم له شيء واحد بيقول ما احبش أخش عند فلان وأيدي فاضية، وأنا ما أحبش أخش عند يسوع وايدي فاضية، عشان كدة في العهد القديم، كانوا دائما يقدموا الباكورات.
مثلاً واحد عنده غيط يأخذ الباكورة ويقدمها .. عنده ابن بكر يقدمه .. أو يقدم حاجة بداله فكان دائما يقدموا الباكورات .
مريم بقى الصبح بدري والظلام باقي، راحت قدمت أيه؟ قدمت طيب صلاة الصبحية — دي اللي هي مهملة، لأننا بننزل الصبح بسرعة، دي عبارة عن الطيب اللي بتقدمه ليسوع أول ما تفتح عينيك الصبح. تقول له اتفضل مشاعري، وحبي، واليوم بتاعي، وحياتي. هو أنا أقدر أنزل على السرير بتاعي دلوقتي يا يسوع إلا إذا كنت أنت تستلم اليوم ده. أرجو يا ربي أنه يكون في ملكيتك، واحنا بكره نقعد ونقول له أوصنا لملك اسرائيل، تعال أملك .. أملك على قلبي، ووقتنا، وحياتنا، وأجسادنا، وفكرنا، وكل ما لينا.
فخدمة الطيب في الصباح الباكر والدنيا لسة كدة والشمس لسة ما طلعتش الأشعة بتاعتها .. تقف كدة تقدم ليسوع أغلى حاجة عندك، تقول له آدي اللي حيلتي مشاعري بأقدمها لك في بداءه اليوم، أنا قايم من النوم وغالباً الواحد بيبقي قايم الصبح.. فكره مش مشغول بحاجة، مش زي بالليل فأنا قايم من النوم وباقدم لك مشاعر حبي كلها .. آدي الطيب أهو مع اللي قدموا في الفجر قبل القيامة بتاعتك ما حصلت، دية العبادة بتاعتنا.
الأعمال: الأعمال يا أحبائي في المسيحية، تختلف عن الأعمال في أي حاجة ثانية، لأن العمل الغير مصحوب بالمحبة، يصبح لا قيمة له، مهما كان ضخم.
يعني افرض إنك أسست مؤسسة اجتماعية لكن من غير حب، لدرجة إن ربنا اعتبر إن الفقراء دول إخوته الأصاغر “ما فعلتموه بأحد اخواتي الأصاغر فبي قد فعلتم”، فالعمل اللي ما فيهوش حب اعتبره رايح على الأرض، هذه المرأه اعطت من أعوازها ليه؟ لأنها بتحب المسيح، فالمحبة بتاعتها خلت الفلسين بتوعها يبقوا بالحساب بتاع المسيح أعطت أكثر من الأيهً؟ من الجميع… مش المهم إن أنت تدي الكثير، المهم أن تعطي من قلبك بحب، حتى الكنيسة وهي بتصلي بتقول أذكر يا رب الذين قدموا لكً هذه القرابين والذين يريدون أن يقدموا وليس لهم، دول يساووا دول عند المسيح مش عشان انت معاك تقدر تدي .. واللي ممعاهوش ما يقدرش يدي .. عشان كدة ربنا بيبص للعطية وبيوزنها في ميزان الحب، إذا كانت العطية دي .. عبارة عن حب للمسيح تبقى عطية مقبولة، إذا كانت مش حب للمسيح يبقى أرميها على الأرض خسارة على رأي القديس يوحنا ذهبي الفم: لا كسبتها في الأرض، ولا كسبتها في السماء .. قس على هذا كل عمل تعمله، إذا كنت بتعمل خير مع أخوك، إذا كنت بتسامح أخوك مش مضطر .. ولكن محبة في المسيح، لأن هو قال لك سامح أخوك، تبص تلاقي العمل ده يبقى عند ربنا يبقى كبير خالص، إذا كنت بتعمل عمل محبة مع إنسان وتفرج عن مريض متضايق ،تعبان ، محبة من أجل المسيح، العمل ده يبقي كبير خالص حتى إذا كانت في أي حاجة صغيرة بسيطة جداً، يمكن لخادم مدارس أحد يمكن بيخدم شوية عيال صغيرين كدة، ياما خدام كانوا عندنا في الكنيسة وكبروا، وانفضوا مكنش عندهم طاقة حب توصلهم المشوار للآخر يقول لك أصل احنا اتجوزنا بقى، وبقى عندنا عيال ومشاغل، وبنخدم بيتنا وانتهينا، والشماس اللي بيخدم في الكنيسة أيضًا وبيقول لحن ومبسوط وبيرتل وكل حاجة .. إن مكنش محبة للمسيح مش مقبول قدام ربنا، يعني ربنا هيعمل بصوته إيه؟ والكاهن اللي بيقدم أيضا ذبيحة وبخور قدام ربنا، إن مكنش محبة في المسيح يبقي بيضيع الوقت بتاعه .
عشان كده يا أحبائي المرأة دي أعطتنا درس مهم جداً، موضوع في منتهي الأهمية، نبتدي به أسبوع البصخة ده، وأعمالنا كلها إن خلت من المحبة فلا قيمة لها وحياتنا ومعاملتنا حجر الزاوية فيها هو محبة المسيح، عشان كدة حتى كلمة العتاب الوحيدة اللي عاتبها ربنا يسوع لبطرس بعد القيامة ما قالهوش أنت سبيت ولعنت وشتمت وكل الكلام ده .. قال يا سمعان أتحبني؟ قال له أنت تعلم يا رب، قال له خلاص .. بس ابقى أرع غنمي .. ها قول لك كمان مرة أتحبني؟ قال له آه أنت عارف .. ثالث مرة قال له: أتحبني؟ فبكى سمعان قال له أنت عارف، يعني قال له بس بأفكرك يعني عشان الحب مكنش يصح يخليك إن أنت تنكرني وتسب وتلعن.
ده يا أحبائي لا بد أن يكون طريقنا واضح ١٠٠٪ واحنا ماشيين وراء المسيح، وربنا يذكرنا كلنا في عبادتنا وفي معاملتنا إن خلت من محبة المسيح فهي نفاية ولا تساوي شيء.
الله قادر في بداية الأسبوع المقدس ده إنه يملأ قلبنا من محبة الصليب ومن محبة المصلوب ومحبة المشي وراء المسيح مهما كانت صعوباته أو طريقه.
ولإلهنا المجد الدائم أبدياً. آمين .
العظة السادسة لآباء وخدام معاصرون – أحد الشعانين
بيــــــــــــــــتي – للمتنيح الدكتور راغب عبد النور[43]
البيت هو بيت الله. مرة يقول الرب يسوع عنه: “بيتي بيت الصلاة”.. وأخرى يقول عنه “بيت أبى”.. معنى ذلك أنه بيت الله، ويتصل بالرب وينتسب اليه. وبنفس النسبة التي يطلقها الرب يسوع على الكنيسة، وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي، إذاً فالكنيسة – المبنى ـ كما في سائر معاني الكنيسة، هي في نطاق ملكية الرب، ويغير عليها الرب غيرته على مجده. لأنها جزء من المعنى العام للكنيسة التي اقتناها الرب بدمه .
وحين نتأمل كلمة “بيتي”، القول الذي يقوله الرب ليصف به الهيكل نخرج بالحق الواضح، أن ملكية الرب للكنيسة هي ملكية مطلقة لا تحتمل النسبية أو التجزئة، وتشمل كافة النواحي المادية والروحية، حتى أن كل ما يصدر عن بيت الله، كما لو كان يصدر عن الرب نفسه، ويرد كل نشاط وحركة في رحاب بيت الله تصدر منه أو تشع من مركزه إلى الرب الساكن فيه.. وفى البيت الذي يملكه الرب ملكية حقيقية وكاملة وشاملة، لا مكان للانسان .
كثيراً ما رأى الرب الباعة في الأسواق والطرقات، وسجل الكتاب عن الرب أنه وجد لذة أن يأكل مع الخطاة والعشارين، الذين هم أشد دنساً وإثماً من الباعة.. أما أن يجلس هؤلاء الباعة والصيارفة في الهيكل وفى أحد أركانه يزاولون البيع والشراء، وحجتهم في ذلك التيسير على الذين يقدمون تقدماتهم أو يريدون أن يوفوا نذورهم، فقد أثار هذا العمل غضب الرب فأعلنه على جميع فجور النـاس وإثمهم، الذين جعلوا بيت الرب بيت تجارة. فقلب موائدهم وطردهم من الهيكل ـ من بيته المقدس .
إن الرب لا يغضبه شيء كما يغضبه أن يغتصب الناس حقه في الملكية. ولأول مرة نحس بالنغم الحزين في صوت الرب، حين ينادي الرب آدم: “أين أنت؟” لأن آدم بعد الخطية خرج بحريته عن نطاق ملكية الله.. وهو عمل أغضب الله وأحزنته نتائجه. وعانى آدم من هذه النتائج، وما زال يعاني إلى أن ننال التبني فداء أجسادنا. وبنفس القياس أغضب الرب – الوديع والحمل – يغتصب الناس بيته – بيت الصلاة – ووجه الاغتصاب هو تحويل رسالة البيت، بحيث يجعلونه بيت تجارة. وهل تجتمع التجارة مع الصلاة؟! ليس من شك أنهما لا يجتمعان .
إن الدافع لخدمة ربح النفوس، تائبة معترفة راجعة للرب يسوع، غير الدافع لربح المال والوسيلة في ربح النفوس غير الوسيلة في ربح المال، والسرور والفرح اللذان يترتبان عن ربح النفوس غير السرور والفرح اللذان يترتبان عن ربح المال وجمعه. والعامل المتخصص في تجارة المال ليكسبه ويكنزه قد فوت على نفسه فرصة ربح النفوس للرب يسوع المسيح. وفى نفس التدرج نقول إن المكان الذي تغلبه حكمة جمع المال وتوفير أسباب جمعه، قد حرمه العاملون فيه نعمة جمع الفراخ تحت جناحي الرب.. لذلك ثار الرب غاضباً على البيت وعلى الناس الذين جعلوه بيت تجارة.. وكان أن طهر الرب الهيكل من الباعة والصيارفة ليرد اليه رسالته ونسبته إلى الرب شخصياً.
قال سليمان في صلاته بعد أن أكمل بناء الهيكل العظيم – لتكن عيناك مفتوحتين على هذا البيت ليلًا ونهاراً. على الموضع الذي قلت أن إسمى يكون فيه لتسمع الصلاة التي سيصليها عبدك في هذا الموضع، (١مل ۸: ۲۹) وأجاب الرب سليمان بقوله: “قدست هذا البيت الذي بنيته لأجل وضع اسمى فيه إلى الأبد وتكون عيناي وقلبي هناك كل الأيام.. ولسنا نؤمن أن الكنيسة بيت الله في مركز أدنى أو في مجد أقل من هيكل سليمان. وأن أبنية الكنائس سواء في تواضع مبانيها وزينتها أو في جمال مبانيها وأبهة زينتها، تفوق هذا الهيكل. إنها كرسي الرب المجيد، ملك الملوك ورب الأرباب يملأ الرب البيت من بهائه ومجده.. ليس في غمام السحاب أو عمود النار.. بل في وداعة الحمل الذي بلا عيب، وفى رفق المحبة الأبدية التي أدامت لنا الرحمة، في رحمة الصليب التي وسعت كل خطايانا، وفى نور القيامة البهيج والتي بها تم تبريرنا، إنه حلول نزع منا وعنا الموت والخوف والدينونة ومن كان يظن أن هذا الهيكل الذي اكتسى بالجلال والقداسة إذ فيه مجد القدوس المبارك إلى الأبد، ينتهى به الأمر على يد الكهنة أن يكون بيت تجارة.. استبدل فيه مجد الله لمجد الناس، واستبدلت بركة حلول الله بكثرة الأموال المجموعة .
أقول في منتهى الحذر حتى لا أنزلق، أن الكنيسة بيت الله، ملأها الروح القدس بحلوله وقدسها ليعلن للمؤمنين ويشير إلى مكان الرب يسوع فيها وجلوسه في وسطها بالكرامة والمجد والبهاء. أقول إن هذا البيت أي الكنيسة يحتفظ في داخله بسر ملكية الرب له وحلوله فيه. ورغم هذا، فإن الإنسان يحاول أن يطوي حقيقة هذا المجد العظيم ويصنع ستائر كثيفة قوامها مأدبة وظلمة في الفكر والقلب، وما أكثر ما حاول أن ينتهى بكنيسة الله مثل ما انتهى اليهود اليه بهيكلهم. وهيهات أن يتم ذلك، لأن اليهود شعب رفضه الرب وترك لهم بيتهم خراباً منذ أن رفضوا رب المجد وصلبوه معلقين إياه على خشبة. أما الكنيسة فغير ذلك، وتختلف عن ذلك اختلافاً كبيراً، وكلما أمعن الإنسان أو أصر أن يدخل بيت الله، يشير فيه مشورة أخيتوفل أو يقيم في بيت الرب كرسيا للشيطان، فإن الرب يطارده طرد الباعة ويعزله عزل شاول الملك المرفوض. لأن الوعد للكنيسة هو وأبواب الجحيم لن تقوى عليها..
العظة السابعة لآباء وخدام معاصرون – أحد الشعانين
شرح المعني اللاهوتي والروحي لبعض المعاني في انجيل القداس – للمتنيح الدكتور موريس تواضروس[44]
عدد 3: الرب (Kurios) “الرب محتاج إليه”..
من كلمة (Kuros) بمعنى: القوة القصوى – السلطة. وعلى ذلك فكلمة (Kurios) تعني: شخص له سلطة – سيد مالك حاكم. وفى اللغة اليونانية الكلاسيكية، كانت تستعمل عن الآلهة مثل هوميروس- زفس. كذلك كانت تستعمل عن رأس الأسرة الذى هو رب للزوجة والأولاد، بينما هو سيد (Despotys) للعبيد. وفى رسائل بولس الرسول، فإن سيد العبيد تستعمل له الكملتان: سيد Despotys (١تي٦: ١ ،٢) (تى٢: ٩) وانظر أيضا (١بط٢: ١٨) ورب “Kurios” (أف٦: ٩) (كو٤: ١).
وفى الترجمة السبعينية، استعملت كلمة سيد “Kurios” على لسان سارة وهى تتحدث عن زوجها (تك٤٢: ٣)- قارن مع (١بط٣: ٦)، ولقد دعى يوسف “سيد Kurios الأرض” (تك٤٢: ٣٣). وخاطبه أخوته “سيدي” (تك٤٢: ١٠) واستعملت الكلمة عن الله (تك١٨: ٢٧) (خر٤: ١٠) وفى العهد الجديد، فهى اسم الله (مت 1: 20، 22 ،24، 2:15) (أع11: 16، 12: 11، 17، رؤ1: 8). ولقد أطلقت على السيد المسيح لتشير إلى ألوهيته، مثل: ربي وإلهي (يو20: 28) ورب الكل (أع 10: 36)، ورب لمجد الله الآب (فى 2: 11) رب المجد (1كو2: 8).
عدد 5: ابنة صهيون (Ty thugatri Siwn) “قولوا لابنة صهيون هوذا ملكك يأتيك وديعًا”.. يقصد بها أورشليم. قارن مع عبارة “بنت بابل” عن مدينة بابل (مز137: 8 ،إش47: 1)
و”بنت صور” عن مدينة أو شعب صور (مز45: 12) و”بنت شعبي” (إش 22: 4).
ابن آتان (Uion hupozygiou) راكبا على آتان وجحش ابن آتان. كلمة “آتان” تعني فى اليونانية “تحت النير” لأنها تتركب من “Hupo” بمعنى تحت، و”Zugos” بمعنى “نير”. فعبارة ابن آتان تعني اذن حرفياً: ابن حيوان تحت نير. وهكذا فالعبارة تقصد الى تأكيد حالة التواضع التى ظهر بها السيد المسيح. حتى الحمار الذى ركب عليه لم يكن عليه سرج، ولكنه ركب على حيوان تحت نير وضعت عليه ثياب التلاميذ الخارجية.
يقول ماريعقوب السروجى: [حبك أنزلك من المركبة إلى الجحش العاري عوض جنود الكاروبيم غير المفحوصين يبجلك جحش متضع فى بلدنا أنزلتك المراحم من بين العجل والوجوه وأجنحة اللهب، لكي يبجلك ابن الآتان. فى المركبة يجاهر السمائيون ببهائك، وهنا الجحش الحقير المزدرى به، يحملك بين السمائيين .كاروبيم النار يباركونك طائرين، وهنا الأطفال يمجدونك بتسبيحهم، ملائكة النور بريش النور يهيئون طريقه، والتلاميذ هنا يلقون قدامه ثيابهم. نزل الجبار من عند أبيه ليفتقد مكاننا، وبإرادته بلغ إلى منتهى الاتضاع. ركل الجحش ليفتقد بالاتضاع شعبه.
زكريا البني حمل قيثارة الروح، وأسرع قدامه بترتيب نبوته بابتهاج، شد أوتاره وحرك صوته وقال: افرحي يا ابنة صهيون واهتفي واصرخي، لأن ملكك يأتي… راكبًا جحشاً ابن آتان (زك9: 21)].
عدد 10: ارتجت (Eseisthy) “ارتجت المدينة كلها قائلة ما هذا”..
حرفياً: تزلزلت كما بزلزال أى صار نوع من تهيج الشعور العميق جداً .
عدد12: الصيارفة (Kollubistwn) قلب موائد الصيارفة..
كان عمل الصيارفة تغيير العملات الأجنبية إلى الشاقل (عملة فضية عبرانية قديمة) لكي تقدم منها الفريضة السنوية (مت17: 24).
عدد 16: هيأت (Katyrtisw) “من أفواه الأطفال والرضع هيأت تسبيحاً”..
استعملت نفس هذه الكلمة فى (مت٤: ٢١) حيث يتكلم عن اعداد الشبكة أو اصلاحها.
والمعنى الأخر للكلمة هو: يجهز أو يزود إلى مستوى الكمال. فيكون المعنى فى هذه الآية: لقد زودتهم أو مددتهم بكمال التسبيح (انظر (مز٨: ٢).
من وحي قراءات أحد الشعانين
“هوذا ملكك يأتيك وديعاً راكباً على آتان وجحش إبن آتان” (إنجيل قدّاس أحد الشعانين).
الموكب الوحيد الذي سمح به الرب أن يعمله له التلاميذ والشعب كان علي جحش !
رفض الرب كثيراً مواكب أخري تريد أن تُعظِّمه (يو ٦: ١٥).
لأن الرب أعلن ملكوته لشعبه بوداعته (مت١٢: ١٨)، وحتى عندما أراد أن يملك علي قلب كل إنسان أظهر إرادته الإلهية في وداعة (رؤ٣: ٢٠).
ولم تفارقه الوداعة في أصعب أوقات حزم الأمور وحسمها.
فعندما طرد الباعة من الهيكل قَبِلَ تسبيح الأطفال (مت ٢١: ١٦).
وشفى كل العمي والعرج الذين تقدموا إليه (مت٢١: ١٤).
وذلك ليرسم لنا الطريق كيف نملك على الآخرين بالوداعة والخدمة وغسل الأقدام.
وكيف لا تفارقنا الوداعة عند الغضب فنفقد سلامنا ونكون عثرة.
“إذا تسلَّط على الناس بار يتسلَّط بخوف الله” (٢صم٢٣: ٣) آية تُعْلِن جوهر السيادة والسلطة في الكنيسة.
وحتى القادة الذين أعطاهم الرب الويلات لم يحرمهم بركة حضوره في بيوتهم ليُعلن لهم دوام محبّته ووداعته رغم إستمرار عنادهم (لو٧: ٣٦)، (لو١١: ٣٧)، (لو١٤: ١).
المراجع
[1] كتاب مفاهيم إنجيلية – صفحة ١٦٥ – الأنبا إبيفانيوس – أسقف ورئيس دير القديس أنبا مقار.
[2] القديس يعقوب السروجي – تفسير إنجيل متي إصحاح ٢١ – القمص تادرس يعقوب ملطي.
[3] راجع دراسة منهجية للقراءات الليتورجية للكنيسة القبطية – ص ١٩٥- م.فؤاد نجيب يوسف.
[4] راجع كنوز النعمة – البصخةالمُقدَّسة – ص ٨٣، ٨٤ – الأرشيدياكون بانوب عبده.
[5] كتاب البصخة المُقدَّسة – جزء أول صفحة 137 – لأبونا أثناسيوس المقاري.
[6] تفسير يوحنا ١٢ – القمص تادرس يعقوب ملطي.
[7] كتاب السنة الكنسية القبطية – يسي عبد المسيح – إصدار الأغنسطس نبيل فاروق فايز.
[8] البصخة المُقدَّسة – الجزء الأوَّل ص ١٦٥ – الأب أثناسيوس المقاري.
[9] البصخة المُقدَّسة – الجزء الثاني صفحة ١٨٠ – الأب أثناسيوس المقاري.
[10] تفسير المزمور – القمص تادرس يعقوب ملطي.
[11] تفسير إنجيل لوقا – إصحاح ١٩ – القمص تادرس يعقوب ملطي.
[12] تفسير رسالة العبرانيين – إصحاح ٩ – القمص تادرس يعقوب ملطي.
[13] راجع: دراسة منهجية للقراءات الليتورجية للكنيسة القبطية – ص ١٩٦ – م. فؤاد نجيب يوسف.
[14] تفسير رسالة بطرس الأولي – إصحاح ٤ – القمص تادرس يعقوب ملطي.
[15] الصوم الكبير مقدمة لدراسة قراءات الصوم الكبير – القمص كيرلس عبد المسيح حنا.
[16] تفسير المزمور – القمص تادرس يعقوب ملطي.
[17] كتاب البصخة المُقدَّسة – جزء أول ص 214 – لأبونا أثناسيوس المقاري.
[18] تفسير انجيل متى – إصحاح ٢١ – القمص تادرس يعقوب ملطي.
[19] تفسير انجيل مرقس – إصحاح 1١ – القمص تادرس يعقوب ملطي.
[20] تفسير إنجيل لوقا – إصحاح ١٩ – القمص تادرس يعقوب ملطي.
[21] كنز التفسير – الشماس بشارة بولس.
[22] تفسير المزمور – القمص تادرس يعقوب ملطي.
[23] تفسير إنجيل يوحنا – إصحاح ١٢ – القمص تادرس يعقوب ملطي.
[24] مخطوطة بدير القديس أنبا مقار ببرية شيهيت – موقع دير القديس أنبا مقار.
[25] تفسير سفر حزقيال – إصحاح ٣٧ – القمص تادرس يعقوب ملطي.
[26] تفسير انجيل يوحنا – ص ٥ – القمص تادرس يعقوب ملطي.
[27] كتاب كنوز النعمة – البصخة المُقدَّسة – ص ١٠ – الأرشيدياكون بانوب عبده.
[28] كتاب كنوز النعمة – البصخة المُقدَّسة – ص 99 – الأرشيدياكون بانوب عبده.
[29] كتاب كنوز النعمة – البصخة المُقدَّسة – صفحة ١٠١ – الأرشيدياكون بانوب عبده.
[30] تفسير انجيل متي الاصحاح الحادي والعشرين – القمص تادرس يعقوب ملطي
[31] تفسير إنجيل لوقا للقديس كيرلس الإسكندري – عظة ١٣٠ – صفحة ٦٢١ – ترجمة دكتور نصحي عبد الشهيد.
[32] تفسير إنجيل مرقس – الإصحاح الحادي عشر – القمص تادرس يعقوب ملطي.
[33] موقع دير القديس أنبا مقار الكبير ببرية شيهيت على النت.
[34] تفسير إنجيل مرقس – الإصحاح الحادي عشر، وإنجيل يوحنا – الإصحاح الثاني – القمص تادرس يعقوب ملطي.
[35] Simonetti M. & Oden, T.C. ( 2002 ). Matthew 14 – 28 (The Ancient Christian Commentary on Scripture,New Testament part Ib ). Illinois (U.S.A): InterVarsity Press. Pages 123 – 127.
[36] تفسير سفر مراثي إرميا – الإصحاح الثاني – القمص تادرس يعقوب ملطي.
[37] كتاب مفاهيم إنجيلية – صفحة ١٥٧- الأنبا إبيفانيوس – أسقف ورئيس دير القديس أنبا مقار.
[38] تفسير إنجيل متى ص ٢٢٥، ٢٢٦؛ وتفسير إنجيل يوحنا ص ١٢٥، ١٢٦ – الأنبا أثناسيوس مطران بني سويف والبهنسا.
[39] مجلة مدارس الاحد عدد ابريل لسنة 1960.
[40] كتاب القديس بطرس الرسول يعلمني – صفحة 53 – القمص لوقا سيداروس.
[41] كتاب كنوز النعمة – الجزء الخامس صفحة ٧٨ – الأرشيدياكون بانوب عبده.
[42] كتاب عظات مضيئة معاشة – صفحة ٢٤٦ – إصدار مطرانية ملوي وأنصنا والأشمونين.
[43] مجلة مدارس الاحد عدد فبراير لسنة 1964.
[44] كتاب المدلولات اللاهوتية والروحية في الكتاب المقدس بحسب انجيل متي – صفحة 150 – دكتور موريس تواضروس – استاذ العهد الجديد بالكلية الاكليريكية.